“الفصل الحادي عشر”
“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
_________________
كَالشمس و القَمرُ
دائمًا يُقرنان في الحديثِ
كأنَّهما وَجْهان لذاتِ العُملة
إلا أنهُما لا يلتقيان
و هكذا نَحنُ.
_________________
في عيادة الطبيبة النفسية كان «ياسين» ينظر أمامه ولم يتحدث بحرفٍ واحد، نظر«وليد» لها وهو يحرك رأسه بيأسٍ وكأنه فقد الأمل في التو واللحظة، أخرج «ياسين» زفيرًا قويًا ثم قال بإبتسامة رُسمت على وجهه:
“تمام يا دكتورة، أنا مع حضرتك”
تنهد«وليد» بإرتياح، أما الطبيبة فبادلته البسمة ثم قالت:
“تمام يا أستاذ ياسين، الأول بس لازم تعرف إن وجود حضرتك ممكن يكون عامل قوي لتغير حالة خديجة١٨٠ درجة، وبناءً على المعلومات اللي عندي من أستاذ وليد إن خديجة مش بس عندها رُهاب إجتماعي، لأ هي عندها إضطرابات نفسية كتيرة جدًا نشأت نتيجة تراكمات”
أومأ لها موافقًا على حديثها ثم أخرج زفيرًا قويًا وقال:
“ياريت يا دكتور حضرتك تعرفيني إيه أفضل طريقة للتعامل معاها وياريت كمان لو تفاصيل أكتر”
أومأت له بإبتسامة تُناسب ملامح وجهها الهادئة ومتماشية مع عمرها الذي أوشك على الـ«٥٠» ثم قالت:
“كل اللي أعرفه عن خديجة إن هي نشأت نتيجة تربية غلط فيها شوية قسوة ومقترنة دايمًا بالعقاب ودي من أكتر الحاجات اللي بتأثر على الإنسان يا أستاذ ياسين، التربية في مرحلة الطفولة عاملة زي حجر الأساس مينفعش أهملها أو أبنيها بطريقة غلط”
أومأ لها موافقًا ثم نظر لـ«وليد» وتحدث قائلًا:
“وهي القسوة دي كانت من باباها يا وليد؟”
نظر له «وليد» مُتاسفًا ثم قال:
“للأسف عمي سبب قوي من اللي خديجة فيه دلوقتي، وكمان عمتي وبنات أعمامي اللي من سنها، خديجة مش شبههم ويمكن في ملامح الشكل هي عادية بالنسبة لهم، وهما كانوا علطول بيتكلموا قصادها عن حاجة زي دي وإن هي عادية ومعقدة وإن هي مش زي البنات اللي من سنها”
تدخلت الطبيبة وهي تقول:
“للأسف يا أستاذ ياسين ممكن الحاجات دي كلها تبان عادية ومتأثرش على حد، لكن إحنا بشر ومختلفين عن بعض، يعني اللي أنتَ ممكن تشوفه عادي غيرك ممكن يصارع بالشهور علشان يقدر يتجاوزه، واللي ممكن أنتَ تحبه وتتقبله غيرك يرفضه وميقدرش يتحمل وجوده، وللأسف بناءً على علم النفس ودراساته خديجة تابعة للمجموعة«ج» في الاضطرابات النفسية.
نظر لها مُتعجبًا وتبدلت ملامح وجهه ثم قال:
“يعني إيه يا دكتورة مجموعة ج؟”
أجابته قائلة:
“الاضطرابات النفسية يا أستاذ ياسين أنواع في منهم نوع بيبجح في اللي حواليه ويتظاهر بالقوة وهو أضعف مما يكون، وفي نوع إعتمادي وتوكلي ودا بيعتمد على اللي حواليه في كل حاجة عايش دور الضحية، وفي نوع عملي دا بيخرج الطاقة والإضطراب اللي عنده في شغل وحركة وفي النوع اللي خديجة مُصنفة منه وهو النوع الإنطوائي”
أومأ لها موافقًا ثم قال:
“يعني كل نوع من الإضطراب دا ليه طريقة يعيش بيها غير التاني، قصد حضرتك إن طريقة العلاج والتعامل بتختلف؟”
حذت حذوه وواقفته في الحديث قائلة:
“بالظبط يا أستاذ ياسين ودا طبعًا على حسب تعامل كل بيئة مع المريض”
رد عليه وهو يقول:
“طب وخديجة هنا وضعها إيه؟”
ردت عليه قائلة:
“للأسف خديجة هنا شخص منعزل وانطوائي، يعني مبتخرجش من البيت لفترات طويلة، معندهاش صحاب خالص ومحدش يعرفها غير أفراد عيلتها ودا في سنها شيء مش طبيعي بالنسبة للمجتمع، غير كدا تعرضها للتعديل على أسلوب حياتها وشكلها مخليها دايمًا حاسة إنها في عالم غريب عنها رافض وجودها”
تحدث بحيرة ظهرت على تعابير وجهه بوضوح:
“أيوا برضه إيه السبب اللي يخليها كدا طول السنين دي؟”
تدخل «وليد» مُردفًا:
“للأسف طريقة التعامل وكثرة العقاب اللي كانت بتتعاقبه وهي صغيرة”
تحدثت الطبيبة قائلة:
“للأسف يا أستاذ ياسين كُتر إنتقاد الطفل وتعديل سلوكه قدام الناس بحجة تهذيبه بيخليه يحس بعدم الشعور بالأمان غير كدا مجرد التهديد بالعقاب أو استخدام العقاب نفسه بيخلي الطفل مش سوي نفسيًا، فبـالتالي بيخرج نوعين نوع عنيف وصعب التعامل معاه ونوع تاني مسالم ومنعزل محتاج يبذل مجهود علشان يقدر يتواصل مع اللي حواليه”
رد عليها «ياسين»:
“طب هي بتكون في الطفولة بس؟”
إجابته قائلة:
“لأ طبعًا والمراهقة كمان ليها تأثير قوي ومن المعلومات اللي عندي إن خديجة بداية إصابتها بالرهاب كان في مرحلة المراهقة وهي تاني أهم مرحلة في حياة الإنسان وكل اللي بيجي بعدها للأسف مبني عليها”
تدخل «وليد» وهو يقول:
“وللأسف برضه في بداية سن مراهقتها إتفاجأت إنها لوحدها، عمي نقلها مدرسة كلها بنات بس في أولى إعدادي وبعدها عن صحابها اللي هي كانت عارفاهم وبالتالي معرفتش تتعامل في المدرسة ولا عرفت تكون أصحاب، ولما طلبت من عمي يرجعها مدرستها القديمة تاني ساعتها ضربها وعاقبها”
نظر له «ياسين» بقوة ثم قال:
“ممكن أعرف العقاب دا كان نوعه إيه بالتحديد؟”
حمحم «وليد» بإحراج وصمت لبرهة من الزمن وهو يفكر هل يخرج ما بجبعته أم يحتفظ ببعض المعلومات، طال صمته ولم يتحدث،
فطرق «ياسين» على سطح المكتب ثم قال:
“رد عليا يا وليد أنا بكلمك، العقاب دا كان نوعه إيه؟”
تحدث «وليد» بقلة حيلة مُردفًا:
“للأسف لما كانت بتغلط أو حد يفتري عليها كان بيدخلها الشقة اللي الدور الأول هي شقة فاضية وكانت دايمًا مقفولة ومضلمة كان بيسيبها اليوم كله ويفتح أخر الليل نلاقيها نايمة على الأرض وبتتكلم كلام مش مفهوم”
إندهش «ياسين» وتعجب مما وقع على مسامعه، هل هناك أباء بتلك القسوة في العالم؟، هل هناك من يستغل قوته ضد طفل صغير لاحول له ولا قوة، هل ما يسمع عنه في التلفاز وفي المجتمع بأكمله حقيقي؟ شرد قليلًا فتحدث وكأنه تذكر شيئًا هامًا:
“لو سمحتِ يا دكتورة هي إيه الأعراض اللي بتظهر على خديجة؟
أجابته قائلة بهدوء:
“للأسف أعراض كتير زي سرعة نبضات القلب ، وزي الإرتعاش في الأطراف وبعض أجزاء الجسم، وفي الدوران والشعور بالغثيان وكل ما العدد بيزيد كل ما خوفه بيزيد، بس المشكلة اللي عند خديجة إن الرهاب جالها نتيجة الإضطراب النفسي”
فكر «ياسين» لعدة ثوانٍ ثم تحدث قائلًا:
“أول مرة لما شوفتها كانت أهدى بكتير من تاني مرة رغم إن المفروض العكس هو اللي يحصل”
رد عليه «وليد» مُجيبًا إياه:
“دا علشان بس أول مرة كانت على وشك الدخول في نوبة من اللي بتجيلها لما بتخاف أوي، خليتها خدت مهديء للأعصاب خوفًا من إنها يجرى لها حاجة، وتاني مرة الدكتورة طلبت مني إني أسيبها من غيره، علشان أعرف رد فعلها تجاهك”
أومأ لهم «ياسين» موافقًا ثم قال:
“طب إيه اللي أقدر أنا أقدمه لها”
تحدثت الطبيبة قائلة:
“كل اللي مطلوب منك إنك تساعدها في العلاج يعني ممكن وجودك يكون سبب قوي إنها تتعالج وتبطل خوف من حاجات ملهاش لزوم، خصوصًا إن والدها رافض فكرة علاجها وإنه شايف إنها معندهاش مشكلة”
رد عليها «ياسين» مُعقبًا:
“مش يمكن فعلًا يا دكتورة هي مفيش عندها مشاكل وممكن يكون دا طبعها”
رد عليه بهدوء:
“مستحيل طبعًا يا أستاذ ياسين، النفس لما بتتعب بتبعتلك إشارات تقولك أنا تعبانة، أنا مش بخير وعي الإنسان يتمثل في قدرته على علاج المشكلة، في ناس بتسيب المشاكل تتراكم لحد ما خلاص بتجيب أخرها وطاقتها بتخلص فتتحول معاها لمرض مُزمن مينفعش علاجه بين يوم وليلة وللأسف جعلنا بالأمور وخوفنا من كلام المجتمع عن المريض النفسي بيخوفنا أكتر من حل المشكلة دي، ولو على الرهاب الاجتماعي ممكن يتحل بالممارسة لكن لو على الاضطرابات النفسية لازم علاج نفسي”
أومأ لها موافقًا ثم قال:
“أنا مع حضرتك في أي حاجة يا دكتورة ، بس في سؤال محيرني هو ينفع يكون في جواز عادي ولا دا صعب؟”
فهمت قصده فإبتسمت له ثم قالت:
“طبعًا عادي يا أستاذ ياسين لو حضرتك متقبل دا، لكن الأفضل يكون في علاج نفسي علشان العلاقة متكونش فيها إضطرابات وقلق باستمرار”
وافقها في الحديث ثم قال:
“طب أخر حاجة معلش هو حضرتك عرفتي كل دا إزاي أو عرفتي مشكلة خديجة منين؟”
تدخل «وليد» وهو يقول:
“دكتورة هناء والدة أسامة صاحبي وبالصدفة كنت بحكي عن حاجة تخص خديجة وأنا عندهم في مرة والكلام جاب بعضه لحد ما عرضت عليا إني أجبها تتعالج، بس ساعتها عمي رفض رفضًا قاطعًا وقالي إن المرضى النفسيين مجانين وهو مش مستعد بنته يتقال عليها مجنونة كفاية بيقولوا عليها معقدة”
تدخلت الطبيبة قائلة:
“للأسف مكانش قدامي غير إني أتابع مع وليد حالتها من بعيد خصوصًا إن هي متعرفش حاجة عن إضطراباتها”
زفر«ياسين» بقوة ثم قال:
“وأنا معاكوا في أي حاجة وفي أقرب وقت أنا هجبها لحضرتك تتعالج
رد عليه «وليد»:
“أنا مش عاوزك يا ياسين تعمل كدا علشان هي صعبانة عليك ولا شفقة منك، أنا بس عاوز يكون في سبب قوي أقدر أساعدها من خلاله”
إبتسم له «ياسين» لكي يطمئنه ثم قال:
“وأنا قولتلك إني مش عيل صغير وعارف أنا عاوز إيه، علشان كدا أنا مستعد أساعد خديجة، ومش علشان شفقة مني ولا إنسانية، لأ علشان أنا متأكد إن من حقها تفرح زي ما انا متأكد إن في شيء قوي جوايا عاوز يحارب علشانها”.
________________
في بيت آلـ «رشيد» في شقة «طه» تحدثت خديجة موجهة حديثها إلى والدتها قائلة:
“هو ليه متجمعوش النهاردة يا ماما، غريبة يعني مش عادتهم”
ردت عليها والدتها:
“علشان جدك ناصر إبنه راجع من السفر النهاردة وعمتك مشيرة وعمك محمود راحوا يسلموا عليه”
أومأت لها ثم ابتسمت قائلة:
“أحسن الحمد لله،كدا أعرف أقعد بمزاج أخلص مسلسل كامل النهاردة، عن إذنك أوضتي وحشتني”
همت بالوقوف لكن والدتها أوقفتها قائلة:
“استني يا خديجة، نفسي مرة تقعدي معانا يوم كامل، نفسي تقعدي مع أبوكي كدا وأخواتك وتشاركينا اللحظات دي،أنتِ حتى الأكل ساعات كتير مش بتقعدي معانا فيه ولو قعدتي بتقومي أول واحدة، ليه يا خديجة؟”
أخذت خديجة نفسًا عميقًا ثم قالت:
“غصب عني بس مش بحس إني مرتاحة غير كدا، والله بحاول بس بقدر يا ماما أنا بحارب علشان أفضل كويسة مش عاوزة أتعرض لكلمة ولا نظرة منه تحسسني بفشلي”
ردت عليها والدتها:
“هو يمكن طبعه عصبي شوية بس قلبه أبيض بيصفى بسرعة، وبعدين هو اتغير كتير عن الأول يا خديجة ولا نسيتي؟”
حسنًا إذا كانت والدتها تريد إشعال النيران بتلك الذكريات المريرة فهي نجحت بقوة، لما لا ووالدها هو أكثر من ساهم في تكوين تلك الشخصية السلبية التي تعيش بها، ظل يعاقبها ويفرض سيطرته عليها حتى قضى تمامًا على شخصيتها، وكلما أرادت الدفاع عن نفسها، كان يُكذبها ويسمع للبقية من حولها، حتى وإن كانوا كاذبين، صمتت وطال صمتها تفكر في مواقف والدها الأخيرة، حقًا أوقف عقابها، لكن معاملته لها لازالت جافة لم تكن كعلاقة أب وإبنته يومًا ما، نظرت إليها والدتها ثم قالت:
“روحتي فين يا خديجة أنا بكلمك؟”
عادت من شرودها ثم قالت:
“لأ أبدًا مفيش حاجة يا ماما أنا هنا أهوه”
أومأت لها والدتها ثم قالت:
“في حاجة كمان يا خديجة بالنسبة للعريس اللي متقدملك هيجي تاني هو وأهله،أنتِ أكيد موافقة صح؟”
احمرت وجنتيها وزادت ضربات قلبها على ذكر العريس ثم قالت:
“وليه يا ماما، وبعدين أنا لسه مش كبيرة أوي،ما عندكم هدير أهيه لسه متجوزتش”
ردت عليها والدتها مُعقبة:
“لأ يا حبيبتي هدير كانت مخطوبة قبل كدا، ومحصلش نصيب وبعدين عمتك مشيرة عرفت بموضوع العريس، ولو رفضتيه هتشمت فينا يا خديجة، ارحمينا من لسانها ووافقي عليه”
ردت على والدتها قائلة:
“يعني أنتِ عاوزاني أوافق علشان أكسف عمتي، أنتِ شايفة دي حاجة صح يعني؟”
ردت والدتها:
“لأ طبعًا مش علشان كدا بس،علشان نفسي أفرح بيكي وهو ميترفضش بصراحة أدب وشكل وتعليم وذوق يعني أي واحدة تتمنى ربعه مواصفاته لبنتها وقلبي مطمن له أوي، غير كدا أبوكي موافق عليه، يعني صعب إنك ترفضيه”
أومأت لها «خديجة» ثم قالت:
“اللي فيه الخير ربنا يكتبهولنا يا ماما”.
_____________
خرجا «ياسين» و «وليد» من عيادة الطبيبة ركبا سيارة «ياسين» وجلس «وليد» بجانبه وهو يقول:
“أنا مش عارف أشكرك إزاي يا ياسين إنك هتساعدني في اللي جاي كله، أنا عمري ما كنت أتوقع إن ممكن ربنا يكرم خديجة ويعوضها بإنسان زيك”
ابتسم له «ياسين» ثم قال:
“قولتلك متشكرنيش يا وليد، وبعدين خديجة من دلوقتي أنا هعتبرها أمانة في رقبتك لحد ما تكون ليا وساعتها بقى أنا اللي هشكرك علشان حافظت عليها”
ابتسم له«وليد» ثم قال:
“بس كدا أنا أحطها في عيني يا ياسين”
ابتسم له «ياسين» ثم قال:
“عجباني علاقة الأخوة اللي بينكم، أنا طول عمري كان نفسي يكون ليا أخت بنت، بس محصلش نصيب”
رد عليه«وليد»:
“طول عمرنا من ساعة ما هي اتولدت واحنا مع بعض مغبناش عن بعض لحظة، رضعنا سوا إحنا الاتنين، حتى إنهم ساعات كانوا بيبدلونا، أنا أبات مع ماما زينب وهي تبات مع أمي لحد ماكبرنا وغالبًا نسينا مين فينا ابن مين”
ابتسم له «ياسين» ثم قال:
“ربنا يديمكوا لبعض يا رب أنا بفرح أوي لما أشوف علاقة الأخوات مع بعض شيء جميل بصراحة”
ربت «وليد» على كتفه ثم قال:
“صدقني خديجة بمجرد دخولها في حياتك هتكتفي بيها ودا أنا واثق منه”
نظر له «ياسين» مُستفسرًا ثم قال:
“إشمعنا يعني؟”
رد عليه «وليد»:
“عارف أنتَ الجملة بتاعة فاقد الشيء لا يعطيه؟”
أومأ له «ياسين» دون أن يتحدث، فتابع «وليد» حديثه وهو يقول:
“خديجة بقى أكتر واحدة تثبتلك إن الجملة دي غلط،يعني خليها تشوف حد بيعيط كدا، تفضل تهون عليه وتصبره ويبقى ناقص تاخد زعله منه ليها هي، خليها تشوف طفل بيعيط كدا، ممكن تعيط معاه وتاخده في حضنها، الغريب إن هي عمرها ما أذت حد ليه هي بتتأذي؟”
رد عليه«ياسين»:
“علشان للأسف البشر بيحبوا الشخص اللي يخوفهم اللي يخليهم دايمًا خايفين من لسانه والأذى اللي بيصدروا ليهم إنما الطيب دا بيطلع عينه وسطهم”
أومأ له «وليد» فتابع «ياسين» حديثه:
“المهم دلوقتي عاوزك تبلغم في البيت عند خديجة إن هاجي ليهم بكرة بس لوحدي من غير أهلي”
نظر له«وليد» مُتعجًا ثم قال:
“خير في إيه”
رد عليه «ياسين»:
“كل خير إن شاء الله متخافش”.
________________
أوصل «ياسين» أمام «وليد» إلى المنطقة التي يَسكن دون أن يقترب من البيت بطلبٍ من وليد خوفًا أن يراهم أحد من أفراد العائلة، ثم تركه وذهب إلى «ميمي» لكي يخرج ما به من طاقة سلبية كعادته كلما أراد الهروب من شيئٍ ما لاذ بالفرار إليها، جلس بقربها في الشرفة دون أن يتحدث كان ينظر للمارة في الشارع بشرود وهي تتابعه دون حديث،حتى وجدته يخرج تنهيدة قوية من قلبه وكأنها قالت ما لم تستطع الحروف قوله، نظرت له بعمقٍ ثم قالت:
“لأ مش هقدر أسكت أكتر من كدا احكيلي مالك يا ياسين، شكلك مش مطمني خالص”
نظر لها ثم أجبر شفتيه على الابتسام وتابع حركته تلك بقوله:
“أنا كويس متشغليش بالك بيا يا ميمي”
ربتت على كف يده ثم قالت:
“لو مش هشغل بالي بيك يا ياسين هشغله بمين يعني، هو أنا ليا غيرك أنتَ وباقي العيال، دا أنتم هدية ربنا ليا، احكيلي يلا مش من عادتك تخبي عليا حاجة”
زفر بقوة ثم قال لها:
“هحكيلك حاضر يا ميمي”
_____________
وصل «وليد» إلى بيته وقف أمام المصعد لكي ينقله إلى طابق شقة«خديجة» فُتح المصعد وخرجت منه «عبلة» نظر لها وليد بضيق وبادلته هي نفس النظرات المحتقنة، وأول من تحدث هو حينما قال:
“يا ستار يا رب”
ردت عليه بسخرية:
“خير يا أستاذ وليد شوفت عفريت قدامك ولا شكلي مش عاجب حضرتك”
بادلها نفس الحديث اللاذع حينما قال:
“والله أنتِ أدرى بنفسك يا عبلة إذا كنتِ عفريت ولا لأ، وبعدين مكنتش متوقع إني أفتح الأسانسير ألاقيكي أنتِ في وشي يعني،كدا كتير،”
تبدلت نظراتها إلى الضيق في خلال ثوانٍ وكل ما يدور بذهنها أنه كان يريد رؤية «هدير»فقالت:
“معلش بقى نصيبك إنك تتصدم بيا أتمنى مكونش أزعجت حضرتك”
أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“هو إحنا إيه اللي وصلنا لكدا يا عبلة، الدنيا كانت قربت تتظبط بيننا، ليه رجعنا للصفر تاني؟”
نظرت له بسخرية ثم قالت:
“قُل لنفسك يا وليد، وفكر مين اللي غلط الأول، وافتكر إني إنسانة عندي مشاعر مش بديل لحد”
كان حديثها مُبطن يخفي داخله الكثير وهو لم يفهم منه شيئًا، لذلك تحدث قائلًا:
“على الرغم إني مش فاهم حاجة ومصدع بس اسمحيلي أقولك رايحة فين كدا؟”
ردت عليها بضيقٍ منه:
“وأنت مالك يا وليد رايحة فين مالكش دعوة بيا”
إذن هي من بدأت طريقة الاستفزاز فلتتحمل النتيجة، لذلك أردف قائلًا بخبث:
“إزاي بقى مليش دعوة مش أنتِ أختي برضه يا عبلة؟”
جحظت عيناها بقوة ثم كررت كلمته مرة أخرى بسخرية وهو تقول:
“أخــتـك؟!”
رد عليها بلامبالاة يمتاز بها وهو يقول:
“آه طبعًا أختي وخايف عليها ولا أنتِ عندك رأي تاني؟”
أجابته قائلة بهدوء مُتقن:
“لأ طبعًا معاك حق احنا أخوات، عن إذنك رايحة أشتري حاجات للبيت، علشان عم سليمان مش هنا،في البلد”
أومأ لها فتركته وغادرت من أمامه نظر في أثرها بتحدي ثم قال:
“ماشي يا عبلة يا أنا يا أنتِ مش هسيبك تعندي كتير كدا”
دخل المِصعد وضغط على زر الطابق السادس الخاص بشقة «خديجة» دخل وألقى التحية على الجميع ولحسن حظه كانت خديجة جالسة معهم في الخارج، نظر إلى وجوه الجميع فتحدث قائلًا:
“جماعة بعد إذنكم أنا عاوز أقولكم إن ياسين عريس خديجة هيجي بكرة إن شاء الله بس لوحده وعاوز يتكلم مع حضرتك يا عمي”
نظر لها والدها بقوة وكأنه يحاول إرسال تهديد لها بنظراته إن رفضت، أخفضت بصرها بعيدًا عنه، فتحدث والدها قائلًا:
“يجي ينور إن شاء الله يا حبيبي ، أنا بكرة هاجي بدري مت الشغل علشان أكون في إنتظاره”
نظر «وليد» إلى «خديجة» وجدها متعرقة بشدة ولكنها تصنعت الامبالاة ورغم ذلك كان يبدو القلق واضحًا عليها، فتحدث «وليد» قائلًا:
“تمام يا عمي وأنا كمان هكون موجود معاه بكرة وربنا يتمم بخير إن شاء الله”
تحدثت «زينب» قائلة:
“خلاص لو كدا أجهز الشقة و أرتبها علشان نكون مجهزين نفسنا”
أومأ لها زوجها، أما «أحمد» شقيق خديجة كان ينظر لـوليد بقوة يحاول أن يفهم شيئًا مما يدور حوله، بادله وليد النظر ولكن بإطمئنان كأنه يقول له:
“لا تقلق”، كل هذا وخديجة لم تشارك في الحديث ولا النظرات وكأن الحديث لم يكن عنها من الأساس.
_____________
عند ميمي قص عليها «ياسين» ماحدث من الطبيبة مع احتفاظه ببعض الأجزاء الخاصة بخديجة ولو كان الأمر بيده لكان أخفاه عن العالم بأكمله ولكنه مشتت يحتاج لمن يعاونه في التفكير واتخاذ القرار الصحيح دون ضغط على أعصابه، إنتهى من حديثه عن خديجة والطبيبة ثم قال:
“قوليلي يا ميمي أنا أخترت إني أكمل دا كان صح مني ولا تسرع؟”
ابتسمت له ثم قالت:
“هو سؤال واحد قلبك دا مرتاح ولا لأ؟”
رد عليها مُعقبًا:
“يعني أنا بسألك علشان تردي عليا السؤال بسؤال؟”
كررت سؤالها وكأنها لم تسمعه فقال:
“أنا حاسس إنه مرتاح من يوم ما شافها أصلًا،حاجة غصب عني بتشدني ليها،حتى بعد ماعرفت اللي قولتهولك دا حسيت إني عاوز أقرب أكتر ومش عاوز أبعد، خوفي كله أكون مش قد المسؤلية دي”
ابتسمت له ثم قالت:
“أنتَ جاوبت نفسك أهوه يا ياسين أنتَ مرتاح ليها وحاسس بحاجة ناحيتها خوفك كله إنك متقدرش تنجح في اللي مطلوب منك،بس خليك فاكر لو كل اللي خاف من حاجة محاربش علشانها محدش كان نجح في حياته ولا حد كان، صدق قلبك وأمشي وراه”
أومأ لها موافقًا ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال:
“معاكِ حق يا ميمي، أنا هتوكل على الله وربنا أكيد مش هيخذل عبد توكل عليه”
وافقته في الحديث قائلة:
“خليك مع ربنا عمره ما هيخذلك أبدًا يا ياسين، توكل عليه وهو هيسرلك كل صعب في الدنيا، وأدعي من قلبك ربنا مش هيرد دعاء عبد بيدعي بيقين من قلبه”
أومأ لها موافقًا ثم رفع رأسه للسماء وهو يقول من قلبه:
“يــا رب”
_________________
وصل «ياسين» بيته وجلس برفقة والديه قليلًا ثم قال لوالدته:
“بكرة هروح مشوار مهم بعد الشغل يا ماما”
نظرت له مُتعجبة ثم قالت:
“مشوار إيه دا؟ مش عادتك تروح مشاوير بعد الشغل يعني”
حمحم بإحراج ثم قال:
“بصراحة بعد إذنكم يعني هروح أتفق مع عم طه والد خديجة على شوية تفاصيل كدا قبل ما نتجمع سوا نتفق كلنا”
تحدث والده قائلًا:
“براحتك يا حبيبي، بس خليك فاكر إنك متربي على الأصول يعني الأول تعتذر لهم إنك هتروح من غيرنا، وتسمع منه طلباته كلها وإحنا تحت أمرهم”
أومأ له «ياسين» موافقًا ثم قال:
“متقلقش يا بابا، أنا فاهم كل دا أنا بس حبيت أتكلم معاه في كذا نقطة مهمة، قبل ما نتكلم في المواضيع الكبيرة”
وافقه والديه في الحديث فتركهم ودخل غرفته، جلس يفكر كثيرًا على فراشه حتى أرهقه التفكير وذهب في ثباتٍ عميق،
______________
أتى اليوم التالي كان «ياسين» منكبًا في عمله هاتفه أصدقاؤه كعادتهم مكالمتهم الجماعية وتلك المرة كان السبب بها «عامر» الذي قال موجهًا حديثه لـ «ياسين»:
“قولي صحيح يا عريس، هو أنتَ عملت إيه في موضوع العروسة اللي فكت عقدتك دي و خلت قلبك يرتاح؟ مسمعناش زغروطه يعني ولا شوفنا منكم حتى طقم شربات ولا قطعة جاتوه”
ضحك«خالد» و«ياسر» على حديثه أما«ياسين» لم يُعقب، فتحدث «عامر» قائلًا:
“لأ بجد والله يعني أنا عاوز أشوفك عريس قبل ما أموت، أنا دوقت جاتوه خالد وياسر حتى الجاتوه بتاعي، أنتَ بقى هدوق الجاتوه بتاعك إمتى؟”
رد عليه«ياسر»:
“هو أنتَ يابني كل حاجة عندك أكل، مفيش هموم مفيش أحزان مفيش دم؟”
رد عليه «خالد»:
“أي حاجة في حياته بيحسبها بالأكل وياريت باين عليه حاجة”
رد عليهم «عامر»:
“خلاص يا سكر منك ليه، مالكم شادين حيلكم عليا ليه من ساعة ما بقيتوا نسايب وأنا مش عارف أقف قصادكم”
رد عليه«ياسين»:
“متزعلش نفسك يا عامر ليك عليا إن شاء الله هعمل في فرحي بوفيه مخصوص ليك بإسمك وأكتب عليه ممنوع دخول «ياسر و خالد» مرضي كدا؟”
رد عليه «عامر» بصوتٍ مبهج:
“روح يا ياسين ربنا يكرمك وينصفك ويجبر بخاطرك زي ما أنتَ جابر بخاطري كدا”
ظل الشباب يتحدثون سويًا حتى أغلقوا الهواتف مع بعضهم وكل فردٍ منهم عاد إلى عمله، إنتهى ياسين من عمله من المهام الموكل بها وقام بتسليم الملفات المطلوبة منه، ثم خرج من مقر عمله وركب سيارته وبعد مدة بسيطة لسيت بكثيرة وأيضًا لم تكن قليلة وصل «ياسين» ألى بيت «خديجة» هاتف «وليد» قبل وصوله وأخبره أنه في طريقه إليهم، حتى يكونوا على استعداد، أخبر وليد أفراد عائلة خديجة وكالعادة كانت في غرفتها ترتدي ثيابها دخلت أختها وأخبرتها أن تسرع في الأمر نظرًا لقرب وصول ياسين، وصل «ياسين» وجلس برفقة والد خديجة و وليد وأحمد، بعد الترحاب به قِبل العائلة تحدث «ياسين» قائلًا:
“بعد إذن حضرتك يا عمي أنا عاوز الأنسة خديجة تسمع الكلام اللي هقوله دا”
نظر الجميع إلى بعضهم البعض فرد عليه والدها:
“طبعًا يا بني تحت أمرك، هات أختك يا أحمد”
ذهب أحمد لغرفتها وأقنعها بالخروج لمقابلته وقال لها أن هذا هو طلب ياسين، خرجت وهي ممسكة في يد أخيها بقوة نظرت له وحاولت أن تبتسم ولكنها متوترة بشدة، لذلك ظهر التوتر على ابتسامتها جليًا بوضوح، ابتسم لها «ياسين» ثم قال موجهًا حديثه للجميع:
“بعد إذن حضرتك يا عمي طبعًا أنا بطلب من حضرتك بشكل رسمي إيد الآنسة خديجة تكون زوجة ليا وشريكة لعمري الجاي”
ابستم الجميع على حديثه أما خديجة زاد خجلها وتوترها أكثر بكثير مما كانت عليه، فتحدث والدها قائلًا:
“الشرف ليا أنا يا حبيبي”
رد عليه «ياسين»:
“ربنا يبارك في حضرتك يا عمي بس أنا ليا طلب عند حضرتك”
أجابه والدها بهدوء:
“اتفضل يا بني أؤمر”
رد عليه «ياسين»:
“الأمر لله سبحانه وتعالى بس أنا مش عاوز فترة خطوبة، أنا عاوز كتب كتاب علطول”.
يُتَبَع
#لفصل_الحادي_عشر
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