الفصل قبل الأخير
أغلق جفونه لثواني محاول التحكم في ثباته الانفعالي، لا ينكر ان الخوف ينهشه، فتح مقلتيه وظل بؤبؤ عيناه ثابتًا لا يتحرك حتى يستوعب ماذا قالت، وقف عاجزا كيف له ان يتصرف؛ عقله يحسه على قذفها بوابل من اللوم والعتاب، لكن قلبه يشفق على حالتها ورعبها الحقيقي الغير مزيف، فحالتها لا يرسى لها، بقى حائرًا، فهي ليس بحمل لوم او عتاب، حللت عقدة لسانه؛ وأبلغها بتوتر وهو يمسك يدها ويركض بكل قوته:
– اهدي هنلاقيه بإذن الله، أكيد مرحش بعيد، تلاقية بس بيشتري حاجة حلوة.
رمقته بأعين تائهه وفؤاد ينزف دمًا، ثم ركضت بوجه شاحب وقلب ينتفض بذعر من القدر الذي يتلاعب معاها دائما، ويريد اوجاعها باستمرار، وعلى بعد لمحه “أمان” يتحدث مع سائق تاكسي من بعيد ركض نحوه وهو يطمئنها:
– فادي هناگ اهو.
فكان “فادي” وصل للشارع الرئيسي واوقف سياره أجره، وحين وقفت له تحدث مع السائق قائلا:
– عمو أنا عايز اروح عند ماما.
سأله السائق بتعجب :
– يا حبيبي انت تايه؟
– لا أنا عايز اروح لماما.
– هي ساكنه فين؟
رد “فادي” بعفوية طفل :
– في مكان كله تراب وعليه طوب.
ضحگ السائق وهو يقول:
– ما الدنيا كلها تراب.
وعند هذه اللحظة أقتربا منه “أمان” و”غزال” التي اطمئنت وهدأت نبضات قلبها الصارخه، مالت سريعًا واخذته بقوة داخل احضانها قائلة بلوم وعتاب وصوت باكي:
– كده يا فادي توجع قلبي عليك، اخس عليك كنت هموت من غيرك.
خرج “فادي” من حضنها وظهرت عليه علامات الصدمه من دموعها المتساقطة، رفع كف يده الصغير وأمسح عبرتها وهو يبلغها بحنان:
– أنا كنت عايز افرحك زي ما بتفرحيني.
– تفرحني تسبني وتمشي؟!
– لا مش مشيت أنا هفهمك؛ أنا كنت رايح اقول لماما أني بحبك أوي وكنت عايزها تشكر ربنا أن بعتك ليا، مش هي عند ربنا برضو وبتكلمه.
ضمته “غزال” مره ثانية داخل صدرها وهي تبكى وتمسد على شعره، اوقفها “أمان” من على الأرض وربت عليها ونظر لابنه قائلا:
– انت تقدر تتكلم مع ماما وانت في البيت، وفي اي مكان تحبه، اوعى تعمل كده تاني وتقلقنا عليك، واياك تخرج من باب الشقة بدون علمنا، اديك شايف حالة ماما غزال ازاي واد اية اترعبت عليك يا فادي.
نظر “فادي” لها والدموع تكونت سحابة شتوية تنذر بالسقوط، فربت على يديها بحنان قائل لها بترجي:
– أنا اسف مكنتش اقصد ازعلك، والله كان نفسي افرحك، طيب قولي أعمل ايه عشان تبطلي عياط.
التقطت “غزال” انفاسها وقالت بحب:
– متبعدش عني تاني.
حملته “غزال” وضع رأسه على كتفها وهو يلف يده حول رقبتها:
– حاضر يا ماما.
استمرت في التمسك به، ورفضت ان يأخذه منها “أمان” وظلت طوال المسافه تشتد في ضمته وتغمره بقبلاتها المحببه لقلبه، وحين صعدوا للشقة، ركض الصغير نحو غرفته وهو يوصف لوالده مدى سعادته بغرفتة الجديدة، كان يلمح “أمان” تلك السعادة وبداخله يزداد حبه لغزالته فهي الوحيدة صاحبة الفضل في هذه السعادة المفرطة له.
فلم ينسى “أمان” تأهيله نفسيًا انه في يوم سيشاركه اخًا او اختًا معه في مملكته هذه، وبعد طول شرح سعد الصغير وشرد بخيالة لمدى بعيد شكل وملامح هذا الأخ المنتظر.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
دقت طبول الفرح والسعادة في قلوب العاشقان، وتلون الكون باللون الودي،
فقد جاء اخيرا اليوم الذي طال انتظاره، فقد سعى “أمان” ان يكون مميزًا في كل شيء، برغم اصرارها على انه يكون مكتفي بالاقارب المقربين فقد، إلا انه عزم على اسعادها في قضاء أسبوع في قرية يونس بعد عقد القران مباشرة اخذها وانطلق بها في رحلة لن تنساها على مدار ايام حياتهما، فهي تستحق ان تسعد في كل لحظة لتعوض أيام عذابها، كانت جميلة برداءها الأبيض الغير تقليدي، فقد ارادت ان يكون مختلف عن فساتين الفرح المعتاده، كان اشبه بسوارية، مع تاج رقيق متوجًا رأسها جعلها كالملكة، عانقت الجميع بفرحه تحتل تقسيمات وجهها، وطارت معه لتقضي اسعد ايامها سويًا، وترگ صغيره برفقة والدته واخته، بعد ان وعده بالا يتأخر عليه، وبعد ساعات قليلة وصلا للمكان الذي شهد لحظات حبه لها، وكم تمنى وقتها أن تبادله عشقه هناگ، فقد حسم قلبه قراره ولسوف يتنقم على كل لحظة عذاب عاشها، ويطفئ من لوعته وشوقة، سيجعلها تتمنى ان يطيل انتقامه الشغوف الباقي من عمرها، لما ستراه من حب أبدى لها، وشوق جارف لا أحد يعرف أين سيصل مداه.
دلف لعش حبهما وجلست غزالته على طرف الفراش، تنظر لاسفل في خجل، انجذب نحوها بقوة مغناطيسيه سرت بدواخله، امسكها بيده يتحسسها أنها حقيقه امامه، وليس حلم في مخيلته، اغمض عيونه واسكنها بداخلها، ودثرها بأهدابه حتى لا تخرج من محرابه، ويداه التفتت حول خصرها وعانقها بقوة كمن يريد ان يسكنها بداخل اضلعه، بادلته عناقه؛ كانت يداها ملتفه ومحاوطه ظهره بتملگ، كأنه الآن هو من وقع في شباكها وليس العكس، كان احساس عناقه مختلف لم تشعر به من قبل؛ جربت معنى أن تكون بين أحضانه الدافئة، شعرت بأمانه واحتواءه لها، فـ أخيرًا وجدت ملاذها بين أحضانه ..
بينما كان شعور “أمان” مختلفًا برغم اشتعال توهج نيران حبها بداخله، وشوقة العارم لها ورغبتة الغريزية الجسدية تتلهف مشتاقة إليها، إلا ان شعوره بالكمال هو من طغى على مشاعره، فـ الآن فقط شعر باكتماله وهي بين احضانه..
همس ببعض من الحروف فلتهبت وجنتيها حراره وسحبت جسدها وتحررت من قبضته في خجل، تأمل ملامح وجهها المختلجة والسعادة تشع من عيناه، فـ أمنحها إبتسامتة الجذابة وارجعها إليه، وذكرها ان من تلگ اللحظة ليس مسموح لها بأن تغادر احضانه، لم ينتظر منها رد، اقتنص بمهارة أول قبله من شفتاها التي كانت تناديه منذ أول لقاء حين سمع صوتها الرنان، ومن يومها وهي تراوده في مخيلته، الآن سيلبي نداءهما ولن يغفل عنهما ثانية، وتمنى ان يصمدان امام ظمأه وهجومه عليهما.
عرفت “غزال” معني الحب معه حين اخذها بسلاسه داخل مدن عشقة، لا تنكر خوفها من تكرار ما آست منه، وحين بدأ اول خطوه تجاها بعد اتمام صلاتهما معًا، طلبت منه؛ ما جعله يحزن من أجلها، حين اغلقت مقبس الكهرباء، عيناه من عاتبت، وشفتاه من رفضت، وهمس لها من بين قبلاته المنثوره على وجهها وجسدها، بأنه لا يريد أن تغيب عن نظره ثانية.. يحبها ويعشق رؤيتها، فلما تريد أن تحرماه من التمتع لرؤيتها؟!
شعر أن ما زال هناگ أثار رواسب الماضي بداخلها كما نبهته اخته ونصحته، لذا قرر أن يمحو بجوفها أي شيء متعلق ولو بسيطًا.
اضاء المقبس، وبدأ “أمان” في عزف أروع انشودة حب بأنامله فوق وجنتيها نزولا لكل انش في جسديها، يطبع فوقه صگ ملكيته عليها.. تلقت هي هذا العزف الرقيق بكل شغف؛ فهو كان ماهرًا في الطرق على اوتارها، فجعلها مثل الحمامه الحالمه في سماء حبه العاشقه.. تحول عشقه إلى عاصفة عصفت بكيانه، كما عصف عشقه لها بكيانها .. قررت أن تسعد وتزيده من عشق وحب..
فهو قبلة الحياة بالنسبه لها، فـ وهب لها إياها حتى تحيا وتعيش سعيدة بين احضانه.
حين اقترب منها وعانقها بحب، وهمس بجانب أذنيها بكلمات الغزل؛ فأصاب جسدها بقشعريره اجتاحتها فزدادت من نشوته، شعرت حينها بأنها ملكت الكون بين يداه، وإنها أصبحت آسيرة قبلاته الحاره، تريد ان يزيدها عشقًا دومًا، فـ أمير هواها تشتاق له وظمأنه لشهد غرامه.
فهي تحبه بشده ولا تكتفي منه مهما طال العمر، عيناها دائمًا تراه سيدًا على فؤادها، وهي ملكه متوجه تجلس وتتربع على وتينه وتضع التاج فوق رأسه ليزيده جمالاً وعظمه.
فقد كان لقاء حميم بمعنى الكلمه، فكم كانت متخوفه، لكن مع أولى لمساته الساحره، ذابت معه وعاشت الحب الذي طالما حلمت به ولم تتذوقه في يوم، شعرت بأنها أثنى ترى الشغف والشوق داخل عينان من تحب… بادلته أكثر ما تمنى، وقضيان ساعات الليل في حب لم يعيشان كل طرف منهما قبل الآخر، فهو بعد سنوات حرمان كثيرة أعاد لممارسة حياته ليس كما كان من قبل، معها الأمر مختلف عندما يدق جدران قلبگ من يحب، تهتز تلگ الجدران بقوة وتصرخ مطالبه الحبيب ان يلبي مطلبه من العشق؛ وهي كانت مثله وأكثر، فلبت نداءاته المتعدده بكل شغف وحب مثله وأكثر، وعاشا الاثنان في سعادة حتى بذوغ الفجر.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
لم تذق عينان “سند” طعم النوم برغم الحب الذي كان يلمحه داخل عينان “أمان” لها، لكنه كان يخشى على اخته ان تتذكر ما مضى، ظل يتململ فوق فراشه، مما اثار قلق النائمه بجواره، فتحت مقلتيها متسائلة اياه عن سبب هذا القلق فأجاب:
– قلقان يا سمية شوية، عادي.
– سند فيگ أية ياحبيبي؟ صارحني ومتخبيش عليا، من اية قلقان، وليه؟
نهض وأخذ عُلبة دخانه من أعلى الكومود، وتناول سجارته بعد ان اخذ عود ثقاب واشعله، تمنى حينما اطفئ العود؛ ان يطفئ معه نيران قلقه ومخاوفه، اخذ نفسًا عميقًا منها واخرجه، ثم نظر لها بعينان قلقتان مرددا:
– خايف على غزال؟
– من اية يا سند؟ انت مشفتهاش فرحانه هي وأمان إزاي، ده كان عايز يطير بيها ويختفي من وقت ما كتب كتابه عليها.
– وهو ده اللي مخوفني؟
قبضت بين حاجباها وعبس وجهها وقالت متعجبه :
– يخوفگ ازاي مش فاهمه؟ المفروض يكون العكس !!
– خايف حبه الشديد ده يتصرف معاها بغشومية؟
تبسمت بعد أن فهمت مقصده، ثم اقتربت منه ولامست كتفه بحنان قائلة:
– يا حبيبي مهما كان اللي بيحب بجد، عمره ما هيأذي ولا يجرح حبيبه، وأمان من اول ما عرفناه وهو فعلا محتويها، وامان ليها، اطمن انا واثقة انه هتعامل معها بحب وهينسيها أي ذكرى سيئة مرت قبل كده مع طلقها.
– يارب يا سمية يكون كلامگ صحيح، بس منتسيش انه بقاله كتير من غير جواز.
– ان شاء الله هيكون كده واكتر كمان، تعالى بقى اغفلگ شوية، انت من وقت ما كانت بتوضب وانت مش بتنام كويس، حرام عليگ صحتگ.
– عيني مش هتعرف تغفل غير لما اطمن عليها انها استقرت وعاشت في راحه وهنا.
رمقته باعجاب شديد كأنها تراه للمره الأولى، ثم قالت بحب:
– أنت ازاي جميل اوي يا سند ؟! ياريت كل الأخوات حنينين كده زيگ على اخواتهم البنات، هو انا بحبگ اوي من شوية.
– يا حبيبتي غزال من يومها وهي حزينة بسبب التنمر على جسمها، مشفتش يوم حلو من الناس اللي حواليها، فكنا احنا دايما بنحاول نعوضها ونقف جنبها، عمري ما اعتبرتها ابدا اختي، كنت حاسس انها بنتي اللي نفسي اخبيها جوايا ومعرضهاش لاي اذى لفظي او جسدي، لكن مع كل آسف وهي بعيد عني مكنتش بقدر ابعد كلام الناس عنها، عشان كده هي بعدت عن الكل، ويوم ما اتجوزت رفضت بشده جوازها، لكن تحت اصرارها وتصميمها عليه وافقت، وعمري ما استريحت ليه ابدا، لكن كله مكتوب، وعمر المكتوب ما منه هروب.
قال حديثة بألم ولا يعلم لماذا في هذا اليوم السعيد تذكر ما عانته اخته، ولما تجددت الذكريات للتو ولاحقته بكل وحشية كمن تطارده الوحوش ولا يستطيع الفرار منها ؟ ربما حقًا من شدة خوفه وحبه لها.
طمئنته زوجته بأن ما مضى لن يعود، وان القادم سيكون مفروشًا بالورود لها، فحاول ان يرتاح ولو قليلا حتى يشرق الصباح ويهاتفها ليطمئن قلبه، وتحت رجاءها عاود لفراشه، وضمته لاحضانها، ومسدت على خصلات شعره بحنان، حتى غفت عيناه من سحر ملمسها، بينما هي جاهدت روحها في استعادة النوم من جديد، لكنه آبى ان يأتي بعد ان فر منها حين استيقظت بسببه، خشت ان تتحرگ خوفًا من ايقاظه، وظلت ترمقه بحب بأن هذا الرجل زوجها وحبيبها، فهو دعوة والدها لها في ليلة قدر استجاب لهما المولى، فلم ترى في حياتها معه إلا كل خير، قبلت جبهته، واغمضت عيناها ربما يأتها النوم في لحظة.
اشرق نور الصباح على صوت زقزقة العصافير المنشده اعذب لحن، فصداها اليوم مختلفا في أذناه، شعر بأنها تغرد لهما فقط وتعزف قصة حبه لها، ظل يرمقها بعينان مشعه بالحب، متأملا ملامحها التي سحرته، برغم انها مغمضة العينان، وجهها مشرق ضياءًا، لم تشعر “غزال” بأنه مستيقظ، لكن حين سمعت رنين هاتفها فتحت عيناها شاهد اشراقة الشمس تشرق للتو، فوجدته ينظر لها والابتسامه متسعه على محياه، طبع قبلته على شفتاها، ثم لمح اسم اخاها على شاشة الهاتف، فقال:
– صباح الحب على عيونگ يا غزالتي، ردي على سند مش هيبطل رن.
ابتسمت و وضعت قبله سريعة على وجنتيه وردت على اخاها، الذي كان صوته ملهوفًا عليها، وعندما طمأنته واستشعر من نبرة صوتها البهجه، هدأ وتنهد براحه، وتمنى لها مزيد من السعادة، بارگ لـ “أمان” و اوصاه عليها ثم ناول والدته الهاتف لكي تطمئن هي الأخرى عليها، فقد ذهب كما تعود “سند” إليها كل صباح قبل ان يذهب لعمله واراد ان يطمئنوا عليها معا، وحين شعرت ان ابنتها تعيش اسعد ايامها، حمدت الله ثم أغلق معها ونهضت تصلي ركعتين شكر لرب العالمين، ودعت في سجودها ان يديم عليها الهناء ويرزقها بالزرية الصالحه.
وحين وضعت “غزال” الهاتف بجانبها، باغتها “أمان” وحملها في غفوة ودلف بها ليضعها في مغطس الحمام، وفتح صنبور المياة واغرقها ولم يبالي لصراخها، فنثرته بالمياه، وظلوا بتراشوا ويمزحوا سويًا سارقين من الوقت أجمل ما فيه، وبعد وقت طويل من اللعب تحت تساقط المياة، خرجوا لتناول وجبة الإفطار، فرغم عدم تناولهم من أمس الطعام، لكنهما يشعران بإمتلاء معدتهما من فرط السعاده التي يشعران بها، اكلان القليل، ثم طلبت منه “غزال” التوجه إلى ميرا لتشاهدها ولتتعود على رؤيتها برفقته، وحينما وصلت اقتربت منها و اخدت بعض من قطع السكر وقربتهما نحو فمها، ومسدت على مقدمه رأسها بحنان، همس لها “أمان” وقبل رأسها محدثًا أياها بأن تلگ المرأه هي محبوبته وزوجته، تحدث ل ميرا كأنها تفهمه، نظرت له بعيناها، وبدأت تأكل من يديها قطع السكر، فتبسم لها “أمان” وداعب غرتها بحنان، واخرجها من بيتها، وجهزها حتى ينطلق مع غزالته ويركض وهي جالسه خلف ظهره متشبثه به، ومحلقه معه بعيدا عن الانظار، في مكان بعيد ليس فيه احد سواهم.
فقد كانت ميرا في تلگ المره تشعر بسعادة صديقها، فكانت ترقص لهما وصوت صهيلها يعلو فرحه بوجوده معها.
ومرت الأيام سريعًا، وعاودان لمنزلهما ومعهما الصغير ابنه، الذي كان لا يفارق غزاله كما يلقبها بماما، ومع كل مره ينادي بها يثلج فؤادها ويبرد من لهيب حرمانها من ابنها، فيزداد تعلقها به وحبها له، اغمرته بعاطفتها الجياشة، واحيت في كنف امانها وعرفت تحت جناحه معنى الأمان الحقيقي.
ومر شهران وهي غارقة في بحور عشقة الذي لا ينتهي، وكل ليلة تمر عليهما بمثابة اول ليلة ولقاء، كان دائما يشجعها في عملها، واختار لها عاملة تساعدها طوال اليوم حينما تكون في عملها لتهتم بالبيت وبأبنه، وتنصرف حين تجيئ من عملها، ومن أجل الاطمئنان اكثر اهتم “أمان” بوضع كاميرات في المنزل في كل مكان، ليشاهد ما يحدث من تلگ العاملة التي تدعى “ثناء” وظل الحال كما هو السعادة ترفرف عليهما ولا ينقصهما أي شيء، تعلمت “غزال” كيف تدير منزلها بدقة، دون ان تقصر في متطلبات اي فرد، منظمه وقتها، غير مقصره باهتمامها بنفسها وجسدها، لكن التقصير الوحيد الذي اشتاقت له جلوسها مع دفترها الغالي لقلبها الذي طالما سردت فيه كل اوجاعها، فحين تبسمت لها دنياها غفلت عنه دون قصد، لكن يبقى الحنين إليه باقيا، وسوف تجتمع مع احبار اقلامها مأكدا لتغوص بين قصاصيص اوراقها من جديد.
وفي يوم استيقظت وذهبت إلى عملها تتابع اخر ما تم انجازة في إحدى الشقق التي تتعامل العمل بها، كانت تعمل بنشاط وهمه كنحلة لم تكف ولا تمل، برغم ما تشعر به من الآلام منذ بضع أيام، لكنها تحاملت ومارسة متابعتها دول اى ملل تطلب من العمال الإسراع وانجاز عملهم في اسرع وقت لتسليمها قبل الموعد المحدد.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
واخيرا بعد طول غياب، وصل الطائر الذي هاجر عشه إلى أرض الوطن، استقبله والده بشوق ولهفه، كانت عيناه تشبه عدسات تصوير فوتوغرافي تبصر لكل انش في وجهه، لكي يحفرها بداخله صورته ويطبع منها الآلف الصور بذاكرته، اشتد “فؤاد” في عانقة وجلس معه يقص له على ما انجزه هناگ في غربته من تأسيسه لأكبر شركة متخصصه في التشطيبات والديكور، كانت يتحدث بفخر وصل لقمة الغرور، شعر الأب بتبدل حال ولده، فالذي جاء لم يكن من غادر من قبل، هيئته التي تغيرت من ملبسه الذي يرتديه، فتلگ البذله يبدو عليها باهظة الثمن.. العطر الذي يفوح منه من شدته كاد ان يصيبه بالاختناق.. حتى سير خطوته يختال بفخر لا يعلم لماذا كل هذا؟ سأل نفسه من يكون الواقف امامه، هل هو ابنه الذي رباه؟!
ام بدلته الغربه بشخص آخر؟
ظل صامت مستمع فقط لاحاديثه التي لا تنتهي، وحين لاحظ صمته، امسگ بيده حقيبه مليئة بالهدايا له، واخرجهما ليفرحه بها، فكان رده صارم:
– انا مكنتش منتظر كل الهدايا دي لما ترجعلي بيها، انا بس كنت عايز ابني اللي ربيته هو اللي يرجع.
اندهش لما قاله، وسأله:
– امال انا ابقى مين يا بابا؟
والى هنا تنتهي احدلثنا عند هذا الحد لنتعرف غدًا ماذا سيكون رد فعل فؤاد على والده؟
وماذا ستخبأ الايام له؟
للإجابة على تلگ الأسئلة تابعوني في اخر حلقة من روايتي المتواضعة
رواية بيننا شئ خرافي الحلقه الثانيه