اشتقتُ إليگ يامن سكن في احشائي شهورًا وليالي طوال..
اشتقتُ لصوت بكاءگ يقيظني من غفوتي، فـ اعانقگ داخل احضاني، فيهدأ صراخگ وتتحول حمل وديع، الاغيه وادندن له اعذب الكلمات….
آآه وآآه على قلبي الذي ذبح بفراقگ حبيبي…
يا ليت العمر يتنتهي َوتصعد روحي إليگ، فمن أجلگ تحملت الكثير، والآن تهون الدنيا وانا حرمت عيناي من ضي نورگ حبيبي…
الفصل الثالث عشر
بحديثه هذا ابكى “سند” كل الواقفين، فزادت بكاء”غزال” فجفف الشلالات المنسابه من مقلتيها، ونهضت معه لتستقل سيارته، وهناگ عيون دامعه، ترمقها وقلب يذرف دم من اجلها، كم كان يتمنى أن تكون احضانه هي موطنها الذي تلجأ إليه، وهو من يخفف الآمها ويجفف ادمعها، لكنه ليس من حقه التقرب من نيرانها حتى يطفئها، ويبدل كل هذا الحزن لفرحه.
وصلوا إلى منزلها وصعدوا لأعلى، وحينما شعرت بهما جارتها “هناء” فتحت بابها لتقوم بواجب العزاء، معتذره لعدم ذهابها معهم للمدافن؛ حيث فضلت المكوث لاعداد الطعام لهما، شكرتها الأم بشده، واعتذرت لها على قبول الطعام، لكنها اصرت وجاءت بصواني الطعام تضعها على المائدة قائلة:
– بألف هنا وشفا يا طنط، انا قولت اجهز حاجة بسيطة كده مش اد المقام، اكيد محدش اكل من ليلة امبارح، والبقاء لله ربنا يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويلهمكوا الصبر، قلبي معاكِ يا غزال، كان الله في عونگ حبيبتي.
لم تقوى “غزال” على الرد بصرتها بضعف وأعين دامعه وتقدمت للداخل بخطى بطيئة مرتعشة، فـ ردت والدتها بإمتنان بالنيابة عن ابنتها:
– والله يا هناء انتي كل شوية تطوقينا بجمايلك، كتر خيرگ على تعبگ معانا.
– متقوليش كده ياطنط، الجيران لبعضها وإحنا اكتر من جيران، والباب في الباب، وسامحوني مره تانية أني محضرتش معاكوا الدفنه، ويارب يجعلها آخر الاحزان، عن اذن حضرتك.
انصرفت ودعت الأم الجميع للمائدة للطعام، وتحت الحاحها تقدموا والكل ادعى الاكل، إلا “غزال” كانت في غرفتها محتضنه لعبة من العاب صغيرها تبكي في صمت.
أنصرف كل من “آلاء” و “أمان” إلى مبتغاهم والحزن يكسو وجههما، والصمت سائد، وصوت آيات الذكر الحكيم صوتها يعلو من المذياع، يستمعون له في خشوع، تبكي في صمد فبكاء “غزال” وانهيارها ذكرها بهذا اليوم الحزين في حياتها، وعاشته مره اخرى بكل أوجاعة والآمه، لذا فهي أكثر الناس تشعر بما تعانيه، لذلگ احبت أن تتركها تأخذ وقتها في الحزن، لعلها تفرغ كل ما بداخلها من حزن وتفيق؛ وإذا استمرت وطالت مدتها ستحاول معها وتتدخل في الوقت اللازم.
وحين وصلت إلى البناء الساكنه بداخله، اوقف السيارة ورفض أن يصعد معها، وتركها لينفرد بروحه فهو يريد البقاء بمفرده؛ حتى لا يراه أحد في هذه الحاله.
صعدت لشقتها في هدوء، لم تستطيع الجلوس بجوار والدها، فحالتها لا تسمح بالحديث، ففي القلب وجع السنين، دلفت داخل غرفتها ورمت بثقل جسدها على فراشها تبكي على حبيب خطفه الموت من احضانها فجأة في لمح البصر.
اخرجت اااه من آلام الفراق ولوعته، متذكره حين تركت مدفنه وانصرفت؛ شعرت حينها بأنسحاب روحها من جسدها، ما أقساه شعور حين يشعر الانسان بخروج روحه من جسده، ويبقي جسد بلا روح.
فكل يوم، وكل دقيقه تذكره، لم يحرمها بعاده أن تراه في أحلامها كل ليلة؛ فتشكو له وتقص عن عذابها، وقلة حيلتها.
فتصحو من نومها وتشعر بأن عطره بداخلها تتنفسه؛ ينشرح قلبها لذكراه.
فماذا تقول وتصف تلگ الام، وما أصاب فؤادها من طعنات بعاده.
نزيف اهاتها مازال يصرخ، ويبكي عليه من لحظة رحيله عن روحها.
سمع والدها نواحها و وقف على بابها المغلق بقلب يتألم من أجلها، متردد في الدخول، يود ان يأخذها في احضانه، لكنه في نفس ذات الوقت قلبه يتعبه لحالتها ولا يوجد شيء يفعله من أجلها غير الدعاء بأن يهدأ رب العالمين نيران حرقة قلبها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
سار في طريقة بلا هدف او عنوان، كان مثل الأسد الجريح.. مجروح لها ومن أجلها؛ فكل دمعه تتسلل وتنحدر من مقلتيها؛ كانت جمرات نار تحرقه قبلها، ولكنه لا يستطيع الاقتراب منها ومساندتها، كأن الظروف تعانده وتبعده عنها بعدما كان يظن انها اقربت بعد ان فقدت الكثير من وزنها واستردت ثقتها بنفسها، كان بينهم فقد خطوات ويتشجع لطلب ودها، لكن الآن ابتعدت بعد الشرق عن الغرب، ولا يعلم متى ستتحسن حالتها ويعود الأمل له من جديد، زفر انفاسه بغضب، وقبض يده وضرب مقود سيارته لاعنًا كل الظروف التي تبعده عن غزالته الحزينه الباكية.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
كان “فؤاد” يباشر عمله بذهن شارد يفكر في صحة والده، فقد هاتفه أكثر من مره ولم يجد رد منه، خشى أن يكون ازداد مرضه، فكر أن يهاتف طليقته؛ لكنه لم تأتيه الشجاعة لفعل ذلگ، انتبه لصوت زميل له في مكتبه يبلغه بأن المدير يريده لأمر هام، ترگ ما في يده، وهندم ملابسه، وارتدى جاكت بذلته وتوجه إليه، وحين وصل سأل السكرتيرة قائلا:
– في حد عند المدير؟
اجابته “سارة” بصيغه رسميه بوجود العميلة “ام عبدالله” في انتظاره، وحين سمع بحروف اسمها زفر بضيق من تلگ السيدة التي من وقت طلاقها وهي تطارده، وسبق أن رفض التعامل معها واعتذر، لكنها لم تبالي وكررت طلبها وجددته من جديد، كيف له أن يخبرها بأنه عزف عن كل نساء الكون من وقت جرح قلبه ممن احبها وخدعته، بل طعنته بخنجرها المسموم، لقد كره كذبهن وأصبح لا يثق في جنس حواء، قلبه اغلق ولا يريد فتحه مرة ثانيه، لكنها لم تيأس في التقرب منه برغم الفارق العمري بينهما، إلا ان وسيلتها اغراءه بالمال من جهه، ومن الجهه الاخري بحسنها ودلالها المبالغ فيه، زفر نفسًا عميقًا دلاله على شدة غضبه وطرق عدة طرقات وحين اذن له بالدخول، انفرج بابه وجدها جالسه واضعه ساق فوق الاخر، وفي قمة اناقتها، متزينه بمستحضرات التجميل التي تزيد من جمالها، وتخفي علامات السنين على وجهها، شعر بالاختناق عندما دلفت قداماه من انتشار عبق عطرها الفواح في المكان، حلل عقده عنقه، فهو لا يحتمل وجوده برفقتها في مكان، وحينما طال صمته اشار له بالجلوس، ثم قال:
– الحاجة ام عبدالله جت النهارده مخصوص عشان عايزاگ تغيرلها ديكورات الفيلا بتاعها.
– لكن أنا عندي شغل كتير معايا الفترة دي يا فندم.
– الشغل ممكن يا فؤاد يتوزع على باقي المهندسين، لكن منقدرش ابدا على زعل الحاجة.
– تسلم بيض الله وجهگ اخي.
اني ابغى يا بشمهندس فؤاد تغير كامل في شكل الفيلا، ابغى احس اني بالجنة والله، ولا تحمل هم للمصاري، اصرف كيفا تريد، اني بثق في ذوق العالي.
قالت حديثها وهي تحدقه بنظرات اعجاب ولها مخذى لا يفهمه إلا رجال مخضرمه، شعر بالاحراج من ملاحقتها له، تنحنح وقال معتذرا:
– أكيد يسعدني يا فندم أني اتعامل مع حضرتگ، لكني فعلا مضغوط جدا، وفي هنا في المكتب زملاء افضل مني.
نظرت للمدير الجالس تحدقه بغضب، وأنه لا بد عليه أن يحسم الموقف، فقال له بحده:
– فؤاد الموضوع منتهي، قولتلگ الحاجة طلباگ بالاسم، والشغل هيخف من عليگ بس انت اتفرغ لديكورات الفيلا، احنا منقدرش على زعل الحاجة ابدا.
شعرت بالانتصار قليلا، ونهضت مصافحه اياه وقالت له بنبرة هامسه:
– تكفى يا فؤاد، بتچي الحين معي ترى الفيلا على الطبيعة.
تحرگ معها لأسفل على مضض، فهو يعلم ما في جبعتها تجاهه، لكنه كيف لها ان يبلغها بأنه لا فائدة مما تفعله معه، تحركت نحو سيارتها الفارهه، وحين لمحها السائق، تحرگ بخطى سريعه يفتح لها الباب الخلفي ليجلس بجاورها “فؤاد” ثم اغلقه وتوجهه جالسًا على مقعد السائق وساق متجهًا إلى مكان مسكنها، كل هذا حدث ولم تنتبه لتلگ الأعين التي تحدقها في الخفى، وتسير خلفهم دون ان يلاحظها أحد.
وبعد حوالي مرور ثلاثون دقيقه وصلت السيارة امام فيلا شديدة الفخامه، ترجلان ودلجان للداخل، تقدمت امامه تسير بغنج قائلة:
– يا هلا ياهلا بيگ انرت يا بشمهندس بيتي.
تقتربت منه اكثر وهي تشاور له في كل ركن من اركانها، وما تريد فعله، كان يتابع بأعينه عليها ويجزم بأن هذه الديكورات غاية من الروعة والجمال ولا تحتاج لأي تجديد، انتهت مما تريده في تجديد الهول، ثم قالت بعينان لامعه:
– تعالي معي لنصعد للچناح فوق لترى غرف النوم.
صعد معها لأعلى بدقات قلب متسارعة لا يعرف سبب لها، وعندما دخلت لغرفة نومها، سمعان صوت جهور أسفل، وما أن وصل إليهما خرج “فؤاد” يستطلع الأمر، كان هذا الرجل يعلو بصوته من سباب، كاد أن يرد، لكنه تلقى لكمه في وجه اسقطته ارضًا، فصاحت الحاجة بصوت جهور:
– ايش فيگ يا ابا عبد الله، هل چننت في عقگ، كيف تدخل من دون إذن، انت ما عندك علم كيف دخول البيوت ، ولا تستحي على وچهگ؟
– وانتِ كيف تتصرفي متل الصغيرات المراهقات، وانتِ إيش تسوين معه في غرف النوم؟
– اعقب واچفل خشمگ يا مغبول، اني مَره حره، ما ليگ حكم علي.
امسكها من رسغها بعنف، وكاد أن يمد يده عليها، لولا أن نهض “فؤاد” وتعدى عليه بالضرب في غفوه منه، رد عليه اللكمات بكل غضب وتبادل الضربات، فغفله الرجل بركله قوية بكل قوته في مكان حساس لدية، تعالت صراخات “فؤاد” متألمًا تحت انظارهما، ركضت الحاجة نحوه ومالت لتتفقده، فرمقها الآخر بغل قائلا:
– ادينى خليته لا ينفع ليكي ولا لغيرگ.
– انت فعلا مچنون… مچنون.. اقلب وچهك، كان يوم لا يظهر له شمس يوم ما تچوزتگ، تركت لگ كل البلد عشان ابعد عنگ، وانت برضو جيت ورايا، أهرب منگ على فين، منگ لله يا شيخ.
نظر لهما بإحتقار شديد، ثم انصرف، وهي ظلت تتفحص الجالس يآن من شدة الألم، صاحت منادية على السواق الذي أتاها على عجل، واستند “فؤاد” على كتفه وتوجه به للمشفى.
حين وصلوا صاحت في الجميع وحاله من الهرج والمرج لقدومها نظرا لمكانتها العالية، دخل غرفة الكشف، وتم عمل اللازم له من تحاليل ومفحوصات، فقد كان الألم في هذا المكان الحساس جعله يصرخ طوال الوقت، يتألم بشده.
خرج الطبيب بعد مده وقال وهو يشفق عليه:
– من الواضح أن الضربة مع كل آسف كانت قوية جدا، لدرجة تسببت في كدمة داخل منطقة حساسة لدية مما أدى إلى حدوث تجمع دموي يضغط على النسيج السليم وتسبب في ذلك إلى تهتك جزء من الأعضاء التتاسلية ، مما يترتب عليه عدم مقدرته على التزاوج والإنجاب.
حين سمع “فؤاد” قول تشخيص الطبيب، اعتلته الصدمه، شعر أنه انتهى للأبد، اصبح مثل الأرض التي اصابها العجز واصبحت بور ولم تنبت ثمارها من جديد، قالها هذا الرجل ولكنه حينها لم يفهم معنى حديثه، والآن استوعب جيدا أنه حكم عليه بالإعدام، وفقد رجولته، وحكم عليه أن يترهبن مدى الحياة.
اشفقت عليه الحاجة، وحاولت أن تواسيه، لكنه آبى أن يسمع منها أي حديث، وقال في انهيار لها ابشع الكلمات وعندما سألها عن هويته، علم أنه طليقها ويغار عليها بشده، ودائما يلاحقها في كل مكان، ووعدته أنها ستجلب له حقه وتدفعه ثمن ما فعل به، فرد عليها بأنه لا يريد منه شيء، وكل الذي يحتاجه أن يتركوه في شأنه وفي مصابه، لكنها صممت بأن تعوضة على ما خسره بسببها، انصرفت لتتركه ليأخذ قسط من الراحه.
توجهت لطليقها تهدده بنفوذها بأنها ستقاضية في المحاكم وتشهر بسمعته، وحين شعر بصدق وقوة حديثها، سألها عما يرضيها، امرته بكتابه شيگ بمبلغ كبير تعويضًا عما فقده بسببه، رضخ لقولها، فهو يعلم بأنها قادره على تنفيذ ما تهدد به، اخرج دفتر شيكات وكتب له مبلغ باهظ، وقدمه لها، وحين نظرت له تبسمت وقالت:
– ترى هذا اخر انزار لگ يا ابا عبدالله، و لو اتكررت منگ وتعرضت الي، والله ما تدري راح اسوي معگ يا ابا عبدلله، الزم حدودگ، وكف عن مطاردتي، فالذي كان بينتنا صار وانتهى، انساني الله لا يرضى عليك، وياريت ما تريني وچهگ من تاني.
انصرفت واغلقت الباب بحده، ثم ذهبت إلى منزلها، لتبدل ملابسها وتحاول أن تستريح، وتفكر في اعادة اوراقها من جديد بعد كل الذي حدث وصار لمن كانت تود التقرب له، سبت طليقها وما فعله فيه، ولعنت بداخلها غباءه وسوء تصرفه الحمقاء.
كان “فؤاد” حزينًا باكيًا لمصابه، هو نعم كان لا يريد أن يتزوج مره ثانيه، لكنه في ذات الوقت شعر بفقدان رجولته، وهذا ليس أمر سهلا على أي رجل، فقد حرم من نعمه الإنجاب مره ثانية، وايضا نعمه الزواج بأن تكون في حياته زوجه يؤنس بها وحدته، فمن ترضى به الآن وتتحمل مصابه، وتضحي بأن تكون زوجة اسمـًا لا فعليـًا؟ لا يصدق عقله الذي جعله يتذكر زوجته سابقًا؟ فهل ترضى به بعد كل الذي صار بينهما من جروح؟
هل إذا عاود لها وطلب السماح والغفران، ستستجيب؟
هل ستمنحه الحياة التي كان ينعم بها من قبل، وتمرد عليها بكل قسوة، وهدم المعبد فوق رأسه ورأسها، ولم يهتم بمصلحه صغيره؟
صغيره الذي عرف بقيمته الآن؛ فهو من تبقى لدية وهو من سيكون تذكره مروره من جديد لوالدته ولم الشمل مره ثانيه، فعليه بالاهتمام والسؤال عليه، حتى إذا حتم الأمر عليه أن يتواصل معها او مع اهلها، الآن فقط اشتاق له ولصورته، تمنى أن يراه، فكر انه حين يتشافى سيطلب من والده أن يطلب من “غزال” تأتي لمنزل والده ويطلبه ويرى صورته في فيديو يقوم والده بتصويره له، حتى يحتفظ به كلما اشتاق لرؤيته.
استيقظت الحاجة “ام عبدالله” مبكرًا وتوجهت إليه حامله بيدها الشيگ لتقدمه لها ومعها شيگ اخر تعويضًا منها على الضرر الذي لحق به، وعندما قدمته نظر لهما وضحگ بسخرية وألم لا يشعر به إلا رجل مثله في حالته وقال بحزن:
– تقدري تقولي هيفيد بأيه الفلوس دي كلها وانا بحالتي دي؟ هيعملي ايه مال الدنيا كله وانا فقدت اغلى ما يملكه اي راجل؟
– معگ حق، لكن بالفلوس هادي ممكن تسافر في اي بلد، ويمكن تلاقي علاج لحالتگ، او تعمل بيها شركة ديكور كبيره في بلدگ.
حرام تضيع الفرصة منگ.
صمت بإنصات لحديثها، وتذكر ابنه فبهذا المال يضمن له مستقبله ويقوم بتعليمه في احسن مدارس اللغات، وينشأ شركة كما اقترحت وتعمل معه “غزال” لمعت تلگ الأفكار في ذهنه واختمرت و وافق واخذ منها الشيكان، فتبسمت الاخرى لاقناعه، ثم أنصرفت بعد أن دفعت له حساب اقامته في المشفى.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
مر أسبوع على وفاة “شادي” وكل المحيطين الحزن ساكن اضلعهما، تقوقعت “غزال” داخل غرفتها لا تخرج منها إلا إذا دلفت للمرحاض، منعت الطعام، لا تأكل ولا تشرب إلا قليل القليل، فقدت من وزنها الكثير، ذبلت مثل اوراق الخريف حين تتساقط وريقها ورقة تلو الاخرى، اصبحت هذيله، لم تسمع لنداءات كل من حولها بالنهوض واسترداد صحتها، كل من يراها لا يصدق أن تلگ الراقده على فراشها هي “غزال” الورده المتفتحه، كانت انتكاستها صعبة وشديدة عليها، رمقتها والدتها بحزن بعد الحاح منها ان تأكل ولو بضع لقمات صغيرة، لكنها خرجت تحمل خلفها اذيال الخيبه والرفض، رأت ابنها جالسًا، اقتربت منه قائلة:
– واخرتها يا سند هنعمل اية مع اختگ، هنفضل سيبنها كده لما تموت وتحصل إبنها؟
– الف بعد الشر عليها، متقوليش كده.
– لما تبقى من يوم حصل اللي حصل وهي ما دقتش الاكل، يبقى هتروح مني، انت لازم تتصرف، انت اخوها الكبير وفي حكم ابوها.
– يعني عايزاني اكتفها يا ماما عشان تاكل، عمر الأكل ما كان بالعافية، ده نفس وانتِ عارفه بنتگ لما بتزعل مش بتاكل.
– يعني اية الحل دلوقتي؟ اسبها كده يعني؟
– والله ما عارف اقولگ اية بس.
– جبتگ يا عبد المعين تعيني؛ لاقتگ عايز تتعان، إحنا لازم تكلم دكتورة آلاء، هي اكيد عندها الحل، حتى لو كان الحل ده تدخل المستشفى، انا مش هقف وبنتي تروح مني، دي طول الوقت بتكلم روحها وعايشه في وهم ان شادي لسة عايش.
– انا هقوم اتصل عليها، هي اتصلت بيا إمبارح تطمن عليها، وهبلغها بحالتها، انا خايف عليها اوي.
هاتف الدكتورة، وقص عليها حالتها وعدم تناولها الطعام، وحديثها الدائم مع ملابس ولعب صغيرها الراحل، انزعجت بشدة وقالت له بحزن وآسى عليها:
– كده مقدمناش غير حل واحد؛ أنها تروح المستشفى، غزال دخلت في دور اكتئاب شديد، عقلها مش قادر يستوعب كل اللي حصل، رافض فقدانه لابنها، وكمان عشان تعلق محاليل، ياريت تجهز ليها حاجاتها وتحاول تقنعها انها تيجي المستشفى، ومش كده وبس، لما تتحسن بإذن الله وتخرج؛ غزال لازم الفترة الجاية تبعد عن شقتها، لان كل حاجة حواليها بتفكرها بالماضي، وزاد دلوقتي عليها فقدانها لابنها، حاول تاخدها عندگ او تروح تعيش عند مامتگ الفترة دي.
– كلامگ مظبوط يا دكتورة فعلا البيت بقى صعب اوي بعد اللي حصل، انا هدخل اتكلم معاها ويارب ترضى تروح عند حضرتگ في المستشفى.
– تمام وانا بكره ان شاء الله هيجي اشوفها.
– تنوري يا دكتورة، في رعاية الله وحفظه.
انهى معها وعينان والدته تبصره للتحدث عما قالته له، فـ قص عليها ما سردته له، تأثرت لحالة ابنتها ودعت لها أن يطيب الله اوجاعها،
دلف لها اخاها، وجدها مستغرقه في نومها، ومحتضنه ملابس صغيرها بحنان.
بينما “آلاء” حينما انهت معه قامت بالإتصال بأخاها الذي لبى ردها بعد عدة محاولات قال في اقتضاب:
– نعم.
وإلى هنا تنتهي احرفي وتتوقف عند هذا الحد، لنكمل بقية احداثنا غدا وماذا سيكون رد فعل غزال اذا طلب منها فؤاد الغفران؟ وماذا سيكون رد فعله حين يعلم بفقدان فلذة كبده؟
وما هو مصير غزال هل ستستمر في دوامه الاحزان، ام ستخرج منها؟
هنتظر توقعاتكم ومتابعتكم في روايتي الجديدة المتواضعة
“الغزال الباكي”