روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت الفصل 28

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الثامن والعشرون”
____________

“ليتها ترىٰ نفسها بعيني لِتُدرك كَم أحبها”
____________

تلك القلوب التي أنهكتها الحياة، أصبحت تشبه دُمية ملقاه في المياه، حتى يأتي مَن ينتشلك ويكون لك طوق النجاة

وقفت «خديجة» مشدوهة مما رآته عيناها، فهي لم تتصور ولو بأحلامها أن تقابل ما قابلته اليوم، حيث وجدت «ميمي» تفتح ذراعيها على وسعيهما وهي تقول:

“البيت نور بوجود الغالية مرات الغالي”

وجهت بصرها نحو «ياسين» الذي كان واقفًا بجانب مقعد «ميمي»، حينما نظرت له أومأ لها مُشجعًا، فذهبت بتوتر إلى «ميمي» التي أخذتها في أحضانها بقوة، بينما «خديجة» اتسعت مقلتيها مُتعجبة من ردة فعل «ميمي» ، ضحك «ياسين» ثم قال:

“براحة على البت، لسه متعرفش أنتِ مين ومخضوضة يا ميمي”

أخرجتها «ميمي» من بين ذراعيها ثم ربتت على وجنتيها وهي تقول بصوتٍ متأثر:

“غصب عني مقدرتش أمسك نفسي وأنا شايفة مراتك قصاد عيني، أنا كنت بتمنى اليوم دا من زمان”

إبتسمت «خديجة» بتوتر ثم نظرت له، كانت نظرتها مُتسائلة، فحمحم هو ثم قال:

“أنا هدخل أجيب مياه و حاجة نشربها، وهفهمك كل حاجة”

تركهن «ياسين» بمفردهن، بينما «ميمي» أمسكت كفها وأجلستها بجانبها ثم قالت:

“تعالي يا نور عيني، دا أنا كنت قربت أحلم بِكِ من كتر ما ياسين كلمني عنك”

أومأت لها في توتر ملحوظ خاصةً أنها لا تعلم مدى قرابتها من «ياسين»، كانت تفرك كفيها كعادتها أثناء توترها، وبدا التعرق واضحًا على جبينها، مُصاحبًا لكل ذلك آلام في معدتها من إثر التوتر، كانت «ميمي» على علم مسبق بحالتها، لكنها شعرت بالحزن لأجلها حينما رآت حالتها تلك، لذلك مدت كفيها وأحتضنت كف «خديجة»، ثم ربتت عليه بحنو وهي تقول:

“أنا مش عاوزاكِ تخافي مني، أنتِ عندي في غلاوة ياسين بالظبط، أوعي تحسي إنك متوترة أو قلقانة وأنتِ معايا

نظرت لها ومازال التوتر باديًا على ملامح وجهها، ولكنها أومأت بهدوء، خرج «ياسين» ثم حمحم وقال بعد ذلك:

“عملتلك معانا شاي بالنعناع، ولو عاوزة أي حاجة تانية قوليلي أجبهالك”

إبتسمت بتوتر ولكنها لم تستطع أن تجيبه، فقد فر صوتها منها وكأنها أصبحت بلا لسان، بينما «ياسين» جلس على المقعد المقابل لها ثم قال مُبتسمًا:

“أنا أسف على المفاجأة الغريبة دي، بس بصراحة ميمي مكانتش هتتحمل أكتر من كدا من غير ما تشوفك”

نظرت «خديجة» لـ «ميمي» فوجدتها تضحك بإتساع، بينما «ياسين» رسم الجدية على ملامح وجهه ثم قال:

“كل الأسئلة اللي بتفكري فيها ميمي هتجاوبك عليها حالًا”

ربتت «ميمي» على ذراعها بهدوء ثم قالت:
“قوليلي عاوزة تعرفي إيه بالظبط؟”

لم تُجيبها هي، بل تدخل هو قائلًا:
“لأ أحكيلها كل حاجة من الأول، من أول مرة عرفناكِ فيها”

تنهدت «ميمي» بقوة و إبتسمت بحزن ثم قالت وكأن الماضي يدور أمام عينيها:

“أنا ياستي مفيدة عصمت ممتاز، زي ما أنتِ شايفة كدا ست مُسنة كنت عايشة لوحدي، جوزي الله يرحمه سابني بدري ومات معايا ولدين، كان سايب بيت بإسمهم وقالي علشان يقدروا يعيشوا من بعده، المهم ولادي طمعوا وباعوا البيت علشان يسافروا ويظبطوا نفسهم، وسط كل دا بقى نسيوا أمهم، فضلت أحارب فيهم علشان البيت بس لا حياةً لمن تنادي، كانوا الاتنين في السن القانوني يعني مقدرش أعمل حاجة معاهم، وباعوا البيت وسافروا، بس الشهادة لله طلعوا فيهم حتة حنينة وأجرولي الشقة دي ودفعوا شهور مُقدم، لحد ما جه اليوم اللي صاحب البيت كان عاوز يطردني من الشقة دا كان يوم السعد في حياتي يوم ما دخل حياتي الأربع ولاد”

كان «ياسين» ينظر لها بحزن، وكذلك «خديجة» أيضًا التي نست ما تشعر به وإندمجت في حديث «مُفيدة» بكامل قوى تركيزها
(منذ عدة سنوات)
كانت «ميمي» تبكي بحرقة، وبجانبها «لُطفي» صاحب البيت وهو يقول بصوتٍ عالٍ:

“خُلاصة القول يا ست مُفيدة، الإيجار اللي عيالك دفعوه خلاص وقته خلص، أنا أعمل إيه بقى؟ ماهو أنا مش فاتحها جمعية خيرية، أنا ورايا كوم لحم”

إقتربت منه وهي تقول بصوتٍ مختنق من أثر البكاء:
“والله هتصرف بس أنا معرفش حد والله حتى أختي مسافرة مع جوزها مش عارفة أوصلها، سبلي فرصة أحب على راسك”

نظر لها بوجهٍ متهجم ثم قال:
“لأ معطلكيش بقى يا ست مفيدة، دا أخر يوم لكِ هنا، والحمد لله إنك من غير عفش ولا حاجة، تاخدي هدومك وبرة البيت”

خطى خطوات قليلة ثم عاد إليها وهو يقول بصوتٍ مليءٌ بالقوة:
“أنا هروح أصلي العصر وأرجع ألاقيكِ برة البيت”

جلست تبكي أمام عتبة الشقة، وهي تضع كفيها على رأسها وتفكر في حل لتلك المعضلة التي وقعت بها دون إرادة منها، وبعد ما يقرب النصف ساعة عاد «لُطفي» ومعه زوجته وأخته، وحينما رآها على وضعها ذلك، أمرهن بصوتٍ متعالٍ:

“برضه لسه موجودة؟ أمسكوها ونزلوها يا عايدة يالا و واحدة منكم ترجع تلملها هدومها”

وبالفعل قاما الأثنتين بمسك دراعها رغمًا عنها وهي تبكي بِحرقة، وألقوها خارج المنزل بقوة، في نفس الوقت نزل الأربعة شباب من البيت المجاور لمنزل «ميمي» حيث كانوا يأخذون درسًا خصوصيًا في ذلك البيت، نزل الأربعةِ وهم يتسابقون لنزول الدرجات، وجدوا الناس مجتمعون بجانب إمرأة تبكي وفجأة نزلت فتاة في العقد الثالث من عمرها وألقت بملابسها في وجهها دون رحمة منها، كانت النظرات جميعها مُشفقة عليها، نظر الصبية إلى بعضهم البعض ،ولكن أول من إقترب منها كان «ياسين» جثى على ركبتيه أمامها ثم مد كفه ومسح دموعها، نزل «لطفي» وهو يمسح كفيه ببعضهما البعض وقال بغلاظة:

“كدا خلاص هدومك معاكِ، وملكيش حاجة هنا الناس بكرة هتيجي تاخد الشقة تتصرفي وتشوفي مكان تاني يلمك”

وفور إنتهاء جملته وجد «خالد» يمسكه من تلابيبه، على الرغم من إنه كان في الخامسة عشر من عمره إلا أنه كان صارمًا بشدة، ثم صاح به بصوتٍ عالٍ:

“يا راجل يا زبالة بتطرد ست من البيت وترميها في الشارع علشان فلوس ؟ دا بدل ما تساعدها، ولا حتى تصبر عليها لحد ما ربك يفرجها”

أنزل «لطفي» كفي «خالد» من ملابسه ثم قال:

“يالا من هنا يلا أنتَ، هو أنا موظف شئون إجتماعية يا اخويا، ما اصرف عليها بالمرة، خلاص الايجار وقته خلص، تتصرف وتدفع الشهرين اللي عليها، وتدفع شهر مُقدم وأنا هسيبها تقعد في الشقة، غير كدا معطلش حد فيكم”

وقف «عامر» بجانب «خالد»، بينما «ياسر» و «ياسين» كلًا منهما يُربت على كتف «ميمي» و يمسحا دموعها، نطق «عامر» بقوة قائلًا:

“الخُلاصة يعني الفلوس دي كام؟”

شعر «لُطفي» بإنه على وشك الفوز وهو يحتال الصبية الصغار فقال:
“٨٠ جنيه الـ ٣ شهور”

صرخت «ميمي» قائلة:
“يا ضلالي الـ ٣ شهور بـ ٦٠ جنيه بس”

نظر لها «لُطفي» بغضب وهو يقول:
“ومش فيه كهربا و مياه ولا دول لله كدا؟”

نظر الصبية إلى بعضهم البعض، وكلًا منهم يفهم تلك النظرة، فتحدث «ياسين» قائلًا:

“بعد المغرب هتبقى الفلوس عندك، وزيادة كمان بس بشرط، تدخلها الشقة تاني”

رفع «لُطفي» حاجبه ينظر لـ «ياسين» وهو يفكر في حديثه ثم قال:
“ولو محصلش والفلوس جت النهاردة، عارفين هعمل فيكم وفيها إيه؟”

تحدث «خالد» بنفس النبرة الصارمة:

“إحنا مش عيال صغيرة قُدامك، الفلوس هتجيلك النهاردة وزي ما قال بزيادة، بس تدخلها الشقة، ومحدش يتعرض لها”

أومأ «لُطفي» ثم قال بطريقة مُستفزة:
“وماله، محدش قال إنكم عيال، أنتم رجالة كبار كمان، بس لو العشا أذنت ومحدش فيكم جه، يبقى قولوا على نفسكم يا رحمن يا رحيم”

أوقفها «ياسر» و «عامر» معًا، بينما «ياسين» و «خالد» وقفا يتحدثا مع بعضهما، بعد ذلك قام الأربعة شباب بتدخيلها شقتها، كانت «ميمي» تسير معهم كالمُغيبة، بعد ذلك تحدث «خالد» قائلًا:
“بصي يا حجة إحنا دلوقتي هنروح نتصرف ونرجع تاني، وهنسيب معاكِ عامر دا علشان لو الراجل دا رجع تاني”

وقف «عامر» بحنق وهو يقول:
“وليه أنا ماجيش معاكم؟ ما تقعد أنتَ ولا أي حد فيكم”

تدخل «ياسين» قائلًا:
“علشان لو هو رجع لازم يكون في حد معاها، وأنا مش هعرف أتصرف لوحدي، و ياسر زيي برضه، وخالد لازم يجي معانا علشان نتصرف ولو خالد فِضل هنا ممكن يضرب الراجل دا لو دخل هنا”

أومأ «عامر» في هدوء ثم قال:
“خلاص ماشي، بس لو جه وأنا جبتله شلل محدش يحاسبني”

ضحكوا جميعًا بينما «ياسين» ربت على كتفه ثم قال:
“لو عملت كدا تبقى خدمتنا خدمة العمر”

نزلوا الشباب عدا «عامر» الذي جلس ينظر لـ «ميمي» التي كانت شاردة ولم تتفوه بـِحرفًا واحدًا، وكأنها في عالم آخر، حمحم «عامر» ثم قال:

“إزيك يا طنط عاملة إيه؟”

وجهت أعينها المنتفخة من البكاء نحوه ثم أومأت له في هدوء ، تنحنح هو ثم قال:

“أنا عامر فهمي، الصايع الرابع بتاع العيال اللي كانوا هنا”

نظرت له دون أن تتفوه، بينما هو جذب المقعد وجلس أمامها ثم قال:

“بصي أنا مش عارف إيه القصة، بس لو الراجل دا جه هنا هتشوفي أعملك فيه إيه”

أمعن النظر لها فوجد وجهها شاحبًا من قلة الطعام، فأخرج من حقيبة ظهره الذي يرتديها في الدروس طعامًا، حمحم قبل أن يقول لها:
“شكلك كدا مكالتيش حاجة، بصي أنا كنت عامل سندوتشات ليا و لصحابي يالا ناكلهم سوا”

حركت رأسها نفيًا ثم قالت بهدوء:
“شكرًا يا حبيبي مش عاوزة حاجة”

حرك رأسه وهو يبتسم ثم قال:

“لأ والله ما يحصل أبدًا، لازم تاكلي علشان تساعديني، ماهو أنا مش هعمل كل حاجة لوحدي”

تعجبت من حديثه فسألته مستسفرة:
“أساعدك إزاي يعني؟”

غمز لها ثم قال بمرحٍ:
“علشان لو عم لُطفي دا جه نعرف نجبله جلطة مع بعض”

إبتسمت على حديثه ثم قالت بغلبٍ:
“شكلك غلباوي يا واد أنتَ”

إبتسم بفخرٍ ثم قال:
“لأ دا أنا أعجبك أوي، يالا بقى كُلي معايا

أومأت له في هدوء ثم أخذت الطعام من كفه الممدود لها

في منزل «ياسين» كان جالسًا برفقة أصدقائه أمام والدته و والده، وقص عليهما ما حدث، نظر لهم «رياض» ثم قال:

“طب وأنتم هتعملوا إيه يعني؟”

رد عليه «خالد» قائلًا:
“هنساعدها يا عمو علشان حرام تترمي في الشارع، عم لطفي دا راجل صعب أنا عارفه من أيام أبويا الله يرحمه”

أومأ لهم «رياض» ثم نظر لزوجته وجدها تومأ له، فقام وجلب المال وأعطاه لهم، ثم قال:

“أنا هاجي معاكم، ونروح لفهمي علشان فهمي عارفه”

وبالفعل ذهب الشباب مع «رياض» لمحل والد «عامر» أعطاهم «فهمي» جزء من المال ثم قال لـ «رياض»:

“أنا هسيبهم هما يروحوا النهاردة، عارف ليه علشان ميفتكرش إنهم عيال، وبكرة أنا هكلمه وأخليه يتلم، وبعد كدا يبقى أنا وأنت يا رياض ندفع الإيجار”

وقف «الشباب» أمام المسجد قبل صلاة المغرب، وبعد ثوانٍ اتى «لُطفي» إبتسم لهم بسخرية ثم قال:

“إيه بتحمعوا الصدقة ولا إيه؟ قولتلكم مش هتعرفوا تتصرفوا؟”

ضحك الشباب على حديثه بسخرية، فقام «ياسين» بإمساك كفه ووضع به «١٠٠» جنيه ثم قال:
“فلوسك أهيه و بزيادة، لو حد قربلها أو زعلها، هتبقى أنتَ اللي أخترت”

أخذ «لطفي» الأموال من يد «ياسين» ثم قال بنبرة طامعة:
“هاه؟ وماله لأ طلعتوا رجالة و جيتوا قبل المعاد”

وقبل أن يدلف داخل المسجد أوقفه «خالد» وهو يقول بذكاء:
“أستنى بس ، نخرج من الصلاة نلاقي وصل بإننا دفعنا، وجهز نفسك كل شهر هناخد منك وصل”

نظر له «لُطفي» بتعجب ثم قال بنبرة مُتعجبة:
“لأ وكمان ناصحين! ماشي ياخويا نخلص الصلاة وهسلمك الوصل”

تركهم و دخل المسجد بينما «ياسين» و «ياسر» نظرا لـ «خالد» بتعجب، ضحك هو وقال بفخر:

“هفهمكم الوصل دا لإيه؟ إحنا مأجرين شقق للناس في بيتنا، وهما لما بيدفعوا أمي بتديهم وصل بالدفع، علشان يبقى إثبات”

نظرا له صديقيه بفخر فتحدث «ياسر» قائلًا:
“يابن اللعيبة يا خالد جدع ياض”

تدخل «ياسين» قائلًا:
“المهم دلوقتي متبقي معانا ١٠ جنيه، نعمل بيها إيه؟”

أجابه «خالد» ببساطة:
“نرجعها لأبوك ولعم فهمي، دي فلوسهم”

رد عليه «ياسين» بسرعة وكأنه وجد الفكرة:
“أنا بقول طالما الفلوس دي ليها، يبقى نجيب حاجات ليها في البيت يعني أكل وحاجات شكلها معهاش حاجة خالص”

وافقه «ياسر» ثم اضاف:
“وأنا هروح أجيب حاجات من المحل عندنا وأنتم كملوا”

وبعد قليل وصل الشباب إلى شقة «ميمي» بعدما أخذوا الإيصال من «لطفي» وهم يحملون في أيديهم طعام ومشتريات للبيت، نظرت لهم متعجبة، وأول من أقترب منها كان «ياسين» الذي قال:
“الحمد لله المشكلة اتحلت متقلقيش، محدش هيقدر يجي جنبك”

نظرت لهم متعجبة ثم قالت:
“إزاي، انتم عملتوا إيه؟”

تحدث «عامر» بثقة:
“مش قولتلك دول صحابي، يعني محدش يقدر علينا”

جلس «خالد» بجانب «ياسين» ثم قال:

“الوصل أهو يثبت حقك، ودي حاجات علشانك، ولو عوزتي حاجة قوليلنا يا…هو إسمك إيه صحيح؟”

ادمعت أعينها ، ولكنها تحدثت بصوتٍ جاهدت حتى يكون طبيعيًا:

“إسمي مفيدة”

أومأ لها الجميع، بينما «ياسين» تحدث بسرعة كبيرة وهو يقول:
“ميمي، إحنا نقولك يا ميمي إيه رأيك؟”

أعجب الجميع بالإسم، بينما هي إبتسمت ثم قالت:

“حلو ميمي دا”

نظر لهم «خالد» حتى يرحلوا فوقفوا جميعًا، بينما هي تحدثت بخوف قائلة:

“هو أنتم هتروحوا فين؟”

إقترب منها «ياسر» وقال بحنو:
“إحنا كنا في درس هنا، وهنروح نذاكر”

أدمعت أعينها للمرة الثانية ثم قالت:
“طب هشوفكم تاني طيب؟”

نظروا جميعًا إلى بعضهم البعض، فتحدث «عامر» بمشاكسة قائلًا:
“وإحنا نقدر نسيبك يا عسل أنتِ، هنرجعلك تاني”

إبتسمت هي بينما «ياسين» جثى على ركبتيه أمامها ثم قال بحنوٍ بالغ:
“مش هنسيبك يا ميمي، هنرجعلك مرة تانية”

(عودة إلى الوقت الحالي)

تنهدت «ميمي» بعدما قصت قصتها على «خديجة» التي كانت تبكي تارةً وتبتسم تارةً أُخرى، فأضافت «ميمي» قائلة:

“ومن يومها محدش فيهم سابني، خلصوا مدرسة و جامعة وشغل وكل حاجة وهما معايا، الأربعة عندي واحد، كلهم أحن عليا من قلبي، ربنا عوضني عن عيالي وعن اللي عملوه فيا بيهم، فيهم اللي طبعه هادي زي ياسر، وفيهم الحنين زي ياسين وفيهم العصبي زي خالد، وفيهم المرح زي عامر، بس في لحظة كدا تحسي إن الأربعة كلهم واحد وطبع واحد”

تنهدت «خديجة» بعمق ثم نظرت لـ «ياسين» الذي إبتسم لها بتوتر، نظرت «ميمي» لهما و لنظرتهما لبعضهما البعض، بينما «ياسين» أضاف قائلًا بعدما تنحنح يُنقي حنجرته:

