روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل الثالث

تَعَافيْتُ بِكَ
الفصل الثالث (الليل و سماه)

من اقسى ما قيل في وصف شعور الخيبة:
“كمن أحضر حلته لحضور حفل زفاف ولم تأتيه دعوةً بعد”
_____________________
أتى يوم الجمعة و استيقظ «ياسين» على صوت هاتفه حيث أنه قام بضبطه لكي يوقظه؛ خرج من فراشه ثم اغتسل في المرحاض المُخصص له بغرفته وقام بإرتداء عباءته البيضاء لكي يذهب إلى صلاة الجمعة؛ خرج من غرفته ولكنه تفاجأ حينما رأى البيت منقلب رأسًا على عقب ووجد والدته تقوم بترتيب الصالة ذهب إليها ووقف بجوارها وهو يبتسم قائلًا:

” صباح الخير يا زوزو إيه قالبة البيت كدا ليه عندنا فرح ولا إيه؟”
ولكنه لم يأتيه ردًا منها فعلم أنها لازالت غاضبةً منه ومن فعلته بالأمس فكرر حديثه مرةً أخرى

“بقولك صباح الخير يا زوزو إيه قالبة البيت كدا ليه عندنا فرح ولا إيه؟”
نظرت إليه بسخرية ثم عقبت قائلةً:
” فرح؟ هو اللي يخلف عيِّنتك دي يشوف فرح في حياته؟”

اندهش «ياسين» من حديثها ثم عقب قائلًا:

” واحد من عيِّنتي ! ليه يا ماما فاكرة نفسك مخلفة زومبي؟ وبعدين مالي مانا زي الفل اهوه؛ هو كل دا بقى علشان موافقتش على عروسة امبارح؟

ردت عليه والضيق يعتلي ملامح وجهها قائلةً:
” لأ يا ياسين علشان كل مرة تحرجني قدام الناس و اهوه ميس مها شكلها زعلت مني وهي كمان شكلها اتحرج قدام الناس”
رد عليها مُعقبًا:
“يعني هو علشان ميس مها متزعلش امبارح ازعل انا بقية عمري؟ دا عدل يعني يرضيكي كدا؟”
ردت عليه بحنقٍ:
“لأ يا ياسين مش علشان كدا بس؛ انتَ كل مرة ميعجبكش العجب، وكل مرة بعيب شكل مفيش حد يا ياسين بيرفض البنات اللي انت رفضتهم دول”

تحدث بهدوء مُردفًا لها:

“الله ! مش أنا رفضت يبقى فيه ناس بترفضهم أهو”

تحدثت بضيقٍ من اللامبالاة التي يتحدث بها قائلةً:

“ياسين انتَ عاوز إيه ؟ شكلك كدا فاضي وانا بصراحة مش فايقة لك”

اقترب منها ثم مال عليها مُقبلًا قمة رأسها وهو يقول بصوت مليء بالحنان:

” أنا عاوزك بس تضحكي في وشي علشان الدُنيا كُلها تضحكلي؛ والله العظيم انا بحبك اوي ومعنديش أغلى منك في حياتي؛ انتِ مش بس أمي لأ انتِ أختي وصاحبتي وكل حاجة ليا  وعاوز أفرحك إنهاردة قبل بكرة بس الصبر مش كدا.”
ردت عليه بهدوء وهي تقول:

“مش معقول يا ياسين كل البنات دول مش عاجبينك كلهم ماشاء الله حلوين ومفيش فيهم غلطة”
رد عليها مُردفًا وجهة نظره:

“عارف والله يا ماما بس أنا مش بإيدي؛ غصب عني مش بحس إني مرتاح مش بحس إني في مكاني”

ثم أشار نحو موضع قلبه مُكملًا حديثه مرةً أُخرى:

“دا اللي بيشوف و يحس يا ماما مش العين؛دا اللي بيطمن ودا اللي بيرتاح للمكان اللي هو فيه وأنا كـ راجل عاقل مينفعش أمشي ورا البصر و أسيب البصيرة؛ كل اللي طالبه منك بس انك تدعيلي ألاقي اللي أرتاح لما أشوفها”

ردت عليه بصوتٍ متأثر من حديثه وهي تقول:

” والله العظيم بدعيلك ومش عاوزة حاجة من الدنيا كلها غير إني أشوفك فرحان؛ هي دي أهم حاجة عندي أنا مليش غيرك يا ياسين انتَ و رياض وانتَ بقى اللي هتكبر لنا العيلة دي و تعملنا عزوة روح يابني ربنا يجبر بخاطرك ويكرمك باللي تريح قلبك وتسعدك”

رُسمت بسمة عذبة على وجهه ثم عقب قائلًا:
” أيوا كتري بقى من الدعوة دي! يلا أسيبك بقى علشان هنروح لميمي زمانها حضرت لنا الفطار، واعملي حسابك هتأخر عندها انهاردة”
ردت عليه بصوت مليء بالفخر والحب نتيجةً لـ حنان إبنها قائلة:

“ربنا يجعله في ميزان حسناتكم يا حبيبي يارب”
و ما كاد أن يغادر من أمامها إلا أنه عاد إليها مرةً أخرى يسألها عن أبيه قائلًا:
“صحيح بابا راح فين بدري كدا لسه فاضل كتير على الصلاة”
أجابت على سؤاله قائلةً:

“هيكون راح فين يعني راح يقعد مع عمك أبو عامر في محل الكهربا بتاعه”
كان سيتحدث ولكن قطعه رنين هاتفه وهو يَصدُح عاليًا برقم «ياسر» التقط «ياسين» هاتفه وقام بالرد على «ياسر» الذي فور ما قام «ياسين» بالرد عليه صدح صوته وهو يُصيح قائلًا:
“إيه يا ياسين ساعة علشان ترد؛ انتَ فين؟
رد عليه «ياسين » بإندهاش قائلًا:
“هكون فين يعني يا ياسر؟ في البيت طبعًا؛ انتَ اللي فين؟”
رد «ياسر» على سؤاله قائلاً:

“انا كنت مستني الزفت عامر علشان يجي معايا نروح لميمي نعملها جلسة العلاج، والحُقن معاه من المرة اللي فاتت بكلمه مش بيرد عليا، بس الحمد لله خالد كان معاه واحدة احتياطي دلوقتي هروح انا و خالد وانتَ هات الزفت اللي إسمه عامر و تعالى”
زفر «ياسين» بضيقٍ من أفعال «عامر» ثم تحدق قائلًا:

“خلاص يا ياسر إسبقني انتَ وخالد علشان متتأخروش على الدوا أكتر من كدا، وانا هروح أجيب الزفت دا من بيته*”
أغلق الهاتف مع «ياسر» ثم نظر أمامه بشرٍ وهو يقول:
*”ماشي يا عامر الكلب ،وربنا ماحد هينجدك من ايدي انهاردة”
_________________________
كان العمل في بيت «آلـ رشـيد» على قدمٍ وساق، حيث كانت العائلة بأكملها مُجتمعة في الطابق الأول والذي كان منقسم إلى نصفين؛ نصف مخصص للسيدات والنصف الأخر للرجال، وكان السيد «ناصر» هو من يترأس الجلسة لدى الشباب فهو له مكانة كُبرى بين أفراد العائلة بأكملها، حيث أنه شقيق «نادية» جدة «خديجة» و يعد هو أكبر أفراد العائلة سننًا و مقامًا، كانت نساء العائلة بأكملها في المطبخ يعملن على تحضير الطعام، أما الفتيات فكان جميعهن بالخارج يضحكن سويًا عدا «خديجة» كانت منزوية بعيدًا عنهم، حيث انها كانت جالسة في الشرفة تنظر من خلالها على الشارع في الأسفل وهي شاردة الذهن إلى أن أتت إليها «هدىٰ» إبنة عمها وشقيقة «هدير» وتعد أكبر الفتيات في تلك العائلة؛ ربتت على كتف خديجة ثم تكلمت بنبرة صوت يملؤها العطف قائلةً:

*”قاعدة لوحدك ليه يا خديجة؟تعالي أقعدي معانا.*”

خرجت «خديجة» من شرودها على صوت «هدى» فردت عليها «خديجة» قائلةً:
*”بتقولي حاجة يا هدى؟”*
أعادت «هدى» حديثها من جديد فردت عليها «خديجة» قائلةً:

*”معلش يا هدى خليني هنا أحسن؛ كدا كدا مش بعرف أندمج معاهم برا خليني هنا أحسن أنا اصلًا مبحبش الزحمة
قامت «هدى» بإمساكها من ذراعها وقامت بسحبها إلى الخارج و هي تقول:

*”بطلي هبل بقى وتعالي اقعدي معايا اصلًا وئام شوية وهيروحنا علشان شغله بكرة”*
لم تستطع «خديجة» الاعتراض فخرجت معها و جلست على مقعد بعيد عن الفتيات إلى حدٍ ما، و بمجرد ما رأتهم ينظرون إليها توترت بشدة، حيث كان العدد كبير مكون من بنات أعمامها و أيضًا أفراد عائلة الحاج «ناصر» و زادت ضربات قلبها حتى أنها شعرت أنها على وشك فقدان الوعي فركضت مُسرعةً إلى الداخل لدى نساء العائلة في المطبخ، فوجدت والدتها و زوجات عمها «سهير»و «مروة» التي أول ما رأت خديجة ذهبت إليها وابتسمتُ وهي تقول:

“خير يا خديجة يا حبيبتي في حاجة سبتي البنات برا ليه؟”

انتبهت كلًا من «زينب» والدة «خديجة» و «سهير» إلى حديث «مروة» فنظرن بإتجاه باب المطبخ فوجدن خديجة؛نادت عليها والدتها فدلفت إلى الداخل
و علمات  التوتر ظاهرة على وجهها بوضوح وكأنها إرتكبت جريمة في الحال؛ نظرت إليها والدتها بإندهاش ثم قالت:

“مالك يا خديجة عرقانة و بتترعشي كدا ليه حد زعلك برا؟ مُشيرة الحرباية دي عملتلك حاجة”
هزت خديجة رأسها نفيًا لحديث والدتها ثم تحدثت بصوتٍ متقطع:
“لأ؛ م…محدش عملي حاجة؛ أنا بس اللي زهقت و جيت أساعدكم هنا”
تحدثت «سُهير» زوجة عمها وهي توجه الحديث إلى «خديجة» قائلةً:
“طب ليه يا حبيبتي خليكي زيك زي باقي بنات العيلة و اقعدي برا معاهم”
كانت خديجة هدأت من توترها قليلًا،لذلك أردفت قائلةً:

“معلش يا طنط خليني معاكم هنا”

تدخلت «مروة» في الحديث قائلةً:

“خلاص يا سهير خليها تقعد معانا هنا مش أول مرة يعني”
جلست خديجة مع والدتها و زوجات أعمامها في المطبخ وكانت تساعدهن في إعداد الطعام، وعلى الرغم من أنها تكره الإختلاط بالبشر إلا أنها تحب زوجات أعمامها «مروة» و «سهير» و خاصةً «مروة» فهي قامت بتربيتها مع والدتها حتى أنها قامت بإرضاعها فأصبحت شقيقة لوليد إبن عمها بالرضاعة و كذلك فعلت «زينب» وقامت بإرضاع «وليد» فأصبحت كلًا منها أمًا للآخر، كانت خديجة مُندمجة في إعداد الصواني أمامها إلى أن أتت «مُشيرة» و معها «فاطمة» و بمجرد دخولهن المطبخ مالت «مروة» على أذن «زينب» وهي تقول:

“أهو جوز الحربايات وصلوا”

وكزتها «زينب» بذراعها،فنظرت «مشيرة»إليهن بتمعن ثم قالت:

“بتتوشوشوا تقولوا إيه”
هزت «مروة» كتفيها بلامبالاة ثم قالت:
“ولا بنتوشوش ولا حاجة؛ دي تلاقيها تهيقات يا مُشيرة”
نظرت إليها «مُشيرة» بغيظٍ ولم تُعقب على حديث «مروة»، ولكن ما لفت نظرها هو وجود «خديجة» بداخل المطبخ، فتحدثت بخبثٍ و هي تقول:

“خير يا خديجة إيه اللي مقعدك هنا و سايبة البنات برا”

توترت «خديجة» من نظرة عمتها إليها، لذلك لم تستطع التحدث، فكررت «مُشيرة» سؤالها مرةً أُخرى، لكن تلك المرة ردت عليها «زينب» متأفأفةً:

“زهقت و جت تقعد معانا هنا؛ خير يا مشيرة عندك اعتراض؟”
نظرت إليها «مُشيرة» بلامبالاة ثم هزت كتفيها وهي تقول:

“أنا مالي هعترض على إيه يعني؟ كدا كدا خديجة مش شبههم ولا زيهم بصي عاملة في نفسها إزاي كأنها واحدة عجوزة ؛ خليها قاعدة جنبك كدا”

إندهش الجميع من حديث «مُشيرة» أما «خديجة» فنظرت إليهم بأعين مُنكسرة ثم أطرقت رأسها إلى أسفل من الخجل، وعندما رأت «زينب» إبنتها في ذلك الوضع لم تستطع التمالك في أعصابها أكثر من ذلك فقامت و اقتربت من مُشيرة ثم قالت بها بملء صوتها:

“انتِ مالك و مالها يا مُشيرة ياريت تخليكي في حالك؛ وتطلعيها من دماغك”

نظرت إليها «مُشيرة» بإستفزاز ثم نظرت إلى خديجة وعندما رأتها في حالتها تلك قالت:

“إيه هو أنا قولت حاجة غلط ؟ مش دي الحقيقة يا زينب بصي بنتك عاملة إزاي؟ دا منظر بنت عندها 24 سنة؛ بصي عليها و.بصي بنات العيلة عاملين إزاي؟”

ردت عليها«زينب» مُعقبةً:
“يا ستي هي عجباني كدا مش عاوزاها تبقى شبه حد كفاية إنها شبه نفسها؛ الأهم عندي الاخلاق والحمد لله كله يشهد لخديجة بأخلاقها”
نظرت إليها «مُشيرة» بسخريةً ثم قالت:

“خليها قاعدة جنبك و أبقي وريني الأخلاق دي هتجوزهالك إزاي دا لو حد بصلها أصلًا ولا نسيتي اللي حصل قبل كدا”

قالت «مُشيرة» جملتها ثم غادرت المطبخ و تبعتها «فاطمة» و تعلو وجهها بسمة إنتصار ،جلست «زينب» بجانب كلًا من «سُهير» و «مروة» ثم  نظرت إليهن قائلةً:

“عجبكم كدا؟ كل المرة تكسر بخاطر البت كدا وتفكرها باللي حصل”
اقتربت «مروة» من «خديجة» ثم أخذتها بين أحضانها وهي تربت على كتفيها ثم قالت:
“سيبك منها يا زينب دي دماغها فاضية” ثم نظرت إلى «خديجة» وقالت لها:

“متحطيش كلامها في دماغك انتِ زي القمر ؛ وبعدين قولتلك قبل كدا ١٠٠ مرة ردي عليها لما تزعلك”
عقبت«سهير» قائلةً:

“انتِ عارفة يا مروة خديجة من صغرها مبتعرفش ترد بتخاف تجرح حد؛ وكمان من ساعة الزفتة مُشيرة ما كانت سبب انها تتحبس وهي صغيرة”.
نظرت «زينب» أمامها بشرود ثم قالت:
“حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب في كل دا”
__________________________________________
خرج «ياسين» و ذهب إلى بيت «عامر» طرق باب البيت ففتح له «عمار» شقيق «عامر» الأصغر و بمجرد ما فتح باب البيت سأله «ياسين»:
“أخوك الزفت فين؟
رد عليه «عمار» وهو شامتًا في أخيه قائلًا:
“نايم جوا؛ ادخل هتلاقي عندك ازازة مياة على ترابيزة السفرة متلجة؛ شوف شغلك معاه”

نزل «عمار» وترك ياسين على عتبة الشقة فأتت إليه والدة «عامر» وهي ترحب به قائلةً:

” يا مرحب يا ياسين اتفضل يا حبيبي؛ معلش عمار سابك ونزل علشان عنده درس قبل الصلاة انتَ عارف ثانوية عامة مبترحمش”

رد عليها «ياسين» بهدوء

“كان الله في العون يا طنط معلش أستأذنك هدخل أصحي عامر”
ردت عليه معقبةً:
“البيت بيتك يا حبيبي مش محتاج استئذان اتفضل”
دخل «ياسين» غرفة «عامر» فوجده نائمًا على بطنه وقام بفرد ذراعيه و قدميه فكان يشبه الجُثة الملقاه على الطريق؛ اقترب منه «ياسين» وهو مندهش من منظر نومه فتحدث وهو مازال تحت تأثير الدهشة قائلًا:
“يخربيتك؛ مستحيل يكون دا شكل إنسان وهو نايم دي أكيد ضفدعة مرمية في ترعة”

قام «ياسين» بضربه على إحدى وجنتيه لكي يوقظه، فإبتسم عامر في نومه قائلًا:
“براحة يا سارة حد يصحي حد كدا”

جحظت أعين «ياسين» إلى الخارج ثم تحدث قائلًا:

“هي وصلت لسارة؟ طب ورب الكعبة لأوريك يا عامر”

ثم أمسك «ياسين» زجاجة المياه المُثلجة وقام بإلقائها في وجه «عامر» استيقظ عامر من نومه هو يصرخ قائلًا:
“غـــريــق..غـريــــق”

ثم نظر حوله وجد«ياسين» ينظر إليه بشر
فتحدث «عامر» بصدمة و هو يقول:
“ياسين! إيه اللي جابك المحيط الأطلنطي؟”

رد عليه «ياسين» بإستهزاء قائلًا:

“أطلنطي؟! قوم يا عامر الله يرضى عليك”
رد عامر و مازال النوم مؤثرًا عليه قائلًا:

“أيه طيب المحيط الهندي ولا إيه؟”
إستشاط «ياسين»غضبًا فاقترب منه و امسكه من فروة رأسه وهو يَصرخ به قائلًا:

“فوق يا عامر انتَ في أوضتك مش في المحيط الهندي ولا الأطلنطي؛ وانا ياسين مش قرصان طالعلك من البحر و دا سريرك مش مركب في البحر الكاريبي”

فاق «عامر» من أثر نومه قائلًا:

“لامؤاخذة يا ياسين نمت متأخر امبارح؛ بس خلاص فوقت والله اهو اخرج انتَ وانا هاخد دش سريع وهاجي وراك علطول”

رفع «ياسين» إصبعه مُحذرًا لـ«عامر» وهو يقول:
“هما ١٠ دقايق و ألاقيك ورايا”
قال «ياسين» جملته ثم خرج من الغرفة وترك «عامر» يجهز نفسه،
كان «ياسين» جالسًا على الأريكة في الصالون وهو منشغلًا بهاتفه فإقتربت منه «سيدة» والدة «عامر» ثم قالت مواسيةً له:
“بقولك إيه يا ياسين يا حبيبي متزعلش نفسك والنبي الجواز دا قسمة ونصيب”
إبتسم «ياسين»على حديثها ثم تحدث قائلًا:

“عادي يا طنط أنا مش زعلان دي كانت مُجرد مقابلة زيها زي غيرها”
ربتت على كف يده بهدوء ثم قالت:
“هي الخسرانة يا حبيبي هي تلاقي فين زيك علشان ترفضك؛المهم انتَ متزعلش نفسك وتعيط تاني انتَ راجل وبكرة تتجوز ست ستها”
لم يفهم «ياسين» شيئًا من حديثها فسألها مستفسرًا:

“أنا مش فاهم حاجة يا طنط؛حضرتك تقصدي إيه؟”

أجابت على سؤاله بكل بساطة وهي تقول:
“هي يا بني مش عروسة إمبارح رفضتك وانتَ كنت عمال تعيط امبارح علشان كدا عامر جه متأخر”
اندهش «ياسين»من حديثها فتحدث قائلًا بهدوء:
” لأ ؛واحدة واحدة كدا يا طنط فهميني بقى إيه اللي حصل؟”
_________________________________________
في بيت «آلـ رشيد» دخلت زوجة «ناصر» المطبخ لدى السيدات جلست بجانبهن بعدما ألقت التحية عليهم وعرضت مساعدتها، و لكنهن رفضن بشدة فنظرت إلى خديجة ببسمة وهي تقول:
“قاعدة هنا ليه يا خديجة”
ردت عليها «زينب» بهدوء:
“انتِ عارفاها يا حاجة مبتحبش تقعد وسطهم برا”
ردت عليها «الحاجة» بهدوء وهي تقول:

“أحسن برضه هي مش شبههم ولا زيهم؛ هما كلهم تربية مُشيرة؛انما هي تربيتك و تربية طه؛ والله طول عمري بخاف تبقى زيهم ؛بس ربنا يكرمك انتِ و طـه ربتوها صح”

تدخلت «سُهير» في الحديث وهي تقول

“طب ما عبلة و سلمى ولادي برضه ربيتهم كويس برضه يا حاجة ولا هي خديجة بس”
ردت عليها الحاجة«سعاد» قائلةً:

“عبلة بنتك مع الماشي يا سهير؛ ماشية ورا بنت فاطمة و مشيرة هي صحيح جبانة وساعات بتخاف بس مشيها مع هدير هيضرها؛ دا حتى منة بنت الجيران بقت نسخة منهم من ساعة ما جت البيت هنا وهي بقت نسخة من هدير و عبلة؛ الوحيدة اللي مش شبههم هي خديجة”

نظرت «زينب» إليها بفخر و كذلك «خديجة» ولكن لكي تنتج «خديجة» بذلك الشكل مرت بالعديد من المراحل وكلها كانت قاسية.
______________________________________________
قصت «سيدة» والدة «عامر» ما قصه عليها لـ«ياسين» قائلةً:

“هو يا حبيبي جه امبارح متأخر و سارة اتصلت اتخانقت معاه؛ وهو بقى حكالها انك كنت بتعيط و ُمُنهار علشان كدا هو اتأخر و معرفش يكلمها و معرفش يسيبك لحد ما انتَ هديت”

نظر إليها «ياسين» بتمعن قائلًا:
“عامر اللي حكالك كدا يا طنط؟” وفور انتهاء جملته خرج «عامر» من غرفته وهو مُرتدي نفس  العباءة التي يرتديها «ياسين» وقف أمام «ياسين» قائلًا له:

“يلا يا ياسين انا جهزت أهوه”
نظر إليه «ياسين» بشر ثم نظر إلى والدة عامر ثم قام و إتجه إلى التلفاز وقام بتشغيله على قناة القرآن الكريم تحت نظرات الدهشة من عامر و والدته بعدها اقترب من «عامر» ووضع يده على كتفه وهو يقول لوالدته:

“معلش يا طنط متقلبيش قناة القرآن و زيادة في الاحتياط جهزي عبايتك السودا”
تحدث «عامر» بدهشة وهو يقول:
“فيه إيه يا ياسين حد مات ولا إيه”؟
رد عليه «ياسين» بهدوء و بنبرة صوت يملؤها الخبث قائلًا:

“متستعجلش على رزقك يا عامر محدش عارف مين هيموت قبل مين”
ثم ودع والدة «عامر» وأخذه و خرج من الشقة وفور خروجهما أمسكه «ياسين»من عنقه وهو يصرخ به و ينهال عليه بالضرب و الشتائم قائلًا:
“بقى أنا كنت منهار وبعيط وانت معرفتش تسبني طول اليل؟أنا العروسة رفضتني؟ انا فضلت أعيط زي النسوان” ومع كل سؤال يخرج من فمه يشدد قبضته على عنق «عامر» حتى استطاع عامر الهروب من بين يديه، وركض بعيدًا عنه، رفع ياسين عباءته وقام بعقدها على خصره حتى يستطع الركض وراء «عامر»  وهو يتوعد له.
_________________________
اقترب موعد الصلاة فخرج الرجال في بيت «آلـ رشيد» للصلاة و كانت النساء تقوم بإعداد الطاولة للطعام وكانت «خديجة» في المطبخ تقوم بتجهيز الأطباق حتى تتم تعبئتها دخلت عليها «هدير» فوجدتها مندمجة في عملها فاقتربت منها وقالت لها:
“طنط سُهير بتقولك حطي ملح في الأكل يا خديجة وظبطي الأكل وبعدها خرجي الأطباق برا”
اومأت لها خديجة موافقةً فخرجت «هدير» و أخبرت الجميع أنها قالت لـ«خديجة» أن تضع الملح بالطعام، دخلت «سُهير» إلى المطبخ ووقفت بجانب «خديجة» لكي يقوموا بغرف الأطباق أما «هدير» فتسحبت إلى المطبخ و قامت بوضع الكثير من الملح في الطعام وهي تبتسم بخبثٍ ثم قالت:
” و حياة أمي يا خديجة يا أنا يا انتِ في البيت دا”
_________________________
أتى الرجال من الصلاة و صعدوا إلي الشقة وجدوا الطاولة جاهزة و الطعام موضوع عليها جلس الجميع و شرعوا في تناول الطعام ولكن لم يستطع احدًا منهم تحمل الطعام لكثرة الملح الموضوع به، خرج «وليد»  وذهب إلى السيدات و أخبرهم بما حدث و تسأل من قام بوضع الملح بالطعام، فتحدثت هدير قائلةً:
“خديجة هي اللي حطته انا قولتلها و خرجت من المطبخ سبتها هي تحطه”
وفور انتهاء جملتها تحدثت «مُشيرة» بشماتة وهي تقول:

“اتفضلوا أهيه الست خديجة اللي بتشكروا فيها و بتقولوا فيها أشعار بوظت الأكل وخلت شكلنا زفت قدام الناس”

كانت «خديجة» صامتة ولم تستطع التحدث ولم تدافع حتى عن نفسها ولكنها كانت خائفة من غضب والدها و عند تذكرها لوالدها ركضت إلى «وليد» وطلبت منه يأخذها إلى شقتها
وافقها الجميع و طلبوا من وليد أن ينفذ ما قالته نظر إليها وليد  فوجدها على وشك البكاء ورأى علمات الخوف ظاهرة على وجهها بوضوح فوافق «وليد» واخذها إلى الشقة ،أما في الأسفل فتحدثت «زينب» وهي تعتذر من الجميع قائلةً:

“معلش يا جماعة غلطة مش مقصودة؛ كويس ان المشكلة كانت في نوعين أكل بس”
تحدثت الحاجة «سعاد» قائلةً:
“مفيش  مشاكل بتحصل عادي ؛ المهم محدش يعرف طه علشان ميتعصبش على خديجة”.
أتى «طـه» عند سماع هذه الجملة فسألها مستفسرًا:

“انا هتعصب على خديجة ليه هي عملت إيه؟”

توتر الجميع منه فكذبت عليه سُعاد وهي تقول:

“لأ أبدًا هي علشان طلعت بس وانتَ مبتحبش تخليها تطلع وتسيبنا هنا”
تحدثت «مُشيرة» قائلةً:

” احنا مش هنكذب عليه يا حاجة معلش؛ لأ مش علشان كدا؛ علشان خديجة بوظت الأكل بالملح ودي مش أول مرة يا طه بنتك علطول مبوظة الدنيا”

نظر الجميع إلى بعضهم بخوفٍ من ردة فعل طه أما «مُشيرة» فنظرت إلى «هدير» بخبثٍ و تبادلا النظرات سويًا
________________________
تجمع «ياسين» و أصدقائه في بيت «ميمي» بعد الصلاة و قاموا بترتيب البيت وكان «عامر» أقلهم في الحركة و لكن «ياسين» كلما شاهده متكاسلًا ذهب إليه وقام بصفعه على رقبته ظل الوضع هكذا حتى جلس الجميع و هم يزفرون براحةٍ بعد الانتهاء من ترتيب البيت، دقائق و طرق باب البيت وأتى عامل توصيل الطعام قام ياسين وفتح له الباب و دفع له النقود و عندما رأى «عامر» الطعام صرخ مُهللًا:
“أيوا يا ياسين يا حلاوتك كمان مشويات؟”
رد عليه «خالد»:
“يا بني اللي يشوفك يقول بقالك يومين مكالتش؛ ما الست مفطرانا الصبح”
رد عليه «عامر»مُعقبًا:
“دا فطار ناس عندها انيميا يا حبيبي؛ جبنة قريش وبيض و عسل و مربى”
شهقت «ميمي» ثم قالت له:

“تصدق أنا غلطانة اني عبرت واحد زيك كنت سبت الحاجات دي ليا كلتها أنا”
رد «ياسين» بسخرية:

“سيبك منه يا ميمي دا عيل أهبل ؛ واللي انتِ متعرفيهوش بقى الأستاذ كان واقف وهو بيغسل المواعين عامل سندوتش مربى بالعسل”
تحدث «ياسر» بسرعة وقال:

“لأ ثانية واحدة بقى دا وهو بيكنس الصالة كان معاه سندوتش جبنة بالبيض؛ و جيت أخد منه مرضاش يديني”
تحدث «عامر» موجهًا حديثه لـ «خالد» بسخرية قائلًا:

” وانتَ يا خالد مشوفتنيش باكل مال يتامى وانا قاعد في البلكونة ؛ يلا ماهو دا اللي ناقص”

ضحك الجميع عليه وشرعوا في تناول الطعام وبعد الانتهاء تحدث «ياسر»:

“دور الشاي دا بقى عليا أنا؛ بس بشرط ياسين يغني”
صفق الجميع حتي «ميمي» فقال «ياسين»:

“هغني بس بشرط ميمي اللي تختار الأغنية”
نظرت إليه «ميمي» بحب ثم قالت له:

“انتَ عارف انا عاوزاك تغني إيه”

ذهب «ياسر» وقام بإعداد الشاي أتى به وبدأ «ياسين» الغناء بصوته العذب وكان يغني لأم كلثوم {الليل و سماه} تلك الأغنية المُحببة لقلب «ميمي» فكان زوجها دائمًا يغنيها لها؛ تأثرت «ميمي» من صوت «ياسين» ففرت دمعة هاربة منها مسحتها قبل أن يراها أحد؛ انتهى ياسين من الغناء فصفق له  اصدقائه ووقف «عامر» وهو يقول:
“عظمة على عظمة يا ياسين” ثم أطلق صفيرًا عاليًا.
ضحك الجميع عليه فقرر «ياسر» ان يستغل تلك الفرصة قائلًا:

“بما انكم كلكم بتضحكوا كدا و الحمد لله رايقين كلنا ودا شيء نادر الحدوث اسمحولي اسأل خالد عملت إيه في طلبي اللي طلبته منك قبل كدا؟”

زفر «خالد» بقوة ثم تحدث قائلًا:
” مش وقته يا ياسر الكلام دا”

تحدث «ياسر» بغضبٍ وهو يقول:
“أومال إمتى؟ كل مرة حِجة شكل؛ مرة معلش لما تستقر في شغلك و اهو أديني اشتغلت و مرة تانية لما تجوز اخواتك و اهم اخواتي  جوزتهم وكل واحدة مع جوزها جتلك تاني قولتلي لما تخلص جامعتها؛ واهيه بقالها سنة مخلصة فيه إيه يا خالد”

تدخل «ياسين» بهدوء قائلًا:

“الكلام في المواضيع دي بالراحة يا ياسر مش كدا؛ وانتَ يا خالد فيه إيه ماترد عليه و تخلص”

رد عليه «خالد» مُعقبًا:

“هو انا قولت حاجة يا ياسين؟ أنا بقوله مش وقته الكلام دا يصبر شوية”

رد عليه «ياسر» وأنا بصراحة مش مقتنع بكلامك يا خالد؛ خليك صريح معايا و قولي انتَ إيه اعتراضك عليا؟ ومتقوليش مسألة وقت علشان مش بقتنع بالجملة دي”
تنهد «خالد» بهدوء ثم تحدث قائلًا:

“عايز الصراحة يا ياسر؟”
رد عليه «ياسر»:

“ياريت علشان أرتاح من اللي أنا فيه دا”
نظر «خالد» في وشوش الجالسين ثم تحدث بهدوء مُردفًا:

“بصراحة خايف تعمل في أختي زي اللي أبوك عمله في أمك”

وقعت الجملة على الجميع كوقع الصاعقة أما «ياسر» فكان مثل الذي سقط عليه دلو من الماء البارد في ليالي الشتاء القارصة.

يُتَبَع
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى