مستوحاة من أحداث حقيقية..
ج1
يوم من أيام شهر أغسطس، الجو مُقبض بسبب الرطوبة العالية، فخرجت في البلكونة وقعدت على الكرسي، كُنت بستعطف نسمة هوا مالهاش وجود، ومن الزهق اللي كانت حاسس بيه ولعت سيجارة، برغم من إني بدأت ابطلها او اقلل منها، ما هو مش معقولة وظيفتي بتحذر من التدخين وأثارة المميتة، وانا أدخن.. وكمان مش عاوز أخلف وعدي معاها، بصيت ورايا عشان اتأكد أن كل حاجة تمام، باب البلكونة مقفول وعملت كل احتياطاتي.. رجعت لفيت وشي قصادي وانا ببص على جنينة البيت ، ولعت السيجارة ونفخت دخانها وانا بفكر.. مش في حاجة معينة، ولكن حاجات كتير أو في ذكريات كتير، أو ممكن في اللاشئ، قطع سرحاني صوت خطوات جاية ناحيتي، الخطوات قربت مني، ابتسمت ابتسامة خفيفة من غير ما التفت ورايا، وثواني بسيطة وسمعت همس في ودني…
– كام مرة اتكلمنا في الموضوع ده، انا بعد كده لازم اراقبك كويس، وافتش هدومك حته حته.
ميلت ناحيتي مدت ايدها وخدت مني السيجارة، وبهدوء راحت ناحية الطفاية وحطتها جواها، كُنت قاعد براقب خطواتها وكل حركة منها، كُنت مستسلم لحضورها وتملكها، وعيوني بتبص لها بأعجاب وإنبهار.. قدرة غريبة شبه السحر بتجذبني ليها، وكأني اول مرة اشوفها، بعد ما خلصت اللي عملته، قعدت على الكرسي اللي قصادي وبصت لي وهي بتبتسم، صحيح الدنيا كانت ضلمة والكهرباء فاصلة، وده بسبب البيت اللي في منطقة بعيدة عن العمران، بس نور القمر اللي كان في ليلة البدر كاشف وشها، وشها اللي كان جماله واخد ضيه من ضي القمر.. طال بينا الصمت مع وجود نظرات متبادلة، مستنيين مين هيبدأ الكلام، بس القرار اخدته وكملت وهي بتهمس:
-ماردتش على كلامي يعني؟.. مش كنا بطلنا السجاير، ينفع برضه الدكتور “كريم” يدخن؟.. على ما أظن ما ينفعش تعمل الشئ ونقيضه، ولا ليك رأي تاني؟
-كل اللي أنتي شيفاه صح، وأكيد موافق عليه.
ابتسمت وكملت كلامها :
-طبعا مش هسألك ايه اللي ما صحيك الوقت ده، اكيد اتسحبت من جنبي عشان تدخن براحتك، مش كده؟
بصيت حواليا ورفعت ايدي وانا بشاورلها على الشجر:
-كمان بسبب خنقة الحر، ونسمة الهوا اللي اختفت، ده ورق الشجر مش بيتحرك، حتى بصي حواليكى.
وفعلا.. لفت وشها ناحية شجر الجنينة، وبعدها رجعت بصت ناحيتي.. ولسه هترد عليا سمعنا صوت نقر على باب أوضة النوم، صوت خبطات خفيفة يادوب سمعنها، نورت كشاف التليفون.. فلمحت على وش مراتي القلق والاستغراب، اتكلمت وقالت:
-مين هيخبط علينا في الوقت ده؟.. دي الساعة قربت على ٢بعد نص الليل.
رفعت كتافي لفوق مع هزة راس، وده للتأكيد على نفس حالة الاستغراب اللي هي فيها، بس الخبط مستمر وعشان كده اتكلمت وقولت لها:
-خليكي قاعدة وهقوم اشوف مين، مش معقولة حد من الشغالين، يمكن تكون والدتك.
قومت من مكاني وفي ايدي الكشاف، فتحت باب الأوضة وتخميني كان صح، هي حماتي.. كانت واقفة متخشبة، ماسكة في ايدها شمعدان دهبي جواه شمعة، منحوتة في وقفتها شبه لوحة قديمة مرسومة بحرفية.. ما هي “جيهان” هانم.. أصولها بترجع لأيام البشوات، جدها الكبير الباشا “كتخدا”.. وبرغم مرور السنين لسه محتفظة بعنطزة أهاليها، طريقتهم في الكلام، مشيتهم والبرستيج اللي يخنق، وحتى اسلوب حياتها.. بما فيهم الشمعدان الشيك اللي ورثته عن جدتها، سرحت لثواني في ملامحها الأرستقراطية، اللي واخده منه الشبه مراتي “ارمين”.. بس الحمد لله إنها مش واخده منها كِبر علية القوم، زي ما بتقول عليهم الهانم، لأن “ارمين” بتبص للناس إنهم كلهم ولاد تسعة، بعكس امها خالص.. قطع النظرات المتبادلة مابينا، صوت الهانم “جيهان” وهي بتتكلم من طرف مناخيرها:
-ماكنتش منتظرة إنك تفتح لي الباب، أنا عاوزة بنتي “ارمين”.
خدت نفس عميق، اخفف بيه التوتر اللي بيتملكني وقت ما بشوفها، وعشان اقدر ابلع طريقة كلامها المعتاد، فرديت عليها:
-“أرمين” قاعدة في البلكونة، لحظة حضرتك وهندهالك.
وكان رد فعلها، إنها رفعت ايدها وزقتني عشان تدخل، اتكلمت بحدة وقالت:
-فعلا محدث نغمة ما بتفهمش في الأصول ولا الأتيكيت، قاعد في بيتي وليك صوت بيتكلم بتقولي لحظة، وتوقفني على باب أوضة بنتي.
دخلت الاوضة وهي بتتكلم بكلام مش واضح، بس تقريبا الهانم بنت الذوات كانت بتكمل وصلة شتايم، وقفت مكاني وحسيت مش بس ان الهوا اختفى، ده الأكسجين كله اتشفط من الجو، الهانم حضورها الطاغي بتعمل بيه جو مشحون بالطاقة السلبية، وخنقة في صدري وكأن روحي بتطلع، جت بسرعة “أرمين” على صوت أمها، نظرات عينها اتوزعت بقلق ما بيني وبين الهانم “جيهان”، كان القلق واضح على وشها، مش بس من دخول أمها علينا في الوقت ده، لكن عشان هي عارفة الاسلوب اللي بتعاملي بيه، وكرهها ليا اللي مالوش وصف.. فبلعت ريقها واتكلمت بصوت مهزوز;
-خير، خير يا ماما حصل حاجة؟
لفت امها وشها ناحيتي وهي بتجز على شفايفها، وده طبعا تعبير وشها عشان تفهمني إنها مش طايقه وجودي معاهم، فبدون ما اتكلم سبتهم ودخلت البلكونة، برغم من إن الفضول هيقتلني أعرف سبب تشريفها في الوقت ده، ومن الحظ الكويس، هدوء المكان مع انعدام الهوا، خلى صوتهم واصل لحد عندي بدون أي معاناة.. بدأت “أرمين” الكلام وكان واضح عليه الارتباك:
-يا ماما اتكلمي قلقتيني، حصل أيه؟
ردت عليها امها:
-شاهر يا أرمين.
-ما له بس “شاهر”؟.. مش معقولة لحق يوحشك في كام يوم.
-لا الموضوع مش كده بالظبط، انا قلقانة ومش مرتاحة، خاصة زي ما بتقولي، بقاله من وقت سفره ماكلمنيش ولا طمني عليه.
هزيت راسي وابتسمت على كلامها، ردت عليها مراتي بالكلام الطبيعي اللي لازم يتقال:
-يا حبيبتي ما هو دي حاجة لازم تتوقعيها، “شاهر” عريس جديد ولسه متجوز، فأكيد مشغول مع عروسته، مش سفره ده كان اقتراحك برضه، وأنهم يقضوا كام يوم في بيت المزرعة، الحكاية مفسرة نفسها وقلقك ملوش مبرر، اهدي بس وكلها كام ويرجعوا، انتي بس عشان ماتعودتيش تفارقي ابنك الحيلة.
ردت عليها بعصبية;
-ايه حيلة والألفاظ السوقية اللي انتي بتقوليه دي، فعلا.. جوازك من واحد مالوش اصل ولا فصل، نساكي أصلك وتربيتك، بين يوم وليلة اتحولتي من بنت “مهران” بيه، لبنت “علوان” اللي عمرنا ما شفناه.. ولا حتى كُنت اتمنى اشوفه، كفاية عليا ابنه اللي مش طايقة وجوده.
كلامها كان كفيل إني اقوم ارقدها مكانها، بس هديت اعصابي.. خاصة بعد ما سمعت رد “أرمين” على كلامها:
-بعد أذنك يا ماما، ماسمحش ابدا حد يهين جوزي، حتى لو حضرتك.. أنا بحبه مهما كان أصله ايه، ثم إن مهنته ومركزة دلوقتي يشرفوا أي عيلة.
-ده إختيارك اللي فرضتيه علينا وعلى العيلة، أما مركزة الاجتماعي.. خده بعد ما ناسب بيت “مهران”، وبعدها اشتغل في أكبر مستشفى استثماري في البلد، مكانة ماكنش يحلم بيها، أو حتى تيجي في خياله، المهم دلوقتي.. تعالي نكمل كلامنا بره، حاسة مخنوقة ومش قادرة اتنفس.
قولت في بالي.. “منك لله يا ولية، انتي اللي اتخنقتي!.. ده انتي تخنقي قارة بحالها”، بعد ما خرجوا وقفلوا الباب، سندت ضهري على الكرسي، ومن ضيقي بعد اللي سمعته من بنت البشوات”حماتي”.. خالفت تعليمات “أرمين” ودخنت بدل السيجارة تلاتة، لدرجة ان الجو بقي عبارة عن محرقة دخان، بصيت في الساعة كانت قربت على ٣قرب الفجر.. النوم اختفى، طار شبه الدخان اللي طالع من سيجارتي، والكهربا لسه فاصلة، ففضلت اني اكمل قعدتي في البلكونة، لحد ما ترجع أرمين.. ركنت راسي على الكرسي وسرحت في السما، سرحاني عمل قصادي فلاش باك لمشاهد حصلت معايا من كام سنة…
كُنت وقتها خلصت سنة الامتياز، أتعينت في مستشفى حكومي والدنيا مشيت، حياتي كانت روتينية من الدرجة الأولى.. بعد شغلي أرجع شقتي، وبما إني مقطوع من شجرة، وكنت الابن الوحيد لراجل مكافح على قد حاله، مات وساب لي الشقة اللي قاعد فيها، وأم طيبة حصلته بعد مدة قليلة، زي ما يكونوا على أتفاق إنهم ما يفترقوش لا في حياة ولا موت.. ف اتعلمت اعمل كل حاجة لنفسي، أكل، تنضيف، غسيل.. وبعد ما بيخلص اليوم، برمي كل تعبه على سرير صغير، بفضل قاعد عليه اقرا، أو اقلب في وسائل التواصل الاجتماعي، لحد ما النوم يتقل جفن عيني، فبتسحب لعالم تاني.. وفي يوم، كُنت ماسك تليفوني كالمعتاد، شدني بوست مكتوب فيه جملة فلسفية كانت عبارة عن سؤال “هل الأنسان مُسير، أم مُخير؟”.. وفي خلال ٥دقايق..ماسورة إجابات واتفتحت، عدد غير طبيعي من الكومنتات، لدرجة إن النقاش اتحول لمصارعة كلامية بالألفاظ.. طبعا ابتسمت، لأني حسيت للحظة ان التعليقات مش اكتر من جُمل مش مترابطة، حالة من كبت المشاعر والأحاسيس بتخرج، وبدون أي فهم للمعنى الأصلي للجملة.. قريت ما بين التعليقات كومنت عجبني، كان لبنت.. بتقول فيه “مسيرين ناحية الأمور البديهية اللي مافيش جدال عليها، وورانا اكتر من طريق من خلال العقل، اللي اتميزنا بيه عن باقي المخلوقات.. اللي بيه نقرر ونختار هنكمل في اي واحد فيهم.
عجبني كلامها واسلوبها في الكلام، فبدون ما احس، اتسحبت في الكومنت بتاعها لمناقشة طويلة، انتهت على تعارف ما بينا.. فبعتلها على الخاص، في البداية كان رد فعلها فيه حدة، وده رد فعل طبيعي تجاه واحد ما تعرفوش، بس بعد ما اعتذرتلها وعرفتها على نفسي، تقبلت الموضوع واتكلمنا.
ودي ماكنتش اخر محادثة ما بينا، استمرت المحادثات يومياً في نفس الميعاد، مع مرور الوقت.. حصل ما بينا إعجاب متبادل، والأعجاب بصوتها.. اتحول لشغف وعشق بعد رؤيتها، الجمال اللي أبدع الخالق في رسمه، وش ببراءة طفلة، عيون اتكتب عنها في أبيات شعر لشاعر صابه جنون العشق، وباقي مواصفاتها كانت كفيلة تقتلني بسهم الحب.. واقدر اقول لحد هنا الحكاية مشيت تمام، لحد ما فاتحتها في خطوة لازم تتم:
-ارمين انا حكتلك كل حاجة عني، وحابب إن علاقتنا تستمر لنهاية العمر، عاوز أتقدم لك واخطبك، قولتي ايه؟
سكتت شوية، وحل لدقايق صمت تام، ماكنتش سامع غير صوت نفسها المضطرب، في النهاية ردت بتردد:
-بنتكلم بقالنا شهور يا كريم، بس ولا مرة فكرتك تسألني انا مين، أو مين اهلي.
-ما انا عرفت إنك وحيدة اهلك، وعايشين في بيت بس بعيد شوية عن المدينة.
فقالت بتلقائية، وكأنها قاصدة توضح لي إن فيه صعوبات كتير هتواجهني:
-أنا اسمي أرمين مهران دياب.
للحظات مخي وقف، وفي نفس اللحظة بدأ يشتغل بسرعة رهيبة، خلل في التفكير وسببه الاسم اللي قالته أرمين، فرديت عليها عشان أكد لنفسي حقيقة اللي سمعته:
-تقصدي مهران دياب راجل الأعمال المعروف؟.. ولا ده مجرد تشابه أسماء.
-لا هو.. مش تشابه أسماء ولا حاجة.
رديت عليها بضيق:
-اه.. يعني بتفهميني بطريق غير مباشر، إنك بنت السلطان وانا واحد بسيط من عامة الشعب، والطبيعي والمعروف في الحكاية ، إن مستحيل واحد من عامة الشعب، يتجوز الأميرة بنت السلطان. مش كده؟!.. والا عقابه هيكون السجن او الموت.
اتضايقت من كلامي وتلميحاتي عن حالتي المادية البسيطة، فحاولت بكل الطرق انها تفهمني مش ده قصدها، فقالت;
-من وقت ما اتعرفنا، ما فرقش معايا مكانتك ايه، ولا فكرت في الفروق اللي بينا، والدليل على كده.. إني مفيش ولا مرة جبت في كلامي سيرة اهلي، اوهم مين، بس لما تفاتحني في ارتباط رسمي، لازم اقولك.. لازم اعرفك، عشان تبقى الصورة قصادك واضحة مع الناس اللي هتتكلم معاهم.
كلامها كان صح مليون المية، برغم من تقبل قلبي لمغامرة زي دي، والسبب طبعا حبي ليها، بس عقلي كان رافض تماما.. أكيد ناس زي دي مش هترحب بشاب عادي جدا، جاي بيتهم عشان يخطب بنتهم الوحيدة.. بس بعد تفكير طويل، حسم الموقف قلبي.. طبت كفة ميزانه وبقوة، صحيح أوقات حكم القلب على الموقف خاطئ، بس قوة سيطرته، بتكون جامحة لدرجة انها بتوقف العقل، أو بتخدره.
نهاية كلامي مع أرمين، طلبت منها تاخد لي ميعاد من ابوها، اترددت بسبب القلق اللي كان متملكها، خوفها من رد فعله شغل عقلها، ويمكن هو ده الصح اللي ما نتبهتش ليه، ولا فهمت قصدها غير بعد ١٠ايام، ودي كانت المدة اللي استنيت فيها مقابلة مهران بيه.
اليوم ده جهزت نفسي احسن ما يكون، وروحت على عنوان أرمين، كلام أرمين مايجيش حاجة جنب اللي شوفته، شكل البيت أو الفيلا او القصر، ايا كان المسميات.. منظره مهيب، حاجة كده شبه قصور زمان اللي كان بيمتلكها بهوات عصور مضت وانتهت، وجواه ما يختلفش عن شكله من بره، ده اذا ماكنش افخم.. صورة خياليه رسمها فنان وابدع في كل تفاصيلها، من أثاث، لتحف، وحتى الصور اللي على الحيطان.. هيأت نفسي وعقلي إني جوه حلم أكتر منه حقيقة، والسبب واضح.. تهيئة نفسي للمخلوقات اللي هقابلها جوه المتحف ده.
بعد ما دخلتني واحدة في أوضة الاستقبال، واضح إنها من اللي بيشتغلوا في القصر، عدا أكتر من ربع ساعة، حالة شبه تحطيم الأعصاب، بس ما سمحتش للحالة دي بالسيطرة عليا، وبدأت ارتب كلامي اللي هقوله، شبه الطالب اللي داخل امتحان، وهو واثق إنه مش هيعرف يحل جملة، ونهايته هتكون راسب مع مرتبة الشرف.. خرجني من دوامة التفكير اللي غرقت فيها، صوت خطوات جاية ناحيتي، وفي لحظات اتفتح الباب، ظهر واحد هيبته تخلع القلب، وتقريبا عرفته.. صور رجال الأعمال ماتختلفش شهرة، عن صور مشاهير الفن ومشاهير الكورة، اللي دخل الاوضة كان مهران دياب.. قرب مني ووقف قصادي، حاولت افسر ملامحه واخد منها ذرة امل، بس الناس اللي زي دي، غموضهم بيكون اساس حياتهم ونجاحهم، ففضلت اني اهدى واركن اي محاولة من ناحيتي او تخمينات، اكيد هتكون نهايتها الفشل.. طلب مني ابدأ الكلام، وقد كان.. بدون مقدمات كتير طلبت منه ايد أرمين، والرد اتحسم في نفس اللحظة، نظراته وملامحه من ناحية، ومن الناحية التانية.. الباب اتفتح ودخلت منه النسخة الأصلية من أرمين في الشبه، الهانم جيهان، وبنظرة تكبر وقرف، بصت لي من فوق لتحت وقالت:
طبعا الكلام اللي اتقالي، وضح لي إن في خلال العشر ايام، اتعمل عني وعن حياتي بحث كامل، ماردتش على كلامها.. وكان الأفضل احترم كرامتي، والحق أخرج من البيت قبل ما اطرد منه.
عدا ايام بعد اللي حصل، ماكنتش برد فيهم على اتصالات أرمين، لحد ما اتفاجئت بدخولها عليا مكتبي في الشغل، وبعد عتاب طويل بسبب غيابي، اقترحت عليا اقتراح هتقلب بيه الموازين، عشان تكمل أسطورة الشاب الطيب وبنت السلطان، لما قالت:
-انا بحبك، مش فارق معايا اي حاجة في الدنيا، وحياتي من اختياري.. ماحدش هيفرض عليا اختار ايه وارفض ايه، وانت اختياري.
حاولت افهم تقصد ايه من كلامها، وتفكيري وصل لحد مشكلة كبيرة هتحصل بينها وبين أهلها بسببي، وده اللي قولته، بس ردها ماكنش متوقع:
-المشكلة بينا حصلت فعلا من وقت زيارتك، كل يوم جدال وخناقات بيني وبين اهلي، بس خلاص.. قررت واخترت، احنا هنتجوز وهعيش معاك في اي مكان على الأرض.
اتفاجئت بكلامها، ماعرفتش أرد اقولها ايه.. بس خطوة زي دي نتائجها صعب حتى اتوقعها، لكن وافقت.. ماكنتش عارف وقتها ده بسبب حبي ليها، أو تحدي، او رد اعتبار من الإهانة اللي اتعرضت لها.. كل ده مش مهم.. المهم القرار اتاخد وهيتنفذ، في نفس اليوم كتبنا الكتاب عند أقرب مأذون، بشهادة اصحابي في الشغل.. وعرفت منها إنها سبت لهم خبر باللي هتعمله، واللي خمنته حصل.. اللي عملناه ماعداش بسهولة، اتعرضت لبهدلة في شغلي وحياتي، بس كملت واتحملت بوقوف أرمين جنبي، وبعد شهور من جوازنا، حصل هدوء تام من ناحية أهلها.. لحد ما جت عربية من شركة مهران دياب، وطلب انه عاوز يقابلني، في الاول حسيت بالقلق مع تردد من مقابلته، بس ماكنش قصادي بديل للرفض، مش خوف منه.. بس انا اخترت فضلت اني امشي ورا مقولة “وقوع البلا ولا أنتظاره”، بعد ما وصلت لمقر شركته، وصلني واحد من أفراد الأمن لمكتبه، والمكتب بمحتوياته يتوهوا عقول، ويخرسوا ألسنة.. وده طبعا من الشكل والمساحة، سرحت شوية وانا بتلفت حواليا في أركان المكتب، لحد ما قطع سرحاني، صوت اللي كان على المكتب ومديني ضهره:
-حلو المكتب مش كده؟!.. اكيد طبعا عجبك، اتفضل اقعد عشان نعرف نتكلم.
قربت من الكرسي وقعدت، كمل كلامه وهو بيلف الكرسي اللي قاعد عليه ناحيتي:
-اللي عملته لايمكن اغفره، وكان سهل عليا جدا اخفيك من على الكرة الأرضية، بس وقتها كنت هخسر بنتي الوحيدة، ودي حاجة مش هقدر لا انا ولا امها واخوها نتحملها، وفي نفس الوقت مش متحمل انها تتبهدل في حياتها، فالحل الوحيد اللي قدامنا، إنك تجيب بنتي وتيجوا تعيشوا معانا، مضطر أقبل بيك في عيلة دياب، بعد ما حطتني بنتي في الموقف ده.
ماكنتش متوقع انه يطلب مني الطلب ده، كل كلامه كان ثقة إني هقبل، بس أنا رفضت عرضه.. وخدنا وقت طويل في النقاش، لحد ما الكلام ما بينا انتهى اني هاجي انا وارمين نعيش معاهم، اضطريت اني اعيش معاهم واتعايش وسط كرههم ليا، ومن بعد اليوم اشتغلت في أكبر مستشفى استثماري، وفي خلال فترة قصيرة، اسمي بقي من ضمن قائمة اكبر دكاترة في البلد، كُنت بحاول اوصل لنفس مستواهم، بس ده ما منمعش تلميحاتهم بإننا مختلفين، مهما وصلت لمستوى مادي مرتفع، وعشان كده حاولت كتير انفصل في سكن بعيد عنهم، بس كل محاولاتي بتفشل، أرمين كانت رافضة فكرة إنها تبعد عن أهلها، واهو لسه موجود وسط عيلة دياب، محسوب فرد من العيلة برغم التناقضات اللي ما بينا.
اتنهدت تنهيدة طويلة وغمضت عيني، ماعداش وقت طويل، وبدأت اسمع صوت جاي من جنينة البيت، حد بيفتح البوابة وبيدخل منها، استغربت.. مين هيدخل او هيخرج في الوقت ده؟!.. فقومت من على الكرسي وروحت عند سور البلكونة، بصيت ناحية البوابة بتركيز.. كانت البوابة مفتوحة فتحة مش كبيرة، يعني يادوب تدخل بني آدم.. لفيت بعيني في الجنينة، كان فيه فعلا حد واقف.. بس ماكنش واضح ملامح وشه، وده بسبب إنه كان لابس جاكت، والجاكيت فيه موصل بغطا للرأس، وقفت في ثبات تام وذهول، مش قادر اتحرك من مكاني اوانزل اشوف مين ده، حتى صوتي اتحشر مش قادر اتكلم، عشان اصرخ واصحي امن البوابة، كل اللي بعمله اني بتابع تحركاته في الجنينة، بدأ يسرع من خطوته في كل الاتجاهات، كل جزء بيقف عليه بيخرج من بطن الأرض مايه كتير، وبتعمل حواليها بركة، راح عند زاوية من الجنينة وجاب أداة حفر، تقريبا مجرفة.. وفضل يحفر في الأماكن اللي بتطلع مايه، لحد ما حفر لعمق مش كبير، واللي شوفته خلع قلبي من مكانه، الحفر مليان جثث.. واللي خارج من الأرض مش مايه، ده دم خارج من الجثث اللي كان مردوم عليها، الجثث مش متكفنة، وللسبب ده كان ظاهر إنها مش كاملة، كان ناقص منها أجزاء كتير.. اللي ناقص دراعها واللي ناقص رجلها، واللي مشقوق بطنها.. المنظر كان رهيب وبشع، الراجل ماكتفاش باللي عمله، ده فضل يحفر، لحد ما عمل كام حفرة جنب بعض، فتح أكياس كبيرة كانت مركونة جنبه وخرج اللي فيها، رماهم جوه الحفر اللي جهزها، كانت جثث ميتة.. الجثث دي لحد اعرفه كويس، قطع تركيزي في اللي بعمله، لما وقف وبص ناحيتي، شافني.. ملامحه ظهرت ونور الجنينة انعكس على وشه، ده كان خالي صديق، استغربت، والسبب.. إن خالي مات من فترة كبيرة.
رجعت خطوات لورا وجسمي كله بيتنفض، اللي وقفني ايد اتحطت على كتفي، فلفيت بفزع ورايا كان هو خالي، بيبص لي وهو بيبتسم بطريقة مخيفة، شلت ايده من على كتفي، وانا بقوله:
-ابعد عني، ايه اللي جابك هنا.
وبدأ يهز فيا بقوة، وسمعت صوت بيقول :
-كريم، مالك يا كريم؟
لفيت وشي ناحية الصوت وشهقت، كانت مراتي.. حاطة ايدها على كتفي وبتصحيني، اتنفضت من على الكرسي وبصيت للجنينة، ماكنش فيه حاجة ولا فيها حد، اتكلمت أرمين:
-مالك؟.. دخلت الاوضة وسمعتك بتتكلم وانت نايم، واضح انك كُنت بتحلم.
رديت عليها بتوتر:
-فعلا.. كان كابوس مرعب، والحمد لله جيتي في وقتك.
-طيب قوم نام جوه، الكهربا رجعت والجو بقي احسن.
قومت مع مراتي ودخلنا أوضتنا، ماخدتش وقت طويل ومن الإرهاق روحت في النوم، صحيت على نور الشمس اللي ملا الاوضة، مديت ايدي وخدت الساعة من جنبي، بأيدي التانية فركت عيني عشان اشوف الوقت، اتعدلت في قعدتي بسرعة لما اتفاجئت بالوقت، الساعة كانت عدت ١١، في اللحظة دي، دخلت أرمين ابتسمت وصبحت عليا، رديت عليها وقولت لها:
-هو المنبه مارنش؟
ضحكت وجت قعدت جنبي، قربت مني وحطت ايدها على خدي:
-لا يا حبيبي رن من بدري، بس انت كُنت مرهق جدا، لدرجة انك ما سمعتش صوته، فطفيته عشان ما تقلقش وتكمل نومك.
رفعت حاجبي وابتسمت نص ابتسامة:
-طيب وشغلي يا حبيبتي، اكمل نوم واسيبه يعني!
اتكلمت بدلع وقالت:
-الشغل موجود هيروح فين، خليك النهاردة نقضي اليوم سوا.
قومت من جنبها وانا بقول:
-الصباح الجميل ده يغري اي حد يسيب شغله، بس للأسف النهاردة عندي شغل كتير جدا، يادوب الحق اخد دش والبس وانزل.
ضيقت عينها بغيظ وفضلت قاعدة مكانها، وفي خلال نص ساعة جهزت نفسي ونزلت.. لحقت الاجتماع اللي كان معمول على شرف دكتور مهم من لندن، عدا حوالي ساعة أو اكتر وتليفوني رن، بصيت في شاشته.. الاتصال كان من أرمين، فقفلت الصوت لحد ما يخلص الاجتماع، بس الاتصال استمر بدل المرة ٤مرات.. اتوترت، فلمحت مدير المستشفى بيهز راسه عشان ارد على الاتصال، فاعتذرت للموجودين وقومت من مكاني، وقفت في آخر مكان بغرفة الاجتماعات ورديت عليها، كانت بتعيط وبتصرخ:
-تعالى بسرعة يا كريم، الحقنا.. حصلت مصيبة.
“يتبع”
#جثة_شاهر
#لمياءالكاتب