روايات كاملةكل الروايات

رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون

رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون

الحلقة التاسعة والعشرون من الرواية—— انت لي—–
أعد الدقائق واحدة تلو الأخرى ، في انتظار وصول وليد…
رغم أنها مجرد أيام، تلك التي فصلت بيننا مذ لقائنا الأخير ، إلا أنني أشعر بها كالشهور …لا بل كالسنين … نعم كالسنين التي قضيتها محرومة من رؤيته ، و معتقدة بأنه سافر يدرس.. بينما كان …
كلما جالت هذه الخاطرة برأسي طردتها مسرعة ، و أجبرت نفسي على الفرح .. فهو سيصل اليوم في أية لحظة…
سامر تحاشى الحديث معي منذ الصباح، إنه فقط مهتم بالإعدادات للحفلة البسيطة ، و قد قام هو و دانة بترتيب مائدة في الصالة ، لاستقبال الرجال ، و أخرى في غرفة المجلس ، لاستقبال السيدات .
حاولت مساعدتهم إلا أنني كنت متعبة من آثار الصدمة التي تلقيتها مؤخرا و لم تسعفني قواي البدنية على فعل شيء أكثر من المراقبة عن كثب..
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
بعد تأدية صلاة العشاء ، أتتني دانة لتتحدث معي الحديث الأخير… قبل فراقنا..
ابتداء من هذه الليلة ، سوف لن يكون لدي أخت ٌ أتشاجر معها ! من سيعلّق على مظهري كلما ارتديت شيئا جديدا، من سيوبّخني كلما أخطأت ! من سيغار مني و أغار منه؟؟
من سيعلمني أشياء أجهلها و يفتح عيني على الحياة… دانة كانت بالنسبة لي .. الباب إلى الحياة ، فأنا لم أعرف من هذه الدنيا شيئا إلا عن طريقها…
و رغم أن الفرق بين عمرينا هو سنتان و نصف ، إلا أنني أشعر بنفسي صغيرة جدا أمامها .. و أحسها أختي الكبرى و معلّمتي الحبيبة …
لذا ، عندما دخلت الغرفة و أنا لا أزال مرتدية حجاب الصلاة و قالت :
” سأتخلص منك أخيرا ! “
انفجرنا ضحكا ، ثم بكاء … شديدا جدا .. جعل سامر يقف عند الباب مذهولا حائرا !
” لمن ستتركينني دانة ؟ سأبقى وحيدة منعزلة عن العالم من بعدك ! “
” هنيئا لك ! ستنفردين برعاية أبي و تدليله ! أنت مثل القطة رغد ! مهما كبرت تظلين تعشقين الدلال ! كان الله في عون الرجل الذي ستتزوجينه ! “
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
الآن صارت تشير إليه بالمجهول ! لم تذكر اسم سامر .. فهي إذن اقتنعت أخيرا بأن سامر لم يعد لي …
نظرت أنا نحو سامر فوجدت وجهه المشوه غارقا في الحزن … و كرهت نفسي…
كرهت قدري.. و ظروفي التي انتهت بي و به إلى هذه الحال…
أعدت

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

رواية الشادر الفصل الثامن

قصه ليلي و اخواتها

نظري إلى دانة .. نظرة استغاثة.. استنجاد.. أريد من ينقذني من هذا كله.. فوجدت على وجهها ابتسامة خفيفة ، و سمعتها تهمس :

” على كل ٍ ، هو يحب تدليلك كثيرا ! “
ابتسمت ُ ، و ضممتها إلي ، و أنا أشعر بأنها المرة الأولى التي تفهمني فيها…
رباه ! كيف تغيّرت بهذا الشكل بين ليلة و ضحاها ؟؟
هل يعني أنها موافقة على و راضية عن انفصالي عن سامر ، و ارتباطي بوليد؟؟ هل تدرك هي أنني أحب وليد و وليد فقط؟؟
وليد قلبي …
آه كم أنا متلهفة لرؤيتك …
عد بسرعة .. اظهر فورا .. فقد أضناني الشوق و الحرمان …
قمت بعد ذلك و لبست فستانا أهداني إياه سامر من أجل الحفلة ، و ووضعت بعض الحلي ، و التي أيضا أهداني إياها سامر… و ارتديت حذاء عالي الكعب جدا ، كالعادة ، و بصراحة .. أهداني إياه سامر أيضا !
إلا أنني لم أضع أيا من المساحيق على وجهي ، فأنا أريد مقابلة وليد قلبي وجها لوجه …
بدوت مسرورة ، أحوم حولهما كالفراشة … و عندما حضر الضيوف أحسنت استقبالهم و قدت النساء إلى المجلس … كانت أم نوار و أخواته، في غاية الأناقة و الجمال.. يرتدين ملابس مبهرة و حلي كثيرة .. و قد تلوّنت وجوههن بالماكياج المتقن جدا !
شعرت ببعض الخجل من نفسي لكوني بلا ألوان ! مع ذلك ، أبدو جميلة فلا تلتفتوا لهذا الأمر !
حضرت العروس بعد ذلك ، في قمة الأناقة و الروعة .. و أخذنا نلتقط العديد من الصور التذكارية ، و سأظهر جميلة رغم كل شيء !
مر الوقت .. و مع انقضاء كل ساعة ينقضي خيط أمل في حضور وليد.. لماذا لم يحضر بعد ؟؟ أحقا سيأتي أم أنه …
ذهبت إلى المطبخ لجلب المزيد من العصائر فإذا بي أصادف سامر هناك ، يحمل أطباق الجلي …
قلت :
” ألم يحضر وليد ؟؟ “
سامر تظاهر بالابتسام و قال :
” ليس بعد “
قلت :
” هل أنت واثق من حضوره ؟ هل قال أنه آت ٍ بالفعل ؟؟ “
” قال إن لديه ارتباطات و مشاغل أخرى ، لكنه سيحاول الحضور … “
نظرت إلى الساعة المعلقة على جدار المطبخ بيأس…
قال سامر :
” لا يزال الوقت مبكرا … لا تقلقي… “
ثم غادر المطبخ …
~ ~ ~ ~ ~ ~
اعتقد إن من حقّي أن آخذ هذه المساحة بين السطور .. لأصف لكم مشاعري المجروحة …
إذا كان هناك رجل تعيس في الدنيا فهو أنا.. كيف لا و أنا أرى مخطوبتي.. محبوبتي رغد.. تعد الدقائق بلهفة في انتظار عودة وليد.. حبيب قلبها الغالي..
أصبت بجنون ما بعده جنون ، حين اعترفت لي و بلسانها أنها تحبه هو.. و أنه السبب في قرارها الانفصال عني ، بعد خطوبة استمرت أربع سنوات أو يزيد…
أربع سنوات من الشوق و اللهفة.. و الحب و الهيام.. في انتظار الليلة التي تجمعنا أنا و هي.. عريسين في عش الزوجية.. ثم يأتي وليد.. و في غضون شهور أو ربما أيام .. يسرق قلبها مني !
رغد لم تقل لي في السابق : ( أنا أحبك ) ، و لكنها لم تقل : ( أنا لا أحبك ) ..
بل كانت الأمور فيما بيننا تجري على خير ما يرام .. حتى أخبرني وليد نفسه ذات ليلة بأنها ترغب في تأجيل زواجنا…
الشيء الذي لا أعرفه حتى هذه اللحظة ، ما إذا كان وليد يعرف بحبها له أو يبادلها الشعور ذاته ، أم لا …
أنا أعرف أنه يحبها و يهتم بها كأخت.. أو ابنة عم .. أما كحبيبة.. كزوجة .. فهذا ما لا أعرفه و لن أحتمل صدمة معرفته ، إن كان يحبها بالطريقة التي أحبها أنا بها..
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
أتذكر أنها في اليوم الذي عرض عليها ارتباطنا قبل سنين قالت : ( لننتظر وليد أولا )
و لأنه كان من المفترض ألا يعود إلا بعد أكثر من عشر سنين من ذلك الوقت، فإننا عقدنا قراننا بموافقة الجميع
و أنا أنظر إليها هذه اللحظة و هي تراقب الساعة ، أشعر بأن خلايا قلبي تتمزّق خلية خلية ، بل … و أنويتها تنشطر .. و ذراتها تتبعثر حول المجرّة بأكملها …
لماذا فعلت ِ هذا بي يا رغد ؟؟
إن كنت تجهلين ، فأنا أحبك حبا لا يمكن لأي رجل في الدنيا أن يحمل في قلبه حبا مثله..
حبا يجعلني أدوس على مشاعري و أحرق أحاسيسي رغما عنها ، لأجعلك تحيين الحياة التي تريدينها مع الشخص الذي تختارينه..
و ليته كان أنا…
و إن اكتشفت أن وليد لا يكترث لك ، فإنني لن أقف صامتا ، و أدعك تبعثرين مشاعرَ أنا الأولى بها من أي رجل على وجه المعمورة ، بل سآخذك معي.. و أحيطك بكل ما أودع الله قلوب البشر من حب و مودة ، و أحملك إلى السحاب .. و إن شئت ِ .. أتحوّل إلى وليد .. أو إلى أي رجل آخر تريدين أن تصبي مشاعرك في قلبه … فقط.. اقبلي بي…
غادرت المطبخ على عجل ، لئلا أدع الفرصة لرغد لرؤية العبرة المتلألئة في محجري…
نعم ، سأبكي لتضحكي أنت … و سأحزن لتفرحي أنت .. و سأنكسر لتنجبري أنت .. و سأموت … لتحيي أنت… يا حبيبة لم يعرف الفؤاد قبلها حبيبة .. و لا بعدها حبيبة .. و لا مثلها حبيبة… و سيفنى الفؤاد ، و تبقى هي الحبيبة .. و هي الحبيبة .. و هي الحبيبة …
عندما وصل وليد، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر و خمس و أربعين دقيقة، أي قبل ربع ساعة من ولادة يوم جديد.. خال من رغد …
قرع الجرس ، فأقبلت نحو الباب و سألت عن الطارق ، فأجاب :
” أنا وليد “
جمّدت مشاعري تحت طبقة من الجليد ، لا تقل سماكة عن الطبقات التي تغطي المحيط المتجمّد الجنوبي… و فتحت الباب ..
تلك الطبقة انصهرت شيئا فشيئا ، لا بل دفعة واحدة حين وقعت عيناي على الشخصين الواقفين خلفه ، وليد ، و الفتاة الشقراء !
” مرحبا ، سامر … “
بصعوبة استطعت رد التحية و دعوتهما للدخول …
وليد كان يرى الدهشة الجلية على وجهي مجردة من أي مداراة مفتعلة !
قال ، و هو يشير إلى الفتاة الواقفة إلى جانبه تبتسم بهدوء :
” أروى نديم ، تعرفها “
قلت :
” أأ .. أجل … “
قال :
” خطيبتي “
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
و من القطب الجنوبي ، إلى أفريقيا الاستوائية !
اعتقد أنكم تستطيعون تصوّر الموقف خيرا من أي وصف أنقله لكم !
” خـ … ــطيبتك !! “
” نعم ، ارتبطنا البارحة “
نظرت إلى الفتاة غير مصدّق ، أطلب منها تأكيدا على الكلام ، ابتسمت هي و نظرت نحو وليد ..
وليد قال :
” أ لن تبارك لنا ؟؟ “
” أأ … نعم …طبعا … لكنني تفاجأت ، تفضلا على العموم ، مبروك لكما .. “
و قدتهما أولا إلى المجلس ، حيث النسوة…
طرقت الباب و أنا أنادي أختي دانة… ، فتحت هذه الأخيرة لي الباب و خرجت من فتحته الضيقة ، و حالما أغلقته انتبهت لوليد …
” وليد ! “
أشرق وجهها و تفجرت الأسارير عليه .. ثم فتحت ذراعيها و أطبقت عليه معانقة إياه عناقا حميما…
” نعم .. كنت أعلم بأنك ستأتي و لن تخذلني ، فأنت لم تخذلني ليلة خطوبتي.. أنا سعيدة جدا.. “
وليد قال :
” مبروك عزيزتي… أتم الله سعادتك و بارك لك زواجك .. “
بعد ذلك ، رفعت رأسها لتنظر إليه ، ثم دفنته في صدره و هي تقول :
” سامحني… لم أكن أعلم .. سامحني يا أخي الحبيب .. أنا فخورة بك.. و أتباهى أمام جميع المخلوقات .. بأن لي أخا مثلك.. سامحني .. “
وليد ربت على ظهر دانة بحنان ، و إن كانت الدهشة و الحيرة تعلوان وجهه ، و قال مواسيا :
” لا بأس عزيزتي .. لا تبكي و إلا أفسدت ِ زينتك ، و غير المغرور رأيه بك ! “
رفعت دانة رأسها و انفجرت ضحكا ، و وكزته بمرفقها و هي تقول :
” لم تتغير ! سوف أطلب من نوّار أن يضربك قبل خروجنا ! “
قلت أنا :
” احذري ! و إلا خرج عريسك بعاهة مستديمة ! “
و ضحكنا بانفعال نحن الثلاثة…
التفت وليد للوراء حتى ظهرت خطيبته الجديدة ، و التي كانت تقف على بعد خطوات …
قال :
” اقتربي أروى “
اقتربت الفتاة و هي تنظر نحو العروس ، و تحييها ..
” مبروك دانة ! كم أنت جميلة ! “
دانة حملقت في الفتاة قليلا ثم قالت محدثة وليد :
” هل حضرت عائلة المزارع ؟؟ “
وليد قال :
” أروى فقط.. “
فتعجبت دانة ، فوضّح :
” خطيبتي “
طغى الذهول على وجهها ربما أكثر مني ، قالت باستغراب شديد :
” خطيبتك !! “
قال وليد :
” نعم ، عقدنا قراننا البارحة… باركي لنا “
الاضطراب تملّك دانة ، و حارت في أمرها و لزمت الصمت لوهلة ، إلا أنها أخيرا تحدّثت :
” فاجأتماني …بشدّة ! … مبروك على كل حال “
و كان واضحا لنا، أو على الأقل واضحا لي استياؤها من المفاجأة…
قلت :
” فلتتفضل الآنسة … “
دانة التفتت إلى أروى و قالت :
” تفضلي “
و فتحت الباب لتسمح لها بالدخول … و قالت مخاطبة إيّاي :
” رغد في غرفتها .. ذهبت لاستبدال فيلم الكاميرا … “
و كان القلق جليا على ملامحها …
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
قال وليد :
” جيد ! أ أستطيع رؤيتها ؟؟ “
تبادلنا أنا و دانة النظرات ذات المعنى .. و قالت هي :
” نعم ، سأدخل لأقدّم أروى للجميع “
و دخلت الغرفة و أغلقت الباب تاركة إياي في المأزق بمفردي !
وليد التفت إلي و قال :
” أريد إلقاء التحية عليها.. إن أمكن “
أنا يا من كنت أدرك أنها تنتظره بلهفة منذ ساعات… و أنها ستطير فرحا متى ما رأته .. لم أملك من الأمر شيئا ..
قلت باستسلام :
” أجل ، تفضل … “
و قدت ُ بنفسي ، حبيب خطيبتي إلى غرفتها لكي تقابله …
طرقت ُ الباب و قلت :
” رغد .. وليد معي “
قاصدا أن أنبهها لحضوره ، لكي ترتدي حجابها..
إلا أنني ما كدت ُ أتم الجملة ، حتى انفتح الباب باندفاع سريع ، و ظهرت من خلفه رغد على حالها .. و هتفت بقوة :
” وليد ! “
أي رجل في هذا العالم ، يحمل ذرة حب واحدة لخطيبته ، أو حتى ذرة شعور بالملكية و الغيرة ، فإنه في لحظة كهذه سيرفع كفيه و يصفع وجهي الشخصين الماثلين أمامه في مشهد حميم كهذا … إلا أنني أنا … سامر العاشق المسلوب الحبيبة .. المغطّي لمشاعره بطبقة من الجليد .. وقفت ساكنا بلا حراك و بلا أي ردّة فعل .. أراقب خطيبتي و هي ترتمي في حضن أخي بقوة .. و تهتف بانفعال :
” وليد .. لماذا لم تخبرني .. لماذا .. لماذا .. “
~ ~ ~ ~ ~
و إن كنت أتظاهر بالبرود و الصمود ، إلا أن ما بداخلي كان يشتعل كالحمم…
و إن كنت أتظاهر بأنني فقط أود إلقاء التحية ، فإن حقيقة ما بداخلي هي أنني متلهف لرؤية صغيرتي الحبيبة و الإحساس بوجودها قريبة مني …
لقد كنت أسير خطوة خطوة.. و مع كل خطوة أفقد مقدارا من قوتي كما يفقد قلبي السيطرة على خفقاته ، فتأتي هذه الأخيرة عشوائية غير منظمة .. تسبق الواحدة منها الأخرى…
و حين فتح الباب.. كنت ُ قد أحرقت آخر عصب من جسدي من شدة التوتر.. لدرجة أنني لم أعد أحس بشيء..
أي شيء ..
لم أع ِ إلا و قذيفة ملتهبة قوية تضرب صدري .. تكاد تكسر ضلوعي و تخترق قلبي…
بل إنها اخترقته ..
فرغد لم تكن تقف أمامي بل .. كانت تجلس في قلبي متربعة على عرش الحكم.. تزيد و تنقص ضرباته قدر ما تشاء .. تعبث بأعصابه كيفما تشاء.. تسيّر أحاسيسه حسبما تريد…
و لأنني كنت مذهولا و فاقدا للسيطرة على حركاتي تماما ، فقد بقيت ُ ساكنا.. دون أي ردّة فعل …
كان صدري مثل البحر .. غاصت صغيرتي في أعماقه و قطعته طولا و عرضا .. و خرجت منه مبللة بالدموع و هي تنظر إلي و تهتف :
” لماذا لم تخبرني ؟؟ لماذا يا وليد ؟ لم أخفيت عنّي كل هذه السنين ؟؟ “
شيء ما بدأ يتحرّك في دماغي المغلق .. و يفتح أبواب الوعي و الإدراك لما يدور من حولي …
بدأت أنتبه لما تقوله صغيرتي .. و بدأت أحس بأظافرها المغروسة في لوحي كتفي ّ كالمسامير … و بدأت أرى اللآليء المتناثرة من محجريها … أغلى ما في كوني …
لا شعوريا رفعت يدي إلى وجهها أردم سيل العبر …
” لا تبكي صغيرتي أرجوك .. “
فأنا أتحمّل أي شيء في هذه الدنيا ، إلا أن أرى دموع غاليتي تتبعثر سدى…
إنني أشعر بحرارة شديدة أجهل مصدرها الحقيقي …
أهو داخلي ؟ أم حضن صغيرتي ؟ أم الشرر المتطاير من عيني ّ أخي، اللتين تحملقان بنا بحدّة..
رغد أزاحت يديها عني ، و ابتعدت خطوة.. و ذلك أثار توترا في المسافة التي بيننا.. تماما كالتوتر الذي يولّده ابتعاد قطعة حديد صغيرة عن مغناطيس !
قالت :
” لقد اكتشفت ذلك الآن فقط .. لماذا لم تخبرني بأنك .. بأنك .. كنت في السجن ؟؟ “
و إن كانت مشاعري قبل قليل مخدّرة من تأثير قرب رغد ، فإنها استيقظت كلها دفعة واحدة فجأة.. و تهيّجت .. فصرت أشعر بكل شيء ، حتى بحرارة البراكين الخامدة في اليابان !
نقلت نظري من رغد ، إلى سامر ، إلى رغد ، إلى سامر … و حين استقرّت عيناي عليه، رأيت قنبلة متوهجة ، على وشك الانفجار…
لطفك يا رب … !
قلت ُ أخيرا :
” أنت من أخبرها ؟؟ “
سامر لم يجب بكلمة ، بل بإيماءة و تنهيدة قوية نفثها صدره .. و شعرت أيضا بحرارتها…
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
أعدت ُ النظر إلى رغد.. فاسترسلت في سؤالي :
” لماذا لم تخبرني؟؟ “
أخبرك ؟؟ بأي شيء يا رغد ؟؟ أ لم تري الطريقة التي عاملتني بها دانة ، بل و الناس أجمعون؟
أتراك تنظرين إلي ّ الآن مثلهم ؟؟
لا يا رغد .. أرجوك لا ..
قلت بلا حول و لا قوة :
” ما حصل..، لكن… أرجو ألا يغيّر ذلك أي شيء ؟؟ “
و انتظرت إجابتها بقلق…
قالت :
” بل يغيّر كل شيء … “
و أذهلتني هذه الإجابة بوضوحها و غموضها المقترنين في آن واحد…
قالت:
” وليد … وليد أنا … “
و لم تتم ، إذ أن دانة ظهرت في الصورة الآن مقبلة نحو غرفة رغد.. و تكسوها علامات القلق…
جالت بمقلتيها بيننا نحن الثلاثة و استقرت على سامر…
شعرت أنا بأن هناك شيء يدور في الخفاء أجهله …
سألت :
” ما الأمر ؟؟ “
لم يجب أي منهم بادىء ذي بدء إلا أن دانة قالت أخيرا، مديرة دفة الحديث لمنعطف آخر:
” رغد ! الكاميرا ! سنستدعي نوّار الآن ! “
ثم التفتت نحو سامر :
” إنه منتصف الليل ! هيا استدعه ! “
و يبدو أن ترتيباتهم كانت على هذا النحو ، أن يدخل العريس إلى تلك الغرفة لالتقاط بعض الصور مع العروس و مع قريباته قبل المغادرة .
