
الحضانة نورا حسين جاب الله
تجارب المستمعين
لغاية دلوقتى مش عارفة اتخطى اللى حصلى، كل ليلة افتكره وبيجيلى كوابيس بسببه، انا حتى مبقتش عارفة انزل شغل جديد من كتر الخوف والرعب اللى عيشته، ورغم ان كل اللى حواليا حاولوا يقنعونى انى انسى، لكن انا مش قادرة أنسى اللى شوفته بعينى وسمعته بودنى، ومعتقدش انى فى يوم من الايام هقدر انسى التجربة الفظيعة دى..
*********
قعدت عالرصيف أرتاح شوية لغاية ما المترو يجى، رجلى دابت من كتر المشى، من أول ما النهار طلع وانا بلف على المحلات، عشان أدور على شغل يكون مسائى جنب شغلى بتاع الصبح، كنت مضطرة أشتغل شغلانتين عشان أقدر أكمل الجهاز اللى ناقصنى، فرحى كان فاضل عليه شهور وانا لسه ناقصلى حاجات كتير، وانا كنت بعمل كل جهدى عشان أساعد نفسى ومحملش أهلى فوق طاقتهم، وفى اليوم دة لفيت على اماكن كتير، بس متوفقتش فى أى شغلانة منهم، اللى يقولى مش محتاجين، واللى يقول سيبى رقمك وهنكلمك، واللى يقول تعالى اشتغلى تحت التمرين بس من غير مرتب..
خدت نفسى وانا حاسة بإحباط رهيب، بس بعد شوية، ولد صغير من اللى بيوزعوا اعلانات جه ورمالى ورقة ومشى، ولما بصيت فيها لقيتها اعلان عن شغل فى حضانة، قريته من غير اهتمام لانى عارفة ان شغل الحضانات فلوسه قليلة، بس اللى شدنى ليه انى لقيتهم طالبين بنات تشتغل فى شيفت مسائى من 4 ل 10، ودة اللى انا عاوزاه بالظبط، عشان أقدر أروح شغلى بالنهار فى المستشفى، ويبقى عندى فرصة ارتاح ساعتين وارجع اكمل شغل فى حتة تانية، عشان كدة خدت العنوان من الورقة وقومت رايحالهم على طول، الحضانة كانت فى منطقة هادية وراقية جدا، واول ما قربت من المكان شوفت اليافطة بتاعتها مكتوب عليها حضانة الزهور، ولقيت الاعلان اللى معايا متعلق على باب الحضانة، سميت الله ودخلت وانا بدعى ربنا يكون المرتب كويس،
ومع دخولى قابلتنى واحدة ست كبيرة فى السن، ومن لبسها ونظراتها كدة عرفت انها مديرة الحضانة دى، اما هى فرحبت بيا وشاورتلى على اوضة المكتب عشان نقعد ونتكلم، وانا مستنتش انها تبدأ الكلام معايا، لانى بمجرد ماقعدنا قولتلها:
_ انا كنت جاية بخصوص الاعلان بتاعكم، انتوا محتاجين حد للشيفت المسائى؟
_ ايوة فعلا احنا محتاجين مدرسات للشيفت المسائى، بس مش للتدريس، الوقت دة بيبقى استضافة للأطفال، يعنى لو الأهل وراهم اى مشاوير مهمة ومش مناسبة للأطفال بيسيبوهم هنا، وكمان فى بعض الاطفال اللى عندهم فرط نشاط وبيحبوا الحركة باستمرار دول برضو بيكونوا معانا، وغيرهم من الحالات اللى تشبه الكلام دة.
_ طيب فى أجازة ولا الشغل طول الاسبوع؟
_ الاستضافة مفتوحة طول الاسبوع طبعا، لكن انتى ممكن تنسقى مع البنات اللى هيشتغلوا معاكى وتبدلوا مع بعض فى يوم للأجازة، المهم عندى ان يكون فى حد موجود والحضانة متتقفلش.
_ اه تمام مفهوم، طب وبالنسبة للمرتب؟
_ متقلقيش خالص من الناحية دى، انا عارفة ان شغل التدريس فى الحضانة بيبقى مرتبه مش أد كدة، لكن الاستضافة ليها وضع خاص، لانك بتكرسى كل وقتك للطفل والانشطة اللى حابب يقوم بيها، يعنى بالبلدى كدة بيطلع عينك، فاحنا مراعيين حاجة زى كدة كويس اوى.
_ وكام بنت بتشتغل هنا؟
_ حاليا مفيش غير واحدة بس اللى اتقدمت للشغل اسمها سارة، اكيد هتتعرفوا على بعض لو ليكى نصيب معانا، انتى بقى اسمك ايه؟ وياترى متفرغة ولا عندك شغل تانى؟
_ انا اسمى أميمة، وبشتغل الصبح ممرضة فى مستشفى خاص.
_ تمام يا أميمة نورتينى، انا اسمى مدام فريدة، أو تيتة فريدة زى ما الأطفال بيقولولى، فى حاجة واحدة بس حابة أقولك عليها فى نظامنا وشوفى تناسبك ولا لأ، التعليمات هنا انك تسلمى تليفونك بمجرد ما تمسكى الشيفت، وفى الآخر وانتى ماشية بتاخديه تانى عادى.
_ تليفونى؟ ليه؟ ايه النظام الغريب دة؟
_ مش غريب ولا حاجة، احنا بس بنضمن ان المُدرسة اللى قاعدة مع الاطفال معندهاش أى حاجة تشغلها عنهم، انتى عارفة دى مسئولية ولازم نكون ادها.
_ ايوة طبعا انا فاهمة الكلام دة كويس، وماشى معنديش مانع انى اقفل التليفون.
_ لا مش تقفليه، تسلميه، التليفون مش هيكون معاكى خالص طول مانتى هنا، هتسلميه ليا وانا هقفل عليه المكتب، ومش هتاخديه غير وانتى ماشية.
اتنهدت بتعب وقلة حيلة وانا مش عارفة أرد عليها، وبعد شوية تفكير قولتلها وانا مُحبطة:
_ حاضر، امرى لله.
_ يبقى كدة اتفقنا، نورتينا وربنا يكتبلك الخير معانا ان شاء الله.
خلصت كلامى معاها، ومشيت بعد ما اتفقنا انى هبدأ شغل من تانى يوم على طول، وفعلا روحت تانى يوم فى الميعاد، وهناك اتقابلت مع سارة، هى كمان كانت جديدة زيى، وعرفت منها ان المديرة عاملة حكاية الاستضافة دى من زمان، ودة بناء على طلب الاهالى اللى فى المنطقة، لانهم عارفينها كويس وبيثقوا فيها، فاقترحوا عليها تفتح شيفت مسائى، فى الاول استغربت ازاى سارة عرفت كل دة مع انها لسه جاية جديد، بس لما قعدت معاها الكام ساعة بتوع الشغل، اكتشفت انها رغاية بطريقة مش معقولة، بتحكى عن كل حاجة، وبتسأل فى كل حاجة، من النوع اللى مش بيحب يقعد فاضى ولا ساكت، وانا استغليت دة وخليتها تحكى للعيال حواديت عشان نضيع الوقت، والاطفال كانوا لُطاف معانا جدا، ومش متعبين، بس لفت نظرى طفل معين إسمه آدم، كان غريب أوى ومميز وسطهم، على طول ساكت ومش بيشارك فى اللعب مع زمايله، والحاجة الوحيدة اللى دايما بيعملها هى الرسم، حاولت أكتر من مرة انى أخليه يندمج مع باقى زمايله، بس هو كان بيرفض بأدب ويفضل يرسم، واللى لاحظته ان رسوماته كلها عبارة عن واحدة ست واقفة جنب الباب، ولما فى مرة سألته ليه بيكرر الرسمة دى دايما ومش بيحاول يرسم حاجة تانية، قالى وهو باصص فى الارض:
_ هى اللى دايما تقولى ارسمنى.
_ هى مين دى يا آدم؟ دى قريبتك؟
لما سمع سؤالى سكت ومردش عليا، وكمل رسم عادى ولا كأنى سألته عن حاجة، وانا وقتها مهتمش وكملت شغلى من غير ما أضغط عليه بالأسئلة، وفضلنا عالحال دة حوالى اسبوعين، كل يوم اخلص شغل المستشفى، واروح اتغدى واغير هدومى وبعدها اطلع عالحضانة، واقضى الوقت مع الاطفال ورغى سارة وبعد كدة أروح انام على طول، لغاية ما جه يوم ولقيت سارة بتكلمنى وبتقولى:
_ أميمة معلش، انا مش هعرف آجى النهاردة، شيلى مكانى ويبقى ليكى عندى يوم هشيله بدالك.
_ ماشى ياسارة مفيش مشكلة، كدة كدة المديرة كانت قايلة اننا لينا يوم أجازة نبدله مع بعض، واحنا مخدناش أجازة من ساعة ما اشتغلنا.
_ طيب تمام، يالا أشوفك بكرة على خير.
فرحت انى هرتاح من رغى سارة اليوم دة، وروحت الحضانة وفضلت قاعدة مع العيال نلعب ونضحك، وشوية بشوية بدأوا الاهالى ييجوا ياخدوهم واحد ورا التانى، ما عدا آدم، مامته اتأخرت وهو فضل يسأل عليها كل شوية، وانا قعدت أصبر فيه واقوله:
_ زمانها جاية يا حبيبى متقلقش.
بس اللى حصل ان الوقت جرى، والساعة عدت عشرة ومامته لسه مجاتش، المكان حوالينا بقى ساكت خالص، وانا كنت بدأت أزهق واتعب، والولد كمان كان فاضل شوية ويعيط، لقيت مدام فريدة طالعة من المكتب وهى ماسكة تليفونى، واديتهولى وهى بتقولى:
_ انا هطلع شقتى بقى يا أميمة، لو سمحتى رنى على مامت آدم استعجليها، ولما تيجى تاخده اطفى النور وقفلى المكان وروحى على طول.
قالتلى الكلمتين دول وطلعت عالسلم فى هدوء، وانا مسكت تليفونى وحاولت أرن على مامت آدم، بس مكنتش بترد عليا، جربت مرة واتنين وتلاتة كان يدى جرس وهى مش بترد، قعدت عالكرسى وانا بنفخ ومتضايقة وفجأة لقيت آدم بيقولى من غير أى مقدمات:
_ مش هينفع نفضل هنا لوحدنا أكتر من كدة.
رديت عليه وانا مستغربة اللى بيقوله:
_ ما احنا هنروح يا آدم بس لما مامتك تيجى، يظهر انها وراها حاجة مهمة عطلتها.
_ لأ انا خايف، هى ممكن تطلع دلوقت وتشوفنا.
_ هى مين دى يا آدم؟
_ الست اللى عايشة هنا.
_ عايشة هنا فين يا حبيبى، دى حضانة مفيش حد عايش فيها.
_ لأ انا شوفتها كتير قبل كدة، كانت بتبقى واقفة بعيد تتفرج علينا وخايفة تقرب مننا، انا بخاف منها اوى عشان شكلها وحش، بس هى عارفة انى بشوفها وممكن لو شافتنا لوحدنا تقرب منى وتإذينى.
_ لا يا آدم مفيش أى حد هيأذيك، انت أكيد اتهيألك انك شوفت حاجة، بس دة مش حقيقى.
فجأة وانا بتكلم معاه، لمحت بطرف عينى حاجة سودة عدت من جنبى، لفيت راسى بسرعة عشان اشوف ايه دة، بس ملقيتش اى حاجة خالص، بلعت ريقى وانا متوترة وبصيت تانى لآدم وقولتله:
_ الاحسن اننا منقولش الكلام دة، ومش عاوزاك تخاف لان مفيش حاجة تخوف.
_ لأ هى هنا دلوقتى، هى عايشة هنا وبتفضل تقولى إرسمنى.
_ آدم قولتلك كفاية كدة.
_ يعنى انتى مش حاسة بيها يامس؟ طب بصى هناك كدة.
رفع ايده وشاورلى ناحية الممر اللى فيه بقية الاوض، فى الاول اخدت الموضوع عِند ومرضيتش ابص، عشان ميفكرش انه قدر يأثر عليا ويخلينى اصدقه، بس صوت حركة خفيفة جات من ناحية الممر خلانى رفعت راسى بسرعة وانا ببص هناك، وساعتها لمحت حاجة من بعيد، زى طرف قماشة سودة، او بالأصح طرف عباية سودة، نطيت فى مكانى وانا مفزوعة، وآدم صرخ هو كمان من الخوف، بس انا قدرت أسيطر على نفسى بسرعة وفضلت اقوله:
_ اهدى، مفيش حاجة دة انا رجلى وجعتنى فجأة عشان كدة قومت.
لكن هو كان ابتدا فى العياط ونظرات الرعب مالية عنيه، حاولت اهديه بأى طريقة لكن مفيش فايدة، واللى زود همى فى اللحظة دى هو وصول مامته، اللى اول ما شافها طلع يجرى عليها وأخدها بالحضن وقالها:
_ ماما، المس شافت العفريتة اللى انا قولتلك عليها.
امه ساعتها بصتلى وهى مذهولة وغضبانة فى نفس الوقت، بس انا لحقت نفسى على طول وقولتلها:
_ مفيش حاجة والله يافندم، دة آدم كان خايف وانا قولتله دى تهيؤات، انا لا شوفت حاجة ولا قولتله حاجة.
_ اومال هو بيقول كدة ليه؟
_ مانا قولت لحضرتك، هو قالى انا بشوف حاجات قولتله لأ بيتهيألك.
_ اظن مش محتاجة اقولك يامس اننا مينفعش نهاوده فى كلام زى دة.
_ أه طبعا، انا فاهمة وعمرى ما أعمل كدة.
الست شدت ابنها ومشيوا من قدامى بسرعة، كأنها بتحميه من واحدة مجنونة، أما انا فكانت حالتى وحشة، كنت محرجة من الموقف اللى حطنى فيه آدم، وفى نفس الوقت كنت حاسة بخوف مش عارفة ليه!
عشان كدة قولت أقفل المكان بسرعة وامشى، ودخلت أول اوضة طفيت النور والمروحة وبعدها قفلت الباب، ونفس الحكاية فى الاوضة التانية، بس مع اول خطوة ليا فى الاوضة التالتة سمعت صوت باب بيتفتح ببطء، اتسمرت مكانى وانا حاسة بضربات قلبى بتزيد، وحسيت بقشعرة غريبة فى جسمى كله، مش عارفة الجو برد فجأة ولا انا اللى من الخوف حسيت ببرد شديد، طلعت من الاوضة تانى وانا ببص فى الممر يمين وشمال، وفى نفس اللحظة شهقت وانا بحط ايدى على بؤى وبكتم صرختى، كنت هموت من الرعب، ودة لما شوفت باب الاوضة الاولى اللى انا لسه قافلاه مفتوح، مبقيتش عارفة اعمل ايه، اصرخ ولا أجرى ولا اطلع فوق لمدام فريدة ولا أتصرف ازاى، عقلى مكنش قادر يفكر فى أى حاجة، وبعد ثوانى مديت ايدى فى جيبى اجيب التليفون، كنت عاوزة اعمل اى حاجة اشغل قرآن، او اتصل بحد يجى يلحقنى، بس اتفاجأت ان التليفون مش موجود معايا، طلعت برة فى الصالة وانا وشى للممر مش عارفة ابعد عينى عنه، وفضلت ارجع بضهرى لغاية ما وصلت الصالة، روحت على شنطتى مسكتها وفضلت أفتش فيها، لكن ملقتش التليفون خالص، كنت هتجنن، راح فين التليفون؟
دة كان فى ايدى ورنيت على مامت آدم منه كذا مرة، اختفى راح فين؟
فضلت الف حوالين نفسى وانا ببص عليه فى كل حتة، ومن خنقتى من اللي بيحصل معايا بدأت أعيط، بس مرة واحدة سمعت صوت رنة موبايلى جاى من ناحية الاوض، وقفت شوية فى مكانى وانا مترددة، كنت خايفة أدخل جوة تانى، بس بعد كدة روحت ناحية الممر وانا بجر رجلى بالعافية، ولما قربت لقيت ان الصوت جاى من الاوضة اللى بابها اتفتح لوحده، حاولت أقنع نفسى انى مقفلتش الباب كويس، وان التليفون وقع منى جوة عادى، وبعد كدة خدت نفس جامد واستعذت بالله وروحت وقفت قدام الباب، فى نفس اللحظة التليفون سكت، وانا مديت ايدى شغلت النور، ودخلت وانا عينى بتدور فى المكان عشان اشوف التليفون فين، ، فضلت ادور تحت الديسكات والكراسى، بس مكنش ليه أى أثر، قلبت الرفوف وكل حاجة موجودة فى الاوضة وبرضو مفيش فايدة، وقتها اتأكدت ان فى حاجة مش مظبوطة فى الشقة دى، وانى لازم أخرج من المكان دة حالا، واذا كان عالتليفون أبقى آجى أخده أى وقت لما يكون الكل موجود، وفعلا خرجت من الاوضة، ويادوب لسه هطلع ناحية باب الشقة سمعت صوت حد بيتكلم، فى الاول كان زى همس مش واضح، بس بعد كدة الصوت بقى أعلى، وحسيت ان حد بيتكلم وبؤه متكمم، وقفت مكانى وابتديت أركز مع الصوت، يمكن جاى من الشارع أو من عند الجيران اللى فى العمارة، بس لأ، الصوت كان معايا فى الحضانة، كان صوت واحدة ست بتعيط، وبتتكلم بس صوتها مكتوم مقدرتش أفهم اللى بتقوله، انا كمان كنت بعيط من الرعب، رجلى تقلت ومبقتش قادرة أحركها، وفجأة انوار الشقة كلها بدأت تضعف وتتهز، وسمعت باب الاوضة بقى يتفتح ويتقفل جامد وبسرعة، واول ما بصيت ناحيته، لمحت حد لابس اسود طالع من الاوضة، ساعتها مقدرتش أمسك نفسى، جريت على باب الشقة وانا بصرخ بأعلى صوتى، حاولت أفتحه بس مكنش بيفتح، فضلت اخبط عليه بإيديا الاتنين وانا بصرخ بهيستريا فظيعة، ولما استوعبت انى اتحبست فى المكان دة، حسيت ان جسمى كله اتشل فجأة، الدنيا اسودت فى عينى ومحستش بنفسى، ومعرفش ايه اللى حصلى بعد كدة..
لما فوقت شوفت ناس كتير اوى حواليا، ستات ورجالة معرفهمش، وكان واقف معاهم مدام فريدة، بس كانت بصالى بنظرة مفهمتهاش، كانت قلقانة بس فى نفس الوقت حسيت انها متضايقة منى، وهما اول ما شافونى فتحت عنيا، كلهم فضلوا يسألونى ورا بعض، ايه اللى حصلك؟
كنتى بتصرخى ليه؟
انتى شوفتى حرامى؟ حد اتهجم عليكى؟
مكنتش لاحقة ارد على اى حد فيهم، بس صوت مدام فريدة وسؤالها الغريب اخترق ودانى وعقلى فى لحظة، لقيتها بتسألنى بلهجة كلها اتهام ومفهاش اى تعاطف مع حالتى وقالت:
_ كنتى قافلة على نفسك الباب من جوة ليه يا اميمة؟
سؤالها نزل على دماغى زى الصاروخ، باب ايه اللى قفلته؟ بتقول ايه الست دى؟
بصيتلها بذهول وقولتلها:
_ حضرتك بتقولى ايه؟ انا مقفلتش حاجة!
_ الشارع كله سمعك وانتى بتصرخى، واما جينا عشان نلحقك لقينا الباب مقفول بالمفتاح من جوة، وطبعا اضطرينا نكسر الباب.
_ بس انا مقفلتش حاجة، دة انا حاولت افتحه معرفتش.
_ وايه اللى خلاكى تصرخى بالشكل الفظيع دة؟
فضلت ابصلها وابص للناس اللى واقفين، وانا مش عارفة ارد عليها اقول ايه، كلهم كانوا مركزين معايا ومستنين يسمعوا اللى هقوله، بس لو قولت على اللى حصل هيفتكرونى اتجننت، صعب اوى ان حد يصدق اللى حصل معايا، عشان كدة اضطريت اخترع اى كذبة، وقولت اول حاجة جات على بالى:
_ اصل انا ااا..، انا شوفت فار كبير فى المطبخ، وبعدين… جريت عالباب عشان افتحه من لبختى معرفتش، وانا عندى فوبيا من الاماكن المقفولة فمتحملتش وصرخت عشان حد يجى يطلعنى.
طبعا كان كلام مش مقنع خالص، بس دة اللى قدرت عليه، وبعد شوية الناس بدأت تمشى، ومدام فريدة اخدت منى المفاتيح وهى بتقولى:
_ هستناكى بكرة الصبح من بدرى عشان نتكلم يا اميمة.
كنت عاوزة اقولها انى مش جاية هنا تانى اصلا، بس سكت لانى كنت عاوزة اتكلم معاها واحكيلها على الاهوال اللى بتحصل فى المكان، ولو مش هتصدقنى يبقى تسأل آدم، اللى واضح جدا انه كان عنده حق..
روحت البيت وانا ماشية بتلفت حوالين نفسى، وفضلت طول الليل صاحية بتنفض مع اقل حركة او صوت، وتانى يوم قومت من بدرى غيرت هدومى عشان اروحلها، طول الطريق كان عقلى مشغول، هقول ايه وهبدأ ازاى؟
ووصلت هناك وانا حاسة بقبضة قلب مش طبيعية، لقيتها قاعدة على مكتبها مركزة فى ورق قدامها، كنت متأكدة انها سمعانى وانا داخلة بس اتعمدت مترفعش راسها وتبصلى، فبدأت انا الكلام وقولتلها بصوت واطى:
_ مدام فريدة، انا محتاجة اتكلم معاكى فى اللى حصل امبارح.
رفعت راسها وبصتلى من تحت نضارتها وقالتلى:
_ خير؟
ساعتها قعدت قدامها وابتديت احكى كل حاجة، من اول ما قعدت انا وآدم لوحدنا لغاية ما لقيت نفسى محبوسة، كنت بتكلم وانا بترعش وصوتى بيروح وكأنى بعيش كل لحظة من تانى، وطول مانا بحكى كنت مستنية اشوف رد فعل على اللى بقوله، يعنى تتصدم او تستغرب اى حاجة، لكن هى استنت لما خلصت كلامى، وقامت وهى بترمى القلم اللى فى ايديها عالمكتب وقالتلى:
_ انتى جاية تشتغلى ولا جاية تألفى قصص؟ احنا مش فاضيين للكلام اللى مالوش لازمة دة، انتى مستوعبة اللى بتعمليه؟
_ أاانا.. انا مش ببالغ والله، انا كنت هموت من الرعب، ومتأكدة ان فى حاجة مش مظبوطة فى المكان دة.
_ بطلى التخاريف اللى بتقوليها دى، انتى أذيتينى فى أكل عيشى، صريخك سمع الشارع كله، والامهات بقوا خايفين يجيبوا عيالهم، لو خايفة من المكان الباب يفوت جمل، لكن ما تطلعيش سمعة وحشة عالمكان.
خرجت من مكتبها وانا حاسة انى واخدة سكينة فى قلبى، مكنتش متوقعة خالص ان دة يكون رد فعلها، وانا كنت لسة مصممة ان فى حاجة غلط، عشان كدة كلمت سارة، قولت مفيش غيرها هى اللى هتجيبلى قرار الحكاية دى، وفعلا لما حكيتلها اللى حصل معايا ومع آدم قالتلى:
_ طب سيبى الحكاية دى عليا، وانا اول ما أعرف حاجة هكلمك.
سارة غابت يومين، وبعد كدة لقيتها بتتصل بيا وقالتلى:
_ يا اميمة فى واحدة ماتت محروقة فى الحضانة دى، كانت شغالة دادة للأطفال، فى يوم وهى هناك لوحدها بتنضف، نسيت سخان الشاى فى الكهربا لغاية مافرقع والدنيا ولعت، وهى ماتت ملحقوهاش، بس الكلام دة من 3 سنين، ومفيش حد اشتكى من حاجة غير بعض الاطفال بس طبعا اهلهم مصدقوش.
_ يعنى آدم كان عنده حق؟ وانا متجننتش؟
_ لا يا حبيبتى متجننتيش، انتى وهو عندكم حق، وانا مش هرجع المكان دة تانى، انا نجمى خفيف ومتحملش الكلام دة.
_ طيب المهم دلوقتى هنبلغ الاهالى ولا نسيبهم كدة؟
انتوا ايه رأيكم انصحونى، ابلغ الناس باللى عرفته ولا اسيبهم؟ وياترى حد هيصدقنى ولا لأ؟
تمت
#الحضانة