“ومن ساعتها وأنتِ بقيتي كل حاجة عندنا يا ميمي، وعمرنا ما عرفنا نبعد عنك، كان بيتك لينا زي الملجأ”

نظرت إلى «خديجة» فوجدتها صامتة، فقالت:
“إيه يا خديجة، مالك ساكتة ليه؟”

حمحمت «خديجة» ثم قالت بتوتر :
“لأ أبدًا بس مش قادرة اتخيل إن ممكن حد يعمل كدا في مامته، يعني يسيبها من غير حتى ما يطمن قلبه عليها”

تدخل «ياسين» قائلًا:
“على قد ما أنا نفسي أشوفهم وأخلص منهم اللي عملوه، على قد ما أنا فرحان إنهم سابوها علشان تدخل حياتنا وتكون معانا”

أومأت له «خديجة» ثم نظرت له بفخرٍ، ولكن ما أخرجها من نظرتها وحالة الفخر تلك، رنين هاتفها برقم والدتها، توترت «خديجة» ثم قالت:
“ماما بتتصل أنا..أنا شكلي أتأخرت”

ثم وقفت ترتدي حقيبة ظهرها الصغيرة بتوتر وخوف، وقف «ياسين» وأمسك كفها ثم قال:

“إهدي طيب شوية، وأنا هوصلك،متخافيش أنتِ مع جوزك”

تحدثت «ميمي» بهدوء:
“طب يالا يا ياسين روح وصلها علشان متتأخرش”

قبل خروجهما من الشقة، تحدثت «ميمي» قائلة:

“خديجة هشوفك تاني؟”

إبتسمت «خديجة» بتوتر ثم أومأت بهدوء،

وبعد قليل وصل «ياسين» أسفل البناية الخاصة بها بسيارته ، كانت هي طوال الطريق تشعر بالخوف، نظر لها ثم قال بهدوء:
“إحنا متأخرناش على فكرة، دا لسه بدري أوي، تحبي أطلع معاكِ”

حركت رأسها بخوف ثم قالت:
“لأ خليك هنا وأنا هبقى أطمنك، أنا بس متسغربة إن ماما إتصلت بيا ودي أول مرة تعملها”

ربت على كفها بهدوء ثم قال:
“متخافيش خير إن شاء الله”
__________________

في شقة «خديجة» كانت زينب جالسة بهدوء أمام التلفاز ، إقترب «طه» منها ثم قال:
“كلمتي خديجة يا زينب ؟”

أومأت له ثم قالت:
“آه يا طه ومردتش عليا، على فكرة لسه بدري أوي على قلقك دا”

نظر لها بضيق ثم قال:
“عاوز أطمن عليها يا زينب، مش بنتي يعني”

قبل أن تجيبه أتت «خلود» وقالت بهدوء:
“إطمن يا حاج محدش قالك حاجة، بس برضه دي مع جوزها ولسه فترة تعارف يعني منتقلش عليهم”

نظر لها بسخرية ثم قال:
“ياختي أنتِ واعية أوي كأنك أنتِ الكبيرة مش خديجة”

غمزت له ثم قالت:
“تربيتك يا حاج طه،لكن خديجة دي تربية زينب و مروة”

رفعت والدتها حاجبيها بتعجب ثم قالت:
“قصدك إيه يا خلود؟ لمي نفسك بدل ما ألمك”

حمحمت «خلود» بإحراج ثم قالت:
“مقصديش حاجة يا ماما، أنا أقصد إنك طيبة وطنط مروة طيبة، طبيعي خديجة تبقى طيبة”

تعجب «طه» من إجابتها فقال:
“يعني هو أنا اللي شرير يا بنت طه؟ أنتِ بتعكي الدنيا خلي بالك”

وقفت وهي تقول:
“لأ القعدة معاكم صعبة، أنا هنزل لـسلمى أحسن”

نزلت «خلود» من الشقة بينما «طه» نظر لزوجته وقال:
“ما تتصلي بخديجة كدا يا زينب”

حركت «زينب» رأسها نفيًا ثم قالت بإستفزاز:
“عاوز تطمن إتصل أنتَ يا طه”

نفخ وجنيته ولم يُعقب ولا ينفذ ما قالته

في الأسفل وقفت «خديجة» تنتظر المصعد، و«ياسين» بجانبها، نزل «المصعد» ودخلته هي بينما «ياسين» قال بهدوء:
“متخافيش و خليكِ جامدة كدا متتوتريش ماشي؟”

حركت رأسها موافقة بتوتر، فإبتسم هو ثم قال:

“لأ ما هو واضح بصراحة”

زفرت بقوة ثم قالت:
“طب حاسب بقى علشان الأسانسير يتحرك”

أومأ لها في هدوء ثم إبتعد، صعد المصعد وكانت «خديجة» تزفر بقوة حتى تُهديء نفسها، ولكنها تفاجأت حينما توقف المصعد في الطابق الثالث، رفعت رأسها وجدت «هدير» في وجهها، شعرت «خديجة» بالتوتر أكثر بينما «هدير» رفعت حاجبها وقالت بسخرية:

“خديجة ؟ وشك ولا وش القمر؟”

تلعثمت «خديجة» أمامها وهي تقول:

“آه..إزيك يا هدير؟”

تحدثت «هدير» بثقة:
“أنا كويسة أوي الحمد لله، أنتِ إيه أخبارك، مع أني واثقة إنك كويسة أوي”

تعجبت «خديجة» من حديثها وطريقتها الغريبة فقالت بهدوء:
“ليه بتقولي كدا يا هدير؟”

نظرت لها «هدير» بخبث ثم قالت:

“لأ أصلك مفهمة العيلة كلها إنك البت اللي مفيش منها ومبتخرجش ومبتنزلش ومتعرفش حد، وأول ما كتبتي كتابك كل حاجة ظهرت، بقيتي بتخرجي وتلبسي كمان وواخدة بالك من نفسك”

في الأسفل وقف «ياسين» يراقب حركة المصعد من خلال لوحة الأرقام الموضوعة بجانبه، وحينما لاحظ طيلة وقوف المصعد في هذا الطابق تحديدًا شعر بالقلق وخشيْ أن يكون والدها هو من قابلها، عند «خديجة» إتسعت مقلتيها من حديث «هدير» وشعرت بالتوتر فقالت:

“لـ…ليه بتقولي كدا يا هدير؟”

وبنفس النبرة الخبيثة أضافت «هدير» قائلة:

“خديجة أنتِ فكراني بصدق الهبل بتاعك دا؟ يعني دور البت الخام اللي متعرفش حاجة، وبتتوتر من أقل حاجة، أنا أكتر واحدة عارفاكِ بدليل إن ياسين دا لسه مكمل معاكِ ودا كله بسبب ذكائك”