سامر نطق أخيرا :
” سأستدعيه… أخبريهن “
و رغد تحرّكت الآن من أمامي متجهة نحو المنضدة و من فوقها تناولت الكاميرا و أقبلت نحو دانة و مدّت الكاميرا إليها ، فقالت دانة:
” أعطها لسامر الآن .. “
التفتت رغد نحو سامر .. و قدّمتها إليه…
سامر نظر إلى رغد نظرة عميقة.. جعلتها تطأطىء رأسها أرضا …
أخذ سامر الكاميرا منها.. و قال ..
” سنلتقط له معنا بعض الصور ثم نعيدها إليكن .. “
قال ذلك و وجه خطاه نحو الصالة…
هممت ُ أنا باللحاق به… إلا أنني توقفت ، و التفت إلى رغد … و قلت :
” كيف قدمك الآن ؟ “
رغد و التي كانت لا تزال مطأطئة برأسها رفعته أخيرا و نظرت إلي مبتسمة و قالت :
” طاب الجرح… “
قلت :
” الحمد لله “
ثم أوليتها ظهري منصرفا إلى حيث انصرف أخي …
~ ~ ~ ~ ~ ~
كنت ُ مجنونة، لكنني لم أتمالك نفسي بعدما رأيت وليد يقف أمامي… بطوله و عرضه و شحمه.. جسده و أطرافه… و عينيه و أنفه المعقوف أيضا …
كأن سنينا قد انقضت مذ رأيته آخر مرة ، ينصرف من هذه الشقة جريحا مكسور الخاطر …
اندفعت إليه بجنون… و أي جنون !
ظللت أراقبه و هو يولّي .. حتى اختفى عن ناظري.. و بقيت محدّقة في الموضع الذي كان كتفاه العريضان يظهران عنده قبل اختفائه، و كأنني لازلت أبصر الكتفين أمامي !
” رغد ! “
نادتني دانة ، فحررت أنظاري من ذلك الموضع و التفت إليها… و رأيتها تحدّق بي و علامات غريبة على وجهها…
أنا ابتسمت .. لقد قرّت عيني برؤية وليد قلبي.. و لأنه هنا …، فقط لأنه هنا ، فإن هذا يعطيني أكبر سبب في الحياة لأبتسم !
لا أعرف لم كانت نظرة دانة غريبة.. ممزوجة بالأسى و القلق.. قلت :
” ما بك ؟ “
” لا … لا شيء “
” سأغسل وجهي و أوافيكن… “
و أسرعت قاصدة الحمّام … طائرة كالحمامة !
بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة المجلس…مرتدية حجابي ، إذ أنني سأبقى لأتفرج على العريسين و لمياء – شقيقة نوار – تلتقط الصور لهما..
جميعهن كن يجلسن في أماكنهن كما تركتهن قبل قليل، نظرن إلي ّ جميعا حالما دخلت.. فابتسمت في وجوههن…
فجأة لمحت وجها غريبا في غير موقعه !
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
وجه أروى الحسناء !
دُهشت و علاني التعجب ! وقفت هي مبتسمة و قائلة :
” مرحبا رغد ! كيف حالك ؟ و كيف صحتك ؟؟ “
” أروى ! “
” مفاجأة أليس كذلك ؟؟ “
اقتربت منها و صافحتها و الدهشة تتملكني…و نظرت في أوجه الأخريات بحثا عن وجه أم أروى … أو حتى وجه العجوز !
قلت :
” أهلا بك ِ ! أحضرت ِ بمفردك ؟؟ “
ابتسمت و قالت :
” مع وليد “
مع من ؟؟ مع وليد ؟؟ ماذا تقصد هذه الفتاة ؟؟
” مع وليد ؟؟ “
ازدادت ابتسامتها اتساعا و حمرة وجنتيها حمرة و بريق عينيها بريقا … و التفتت نحو دانة ثم نحوي و قالت :
” ألم تخبرك ِ دانة ؟؟ “
التفت نحو دانة و أنا في غاية الدهشة و القلق.. و رميتها بنظرات متسائلة حائرة..
دانة أيضا نظرت إلي بنفس القلق.. ثم قالت :
” إنها … إنها و وليد… “
و لم تتم…
نظرت إلى أروى ، فسمعتها تقول متمة جملة دانة ، تلك الجملة التي قضت علي و أرسلتني للهلاك فورا :
” ارتبطنا .. البارحة “
عفوا ؟؟ عفوا ؟؟ فأنا ما عدت أسمع جيدا من هول ما سمعت أذناي مؤخرا ! ماذا تقول هذه الفتاة ؟؟
” ماذا ؟؟ “
و رأيتها تبتسم و تقول :
” مفاجأة ! أ ليس كذلك ؟؟ “
نظرت إلى دانة لتسعفني …
دانة أنقذيني مما تهذي به هذه … ما الذي تقوله فلغتها غريبة.. و شكلها غريب.. و وجودها في هذا المكان غريب أيضا…
دانة نظرت إلي بحزن ، لا … بل بشفقة ، ثم أرسلت أنظارها إلى الأرض…
غير صحيح !
غير ممكن .. مستحيل … لا لن أصدّق …
” أنت و .. وليد ماذا ؟؟ ار… تبطـ.. ـتما ؟؟ “
” نعم ، البارحة .. و جئت ُ معه كي أبارك للعريسين زواجهما..”
خطوة إلى الوراء، ثم خطوة أخرى.. يقترب الباب مني، ثم ينفتح.. ثم أرى نفسي أخرج عبره.. ثم أرى الجدران تتمايل.. و السقف يهوي.. و الأرض تقترب مني.. و الدنيا تظلم.. تظلم.. تظلم..و يختفي كل شيء…
” سامر .. تعال بسرعة”
هتاف شخص ٌ ما.. يدوي في رأسي.. أيدي أشخاص ما تمسك بي.. أذرع أشخاص ما تحملني.. و تضعني فوق شيء ما.. مريح و واسع..
أكفف تضرب وجهي.. أصوات تناديني.. صياح.. دموع.. لا ليست دموع.. إنها قطرات من الماء ترش على وجهي.. أفتح عيني.. فأرى الصورة غير واضحة.. كل شيء مما حولي يتمايل و يتداخل ببعضه البعض.. الوجوه، الأيدي.. السقف.. الجدران.. أغمض عيني بشدة.. أحرّك يدي و أضعها فوق عيني ّ .. لا أتحمل النور المتسلل عبر جفنيّ .. أشعر بدوار.. سأتقيأ.. ابتعدوا.. ابتعدوا…
~ ~ ~ ~ ~
عندما استردّت رغد وعيها كاملا، كان ذلك بعد بضع دقائق من حضورنا إلى الممر و رؤيتنا لها مرمية على الأرض…
كنا قد سمعنا صوت ارتطام ، شيء ما بالأرض أو الجدران ، ثم سمعنا صوت دانة تهتف :
” سامر ..تعال بسرعة”
قفزنا نحن الاثنان، أنا و سامر هو يهرول و أنا أهرول خلفه تلقائيا حتى وصلنا إلى هناك..
دانة كانت ترفع رأس رغد على رجلها و تضرب وجهها محاولة إيقاظها.. و رغد كانت مغشي عليها…
أسرعنا إليها ، و مددت أنا يدي و انتشلتها عن الأرض بسرعة و نقلتها إلى سريرها و جميعنا نهتف
” رغد.. أفيقي… “
صرخت :
” ماذا حدث لها ؟؟ “
دانة أسرعت نحو دورة المياه، و عادت بمنديل مبلل عصرته فوق وجه رغد، و التي كانت تفتح عينيها و تغمضهما مرارا…
استردت رغد وعيها و أخذت تجول ببصرها فيما حولها.. و تنظر إلينا واحدا عقب الآخر…
قال سامر :
” سلامتك حبيبتي… هل تأذيت ؟؟ “
قالت دانة :
” أأنت على ما يرام رغد ؟؟ “
قلت أنا :
” ما ذا حدث صغيرتي ؟؟ “
نظرت رغد إلي نظرة غريبة.. ثم جلست و صاحت :
” سأتقيأ “
بعدما هدأت من نوبة التقيؤ ، وضعت رأسها على صدر سامر و طوقته بذراعيها و أخذت تبكي …
سامر أخذ يمسح على رأسها المغطى بالحجاب… و يتمتم :
” يكفي حبيبتي، اهدئي أرجوك.. فداك أي شيء…”
قلت :
” صغيرتي ؟؟ “
رغد غمرت وجهها في صدر سامر… مبللة ملابسه بالدموع..
” صغيرتي ..؟؟ “
” دعوني وحدي.. دعوني وحدي .. “
و أجهشت بكاء شديدا…
لم أعزم الحراك و لم استطعه، إلا أن دانة قالت لي :
” لنخرج وليد “
قلت بقلق :
” ماذا حدث يا دانة ؟؟ “
قالت :
” قلت لك… إنها مريضة! هذه المرة الثالثة التي يغشى عليها فيها منذ الأمس… “
صعقني هذا النبأ..
قلت مخاطبا رغد:
” رغد هل أنت بخير..؟؟ “
لم تلتف إلي ، بل غاصت برأسها أكثر و أكثر في صدر سامر و قالت :
” دعوني وحدي… دعوني وحدي..”
يد دانة الآن أمسكت بيدي ، و حثّتني على السير إلى الخارج، ثم أغلقت الباب
حاولت التحدث معها إلا أنها اعترضت حديثي قائلة :
” سوف أعود لأطمئن ضيفاتي.. وليد استدع نوّار … “
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
و انصرفت…
بقيت واقفا عند باب غرفة رغد غير قادر على التزحزح خطوة واحدة.. ماذا حل ّ بصغيرتي ؟؟ و لماذا تتشبث بسامر بهذا الشكل ؟؟ هل صحتها في خطر؟ هل عدلت عن فك ارتباطها به ؟ ماذا يحدث من حولي..؟؟
لحظات و إذا بي أرى دانة تظهر من جديد
” وليد أ لم تتحرك بعد ! هيا استدعه “
” حسنا.. “
و عدت إلى صالة الرجال، و رأيتهم أيضا متوترين يتساءلون عما حدث، طمأنتهم و استدعيت العريس و قدته إلى مجلس النساء.. حيث قامت والدته أو إحدى شقيقاته بالتقاط الصور التذكارية لهن مع العريسين…
أروى كانت بالداخل أيضا..
عدت إلى بقية الضيوف و أنا مشغول البال .. بالكاد ابتسم ابتسامة مفتعلة في وجه من ينظر إلي…
فيما بعد، جاء نوّار و قال :
” سننطلق إلى الفندق الآن..”
و كان من المفروض أن يسير موكب العريسين إلى أحد الفنادق الراقية، حيث سيقضي العريسان ليلتهما قبل السفر يوم الغد مع بقية أفراد عائلة العريس إلى البلدة المجاورة و من ثم يستقلون طائرة راحلين إلى الخارج…
سامر كان من المفترض أن يقود هذا الموكب..
ذهبت إلى غرفة رغد.. و طرقت الباب..
” سامر.. العريسان يودان الذهاب الآن..”
فتح الباب، و خرج سامر.. ينظر إلي بنظرة ريب ..
قلت:
” كيف رغد؟؟ “
قال بجمود :
” أفضل قليلا”
أردت ُ أن أدخل للاطمئنان عليها، لكن سامر كان يقف سادا الباب.. حائلا دون تقدّمي و تحرجت من استئذانه بالدخول..
قلت :
” إنهما يودان الانصراف الآن… “
سامر نظر إلي ّ بحيرة .. ثم قال :
” أتستطيع مرافقتهما ؟؟ “
” أنا ؟؟ “
” نعم يا وليد، فرغد لن تتمكن من الذهاب معنا و علي البقاء معها “
فزعت، و قلت:
” أهي بحالة سيئة؟ “
” لا، لكنها لن ترافقنا ، بالتالي سأبقى هنا “
” إنني أجهل الطريق.. “
” اطلب من أحد أخوته مرافقتكم…”
لم تبد لي فكرة حسنة، قلت معترضا:
” اذهب أنت يا سامر، و أنا باق هنا مع رغد و أروى…”
أقبلت دانة الآن، و سألت عن حال رغد، ثم دخلت إلى غرفتها…
تتمه
” أنا تعيسة جدا “
كان هذا جوابي على سؤال دانة التي أتتني بقلق لتطمئن علي..
دانة جلست إلى جواري على السرير و أخذت تواسيني.. إلا أن شيئا لا يمكنه مواساتي في الصاعقة التي أحلّت بي…
” أرجوك يا رغد.. كفى عزيزتي.. ألن تودّعينني ؟ إنني راحلة عنك للأبد ! “
و جاءت جملتها قاصمة لظهري…
” لا ! لا تذهبي و تتركيني ! سأكون وحيدة ! أريد أمي .. أريد أمي…”
و بكيت بتهيج..
” يكفي يا رغد ستجعلينني أبكي و أنا عروس في ليلة زفافي التعسة ! “
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
انتبهت لنفسي أخيرا.. كيف سمحت لنفسي بإتعاس أختي العروس في أهم ليالي عمرها؟ ألا يكفي أنها حرمت من حفل الزفاف الضخم الذي كانت تعد له منذ شهور… و خسرت كل ملابسها و حليها و أغراض زفافها.. و احترق فستان العرس تحت أنقاب المدينة المدمّرة !؟
طردت بسرعة الدموع المتطفلة على وجهي، و أظهرت ابتسامة مفتعلة لا أساس لها من الصحة و قلت :
” عزيزتي سأفتقدك ! ألف مبروك دانة “
تعانقنا عناقا طويلا.. عناق الفراق.. فبعد أكثر من 15 عاما من الملازمة المستمرة 30 يوما في الشهر، نفترق..و دموعنا مختلطة مع القبل…
قدم سامر.. و قال :
” هيا دانة .. “
صافحتها و قبلتها للمرة الأخيرة… ثم جاء دور سامر، و من ثمّ الرجل الضخم الذي كان يقف في الخارج عند الباب مباشرة…
لم استطع أن ألقي عليه و لا نظرة واحدة.. لم أشأ أن أنهار من جديد.. اضطجعت على سريري، و سحبت الغطاء حتى أخفيت وجهي أسفل منه…
سمعت سامر يقول :
” سآخذهما للفندق و أعود مباشرة.. وليد و خطيبته سيبقيان معك “
و لم تهز في ّ هذه الجملة شعرة واحدة ، بل أغمضت عيني و أنا أقول :
” سأنام..”
أحسست بالجميع يغادرون الغرفة و يغلقون الباب، ثم اختفت الأصوات و الحركات.. لقد غادر جميع الضيوف.. و في الشقة لم يبق إلا أنا.. و وليد.. و الأجنبية الدخيلة…
دخلت في نوم عميق أشبه بالغيبوبة.. إلا أنني في لحظة ما..أحسست بدخول شخص ما إلى الغرفة.. و اقترابه مني.. ثم شعرت بيد تمتد إلى لحافي فتضبطه فوقي، ثم تمسح على رأسي من فوق حجابي الذي لم أنزعه، ثم توهمت سماع همس في أذني …
” أحلام سعيدة يا حبيبتي”
و ابتعد المجهول.. و سمعت صوت انغلاق الباب..
فتحت عيني الآن فوجدت الغرفة غارقة في السكون و الظلام.. هل كان ذلك وهما؟؟ هل كان تهيؤا ؟؟ حلما؟؟
لست أكيدة..
و إن كان حقيقة ، فالشيء الذي سأكون أكيدة منه ، هو أن الشخص كان سامر…
~ ~ ~ ~ ~ ~
استخدمت غرفتي السابقة بينما جعلت أروى تستعمل غرفة العروس، للمبيت تلك الليلة…
لقد كنت شديد القلق على صغيرتي .. و لم أنم كما يجب..
كنا قد قررنا البقاء ليومين قبل معاودة الرحيل، و كان هذان اليومان من أسوأ أيام حياتي !
رغد كانت مريضة جدا و ملازمة للفراش، و سامر كان يمنعني من الدخول إلى غرفتها أغلب المرات، و في المرات القليلة التي سمح لي بإلقاء نظرة، كنت أرى رغد شاحبة جدا و مكتئبة للغاية ، ترفض الحديث معي و تطلب منا تركها بمفردها
ضاق صدري للحالة التي كانت عليها و سألت سامر:
” ماذا حدث لها ؟ هل حدث شيء تخفونه عني؟ لم هي كئيبة هكذا؟؟ هل آذاها أحد بشيء ؟؟ “
قال سامر :
” إنها كئيبة لفراق دانة ، فكما تعرف كانت تلازمها كالظل… “
” لكن ليس لهذا الحد.. أنا أشعر بأن في الأمر سر ما.. “
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون
نظر إلي شقيقي نظرة ارتياب و قال :
” أي سر؟؟ “
قلت :
” ليتني أعرف… “
كنا خلال هذين اليومين نتناول وجباتنا أنا و أروى في المطاعم، و في الليلة الأخيرة، عندما عدنا من المطعم ، وجدنا رغد و سامر في غرفة المائدة يتناولان العشاء…
فرحت كثيرا، فهي علامة جيدة مشيرة إلى تحسّن الصغيرة..
قلت :
” صغيرتي.. حمدا لله على سلامتك، أتشعرين بتحسّن ؟؟ “
رغد نظرت نحوي بجمود ، ثم نحو أروى ، ثم وقفت ، و غادرت الغرفة ذاهبة إلى غرفة نومها…
وقف سامر الآن و نظر إلي بعصبية :
” أ هذا جيّد؟ ما كدت أصدق أنها قبلت أخيرا تناول وجبة.. “
قلت ُ بانزعاج :
” هذه حال لا يصبر عليها، لسوف آخذها إلى الطبيب.. “
و سرت ُ مسرعا نحو غرفتها ، فأقبل شقيقي من بعدي مسرعا :
” هيه أنت.. إلي أين ؟؟ “
التفت ُ إليه و قلت :
“سآخذ الفتاة للمستشفى “
قال بغيظ :
” من تظن نفسك؟ ألا تراني أمامك؟؟ خطيبتك هي تلك و ليست هذه “
قلت مزمجرا :
” قبل أن تكون خطيبتك هي ابنة عمّي ، و إن كنت نسيت فأذكرك بأنها ستنفصل عنك، و لتعلم إن كنت جاهلا بأن أمورها كلها تهمني و أنا مسؤول عنها كليا ، مثل والدي تماما “
و هممت بمد يدي لطرق الباب و من ثم فتحه ، إلا أن سامر ثار… و أمسك بيدي و أبعدها بقوة..
تحررت من مسكته و هممت بفتح الباب ألا أنه صرخ :
” ابتعد “
و قرن الصرخة بانقضاض على ذراعي، و سحب لي بقوة…
دفعت به بعيدا عني فارتطم بالجدار، ثم ارتد إلي و لكمني بقبضته في بطني لكمة عنيفة…
اشتعلت المعركة فيما بيننا و دخلنا في دوامة جنونية من الضرب و الركل و اللطم و الرفس.. أتت في غير أوانها !
أروى واقفة تنظر إلينا بذهول.. و باب غرفة رغد انفتح .. و ظهرت منه رغد مفزوعة تنظر إلينا باستنكار و توتّر
” سامر… وليد… يكفي … “
إلا أن أحدنا لم يتوقّف…
في العراك السابق كان سامر يستسلم لضرباتي .. أما الآن ، فأجده شانا الهجوم علي و يضربني بغيظ و بغض.. كأن بداخله ثأرا يود اقتصاصه مني…
بعد لحظات من العراك، و يد الغلبة لي، و أنا ممسك بذراع أخي ألويها للوراء و أؤلمه ، جاءت رغد تركض نحوي صارخة :
” أترك خطيبي أيها المتوحّش “
و رأيت يديها تمتدان إلي ، تحاولان تخليص سامر من بين يدي…
أمسكت بذراعي و شدّتني بقوة، فحررت أخي من قبضتي و استدرت لأواجهها…
صرخت بوجهي :
” وحش.. مجرم.. قاتل.. أكرهك.. أكرهك.. أكرهك “
و بقبضتيها كلتيهما راحت تضربني على صدري بانفعال ضربة بعد ضربة بعد ضربة… و أنا واقف كالجبل بلا حراك.. أشاهد.. و اسمع.. و أحس.. و أتألم..
و أحترق… و أتزلزل … و أموت.
رواية انت لي الحلقة التاسعة و العشرون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى