روايات شيقهرواية أعترض حضرة القاضي

رواية أعترض حضرة القاضي الفصل 12 والأخير

رواية أعترض حضرة القاضي الفصل 12 والأخير أقل شيء يمكنني أن أمارسه من فرط ما أشعر به
من مشاعر متضاربة متسابقة على أولوية التحرر
، أن أبكي، وصرت أبكي! كنت أحتاج ليد تلمسني لأشعر أنني مرئي، موجود! أتوق لسماع صوت حر، وهل للصوت ميزة؟
أسأل أذني عن الأصوات، فتنكرها وكيف لا وقد آلفت حسيس الأموات..
حال (حمزة) وهو جالس أمام باب السجن يستند إليه وهو راكع على ركبة واحدة يسند عليها يده التي يدس فيها وجهه وهو يبكي، يشهق، ينتحب، ويتأوه بصوت عال.

ركضت والدته إليه بمجرد أن وقفت سيارة الأجرة
هوت على ركبتيها وأخذت برأسه إلى صدرها وضمته إليها بقوة كأنما أعادت إليه الحياة، كأنما تمخضت به من جديد، آمن أنه حي، أنه إنسان حقيقي، تنفس الهواء، وتنفس رائحة والدته.
لم يستطع والده النزول من السيارة فكان يطالعهما وقد غسلت الدموع لحيته الفضية وهو يمد يده خارج النافذة وهو يردد:
-الحمد لله، الحمد لله.

لقاء كهذا يشبه لقاء (يوسف) بوالده، شهي، يروي التوق و يتخم الحرمان، ملحمة من مشاعر طاهرة بها عرفان و صدق دفعت بغصة الظلم بعيدا، تحررت الروح من الشك والخوف، والألم.
أمسكت (ناهد) (حمزة )من يده وجرته وراءها هرولة تبتعد به من هذا المكان أجلسته قرب والده الذي ضمه وهو يرتعد فامتزجت الدموع بالدموع وتلامست الأجساد فهدأ الروع!

الحرية رائعة حقا والأروع ان تضم عبق الاحبة في صدرك حين تضمهم فتستنشق ريح الجنة في الأرض.
ربت (مصطفى)على ظهر إبنه قائلا:
-وأخيرا ضميتك بين ايدية ياابني ده انا كنت خايف أموت قبل ماأنولها.
خرج (حمزة)من بين يديه وهو يقبل كفه قائلا:
-بعيد الشر عنك يابابا، ربنا يباركلى فيك وميحرمنيش منك.
تبسم والده بحنان وهو يربت على وجنته قائلا:
-تسلم من كل شر ياحبيبي.
ليوجه حديثه إلى السائق قائلا:.

-يلا بينا ياأسطى، ابعدنا عن المكان ده بأسرع وقت.
قال السائق بنبرات متعاطفة مع هذا المشهد الذي رآه:
-هنروح على فين ياحاج؟
قال(مصطفى )بينما جلس (حمزة)بين والديه تتكئ والدته على صدره وكأنها وجدت ملجاها:
-ودينا مطرح ماجبتنا ياراجل ياطيب.
قاد السائق سيارته، بينما عقد(حمزة)حاجبيه قائلا:
-أمال هبة فين؟مجتش معاكم ليه؟انتوا مش قلتلولى ان سيف رجعلها.
ظهر الحزن على وجه(ناهد)وهي تقول:.

-من ساعة ماخدته من المستشفى امبارح ياحبيبتى وهي قافلة عليها وعليه الباب مش راضية تسيبه ولا لحظة واحدة، مها غلبت فيها بس مفيش فايدة وكأنها خايفة لو بعدت عنه يروح منها تانى.
قال(مصطفى):
-معذورة ياناهد إبنها كان هيروح منها، سواء بخطف طليقها ليه الله يسامحه بقى او حادثة العربية اللى نجاه ربنا منها بمعجزة من عنده لأجل الغلبانة دى قلبها مينحرقش عليه.

نقل (حمزة)بصره بينهما قبل أن يشرد فيها، يدرك انها الآن تعانى من هاجس الفقد، يسيطر على تفكيرها تماما كما سيطر وهم الحب على تفكيره، ووجب عليه ان يحررها من وهمها كما حررته من وهمه، يامل ان ينجح في ذلك ويرد لها بعض جميلها الذي يغمره.

استقبلته (مها)بترحاب شديد قائلة:
-وأخيرا شفناك ياحمزة، حمد الله على السلامة ياابني.
ابتسم (حمزة)قائلا:
-الله يسلمك ياطنط.
قالت(ناهد):
-أخبار هبة إيه يامها؟
ظهر الحزن على ملامح (مها)على الفور وهي تقول:
-لسة زي ماهى ياناهد، قافلة على نفسها الباب مع سيف ومش راضية تفتح الباب ولا راضية تاكل ولا تشرب، أنا فكرت أطلع عم ناجى البواب يكسر باب الأوضة، قلقانة عليها أوى ومش عاجبنى وضعها.
قال (حمزة)بثبات:.

-تسمحيلى أحاول معاها ياطنط.
قالت (مها):
-وانت هتعمل ايه أكتر من اللى عملته ياابنى؟ده أنا اترجيتها ياما.
قال (حمزة):
-هخرجها من الاوضة، هبة في وضعها ده محتاجة صدمة في البداية تفوقها وتبعد كل الافكار من دماغها عشان نقدر نتكلم معاها، خلى عندك ثقة فية وأوعدك إنها ترجعلك هبة اللى عرفناها قبل نهاية اليوم.

طالعته للحظات بتردد قبل ان تشير له بالتقدم تجاه غرفة ابنتها، فاخذ نفسا عميقا قبل ان يقترب من الباب ويقف أمامه للحظة ثم يطرقه بقوة قائلا:
-هبة، إلحقى مامتك ياهبة وقعت من طولها ومبتردش علينا.

لحظات مرت كالدهر وعيون الجميع تتعلق بالباب قبل أن يُفتح وتظهر على عتبته هي بوجه شاحب، تمسك طفلها بقوة، تطالع (حمزة)لجزء من الثانية قبل أن تنظر إلى والدتها التي تقف بالخارج وتطالعها بعيون أغرقتها الدموع، توقف الزمن وعيون (هبة) تغشاها الدموع بدورها، قبل أن تنظر إلى (حمزة)قائلة بنبرة لائمة:
-اتعلمت الكدب ياحمزة.
قال بحزم:.

-كان لازم أعمل كدة، كان لازم تخرجى وتشوفى حالة مامتك من حزنها عليكى، انا محتاج أتكلم معاكى وهتسمعينى زى ماسمعتك.
ألقت نظرة أخرى تجاه والدتها قبل ان تهز رأسها وتعود للداخل يتبعها (حمزة)بصمت، بينما ربتت (ناهد)على كتف(مها)قائلة:
-تعالى نحضر الغدا، أنا واثقة ان حمزة هيقدر يخرجها من حالتها دى زي ما هي عملت معاه، تعالى يامها ربك مفيش اكرم منه.
هزت(مها)رأسها وهي تتجه مع(ناهد)إلى المطبخ ليُعدّا الطعام.

الخوف هو آفة تلاحق الإنسان فتجعله يركن إلى الإنعزال خِشية الأذى، يحرم نفسه نعمة الرفقة التي تكون غالبا يد تربت بحنان على جُرحك فتجعله يطيب، يصبح الخوف قاتلا حين يسيطر على الكيان فيدفعه لأن يلجأ للظلام بدلا من ان يتبع طاقة النور، فيضيق صدره ويختنق وقد يؤدى خوفه إلى الشيئ الوحيد الذي يخشاه بقوة، إن لم يتمسك بإيمانه القوي بالله ويرجو عفوه ورحمته لآل به خوفه، للردى.

تطلع(حمزة) إلى (هبة)يدرك من جسدها الذي يرتعش ويدها التي تقبض على طفلها بقوة أنه لابد وأن يتحدث معها بحذر حتى يستطيع الوصول إليها، لذا فقد قال بهدوء:
-الحذر واجب والخوف على حبايبنا طبيعى، ماهو أي أذى ليهم هو أذى لينا، بس في نفس الوقت مينفعش خوفنا يسيطر علينا لحد مانإذيهم بنفسنا ونضرهم واحنا مش حاسين.
طالعته بعيون زائغة فأردف وهو يطالع عيونها قائلا:.

-مش دى هبة اللى عرفتها، هبة الواثقة في رحمة ربنا واللى اديتنى أمل في ان الدنيا لسة بخير، مش دى هبة اللى كانت بتقولى ان ربنا ليه حكمة في كل حاجة بتحصل وان رحمته وسعت كل شيئ، فاكرة لما حكيتيلى حكاية الراجل اللى كل ماتصيبه مصيبة يقول خير ان شاء الله، لما جه الديب وأكل الديك الوحيد اللى عنده قال خير إن شاء الله ولما قتل الكلب اللى بيحرسه برده قال خير ان شاء الله وفي نفس الليلة مات حماره من المرض فقال خير ان شاء الله، مراته اتضايقت وقالتله خير ازاي بس وكل اللى بنملكه راح، لكن هو تمسك بان كل شيئ بيحصل بيكون فيه خير من عند ربنا، وفي اليوم التانى جه قريتهم مجموعة من اللصوص ونهبوا كل البيوت وقتلوا أصحابها ماعدا بيتهم لانهم استدلوا على البيوت من صياح الديكة ونهيق الحمير ونباح الكلاب لكن بيت الراجل الطيب كان ضلمة ومطلعش منه صوت فنجا هو ومراته فكانت كل حاجة حصلتله لحكمة وخير من عند ربنا زي ماآمن بالظبط.

قلتيلى وقتها كمان ان سجنى كان فيه خير لية وانه نجانى من وهم كبير وكمان فتح عينية على حاجات كتير وعرفنى بناس طيبة ومعرفة الناس الطيبة كنوز.
انتى كمان كانت محنتك خير، قالك بيها ربنا انه جنبك وقربك وقت ماتلجايله بدعوتك هيجيبها وانتى وحبايبك في معيّته واللى في معيّة ربنا عمره مايخاف.

كان كلما إستطرد في كلماته إستقرت نظراتها وهدأت وخفّت قبضتها على طفلها الذي بدأ يداعب وجنتها بيده الصغيرة فادرك أنه إستطاع الوصول إليها ليقول مردفا:.

-متخافيش على سيف ياهبة، محدش هيقدر ياخده منك، سيف ربنا حماه بمعجزة ولو كان رايد ياخده منك كان خده، تخافى من بنى آدمين برده وربنا معاكى؟طب إزاي؟اوعى تخلى خوفك يعميكى، الخوف شبح بيطارد البنى آدم لغاية مايجننه، بيسيطر على الإنسان ويرهبه ويدمر عقله وصحته، الإيمان بإن ربنا معانا مع كل نفس بنتنفسه بيخلينا نطرد الخوف من قلوبنا ويفتحلنا طاقة قدر بتعوضنا عن كل حاجة حصلتلنا في حياتنا، لما آمنت ان ربنا معايا اتفتحلى طاقة قدر على إيديكى وشفت النور من تانى، انتى كمان ربنا معاكى وفتحلك طاقة قدر على إيد طفلك سيف، حافظى عليه ياهبة وازرعى جواه إيمانك متخوفيهوش من اللى جاى بالعكس خليه يآمن ان اللى جاى كله فضل من عند ربنا وانه بإيمانه يقدر يعدى من كل محنة، خليه يكون زيك.

طالعته بحيرة قائلة:
-زيي انا؟!
فقال بثقة:
-أيوة زيك، انتى متعرفيش حجم قوتك اللى قدرت تتحدى بيها كل شيئ وتخرجينى من قضبان سجني، وفيه غيرى كتير محتاجين قوتك دى عشان تخرجيهم من الضلمة للنور، زى عم عزيز.
خرج صوتها مهتزا ضعيفا نتيجة لقلة أكلها وهي تقول:
-عم عزيز!
شعر (حمزة)بقرب الفوز وهو يقول:
-أيوة عم عزيز، راجل طيب بريئ من ذنبه ومحتاجك جنبه تخرجيه من محنته عشان يقضى اللى باقى من عمره جنب مراته وولاده.

قالت بتردد:
-تفتكر هقدر؟!
تسللت ابتسامة حانية إلى ثغره قائلا بثبات:
-هتقدرى.
مد يده إليها قائلا:
-هاتى سيف عشان نأكله ونغيرله وانتى كمان اغسلى وشك وفوقى، من ريحة التقلية دلوقتى أقدر أقولك ان ماما بتعمل ملوخية وأنا وحشنى اوى الأكل من ايديها.
قالت(هبة)بضعف:
-بس انا مليش نفس.
طالعها قائلا بحنان:
-لو مش هتاكلى عشان خاطرى يبقى هتاكلى عشان خاطر سيف، عشان تكونى قوية وتفضلى جنبه وفي ضهره.

طالعت صغيرها للحظة فإبتسم لها لتجد نفسها تبكى فجاة دون انذار وبقوة حتى انها اهتزت وكادت ان تقع فأسرع (حمزة)يسندها آخذا منها الطفل وهو يقول:
-ابكى ياهبة وخرجى الضعف اللى في قلبك عشان تخرجى من ازمتك أقوى من اي وقت.

استندت إلى صدره بضعف تشهق من البكاء فضمها يربت على ظهرها برفق بينما كان طفلها يلعب في لحيته ليدرك (حمزة)في تلك اللحظة أنه وقع في الحب مجددا ولكن تلك المرة كان حبها رزقا من السماء ولم يكن ابتلاءا حين شعر الآن والآن فقط أنه وجد، وطنه.

إعشقنى أكثر…
أُمدد يدك إلى قلبى وأربت عليه بكل طيب..
ثم أيقظ أحلامي من سُباتها العميق واجعلها جامحة كجموح عشقك الحبيب.
وداعب روحى برقة إحساسك، اغمرني حتى أطيب..
دع شمس العشق تدفئني دوما وتبعد كل شيئ صعيب..
امحوا الخوف من قسماتي، لا رحيل، لا فراق، لا مشيب.
كن حدي دوما، بالله عليك، أبدا لا تغيب.
انتفضت على يده التي أمسكت يدها فأحاط بأصابعه كفها قائلا:.

-ايه اللى واخدك بعيد عنى ومخليكي قصادي بس مش معايا.
طالعته بعيون تشربت من ملامحه ولكنها أبدا لا ترتوي، حتى توقفت عند عيونه التي تطالعها بحنو كما لو كانت فيضا لا ينضب أبدا قائلة:.

-المثل الانجليزى بيقول Too good to be true، ومن كل حاجة عشتها في حياتي وشفتها حوالية واللى حصل كمان الفترة اللى فاتت دى لقيت العبارة دى بتتكرر قوى في عقلى بقالها يومين، وكأنه هاتف بيقولى متفرحيش بزيادة الفرحة مبتدومش، اتولد الخوف جوايا ياعز ومع الأسف الخوف زى الوباء بينتشر في الكيان بسرعة وبيعشش فيه، انا مش قادرة أصدق ان احنا خلاص مع بعض وبرضا أهلى، مش قادرة أصدق ان دبلتك في ايدي وان بابا وافق تلبسهالى وأنا في المستشفى وكانه ماصدق تطلبنى من تانى، مش قادرة أصدق أنه وافق نتجوز في خلال شهرين من غير ما يعترض او يقدم قايمة بأسباب اعتراضه، مش قادرة اصدق ان احنا خلاص بقينا لبعض.

ابتسم بحنان قائلا:
-لأ صدقى، الحياة ملحمة مليانة معارك ودايما بيكون في كل معركة فيهم فايز وخسران، مرة تكسبي مرة تخسرى، لكن في معركة الحب الخير والحب هم اللى بينتصروا دايما ولو انتى في جانب الحب أكيد هتكسبي واحنا كسبنا وحققنا حلمنا وبقينا لبعض مش فاضل بس غير شهرين وهتتحولى من أميرة في قلبي لملكة على عرشه.
قالت(نور):
-وهتفضل تحبنى طول العمر ياعز؟يعنى حبك لية مش هيقل في قلبك بعد الجواز؟

سرح في عينيها الساحرتان المظللتان الآن بظلال هواجس خلقها الخوف في قلبها ليقول بنبرات ثابتة حملت يقينه:
-لو الخير اختفى من قلوب البشر ولو السما بطلت تنزل مطر ولو قلوب الأمهات كلها بقت حجر ولو العصافير بطلت تعشش ع الشجر، برده قلبي مش هيبطل يحبك يانوارة قلبي يااحلى قمر.
تسلل يقينه إلى عيونها فقالت بغنج:
-وبقيت بتقول شعر كمان، طب إعمل حسابك بقى انه عجبني وهستنى كل يوم مع الفطار قصيدة.

رفع حاجبيه قائلا بمزاح:
-وهي الهانم هتخليني احضرلها الفطار ولا إيه؟
رفعت حاجبيها قائلة بمزاح بدورها:
-الباشا عنده مانع؟!
قال بإبتسامة رائعة:
-الباشا تحت أمرك ياقمر.
لتطالعه بحب بينما ضم كفها بأصابعه قائلا:
-بحبك يانور.

رفع فنجال القهوة إلى شفتيه، أغمض عيناه رغما عنه وهو يستلذ بعبقها الذي تغلغل إلى أوصاله فروى روحه التي اشتاقت لقهوة أدمنها فتخلى عنها مرغما وها هي تعود إليه وكأنها لم تفارقه يوما، ارتشف رشفة طويلة وتركها تذيب سنوات من القحط رحلت ماان ضمه حضن والديه و تذوق من طعام والدته ثم اختتمها برشفة من عشقه، فتح عيناه لتطالعه عيناها المترقبتين، ابتسم رغما عنه حين قالت هامسة:
-عجبتك؟!
ابتسم يهمس بدوره قائلا:.

-قهوة بن تقيل سكر زيادة، زي مابحبها تمام، عرفتى من الجوابات صح؟
اومأت برأسها في خجل فقال مردفا:
-فكرة انك بقيتي عارفة عنى حاجات أكتر من اللى أعرفها عنك لازم تقلقنى مش كدة؟
هزت رأسها نفيا وهي تقول بابتسامة هادئة:
-بالعكس المفروض تحفزك عشان تعرف عنى أكتر.
رفع أحد حاجبيه قائلا:
-هتسمحيلي؟
قالت:
-وليه لأ؟انا اصلا كتاب مفتوح واللى في قلبى بيبان علية.
تراجع في مقعده قائلا بإبتسامة:.

-تبانى أبسط من اللى جواكى بس اللى يعرفك كويس هيكتشف ان اللى ظاهر منك هو اللى انتى حابة يوصل للى قدامك، وطبيعتك بجد مبتكشفيهاش غير للى يهموكى بجد.
قالت بدهشة:
-معقولة لحقت تعرف المعلومة دى عنى في المدة القصيرة دى.
اتسعت إبتسامته وهو يرتشف رشفة أخرى من فنجاله:
-عندى معلومات أكتر لو حابة تسمعى.
كادت أن تقول شيئا ولكن صوت العم(مصطفى)وصل إليها وهو يخاطب (حمزة)قائلا:.

-مش آن الأوان ياابنى نرجع دمياط ونشوف أحوالنا.
يرحل؟بتلك السرعة؟
كيف لم تفكر في أنه سيرحل يوما..
فما الذي سيبقيه في مدينة تذكره بعشقه القديم؟
وما الذي سيجبره على البقاء في مكان يذكره بجحيم السجن الذي زُجّ فيه؟
ماالذى سيربطه بمكان بالتأكيد صار أبغض الأماكن لقلبه؟
هي؟! ولماذا هي؟!
أتراها تأمل في قصة عشق تجمعه بها وتجبره على البقاء؟!
أتراها تحلم في زمن لا أحلام فيه تتحقق؟
إذا فلتستيقظ.

أفاقت بالفعل على صوت والدتها وهي تقول:
-هتوحشونا والله، انتوا بقيتوا العيلة اللى عوضتنا الغربة و فراق الأهل والحبايب.
قالت (ناهد)بطيبة:
-وانتوا كمان يامها، احنا ملناش حد وفي وسطكم حسينا بالعزوة والعيلة.
وجدت نفسها تقول باندفاع:
-مينفعش تمشوا.
طالعها الجميع بدهشة فقالت بإرتباك:
-قصدى يعنى عشان عم عزيز.
لتنظر إلى (حمزة)قائلة بتوتر:.

-انت مش قلت انك عايزنى ادافع عنه، ماانا اكيد هحتاجلك عشان أعرف تفاصيل اكتر عن قضيته ولا إيه؟هتسيبني وتمشى ياحمزة؟!
طالعها بصمت وعيون نفذت إلى روحها وكأن عيونه تبحث عن شيئ ما قبل أن تبتسم عيونه وهو يقول:
-أنا هنا جنبك مش هتنقل ولا همشى، وقت ماتحتاجيلي هتلاقيني.

هل هذا وعد منه بالبقاء حتى تبرئ العم (عزيز)أم وعد بالبقاء للأبد؟طالعته تبحث عن اجابتها بداخل عينيه بدورها وحين وجدتها ابتسمت بدورها، ليتبادل كل من (مها)و(ناهد)و(مصطفى )النظرات برضا قبل أن تقول( مها):
-يبقى ترجعوا دمياط تبيعوا اللى ليكوا هناك وأهى الشقة موجودة هنا ومستنياكم، ووظيفة حمزة موجودة عند ابن خالى راجى والد عز و يقدر يستلمها في أى وقت.
قالت(ناهد)بحماس:.

-وفلوس البيت ممكن نعمل بيها مشروع هنا وواحدة واحدة نكبره، إيه رأيك يامصطفى؟
قال(مصطفى):
-الرأى رأي حمزة، إيه رايك في الكلام ياابني؟
قال(حمزة):
-موافق طبعا يابابا.
ليبتسم الجميع بسعادة خاصة تلك التي تقافزت خفقاتها فرحة بما آلت إليه الأحداث.

خرجت من قاعة المحكمة لتجده يقف متأهبا قبل ان يسير بإتجاهها وعلى ملامحه ارتسمت اللهفة فإبتسمت وهي تقترب منه بدورها حتى تلاقيا ليقول بسرعة:
-عملتي إيه؟هيطلقوا سراحه؟!
قالت:
-مش من اول جلسة ياحمزة، قضية عم عزيز أصعب شوية من قضيتك بس اوعدك هما جلستين تلاتة وهيطلقوا سراحه باذن الله واللى هيساعدنا حالته الصحية وسنه الكبير.
ظهر القلق على وجه (حمزة) فأسرعت تردف:.

-متقلقش أنا طلبت يتنقل تحت الحراسة على مستشفى كويسة جدا هيلاقى فيها الرعاية الصحية الكاملة وهيفضل فيها لحد ما يخرج باذن الله.
أمسك يدها قائلا بامتنان:
-أنا مش عارف من غيرك كنا هنعمل إيه ياهبة.
وجدت نفسها عاجزة عن الكلام وقد تسارعت خفقاتها واحمر وجهها خجلا، تطالعه بصمت ويطالعها حتى تنحنحت وهي تحرر يدها من يده قائلة:
-احمم، طيب مش يلا بينا نمشى عشان…

صمتت وصوته يصلها بثبات يحمل مشاعره التي اطلقها في كلمات أطارت صوابها:
-بحبك ياهبة.
لتتطلع إليه بدهشة فأردف قائلا:
-كنت أتمنى أقولهالك في مكان تانى وفي جو تانى خالص بس غصب عنى لقيتنى بقولها لانى مش قادر اكتمها جوايا اكتر من كدة.
طالعته بحيرة قائلة:
-انت متأكد من مشاعرك قصدى، ان يعنى..
قال بابتسامة وهو يلاحظ ارتباكها:.

-الحب مبيتقاسش بالوقت اللى عرفنا فيه حبايبنا، اوقات بنعرف ناس لمدة طويلة ونتوهم ان احنا بنحبهم بس مع اول صدمة بنتأكد ان مشاعرنا كانت وهم لانها مكنتش متبادلة واللى يهدر مشاعره على حد ميستهلش يبقى مغفل كبير، واوقات بنعرف ناس ومن اول لحظة بنحس ان هم دول اللى ملكوا قلوبنا برقتهم وحنيتهم، هم دول اللى يستاهلوا مشاعرنا وثقتنا وقلبنا وانتى ياهبة من اول مرة قريتلك فيها جواب وثقت فيكى ولما شفتك سيبتى في قلبى أثر فضل يكبر لغاية ماعرفت ان الأثر ده كان جذوة مشاعر حب بتكبر في كل لحظة مش بس دقيقة لغاية مابقى عشق والعشق بتفضحه العيون وعيونى قالتلك انك انتى وانتى بس اللى في قلبي، أما لسانى فإتأخر قوى في انه يعترفلك بحبي زى مالسانك اتأخر قوى في انه يقول وأنا كمان ياحمزة بحبك من اول كلمة قريتهالك، ها، هفضل مستنى كتير؟!

وجدت نفسها تقول باندفاع عاشقة ماتمنت سوى سماع كلمة حب من معشوقها:
-انا كمان بحبك ياحمزة، بحبك قوى.
ليبتسم بسعادة بادلته إياها (هبة)وهي تشعر بفرحة لا مثيل لها.

-اعترض حضرة القاضي
قالها (سيف)بلهجة درامية فتوقف (حمزة)عن قراءة الجريدة واعتدل يطالع الصغير قائلا بجدية زائفة:
-علام تعترض حضرة المحامي؟
قال(سيف):
-لقد حكمت سيدي على موكلتي بغسل الأواني عقابا لها عن تكسيرها لأكواب أمي الوردية دون مراعاة لظروفها الحرجة وهي تقديم واجب مس صفاء والتي ستتعرض لعقابها الرادع ان لم تسلمه بالموعد المحدد لذا ألتمس من عدالتكم العفو عنها وترك تلك المهمة لى ولكم جزيل الشكر.

ابتسم(حمزة)قائلا:
-بعد النظر في أبعاد القضية قررت المحكمة العفو عن المتهمة ريناد حمزة العدوي وإلزام المحامى بمهمتها، رُفعت الجلسة.
صفقت (ريناد)بسعادة وهي تقبل أخاها ثم انطلقت لحجرتها لمتابعة واجباتها ليقول (حمزة)بدهشة:
-شوف البنت باست أخوها وسابتنى وجريت، طب مفيش بوسة لبابي.
وجد(هبة) تأتي من خلفه وتقبله في وجنته قائلة:
-أحلى بوسة لاحلى بابي.
ابتسم بحنان مطالعا إياها وهي تتقدم جالسة إلى جواره قائلا:.

-وحشتينى.
ابتسمت وكادت أن تقول شيئا ولكن (سيف) قاطعها قائلا:
-انتى لسة هتقعدى يامامي؟احنا جعانين.
قالت(هبة)بدهشة:
-شفت الولد ياحمزة، لا حمد الله ع السلامة يامامي ولا وحشتيني، احنا جعانين يامامي، حاضر ياقلب مامي هقوم أحضرلكم الأكل.
أمسك(حمزة)يدها قائلا:
-خليكى، النهاردة مش هتطبخى شكلك تعبان.
ثم أردف موجها حديثه ل(سيف):
-إيه رأيك نطلب بيتزا؟
هلل (سيف)موافقا وهو يسرع بإتجاه اخته ليخبرها بينما قالت(هبة)بحب:.

-هو أنا قلتلك النهاردة انى بحبك؟
ابتسم وهو يرفع كفها إلى ثغره يقبله قائلا:
-بصراحة لأ ووحشتنى قوى منك.
قالت بحب:
-أنا بحبك قوى ياحمزة.
قال بحب:
-وأنا بحبك ياقلب حمزة.
ابتسمت فابتسم قائلا:
-بالمناسبة قابلت عم عزيز النهاردة وعزمنا على الغدا يوم الجمعة، وراكى حاجة؟
هزت رأسها قائلة:
-لأ ولو ورايا لعيون العم عزيز ومراته الست تحية تتلغى اي حاجة.
ابتسم بحنان، ثم أردف قائلا بجدية:
-صحيح، أخبار نور إيه؟

زفرت وهي تنحنى لتدلك قدمها المتعبة قائلة:
-الحمل التانى ده تاعبها قوى ومدت الأجازة بتاعتها وطبعا الشغل كله على دماغى.
وجدته يرفع قدمها على ركبتيه ويقوم هو بتدليكها قائلا:
-طيب ماانا عندى اقتراح يريحك.
قالت بحيرة:
-إيه هو ده؟
ابتسم بخبث قائلا:
-آخد اجازة من شغلي وانتى كمان تاخدى أجازة وننفذ المشروع اللى أجلناه كتير ده.
عقدت حاجبيها قائلة بحيرة:
-مشروع ايه ده ياحمزة؟
قال وهو يرفع حاجبيه صعودا وهبوطا:.

-نخاوى سيف وريناد ياقلب حمزة.
اتسعت عيناها بدهشة قبل أن تنهض وهي تتخصر قائلة:
-هو ده المشروع اللى هيريحنى ياسى حمزة؟المشروع ده سعادتك هيقضى على البرج اللى فاضل من دماغى، شكرا، مش عايزة.
لتسرع مغادرة إلى حجرتهما لينهض وهو يتبعها قائلا:
-طب استنى بس، هقنعك، أنا مقنع أوى على فكرة.
وبالفعل استطاع (حمزة)اقناعها لينجبا طفلا رائعا يشبهه كثيرا أسموه( مصطفى) على اسم والد( حمزة) الراحل..

فحين يكون العاشق سيدا في عشقه تمتثل معشوقته لرغباته فتصير أسيرته، وملكته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى