قصص

الحمامة السودا

الحمامة السودا ، بيقولوا إن الجن بيتشكل في أشكال كتير؛ ممكن كلب اسود، قطة سودة، او احيانًا تعبان أسود او عقرب، إنما إن الجن يتشكل في صورة فَرد حمام!.. فدي حاجة غريبة، وبرغم غرابتها، إلا إنها حقيقية وحصلت زي ما بيقول بطل حكايتنا.
في واحدة من دول العربية، كان بيعيش شاب إسمه (ساهر).. ساهر كان شاب محترم جدًا وكان محبوب بين أصحابه، لكن من وسط اصحابه الكتير في مرحلة ثانوي، كان له صاحب معين كده إسمه (سعد).. سعد كان من اقرب الناس لساهر برغم اختلاف مستواهم الاجتماعي، يعني ساهر كان مستواه متوسط، اهله عندهم بيت عادي، ووالده بيشتغل موظف في إحدى الشركات، إنما سعد بقى، فده كان ابن الناس المرتاحين، شاي نقدر نقول انه اتولد وفي بوقه معلقة دهب.. والده عنده شركات وبيوت، ومن ضمن أملاك والده، كانت عزبة معينة، والعزبة دي عيلته كانت بتقضي فيها الأجازات بتاعتهم، لكن في مرة من المرات، العيلة كلها سافرت عشان تقضي أجازة نهاية الاسبوع في واحدة من دول الاوروبية، ووقتها، العيلة سابت سعد عشان يذاكر، بس سعد بعد ما خلص مذاكرته، كلم اقرب صاحب له، ساهر.. كلمه وقاله ايه رأيك ياساهر لما نخرج مع بعض، انت خلصت مذاكرتك وانا خلصت مذاكرتي واحنا الاتنين قاعدين ومابنعملش حاجة، وقتها وافق ساهر وقاله طيب، تعالى لي البيت او انا اجيلك بيتك نقعد مع بعض شوية، لكن سعد قاله لا، انا لو جيتلك وقعدت معاك في بيتك، او انت جيتلي وقعدت معايا في بيتي، يبقى ماخرجناش اصلًا، ما ده بيت وده بيت.. وساعتها ساهر احتار وسأله، طب هنخرج نروح فين؟!
جاوبه سعد بسرعة ومن غير تفكير، وكأنه محدد او مخطط هو ناوي على ايه.. سعد قاله احنا هنروح العزبة بتاعتنا، كده كده انا معايا مفتاحها وماحدش موجود هناك، فايه رأيك لما نروح نقعد سوا وممكن نبات كمان، وبعدين التلاجة هناك فيها أكل، وكمان في جهاز بلايستشن، يعني السهرة هتبقى فل والدنيا تمام.
عجب ساهر الاقتراح ده جدًا وكلم والده واستأذن منه، ولإن والد ساهر يعرف سعد كويس، وافق، ووافق كمان انهم يباتوا في العزبة لأنها ماكانتش في مكان بعيد اوي عن بيت ساهر، وبالفعل، جهز ساهر نفسه وسعد عدى عليه بالعربية بتاعته وراحوا للعزبة.
ومع دخولهم للعزبة، مادخلوش جوة البيت او الفيلا الصغيرة اللي متعودة العيلة انها تبات فيها كل ما بتيجي، لا.. ده سعد خد ساهر وقاله احنا هنقعد الاول في الاستراحة لأنها جواها جهاز البلايستشن، لكن لما ساهر سمع كلامه ودخل معاه، واول ما دخلوا للاستراحة، اتفاجأوا بحاجة غريبة اوي.
الاستراحة بتتكون من جزئين؛ جزء أول عامل زي الصالون كده، ومنه بتدخل من باب صغير لأوضة فيها قعدة عربي، وجنب الاستراحة على طول كان موجود مكتب خاص بوالد سعد.
سعد وساهر اول ما دخلوا، لقوا في الصالون بتاع الاستراحة، فرد حمام لونه أسود!
بص له ساهر وابتسم، اما سعد، فاتضايق جدًا وبص لساهر باستغراب وقاله ازاي البتاع ده دخل هنا، دي الصالة مافيهاش الا شباك واحد وعالي اوي، وكمان مقفول اهو زي ما انت شايف، بص له ساهر وقاله انه ممكن يكون دخل من الباب او من اي مكان، مش مشكلة يعني، احنا ممكن نهشه ونطيره لبرة الاستراحة خالص، او ممكن حتى نسيبه مكانه، لكن سعد ولأنه كان شاب متهور، وتملي متسرع في تصرفاته وبيعملها باندفاعية، فخرج بسرعة من مكان الاستراحة وراح لمكتب والده، وساعتها ساهر بيقول ان سعد ما اتأخرش كتير، ده مافيش ثواني ورجع وهو معاه مسدس!
استغرب ساهر من المسدس اللي سعد رجع بيه وسأله باستغراب عن السبب اللي خلاه يجيبه.. وهنا بص له سعد وابتسم وظهرت في عينيه لمعة غريبة، وقبل ما يتكلم اي كلمة، كان وجه المسدس ناحية فرد الحمام.. فرد الحمام اللي ماتحركش من مكانه من وقت ما دخلوا، ودي حاجة غريبة ومالهاش تفسير!
وقبل ما ساهر ينطق او سعد يتكلم، كان سعد ضرب طلقة ناحية فرد الحمام!
وبعد اللحظة اللي ضرب فيها سعد الطلقة، بيقول ساهر ان المكان اتملى ريش، وانه بسبب الرصاصة هو وسعد، ودانهم وجعتهم جدًا، رغم ان المسدس كان فيه كاتم صوت، بس الاغرب من ده كله بقى، ان فرد الحمام ماكانش له أي بقايا، لا جثة ولا اي حاجة غير شوية شعر اسود انتشروا في المكان كله!
وقتها ساهر اتضايق من سعد وقاله انت عملت كده ليه، ففسر سعد اللي عمله بأنه مابيحبش الحمام وبيقرف منه، بس دي مش مشكلة، المشكلة كانت زي ما هي برضه، والسؤال فضل حاير ما بينهم، جثة فرد الحمام راحت فين؟!
بس في الحقيقة السؤال ده ماكنش له أي إجابة، لأن لا فرد الحمام ظهرله جثة، ولا حتى ساهر وسعد لقوا نقطة دم واحدة في المكان!
ماهتمش سعد بالموضوع ونضف المكان من الشعر الاسود، وبعد كده قال لساهر بتريقة ان فرد الحمام ده ممكن يكون جن، وخصوصًا عشان لونه اسود، وسواده غامق بدرجة غريبة!.. كان سعد بيقول كلامه ده لساهر وهو بيتريق، بس في الحقيقة، هو ماكنش يعرف ان كلامه ممكن يكون حقيقة، وممكن يتسببله في كارثة بعد كده.
بعد ما ساهر وسعد رتبوا كل حاجة، وسعد دخل المسدس تاني لمكتب ابوه، وقال لساهر ان ابوه لو سأله عن الطلقة اللي اتضربت، هيقوله انه ضرب بيها ديب طلع عليهم او اي حاجة، وبعد ما عملوا كده، دخلوا الاتنين وفضلوا يلعبوا بلايستشن لحد الصبح، والحقيقة ان الموضوع خرج من دماغهم بمرور الوقت ومافيش حاجة غريبة حصلت، وحتى أهل سعد لما رجعوا من برة، قعدوا فترة كبيرة مايروحوش المزرعة، لكن المشكلة الكبيرة بقى، ان ساهر كانت بتجيله كوابيس غريبة، والكوابيس دي استمرت معاه لمدة أيام.. مرة يشوف في كابوس انه واقف في عزبة ابو سعد وقصادهم خيال اسود طويل، والخيال ده بيقرب منهم وبيفضل يخنق في سعد لحد ما بيموته، ومرة يشوف ان هم الاتنين واقفين ومتكتفين في نفس مكان الاستراحة، وفجأة بتيجي طلقة من مكان غريب وبتضرب في راس سعد!
واستمرت الكوابيس مع ساهر، لحد ما قرر اخيرًا إنه يحكي لسعد، بس طبعًا لما حكى لسعد، سعد استقبل كلام صاحبه باستهزاء، وقاله ببساطة كده ان الكوابيس دي سببه عقله الباطن، وده لأنه اقتنع من جواه ان فرد الحمام ممكن يكون جن زي ما هو قاله بهزار، وكمان جثة فرد الحمام اللي اختفت، كانت مسببة له قلق غير مفهوم، وعشان كده عقله الباطن صورله حاجات غريبة ومش منطقية، والحاجات دي خرجت في صورة احلام او كوابيس.
لكن وقتها ساهر اتعصب على سعد وقاله ان اللي حصل كله مش منطقي اصلًا، ايه اللي خلاك ياعم سعد تجيب المسدس وتضرب فرد حمام كان واقف مكانه ومابيعملش حاجة، وبعدين فرد الحمام اصلًا كان غريب، اي حمام لما البني أدم بقرب منه او يدخل المكان اللي هو فيه، بيتحرك او بيطير من مكانه، لكن الفرد ده ماتحركش ولا اتهز حتى، بل بالعكس بقى، ده فضل واقف في مكانه لحد ما سعد جاب الطبنجة وضربه، وطبعًا الحاجة الاغرب من كل ده، انه اختفى!
حاول سعد يخفف عن ساهر وغَير الموضوع، لكن الموضوع فضل شاغل بال ساهر لحد ما بعد اربعين يوم بالظبط على اللي حصل، وفي ليلة كان ساهر نايم فيها، حلم بحلم غريب، حلم خلاه يصحى في عز الفجر وهو مش قادر يتنفس!
ساهر حلم انه واقف عند مكان زي كوبري كده وتحته مايه، ماية نهر.. كان واقف وبيبص على المايه وهو مستغرب، وفجأة سمع من وراه صوت غليظ، صوت بينطق بأسم صاحبه سعد!
استغرب ساهر وبص وراه، وساعتها اتفزع لما لقى خيال طويل، وقبل ما يتكلم او يقول للخيال ده اي حاجة، زقه الخيال في صدره عشان يقع في المايه، ولما حاول يقاوم او يعوم عشان يخرج، ماعرفش، كل محاولاته للخروج كانت فاشلة، وده كان شئ غريب، ومش غريب بسبب انه ماخرجش وبس، لا.. ده كان غريب لأنه كان حاسس انه متكتف من رجليه، زي ما تكون في حاجة مكتفاه!
ولما حاول يعوم، مرة و اتنين وتلاتة، وماعرفش، حس انه بيتخنق والمايه ابتدت تملى زوره وجهازه التنفسي بالكامل، ومرة واحدة وقبل ما يستسلم للغرق والموت، صحي من النوم!
عدى على الحلم او الكابوس ده يومين، وفي اليوم التالت، جه سعد لساهر البيت وقاله انه هو والشلة بتاعته هيروحوا عشان ينطوا من على كوبري معين، والكوبري ده هينطوا من عليه عشان ينزلوا للمايه اللي تحته، والكلام ده بالمناسبة ماكنش غريب على ساهر، كده كده الشباب بتنط من على الكوبري ده وبيعوموا بعد كده عادي، لكن ساهر وقتها افتكر الحلم وقال لسعد لا، انا لو روحت ونطيت، هموت.. ابتسم سعد وقاله ماشي، تعالى معانا واحنا والله مش هنخليك تنط، بس تعالى واتفرج علينا واقف معانا وبس.
سمع ساهر كلام سعد وراح معاهم، بس وقت ما الشباب كانوا بينطوا، وقبل ما سعد ينط، ساهر حس بنغزة في قلبه، حاجة غريبة حس بيها، زي ما يكون في كائن خفي بيطبق على صدرة وودانه، وللحظات، حس ان نفسه اتكتم ومابقاش مش سامع حاجة، وفي وسط احساسه الغريب ده افتكر حاجة، افتكر ان المقصود بالحلم اوالكابوس ممكن مايبقاش هو، ده.. ده ممكن سعد!
فاق من التوهة اللي كان فيها وكان رايح جري ناحية سعد عشان يقوله ماتنطش، لكن وقتها اتدخل واحد صاحبهم وسحب ساهر من دراعه وكان بيسأله عن السبب اللي خلاه ماينطش، ووقت ما كان بيبص ساهر لزميله، سعد فجأة نط.. وياريته ما كان نط.
سعد بعد ما نط في المايه ماطلعش، غطس وماقبش تاني!
فضلوا اصحابه يدوروا عليه لدقايق، ولما غلبوا خالص، بلغوا اهله اللي بدورهم بلغوا البوليس، وفضل البوليس يبحث عن جثة سعد لأيام، وبعد حوالي يومين او تلاتة، قدروا فعلًا يوصلوا لجثة سعد، كانت ظهرت على وش المايه وهي منتفخة، والغريب بقى انهم لقوا في رجليه أثار جروح او خرابيش، وبعد ظهور الجثة، الطب الشرعي قال ان الخرابيش دي سببها ان سعد لما نط، رجليه اتحشرت في عمدان حديدية تحت الكوبري، ولما حاول يطلع، ماعرفش، فغرق وفضل في مكانه تحت الكوبري، لحد ما مات والجثة انتفخت، ومع الوقت الجثة طلعت لوحدها وظهرت على المايه.
ده كان كلام الطب الشرعي، لكن ساهر كان شايف ان الموضوع في حاجة غريبة، حاجة مش مفهومة ومبهمة، حاجة سببها فرد الحمام اللي سعد قتله، وطبعًا ساهر عاش فترة كبيرة بعد الموضوع ده في حزن وضيق، واستمرت الكوابيس معاه حتى بعد ما صاحبه مات، كوابيس بيحلف ساهر وبيقول، انها فضلت ملازماه لشهور.. لكنه مع الوقت قدر يتجاوز اللي حصل، وقدر يعدي فترة الحزن على وفاة صاحبه، بس من يومها وكل سنة، في نفس الوقت اللي سعد قتل فيه فرد الحمام، كان لازم ساهر يحلم بنفس تفاصيل اللي حصل، بس المختلف في الحلم عن الحقيقة، ان سعد كان بعد ما بيقتل فرد الحمام، ملامحه كانت بتتبدل، من الملامح العادية، لملامح منتفخة وشاحبة، كأنه.. كأنه غرقان بالظبط.. وكل ده بحسب كلام ساهر اللي مازال عايش لحد النهاردة، وبيقول ان كل اللي حكاه ده حصل بالفعل.. بس المهم دلوقتي بقى هو رأيك انت، مصدق الحكاية ولا لأ، وهل لو مصدق، تفتكر ان سبب موت سعد هو سبب عادي لأنه نط بغشومية، ولا زي ما ساهر قال ان موته غرقان كان بسبب انه قتل فرد حمام اسود، فرد حمام اسود كان مسكون بجن!
تمت
محمد_شعبان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى