روايات شيقهرواية الحب لايكفي

رواية الحب لا يكفي الفصل 30

قبل الأخير

عاد عثمان للمنزل ليجده هادئا للغاية، لم يجد سهى لكنه سمع خرير الماء ليجلس منتظرا انتهائها ليطول انتظاره حتى بدأ يشعر بالملل .

هل يحتاج الاستحمام لكل هذا الوقت؟

اتجه للغرفة وبدل ملابسه وتناول شطيرة وعاد ليجلس متأففا حتى فتح باب الحمام أخيراً وعبرته سهى التى نظرت إليه
_ أنت رجعت أمته ؟ اطمنت على خالتى؟
_ رجعت من سنتين ، إيه يا سهى كل ده حمام ؟
_ ايوه هنبتدى مناقرة. بص يا عثمان حاجتين ما تسألش عن الوقت فيهم، الشاور والموبايل
_ لا والله انت كمان بتحطى شروط

انتفض لتفزع وتتراجع خطوة متسائلة
_ مالك يا عثمان؟
_ إيه يا سهى مالك مفزوعة كده ليه!
_ مش عارفة شكلك عصبى
_ لا أبدا
_ طيب انا هدخل البس وأجهز اكل خفيف

اتجهت إلى الغرفة لتجده فى أثرها فتدور وتنظر له بقلق
_ فى إيه يا عثمان؟

بدأ يتقدم منها ببطء مكره عليه
_ فكينا الجبس ، واطمنت على امى ، وصاحبتك روحت، وانا قولت لهم محدش يجى الناحية دى أسبوع على الأقل ، كلاكيت تاني مرة

تابعت التراجع مع تقدمه الحثيث منها
_ كلاكيت إيه يا عثمان انت غريب اوى النهاردة!
_ هنعيد ليلة فرحنا

ضحكت وهى تضرب كفيها وتقترب منه
_ فرحنا إيه يا عثمان ! يا عم خضتنى

وصلت إليه ليجذبها نحوه مبتسما
_ هششش اسمعى كلام جوزك لما يقولك نعيد يبقى نعيد وبكرة نسافر أسبوع نغير جو ما أنا خارج من حادثة ونقاهة وكده مش الدكتور قال راحة تامة

تلك النظرة التى يراها فى هذه اللحظة تمناها قلبه طويلا وتلك اللهفة التى تراها بعينيه تمنتها كثيراً لذا ، أحاط خصرها بذراعيه ورفعها عالياً لتنهره بدلال
_ عثمان الدكتور قال ماتشلش حاجة تقيلة

عقد حاجبيه مستنكرا وهو يردد
_ تقيلة!! ده انت عصفورة ، عصفورة علمت قلبى يطير .

تعلقت برقبته وقد حلق قلبها فى فضاءه الشاسع الذى يتسع لكل جنونها وتعقلها وعشقها الذى أشرق لينير حياتهما معا.

الحب لا يكفي؛ لقد احتاجت أكثر من الحب ، احتاجت الأمان، الدفء ، الرعاية، الحماية، الشغف و التقبل وقد منحها عثمان كل هذا بمحبة وصبر جميل حتى وصلا لهذه اللحظة، اللحظة التى يذوب فيها كيانها وكيانه ليشكلان كيانا مشتركا قويا يدعمه الحب والتفاهم والصبر .

………

اتسعت عينا وفاء وهى تنظر إلى عزيز بدهشة سرعان ما عبرت عنها
_ اتجوزك! عزيز انت بتقول إيه؟

خبى الحماس الذى سيطر عليه من لحظة واحدة
_ إيه يا وفاء حاجة غريبة انى اطلبك للجواز؟ افتكر مشاعرى واهتمامى واضحين من الأول.

هزت رأسها نفيا وكأنها تنفض الفكرة بعيدا عن عقلها الذى سارع بالمقارنة بين نظرات عزيز التى لا تخلو من الشغف بالفعل لكنه شغف لا يرضيها فهو يخلو من دفء الحنان الذى تصبه عليها نظرات عمار ، الحب لا يكفي؛ يتكرر هذا المعنى بحياتها ولازالت تبحث عن الإكتفاء الذى لا تجده بالطبع مع عزيز.

وفر لها عزيز ووجوده بحياتها مشاعر لم تكن تعلم عنها شيئا، وفر لها دعما أخويا ، هى لم تحظ برعاية ذكورية مطلقاً تلك الرعاية التى يحيط فيها الرجل المرأة أيا كانت مكانتها بحياته بالحماية والأمان، ولا تنكر أن عزيز قدم لها هذا لكن هذا لا يكفي أيضاً.
_ عزيز انت اسم على مسمى، انت عزيز أوى وغيرت حياتنا كلنا بوجودك وروحك الحلوة، بس الجواز محتاج مشاعر تانية ماافتكرش هتكون بنا فى يوم من الأيام.

اقبلت سميحة تحمل صينية وهو تتحدث إلى عزيز
_ انا عملت التشيز كيك ده مخصوص من امبارح علشانك يا عزيز

نظر لها وابتسم وهو ينهض ليحمل عنها
_ والله يا طنط سميحة عزيز محظوظ بيكم اوى

جلس ليلتقط الطبق بأريحية ويبدأ تناوله معبراً عن جودته لتتعجب وفاء فهو لا يبدو لها مصدوما لرفضها له ولا يظهر تأثراً بهذا الرفض، فهل هو بهذه القوة أم أن عرضه لم يكن يشمل قلبه؟

لم تفكر كثيراً فالأمر يخصه هو لذا اعتذرت بهدوء
_ عن اذنكم دقايق وراجعة.

اتجهت لغرفتها لتبدل ملابسها وحين عادت كان عزيز وأمها يتحدثان أيضاً بمودة لتشعر بمزيد من الراحة لأنها لم تأخذ طلبه على محمل شخصى فيبدو أنه كان جزء من تودده ومحاولته ردم الماضي وهى للمرة الثانية ترى الشغف الكاذب .

………

وصلت وفاء للشركة فى اليوم التالى بهيئة مجهدة فهى لم تنم بشكل جيد وظل عقلها يعرض عليها صورا من نظرات عمار التى يهاجم بها قلبها مباشرة ويقارن بينه وبين كل من محسن وعزيز .

الأول رأى فيها تحديا جديدا لذا جاهد لتطويع كبرياءها وخداع عقلها بوهم نجاحها وكيانها ورغم ذلك فشل بكل الطرق

والثانى رأى فيها دينا قديما يحاول تسديده بلا مشاعر مجرد زواج لتقريب المسافات التى قربت بالفعل وفشل أيضاً فى لمس قلبها

أما عمار فهو يفخر بها، نظرات الفخر لا تكذب ولا تنافق، الشغف الذى يتعلق بنظراته لها والمحمل بحنان تحتاجه بشدة يشعرها بالاكتفاء و يرجح كفته .
لكنه كما قال لها يفوقها عمرا فهل تقبل به أمها؟

لم تنتظر أن يستدعيها لمكتبه كما يفعل كل يوم بأعذار واهية فقط ليضم نظراتها بنظراته .

سمحت لها المساعدة فورا بالدخول لتتقدم محاولة إظهار نفس قوتها لكن ما إن خطت للداخل وكان يستعد لاستقبالها مبتسما علا القلق وجهه وتساءل
_ مالك يا وفاء؟ انت تعبانة؟ تعالى اقعدى اجيب لك لمون؟
_ لا انا كويسة

عاد للجلوس فور جلوسها أمامه وهى لا تدرى كيف تخبره أنها تقبل به وهو لا يدري ما الذى يحدث معها
_ مامتك وأخواتك بخير ؟
_ الحمدلله بخير
_ وبنت عمك اللى كانت تعبانة!
_ لا الحمدلله بقت احسن كتير وبنتها كمان سمتها وفاء

عاد يبتسم ويعود لطبيعته
_ بس اكيد مش هتطلع حلوة زيك

لم تكن لعمار تجارب سابقة لكنه يتعامل مع وفاء كما يملى عليه قلبه بكل الصفاء والطبيعية التى يحوى لذا التقط قلبه ابتسامتها الخجلة التى تقبلت تغزله فيها ليشعر أنها جاءت اليوم تبشره بما يتمنى لكن يقف الحياء بينها وبين ما انتوت لذا بادر بترقب
_ وفاء انا منتظر قرارك مهما طال الوقت

رأى التوتر الذى عبرت عنه عينيها بالقاء نظراتها بعيدا عن مرمى عينيه وهى تقول
_ انا جيت علشان كده
_ بجد !

حاول ألا ينتفض تابعا انتفاضة قلبه منتظرا أن تتابع حتى قالت
_ انا ممكن اكلم ماما اليومين دول
_ ده يبقى أسعد يوم فى عمرى

عاد الخجل يزين محياها وهى تنهض مبتعدة
_ طيب عن اذنك
_ وفاء

اللهفة التى يفر بها اسمها من بين شفتيه لتضمه أسماعها قبل أن يركض مرة أخرى عائدا إليه مع نظراتها الخجلى يدفعها للرضوخ لما سيطلبه منها
_ علشان خاطرى روحى ارتاحى النهاردة.

رغم أنها أرادت العمل لكن رجاءه وجد صدى محالفا له داخلها لتبتسم وتغادر بينما عاد لمقعده شاعرا أنه ملك الدنيا لمجرد منحها له الفرصة التى يثق أنها مجرد بداية لطريق طويل لا ينتوى الرجوع عنه إلا ظافرا بها.

…..

عادت سميحة للمنزل وليس من المعتاد تواجد وفاء بهذا التوقيت ووجدتها وقد أعدت الغداء أيضاً
_ انت كويسة يا وفاء؟
_ الحمدلله يا ماما تعالى نتغدا علشان عاوزة اتكلم معاكى فى موضوع مهم .

صمتت سميحة فهى لا تخفى عليها أحوال ابنتها التى تتضارب وكانت تنتظر هذا الحوار الذى تطلبه وفاء .

جلست سميحة بعد تناول الطعام تبدى المزيد من الصبر حتى بدأت وفاء تقص عليها بشأن عمار، فى البداية شعرت سميحة بالراحة لأن ثمة من يهتم بوفاء لشخصها بهذا الشغف الذى تتحدث عنه فهى تستحق بالطبع أن تحيا سعيدة مع رجل يقدر كل جزء منها لكن حين أخبرتها عن عمره تجهم وجهها وشعرت أن وفاء تبحث عن الأب فى صورة الزوج، وخزة قوية أصابت قلبها وهى ترى ابنتها لازالت تعانى سوء اختيارها هى .

_ ودلوقتي يا ماما هو عاوز يقابلك ، صدقينى ماحصلش اكتر من اللى حكيت لك عليه
_ أنا واثقة فيك يا وفاء لأنك عاقلة وعارفة حدودك وبتعرفى توقفى قلبك مكانه لما تلاقى نفسك غلط وانا شوفت ده بنفسى معاك قبل كده بس

طفرت الصدمة فوق وجه وفاء وزاغت نظراتها بفزع اوقف الكلمات بين شفتى سميحة وهى ترى أنها ستهدم حلما جميلا تحياه ابنتها لذا لا ضرر من المحاولة فقد يكون شخصا جيداً
_ خلاص قولى له يجى اخر الأسبوع

تهلل وجه وفاء لتتأكد سميحة أن الأمر هذه المرة لن يكون هينا عليها كما حدث مع محسن فالاخير أدخلها فى صراع داخلها ساعدها على إنهاء الأمر أما هذا الرجل فيبدو لها مؤيداً من عقل وقلب وكل كيان ابنتها .

تركت وفاء لحماس مشاعرها العنان لتتعلق بها عينى أمها وهى تتساءل كيف يمكنها التخلص من رجل استحوذ على قلب ابنتها بهذه الصورة!
هل يمكنها أن ترى ابنتها تتألم مرة أخرى بهذا القدر الذى سيتساوى مع هذه السعادة المتراقصة بعينيها!؟
هل تستطيع أن تنجو وفاء من وهم هذا الحب الذى يدفعها إليه حرمانها الطويل من أبيها ؟
………..

داعب عثمان ملامحها لتنقبض مرة أخرى وهى تزيد من ضم الوسادة معترضة على التيقظ ليضحك بخفوت ويعيد المحاولة حتى زفرت بضيق وهى تفتح عينيها وتنظر نحوه
_ هو انت حد مسلطك عليا تقل نومى ؟
ضحك عثمان وهو يقرص وجنتها
_ ايوه قلبى ، قومى بلاش كسل علشان نخرج هو احنا هنعمل شهر عسل كام مرة ؟
_ مش الدكتور قال ترتاح؟ نام يا عثمان ربنا يهديك
_ دكتور إيه يا شيخة انت بتصدقى الكلام ده، هتقومى ولا ارشك ميه زى امبارح ؟
_ خلاص قومت اهو

جلست بحدة وملامح عابسة بشكل مضحك ليدفعها ناهرا لها
_ على ما اطلب الفطار تكونى اخدتى شاور ومش فى البيت إحنا ها! مش هنقضى الاسبوع فى الحمام
_ هو انت كل يوم هتسمعنى الكلمتين دول

تحركت بحدة ليعود للضحك قبل أن يطلب الطعام ثم يقرر متابعة مشاغبتها فيلحق بها .

……….

وصل أمام المنزل يحمل الورود والحلوى ولازال عاجزا عن التحكم في جنون قلبه وكأنها أخبرته للتو بقبول أمها لقاءه ، يعلم أن موقفه مع أمها أضعف لكنه سيحاول بكل ما أوتي من قوة ليحقق حلم قلبه الأوحد.

طرق الباب لتفتح له سيدة يبدو من ملامحها أنها ترفضه مبدئيا لكنها رحبت به باقتضاب وتقدمته للداخل ليحافظ على بشاشة ملامحه التى يحتاجها مودة.

جلست سميحة فقد طلبت من وفاء عدم مقابلته اليوم فهى ليست فى حاجة لذلك وعليها أن تمنحها الفرصة كاملة لتقيمه وقد أخبرته وفاء سلفاً بأنها لن تتواجد بالمنزل فى نفس التوقيت ولكنها ستكون بمنزل شقيقتها.

_ استاذ عمار انا سمعتك للآخر ومقدرة مشاعرك تجاه وفاء بس بنتى اتربت من غير أب وبتدور فيك على صورة منه يعنى رؤيتها ممكن تتغير وترجع تندم والنتيجة هتكون دمار بيت وأسرة

اومأ عمار بتفهم لكل ما مرت به حياتها من ألم يثق أنه يتساوى مع ما عانته أمه وتحملته، النساء؛ لغز محير لن يستطيع رجل فك شفرته على مر العصور، مخلوق ضعيف يراه الرجال بهذه الهشاشة التى تسمح لهم بالتحكم والسيطرة ومن قوة هذا الكيان النسوى أنه يتقبل التحكم والسيطرة حتى إذا ما وصل الأمر لذلك الجزء الذى يمثل كيانها كأم انتفضت كطير جارح يمكنه أن يحارب ويفر أيضاً دون أن يستطيع أيا كان إعادة السيطرة عليه، كم تمنى لأيام طويلة أن تحمل أمه جناحين لتفر لكنها اختارت التحمل وهذا ليس ضعفا فيها بل قوة ؛ فمن يمكنه أن يتحمل ما تحملته سوى أعتى المحاربين !!!
سمح لها بالتعبير عن مخاوفها ثم رفع كفه وهو يقاطعها بهدوء
_ انا مش صغير وفاهم كويس جدا أن وفاء بتدور على صورة الأب بس ده مايمنعش أبدا الجواز عموما الزواج الناجح اللى بتشوف فيه البنت صورة ابوها فى جوزها ويمكن انا محظوظ لأن وفاء ماعندهاش صورة كاملة وهيبقى سهل عليا احط صورتى فى الخانة دى . هى بتدور على صورة الأب وانا مسئوليتى انى اخليها تشوفنى الأب والاخ والزوج، لو ماقدرتش يبقى أنا اللى فشلت مش هى بس احب اطمنك لا انا بحب الفشل ولا وفاء يبقى اكيد إحنا الاتنين هنحاول ومادام فى محاولة مشتركة بتكون النتيجة لصالح الطرفين أكيد.

صمتت سميحة لا تنكر أن عقليته تدعوها لاحترامه وصراحته كذلك لكنها لا زالت تتخوف من فارق العمر بينهما لكن هذا الفارق هو مؤكدا أول ما جذب أنظار وفاء لهذا الرجل يمكنها أن تمنح وفاء كل الفرص للتراجع وستدعمها دائما ايما فعلت .
طلبت منه لقاء بعد عدة أيام حتى تتحرى جيدا وتفكر بهدوء ولم يكن أمامه غير القبول .

حين عادت وفاء للمنزل كانت سميحة بغرفتها لتتجه إليها فورا متسائلة عن نتيجة المقابلة وعن رأيها في شخص عمار
_ هو راجل محترم يا وفاء بس لازم نسأل عنه يا بنتى واطمن

عادت وفاء لغرفتها وقد تأكدت أن كيانها يتمنى عمار فمجرد أن عرضت أمها احتمالية رفضه اختنق قلبها بشكل لم تشعر به مطلقاً ، فقد الأحبة اصعب مما ظنت أنها شعرت .

……

غادرت سميحة المدرسة لتجد عزيز فى انتظارها كما وعدها تماماً وما إن ظهرت حتى اسرع نحوها لتستقبله بتساؤل
_ ها يا عزيز عملت ايه؟
_ صراحة يا طنط الراجل لا غبار عليه هو حياته مش مستقرة اوى لأن شركته يادوب واقفة على رجليها بس الكل بيشهد بيه .طنط هو محدش تانى اتقدم لوفاء قريب؟

تعجبت سميحة سؤاله
_ لا يا عزيز بتسأل ليه؟
_ علشان انا طلبت من وفاء الجواز بس واضح أن قلبها مشغول بالشخص ده لو شوفتيها يا طنط وهى بتستغرب طلبى هتعرفى أنها خدت قرارها خلاص
_ انت يا عزيز؟
_ ايوه بس صراحة كان طلبى تحت ضغط من امى وإصرارها أن جوازى من وفاء اكتر حاجة هتريح بابا الله يرحمه بس الحقيقة يا طنط بابا هيكون مرتاح اكتر وهى مع واحد بتحبه سعيدة ومرتاحة غير لما تبقى معايا وانا هصونها طبعا بس قلبها هيبقى مطفى وهتفضل طول عمرها حاسة أن حياتها ناقصة .

تنهدت سميحة فما اخبرها به عزيز عن عمار اخبرها به كل من طلبت منه التقصى عنه لكنها أرادت المزيد من الثقة فأرسلت عزيز فهو سيكون أحرص على نقل كل التفاصيل وما اخبرها به للتو وعدم إخبار وفاء لها به يؤكد أن ابنتها اختارت بالفعل .
يضيق صدرها وتشعر بالاختناق وكأنها تعجز عن نجدة ابنتها من قلبها.

………

تقدمت سهى لداخل المنزل الذى غابت عنه أسبوع واحد لتشعر أنها اشتاقت تفاصيله، لم تظن يوما أن الارتباط بالاماكن حقيقة يعيشها البعض فقد كانت تكره هذا الحى وكل ما فيه لكنها بالفعل اشتاقت للمنزل، منزلها الذى جمعت بين جدرانه فى فترة زمنية قصيرة للغاية العديد من الذكريات التى تحوى حياة كاملة من الفرح والحزن والأوجاع.

لحق بها عثمان بعد أن شكر الشاب الذى حمل عنه الحقائب بمودة واغلق الباب
_ مالك يا سهى؟
_ البيت وحشنى اوى يا عثمان
_ انت كمان وحشتينى

جذبها لتدفعه للخلف بلا حدة
_ انا بتكلم عن البيت يا عثمان
_ ما البيت ده جزء منى ولما يوحشك يبقى انا كمان وحشتك
_ عثمان انت بتتلكك ؟
_ فرصة لن تعوض

ضحكت وهو يسير بجانبها معتمدا عليها عوضا عن عكازه الذى يصر أنه لم يعد بحاجة إليه وتصر هى على أن يستخدمه حتى يسمح له الطبيب بغير ذلك فيرضخ هو لمخاوفها التى تسعده.

……

جلس عمار مرة أخرى أمام سميحة التى لا تبدو له تخلصت من مخاوفها حوله ويعلم أنها لن تفعل في وقت قريب ، سيعمل على محو تلك المخاوف مستقبلا إن سمحت له ينيل أمنية قلبه.
_ الحقيقة يا استاذ عمار انا سألت عنك كتير وكل المعلومات في صفك بس انا لسه خايفة من فرق السن بينكم
_ عارف يا ست الكل وصدقينى مع الوقت هتشوفى وفاء سعيدة جدا معايا انا عمرى ما اتمنيت غيرها واكيد مش هفرط فى أمنية قلبى الوحيدة .

صمتت سميحة لحظات لكن لا مجال أمامها لرفضه هو زوج مثالى وليس هذا ما يدفعها للقبول به لكن قلب ابنتها يدفعها لتفعل وعقلها يدفعها للفظه خارجاً وإرغام وفاء على تقبل حقيقة مشاعرها التى لا تنتمى لهذا الرجل .
صراع لم تعد تقوى على مجابهته لتنهى كل هذا الألم المتنازع داخلها وهى تمنح وفاء حق تقرير اختيارها فهى رغم كل مخاوفها من عمار تثق أن وفاء قادرة على تحمل تبعات اختيارها ولا بأس ستكون دائما بالقرب ، نهضت بهدوء يتنافى مع الضجيج الذى تعلو وتيرته داخلها
_ مبارك يا استاذ عمار انا هنادى وفاء علشان تتفقوا على التفاصيل لأنها حياتكم وانتو اللى لازم تخططوا ليها.

وقف احتراماً أثناء مغادرتها لكنه لم يفعل فقط من باب المجاملة بل هو يحترم هذه السيدة كثيرا بالفعل، لقد كان ليواجه العديد من العقبات مع أي شخص آخر لكنها تسعى فقط لسعادة ابنتها التى سيعمل على أن تراها واقعا يسكن له قلبها الذى يقدر صراعه والذى عجزت ملامحها عن طمره.

……….

مرت أشهر نعمت فيها سهى بالسعادة مع عثمان فمنذ فتحت أبواب قلبها له لم يسمح للحزن بدخوله ورغم ما يمرا به من مواقف طبيعية تحدث بين أي زوجين يتمكنا معا من التجاوز والمتابعة .

لقد كانت الفترة الأخيرة مرهقة للغاية فقد تزامنت الاختبارات مع إعدادات الزفاف الذى تساعد وفاء فيها لذا بدأت قواها تخور ليحاول عثمان رفع الضغط عنها بمساعدته فى شئون المنزل.

عاد للمنزل وكانت تجلس كما إعتاد منذ يومين بملامح كئيبة تدعوه للتفكير بحثا عن سبب لها بلا جدوى، كان يحمل طعام الغداء ليضعه جانبا ويقترب منها
_ مالك يا سهى؟ وماتقوليش مفيش

نظرت إليه مستنكرة حجره على إجابتها ليحيط كتفيها وقد زادت ملامح وجهها حزنا ينذر بنوبة غير مبررة من البكاء
_ فى إيه بس ؟
_ عاوزة اعيط وخلاص يا عثمان
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب احكى لى
_ مش عارفة
_ طيب إيه رأيك فرح وفاء كمان يومين نخلصه ونسافر يومين نغير جو يمكن اعصابك ترتاح
_ مااقدرش اسافر عندى ظروف
_ ظروف إيه مش الامتحانات خلصت
_ ايوه خلصت بس انا مش هقدر اسافر خالص
_ بتزعقى ليه طيب ؟ ما تحكى لى عن ظروفك دى يمكن اقدر اساعدك فيها
_ ما أنا لو عارفة اقولك ماكنتش سكت

تنهد مستدعيا صبره ثم تابع وهو يربت فوق رأسها محاولا السيطرة على نوبة بكاءها التى بدأت تظهر في اختناق صوتها
_ طيب عموما مهما كانت الظروف بتخلص
_ لا الظروف اللى عندى مش بتخلص
_ سهى ماتصعبيش الحكاية إذا كان العمر كله بيخلص يبقى ظروفك مش هتخلص؟
_ ايوه الظروف اللى عندى مش بتخلص بتتولد
_ شوفتى اااا، انت قولت إيه؟

بدأت تبكى ليضيع قلبه بين سعادته وبكاءها .

قصه حدايق القبه

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى