روايات شيقهرواية الضحية

رواية الضحيه الفصل 11 و الاخير

الخاتمة

أحاطت ألسنة اللهب جاسر الذى بدأ يفقد المزيد من عقله وهو يصرخ مطالباً نارا بالظهور وكلما تأخر ظهورها كلما زاد جنونه ونفث بهذا الجهاز المزيد من النيران.

دخلت سيارة الإطفاء ليفسح لها الجميع ومحمد قد تملك منه قلقه
_ اتصرف يا زين قول لهم يدورا على البنت
_ اصبر يا محمد مفيش دليل أنها جوه اصلا، مفيش حد هيقعد فى حريق بالشكل ده ويسكت
_ لما هى مش جوه المجنون اللى بيصرخ ده بيصرخ ليه؟ اكيد محتجزة فى مكان ومش قادرة تستنجد أو تتحرك، مين عارف يمكن كتفوها ولا محبوسة
_ لو كلامك صحيح كان هيعرف مكانها هو بيدور عليها يعنى وارد تكون هربت، انت مش قولت هربت قبل كده!

هز محمد رأسه بأسف وهو يتقدم نحو المنزل الذى بدأ يعلن عن عدم صموده أمام النيران.

كثافة شديدة من المياة بدأت تتحكم في جزء من احتراق المنزل خاصة مع تحول صرخات جاسر إلى صرخات متألمة وبدأ بعض الرجال يدخلون للمنزل عبر الشرفة التى أخمدت نيرانها تقريبا .

تعلقت الأعين بالشرفة ليظهر أحدهم بعد دقائق يحمل نارا وآخر يشير لزملائه فيتحرك الدرج ويلتقط المنقذ نارا من زميليه .

اسرع محمد إلى السيارة وقد وصل بها المنقذ للأرض
_ كانت مغمى عليها في الدولاب وفى قتيل في الأوضة وواحد حالته صعبة في الممر هنحاول ننزله .

تقدم رجال الإسعاف الذين كانوا في حالة تأهب منذ اندلع الحريق، بدأ فحص نارا ليسرع أحدهم ويحيط وجهها بقناع
_ كويسة بس الأكسجين قليل اكيد من الدخان هتبقى كويسة

إلتقط محمد أنفاسه أخيرا وتحرك بلا تردد ملازماً للفراش الذى ترقد فوقه وقد أنهى مهمته وكل ما يدور فى هذا المنزل بعد خروجها لا يعنيه.

………..

فتحت نارا عينيها ولم تدرك كم غابت لتجد نفسها بمحيط مختلف تماماً فآخر ما تذكره أنها كانت تختبئ داخل الخزانة بغرفة أبيها، سمعت صوت صراخ جاسر وطلقات نارية لكن غلفها الظلام بعدها مباشرة.

تحركت عينيها لترى أمها بملامح باكية وبجوارها محمد وقد اعتلى الهم ملامحه وعلى مقربة جلست إيثار حزينة وبجوارها فهد يلتزم الصمت المريب.

بحثت عن صوتها فلم تتمكن من الحديث وشعرت بإنهاك تام يسيطر عليها.

تحركت أناملها فى محاولة للفت انتباههم وقد التقطت أمها تلك الحركة الطفيفة لتنتفض نحوها
_ فاقت!! نارا فاقت يا محمد فاقت

تلك الدموع التى تعبر عن سعادتها بعودتها أثلجت صدرها وهى تراها تهرول هنا وهناك وقد أفقدتها الفرحة منطقية التفكير .

دخل الطبيب مهرولا بعد العديد من طرقات الإنذار التى أطلقتها نوارة لتصرخ بمجرد ظهوره
_ فاقت يا دكتور

بدأ الطبيب فحصها ليعلن أنها بخير فقط تحتاج للمزيد من الراحة ولم يعترض أي منهم على منحها هذه الراحة .

فى الصباح التالي كان الجو أكثر هدوءا وكانت نارا أفضل حالاً ويمكنها أن تجلس بشكل جزئى لتستغل خروج أمها من الغرفة وتنظر إلى محمد
_ حصل إيه ؟

تنهد بأسف وهو يقترب من فراشها وكأنه ينتظر هذا السؤال
_ زى ما توقعت هيحاولوا يمشوا ورايا ويخطفوا إيثار تانى بس إحنا كنا مستعدين وفهد منسق مع البوليس اللى زيفوا الحادثة بس الرجالة اتمسكوا منهم واحد قدم رسم تفصيلى منه قدر البوليس يدخل القصر بسهولة وكان فى بث مباشر بيقتلوا واحدة اسمها هلا
_ دى مرات بابا
_ هى الحمدلله انفذوها بس إصابتها شديدة وسياف كمان اتصاب برصاصتين لأنه كان مصر يقتلها
_ وجاسر؟؟
_ ولع فى القصر وهو بيدور عليك ومصاب بحروق خطيرة ومحبوس تحت الحراسة من يومها فى عذاب محدش يتحمله والدكتور بيقول مفيش أمل ومن تلت أيام متوقعين موته بس هو لسه عايش.
_ وبابا؟؟
_ للاسف لقيوه مقتول وبعد التشريح اتضح أنه كان واخد سم للأعصاب بيموته ببطء
_ هو انا غبت كتير اوى كده؟
_ بقا لك اربع أيام من يوم الحادثة

اغمضت عينيها ليصمت فهو يعلم أن كل تلك الحقائق مؤلمة فتلك الفتاة تحمل جزءًا من روح زوجته التى لا تتحمل هذا الألم عليه أن يقدر مشاعرها .

دخلت نوارة للغرفة تحمل عبوة من الحليب
_ اخيرا اللبن بتاعك وصل، انا مش فاهمة ازاى مستشفى مش فيها لبن؟
_ فيها يا نوارة اللبن العادى بلاش تحامل

ابتسمت مع قول زوجها وهى تفرغ بعضا من محتويات العبوة فى كوب
_ اشربى يا حبيبتي علشان نخرج من هنا بقا
_هو سراج فين؟
_ إيثار هتجيبه النهاردة هو قالب دماغها عاوز يشوفك بس انا اللى كنت خايفة عليك من شقاوته. على فكرة دكتور يامن جاى النهاردة.

……..

ظل سراج مستقرا بجوار نارا رغم تواجد يامن منذ دقائق ينتظر مغادرته لتربت فوق خصلات شعره المجعدة
_ سراج حبيبي روح لماما هات عصير للدكتور
_ لا، انا هقعد معاكم وماما هتجيب العصير لوحدها
_ انا عارف انك عاوز تقعد مع طنط نارا علشان خايف عليها بس انا الدكتور بتاعها ولازم اتكلم معاها لوحدنا
_ ولو زعلتها؟؟
_ يبقى من حقك تزعلنى

اتسعت عينا نارا وهى تشهد على هذا الحوار غير المتوقع برأيها بينما أشار لها سراج محذرا
_ انا هقعد جمب الباب لو زعلك نادى عليا

ابتسمت نارا حيث لم يساعدها عقلها فى العثور على رد ملائم لشجاعة هذا الصغير الذى اتجه للخارج بصمت بعد تشبثه بها.

نظرت إلى يامن لتتسع ابتسامته
_ طفل واعى ما شاء الله ماينفعش نستهون بعقله ونقلل من ثقته في نفسه، انت حاسة بايه دلوقتى ؟

استرخت نارا مع نهدة طويلة وكأنها تشعر بتخلصها من حمل ثقل على قلبها تحمله
_ على قد ما أنا مرتاحة انى خلصت من كابوس حياتى على قد ما أنا حزينة على النهاية اللى وصلوا ليها.
_ بس النهاية دى ناتجة عن خيارات حياتهم اللى كلها غلط
_ بس هم كمان كانوا ضحايا
_لا

رفع كفه معترضا بحزم ثم تابع بهدوء
_ هم دخلوا الطريق ده باختيارهم وطول عمرهم كان عندهم فرصة يتراجعوا ويطلبوا المساعدة بس هم متعة المرض تملكت منهم فحبوها وكملوا برغبتهم محدش فيهم مجبر .
_ بس فيهم بابا واخويا؟
_ دايما المجرم بيكون ليه أهل هم اكتر ناس يتأذوا منه والغريب فينا إننا بنخاف عليهم من العقاب، طيب ليه لما بنفكر أننا بنحبهم مابنفكرش أن فى ناس اتاذت ليهم ناس بتحبهم بردو، ليه لما بنخاف عليهم مابنفتكرش أنهم ماخافوش علينا واذاهم وصل لينا؟

شعرت بالتشوش فربما يكون محقا لقد تزوجت من قاهر لمدة خمس سنوات لم تفارق رغبة الانتقام خلالها جاسر بل غذى رغباته حتى أوصلته لتلك النهاية كذلك سياف الذى رغم قوته وقدرته على العمل بنزاهة اختار الطريق الملتوى ودنسه بالدماء أيضاً حتى كادت اختها أن تكون إحدى ضحاياه.

_ مش لازم نتعاطف مع الجانى لأن مفيش مبرر للجريمة، أي ضغوط ممكن نتجاوزها سواء لوحدنا أو بمساعدة علشان كده عاوز اقولك انك ضحية لنفسك فى المقام الأول.

رسمت الدهشة عجبا فوق ملامح نارا التى تستنكر أنها كانت الجانى الأول في حياتها لكنه تابع
_ انت كان ممكن من الأول تدورى على مساعدة وتخلصى نفسك من اعتداء استمر سنة كاملة بس انت كمان كنت بتسكتى

حاولت نارا تبرير موقفها
_ ما الكل كان بينكر وبيقولوا لى كوابيس
_ وتصدقى نفسك ولا تصدقيهم؟ انت فى الحقيقة كنت مستنية ابوك يدافع عنك في الوقت اللى هو ماكنش شايفك للاسف هو محتفظ بوجودك لانك صورة من والدتك وكان مرتاح أنه متحكم فى صورة منها بعد ما هربت منه

صمتت نارا ليحافظ هو على الصمت لدقيقة كاملة قبل أن يتساءل
_ محتارة ؟
_ جدا
_ انا مش عاوزك تتعاطفى مع شخصيتك القديمة لأن آن الأوان تتخلصى منها وتلاقى نفسك اللى عاشت العمر كله محبوسة تحت نرجسية والدك، انا همشى دلوقتى وعاوز اشوفك الجلسة الجاية فى المصحة

غادر بنفس الهدوء الذى يغلفه ويزيد من غموضه المثير للعقول لتنظر نارا إلى ساقه التى تبدو خطوتها متعرجة لكنه اغلق الباب قبل أن ترى ما تبحث عنه.

ركض سراج للداخل ليتسلق الفراش فتبتسم وكأنها تخبره أنها ليست حزينة أو غاضبة .

……….

بعد ستة أشهر

جلست نارا بمكتب يامن الذى تأخر فى لقاءها فهذه المرة لا تأتيه كمريضة بل أتت بزيارة ودية بعد إنهاء فترة علاجها التى لازمت فيها التمسك بأحلامها حتى نجت من الماضى، دخل من الباب ليبتسم
_ خفيتى ورجعتى لنا برجلك؟ بالذمة ده عقل!!

ضحكت وهى تقدم له لفة تناولها بفضول
_ أول مريضة تجيب لى هدية!

فتح الغلاف لتتسع ابتسامته بينما قالت
_ أول رواية اترجمها من الأدب الروسى ودى أول نسخة وصلت لى منها
_ انا فخور بيك يا نارا
_ وانا متشكرة ليك جدا يا دكتور بس عاوزة اتكلم معاك فى شغل

عادت ضحكاته وهو يعود للخلف وينظر إلى نارا التى بدت أجمل ضحية وقعت عينيه عليها يوما
_ أنا لما لجأت لك يا دكتور كنت ضحية ، فى ناس كتير ضحايا بس مش عارفين يتكلموا مع مين، واسمح لى مايقدروش يدفعوا لحضرتك طبعا
_ قصدك انى استغلالى؟

ضحكت نارا وهى تبدل نظراتها لأخرى أكثر جدية
_ مش هتقدر توقعنى، بجد فى ناس كتير رجالة وستات وأطفال بيتعرضوا للتعدى باللفظ والفعل فى البيوت الشوارع والمدارس والمواصلات ، ودايما فى قيود على الضحية ، صدقنى هم بيتعذبوا بس مش بيعرفوا يعملوا إيه ، اخر خطوة لما تبقى الدنيا مش فارقة بيدوروا على المساعدة من أي حد والحد ده يا يكون كويس ويبقى حظهم حلو يا يكون وحش ويبقى حظهم اوحش

_ نارا انت عاوزة توصلى لايه انا مش فاهم؟
_ عاوزة اعمل مبادرة لمساعدة الناس دول بسرية وأمان ومن غير فلوس، عاوزة جلسات دعم نفسى مجانية على نطاق واسع هنبدا اونلاين

_ انت عارفة مبادرة زى دى تحتاج كام؟
_ مش مهم انا معايا فلوس هتبرع بيها وهعمل جمعية تدعم المبادرة ومتأكدة انى هقدر اغطى التكاليف

استند بمرفقيه إلى سطح المكتب وقد جمع كفيه ليرخى رأسه فوقهما
_ انا فعلا فخور بيك، طلبت المساعدة، تخطيتى ازمتك ودلوقتي بتقدمى المساعدة، انا معاك يا نارا
_ فهد هيعمل لنا دعاية بين طلبة الجامعة وعلى السوشيال وخلال أيام هنعلن عن تأسيس جمعية كلنا سندك
_ انا عارف أن فى ناس كتير بتحتاج مساعدة مش بس لسبب التعدى لا فى اسباب كتير وانا فى يوم كنت محتاج مساعدة لما فقدت رجلى

نظرت له بدهشة فهذا إذا سبب اختلال خطواته لكنها تراه قد تجاوز ذلك لتبتسم
_ وزى ما احنا الاتنين قدرنا نعدى هنساعد الناس أنها تعدى.

غادرت سريعا فهى تعلم كم انشغاله بمرضاه وقد كانت منهم حتى عهد قريب وبالطبع تعلم مدى احتياج مرضاه له بينما راقب مغادرتها وقد تأكد أنها أصبحت إنسانة سوية تماماً كما أصبح هو ، لقد راوغ كثيرا ووضع العديد من الأعذار لتعلقه بحالة نارا لكنه الأن يرى صورة قديمة لفتاة جاءته ببداية حياته العملية وكانت أيضاً تعانى من اعتداء استمر طويلاً مع صمت تام من قبلها وكأنها بالفعل كانت تبحث عن ذريعة لتهرب من الحياة فبمجرد أن عرض أمامها احتمالية عدم صدقها غادرت عيادته راكضة وحين حاول اللحاق بها وجدها بالفعل تركض تجاه شاحنة بغرض الانتحار وفى اللحظة التي وصل إليها و دفعها عن الطريق صدمته الشاحنة ليسقط تحت العجلات التى حطمت ساقه ليفقده كما فقد المريضة التي أنهت حياتها في المشفى بنفسها أيضاً.

أخبره أبيه مرارا أنه سجن نفسه مع ذنب هذه الفتاة التى اتخذت قرارها وأصرت عليه حتى مع منحها الفرصة الثانية والتى كان ثمنها غاليا للغاية .

هو الآن يرى أنه لم يخطئ مع تلك الفتاة بل هى أخطأت في حق نفسها كثيراً جميع الضحايا قد يدفعهم الخوف والقهر لظلم أنفسهم لكن حين تمد لهم يد العون يتمسكون بها أما من يفضلون الاستسلام فهؤلاء ليسوا أهلا للفرصة من الأساس.

هو يشكر هذه الضحية التى ساعدته على إبراء ندبة تركت تشوها بروحه لفترة طويلة وهو سعيد بالتخلص منها.
لقد مرت سنوات عاقب فيها نفسه على ذنب لم يرتكبه وقد تحرر ويمكنه أن يتابع حياته.

طرق أحد الأبواب وتقدم بهدوء
_ صباح الخير يا دكتورة
_ اتفضل يا دكتور يامن
_ انا مش هعطلك انا بسأل لو تحبى نتعشا سوا الليلة أنا أعرف مطعم حلو اوي

سادت الدهشة ملامحها فهى تعمل معه منذ ثلاث سنوات لم تفلح مرة في جذب انتباهه نحوها حتى كادت تظن أنه لا يرى كليا، نظمت تنفسها وحاولت أن تبدو هادئة
_ تمام يا دكتور بس مش بتأخر عن الساعة عشرة
اتسعت ابتسامته
_ متفقين قبل عشرة تكونى فى البيت

اتجه إلى الباب وأدار المقبض لينظر لها بتردد
_ انت عارفة أن رجلى مبتورة صح؟
_ آه عارفة هى بتوجعك تحب اشوفها؟
_ لا كانت بتوجعنى بس خفت، اشوفك الليلة هنمشى من هنا سوا

………..

جلست نارا بالمكتب الصغير الذى خصصه لها محمد بجوار غرفتها تعمل على ترجمة رواية جديدة ليقتحم سراج المكتب صارخاً
_ انا مش هروح معاكم انا هقعد مع طنط نارا
لحقت به أمه التى أوشكت على وضع جنينها الثانى
_ تصدق معاك حق خليك مع طنط نارا

اتجهت إلى الباب لتتوقف وتنظر إليه
_ بس انا بحبك وانت هتوحشنى

لا تعلم نارا سبب هذا البكاء الذى يلوح فوق ملامح إيثار لكنها اعزت ذلك لتضارب الهرمونات وهى تدفع سراج الذى جلس بالفعل فوق مكتبها
_ انا كمان بحبك وعاوزك تقعدى معايا، خلاص نقعد إحنا الاتنين مع طنط نارا وخليه يروح لوحده

زالت الكآبة وتبددت السحب الحزينة وهى تبتسم ببلاهة موافقة على هذا الاقتراح الأرعن بينما صرخت نارا
_ يا فهد تعالى خد مراتك وابنك من قدامى

غادرا المكتب متذمرين من محاولة تخلصها منهما بينما ابتسمت براحة فهى لم تتخيل أن تحصل يوما على هذا الكم من السعادة لقد كان يامن محقا أخطأت في حق نفسها وهى غاضبة من نفسها القديمة حاليا لذا ستعمل على توصيل الدعم لمن يحتاجه فهى لا تتمنى أن يشعر أحدهم بما شعرت به فى الماضى حين سمحت لنفسها أن تظل هى الضحية.

تمت بحمد الله
الضحية

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصر شامبليون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى