روايات شيقهرواية احتيال و غرام

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع

بابا!
قالتها ليال وقد تثاقلت أنفاسها، لحظات من الزمن شعرت فيهم أن الهواء الذي ينزل لرئتيها أصبح كالحجر المُدبب فلا تستطع أخذ نفسًا يُحيها بعدما جعلتها كلمات والدها كالميتة تمامًا…!
فيما زمجر فيه يونس والغضب يتأجج في مقلتاه:
-أنت بتقول إيه يا راجل أنت، أنت مجنون!
ليصرخ حامد وهو يقترب منهم بانفعال سيطر على كل خلية إنسانية داخله:.

-لأ انا مش مجنون، أنا واعي كويس للي بقوله بس أنتوا اللي عينكم بجحه، صحيح اللي إختشوا ماتوا
كاد يهب يونس بوجهه ولكن تدخلت ليال ترجوه بصوت ثقيل مبحوح بعدما غادرته الروح التي تتحكم بإلحان الحياه فيه:
-لو سمحت اسكت، اسكت ماتكملش
فصرخ حامد أكثر ليبدو وكأن كلماته تزيد نيرانه سعيرًا:
-لا مش هسكت، مش ده بيت عشيق امك، جايه تعملي فيه إيه يا ليال، ردي.

فهزت ليال رأسها نافية بسرعة وهي ترد بحدة امتزجت بذرات صوتها العالي:
-إيه اللي أنت بتقوله ده! لأ طبعا، ارجوك كفاية اسكت وامشي من هنا
ولكن حامد كان كالفتيل الذي إنطلق من مضجع نيرانه ولن يعود قبل أن يضحي ما حوله مجرد رماد، فاقترب من قاسم والد يونس الذي كان يراقبه مبهوتًا، وقد ذبحت الصدمة حروفه في مهدها، ليصيح حامد فيه بجنون:
-أنت إيه، مش كفياك امها كمان عايز تاخد البت اللي حيلتي!

أزاح قاسم عن ملامحه بهتانها وقمعها ليظهر معدنها الأصلي، حادة والغضب يتموج بين تجاعيد وجهه، وعيناه حمراء ملتهبة بجحيم ذلك الغضب، ثم صاح فيه بصلابة وحدة:
-اخرس يا راجل أنت وكفياك طعن في الأعراض واطلع من بيتي حالاً
ثم انتبهوا جميعهم لـ ليال التي وضعت يداها على اذناها حينما كاد حامد يكمل، لتصرخ بصوت هيستيري وهي تتوسله:.

-اسكت بقا والنبي كفاية فضايح كفاية حرام عليك أنت بتعمل كده ليه كفاية فضايح ابوس ايدك ارحمها وهي ميته على الاقل!

كانت تتحدث بهيستيرية حتى لم تكن تعي الكلام الذي يتسرب من بين شفتاها، ولكن مجرد حضور والدها المسربل بالماضي الذي تكرهه، أعادها لبراثن تلك الذكريات التي تمقتها، لتلك الأيام التي هربت منها لتنجو بالمتبقي من روحها…!
ألم يكتفي؟ ألن يكتفي ابدًا..؟
سيظل يرجمها بجمرات قسوته كما رجم والدتها سابقًا…!
اقترب حامد منها ليقبض على ذراعها بعنف ثم اخذ يهزها متابعًا:.

-مش هسكت الا اما اعرف إنتي جايه هنا تعملي إيه؟ بتعملي إيه في بيت الراجل ده يا ليال؟ ردي عليا
نفضت ليال ذراعها من بين قبضته لتصرخ فيه بجنون وكل عرق داخلها قد اشتد بقسوة:
-امشي، قولتلك امشي من هنا كفاية، مش بعمل، ابوس ايدك امشي وكفاية تعذبها حتى وهي ميته كفاااية
فرفع حامد يده ينوي صفعها وقد أطاحت الشياطين بعقله تمامًا في أقاصي الاستيعاب:
-انتي بتزعقيلي يابنت ال.

ولكن يد يونس كانت الاسرع ليمسك يده بسرعة قبل أن تصل لوجه ليال التي أغمضت عيناها متأهبة لتلك الصفعة، فحدق به حامد بحقد ليزمجر فيه يونس بشراسة:
-انا مش هتكلم عن الست اللي مفروض مراتك وعرضك اللي أنت بتقذفه ده لأن ميخصنيش، لكن مراتي محدش يمد ايده عليها وكمان في بيتي!
ليردف حامد بازدراد وهو يرمق كلاهما بنظرة أحست من خلالها ليال أنه يطعنها بشرفها كما فعل مع والدتها تمامًا:.

-وأنت ازاي تتجوزها من غير أهلها؟ جواز إيه ده أنتوا مفكريني اهبل!
فأشار يونس برأسه نحو حامد مغمغمًا لحارس المنزل الذي ذهب ينادي لشخص يعاونه في إخراج حامد :
-طلعوه برا، وميدخلش البيت ده تاني ابدًا
ثم شمخ برأسه ليتابع بثبات وجمود مُخيف:
-إلا لو جثة!

وبالفعل بدأ الحارسان يسحبان للخارج حامد الذي ازداد جنونه وهو يحاول التملص من بين يداهم، بينما ليال تتنفس بصوت مسموع مغمضة عيناها وهي تضع يداها على صدرها، واخيرًا قد هدأت تلك العاصفة التي هبت بغبارها على صفو حياتها تنوي إقتلاع جذورها…!

نظر يونس نحو والده وكاد ينطق:
-بابا أنت آآ…
فأشار له والده بيداه ثم هتف بصوت مرهق ولكنه حازم:
-مش عايز اسمع حاجة دلوقتي يا يونس
ثم نهض ممسكًا بعصاه ليغادر المكان بخطى ثقيلة ظهر بها الوهن…
تبعته ليال التي دارت بعيناها حولها بلا هدف ثم تحركت لتصعد لغرفتها، وقد زاد ذلك المرض اشتدادًا بها، صحيح أن تلك العاصفة حلت بغبارها، ولكن خلفت بعدها تشققًا لا بأس به لن يلتئم بسهولة…!

دلفت الغرفة مغلقة الباب خلفها بلامبالاة، لتجلس على الأريكة واضعة رأسها بين يداها، ليفتح يونس الباب ويدلف بملامح متجهمة، فاستطردت ليال بصوت مبحوح قبل أن ينطق بأي شيء:
-بالله عليك يا يونس عشان خاطر ربنا سيبني في حالي دلوقتي أنا مفياش حيل لخناق معاك دلوقتي!
فاقترب منها يونس وهو يهتف بصوت أجش تعصف به تلك الاسئلة الشياطنية بلا هوادة:.

-مش هسيبك إلا اما افهم كل حاجة، مش ده ابوكي اللي مفروض ميت، سبحان الله صحي من الموت وجه هنا يعمل إيه؟
لم ترد ليال ولم تتحرك من مكانها، صمتها لم يكن بخلًا في إعطاء اجابة، ولكن كان جهلاً بتلك الاجابة التي ينهش التفكير في عقلها بحثًا عنها…!
ليمسك يونس يدها يبعدها عن رأسها ثم أمسك بفكها بعنف ليرفع رأسها وهو يهدر فيها بعنف:.

-لما اكلمك تردي عليا، مش هفضل زي الاطرش في الزفة وواحدة كدابة وخبيثة زيك بتلعب بيا
ثم ضغط على فكها اكثر وهو يهزها مغمغمًا وملامحه كلها تصرخ بالاشمئزاز:
-هو انتي إيه، حياتك كلها مليان كدب وحوارات؟ مابتزهقيش منها!؟
لتنهض ليال صارخة فيه وهي تبعد يده عن فكها بكل قوتها الواهنة اصلاً:
-علشان هو زي الميت في حياتي، ملهوش دور ولا وجود إلا بس عشان يأذيني، يمكن علشان كده بهرب منه وبعتبره ميت!

للحظة صمت يونس يُدرك صعوبة خروج تلك الكلمات من بين شفتاها، يُدرك أن تلك الكلمات لم تخرج إلا بنزيف داخلي يراه يُلطخ أعمق عيناها الان…!
ولكنه لم يستطع كتم كل تساؤلاته فأكمل:
-وجاي هنا ليه؟ عرف بيتنا منين وعايز إيه اصلًا؟
لم تأخذ ليال الكثير لترد بصوت باهت وبصدق:
-معرفش!
-كدابة، مستحيل يكون حلم بعنوانا فقرر يجي زيارة!
تمتم بها يونس بصوت منفخض ساخر ولكنه حاد كطرف شفرة قاسية، لترد ليال بانفعال واضح:.

-قولتلك معرفش فعلاً معرفش!
كانت تعطيه ظهرها، وهي تسير بخطى مهرولة هيستيرية، ليجذبها يونس فجأة من ذراعاها يقبض عليهم بقوة وهو يسألها بعدها بنبرة نخرها الشك:
-انتي جايه هنا علشان حاجة تخص أمك صح؟ انطقي بابا يعرف امك منين؟
ظلت ليال تعود للخلف محاولة التملص من قبضته، ولكنه كان محكم قبضته عليها، حتى إلتصقت بالحائط من خلفها، وهو أمامها يحاصرها بشكوكه واسئلته القاسية، فبدأت تهز رأسها نافية وهي تردد:.

-لأ قولتلك لأ، لأ!

ودون وعي بدأت تعض على شفتاها بقسوة، عقلها غائب عن تلك المعادلة الغير عادلة، لم تجد أي شيء تُخرج به إنفعالها الذي يضج ويثور داخلها سوى شفتاها فظلت تعض عليها بعنف دون شعور حتى بدأت تُدميها، والدها السبب، لم يكتفي بما جعل والدتها تعانيه وهي على قيد الحياه، بل جاء ليشوه صورتها في مكان جديد امام اناس جديدة، بدلاً من أن يصبح لها سندًا في حياتها وحتى بعد مماتها، ولم يكتفي بإرهاق ليال شخصيًا طيلة السنوات التي عاشتها معه بعد وفاة والدتها، بل جاء ليُدمر كل محاولاتها لبناء حياه جديدة مستقرة بعيدًا عنه وعن جحوده…!

ألا يستطع أن يكون إنسانًا طبيعيًا، أب حنون ولو لمرة واحدة…؟!

بينما يونس كان يُراقب شفتاها التي ادمتها بأسنانها، فأدرك حالتها الهيستيرية، ليمد يده بتلقائية يحاول تحرير شفتاها من بين أسنانها القاسية، وبمجرد أن لامس إصبعه شفتاها حتى عاد ذلك الطوفان الذي يمقته يُطيح بثباته ويُشعل بين جنبات صدره ما يحاول إخماده بشق الأنفس…!
حرر شفتاها من بين أسنانها بصعوبة ثم أحاط وجهها بكفاه السمراوان ليحرك وجهها برفق وهو يناديها بخفوت:
-ليال، ليال اهدي وفوقي.

لأول مرة ينطق أسمها مباشرة وبتلك النبرة التي رشقت بمنتصف قلبها تمامًا لتداعب شيء فيها وسط ظلمات شعورها الحالي، فبدأت تهدأ نوعًا ما ولكنها ظلت تهذي بصوت مبحوح:
-هو السبب، إذا كان هو لسه بيطعن في شرفها هستنى إيه من الغريب!
رفع يونس وجهها ليوصل عيناه بعيناها الزائغة، مثبتًا عيناه على بُنيتاها عله يستحضر تلك المشاعر المردومة بين طيات عيناها، فقال بينما أصابعه تتحسس وجنتاها بحنان:.

-خلاص، أنا اسف، انا عارف إن هو السبب، في اسئلة في دماغي وكان لازم ألاقيلها اجابة وبس!
صمتت ليال وصمت هو، وجهه قريب منها، يتشاركان انفاسهم العالية الهادرة، صدرهما يعلو ويهبط بانفعال عاطفي حاد…!
وقعت عينـا يونس على شفتاها التي كانت مُلطخة بالدماء، فرفع إصبعه دون وعي ليمسحها ببطء وحينها شعر وكأن ماس كهربائي أصابه فتشنجت خلاياه بذلك الشعور الذي يكرهه، ذلك الشعور حينما تفور عاطفته بثوران حار يُهلكه..!

فارتد للخلف بسرعة مبتعدًا عنها يجاهد ما يخبره أن يستبدل إصبعه بشفتاه…
ليبتلع ريقه الذي جف بصعوبة، ثم حاول السيطرة على نبرة صوته المبحوحة من فرط تلك العاطفة لتصبح ثابتة جادة وهو يخبرها:
-نامي لو عاوزه تنامي شوية علشان دور البرد واتطمني هو مش هيجي هنا تاني.

اومأت ليال دون رد وبالفعل راحت لتجلس على الفراش بضعف وهي تشعر بحرارة جسدها ترتفع من جديد، فاقترب منها يونس خطوتان، يُحذرها من مدخل جديد يحاول الشيطان أن يتخذه سبيلًا لعقله:
-بس لو طلع كلام ابوكي صح او دخولك حياتي له علاقة باللي حصل تحت ده يبقى متلوميش إلا نفسك لاني ساعتها قسوة ابوكي مش هتيجي شبر في اللي هتشوفيه مني يا ليال!

بينما في القصر…
إنتهت أيسل من تجهيز حقيبة لملابسها، وهبطت من غرفتها في صمت تام، لازالت تلك القبلة المجنونة تغزو مخيلتها ليرتعش جسدها في خضم الذكرى، وقد ذابت كل خلاياها في حلاوة ذلك الشعور…!

وجدت بدر يقف جوار مريم التي لا تدري متى جاءت، ولكنها لاحظت ذراع بدر الذي يحيط كتفاها، تبًا له، ليس وكأنه كان يُقبلها منذ قليل وكأنه اخر شيء سيفعله في تلك الحياه!؟..
تجهمت ملامحها التي كانت مُنعشة بذكرى قبلتهم الجامحة، لتدير رأسها بعيدًا عنهم وهي تقول موجهة حديثها لوالدها بجمود:
-انا جهزت
فتدخلت فاطمة بملامح معقودة ونبرة حملت حزنًا واضحًا في طياتها:
-برضو مصممة تبعدي عني يا أيسل.

فاقتربت أيسل منها لتحتضنها بقوة متمتمة بصوت خفيض حاني:
-مش هبعد عنك ابدًا يا مامتي، ثقي فيا!
فبادلتها فاطمة ذلك الحضن بحنان أكبر، بينما بدر تشنج جسده بغضب وهو يضغط على كتفا مريم دون أن يشعر، وقد قتلت أيسل اخر امل له كان يتعلق به حينما غادر غرفتها…
وآآهٍ من تلك الذكرى القريبة التي لا ترحمه فتُعاد بعقله مرة بعد مرة ليشعر هو بداخله يتلظى بتلك العاطفة المُهتاجة…

آآهٍ من تلك الشفاه التي خُلقت له، خُلقت ليُقبلها ويحس بنعيم الجنة فيهما…!

وبالفعل غادرت أيسل مع طه وزوبه اللذان ارتسمت على شفاهما ابتسامة سعيدة منتصرة بينما طه يغمغم ببرود:
-بالاذن ياست الحجه! بالاذن يا جوز بنتي
ثم غادروا جميعهم لتتهاوى فاطمة جالسة على ذلك المقعد لا تستطع حمل جسدها، ثم بدأت تضرب على قدمها ببطء وهي تتساءل بحسرة وقلق:
-إيه اللي ناوية تعمليه بس يا ايسل ربنا يهديكي.

فيما غادر بدر متوجهًا للغرفة التي يُقيم بها بالقصر، لتلحق به مريم، دلفت مريم للغرفة ثم أغلقت الباب خلفها لتهتف دون مقدمات:
-جات الفرصة يا بدر
فسألها بدر بلامبالاة:
-فرصة إيه؟
لتجيب بثبات ليس بغريب عليها وهي تتحدث عن تلك الرغبة الانتقامية المجنونة:.

-فرصة إنك تروح لها المكان اللي هي رايحاه وتقولها إنك عاوز تتكلم معاها وتاخدها معاك الشقة بتاعتك وهتديها مخدر يخليها حاسه بكل حاجة حواليها بس مش قادرة تعمل أي حاجة وبعدين هتسيبها مع الراجل اللي هبعتهولك وهنطلب البوليس يجي ياخدهم في قضية اداب!
ذلك التجمهر بالرفض عَلى داخل بدر، ليصمت لثوانٍ ثم قال بصوت بارد:
-بس هي ماعملتش فيكي كده!
رفعت مريم كتفاها ساخرة وهي تهز رأسها:.

-فرقت كتير؟ هي بس جات في الليلة المشؤومة اياها واخدت اختها من غير ما نعرف من الشقة المفروشة اللي كنا فيها، وسابتني انا في داهية وهي عارفة إن البوليس خلاص جاي وهربت اختها، وحتى منعت اختها إنها تيجي تشهد في القضية إني مكنتش أعرف إن دي شقة مفروشة وإننا كنا رايحين مع صحابنا عادي منعرفش اللي فيها، سابوني اتحبس ٣ سنين ظلم وكانوا قادرين ينقذوني من الظلم ده، سابوني أعاني ٣ سنين وأتبهدل وأتشوه في الوقت اللي أختها فيه سافرت برا مصر تكمل تعليمها!

ظل بدر يهز رأسه دون أن ينظر لها، لقد أصبحت رغبتها في الانتقام مرضية فعليًا!..
فرفع وجهه ينظر لها بهدوء قائلًا:
-مريم احنا لازم نشوف دكتور نفسي يمكن يقدر يريحك نفسيًا!
حينها إهتاجت فرائص مريم وهي تزمجر فيه بحدة:
-انا مش مجنونة يا بدر، وقولتلك اللي هيريحني إني اخد حقي منها!
فزفر بدر بعمق قبل أن يستطرد محاولًا تهدئتها:
-طب اهدي، على الأقل خلي شوية وقت يفوت خليها تثق فيا عشان ترضا تيجي معايا.

إلتوت شفتاها بابتسامة ساخرة ماكرة وهي تخبره:
-لأ متخافش هي واثقة فيك اوي وهتيجي معاك حتى على جهنم!
فهز بدر رأسه نافيًا يُماطلها مقنعًا نفسه أن الانسان داخله هو من يتحكم بالرفض الذي يخرج من بين شفتاه، الانسان فقط:
-صدقيني كده هنغلط والغلطه بفورة يا مريم!
كزت مريم على أسنانها بعنف حتى اصطكت، لتردف بعدها بحدة والغضب يغلي داخلها:
-لو مش هتنفذ يا بدر أنا هعرف اخلي غيرك ينفذ.

فنهض بدر حينها ليهدر فيها بنفاذ صبر:
-دي مابقتش طريقة للكلام دي!
ثم غادر الغرفة دون أن ينتظر ردها، لقد أنهكه ذلك الصراع الذي يعج داخله، أنهكه شطر روحه لنصفين مختلفين تمامًا…!
بينما مريم تزم شفتاها وهي تهز رأسها بإصرار غريب والحقد يلمع بين حدقتاها:
-ماشي يا بدر، براحتك اوي..

بعد فترة…
كانت أيسل تتفحص ذلك الملهى الليلي بعينان تقطر اشمئزازًا وحقدًا، أهذا هو المكان الذي فضلوه على قطعة من روحهم؟!..
فيما اقتربت منها زوبه لتسألها بابتسامة بلهاء كسؤالها؛
-عجبك المكان يا أيسل؟
فالتوت شفاه أيسل وهي تقذف الحروف بوجهها قذفًا:
-مكان مقرف! انتوا مستحيل تكونوا طبيعين!
فإحتدت ملامح زوبه بالغضب وهي تسألها بغيظ دفين:
-لما هو مقرف قررتي تيجي معانا ليه؟

لم تتردد أيسل وهي تخبرها بجمود وقد فاحت رائحة الكره من على ضفاف حروفها الفياضة:
-جيت علشان أكرهكم اكتر، علشان لما شيطاني يوزني إني اتراجع عن كرهي ده افتكر المكان القذر اللي فضلتوه عليا ورميتوني في الشارع علشان تحافظوا عليه!
فتنهدت زوبه بعمق قبل أن تقول ببرود:
-هعتبر نفسي ماسمعتش حاجة من العبط اللي قولتيه ده، هاا هتبدأي شغل من امتى؟

لم تندهش أيسل كثيرًا، فقد رأت منهما ما يكفي حتى لا تنصدم فيهما مرة اخرى…
فعقدت ذراعيها معًا وهي تملي عليها ما ستفعله بنفس البرود الجامد:
-اولا انا مش هشتغل رقاصه ابدًا زي ما انتوا عاوزين، أنا هبقى زي المشرفة كده مش اكتر!
اقترب منهم طه لتكمل أيسل متعمدة أن يسمع:
-وكمان مش هبات معاكوا في بيتكم، انا هبات هنا واكيد محدش بيبات هنا
كادت زوبه تنطق معترضة:
-بس يا أيسل آآ…

ولكن طه قاطعها حينما رسم ابتسامة خبيثة باردة وهو يتشدق بـ:
-اللي يريحك يا أيسل، هنسيبك تعملي كل اللي يريحك لحد ما تاخدي على الجو هنا
لم يعترض، لم يقلق بشأن بقاءها في ذلك الملهى ليلًا وبمفردها، لم يقلق عليها ولو للحظة فلربما يأتي حرامي للسرقة ويقتلها مثلًا…؟!
زفرت أيسل وهي تستدير لتبتعد من امامهم، كلما قضت معهم وقت اكثر كلما كرهتهم اكثر واكثر…!

في منتصف الليل وبعد مغادرة الجميع
لم تغفل عينـا أيسل ولو دقيقة، بل إتصلت بأحدى صديقاتها من الطبقة المخملية، صديقتها التي طلبت منها رجال لينفذوا ما خططت له..!
أتاها صوت صديقتها بعد ثوانٍ:
-ايوه يا ايسل
-ها يا غدير هما جايين ولا إيه؟
-ايوه زمانهم على وصول متقلقيش
-الرجاله دي ثقة يا غدير ولا ممكن يلبسوني مصيبة؟
-عيب عليكي ده بابي بيعتمد عليهم في كل حاجة
-تمام شكرا اوي.

-العفوا بس متنسيش تطمنيني اول ما تخرجي من عندك
-حاضر
-باي
-باي
أغلقت الهاتف وهي تضعه بحقيبتها وبالفعل سمعت صوت بالخارج فأمسكت بحقيبتها وهي تسحبها للخارج، لتقابل بضع رجال فهتفت بثبات موجهه حديثها لقائدهم:
-غدير قالتلكم هتعملوا إيه صح؟
اومأ الرجل مؤكدًا برأسه وقال:
-ايوه متقلقيش يا هانم اتفضلي حضرتك بس
-انا عايزاكم تدلقوا البنزين في كل حته بس متولعوش انا اللي هولع.

اومأ الرجل مؤكدًا برأسه وبالفعل إنطلق الرجال يسكبون البنزين في كل ركن من اركان الملهى بينما أيسل تتابعهم بعينان شامتتان، ستحرق ذلك المكان وتحرق معه قلوبهم الجشعة التي تعشقه…!

وما إن انتهى الرجال حتى أمرتهم أيسل بالرحيل سريعا خشية من مجيء اي شخص فتتورط صديقتها معها، ووقفت على اعتاب ذلك المكان تحدق به بأعين تنبض بالكره…
وفجأه سمعت صوت يأتي من الخارج فاستدارت لترى رجلاً ما غريب تراه لأول مرة، فسألته بنبرة لم يخفى منها القلق:
-انت مين وعايز إيه؟

لم يجيبها الاخر بل اقترب منها بسرعة وبلمح البصر كان يُقيدها بينما يداه الاخرى تغطي أنفها بقطعة قماش بها مخدر ليتسرب الوعي من بين قبضتا أيسل رويدًا رويدًا و…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى