طرقت الباب ففتح على الفور وظهرت على عتبته السيدة (ناهد)تطالعها بلهفة قائلة:
-هبة..
ثم سحبتها للداخل قائلة:
-تعالى يابنتي ادخلى، ده انا وعمك مصطفى مستنيينك على نار.
كان العم(مصطفى)ينتظرهما بالفعل في الردهة تعلو ملامحه اللهفة بدوره، لتريحه على الفور قائلة:
-متقلقش عليه ياعمي، هو كويس وزى الفل.
إرتاحت قسماته، لتضم (هبة)يدها على يد تلك السيدة التي شددت قبضتها عليها دون وعى، ترى دموع وجهها التي أغرقتها وهي تردد:
-الحمد لله، الحمد لله.
قالت(هبة)بحنان:
-انا عارفة ان الصدمة كانت شديدة عليه بس هو قدها وقدود، اللى اتحمل كل العذاب اللى شافه وداقه على ايديهم وفضل صامد وصموده بان في جواباته اللى علقتنا كلنا بالأمل مش هيهزه ولا هيهده انه يكتشف خيانة حد مهما كان.
قال(مصطفى)بحزن:.
-لا يابنتى بتهيألك، اصلك متعرفيش كان بيحبها إزاي دى كانت روحه فيها، واكبر جرح ممكن الراجل يتصاب بيه هو جرح الحبيب، وقتها بيبقى طعنة في الضهر مفيش منها منقذ، طعنة موت.
قالت(هبة)بحزن:.
-عارفاها ياعمى ومجرباها بس صدقنى اللى اكتشفته إن الأمل دايما موجود طول مافى الواحد نفس، ربنا له حكمة في كل حاجة بتحصلنا ومبيقفلش باب قدامنا الا وبيفتحلنا باب أحسن منه، معظم الناس مبتشوفش الباب ده وبتفضل واقفة قدام الباب المقفول تنعى حظها وتندب، لكن العاقل بس والمؤمن هو اللى بيرضى بقدره وبيآمن ان ربنا عمره ماهيضره ويدور على الباب اللى هيجيله منه الفرج ويتمسك بيه.
ربتت(ناهد)على يدها قائلة:.
-معاكى حق يابنتي، محنة ابني كانت ابتلاء بس ابتلاء انقذه من إبتلاء أكبر، فخ كان هيقع فيه عمر بحاله، ربنا أنقذه منه و بعت لإبني الفرج وفتحله باب الامل وجسده فيكى انتى.
قالت(هبة)بحزم:
-وانا وراه، وراه لغاية ما أثبت برائته وأخرجه من سجنه عشان يبتدى من جديد، والمرة دى هيبتدى صح.
لتصمت للحظة قبل ان تردف بتردد:
-بس فيه خطوة لازم اعملها ومحتاجة إذنكم عشان أقدر أقوم بالخطوة دى.
عقد (مصطفى )حاجبيه قائلا:.
-خطوة إيه دى يابنتي؟
قالت(هبة)بحزم:
-هسافر بكرة زيورخ، عشان أقابل نسمة.
قالت(ناهد)بحنق:
-عايزة تقابلى الحرباية دى ليه بس ياهبة؟!
فتحت (هبة)حقيبتها واخرجت منها رسالتين أشارت لهما بهما قائلة:
-لازم تعرف هي خسرت إيه، ولازم اقولها الكلام اللى في قلبى، اعتبروه انتقام لسنين حمزة اللى ضاعت في حب واحدة زيها متستاهلش لحظة مش دقيقة بس حبها فيها واخلصلها.
طالع(مصطفى)(ناهد)بنظرة رضا قبل ان يطالعاها سويا، بإمتنان.
أمسكت (هبة)الهاتف مابين عضديها وهي تبحث في حقيبتها عن بطاقة السفر، قائلة:
-متنساش ياعز، انا قايلة لماما انى مسافرة شرم الشيخ مع نور عشان أجيب اوراق مهمة لقضية عميل عندنا، كدة كدة مش هتقدر توصل لنور بسبب تليفونها المتاخد منها وانا مش هرد، مش هتلاقى غيرك تكلمه، فخد بالك، انا مش عايزاها تعرف حاجة.
قال(عز):
-متقلقيش مش هنسى ولا هلخبط الدنيا.
وجدت بطاقتها، فمنحتها لعاملة الاستقبال بالمطار وهي تقول:.
-في وسط اللى انت فيه لازم أقلق ياعز، بس وعد منى انى أحلهالك اول ماأرجع.
قال(عز):
-ربنا يسهل ياهبة، خدى بالك من نفسك.
إبتسمت للعاملة التي منحتها البطاقة مشيرة إلى جهة اليسار قائلة:
-البوابة ستة من هنا.
هزت رأسها وهي تسرع باتجاه البوابة قائلة ل(عز):.
-بالحق كنت هنسى، ميعاد مقابلة حمزة لأهله النهاردة، مش هوصيك تبقى معاهم خطوة بخطوة وتوصلهم لحد البيت، معلش بتقل عليك انا عارفة بس انت الاخ اللى مجابتهوليش الدكتورة مها.
إبتسم رغما عنه قائلا:
-قلتلك متقلقيش، طمنينى عليكى اول ماتوصلى، ومتتأخريش.
قالت:
-جاية في طيارة بالليل، انا هقفل الفون خلاص، أشوفك بخير.
أغلقت الهاتف وهي تضعه بالحقيبة قبل ان تمر على البوابة الامنية، تدعوا الله ان يوفقها في مهمتها ويمر لقاء (حمزة)واهله بسلام لتلتفت إلى القضية التي ستمسك خيوطها جيدا لتحرر روح بريئة من ظلم جائر.
ما أصعب الرحيل وما أقسى لحظاته..
قلوبنا الضعيفة حين تجبر على الفراق تتمزق شوقا..
ليتنا ندرك كيف يكون حالنا بعد الفراق..
وقتها لم نكن لنرضى به إختيارا..
فالفراق قاتل بطيئ للروح..
يقهر بقسوة ويقتل بصمت..
هو ذلك الجحيم الذي إخترناه طوعا فأذاقنا ويلاته وأذابتنا نيرانه..
ستشكو للقمر شوقك ولكنه سيختفى ويتركك لسهادك وستصارع أمواج البحر، تمتزج دموع توقك بمياهه تأمل ان تأخذها لقراره وتحتفظ بها في أعماقه ولكنه لن يفعل وسيقذفها في وجهك يجبرك على إبتلاع علقمها، ستحاول قدر إستطاعتك النسيان كي تستطيع الحياة ولكنك ستدرك في النهاية ان النسيان هو المستحيل ذاته.
كانت (هبة)تسرع في خطواتها، تضم ياقة معطفها وهي تتامل أهم مدن سويسرا على الإطلاق زيورخ التى حصلت على أفضل مدينة للعيش في العالم لثلاثة أعوام على التوالى، كانت ترى الآن السبب في ذلك، فهى افضل مدن العالم امنا ونظافة وهدوءا، تجمع بين الماضى والحاضر وتتميز بمحاذاتها للمياه وبمنظر رائع من جبال الألب المغطى بالثلوج في الأفق، الحياة فيها مرفهة وتعج بالحيوية والإثارة، ولكن هل تستأهل تلك المدينة وماتحمله من رفاهية التخلى عن قلب كقلب حمزة؟هذا مالا تستطيع إستيعابه مطلقا.
أشارت إلى سيارة اجرة ومنحته العنوان، ليصل بها إلى بناية رائعة في وسط المدينة، تأملتها للحظات قبل ان تضغط جرس الانتركوم الخاص بإسم زوج (نسمة)، أجابتها الخادمة فأخبرتها ان تبلغ سيدتها بان المحامية (هبة)تنتظر بالباب، لتسمع صوتا آخر يسألها عما تريد؟وماإن نطقت إسم (حمزة)حتى فُتح الباب على الفور، وطلبت منها.
(نسمة)الصعود، اتجهت(هبة)إلى المصعد وإستقلته ثم توقفت في الدور الثالث واتجهت إلى الشقة الوحيدة بالدور، والتي وجدت بابها مفتوحا، تقف على عتبته فتاة في اواسط العشرينات من عمرها، خمرية البشرة سوداء الشعر عيونها تماثل لون الليل الحالك، اشارت لها بالدخول وهي تنظر إلى الخارج لترى ان(هبة) قدمت دون مرافق قبل ان تغلق الباب وتتجه إلى الردهة حيث وقفت الأخيرة تتأملها قائلة ببرود:.
-من غير مقدمات وعشان منضيعش وقت، لإنى عارفة إن جوزك بيرجع من الشغل الساعة ٥، ورغم كل شيئ مش حابة اكون سبب في اى مشكلة تحصل بينك وبينه، زى ماقلتلك انا إسمى هبة صديق المحامية اللى بترافع عن حمزة…
قاطعتها قائلة:
-هو اللى بعتك؟
مال فم(هبة)بسخرية قائلة:
-اظن إنك تعرفى حمزة كويس عشان تكونى متاكدة إنه مستحيل يبعتنى ليكى بعد ماعرف خيانتك لعهده.
قالت(نسمة)بغضب:
-من فضلك أنا مسمحلكيش…
قاطعتها (هبة)قائلة ببرود:
-وطى صوتك يامدام يمكن الخدامة تسمعك وتنقل الكلام.
قالت(نسمة)بحنق:
-مبتتكلمش عربى، ياريت بقى تنجزى وتقولى عايزة إيه منى بالظبط؟
وضعت حقيبة صغيرة على الطاولة وفتحتها ثم اخرجت منها بعض الرسائل قائلة:
-دى أمانة لقيتها وبما إنها مبعوتة لحضرتك تبقى تخصك وانا اتعودت لما ألاقى حاجة تخص غيرى برجعهاله.
مدت يدها بالرسائل ل(نسمة)فاخذتهم منها تقلب نظرها بينهم وهي تقول بحيرة:.
-الرسايل دى من مين؟
قالت(هبة)بسخرية:
-معقولة نسيتى خطه؟عموما الرسايل دى من قلب راجل حب بجد واخلص بكل ذرة في كيانه وفي الآخر مخسرش غير شوية سنين من عمره بس اللى خسر بجد هو إنتى لإنك عمرك ماهتعوضى راجل زي حمزة ولا هيحبك حد قد ماهو حبك، هسيبك مع رسايله وكلى امل إنك مع كل حرف تقريه عنيكى تبكى من الندم، سلام.
لم تنتظر منها ردا وهي تغادر بينما فتحت(نسمة)إحدى تلك الرسائل بيد مرتعشة لتبدأ بقرائتها ومع كل حرف كانت تذرف حقا الدموع، تدرك كم خسرت وهي تسعى وراء المال فما جنيت غير حياة باردة لا روح فيها تختلف عن تلك الحياة التي عاشتها يوما مع (حمزة)لتستقر بالقلب حسرة وياكلها الندم، وقت لا ينفع الندم.
قالت بصوت هامس:
-بتكلم من تليفون ماما، خدته من وراها بالعافية عشان أكلمك.
قال لها بلهفة:
-انتى كويسة يانور؟
قالت بألم:
-هكون كويسة إزاى بس وهم بيبعدونى عنك وبيغصبوا علية اكون مرات واحد تانى غيرك..
لتردف بحزم:
-ده مستحيل يحصل ياعز، أنا ههرب خلاص، هروح فاقوس، لية خال هناك مش ممكن يرضيه اللى بيحصلى ده.
قال(عز) ناهرا:
-لأ يانور، إعقلى متكبريش المشكلة، اهلك صعايدة اصلا ومش هيسيبوكى.
قالت ودموعها تغرق وجهها:.
-خلاص ياعز، مش قادرة اتحمل اكتر من كدة، بابا ضيّق الخناق قوى حوالين رقابتي ومصمم يجوزنى هشام، ده انا سمعته النهاردة بيتكلم مع عمي وبيحددوا ميعاد كتب الكتاب والفرح، هيجوزونى غيرك، فاهم يعنى إيه الكلام ده؟
أغمض عيونه بألم ثم فتحهما قائلا:
-قلتلك قبل كدة انك لية ومش ممكن هتكونى لغيرى أبدا، بس الهروب مش حل، صدقينى أهلك مش هيرحموكى.
قالت بحدة:
-الهروب مش حل؟!امال ايه هو الحل؟!اوعى تكون خايف ياعز؟
قال على الفور بنبرة ثابتة حملت إليها يقينا:
-أنا مش خايف على نفسي أنا خايف عليكى انتى، لو خسرتك مش هقدر أعيش صدقينى، انتى روحى اللى عايش بيها وليها.
تنهدت بصمت قبل أن تقول:
-وحشتنى ووحشنى كلامك.
أغمض عيونه مجددا يقول بإشتياق:
-انتى كمان وحشتينى ياحبيبتي، هانت يانور، هبة راجعة النهاردة وقالتلى انها هتلاقى حل لمشكلتنا وانا هاجى لباباكى مرة واتنين وتلاتة لغاية مايتأكد انى مستحيل اتخلى عنك.
قالت بلهفة:.
-هستناك تيجى…
ألقت هاتفها بجزع حين وصل إلى مسامعها صوت اباها الغاضب وهو يقول:
-ييجى فين يافاجرة؟
إستدارت إليه وقد ارتسم على وجهها الرعب وهي ترى ملامح أياها القاسية، تقول متلعثمة:
-انت فاهم غلط على فكرة، أنا، هو، أصل…
قاطعها بصفعة قوية على وجنتها، القتها أرضا لتتناثر خصلاتها الحمراء على وجهها تغطى تلك الدموع التي طفرت من عينيها ووالدها يقول بغضب شديد:.
-من النهاردة لا مية ولا زاد ولا هتشوفى مخلوق لغاية ماارميكى لابن عمك وهو يربيكى من اول وجديد، فرحك بعد أسبوع، خلص الكلام يابنت تهانى.
ليغادر ويغلق الباب بالمفتاح وسط صراخها بإسمه ان يرحمها ولكن ضاعت صرخاتها هباءا لتضع يدها على فمها وهي تشهق بقوة تردد إسم حبيبها من بين ثنايا ثغرها، تقول بصوت يقطع نياط القلب:
-عز، إلحقنى ياعز.
قالت(نوال)وهي تتلفت يمنة ويسارا قبل ان تمنح أخاها (يوسف)المال:
-لو عايزة اوصلك هوصلك ازاى يايوسف؟
قال (يوسف)وهو ياخذ المال ويضعه في جيبه:
-أنا اللى هوصلك، المهم زي ماقلتلك تجهزيلى المبلغ اللى اتفقنا عليه ومتتاخريش يانوال، انا عايز الفلوس باسرع وقت.
قالت(نوال):
-شوية صبر عشان منير مياخدش باله، اسبوع بالكتير والفلوس هتبقى عندك.
قال(يوسف)بحنق:
-اسبوع كتير قوى.
طالعته بنظرة ذات مغزى فزفر قائلا:.
-خلاص اسبوع اسبوع المهم المبلغ يكون عندى.
قالت(نوال)بريبة:
-هو انت هتعمل بالفلوس دى ايه يايوسف؟اوعى تكون بتفكر تسافرلها مصر، انت واحد هربان بالعافية ولو مسكوك…
قاطعها قائلا بعصبية:
-ميهمنيش، المهم آخد ابنى وانتقم منها ولو كان آخر شيئ هعمله في حياتى.
طالعته بحنق قبل أن تهز كتفيها بقلة حيلة وهو يسرع بالإبتعاد ضاما ياقة معطفه يخفى وجهه وقد تناهى إلى مسامعه صوت دورية شرطة.
نادى(عزيز)بوجه مستبشر وهو يشير إلى (حمزة)الذي يركض بالساحة:
-رسالة ياحمزة.
اقترب منه (حمزة)بسرعة وهو يسأله بلهفة:
-من هبة؟!
اومأ الرجل الطيب براسه وقد اعتلت ثغره إبتسامة، يبعد الرسالة عن متناول يد(حمزة)مشاكسا وهو يقول:
-بس ياترى الفرحة اللى مالية ملامحك دى بسبب زيارة أهلك اللى نورت وشك اليومين اللى فاتوا دول ولا بسبب الرسالة.
اختطف (حمزة)الرسالة من يده قائلا:
-بسبب الاتنين.
ليركض بعيدا ويرتكن لاحد الأشجار يجلس تحتها وهو يفض الرسالة تجرى عيناه على محتواها بلهفة، بينما تابعه(عزيز)بإبتسامة واسعة قبل أن يردد قائلا وهو يغادر:
-وبشر الصابرين، اللهم لك الحمد والشكر.
حمزة.
كنت اتمنى لو كنت معك حين التقيت والديك لاول مرة بعد كل تلك السنوات العِجاف، لأشارككم روعة اللقاء ويتذوق قلبى حلاوته، بالتأكيد كان امرا صعبا على والديك ان يريان كم اثرت سنوات العذاب على ملامحك، خاصة عينيك فصارتا باهتتين لا روح فيهما، لا يدريان أن عيونك تعكس دواخلك وقد صار داخلك مهترئا مهدما من قِبل الظلم والخيانة ولكن كل شيئ إلى صلاح، اثق في قدرتك على ان تقيم من الأطلال بنيانا قويا فربما هُدِم الكيان ولكن اعماره بالتاكيد ليس مستحيلا، ومادام الاساس قويا فإعادة التعمير بالإمكان.
لقد أوصاك والدك بالتأكيد ان تصبر، وأخبرك ان ماحدث لك هو اختبار من الله يستوجب الصبر، وان الابتلاء لا يعنى ان الله يبغضك ولكنه يرى كيف تتعامل مع الإبتلاء، أتشكر ام تكفر؟
أغمض عيناه يتذكر كلمات والده، لقد اخبره بكل هذا بالفعل واخبره ايضا حديث رسول الله صل الله عليه وسلم(المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير)فكلاهما مؤمن ولكن القوة في العزيمة والتعامل مع الابتلاء، واختتم قوله بالآية الكريمة(ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)
تنهد ثم فتح عيونه يكمل القراءة…
وبالتاكيد قد علقت والدتك على نحافتك واوصتك بتناول الطعام وعدم التدخين، لا تدرى انك بالتاكيد قد أقلعت عن تلك العادة فمصاحبة الأخيار تجلب الخير دائما ومن خير من العم عزيز لتصاحبه!
إبتسم بهدوء، صارت تعرفه جيدا تلك الفتاة وكأنها صارت نفسه…
عقد حاجبيه عندما استقرت تلك الكلمات في ذهنه، ولكنه عاد للقراءة تجرى عيونه على كلماتها..
اخبرتها اليس كذلك؟حسنا لقد عدت ليلتها في وقت متاخر وذهبت إلى عملى باليوم التالى باكرا فلم أرها ولكن احتفالها وصل إلىّ في هيئة كعكة محلاة لأدرك انها تحتفل بإقلاعك عن التدخين وزيارتها لك؟ذكائي خارق اليس كذلك، تبا لتواضعى.
إبتسم رغما عنه خاصة عندما قرأ..
هكذا إذا؟ارأيت كم تصير خفيف القلب حين تبتسم؟ادام الله إبتسامتك وابعد عنك الحزن والهم، عندى لك بشرى ستضاعف سعادتك، لقد وجد عز بعض زملاء دراستك المستعدون للتقدم بالشهادة في صالحك، احدهم قد رأى عماد وهو يمنحك الحقيبة ويخبرك انها تخصه وان بها بعد الأبحاث، يوصيك بها وبالانتباه عليها حتى يعود، والآخرين سيشهدون بحسن اخلاقك وبُعدك عن السياسة، سيفيدنا ذلك في القضية بكل تاكيد، وستصير شهادتهم في صالحنا.
هناك شيى آخر..
لقد رأيتها..
عقد حاجبيه بينما يقرأ كلماتها التالية..
نعم هي…
نسمة
ذهبت لها في زيورخ واعدت لها امانتها، تلك الرسائل التي كتبتها لها، أردت فقط أن أصفعها بكلماتك لعل تلك الصفعة تحمل لها ألما وندما يشفيان جرحك الغائر، لعلى اردت خاتمة لقصة كُتب لها نهاية حزينة لها وبداية مشرقة لك، لعلى أردت وأردت واردت…
تقول وماشأنها هي؟
ربما لديك حق، ربما لا شان لى بقصتك مع نسمة ولكنى بالتأكيد لى شأن بك.
اعلم انك تفتقد اهلك خاصة بعد رؤيتك لهم فإفعل كما أفعل، أغمض عيناك وركز كل طاقتك ومشاعرك تجاههم وستراهم امامك، كما آمل.
سازورك بعد يومان لننسق سويا مرافعتى الأولى والاخيرة عنك، قرُب إطلاق سراحك فإستعد، القادم أفضل بإذن الله.
هبة.
طوى خطابها وحمله في جيبه ثم إستند إلى جذع الشجرة واغمض عيناه وركز كل طاقته ومشاعره كما أخبرته ليرى والديه كما لو كانا متجسدان أمامه، شعر بقلبه ينبض حنينا لتتقافز دقاته وصورتها تظهر امامه وتحتل المشهد باكمله، فتح عيونه بقوة وهو يعقد حاجبيه بصدمة، وحيرة.