
الممسوسة
تجارب المستمعين
نورا حسين جاب الله
من يوم ما بدأت أطبق اللى اتعلمته، واعالج بالرقية الشرعية، وانا شوفت حالات أشكال وألوان، كان فى ناس كتير بتيجى عشان متأثرين بسحر أو بمس، ومع الجلسات وقربهم من ربنا، وبفضل الله قبل كل حاجة، كانوا بيتحسنوا ويبقوا زى الفل، بس كان فيه ناس تانية بتبقى مريضة نفسياً ومحتاجة علاج، لكن هما مفكرين ان دة سحر أو حسد، ساعتها بكون صريح معاهم، وبنصحهم انهم يشوفوا دكتور على طول، وفى بقى حالات تانية ، ودول اللى بيصعبوا عليا بجد وبتعاطف معاهم، اللى بيبقى عندهم حالة خوف شديدة، والاعراض اللى عندهم بتكون مجرد أوهام، بس عقلهم بيصورلهم انهم مسحورين أو ممسوسين، وبيعيشوا الوهم ويصدقوه، ويبدأوا يجروا ورا الخرافات والدجالين، ويدفعوا اللى حليتهم عشان يفكوا السحر وبرضو من غير فايدة، لأن المشكلة مش بتبقى فى سحر ولا جن، المشكلة فى جهلهم، وعقولهم اللى رافضة تصدق أى حاجة تانية، اهو النوع دة بقى لما بشوفه بحاول الاول أقنعه بالحقيقة، ولو مقتنعش، باخدهم على أد عقولهم، برقيهم بالقرآن واقولهم خلاص، انتوا كدة خفيتوا وبقيتوا تمام، واستحالة أى أذى يقرب منكم تانى، والغريب انهم بيصدقوا فعلا وبيرتاحوا، وبعدها بينتظموا على صلاتهم وبيقربوا من ربنا، بس برضو بيفضلوا مقتنعين ان فى يوم من الأيام كان معمول ليهم سحر،
وفى نوع من الحالات بيبقى مختلف خالص عن كل دول، حالات صعبة ولازم اتعامل معاها بحذر شديد، وبحتاج انى أقعد معاهم أكتر من مرة عشان أوصل لنتيجة كويسة، وأصعب حالة عدت عليا وأثرت فيا بجد كانت حالة صفاء..
*********
فى يوم كنت قاعد فى بيتى بعد صلاة العشا، لقيت حد بيخبط عالباب جامد وبسرعة، قومت وانا مستغرب من الطريقة الغريبة دى، ولما فتحت الباب، لقيت واحدة ست واقفة قدامى، شكلها كان متبهدل وباين عليها التعب، ومن عنيها عرفت انها شايلة فوق طاقتها بكتير، وهى اول ما شافتنى قالتلى وهى بتتنهد بحرقة:
_ أنا آسفة ياشيخنا انى جاية فجأة كدة، بس صفاء بنتى تعبانة أوى، والله العظيم مش عارفة اعمل معاها ايه تانى، جربنا الدكاترة ومفيش فايدة، وفى ناس ولاد حلال قالولى ان حضرتك بتعالج بالرقية الشرعية، ممكن تيجى معايا دلوقتى؟
_ طب أفهم بس الأول تعبانة ازاى؟
_ دى حكاية طويلة اوى، بس باختصار هى زى ما تكون عايشة فى عالم لوحدها، بتكلم نفسها كتير، وبتعيط وتضحك فجأة ومن غير أسباب، وساعات تبقى بتكلمنا عادى، لكن فجأة صوتها بيتغير وبتتكلم بصوت راجل، وبتفضل تهدد فينا انها هتخلص علينا واحد ورا التانى.
_ لأ متقلقيش، كل دة كلام فى الهوا، انا هاجى معاكى دلوقتى ومش عاوزك تشيلى هم حاجة.
دخلت خدت المصحف والسبحة اللى مش بمشى من غيرهم، وبعد حوالى ربع ساعة كنا وصلنا البيت عندهم، كان بيت بسيط من دورين وشكله هادى، بس اول ما دخلته حسيت بخنقة غريبة، كأن الهوا اللى فيه غير اللى برة خالص، الست سبقتنى على جوة، وانا فضلت واقف برة مستنيها، وبعد دقايق رجعتلى وقالتلى:
_ اتفضل ياشيخ، هى فى اوضتها جوة، بس انا مقولتلهاش انك شيخ وجايلها مخصوص.
هزيت راسى ودخلت من سكات، لقيت بنت قاعدة على الارض، سنها مش كبير، يعنى حوالى 16 سنة، شعرها سايب ومنكوش، زى ماتكون بقالها سنين مقربتش منه، وهدومها متبهدلة ومليانة بقع دم فى كل حتة، كانت باصة للحيطة وبتبتسم، كأنها شايفة حاجة احنا مش شايفنها، اما انا فخدت خطوة جوة الاوضة وانا بقولها:
_ السلام عليكم ياصفاء.
استنيت انها ترد عليا، بس هى مردتش، فكررت كلامى تانى وقولتلها:
_ السلام عليكم، يابنتى انا الشيخ ابراهيم، جاى عشان اطمن عليكى واقرالك قرآن عشان تهدى وتبقى كويسة.
لقيتها لفت وشها وبصتلى بصة عمرى ما هنساها، كانت نظرة تحدى وكره وسواد، فعلا حسيت بإن جواها كمية سواد وخبث كبيرة، وبعدها لقيتها ابتسمت، واتكلمت بصوت غريب، وكأن مجموعة ناس بتتكلم مع بعض فى وقت واحد، وقالت بكل ثقة وغرور:
_ اتأخرت أوى ياشيخ.
اتجمدت فى مكانى من الصوت اللى سمعته، بس بعد كدة قدرت اتمالك نفسى وقولتلها:
_ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
قربت منها شوية، وبدأت أقرا قرآن بصوت عالى، بس أول ما بدأت لقيت جسمها اتشنج، وفضلت تضحك بصوت عالى، كأنها بتسخر من اللى بعمله، اما امها فكانت واقفة ورايا بتعيط، وانا كملت قراية وقولت:
_ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سُليمان…
وقبل ما أكمل، قامت وقفت وهى بتزعق فيا وقالت:
_ كفاية!
ومرة واحدة وقعت فى الارض وهى بتتشنج، وبدأت تطلع من بؤها دم كتير، اتوترت، وقلقت تكون البنت عندها حاجة عضوية ومحتاجة مستشفى، فبصيت لأمها عشان تلحقها، لكن لما لقيتها واقفة مكانها ثابتة ومش بتتحرك، فهمت ان الموقف دة مش أول مرة يحصل قدامها، عشان كدة قولتلها وانا لسه بتابع اللى بيحصل للبنت:
_ الحالة دى مش بسيطة، فى حاجة قوية مسكاها ومسيطرة عليها، ولازم قبل ما أبدأ علاج افهم ايه السبب فى اللى هى فيه بالظبط.
_ يعنى فى أمل فى العلاج ياشيخنا؟
_ لسه بدرى اوى عالكلام دة، دى حاجة مش هنخلص منها بين يوم وليلة، لازم يكون عندنا صبر وايمان قوى، انا عاوز اعرف البداية كانت ايه؟ ايه اللى وصلها لكدة وامتى ابتدت الحالة دى عندها.
_ طيب ياشيخ، اتفضل معايا برة نقعد ونتكلم، وهخليك تقابل أخوها عشان يحكيلك هو كمان على اللى شافه.
_ طب وصفاء، هتسيبيها كدة؟ مش تفوقيها او نرفعها على سريرها!
_ لأ متقلقش، بمجرد ما نخرج من عندها هتقوم وترجع لقعدتها تانى، احنا خلاص اتعودنا على كدة، دى مش أول مرة.
طلعت معاها برة وسيبنا صفاء زى ما هى عالأرض، ولما قعدنا ابتدت الست تحكيلى اللى حصل من البداية:
_ اللى حصل ياشيخ كان يوم فرح بنت خالتها، كنا كلنا متجمعين وفرحانين وزى الفل، وفى وسط الفرح واحنا بنغنى والبنات بتشرب الساقع ومبسوطين، فجأة لقيت صفاء وقعت فى الأرض واغمى عليها، يومها حاولنا نفوقها بكل الطرق، بس مفيش فايدة، ولما فقدنا الامل، قولنا نطلع بيها عالمستشفى، لقيناها فتحت عنيها فجأة وهى حالها غير الحال، كأنها واحدة تانية خالص غير بنتى، ومن بعدها تصرفاتها بقت غريبة، بتإذى نفسها وبتإذينا معاها، وفضلت حالتها تسوء يوم بعد يوم، لفيت بيها على كل الدكاترة فى كل التخصصات، محدش قدر يفيدنى بحاجة، لا حد عرف يعالجها، ولا حد عارف سبب اللى هى فيه.
_ دكاترة بس ولا روحتوا لحد تانى؟
_ مش هكدب عليك ياشيخ، روحنا ولفينا على ناس كتير، وعملنا كل اللى طلبوه، بس برضو متحسنتش.
_ طيب يا ست ام صفاء فين أخوها؟
لما سألتها السؤال دة قامت ودخلت اوضة من الاوض، وبعد ثوانى رجعت ومعاها طفل صغير، اول ما شوفته وبصيت فى وشه وشوفت عينيه عرفت انه كفيف، وهو كان ماشى بيتسند عليها لغاية ما قربوا ووقفوا قدامى، ساعتها هى قالتله:
_ احكى ياعمر للشيخ ايه اللى شوفته عن صفاء.
بصيت للولد وانا مستغرب سؤالها، هى ليه بتقوله اللى شوفته؟ لكن لما سمعت رده عليها فهمت اللى هى تقصده، لأن الولد اتكلم وقال:
_ من يوم ما صفاء تعبت، بقيت أحلم بيها كل يوم، حلم وحش اوى بيخلينى أقوم مفزوع.
_ ايه اللى بتحلم بيه يا عمر قولى؟
_ بشوف صفاء قاعدة فى مكان كله زرع وورد، وفى ايديها كوباية صفرا زى اللى كانت عند ستى.
ام صفاء قطعت كلامه وقالتلى:
_ يقصد كوباية نحاس ياشيخ.
بعدها الولد كمل وقال:
_ بتفضل تشرب من الكوباية دى حاجة ريحتها وحشة اوى، وهى بتكون متضايقة منها وقرفانة، بس برضو بتفضل تشرب، وبعدها الورد والزرع اللى حواليها بيبقوا… بيبقوا…
الولد بدأ يقطع فى الكلام، وبقى متوتر وخايف يكمل، عشان كدة مديت ايدى وطبطبت على كتفه وانا بحاول أطمنه وقولتله:
_ كمل يابنى، متخافش من حاجة، الورد والزرع بيبقوا ايه؟
_ بيبقوا زى المقابر اللى بيدفنوا فيها الميتين.
_ لا حول ولا قوة الا بالله، والحلم دة شوفته كام مرة يابنى؟
_ كل يوم، بشوفه كل يوم من ساعة تعب صفاء، ومبقتش أعرف انام كويس زى الاول.
_ طيب روح انت على اوضتك دلوقتى ارتاح، ومتقلقش على أختك، هتخف وتبقى كويسة بأمر الله.
الولد اتسند على امه من تانى، وهى وصلته لغاية اوضته ورجعتلى تانى وهى بتسأل:
_ تعرف معنى الحلم دة ياشيخ؟
_ قبل ما نشوف معناه يا ام صفاء، قوليلى ازاى ابنك فقد بصره وامتى؟
_ من حوالى سنة، يومها كانت النتيجة بتاعته ظهرت وكنا فرحانين بنجاحه، بس فى نفس اليوم تعب جامد وجاتله حرارة عالية، وعقبال ما جريت بيه عالمستشفى كان حصل اللى حصل، الدكاترة كانوا مستغربين حالته، ومقدروش يعملوله حاجة، احنا فى ابتلاء كبير أوى ياشيخنا، بس هقول ايه الحمد لله على كل حال.
_ ايوة، مش عاوز منك غير كدة، تحمدى ربنا على كل اللى يجيبه، وان شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة، انا همشى دلوقتى، ومن بكرة الصبح هجيلكم عشان نبدأ الرقية الشرعية.
خلصت كلامى معاها ورجعت عالبيت، بس من اول ما دخلت وانا حاسس ان قلبى مش مرتاح، كنت حاسس بحاجة تقيلة على صدرى، وقلبى بقى يدق بسرعة زيادة عن اللزوم، ولأول مرة حسيت انى مش لوحدى، زى مايكون فى حد معايا فى البيت، استعذت بالله وحاولت اطرد الافكار دى من دماغى، ودخلت على اوضتى غيرت هدومى، وفردت جسمى عالسرير عشان ارتاح شوية، غمضت عينى وانا باخد نفس، بس دماغى كانت مشغولة بموضوع صفاء، وفضلت افكر ازاى ابدأ معاها من غير ما اى حد يتعرض للأذى، بس خرجنى من افكارى، صوت خطوات ماشية معايا فى الاوضة، فتحت عينى وانا ببص حواليا بحذر، ولما ملقتش أى حاجة ممكن تكون السبب فى الصوت دة، اتأكدت ساعتها انى مش لوحدى، عشان كدة قومت قعدت وانا بحاول أركز، وفى سرى بدأت أقرا القرآن واستعيذ بالله، بس بمجرد ما عملت كدة، سمعت صوت عالى خلانى غصب عنى اتنفضت وانا مفزوع، الصوت كان جاى من المطبخ، زى ما يكون حاجة بتفرقع وبتقع عالارض، قومت بسرعة وجريت ناحية الصوت، واول ما دخلت المطبخ لقيت ازاز الشباك كله مكسور ومغطى الارض، كنت فاهم كويس الألاعيب دى، أصل مش معقول كل اللى بيحصل دة صدف!
بس منكرش انى كنت مصدوم انها الحاجات دى بتحصل معايا انا، لأن دى كانت أول مرة يحصلى فيها حاجة زى كدة، ايه الجديد؟ ليه بيحاولوا يضعفونى ويهزوا ثقتى بنفسى فى الوقت دة بالذات؟
حاجة خاصة بيا انا؟ ولا بالحالة الجديدة اللى هبدأ فى علاجها؟
معقول صفاء تكون هى السبب فى اللى بيحصل دة؟
الافكار والأسئلة سيطرت على دماغى، لدرجة انى اتلهيت ونسيت القرآن اللى كنت بقراه، ومن غير تركيز ركعت جنب الازاز المكسور وابتديت أشيله بالراحة، بس وانا بعمل كدة كنت حاسس بحر شديد، وكأنى قاعد جنب فرن وناره شغاله، وفى ثوانى نفسى تقل، والعرق غرق جسمى وبدأت أحس بدوخة، ولقيت ايدى تقلت زى ما تكون أعصابى بتسيب شوية بشوية، خوفت أأذى نفسى بالإزاز اللى مالى المكان، عشان كدة حاولت أقوم وانا بتسند على الترابيزة اللى جنبى، وبصعوبة قدرت انى أخرج برة المطبخ، كنت ماشى عامل زى اللى متخدر ومش فى وعيه، حاولت أقرا الأذكار اللى انا حافظها، بس اتفاجأت ان دماغى ممسوحة من كل حاجة، ويادوب قدرت اوصل لأوضتى واترمى عالسرير، ومن بعدها محستش بالدنيا، مش عارف عدى وقت أد ايه، لكن فوقت من الحالة الغريبة دى على صوت خبط جامد عالباب، خبط يخض خلانى أقوم مرة واحدة وانا مش فاهم فى ايه، وبسرعة مشيت ناحية الباب وانا بقول:
_ يامنجى يارب، استر يارب.
لما فتحت الباب لقيت أم صفاء واقفة قدامى، وشها مصفر وعنيها بتقول ان فى حاجة كبيرة، واول ما شافتنى قالتلى بصوت مبحوح:
_ ياشيخنا انت اتأخرت علينا اوى، البت حالتها بتسوء، انا بقيت خايفة أقعد معاها فى مكان واحد أحسن تعمل فينا حاجة.
بصيت حواليا وانا مستغرب، اتأخرت ايه؟ سألتها وانا لسه مش فايق من اللى حصلى وقولتلها:
_ اتأخرت ازاى؟ هى الساعة كام دلوقتى؟
_ احنا خلاص داخلين عالمغرب، انت مش دريان بالوقت ولا ايه ياشيخنا!
_ خير، خير الحمد لله ، ملحوقة يا أم صفاء متقلقيش، استنينى دقيقة بس هتوضى وآجى معاكى على طول.
سيبتها ودخلت الحمام وانا جوايا طاقة غضب كبيرة، فى الوقت دة انا كنت خلاص متأكد ان فى حاجة بتمنعنى عن صفاء، كل دة تعطيل ليا عشان مقربش منها، واللى ضايقنى أكتر الفروض اللى فاتتنى وانا مش دريان بحاجة، انا اللى عمرى ما فوت فرض قدروا انهم يغيبوا عقلى ويسيطروا عليه، لومت نفسى انى ضعفت وسيبت دة كله يحصل، بس رجعت تانى قاومت الاحباط اللى انا حاسس بيه، وفضلت أقول:
_ ملحوقة، ملحوقة بأمر الله.
وبسرعة فتحت الحنفية عشان اتوضى، فى الاول كل حاجة كانت ماشية عادى، بس بعد كدة سمعت همس كتير جوة دماغى، أصوات كتير كانت بتتكلم وبتحاول تشوش على تفكيرى وتركيزى، استعذت بالله فى سرى، بس اتلغبطت أكتر من مرة فى وضوئى، كنت تحت ضغط رهيب بيرجعنى لورا، لكن انا مستسلمتش، وبكل جهدى كملت وضوئى وخرجت من الحمام وانا بقول بصوت عالى:
_ اللهم لا تُسلط علىّ من لا يخافك.
خرجت لأم صفاء لقيتها واقفة مستنيانى وهى بتفرك فى ايديها، واول ما شافتنى سألتنى وهى مخضوضة:
_ وشك أصفر كدة ليه ياشيخ؟ انت بخير؟
_ الحمد لله يا أم صفاء، يالا بينا عشان منتأخرش.
قفلت الباب ومشيت معاها وانا بذكر الله، بس مع كل خطوة كنت بمشيها لبيت صفاء رجلى كانت بتتقل، وبعد شوية حسيت بحرارة جسمى بتزيد، وارهاق شديد سيطر عليا فجأة، وبقيت حاسس انى بعمل مجهود كبير عشان أقدر امشى، الاصوات اللى فى دماغى كانت لسه شغالة، بس فى الوقت دة الكلام بقى أوضح، كانوا بيقولولى:
_ ارجع، دى مش حالتك ياشيخ، دى مش زى أى حد.
فضلت أقرا القرآن بصوت عالى وانا ماشى فى الشارع، كنت بحاول أغطى عالاصوات اللى فى دماغى دى أو أوقفها، طول عمرى أعرف ان وسوسة الشيطان بتبقى مجرد فكرة، لكن انى اسمع صوتهم بنفسى وكمان يهددونى ويبعدونى، دى كانت حاجة كبيرة اوى بالنسبالى، وفى وسط كل اللى انا فيه لفيت وشى وانا ببص لأم صفاء، لقيتها هى كمان بتبصلى بطرف عينيها بخوف، زى ما تكون حست انى بقاوم حاجة جوايا، بس انا ابتسمتلها وقولتلها عشان أطمنها:
_ اذكرى الله يا ام صفاء، ان شاء الله خير.
_ ونعم بالله ياشيخنا، ربنا يسترها معاك ومعانا.
بعد شوية كنا وصلنا البيت، وعلى طول دخلنا انا وهى على اوضة صفاء، اول ما دخلت لاحظت ان نور الاوضة ضعيف عن بقية البيت، والجو كله يخنق وريحته وحشة اوى، ريحة زفرة زى ما يكون فى حاجة ميتة من فترة طويلة، اما صفاء فكانت قاعدة فى نص سريرها، لابسة جلابية سودة وشعرها مغطى وشها، بس انا كنت حاسس انها شايفانا وواعية لكل حاجة بتحصل حواليها، وقتها لقيت ام صفاء بتقولى:
_ هى كانت نايمة، بس اول مانا نويت أخرج من البيت واجيلك، لقيتها قامت وقعدت كدة وهى ساكتة.
انا مرديتش عليها، بس قربت من صفاء وبدأت أقرا الفاتحة بصوت عالى، وفى ايدى مصحفى الصغير اللى مش بيفارقنى، اما صفاء فأول ما سمعت صوتى، رفعت وشها ببطء وهى بتبص ناحيتى، وشها كان عبارة عن مسخ، ملامحها مرعبة، وعنيها كلها شر وخبث واضح، ودى كانت اول مرة أشوف المنظر دة قدامى، حتى أفظع حالات المس اللى كنت بشوفها مكنوش بيبقوا فى الحالة دى، كملت قرايتى وبعد كدة قولت:
_ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ف…
ملحقتش أكمل اللى بقوله، لأن فجأة صفاء ابتدت تضحك ضحكة غريبة، ضحكة راجل صوته غليظ، مش ضحكة بنت أبدا، وقالتلى بنفس الصوت وبطريقة كلها سخرية:
_ مش كل حاجة هتمشى باللى بتعمله ياشيخ، فى حاجات أقوى منك، انت لازم تعترف بدة.
لكن انا مخلتش كلامها يأثر عليا، وكملت قرايتى بكل قوة فيا، كان عندى ثقة كبيرة فى ربنا رغم كل اللى انا شايفه قدامى، بس مرة واحدة صفاء بقت تصرخ بصوت عالى، وسمعت صوت خربشة جاى من ورا الحيطان، زى مايكون فى حاجة بتجرى جوا الجدران وبتحاول تخرج منها، مبقتش فاهم ايه اللى بيحصل، الاوضة كانت عبارة عن ساحة حرب، عشان كدة بصيت لأم صفاء وقولتلها:
_ اخرجى من الاوضة، ومتدخليش هنا تانى مهما سمعتى، وخليكى قاعدة مع ابنك اوعى تسبيه لوحده.
الست سمعت كلامى وخرجت وهى بتبص على بنتها بحسرة، اما انا فكملت القرآن، آية الكرسى، وسورة الصافات، وسورة يس، فجأة صفاء رفعت ايديها وبدأت تعض فى صوابعها لغاية ما جابت دم، كنت لسة هقرب منها واحاول امنعها عن اللى بتعمله، بس ساعتها لقيت جسمها بيترمى لورا وكأن فى حد زقها، وجسمها كله بقى يتشنج بطريقة مرعبة، وفضلت تقول بصوت متقطع وكأنها بتطلع فى الروح:
_ انت بتتدخل فى اللى ملكش فيه، انت كدة بتموتها.
مسألتش فى اللى بتقوله وكملت، مع انى كنت ابتديت أخاف عليها بجد، خصوصا لما التشنجات زادت وبقت تطلع رغاوى بيضا من بؤها، كنت حاسس انها خلاص بتموت فعلا، ومع ذلك كملت اللى بعمله وانا بينى وبين نفسى بقولها:
_ احنا بين ايدين الله دلوقتى ياصفاء، ملناش فى نفسنا حاجة، ربك ينصرنا ويعينا.
وفعلا ربنا كرمنا، وفى لحظة لقيت صفاء بطلت تصرخ، وعنيها رجعت لطبيعتها، وجسمها همد فجأة، ويادوب حركت عنيها ناحيتى بضعف، وهى بتقول كلمة واحدة:
_ سهير.
بعدها غمضت عنيها ونامت، اما انا فكنت واقف بتشاهد وبحمد ربنا انها جات على أد كدة، ولما شوفتها وهى بتتنفس بهدوء قدامى، دة حسسنى ان روحى اتردت فيا، خرجت من الاوضة وانا بقرا المعوذتين، ايدى كانت بتترعش ومعدتى وجعانى من شدة الاعصاب اللى كنت فيها، واول ما شوفت امها قولتلها:
_ مين سهير؟
_ سهير! دى اختى، انت تقصد سهير اختى؟
_ انا مقصدش حد، بنتك اللى نطقت اسمها لما فاقت.
_ هى صفاء فاقت؟ خلاص بقت كويسة؟
_ لأ طبعا، دة لسه مشوار طويل اوى، بس تقدرى تقولى اننا عدينا اول واصعب خطوة، المهم دلوقتى، واضح ان سهير السبب فى الاذى دة.
لقيت الست دموعها نزلت على وشها وهى بتقول بصوت مخنوق:
_ انا كنت حاسة، والله كنت حاسة وبكدب نفسى، لسه شايلة فى قلبها منى عشان جوزى الله يرحمه فضلنى عليها واتجوزنى انا، لسه الغل جواها مفيش فايدة فيها، بس ازاى؟ عملت كدة ازاى؟
_ واضح انه سحر شديد وبنتك شربت منه، دة تفسير الرؤية اللى أخوها بيشوفها.
_ طب قولى أعمل ايه؟ أروح أواجهها؟
_ اوعى تحكيلها اى حاجة حصلت ولا هتحصل، وخدوا حذركم منها على اد ما تقدروا.
_ حاضر ياشيخ، طب وصفاء ايه الحال معاها؟
_ هجيلها كل يوم لغاية ما وضعها يبقى احسن.
_ ربنا يجازيك كل خير ياشيخ.
مشيت وسيبتهم اليوم دة وانا حاسس ان فيا حاجة اتغيرت، صحيح، مهما الانسان يشوف فى حياته حاجات غريبة، دايما هيظهر فى حياته حاجة تعلمه درس جديد، وصفاء كانت ومازالت الدرس الاصعب اللى قابلته فى حياتى.
تمت
#الممسوسة