الفصل الثالث
هو في راجل عاقل يعيش مع مراته عشان جسمها حلو، ولما يتغير يقلب عليها، يابني حب الجسد فاني، وحب الروح هو الدايم، افرض كان حصلگ حاجة لاقدر الله، هل كانت هتتخلى عنگ في يوم غزال، ولا كانت هتسيبگ لو شكلگ اتغير؟
ابدا لأنها قبل ما تكون بتحبک، فـ هي بنت اصول وهترضى تعيش في اي وضع، بلاش مقاوحه واعترف انگ محبتش غزال ابدا، لأن اللي بيحب بجد مش بيشوف غير كل حاجة طيبه في حبيبه، ومش بيهمه اي تغير شكلي بيطرأ عليه، لأن حلاوة روحه هي اللي بتكسب يا فؤاد، وانا دلوقتي بقولهالگ انت هتندم ندم عمرک على ضياع ام ابنک، لأنها كانت فعلا حلوه شكلا و روحًا، بس انت للأسف مشفتش حلاوتها واعماک غرورک وبص على حاجة تافهه تعلق عليها غلطتک.
قذفه الأب بوابل من الرصاص دفعه واحده دون رحمه، فكل حرف نطق به بمثابة رصاصه تسربت داخل قلبه، وتركت ندبه تذكره بها طوال عمره، فـ مع كل آسف كلامه محق فيه، فهو يعلم انه خسرها للأبد ولا مجال للعوده بينهما و وصل خيوط المحبه من جديد، فـ جرحه لها عميق عمق بحر احزانها منه، والآن هو الظالم والمظلوم في آن واحد؛ الظالم حين ظلمها وجرحها، ومظلوم حين وقع تحت براثن انسانه حقيره انتهازية اوهمته الحب حتى وقع في حبها، ثم ظهرت حقيقتها عندما فقد شقته وتخلت عنه واهانته.
ظل هكذا تائه لا يعرف للتفائل عنوان يدلف بداخله ليجد طاقة نور تنير الظلام الذي يعيش بداخلة، ويا حسرتاه فهو من تسبب فيه مع كل آسف.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصل والده “محمود” إلى المشفى ليقوم بزيارة “غزال”، دخل إليها وجد والدتها جالسه تنظر لها في حسره، وحين رآته امامها، كانت ستلقي عليه اللوم والعتاب، لكنها تراجعت في اخر لحظة، وابتلعت حديثها داخل جوفها ورحبت به، فـ ابنتها لم تشاهد منه إلا كل خير، ولم تذكره امامها بأي سوء، تقدم نحوها وقال بحرج:
– والله يا أم سند انا ما عارف اوريكوا وشي بسبب اللي عمله فؤاد، لكن هقول اية، شيطان ودخل بينهم، هي عاملة اية دلوقتي؟
رد أخاها بغضب وبحنق:
– والله ما في شيطان غير ابنک، بلاش تظلم الشيطان، لأن اللي عمله المحروس ابنک فاق عمايل ابليس بذات نفسه.
طأطأ “محمود” رأسه في خجل، ولم يجد أي دفاع عن ولده، لكنه قال بنبره حزينه:
– عندک حق تقول اكتر من كده يا سند، وانا والله لما عرفت ما سكتش، وبستفته، بس مقدرش اعرف أن غزال اللي بعتبرها زي بنتي تعبانه ومجيش اطمن عليها.
رد “سند” بضيق:
– لا كتر خيرک، وخير ابنک اوي، عملتوا الواجب وبزيادة.
– اتفضل يا ابو محمود، اقعد كتر خيرک تسلم.
قالت والدته حديثها، ثم نظرت لابنها رادفة:
– عيب كده يا سند، كفاية أنه جه يطمن على اختک، روح هات حاجة يشربها عمک محمود من الكافتيريا.
– كتر خيرک، انا مش عايز حاجه، كل اللي عايزة اطمن على غزال.
– لا ازاي تقول كده، واجبک تاخده ويسلم سؤالک، اتحاک يا سند.
اومأ لها في طاعة وقال موجه حديثة لمحمود:
– قهوتک تحب تشربها اية يا عم محمود.
– مظبوط يا بني.
– تحبي اجبلک معايا حاجة يا أمي؟
– شكرا يا حبيبي، ربنا ميحرمنيش منک ولا من اختک يارب.
قبل جبينها ويدها، ثم القى نظره حزن على اخته، وتركهم ليجلب القهوه، كرر “محمود” سؤاله فأجابت:
– زي ما هي يا حج محمود، بتصحى تصرخ بأسمه، تيجي الممرضة تديها مهدأ تنام تاني، وهكذا، والله مش عارفة اية اللي حصل و وصلها للمرحلة دي؟
– لاحول ولا قوة الا بالله، ربنا يعفو عنها، ويسامح اللي كان السبب.
سمعت رده وصمتت تقديرا له، لكن بداخلها كان تريد التحدث بالكثير والكثير، جاء “سند” و وضع القهوة امامه، وقال بعتب ولوم:
– يرضيک اللي عمله ابنک يا حج محمود؟ وكمان لولا ان جارتها جت نبهتنا كان باع شقتها بكل جبروت؟
هو ده تصرفات ولاد الأصول؟ هو فاكر أن ملهاش ظهر يحميها وياخد حقها، اقسم بالله أنا لولا عامل حساب لحضرتک كنت اتصرفت تصرف تاني خالص.
ظهر الدهشة والتعجب على صفحة وجهه، ابصره قائلا بنبره غضب:
– هو كان عايز يبيع الشقه كمان؟
– انت متعرفش؟
– والله يا بني انا لسه عارف دلوقتي حالا، وقالي انک اخدت الشقة منه، بس معرفش بكل ده؟
زفر أنفاسه الحارقه وضرب “سند” بكفيه فوق بعضهما متعجبًا ثم قال:
– يانهاري على قلب الحقايق، هو أنا اخدتها من نفسي كده، مش لما عرفت أنه عايز يضيعها ويبعها، وحق اختي وعفشها يروحوا، عقل ابنک ياحج محمود، وقوله عيب اللي بيعمله في بنات الناس، لأن دي مش تصرفات رجاله ابدا.
شعرت أمه بمدى الخجل الذي أصبح فيه الرجل، فاشفقت على حالته، فوجهت حديثها لابنها رادفة:
– بزياده يا سند، الراجل ملوش ذنب في عمايل ابنه، بلاش تحمله فوق طاقته، كل واحد ربنا هيجازية عمايل ايده.
وانت ياحج متشكرين على سؤالک، منجلكش في حاجة وحشه.
رد “محمود” والعرق يتصبب من جبينه من شدة الإحراج الذي وضع عليه من نتاج تصرفات ابنه، وقف وصافحهم، ثم تقدم من “غزال” وقبل جبينها ودعا الله أن يتم شفاءها على خير، ثم انصرف، وحين خرج زفر “سند” انفاسه بحرقة وقال بغضب:
– انا مش قادر اصدق اية الناس دي، صنفهم اية؟ عندهم دم بيجري في عروفهم كده زينا؟ ولا اللي بيجري ده ميه بارده ؟ ربنا يحفظنا منهم.
– يابني الامور مش بتتاخد كده، بلاش تحط كل الناس في كفه واحده، وتقسهم بنفس المقياس، الراجل عمرنا ما شوفنا منه إلا كل خير، واختک كانت بتحبه جدا، وبتعتبره زي ابوها، العيب على ابنه، هو ملوش ذنب.
– ازاي ده يا أمي، هو مين اللي رباه، مش هو؟ يبقى مذنب ولا لأ؟!
لو علمه أن الرجوله أنه يحافظ ويصون زوجته، ويشلها تاج فوق راسه؛ مكنش ده يبقى حالها؟!
اختي عمرها ما اشتكت، كانت طول الوقت بشوفها تدبل قدام عيني، ولما اسألها تقولي الحمل بس تعبني يا اخويا، يسلملي سؤالک يا سندي، أقول يمكن تكون كده، لكن قلبي طول الوقت كان قلقان عليها، واهو يا أمي قلبي مخيبش ابدا، واتاريها يا قلب أخوها كانت بتتألم في صمت عشان متزعلناش.
هزت والدته رأسها مأيده حديثه، ثم ردت هاتفه:
– عندک حق يا سند، اختک كتومه اوي واي حاجة بتضايقها بتكتمها جواها وتخبيها عن الكل.
– وده سبب كمان في تعبها، كتر الكتمان اللي عايشه فيه خلاها يا حبيبتي تطب ساكته، منک لله يافؤاد اللهي لا تكسب ولا تشوف سعادة في يوم على ظلمگ للمسكينة دي.
أنهى كلامه وسمعان صوت انينها المتألم بصوت خافض، ودموعها الغزيرة المنساقه على وجنتيها تروي وسادتها، اقتربا منها الاثنان، وعندما فتحت مقلتيها، ارتمت في حضن اخاها تبكي بحرقة من وجعها الذي تشعر به، بكت والدتها من أجلها، اشتد “سند” في ضمها وقال بنبرة متحشرجة باكيه:
– بكفاية دموع على واحد ندل مايستهلش دمعه واحده تنزل عليه، ارحمي نفسک يا غزال، فوقي لحالک عشان ابنک محتاجلک، وامگ اللي عينيها ورمت من البكا عشانگ، انا جنبگ وفي ظهرگ، سندگ اللي عمره ما هيسيبگ ابدا، عشان خاطرنا ارجعي تاني تنوري دنيتنا.
– اسمعي كلام اخوكي يا غزال، يرضيكي أموت بحسرتي عليكي يابنتي، حرام اللي بتعمليه في حالگ ده، انا قلبي وجعني عليكي.
رفعت بصرها تنظر لهما بعينان حمراء من أثر البكاء، ثم اخفضتهما في حسرة وحزن، كم تمنت أن تصرخ وتقول لهما عما تشعر به من ألم، تقول لهما حديثه الذي القاه على مسامعها، وما تسببه من جرح داخلي يصعب التئامه في يوم؛ لذا صمتت، وعند هذه اللحظه قررت عدم البوح والحديث، فـ أحيانًا يكون الصمت ابلغ لغة لا يفهما البعض.
جفت الدموع وتصحرت المشاعر من الجفاف، وبقى الحزن والنزيف ينزف في صمت، وآنينها هو من يعلو حين تكون بمفردها، باءت كل محاولات الجميع في جعلها تتحدث وتقص عما في جوفها، قذفت كل الآمها واوجاعها داخل بئر عميق وابت ان تخرجه لأي بشر، كانت الأيام كلها تتشابه، ولا يوجد يوم مميز، كل لياليها سوداء مثل عيونها لا ترى اي وميض يضئ لها نور الصباح، الطعام تتناول منه قليل القليل، تحيا على هامش الحياة، سؤال فقط يراودها ولا تجد له إجابه، لماذا اقترب منها وحاول كثيرًا للنيل من قربها، وبعد أن تملكها قذفها بأبشع الكلمات قسوة؟ لو لم يحبها لما تزوجها؟
زاد سخطها على روحها وكرهها لنفسها أكثر مما كان، فكرت مره ثانية في الانتحار، وذلگ حين لمحت بعيناها مشرط صغير وقع سهوًا من الممرضة على الأرض، كادت ان تلتقطه وتخبئة، لكنها تراجعت في اخر لحظة، فـ الذي اوقفها كان أكبر من كل اوجاعها؛ جعلها تتمسگ بالحياة برغم كل شيء، وكيف لا وهي صور احب اشخاص داخل قلبها، صغيرها، والدتها واخاها، هم كل ما لها في الحياة، فـ اختارتهم في اللحظات الاخيرة.
وفي ذات يوم جلست الطبيبة “آلاء” بجانبها تحاول التحدث معها ربما تتقبل اليوم، لكنها ما زالت على عينادها في عدم التحدث، فقالت لها وهي تقدم لها مجموعة من الورق، وقلم هاتفه:
– انا النهاردة مش هتكلم معاكي زي كل يوم، لكن هقترح عليكي اقتراح واتمنى انگ تنفيذيه.
لمحت الفضول في عيناها الكحيله تسألها فاجابت:
– هقولگ، عايزاكي تحاولي تخرجي كل اللي جواكي يا غزال على الورق، ايوة ماتستغربيش، أنا عارفة انگ كتومه جدا ومش بتحكي لاي حد مشاكلگ ولا احاسيسگ، فـ اية المشكلة انگ تخرجيها على طيات الورق، صدقيني تجربة تستحق انگ تجربيها واكيد هترتاحي.
الكتمان غلط يا غزال، انگ تفضلي تضغطي على نفسگ وتحويشي كل اللي بيضايقگ جواكي، زي بالظبط ما بتجيبي بلونه وتفضلي تنفخي وتنفخي فيها وهي بتكبر، وانتي مش مدياها اي منفذ تخرج الهوا، منتظره منها ايه غير إنها تفرقع.
وده اللي حصل معاكي يا غزال، نفسي عن كل اللي وجعگ وخرجيه، واياكِ انگ تكتمي مره تانية، أنا هقوم دلوقتي وهسيبگ تفكري في كلامي.
نهضت من مجلسها ونظرت لها تبث لها القوة والثقه، ثم اولتها ظهرها واقتربت من والدتها الجالسه حزينة من أجلها وقالت:
– وجودگ يا حجة ملوش اي لازمه، ياريت تديها مساحه أنها تساعد نفسها وتخرج من عنق الزجاجة، وتنطلق وتبقى انسانه جديدة غير غزال الضعيفة المستسلمه لقدرها.
– بس قلبي مش هيقدر يا دكتورة اسبها.
– لازم تقدري، وتعالي في وقت الزيارة شوفيها، لو سمحت ده هيكون لمصلحتها، ياريت تساعديني في علاجها.
ابصرتها والدتها في حنو، وتنهدت بحزن لحالها، ثم رمقت الطبيبة بقلة حال واومأت بالموافقه، تبسمت “آلاء” لها وانصرفت تباشر عملها، بينما والدتها اقتربت من “غزال” وقالت:
– على عيني اسيبگ يا حبيبتي، بس عشان تتحسني وترجعيلي من تاني، وحيات غلوتي عندگ ارجعيلي يا بنتي، ابنگ مستنيكي.
رأت “غزال” الدموع والحزن ساكن مقلتيها، حزنت اكثر من آجلها، ودعت الله ان يزيح عنها كربها وخوفها، قبلتها الأم وتركتها تفكر وتفكر فيما تفعل؟
هاتفت والدتها ابنها الذي كان بالقرب منها، واخذها متوجهان لمنزل “غزال” فقد صممت الأم على ذلگ؛ حتى تثبت حق ابنتها في الشقة، وطلبت من “سند” أن ياتي بأسرته ليجسلوا معها حتى تشفى ابنتها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
عيناها تبحلق في الورق بشده، تشعر بأن هناگ شيء يجذبها، قوة خفيه تجعلها تتقدم نحوها وتمسگ بالقلم، وعقلها يعيد عليها ما مضى من شريط ذكرياتها المليئ بالاحزان المؤلمه منذ صغرها، امسكت بيد مرتعشه القلم محتضناه بين أنامل راحتها، لتكتب مكنون صدرها و لتفرغ داخل طياته ما تشعر به من حمل وهموم تكاد ان تفتك بها، ربما تجد حل لتفريغ ما بجوفها، سردت بدون أن تكون واعيه لما تكتب قوة خارجية اجبرتها …
كان الحبر الذي يخط على الأوراق ما هو إلا حروف من الألم، نزيف أوجاع وآهات سنوات كثيرة مضت، ولم يتوقف هذا النزيف لحظة، كيف تطالبها أن تقص ما تجاهد روحها بأخفاءه ونسيانه؟ فـ هي تريد ذاكره غير ذاكرتها لتبدأ من جديد، فهي حقًا تكاد على حافة الانهيار….
نعم أنا “الغزال الباكي” الذي يبكي على حاله في صمت دون أن يرآه أحد؛ حتى لا تضعف كل قواها و تنهار، لقد كتمت كل ما أشعر به حتى لا أحمل من أحب همومي واحزاني، أعلم أن لـ كل منا يأخذ حظ من اسمه؛ إلا أنا فـ اسمي هذا كان أكبر مشكلة في حياتي، وسبب كل وجع عشته في يوم !!
غزال ولم أخذ منه شيء إلا العيون السوداء العميقة، عيوني التي كانت تبكي دائما طوال الوقت، أما الجسد فلا يمس له بصله… أنا الفتاة الممتلئة التي كم عانت من (التنمر) منذ أن كانت طفلة صغيرة، قد يظن البعض أن سبب هذا الامتلاء هو تناول الطعام بشراهه؟!
لكن الإجابة ليس بذلگ، قد كان جسدي يزيد بمجرد أن اشتم رائحة الطعام، لم يكن لدي أصدقاء حمميين، لأنهم بكل بصراحه لم يرغبوا اللعب معي لثقل جسدي، وقلة حركتي، تعودتُ على الإبتعاد والتقوقع داخل جسدي الممتلئ، لم احاول طوال سنوات دراستي أن أقترب من احد، ومرت سنوات عمري هكذا وحيدة، وحينما كبرت ودخلت المرحلة الجامعية حاولت بكل الطرق أن اخفي ديفوهات جسمي بارتداء المشد، واختيار الملابس الغامقه التي تخفي الكثير من المناطق الممتلئه، حتى اظهر بمظهر لائق، بعد أن فشلت في عمل نظام غذائي، حاولت كثيرا ومع كل مره افقد فيها الوزن؛ أعود مره أخرى لدرجة أني يأست من الحياة… لا اخفي عنگ أن أسود لحظات حياتي كانت تمر عليا في المناسبات والأعياد، حينما اذهب لشراء ملابس جديدة، كل الأطفال يفرحون بها، إلا أنا لم أشعر بطعم السعادة؛ عندما كانت عيناي تقع على ملابس تنال اعجابي، وحين ارتديها لم تكن على مقاسي، كنت ابكي في صمت، وارضى بأي شيء اخر لم يكن على هوايا، كرهت روحي، وزادت كرهي لها مع الوقت، لم تكن طفولتي سعيدة مثل باقي الأطفال، لم اعشها واشعر اني سعيدة امرح مثلهم واركض والعب في مرح، واركب الارجوحه وتعلو بي واقهقه مثلهم، كم تمنيت أفعل ما يفعلون، العب في الطرقات كل العابهم، لكن منعت من التمتع بهذه الرفاهية، فهم كانوا يرفضون، وأنا لم أستطع مجارتهم فيما يلعبون؛ لذا قررت النظر والمتابعه من بعيد، والحسرة تنهشني وتمزقني، كل هذا ولا أشكو لأحد، اسجنة بداخلي في كتمان.
ابتعدت عن الجنس الآخر، خشيت أن اجد من احداهما البغض والتنمر؛ حتى جاء اليوم والتقيت صدفه بـ”فؤاد” والتف من حولي ونسج خيوطة رفضته في البداية، تسرب الخوف بداخلي خشية أن يدق قلبي له ويتعلق بحبال الهوى، وفي النهاية يكون الجرح من نصيبه، لم ييأس حاول التقرب مني لأكثر من سنه، شعرت بصدق حبه ومشاعره، خصوصا أنه مع ازديادي لرفضه؛ يزيد من محاولاته لي، وقعت في شباگ صياد ماهر اصطبر على شباكة حتى جذبها وكانت مملوءه بالخير، عشت معه اسعد فترة خطوبه، اوهمني الحب بجنون، تزوجنا بعد التخرج بعام، عملت معه في نفس شركة الديكور، لكنه طلب مني أن اتفرغ له بعد الزواج، اخذت اجازة بدون راتب لألبي مطلبه، برغم اني كنت متفوفه جدا بشهادة الجميع، لكني كنت سعيدة أنه راضي عني، وسعادته كانت بالنسبه لي هي السعادة الحقيقية، تخيلت أن سعادتي ستكتمل بوجودي في منزله، لكن الذي حدث غير ذلگ…عشت العذاب والحرمان منه طوال فترة زواجي منه، والحرمان بدأ منذ أول ليلة نزعت فيها ملابسي، وبدت بشكلي بدون اي مشدات تخفي ديفوهاتي، لمحت منه نظرة لم استوعبها بعد، لكني اخفيتها ولم ابالي، اقترب مني وتقابلنا في لقاء حميمي انطفى توهجه سريعًا، ويوم بعد يوم واكتشفت بوجود بذره داخل احشائي من حبيبي، كم سعدت يومها، لكنه استطاع بنظرته التي لم انساها بعد أن يوأد تلگ الفرحة ويقتلها، مرت شهور الحمل صعبه، لم يقترب مني خلالها الا عدد مرتين او ثلاثة، والحجة أني مجهده ومريضة، وكانت الطامه الكبرى في تعامله معي، فقد تفنن في تجريحي بالكلمات، كان يذبحني ويطعني بحروفه القاسيه كلما رآى وجهي بعد الولاده و زيادة وزني أكثر مما كان عليه، فلم يرحمني… لم يكن رقيقًا في مطالبته بانقاص وزني، كم اهانني لدرجة جعلتني اتمنى المرض حتى ينقص وزني !! نعم كل ليلة تمر علي اتمنى أن يصيبني مكروه حتى افقد وزني، كلامه الجارح بإستمرار؛ جعلني اتناول الطعام بشراهه، وصل الأمر معي للعند، بعد ما كنت اسمن بدون تناول طعام بزياده؛ أصبح العكس اكل بشراهه كل ما يجعل وزني يزيد، كبرت معدتي، وتعدى وزني المائه بكثير، كرهت النظر لمرآتي، دائما ارتدي ملابس فضفاضة، لا أستطيع ارتداء داخلية لسوء شكلي بداخلها، اصابني اكتئاب شديد، تناولت عقار مضاد للاكتئاب كتبه لي طبيبي الخاص، كل هذا وزوجي المبجل لا يشعر بي وبما اعانيه، ولا يسأل لماذا اصابني كل هذا؟ كل الذي يكتفي به هو توبيخي على زيادة وزني بنظرات ذابحه و كلمات جارحه، وأنا استمع واصمت، واخزن بداخلي واكتفي فقط بالبكاء على ما وصلت إليه، لكن حين رآيته وعلمت بخيانته لي، لم أستطع الصمت واجهته، ويا ليتي لم افعل ذلگ؟!
كانت قسوته وكلامه يفوق كل الوصف، جلدني بسواطه الحديدي دون أن يلمس جسدي، حروفه كانت من سهام مسمومه رشقت داخل فؤادي وجرحته ومازال ينذف حتى الآن!!
لم استطع مواجهة روحي بتلگ الحقيقة، نظرت لمرآتي فلم اتعرف على انعكاس صورتي !!
لم أرى “غزال” فتلگ الواقفه هيكل مشروخ، مكسور لا يمس لي بشيء، لا أعرفها ولا أحب أن أعرفها، فـ أنا لا أستحق العيش؟! ولمن أعيش واقرب انسان لقلبي يطعني في انوثتي، وسبب في كرهي لنفسي، قررت ان اثأر لغزال، واريحها من كل هذا العذاب، لذا عزمت على الانتحار، ربما يكون هو الحل لمعانتها، وكان “فؤاد” ما هو إلا سبب، لكنه مع كل آسف انقذني وعودت من جديد في هذا العالم الغريب، حزينة.. مجروحة.. خائفة… وحيده برغم الكثير من حولي، شعور مميت لم استطع تقبله حين شعرت أني لا املئ عين زوجي !! لحظتها ايقنت أن الموت هو السبيل لراحتي، وسأحاول حتى انول مرادي.
لا انكر انه كان اول من دق له جدران قلبي، احببته بجنون، لكنه لم يحافظ على هذا الحب وسحب الرصيد حتى نفذ.. وترك مكانه نيران غدره تحرقني بدون رحمه، فنيت روحي من اجله، لكنه لم يقدر كل هذا الحب، وبادلني قسوة، انانيه وغدر لم يقدر قلبي على تحملها…
وضعت يدها على قلبها تواسيه، ثم حررت القلم فلم تسطع تكمله، وتذكرت حديث سندها اخاها وما القاه عليها بضرورة التمسگ في الحياة من اجله، ومن اجل ابنها ووالدتها، اغمضت مقلتيها وشردت في صوره تكونت بداخلها، صوره جعلت فؤادها يرق ويشتاق لصغيرها، نعم هي تحتاج للمسة يداه الصغيره، تستمد منها القوة فهي في اشد الاحتياج لها، ولضمه داخل احضانها، واستنشاق عبيره، طفلها هو القوة الخفية التي تجعلها تقف وتصمد أمام كل الامها، تناولت القلم لتسرد من جديد حروفًا تكاد تكون طاقة أمل جديدة، فشق الحزن جدران قلبها، فنشق من تلگ الشقوق هلالا مولودا جديدا، وكأنه يواسي كل وجع سكن اضلعها، فصغيرها هو من سيجعلها تتمسگ بهذه الحياة وتعود من اجله.
اغلقت اوراقها و وضعتها بجانبها، ثم تمددت لتصمت هذا الضجيج الذي يعلو صوته داخلها ولا تستطيع اخماده، او اطفئت تلگ الحمم الثائرة المتوهجه مهما حاولت، أغمضت جفونها لعلها ترى صورة “شادي” بداخلهما لتكون اخر ما رأته قبل أن تنام.
وإلى هنا تنتهي احداثنا عند هذا الحد لنتعرف غدا ماذا ستخبأ الأيام لغزال؟ وماذا سيفعل فؤاد معاها ؟
كل هذا واكثر مع روايتي المتواضعة
” الغـــزال الباكــــي ”