

من عادتي إني بعمل تليفوني صامت دايمًا، لكن في اليوم ده حصلت حاجة من النوادر، قعدت أقلِّب في التليفون ولَغيت الصامت، بعدها رنِّيت على تليفوني من التليفون الأرضي، وده لمَّا حسيت بفضول وطلبت معايا أفتكر نغمة تليفوني؛ لأني مسمعتهاش من سنين.
لمَّا أشبعت فضولي وافتكرت النغمة، قفلت التليفون وحطيته جنبي، بعدها قعدت على مكتبي وفتحت اللاب توب أخلَّص شغل من اللي ورايا، في اللحظة دي سمعت صوت رسالة على تليفوني، ومن قبل ما أبُص للتليفون، عرفت إنها رسالة على واتس آب.
قُمت من مكاني ورُحت للتليفون، فتحت أشوف مين اللي باعت لي، الإشعار اللي ظاهر على الشاشة كان من رقم غريب، وبالتأكيد قدرت أقرأ نَص الرسالة من برَّه، واللي كانت عبارة عن رسالة بتقول: “إزيك يا شحاتة”.
في البداية كنت هتجاهل الرسالة، لأن من عادتي إني مش برُد على اتصالات أو رسايل من أرقام غريبة، لكن لمَّا قرأت اسمي في الرسالة؛ قُلت أكيد ده حد يعرفني وباعت لي يعرَّفني رقمه الجديد، ردِّيت على الرسالة وقُلت: “مين معايا؟”، بس الإجابة خلَّتني أبتسم بسخرية؛ لأنها كانت بتقول: “أنا هشام، صاحبك اللي مات في حادثة من سنتين”.
تمالكت أعصابي، وفي لحظة فكَّرت إنها اشتغالة، أكيد ده حد من أصدقائي وجايب رقم جديد وبيتسلّى، وبدون تردُّد رنّيت على الرقم، انتظرت لحد ما المكالمة فَتحت، ساعتها سمعت أنفاس عالية، تقريبًا اللي على الناحية التانية من المكالمة كان بياخد أنفاسه بالعافية، وعشان أنهي الموقف البايخ ده سألت بعصبية:
_أنت مين يا بني آدم؟
ساعتها إيدي ارتعشت وجسمي تلِّج لمَّا سمعت اللي بيقول لي:
_لسَّة عصبي زي ما أنت، ما قُلت لك أنا هشام!
التليفون وقع من إيدي وحسيت بالدنيا بتدور من حواليَّا، لأن الصوت فعلًا كان صوت هشام، أي نعم فات سنتين بحالهم على الحادثة اللي مات فيها؛ لكن فاكر صوته زي اسمي، ولمّا تفكيري أخدني إن ده حد من أصدقائي وبيحاول يقلّد الصوت؛ قُلت: مفيش حد يقدر يقلّد صوته بالدِّقة دي، ده غير إن مفيش حد منهم بيعرف يقلِّد أصوات، فضلت ساكت، مكانش عندي القُدرة اللي تخلِّيني أرُد عليه، لكن بعد فترة صمت نطقت وقُلت بصوت مهزوز:
_هشام!
ضحكته كانت مُريبة، معرفش إن كان بيسخر منّي؛ ولا بيضحك على خوفي، كل ده كان بيحصل وأنا بسأل نفسي سؤال واحد: إزاي واحد مات في حادثة من سنتين بيبعت لي رسالة على الواتس، وبعدها أرن عليه ويرُد عليا ويكلمني؟
قفلت المكالمة لأني مكنتش حابب إن الموضوع السخيف ده يستمر، دوَّرت في الأرقام على رقم هشام لكنه مظهرش معايا، افتكرت إني مغيَّر تليفوني من سنة، وقتها أرقام كتير راحت من عندي، مكانش قدامي غير إني ألجأ لنوتة قديمة عندي من أيام الجامعة، كنت بكتب فيها يوميّاتي، وفيها كمان أرقام أقرب أصدقائي، ولمّا طلَّعت النوتة ووصلت للأرقام، اتفاجئت إن الرقم اللي وصلني منه الرسالة هو نفسه رقم هشام!
قعدت مبحلق في التليفون والرقم قدامي، حرفيًّا دماغي كانت مهنِّجة، حاولت أتواصل مع الرقم تاني، بَعَت استيكر في محادثة الواتس وانتظرت لكنه موصلش، قُلت أكيد شبكة، رنيت على الرقم من تاني، بس اتفاجئت إن التليفون مقفول، وهنا افتكرت العزا بتاع هشام، لمَّا أخوه قال: إنه قفل تليفونه وهيفضل محتفظ بيه، يعني هيفتحه ويشحن الشريحة من وقت للتاني عشان تفضل شغالة والخط ماينسحبش، وده معناه إن الخط مراحش لحد وبيشتغلني منُّه.
أخدت نفس عميق وقُلت: أنا هغلِّب نفسي ليه؟ ما أنا أتّصل بأخو هشام وأطمِّن عليه، وفي وسط الكلام هعرف لو كان الرقم اتسحب ولا لأ، طلبت رقمها ولمّا رد عليّا قُلت له:
_صباح الخير يا بشمهندس إيهاب.
_صباحك فُل يا شحاتة، إيه يابني الغيبة دي.
_الدنيا تلاهي والله، طمني عليك.
_أنا زي الفل، إيه اللي فكَّرك بيا؟
_كنت بقلِّب في التليفون ولقيت رقم هشام الله يرحمه، افتكرت إننا متكلمناش من فترة طويلة وقُلت أسأل.
_فيك الخير والله، كويس إنك لسَّه محتفظ برقم هشام، أنا كمان لسَّه محتفظ بتليفونه وبشحن الخط من وقت للتاني ومحافظ عليه.
انتهيت من المكالمة، ماكنتش محتاج أكتر من المعلومة اللي سمعتها، وبدون ما أفكَّر طلبت رقم مُهاب؛ أقرب صديق منّي ومن هشام الله يرحمه، ولمَّا رد عليا قُلت له بدون مقدّمات:
_مُهاب؛ أنا عاوز أزور قبر هشام.
_يا عم الناس تقول آلو؛ صباح الخير؛ إيه الأخبار، إيه دَخلة الحانوتية بتاعتك دي، ما إحنا بنزوره من وقت للتاني، إيه اللي طلَّع الفكرة دي في دماغك دلوقت.
_بدون رغي كتير أنا عاوز أزوره ودلوقت، جاي معايا ولا أطلع لوحدي؟
_جاي يا عم؛ هغيَّر هدومي على ما توصل.
غيَّرت هدومي وأخدت تليفوني ونزلت، ركبت عربيتي وطلعت على بيت مُهاب اللي لقيته منتظرني قدام البوابة، وقفت بالعربية لحد ما ركب جنبي وبعدها اتحركت، ساعتها سألني عن سبب زيارتي المفاجئة لقبر هشام، مردِّتش عليه واكتفيت إني فتحت تليفوني وخلِّيته يشوف رسالة الواتس، فضل مبحلق فيها شوية وبعدها الاندهاش اللي على ملامحه اختفى وقال لي:
_أنت واخدني المقابر دلوقت عشان الكلام الفاضي ده؟!
رديت عليه بدون ما أبعد عيني عن الطريق وقُلت:
_أنت شايف إن ده كلام فاضي؟
_ده أقل وصف للرسالة دي، زمان حد من أصحابنا بيشتغلك.
_الرقم اللي عندك ده رقم هشام فعلًا يا مُهاب.
_يبقى مهندس إيهاب أخوه بيشتغلك، ما أنت عارف إنه قافل التليفون بس محتفظ بالرقم وبيشحنه من وقت للتاني.
_صدقني الحكاية دي جت في بالي برضه؛ لدرجة إني اتصلت بيه والكلام جاب بعضه وعرفت إن التليفون مقفول كالعادة.
_جايز بيشتغلك، أكيد لو عامل فيك مقلب مش هيقول لَك.
_إيه اللي جاب في باله يعمل كده بعد سنتين بحالهم من موت هشام؟ وليه مبعتش الرسالة عندك برغم إنك صديقه أكتر منّي؛ ثم إيه مصلحته إنه يعمل كده أصلًا؟
_علمي علمك، بس من وقت ما الحوار ده اتفتح وأنا تفاصيل الحادثة كلها بتفوت قدام عيني.
_ومين سمعك، أنا كمان فاكر الليلة دي كويس، وفاكر قعدتنا على كورنيش النيل، لمَّا هشام صمِّم يجيب لنا شاورما من مطعم أكل فيه في مدينة جنبنا، ولمّا حاولنا نخلِّيه يكبّر دماغه مسمعش كلامنا وأخد عربيته ورجع وقال: ساعة وراجع بالشاورما، بس بعد ساعة سمعنا سارينة الإسعاف وهي بتشق الطريق وفايته من قدامنا، ومكنَّاش نعرف إن اللي فيها جثة هشام بعد ما عمل حادثة والعربية دخلت بيه في شجرة على جنب الطريق، يومها بس عرفت يعني إيه واحد قَدَرُه بينده عليه.
على ما خلَّصت كلامي كُنّا وصلنا المقابر، ركنت العربية ودخلنا، مشينا لحد ما وصلنا عند القبر، وهناك وقفنا نقرأ الفاتحة، ولمَّا خلصنا مُهاب قال لي:
_اطَّمِّنت يا عم شحاتة؟
مردِّيتش على سؤاله، فضلت ساكت لحد ما عطيته فرصة إنه يكمِّل:
_الله يرحمه، يلا إحنا نرجع مالهاش لازمة وقفتنا دي.
اتحركت معاه وعيني متعلَّقة بباب القبر، في الوقت دَه حسيت بحركة ورا الباب، رجلي لزقت في الأرض ووقفت مكاني، ساعتها مُهاب استغرب وقال:
_وقفت ليه تاني؟
_سمعت حاجة؟
_حاجة زي إيه؟
_باب القبر وراه صوت.
_وبعدين معاك أنت خليت جسمي يتلبِّش، صوت إيه اللي ورا الباب!
_زي ما سمعت، هشام عايش على فكرة.
_اللهم طوِّلك يا روح، أنت فاكره ميِّت بغيبوبة سُكر ومدفون ليلة امبارح وفاق في القبر! يا بني هشام ميِّت في حادثة من سنتين، هيرجع من موته يعني وهيفضل عايش سنتين في القبر!
اتحرَّكت بدون ما أرُد عليه، والسبب إن كلامه منطقي وكلامي كله فنكوش، حتى الرسالة اللي استلمتها واللي شافها بعينه، دي كمان بقى تفسيرها الأقرب عندي إن المهندس إيهاب أخو هشام الله يرحمه هوَّ اللي باعتها.
خرجنا من المقابر وركبنا العربية، منطقتش بحرف لحد ما وصَّلت مُهاب قدام بيته، بعدها رجعت على شقتي، ركنت عربيتي وطلعت على فوق، ولمَّا دخلت فتحت تليفوني عشان أعمله صامت، لكن في شيء خلاني أتراجع في اللحظة الأخيرة..
قرَّرت أنسى اللي حصل وأشغل نفسي في أي حاجة، قعدت على مكتبي وشغلت نفسي في اللي ورايا، الوقت فات بدون ما أحِس؛ لدرجة إني لمَّا بصيت ناحية الشباك لقيت الليل دخل، وساعتها اللي حصل اتكرر تاني، سمعت صوت رسالة على الواتس آب، سيبت اللي في إيدي ومسكت التليفون وبصيت فيه، ساعتها لقيت رسالة من رقم هشام: “إيه يا عم شحاتة، يعني كان لازم أبعت لك رسالة عشان تيجي عند القبر؟”.
دماغي عملت إيرور، لو افترضنا إن أخو هشام بيشتغلني من رقمه يبقى عرف إزاي إني أخدت مُهاب وزُرت القبر؟!
الدم بدأ يغلي في عروقي، رديت على الرسائل وقُلت: “أنت مُش ناوي تجيبها لبَر ولا إيه يا إيهاب؟”.
الرسالة اتبعتت من عندي لكنها موصلتش، مظهرش تحتها غير علامة واحدة، وفي نفس الوقت استلمت رسالة تانية مكتوب فيها: “يعني عشان فات على موتي سنتين مش هتعرف تفرَّق بيني وبين أخويا؟”.
الحكاية بقت أكبر من طاقتي، لقيت نفسي بقعد جنب التليفون الأرضي وبطلب رقم هشام، بس لقيته مقفول، وفي نفس الوقت استلمت منه رسالة تانية بتقول: “مكنتش أعرف إنك هتنساني بالسرعة دي يا صاحبي”.
دماغي أخدتني لناحية تانية، شريحة هشام اتحطت في تليفون واتعمل بيها حساب على الواتس وبعد كده اتشالت، ودلوقت التليفون شابك واي فاي وإيهاب بيشتغلني منه.
قررت أرن واتس، بس لقيت الرقم مش متصل بالنت أصلًا، وبرغم كده كنت لسه بستلم منه رسايل!
اللي حصل خلاني أرزع تليفوني في المكتب، ومع الوقت هديت، ساعتها خطرت في بالي فكرة، وهي إني أتصل بالمهندس إيهاب بس المرَّة دي على الأرضي، عملت ده وأنا متأكد إن اللي هيرد عليا حد غيره، وفعلًا؛ اللي ردَّت عليا والدته، ساعتها حسيت إني في نُص هدومي وأنا بقول لها:
_إزيك يا طنط، معلش رنيت على الأرضي لأن الشبكة عندي مش كويسة، أخبارك إيه؟
_بخير يا بني متحرمش من سؤالك.
_مهندس إيهاب موجود؟
_ده خرج في شغل من الصبح.
_كنت عاوز أطّمن عليه.
_سألت عليك العافية، وبعدين أنت ترن في أي وقت ده أنت من ريحة الغالي الله يرحمه، ده أنا حتى لسَّه كنت في أوضته من شوية وفاتحة الخَزنة اللي فيها وشايفة صورتك معاه أنت ومُهاب، وتليفونه اللي مقفول من آخر مرَّه إيهاب شحنه فيها، أصل تليفونه مبيخرجش منها غير يتشحن وبعدها بحطه في الخَزنة وبقفل عليه تاني.
كلامها لفت نظري فسألتها:
_إمتى آخر مرة تليفون هشام اتشحن يا طنط؟
_من أسبوعين، ومن ساعتها وهوَّ في الخَزنة ومقفول عليه.
_كويس إني اطَّمنت عليكي يا طنط، ولمّا الشبكة تبقى كويسة هكلِّم مهندس إيهاب على تليفونه.
قفلت معاها بعد ما اتأكِّدت إن التليفون بالرقم اللي فيه مخرجش من الخَزنة من أسبوعين حسب كلامها، وبناءً عليه؛ مفيش حد بعت لي منُّه، كل ده فكَّرت فيه وأنا فاتح محادثة الواتس ومبحلق فيها، في اللحظة دي رن في ودني الصوت اللي كان خارج من ورا باب القبر، ساعتها خطر في بالي حاجة مجنونة عمري ما فكَّرت فيها، وهي إني أروح المقابر وأفتح القَبر وأشوف إيه اللي بيحصل جوَّاه، من الآخر قرَّرت أنبش القبر، وحاجة زي دي كان لازم أعملها لوحدي، مفيش حد هيوافق يشاركني اللي هعمله، لا مُهاب ولا غيره، ده غير إني لو انكشفت هشيل ليلة كبيرة..
حطّيت كل اللي حصل على جنب وبدأت أخطط هفتح القبر إزاي، اشتريت فاس، وكمان عملت حسابي في طوب وأسمنت ورمل عشان أبني الباب من تاني بعد ما أخلَّص، حسبت كل حاجة وجهزت كل اللي محتاجة واختَرت يوم مُعيَّن وقت الفَجر، وساعتها حطيت كل حاجة في عربيتي واتحرَّكت ناحية المقابر، وهناك ركنت العربية في مكان متداري، نزلت منها وأخدت الفاس ومشيت ناحية القبر، ولمّا وصلت وقفت قدامه وأخدت نفس عميق وقرَّرت أنفِّذ، بدأت أكسر الباب بهدوء عشان الصوت ميكونش عالي، وكمان عشان مفيش كَسر يقع فوق الجثة اللي فيه، ومع الوقت الباب اتفتح.
القبر كان ضلمة، وكنت عامل حساب حاجة زي دي، طلعت كشاف صغيَّر من جيبي ونوَّرت جوَّاه، شُفت الكَفن دبلان ونايم فوق اللي باقي من الهيكل العظمي، ساعتها اتأكدت إن هشام ميِّت وشبعان موت، وده اتسبب إن الحيرة زادت جوايا، التليفون مقفول وفي الخَزنة والجثة اتحوِّلت لبقايا هيكل عظمي، كل ده خلاني أشُك في نفسي وأقول جايز بقيت بخرَّف، بس إزاي؟ مُهاب شاف الرسالة وقرأها، يعني لو بخرَّف كان قال لي وأنكر وجود الرسالة.
قرَّرت أقفل باب القبر على هشام، وبعدين أشوف حل للمشكلة اللي أنا فيها، أخدت أول خطوة عشان أرجع للعربية أجيب الطوب والأسمنت والرمل اللي فيها، كنت عاوز أقفل الباب والدنيا ترجع لطبيعتها قبل ما النهار يطلع، بس أخدت الخطوة الأولى ومأخدتش التانية، وده لأني سمعت صوت طالع من القبر بيقول:
_تصدَّق، باب من الطوب والأسمنت بيفصل بين عالمين؛ الدنيا والآخرة.
جسمي اتشَل في مكانه، حتى رقبتي مطاوعتنيش لمَّا كنت عاوز أبُص في القبر، قاومت خوفي ونوَّرت الكشاف وبصّيت، لمحت الكَفن متحرَّك من مكانه، ده غير إني لقيت شكله مختلف، الجثة اللي جوَّاه بعد ما كانت بواقي هيكل عظمي بقت كاملة كأنها لسَّه مدفونة دلوقت، بصيت فيها بذهول وبدأت أقرب، محسِّتش بنفسي غير وراسي بتدخل جوَّه القبر وبتقرَّب من الكفن عشان أتأكد إني مش بخرَّف، وفي عِز بحلقتي في الكفن عُقدته اتفَكَّت فجأة وانكشف من على وش هشام، عينيه كانت مفتوحة وبتضحك ضحكة مخيفة، وقبل ما أفكَّر أبعِد راسي عن وشُّه إيده خرجت من الكفن ومسكتني من رقبتي، بعدها قال بصوته اللي لسَّه معلِّم في وداني وهو بياخد أنفاسه بصعوبة:
_أخيرًا باب القبر اتفتح يا شحاتة!
حسيت بخبطة في كتفي، وخبطة ورا التانية لحد ما سمعت صوت بيقول لي:
_قوم، هي الناموسية كحلي ولا إيه؟
فتحت عيني وبصّيت حواليا وأنا مرعوب، الرؤية مكانتش واضحة، وبعد ثواني بدأت أشوف بوضوح وأستوعب اللي حواليا، دي أوضتي، والصوت اللي سمعته صوت أمي، قعدت من النوم وبصّيت لها، ساعتها قالت:
_هشام بيرن عليك وتليفونك صامت زي عوايدك، عشان كده اتصل على الأرضي، بيقول إنهم هيتجمعوا بعد المغرب في المكان بتاعكم على النيل وبيقول لَك متتأخرش.
سابتني وخرجت وفضلت تايه، حسيت إني مفصول عن الدنيا، يعني كل ده حلم؟!
قضيت الوقت لحد المغرب في أوضتي وأنا بفكَّر وبسأل نفسي: إزاي معرفتش إنه حلم؟ وإزاي مأخدتش بالي إني كنت عايش لوحدي وأنا في الحقيقة عايش مع أمي؟ وإزاي اقتنعت في الحلم إني فتحت رنة تليفوني ولغيت الصامت، وبعد كل ده قُلت لنفسي: حلم زي أي حلم، واللي بيحلم بيعيش اللي بيشوفه على إنه واقع، وبيدرك إنه بيحلم في اللحظة اللي بيصحى فيها من النوم.
الوقت فات ونزلت، وصلت المكان اللي بنتجمع فيه، قعدت أنا وهشام ومُهاب وكام واحد من أصحابنا، مجيبتش سيرة اللي شُفته عشان مافتحش مجال لحوارات مالهاش لازمة، والكلام أخدنا لحد ما نسيت الحلم، لحد ما افتكرت كل حاجة من تاني لمَّا سمعت هشام وهو بيقول:
_هوصل أجيب لكم سندوتشات شاورما من واحد أكلت منه من يومين، ساعة زمن وراجع.
كنت عارف إنه يقصد مطعم الشاورما اللي في البلد اللي جنبنا، خصوصًّا لمَّا قال اسم المطعم طلع نفس الاسم اللي قاله في الحلم، ولمَّا حاولت أمنعه بحجة إن الطريق طويل وإننا ممكن نجيب من أي مطعم قريِّب قال:
_هوصل بالعربية كلها ساعة زمن.
منتظرش أكمل كلامي، قام وسابنا وأخد بعضه ومشي، كلهم كانوا منتظرين الشاورما وأنا اللي كنت حاطط إيدي على قلبي، خصوصًا بعد ما فات ساعة وسمعنا صوت إسعاف معدِّي من قدامنا ورايح ناحية المستشفى، ولمَّا كلهم حسُّوا إن هشام اتأخر، ساعتها واحد منهم طلب منّي أرن عليه، مسكت تليفوني عشان أطلب رقمه ويرد عليا وكل الهواجس دي تختفي، لكن سمعنا رنة تليفون مُهاب، ولأنه كان قاعد جنبي لمحت اسم المهندس إيهاب أخو هشام على الشاشة، ساعتها فتح المكالمة وحط التليفون على ودنه وقال:
_إزيك يا هندسة.
ملامح وشّه اتغيَّرت، حط التليفون قدامه وفضل ساكت، كلهم كانوا بيسألوه عن سبب سكوته إلا أنا، لأني ربطت كل اللي حصل بالحلم وكنت عارف اللي فيها، وبرغم كده كنت بحاول أكذِّب نفسي، لحد ما مُهاب بَص لنا وقال:
_هشام؛ تعيشوا أنتوا.
نفس التفاصيل اللي مُهاب نقلها عن لسان المهندس إيهاب أخو هشام؛ كانت هي نفس تفاصيل الحلم، لا زيادة ولا أقل، ولأنها حادثة، اتغسِّل واتصلّى عليه في وقتها بعد ما طلع له تصريح الدفن وخرج من المستشفى، والدفنة كانت في نفس اليوم بالليل..
أما أنا بقى؛ فكنت واقف قدام البر وهِشام بيندِفن وماسِك كشاف النور، بنفس الطريقة اللي ظهرت بيها في الحلم وأنا ببُص في القبر بالكشَّاف، ودلوقت فات سنتين على الحادثة والحلم، تقريبًا نفس الوقت اللي كان في الحلم وشُفت فيه الأحداث قبل ما تحصل، بَس محدش فيكم يفتكر عشان الحلم اتحقق، إني بعد سنتين لغيت وضع الصامت واستلمت رسالة من هشام، أولًا: لأني مستحيل أغيَّر وضع الصامت، وثانيًا والأهم: مفيش حد بيموت بيبعت رسالة لواحد عايش، سواء بقى مات في حادثة؛ أو مات طبيعي!
***
تمت…