الفصل الثاني
___
زادت ضربات قلبها بفزع مع تحقق كل ما كانت تخشاه، ظنت أن عثمان سيرفض الزواج منها خاصة مع بعدها عنه وحرصها على وضع حدود صارمة بينهما منذ سنوات أو منذ ألتحق بمدرسة ثانوية فنية مقررا اختيار مجالا شاقا فقط لكونه نفس مجال أبيها وعمها، عادت تحاول تنظيم أنفاسها وعقلها يتهكم من سذاجتها ؛ كيف ظنت أنه قادر على الرفض وقد عاش عمره خاضعا لسطوة عمها ومنفذا لكل رغباته؟
رأت نظراته المتعلقة بعينيها لينتفض داخلها رفضها له وعادت تنكس رأسها بينما تعالت الزغاريد من النساء والصخب من الرجال، انتفضت مع صوت الطلقات النارية فتجد خالتها هالة تضمها ضاحكة لتلك الانتفاضة
_ ماتخافيش يا عروسة ما انت عارفة الأفراح هنا
مسدت ذراعها بحنان وهى تضمها، ترى هل سيظل هذا الحنان أم سينقلب كما انقلب حنان أمها لقسوة إن علمت برفضها لعثمان الذى يبدو أن الجميع يتغير إذا تعلق الأمر به؟
تهدجت أنفاسها وكأنها تود أن تفر من صدرها للأبد وهى تسمع أبيها وهو يزوجها من الشخص الذى طالما رفضته وهى عاجزة عن الرفض أو البوح بهذا الرفض على مرأى ومسمع من الجميع .
صوت عثمان وهو يردد ما يمليه عليه المأذون وأبيها الذى تتخلل السعادة نبرته كانا كقبضة تضغط بقوة فوق صدرها مسببة لها اختناقا شديداً.
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير
غامت عينيها مع جملة المأذون الأخيرة ومع إنطلاق أول عيار ناري يعلن عن نهاية العقد فقدت وعيها لتسقط عن المقعد وتعم الفوضى فى لحظة.
بالكاد وقف عثمان وأوشك أصدقاءه على التجمع حوله مرة أخرى حين لمحها تسقط أرضاً لينتفض راكضا نحوها وقد احتل الفزع صدره دون أن يحاول مقاومته، اقترب وقد احاط بها عدد من النسوة يتملك بعضهن الفزع وتتراقص الشماتة فوق أوجه البعض الآخر لينهرهن جميعا
_ وسعوا شوية علشان تقدر تتنفس
مع صوته ارتفعت له النظرات لينحنى هو مهملا فضولهن ويحملها عن الأرض بينما يتقدم أحد الحاضرين ولم يكن سوى طبيبا دعاه عمه لصداقة بينهما ، لحق به متسائلا بتطوع
_ هى عندها سكر ولا حاجة؟
هز رأسه نفيا بفزع واضح وعدم تركيز ملحوظ ليشير له الطبيب
_ طلعها فوق نطمن عليها
تبعه أبيها وعمها وأمه وخالته وبعض أفراد الأسرة وقد انطلقت الألسن فورا وبدأت التساؤلات حول إغماء غريب راود العروس عقب عقد قرانها .
كانت شقة أبيه الأقرب ليتجه نحو غرفته، سطحها فوق الفراش لتسرع أمها وأمه تحيطانها ويدخل الطبيب من الباب الذى عبره هو مغادرا الغرفة.
بدأ الطبيب بفحص نبضها ليلاحظ ضعفه فوراً فيرى أن الأمر لا يتعدى الإرهاق فيتساءل
_ هى اكلت اخر مرة امته؟
_ ماكالتش من الصبح يا دكتور
_ لا مفيش حاجة تخوف ده شوية هبوط اعملوا لها عصير ولا حاجة وانا هفوقها
اندفعت هالة للخارج بينما بدأ الطبيب إفاقتها وسرعان ما استجابت ليبتسم لها
_ ألف سلامة يا عروسة، خلى بالك من اكلك شوية
نهض مبتعدا ثم اتجه للخارج لتقترب أمها منها فور مغادرته وقد تبدلت ملامح وجهها مرة أخرى
_ عاجبك الفضيحة دى؟ الناس هتقول إيه دلوقتي؟ زمان كل من هب ودب ماسك فى سيرتك وبيسأل العروسة اغمى عليها ليه؟
_ خايفة من الناس يا ماما ومش خايفة عليا؟
لم يفلح الإحباط بنبرة صوتها فى ترقيق قلب أمها الذى لا تعلم متى غلفته القسوة بهذه القوة وهى تنهرها مجدداً
_ الأولى انت اللى تخافى على سمعة ابوكى وعمك، عثمان لو مش ابن عمك دلوقتى كان زمانه واقف بيحاسبك هو كشف الدكتور على عروسة ليلة فرحها حاجة سهلة فى حتتنا
ابتلعت هنية تأنيبها لابنتها مع دخول هالة تحمل كوبا من عصير المانجو وخلفها إحدى الأقارب تحمل صينية الطعام لكنها ابتسمت فور رؤيتها جالسة رغم شحوبها
_ كده بردو يا سهى تخضينا عليكى؟ أشربى يا بنتى وكلى علشان تقفى على رجليك.
وضعت تلك المرأة أمامها الطعام وهى تبالغ في التبسم ليظهر زيف مشاعرها بينما تعترض سهى
_ ماليش نفس يا خالتى
تطوعت تلك المرأة لإبداء الرأي وهى فى الواقع تحاول دفع سهى للبوح بسبب هذه الوعكة غير المتوقعة بل وتقرر أيضا بعض ما بدأت الألسنة تتلقفه
_ انت قرفانة من الأكل ولا إيه؟ ده أكل الطباخ
تبادلت هنية وهالة النظرات وقد فهمتا تماماً ما تشير إليه، تعجبت هالة صمت شقيقتها وعدم الدفاع عن العروس لتقوم بقطع جزء من اللحم ودسه بين شفتى سهى بالقوة
_ وهتقرف من ايه يا حبيبتي؟ البت تعبانة من تجهيزات الفرح نقطينا بسكاتك.
أصدرت شفتيها صوتا يدل عن التهكم وهى تعلن عدم الاقتناع بهذا السبب
_ هى لحقت تتعب؟
عادت هالة تنظر لصمت شقيقتها الكبرى بصدمة وحيرة لكنها وقفت ونظرت لتلك المرأة بتأهب وهى تغير مجرى الحديث الذى سيصل لطريق يزيد من سوء الوضع للعروس وسوء الظن للحضور
_ ماتجيبى ياختى شوية ميكب نصلح مكياچها بعد ما تاكل علشان ننزل نكمل الفرح ولا هنفضل كلنا نتفرج عليها كده!
تبدلت ملامح المرأة بود يعبر عن سعادة وإن كانت زائفة فهى كافية ثم غادرت فوراً لتنظر هالة نحو سهى وتبرر لها وهى بالواقع تبرر لنفسها بصوت مسموع
_ غيرانة طبعا كانت عاوزة عثمان لبنتها، كلى يا سهى
وعادت تجلس مكتفية بهذا التبرير فهى يمكنها أن تشك فى رؤية عينيها ولا يمكن أن ترى ابنة اختها بغير الصورة الكاملة، بدأت تطعم سهى التى رضخت تتقبل ما تضعه فى فمها دون أن تتذوق له طعما وتبتلعه بمعاناة أيضاً فعليها إتمام دور العروس حتى نهاية الليلة.
رغم توقف الموسيقى لم تتوقف الألسن وزاد الصخب بين الحضور ما بين شامت ومشفق حتى ظهر خيرى وصبرى الذى طلب بمتابعة الإحتفال على أن يوافيهم العروسين بعد دقائق.
………………..
جلس عثمان ينظر للباب الذى ترقد خلفه وعقله يخبره أنها ترفضه وهذا أمر عليه التعامل معه وكأنه لا يكفيه رفضه الداخلى الذى يحاول التعامل معه ليأتى رفضها مزيدا من معاناته وعليه التعامل معه أيضا ومحاولة إنجاح تلك العلاقة المرفوضة من طرفيها وينتظر الجميع منه أن يفعل، تذكر المرات التي حاول فيها التقرب منها أو الحديث إليها منذ أعلن والديهما زواجهما وتذكر أيضاً كيف كانت ترفض بشدة أي تقارب منه.
تقدم ودخل للغرفة مرة أخرى وكانت أمه تطعمها وهى صامتة تماماً، دقائق وظهرت تلك المرأة مجدداً وكأنها تقتنص فرصة لقلب الأجواء
_ ماتخافش يا عريس طلع شوية هبوط
نظر لها عثمان بحدة وعجز عن تحمل تلميحها المطوى بين الكلمات
_ ومين قالك انى خايف؟ انا خوفت عليها مش من اللى جرى لها
ابتسمت لتوشى ابتسامتها الحاقدة بما تطمره داخلها وهى تتابع التلاعب اللفظى
_ انا بطمنك يا بشمهندس أصل مش متعودين أن العروسة يغمى عليها فى فرحها
لم يفته ما تحاول القيام به لتتسع ابتسامته فتأد ابتسامتها
_ انت بس مش متعودة تشوفى عروسة فى رقة سهى
تأكدت أن حربها خاسرة لتضع فوق الفراش ما تحمله من مستحضرات تجميل وتغادر الغرفة وتبعها هو دون أن يتوجه لها بكلمة أو نظرة.
لم تشعر بالحماس لدفاعه عنها، طالما كان عثمان أول من يدافع عنها منذ بدأت رأسها تخزين الذكريات واستمر على ذلك لسنوات كان فيها نعم الأخ لها رغم أنها لم تكن له سوى خذلان متتابع.
فى خلال دقائق اكتفت من الطعام الذى يزج بين شفتيها لتبدأ هالة ترميم ما تلف من زينة وجهها ثم تطلب منه أن يدخل لصحبة عروسه ولم تنتظر هى دخوله بل تقدمت للخارج ليبتسم ويقدم لها ذراعه فتتقبله دون تفكير ويغادر الجميع نحو الاحتفال مجدداً.
لم تحاول وأد تلك الابتسامة الزائفة ما بقى من الحفل ولم تكلف نفسها عناء تفحص الأوجه مرة أخرى فبعد ما استمعت إليه من حوار لا تثق بنوايا كل هؤلاء.
احتفظت بتلك الابتسامة على وجهها الذى جمدت قسماته وتوجه عقلها بحثا عن محسن حبيبها الذى وعدته بتحديد موعد مع أبيها لخطبتها ذلك اليوم ثم خطبت لابن عمها فى اليوم التالى.
لم تدع أي من زميلات دراستها لزفافها فهى لا تريد أن يصل الموعد له، وهى لا تحب أن يحضر أي منهن هذا الزفاف المشئوم. لقد سحبت أمها هاتفها فعجزت عن الاتصال به وإخباره بما حدث معها وفقد هو أيضا أي وسيلة للتواصل معها فهى لم تعلمه بمحل إقامتها ولا يعرفه سوى وفاء زميلتها التى تسكن بنفس الحى لكنها شددت عليها لعدم الإفصاح عن مقر سكنها ورغم ذلك جاءتها وفاء منذ عدة أيام تحمل لها أخبار بحث محسن عنها ومحاولته الوصول لها عبر العنوان المسجل بالجامعة ولحسن حظها كان هذا عنوانها القديم، هو لا يبعد عن بيتها غير عدة شوارع لكنها كافية تماماً لعدم وصوله لها.
أحاطت بها فتيات الحى يعبرن عن سعادتهن التى تتطابق مع كل زفاف لتبالغ فى رسم ابتسامتها لعلها تخفى دموعها .
عودة للوراء
جلست وفاء فوق الفراش الذى تتوسطه تضم ساقيها لصدرها بعد فشلها التام في التفاهم مع أبيها الذى يقاطع حديثه معها أو أمها التى تبدلت لأخرى
_ طب خدى كلميه من موبايلى، كان لازم قبل ما تفتحى صفحة جديدة تقفلى القديمة يا سهى، انت كده بتخاطرى بجوازتك دى وابن عمك مالوش ذنب تتجوزيه وانت قلبك متعلق بواحد تانى
رفعت عينيها لها وهى محيطة بالفعل بكل هذا لكن ما حيلتها وقد حرمت من الهاتف ومن مغادرة المنزل أيضاً، أمسكت هاتف وفاء وطلبت رقم محسن الذى أجابت لهفته عنه
_ ايوه يا وفاء
ابتلعت تلك الغصة المؤلمة وجاهدت لتتحدث بضعف
_ ازيك يا محسن؟
صمت طال لدقيقة كاملة وهى لا تسمع سوى ثورة أنفاسه الدالة عن مدى انفعاله قبل أن يخرج صوته مشوشا
_ انت كويسة؟
تعلم أنها لا تملك وقتا طويلا لمبادلته أخبارها، هناك خبر واحد عليها إلقائه به ثم عليها أن تطوى صفحة قلبها واختيارها وتتقبل حياتها الواقعية، عليها أن تدفن أحلامها التى رسمتها معه وتدفن معها إمكانية متابعة الحلم مرة أخرى تنفست بعمق وقالت
_ انا هتجوز ابن عمى
جملة لم يتبعها صمت كما توقعت بل وابل من الاتهامات والتساؤلات
_ علشان كده قافلة موبايلك وبتتهربى منى؟ وأحلامنا؟ وحبنا؟ قدرتى تستغنى عنهم؟ لو هو جاهز انا جاهز اكتر منه واتقدم لك النهاردة مش بكرة! ولا انت بتحبيه وكنت بتلعبى بيا؟ اتكلمى
_ محسن من فضلك ماتحاولش تبعت لى تانى انا خلاص هتجوز و
_ خاينة
انطلقت كلمته عبر الأثير لتخترق قلبها وأذنيها أيضا معا لتبعد الهاتف مع تتابع صراخه وتنهى المكالمة وهى تدفن وجهها باكية، لحظة واحدة وأعاد الاتصال لتطلب منه وفاء إنهاء المحادثة حالياً.
غادرت وفاء ذلك اليوم وهى تتهمها بالتخاذل والضعف لكنها كانت قد تعدت مرحلة التراجع .
شعرت بكفه يحيط كفها ينهى تدفق الذكريات لتنظر نحوه فتكتشف انتهاء الحفل فتنهض متعلقة بذراعه مرة أخرى ليتجها نحو المنزل وهى داخلياً تشكر له تمسكه بالخصوصية التى ابعدت شقتها بضع بنايات عن منزل والديهما المشترك.
تبعهما الجميع كالعادة لتكن لحظات التوديع التى لا تعلم لها سببا وهى على بعد خطوات من الجميع، تحملت كل ما فرض عليها حتى وجدت نفسها ببهو الشقة وسمعت صوت الباب المنغلق للتو.
وقف عثمان ينظر لها وهى توليه ظهرها، تجمدت عينيه تحيطها فقط علها تبعث داخله أية مشاعر تساعده على تمرير هذه الليلة العصيبة لكن لا فائدة؛ إنها سهى أخته التى كان يلاعبها ويدافع عنها ويحمل عنها وزر أخطائها.
جر قدميه نحوها ليقف على بعد خطوة واحدة منها
_ مبارك يا سهى، ولو إن شكلك مش فرحانة و لا حاجة
أغمضت عينيها لا يمكنها أن تكذب عليه
ولا يمكنها أن تواجهه أيضاً
لم يجد منها تجاوباً ليزداد إرتباكا ويتحرك كفه بتلقائية نحو جيب سترته حيث دس أصدقاءه بعض الممنوعات وعادت همساتهم المؤكدة على فاعليتها فى القضاء على ارتباك ليلة الزفاف.
عاد نظره لها لتتجه خطواته نحو المطبخ
_ هشرب وجاى ادخلى غيرى لو تحبى
تقدمت بقدمين تتمنيان الفرار وقلب يصرخ ضارباً صدرها بألم حتى أغلقت الباب ليدور رأسه نحو الباب.
ربما يساعد القرب البدنى على تقارب القلوب وتآلف الأرواح، أبيه وعمه متزوجين من أمه وخالته وجميعهم ابناء عمومة فى الأصل، كذلك اغلب العائلة.
أخرج حبة واحدة نظر لها بتردد اسرع ينهيه وهو يدفع بها إلى جوفه مسرعا فقد يكون الشعور بها بين ذراعيه هو الباعث لكل المشاعر التى يتمنى أن يشعر بها.
اتجه لأحد المقاعد ينتظر أن يدعوه بدنه إليها ولم تخيب تلك الجرعة ظنه وبدأ يشعر بغريزة رجولته تتحرك بتطلب تحكم به ينتظر مزيداً من الإلحاح فحين يدخل من هذا الباب لاحقاً بها لن يكون للتردد وجود وسيجعلها زوجته مهما صعب عليه ذلك .
حل ربطة عنقه مع تزايد حرارته وقد مر نصف ساعة تقريباً وقد شعر أنه الوقت المناسب للمتابعة لذا نهض فورا متجها للغرفة.
…………….
جلست فوق الفراش بعد أن نزعت فستانها واستبدلته برداء تركته أمها لها.
هل سيقبل عثمان بالفعل عليها كزوجة؟
مع مرور الدقائق بدأ الأمل يدق صدرها أنه مثلها تماماً مكره على ذلك ولا تقبله نفسه لينحر هذا الأمل مع طرقة خفيفة تبعها دخوله بتلك الهيئة وعينيه تحمل هذه النظرات التى ارتعد لها قلبها فزعا حقا نظراته ليست مفزعة بل المفزع أن ترى الرغبة بعينى عثمان.
نظر لها كأنثى لأول مرة بحياته، إنها تستعد له وهذا يكفيه، هذه الرداء دعوة صريحة يحتاجها بدنه بشدة هذه اللحظة، تنحى عقله متراجعا فها هى أمامه تبدى رغبتها بإستحياء فماذا ينتظر ليروى ظمأ شبابه المتعطش لأنثى؟
أنها فاتنة لا يمكنه إنكار هذه الحقيقة ، حمحم باحثاً عن صوته الذى تخنقه الرغبة
_ سهى اناااا
لم يجد المزيد من الكلمات فهو لا يملك مشاعر يود التعبير عنها بل مجرد رغبة تجتاحه مطالبة إياه بإهمال كل المظاهر التي لن تفيد وسرعة الإقتراب منها، رطب شفتيه وعطشه يتزايد لها ليقرر إتباع غريزته .
اتجه نحوها بلهفة دفعتها للتراجع فوق الفراش ليرى هو هذا دعوة أخرى لا يجرؤ على رفضها