أتى صوته من خلفها وهو يقول:
“لأ والله يا آنسة عبير، حسبتيها غلط، أنا مكمل معها علشان بحبها وعلشان ما صدقت لقيتها، مش ذكاء منها ولا حاجة”

إتسعت حدقتي «خديجة» بينما «هدير» وقفت كمن سُكب عليها دلوًا من الماء البارد في ليالي الشتاء القاسية، إقترب منهن «ياسين» ثم وقف مقابلًا لـ «هدير» وهو يقول:

“ياريت حضرتك متدخليش في حاجة متخصكيش، يا آنسة عبير، مع أني واثق إن دا صعب عليكِ”

رفعت حاجبها بحنقٍ ثم قالت:
” بس أنا أسمي هدير، مش عبير؟”

نظر لها «ياسين» بسخرية ثم قال:

“أصلًا؟ والله أنا دا كله عمال أخمن في الإسم، أصل أنا معرفش هنا غير إسم خديجة”
ثم غمز لها بطرف عينه،

ضمت ذراعيها أمام صدرها ثم قالت بنبرة ساخرة:
“والله بكرة تندم يا ياسين ، أصلك وقعت غلط”

نظر «ياسين» خلفه وجد «خديجة» تبكي بهدوء، فإلتفت مرة أخرى لـ «هدير» ثم قال:

“والله أنتِ معزورة أصلك مشوفتيهاش بعيني علشان تعرفي هي عندي وبحبها إزاي؟ ودي أنا اللي أقررها مش أنتِ، وبعدين ليه ميكونش اللي وقع غلط هو اللي هيفكر يرتبط بواحدة زيك كدا؟ بتسيء للناس من غير مبرر، أنا بس عندي سؤال ضروري أنت مستفادة إيه من اللي بتعمليه؟”

وقبل أن تجيبه، صدح صوت «وليد» قائلًا بسخرية:

“عفوًا يا عزيزي، لقد بُلينا بقومٍ يظنون أنفسهم محور الكون وهما آخرهم زي رشة الكمون”

بعد جملته تلك وقف بجانب «ياسين» ثم نظر لها بضيق،
بينما «هدير» قالت بهدوء:

“أطلع منها أنتَ يا وليد، متدخلش بينا”

رفع «وليد» أحد حاجبيه بحنق ثم قال:
“واللهِ؟ عاوزاني أشوفك بتزعلي أختي وأسيبك كدا؟”

تدخل «ياسين» بخبثٍ وهو يقول:
“قولي صحيح يا وليد إشمعنا قولت زي رشة الكمون؟”

رُسمت نظرة التسلية على وجه «وليد» وهو يقول:
“أنتَ لو قدامك طبق فول بالزيت الحار ونسيت تحط رشة الكمون هتفرق معاك في حاجة؟”

بنفس الخبث رد عليه «ياسين»:
“خالص والله، خصوصًا إني مبحبش الكمون أصلًا”

رد عليه «وليد»:
“هما الناس دي كدا، ملهمش لازمة زحمة على الفاضي”

نفخت «هدير» وجنتيها ثم هربت من تلك الحرب التي أوقعت نفسها بها و هُزمت بداخلها هزيمة ساحقة. بعد إختفاء «هدير» من أمامهم نظرا الأثنين إلى «خديجة» التي بدت وكأنها في عالمٍ آخر، إقترب منها «ياسين» وهزها برفق شهقت هي بقوة، ثم نظرت لهما، سألها «وليد» بهدوء:

“خديجة أنتِ كويسة؟ فيكِ حاجة؟”

هزت رأسها نفيًا ثم قالت بعدما مسحت آثار أدمعها:

“آه أنا كويسة، عاوزة أطلع أوضتي”

نظر لها «ياسين» مُتعجبًا ثم قال:
“طب أجي معاكِ طيب؟ ولا تحبي أخدك تفكي شوية تحت”

حركت رأسها نفيًا دون أن تنظر له ثم قالت:
“مش عاوزة حاجة، أنا عاوزة أطلع بس”

أمسك «وليد» كفه وضغط عليه برفق، ثم قال:
“خلاص يا خديجة، أطلعي أنتِ ارتاحي”

إبتعدا الأثنين عن المصعد حتى يفسحا لها المجال، وقف «ياسين» مشدوهًا مما حدث، فقال مُستفسرًا:

هو إيه اللي حصل يا وليد، أنا مش فاهم حاجة؟”

أخذ «وليد» نفسًا عميقًا ثم قال:
“دي هدير بنت عمي، ودي نبذة عن طريقتها مع خديجة، وزي ما أنتَ شوفت كدا خديجة لا بتصد ولا بترد، يدوبك هتدخل أوضتها تنام معيطة، وتبكي على اللي جاي واللي راح”

شعر «ياسين» بالضيق فقال:
“يعني إيه الهبل دا ؟ وهو مفيش حد يوقفها عند حدها، ولا كبير يعرف يوقفها؟”

حرك رأسه آسفًا ثم قال:
“لأ للأسف هي علطول بتعرف تبرأ نفسها كويس أوي، وبتعرف إمتى تكدب غيرها”

شد «ياسين» فروة رأسه بقوة و زفر بضيق، ثم قال:
“ماشي يا وليد، أنا كنت ماصدقت خدت عليا شوية وبدأنا نتفاهم سوا”

ربت «وليد» على كتفه ثم قال:
“متقلقش هي هتزعل شوية بس وهتبقى زي الفل، ممكن تصحى أصلًا ناسية اللي حصل”.

أومأ له «ياسين» ثم رحل من أمامه ، بينما «وليد» نفخ وجنيته ثم قال:
“ماشي يا هدير يا أنا أنتِ يا بنت فاطمة”

عاد «ياسين» إلى منزله وهو يشعر بالضيق مما حدث، خصيصًا أنه منذ خروجه من بيتها يحاول جاهدًا الوصول إليها ولم يستطع، جلس بجانب والدته التي كانت تشاهد التلفاز، بينما والده كان في الأسفل، ألقى برأسه على فخذ والدته التي تعجبت من فعلته تلك فقالت بتعجب:

“مالك يا حبيبي؟ أنتَ تعبان ولا إيه؟”

قال بعدما زفر بعمقٍ:
“لأ ، أنا كويس”

وضعت كفها داخل شعره وهي تمرر أصابعها بحنو ثم قالت:

“كداب يا إبن زُهرة، طول عمرك بتنام على رجلي لما تكون مخنوق كدا، بس قولي بقى إيه اللي مزعلك؟”

“خديجة”

قالها بهدوء دون تفكير، فتعجبت والدته وقالت:
“خديجة هي اللي مزعلاك؟ أنتو لحقتوا؟”

حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“أنا مش زعلان من خديجة، أنا زعلان علشان خديجة”

زادت دهشة والدته فقالت:
“ليه مالها؟ حصلها حاجة؟”

إعتدل «ياسين» في جلسته ثم قال:
“في بس حاجة مضيقاها وأنا مش عارف أعمل إيه”

ربتت والدته على كفه ثم قالت:
“طب أدخل غير هدومك، و فوق نفسك كدا، وكلمها متسيبهاش تزعل كتير، علشان وقت الزعل دا بيحصل فيه حاجات كتير”

أومأ لها ثم دخل غرفته، تحمم وبدل ملابسه بأخرى مريحة، عبارة عن بنطال رياضي (شروال) من اللون الأسود و تيشيرت من اللون الأبيض، جلس على الفراش وهو يحاول الإتصال بها فلم يأتيه ردًا منها زفر بضيق، وبعد ذلك خرج الشرفة جلس بها، حاول مرارًا و تكرارًا وأيضًا نفس النتيجة دون رد، تحدث بسخرية قائلًا لنفسه:

“يا فرحتك بإبنك يا زُهرة، بقى مستني رسالة و رد من أحدهم، يا حلاوة”

دخل «والده» وهو يضحك بسخرية ثم قال:
“مش بدري إنك تكلم نفسك يا ياسين؟ دا أنتَ لسه على البر”

نظر لوالده بضيق ثم قال:
“رياض لو هتقعد تتريق، يبقى روح أقعد مع زُهرة، هتساعدني يبقى إتفضل؟”

حرك والده رأسه بيأسٍ ثم قال:
“وهو أنا عبيط زيك كدا ياض ؟ إسمع بقى من حبيب قديم هتعمل إيه؟”

إقترب «ياسين» من والده بمقعده وهو يقول:
“اشجيني يا رياض يا عظمة”

سأله والده مُستفسرًا:
“قولي بقى إيه اللي زعلها؟”

شعر «ياسين» بالحرج من والده، ففي النهاية هذه حياة زوجته الخاصة ولا يستطع أن يُفشيها أمام الآخرين ، لكنه قال بهدوء:

“بص علشان دي حاجة متخصناش يعني، حصل موقف رخم من قريبتها، وهي زعلانة هو حقها بصراحة بس أنا مال أمي مش بترد عليا ليه؟”

ضحك والده، فأثار حنقه فقال بضيق:
“أطلع برا يا بابا روح لماما يالا، أنا غلطان علشان بحكيلك”

أوقف والده الضحك ثم قال:
“ياض أهدا خلاص، إسمعني بقى وأنا هحللك الموقف دا كله”
____________

في شقة «خديجة» كانت في غرفتها تفكر في حديث «هدير» ورغمًا عنها بكت بقوة، هي مازالت ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها، وبعد ذلك هاجمتها خيباتها وذكرياتها المريرة، هاتف «وليد» «خلود» واخبرها أن «هدير» تعامدت إهانة «خديجة»امام «ياسين» لكنه طلب منها أن لا تخبرها بما حدث وطلب منها أن تقوم بالتهوين عليها، وهو سيأتي برفقة «أحمد»، فعلت «خلود» كما آمرها ودخلت لأختها الغرفة وبعد محاولات كثيرة، خرجت «خديجة» معها وهي تشعر بالضيق، جلست مع اختها و والدتها في الخارج ، فتحدثت والدتها بهدوء:
“حد مزعلك يا خديجة؟ شكلك معيط؟”

رسمت «خديجة» بسمة متوترة ثم قالت:
“لأ محدش مزعلني أنا مصدعة شوية بس”

أومأت لها والدتها في شك ثم نظرت لـ «خلود» التي هزت كتفيها وكأنها لا تعلم ماذا حدث، جلست «خديجة» وهي واجمة الوجه، وحديث «هدير» يدور برأسها أن «ياسين» لا يستحق فتاة مثلها.

في منزل «ياسين» إستمع إلى والده ثم إقترب منه وقبل رأسه وهو يقول:

“راسك ابوسها يا حاج، دماغ معلم بصحيح”

نظر له والده بفخرٍ ثم قال:
“أي خدمة يا أخويا علشان تعرف إنك من غيري تضيع”

أحتضن والده بقوة ثم قال بحب:
“أنتَ عارف إن أنتَ حبيب قلبي وصاحبي، يعني من غيرك أضيع فعلًا”

ربت والده على ذراعه ثم قال:
“طب يلا قبل الوقت ما يتأخر أكتر من كدا”

ركض «ياسين» من أمام والده، بينما «رياض» ضحك بقوة ثم قال:

“أهل الحب صحيح مساكين”

بعد ما يقرب النصف ساعة كان «ياسين» يصف سيارته أسفل بنايتها، زفر بقوة ثم قال:
“يارب يطلع رياض معاه حق ، وأعرف أشوفها”

ركب المصعد، لكنه شهق بقوة وإتسعت حدقتيه، حينما وجد نفسه بتلك الملابس البيتية، فحدث نفسه قائلًا:

“يعني مش بس جاي بليل كدا؟ لأ كمان جاي بشروال وتيشيرت وكوتشي؟ هو أنا جاي ازور حسن شحاته إيه العبط اللي أنا عامله دا؟”

وقف أمام باب شقتها وهو ممسكًا بحقيبة نسائيه في يده، زفر بقوة ثم طرق الباب،
في الداخل كانت «خلود» تقوم بعمل ما يخص مشاهدة المسلسل، وكانت «خديجة» جالسة مع والدتها وهي ترتدي منامة بيتية عبارة عن تيشيرت من اللون الأسود عليه رسمة كرتونية، وبنطال لونه اسود ايضًا ، لم تكن المنامة ضيقة نظرًا لأن خديجة تخجل كثيرًا من إرتداء الملابس الضيقة، وشعرها
ربطته على شكل ذيل الحصان،لم تكن نعومته مبالغ فيها، بل كان عاديًا و نعومته تشبه الكثير من الفتيات وطوله متوسط يصل لمنتصف ظهرها ولكن شكلها كان رقيق يناسب الرقة التي بداخلها

في الخارج زفر هو بقوة ثم قال:
“شكلك ضيعتني الله يسامحك يا رياض”

فتحت هي له الباب، فإبتسم بقوة ثم قال:
“إيه الحلاوة دي، الله يباركلك يا رياض”

نظرت هي له بتعجب ممزوج بالدهشة من أعلى لأسفل وفعل هو المِثل فهذه أول مرة يراها بتلك الهيئة، وحينما لاحظ طيلة دهشتها تحدث بسخرية قائلًا:

“بقولك إيه يا خديجة، لا تعايرني ولا أعايرك اللبس البيتي طايلني وطايلك”
_________________

دخل «ياسين» شقتها وهو ممسكًا بحقيبة نسائيه خاصة بوالدته، وجلس بتوتر من وجوده في هذ الوقت بتلك الملابس، دخلت «خديجة» وأرتدت إزدال الصلاة وخرجت جلست على مقربة منه، أتت والدتها وهي تحمل العصير ثم قالت بفرحٍ:

“البيت نور يا ياسين أنا كنت عاوزة أشوفك والله من بدري”

إبتسم بتوتر لها ثم قال:
“أنا آسف أني جيت في الوقت دا، بس أنا لقيت شنطة خديجة في عربيتي وقولت أكيد هتحتاجها “

تعجبت «خديجة» من حديثه فقالت:
“بس دي مش شنطتي، شنطتي معايا وبعدين أنا مش بلبس الشنط الكبيرة دي”

تصنع الإندهاش وهو يقول:
“دا بجد والله؟ يعني مش دي شنطتك؟غريبة”

تدخلت والدتها قائلة:
“ممكن تكون شنطة والدتك يا حبيبي”

أكد «ياسين» حديثها بقوله:
“فعلًا ممكن تكون بتاعة ماما هي كانت بتجيب حاجات هي وبابا النهاردة”

كانت «خلود» تنظر له بخبثٍ فقالت له:
“وهو أنتَ إيه اللي خلاك تنزل للعربية في الوقت دا؟”

شعر هو بالتوتر بينما والدتها وكزتها ثم قالت:
“وأنتِ مالك يا سوسة أنتِ بتدخلي ليه؟”

تدخل قائلًا بهدوء:
“لأ يا طنط خليها، أنا فعلًا نزلت أجيب الشاحن من العربية ولقيت الشنطة فخمنت إنها بتاعة خديجة”

وبنفس نبرة الخبث قالت له:
“وكمان الشاحن كان في العربية؟ طب ما تعيشوا في العربية وخلاص أريح لكم”

شعرت والدتها بالخجل منها و«خديجة» أيضًا، بينما هو حدث نفسه قائلًا:

“أنا دلوقتي بس اتأكدت إنك مينفعكيش غير عمار”

نظر «ياسين» لـ «خلود» ففهمت نظرته وأومأت له بهدوء، بعدما التقطت نظرته تلك، فتحدثت قائلة:

“ماما تعالي معايا جوه عاوزاكِ ضروري”

وبعد ثوانٍ عادت «خلود» له ثم قالت بهدوء بعدما جلست بجانبه:
“بص أنا دلوقتي هخدمك خدمة العمر ، هتدخل معاها البلكونة تتكلموا سوا، وأنا هشغل عنكم الحج والحجة”

نظر لها «ياسين» بفخرٍ ثم قال:

“روحي ربنا يكرمك دنيا و آخرة، صحيح الحياة ما تصبح متيسرة غير بوجود الأخت الصغيرة”

وبعد قليل كان «ياسين» جالسًا أمامها في الشرفة وهي تفرك كفيها كعادتها نتيجة لتوترها وخجلها نتيجة رؤيته لها بتلك الهيئة، إقترب منها وقال بهدوء:

“ممكن أعرف بقى مالك، ومش بتردي عليا ليه؟”

زفرت هي بضيق ثم قالت:
“ممكن أعرف أنتَ جيت في الوقت دا ليه، وعلى فكرة حوار الشنطة مدخلش عليا”

إبتسم لها ثم قال:
“بصراحة ولا أنا، أصلها فكرة رياض يعني”

تعجبت من حديثه فسألته:
“رياض مين؟”

تحدث بفخرٍ:
“رياض الشيخ أبويا ، وحماكِ إن شاء الله”

أومأت له في هدوء ولم تتحدث، بينما هو زفر بضيق ثم قال:
“وبعدين إي إيه اللي جابك دي، هي دي معاملة الضيف عندكم”

ردت عليه بسرعة:
“بس أنتَ مش ضيف”

إبتسم بثقة ثم قال:
“عارف أني مش ضيف، وعارف كمان إنك زعلانة من اللي حصل قدامي، وعارف كمان إنك مكنتيش هتعرفي تنامي من غير ما تكلميني، ليه يا خديجة تبعدي نفسك عني كدا”

زفرت بضيق وقالت وهي على وشك البكاء:
“علشان أنا حسيت أني هتقل عليك لو كلمتني وأنا كدا ، وكمان أنا في زعلى بكون رخمة أساسًا ومحدش بيقبلني”

حرك رأسه نفيًا ثم قال بحنوٍ:
“لأ يا خديجة، لما تلاقي نفسك زعلانة تعاليلي أنا، لو الدنيا كلها رفضتك أنا هقبلك، ولو العالم دا بوسعه رفضك دراعاتي بضيقهم يضموكي”

شعرت بالإحراج والخجل من حديثه فأخفضت رأسها للأسفل تُخفي بسمتها بينما هو نظر لها بخبثٍ وهو يقول جملته المعتادة:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

رفعت رأسها تنظر له فوجدته يغمز لها، تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل نتيجة لأفعاله تلك، بينما هو مد يده لها بحقيبة والدته وهو يقول:

“أفتحي بقى شنطة زُهرة دي مليانة خير كتير”

أخذت منه الحقيبة التي كانت ثقيلة لحدٍ كبير، تعجبت ووضعت الحقيبة أمامها على الطاولة الصغيرة، نظرت له فوجدته يومأ لها مبتسمًا، فتحت الحقيبة وشهقت بقوة بينما هو ضحك نتيجة لفرحتها البادية على ملامح وجهها،رفعت رأسها ثم سألته وهي مندهشة:

“كل دا علشان مين؟”

ضحك على سؤالها ثم أجابها ساخرًا:
“لا أنا مش عاوز غباء مش علشان هي شنطة أمي تسألي السؤال الغبي دا”

زادت دهشتها فقالت:
“يعني الشيبسي والشيكولاتة والبسكوت والكيك وكل دا علشاني حتى العصير؟”

أومأ لها ضاحكًا ثم قال:
“أنا بصراحة عمري ما عرفت إن فيه حد زعلان وسيبته لزعله، فما بالك بقى بقبولي الوحيد؟”

وبعد جملته تلك غمز لها مرة أخرى، بينما هي تنهدت بعمقٍ ثم قالت دون وعي منها:

“تعرف إنك أحن حاجة جت في العمر يا ياسين؟”

إبتسم بإندهاش ورفع حاجبيه معًا إثر جملتها بينما هي شعرت بالخجل فأخفضت رأسها سريعًا.
_______________

إنتهت الأمسية بسلام أخيرًا ورحل «ياسين» بعدما جلس قليلًا برفقة خديجة وأسرتها، ولكن ما أثار تعجبه هي نظرة «طه» له طيلة الجلسة شعر كأنه على وشك طرده من البيت، في صباح اليوم التالي وصل عمله بعدا هاتفها واطمئن عليها، أخبرته هي أنها على ما يرام، وعلى الرغم من أن الحزن كان على وشك التخييم عليها لكن ما حدث منه وما جلبه لها اخرجها من حزنها وأثناء إندماجه في عمله وصله مكالمة هاتفية من الطبيبة تطلب منه الحضور للعيادة برفقة «وليد»، وعلى الرغم من تعجبه من طلبها ألا أنه وافقها بثباتٍ ثم قام بمهاتفة «وليد» وأتفق معه على الذهاب للعيادة سويًا

في مقر عمل «عامر» كان جالسًا يشعر بالانتصار بعدما قام بفعلته تلك، وبعد قليل وجد مكالمة هاتفية من «سارة» إبتسم بخفة ثم قام بالرد عليها قائلًا:

“خير يا جرثومة بتكلميني في شغلي ليه؟”

ردت عليه بحنقٍ:
“إيه اللي أنتَ عملته دا يا عامر ؟”

تصنع الجهل بالأمر وهو يقول:
“عملت إيه بس يا قلب عامر ،أنا راجل محترم في شغلي أهو”

وبنفس النبرة الحانقة قالت:
“متستهبلش، عاملي حملة دعم على النت؟ فاكر نفسك مين يا عامر”

تنحنح يُنقي حنجرته ثم قال:
“أنا مش فاكر نفسي حد، أنا عامر اللي بيحبك يا سارة وبفتخر بوجودك جنبي، وطبيعي لما ألاقيكِ زعلانة يكون ليا رد فعل، كل اللي عملته إني عملت شير للصفحة بتاعة شغلك وأنا صحابي وحبايب صحابي كتير، قاموا بالواجب”

إتسعت إبتسامتها ثم قالت:
“بس أنتَ عندك ناس ليهم وقار، يعني ممكن حد يتكلم عليك”

أجابها بهدوء:
“يقولوا اللي يقولوه أنا واحد بيحب مراته، وطبيعي أشجع نجاحها وأفتخر بيها”

تحدثت بحب وهي تقول له:
“عامر أنا بحبك أوي”

إبتسم على حديثها ثم قال:
“طب ما أنا عارف، المهم أنا عاوز أسألك على حاجة مهمة”

تخيلت أن سؤاله سيكون رومانسيًا فقالت:
“أسأل وأنا هجاوبك، أي حاجة أنتَ عاوزها”

حمحم ثم قال:
“ممكن تطمنيني على ماكينة الخياطة أصل قلبي واجعني عليها اوي”

لم يأتيه ردًا منها بل أغلقت الهاتف في وجهه، إتسعت ضحكته بقوة ثم عاد لما كان يفعله قبل مهاتفتها له.

بعد إنتهاء عمل «ياسين» وقف ينتظر «وليد» أسفل البناية التي تقع بها عيادة الطبيبة النفسية، صعدا معًا للطبيبة التي قامت بالترحيب بهما ثم قالت بهدوء:

“أنا عارفة طبعًا إنكم قلقانين بخصوص طلبي ليكم هنا, بس أنا مش هطول عليكم،أنا عارفة يا أستاذ ياسين إن خديجة شخصيتها بدأت تتغير بطريقة ملحوظة، بس التغير دا مع حضرتك بس لأن هي خلاص خدت على وجودك وبقى أمر مسلم بيه، لكن لو طلبنا منها تخرج أو تنزل او تتعامل مع أغراب عنها هيبقى صعب برضه زي الأول “

تدخل «وليد» يسألها مُستفسرًا:
“يعني هي مخافتش؟”

إبتسمت بهدوء ثم قالت:
“مش كدا يا وليد، كل الحكاية إنها لسه مش جاهزة بنسبة ١٠٠٪ يعني الخوف مازال موجود، خديجة طول عمرها مش إختيار لحد ودا نتيجة تعامل والدها معاها ونتيجة إنها معندهاش صحاب وكمان بنات العيلة اللي من سنها كانوا بعاد عنها، فبالتالي برمجت نفسها إن محدش ممكن يختارها، لكن بظهور أستاذ ياسين في حياتها، رجعلها جزء من خديجة القديمة، يعني دلوقتي هي إتأكدت إن وجودها في حياته مهم وبالتالي هي بتصارع نفسها علشان تتعالج علشانه”

سألها «ياسين» مُستفسرًا:
“طب وغيابي عنها ممكن يسبب لها أضرار؟”

أومأت له الطبيبة ثم قالت بهدوء:
“للأسف دا ممكن يسبب إنتكاسة، يعني الحالة ترجع أصعب من الأول”

شعر «ياسين» بالخوف فقال بسرعة كبيرة:
“طب ممكن أعرف الخطوات الجاية هتكون إيه؟”

حمحت الطبيبة ثم أضافت قائلة:
“الفترة الجاية مطلوب منكم التركيز على العملي، وأنا هركز على العامل النفسي يعني هخليها تحكيلي أكتر عن حياتها وعن نفسها زمان، وحضراتكم بقى تركزوا على حياتها يعني نخليها تخرج كتير، تتعامل مع ناس أكتر، تستشيروها في قرارات مهمة، دايمًا اثبتولها إن وجودها مهم، وعلى فكرة مريض الرُهاب الإجتماعي لو ملقاش دعم من الاي حواليه هيفضل طول عمره بيخاف”

سألها «وليد» مُستفسرًا:
“معلش يا دكتور مش المفروض الخطوات دي تكون في الأخر؟”

أومأت له ثم قالت بهدوء:
“الكلام دا لو أنا عاوزة أدرس حالتها لسه، لكن أنا عندي علم مسبق بالحالة ، غير كدا أنا كان لازم اخليها تواجه العقل الباطن بخوفها، وأخليها تثبت لنفسها إن خديجة اللي موجودة دلوقتي هي نسخة من خديجة تانية شجاعة وقوية”

أومأ لها الأثنيني ثم رحلا من العيادة، في الأسفل أوقف «وليد» «ياسين» وأمسكه من ذراعه وهو يقول بنبرة قوية:

“هو أنتَ بتسأل الدكتورة عن بعدك عن خديجة ليه؟ أنتَ ناوي تسيبها؟”

تعجب «ياسين» من حديثه فقال بتعجب:
“أسيبها؟ بقى بعد ما أخيرًا لقيتها ولقيت اللي قلبي ارتاح معاها اسيبها أنا”

شعر «وليد» بالحرج من دفعته فقال:
“أنا قولت يمكن زهقت و عاوز تخلع ولا حاجة؟”

إبتسم «ياسين» بسخرية ثم قال:
“إطمن يا وليد أنا لو زهقت من العالم دا كله هتفضل خديجة هي المكان اللي أهرب له، ولو العالم دا كله مستكترني عليها ،فأنا شايف إن أنا اللي قليل ليها علشان أخد واحدة في براءة عينيها وجمال قلبها”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى