روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 18

“الفصل الثامن عشر”
“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
____________

“أحتَـاجُك كيّ أعبُر؛ لستُ ضرِير ولكِّني مُستوحِش، وهذَا الدربُ مُعتِم”

هاني نديم.
___________

أنا هنا أقف في إنتظارك، فقط كُل ما عليكِ فعله هو النظر في عيناي، جودي على روحي بكرمك وأطربي أذاني بموافقتك، كان «وليد» يقف بثبات وكل ما سبق يجول بخاطره تحت نظرات الدهشة والتعجب من الحاضرين، وأول من قطع الصمت هو «طارق» الذي وقف بجانب «وليد» ثم قال بفخرٍ:

“أنا لو لفيت الدنيا كلها عمري ما هلاقي لأختي عبلة زيك يا وليد، ألف مبروك، إيه رأيك يا بابا؟”

ابتسم «محمد» ثم قال:
“أخيرًا نطقتها يا وليد، أنا طبعًا موافق،ومش هلاقي لعبلة في رجولتك ولا في حنية قلبك”

حسنًا لقد تم وضع «عبلة» في خانة اليَك، كيف سترفض بعدما قاله والدها وأخيها، نظرت إلى «وليد» وجدته ينظر لها بخبث وكأنه يتحداها أن ترفض، تحدث «طارق» وهو يقول:
“ها يا عبلة إيه رأيك؟أكيد موافقة”

لماذا تتحدث يا «طارق»، لماذا تضعني في مثل هذا الموقف، نظرت في أوجه الجميع وجدت النظرات مُشجعة لها عدا «هدير» التي أومأت لها سلبًا وكأنها تقول لها:
“لا تقبليه”

أخذت «عبلة» نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء:
“وأنا موافقة”

إنتشرت الزغاريد للمرة التي نسىْ الجميع عددها، فقامت «سُهير» والدة «عبلة» ثم أحتضنتها وهي تبارك لها وكذلك شباب العائلة يباركون لـ«وليد» و «طارق» معًا، كل هذا و «خديجة» تبتسم بحب  لفرحة توأم روحها كما يطلق الجميع، كان «ياسين» ينظر لفرحتها بحب، وتمنى لو أنها فرحت لنفسها بتلك الطريقة، لكن لا بأس أنا هنا، أعدكِ أنني من سيجعل البسمة لا تُفارق شفتيكِ، ووسط إنشغال الجميع بالمباركات، مال على أذنها وهي غير منتبهة له ثم قال:

“اللهم صلي على النبي، دا الواحد قلبه بيرقص علشان إبتسامتك الحلوة دي”

حركت رأسها بقوة بإتجاهه ثم نظرت له بقوة، غمز لها ثم قال:
“إيه يا خديجة مالك بس، مش أنتِ مراتي برضه ولا أنا كتبت كتابي على حد تاني”

نظرت أمامها مرة أخرى دون تعقيب وهي تحاول كتم إبتسامتها لكنها فشلت، نظر لها فوجدها تبتسم، ابتسم تلقائيًا لبسمتها، لفت إنتباهه «وليد» بعدما كان شاردٌ بها وهو يقول:
“ألف مبروك يا ياسين، بقينا عرسان زي بعض”

ضحك «ياسين» ثم احتضنه وهو يقول:
“قولي بقى إيه حكايتك معرفتنيش المفاجأة دي ليه؟”

وهما على نفس وضعيهما قال «وليد»:
“دي حكاية كبيرة أوي، بس هحكيلك تفاصيلها”
خرجا من حضن بعضهما البعض، فقال«وليد»:
“المهم دلوقتي بعد تلبيس الدبل الشباب مستنيين تحت علشان نفرح سوا”
أومأ له «ياسين» فتركه «وليد» ثم ذهب إلى «عبلة» وقف جوارها ثم قال بصوتٍ منخفضٍ:

“أفردي وشك دا الناس بتبص علينا، ويلا علشان تلبسي الدبلة”

رسمت بسمة زائفة على ملامحها ثم قالت بهدوء:
“متحلمش إنك تاخد خطوة أكبر من الدبلة يا وليد، واعمل حسابك لو أنا وافقت هبقى وافقت علشان شكل بابا وطارق قُدام الناس”
التفت ينظر لها بقوة ثم قال:
“وماله لما أحلم يا عبلة، كدا كدا أنا بحقق أحلامي، وعمري ما حلمت بحاجة وسبتها”

نظرت له تتفخصه فوجدته يمسك كفها ويضع الخاتم داخل إصبعها فتحدث والدها وهو يقول:
“برضه أنتَ اللي لبستها الدبلة يا وليد؟”

قد تبدو شخصية «محمد» متناقضة فكيف يترك إبنته تضع
مساحيق التجميل وتخرج مع هدير ويرفض أن يُلبسها «وليد» الخاتم ، ولكن هذه شخصية «محمد» على رغم من كونه شخص متدين بطبعه إلا أن بناته نقطة ضعفه ولا يستطع أن يرفض لهما طلبًا لذلك يتركهما على حريتهما
إعتذر منه «وليد» ثم قال:
“حاضر يا عمي هلمسها تاني غير بعد كتب الكتاب”
أومأ له الجميع.
بعد ارتداء الخواتم، ذهب «وليد» ووقف بجانب «ياسين» ثم قال له:
“يلا نقعد مع الشباب تحت علشان هما مش واخدين راحتهم هنا”

أومأ له «ياسين» بهدوء ثم قال:
“ثواني وهرجعلك”
قال جملته ثم ترك «وليد» وذهب إلى «خديجة» بعدما ابتعدت عنها قليلًا لكي تجلس على المقعد لعلها ترتاح قليلًا من فرط توترها، وقف أمامها ثم أمسك كفها تحت نظرات الدهشة والتعجب من الجميع، أخذها وأجلسها بجانب والدته و زوجات أصدقائه بهدوء ثم إبتسم وقال لها:
“عاوزك تقعدي مع ماما هنا تتعرفي عليها وعلى البنات دول”

على الرغم من توترها وخوفها منه ومن النظرات حولها إلا إنها نظرت له بقوة ثم قالت:
“حاضر بس ممكن تسيب إيدي الناس بتبص عليا”

نظر حوله فوجد الأعين مُنصبة عليهم، فشعر بالخجل أيضًا ثم ترك كفها بهدوء، وقال موجهًا حديثه لـ والدته:
“خلي بالك منها يا ماما”
ربتت والدته على كتفها ثم قالت:
“مش هتوصيني على بنتي يا ياسين، صح يا خديجة”

شعرت «خديجة» بالإطمئنان قليلًا فأجبرت شفتيها على الإبتسام ثم قالت:
“شرف ليا إن حضرتك تعتبريني زي بنتك”

أحتضنتها «زُهرة» ثم قالت لـ «ياسين»:
“يلا شوف أنتَ رايح فين سيبني مع بنتي شوية”

ابتسم لهم ثم ذهب إلى «وليد»، على الرغم من مخاوف «خديجة» وشعورها بالقلق والتوتر لكنها لاحظت إختفاء «هدير» وعمتها «مُشيرة» لكنها لم تبالي كثيرًا وبدأت في التعارف على الفتيات.
__________

في الأسفل وتحديدًا في الجزء المُخصص للمناسبات وقف الشباب جميعهم سويًا وهم أحفاد عائلة «الرشيد» مع أصدقاء «ياسين» تم التعارف بين الجميع في جو من المرح وأول من بدأ المرح هو «عامر» حينما قال:

“الله يكون في عونكم والله، أنا بقالي نص ساعة وحاسس إني في عالم موازي”

ضحك الجميع على حديثه فأعاد الحديث وهو يقول:
“دا بجد والله كل ما أسلم على واحد يطلع واحد تاني شبهه أنتم عايشين هنا إزاي؟”

أول من رد عليه كان «طارق» حينما قال وهو يضحك:
“يعني إيه مش فاهمين”

قال «عامر» مُردفًا:
“يعني أنا سلمت عليك وأتعرفنا على بعض ببص بعدها لقيت واحد شبهك جاي يسلم علينا حتى نفس الطول والعضلات، ولابس شبهك”

تدخل «وئام» وهو يقول:
“أيوا دا أنا، ودا طارق إبن عمي إحنا فعلًا شبه بعض”

أومأ له «عامر» ثم قال:
“طيب ماشي، دا أنتَ ودا طارق مين بقى التالت اللي قدكم في السن وبرضه شبهكم؟”

تدخل «حسن» وهو يقول:
“لأ دا أنا بقى حسن صاحبهم وشريكهم في الشغل تقدر تقول ضلع المثلث التالت”

نظر «عامر» لأصدقائه ثم قال:
“والله عالم موازي بجد دا أنا دماغي لفت وأنا بتعرف عليهم”

ضحك الجميع على حديثه ثم بعدها دخل «أحمد» وهو يضحك  نظر له «عامر» بقوة ثم قال:

“بصوا الرعب بقى والله العظيم في واحد شبه الكابتن دا تاني”

ثم نظر في أوجه الجميع ثم أشار إلى «وليد» وهو يقول:

“أهم أتنين كمان شبه بعض”

رد عليه «وليد»:
“دي معاك حق فيها أنا وأحمد شبه بعض جدًا حتى نفس الأسلوب برضه بس إحنا ولاد عم مش توأم”

ضحك الجميع بينما تحدث «وئام» وهو يقول:
“وبعدين مالك يا عامر كدا ما أنتم الأربعة شبه بعض وإحنا ساكتين برضه”

تدخل «خالد» بسخرية وهو يقول:
“قوله بالله عليك علشان يصدق”

رد عليه «عامر» بعدما نظر في أوجه أصدقائه:
“ثانية واحدة يعني أنا شبه ياسر أبو عيون زرقا دا، ولا شبه ياسين وخالد الحلوين دول؟”

رد عليه «أحمد»:
“ياعم ما أنتَ عيونك عسلي ومحدش أتكلم وآه أنتَ شبه ياسين وخالد أوي”

كانت هذه هي الحقيقة فكان كلًا من «خالد» و «ياسين» و «عامر» يشبهون بعضهم البعض بدرجة كبيرة عدا «ياسر» الذي يملك وسامة خاصة به لكنه من كثرة عشرته مع أصدقائه أصبح يشبههم وكأن الروح هي من تُصاب بالعدوى وليس الشكل كما أن أجسادهم كانت مُتقاربة في الطول والوزن عدا «عامر» كان أقلهم وزنًا وأوسطهم طولًا.

هكذا كان الوضع في الأسفل تم التعارف بين الشباب في جو مليءٌ بالمرحِ والسعادة، وبعد ثوانٍ نزلت «خلود» ثم قالت لـ «وليد»:
“الحاجة الساقعة يا وليد أهيه”

نظر لها «عمار» بقوة ثم مال على أذن «خالد» وهو يقول:

“الواحد شكله هيخلص ثانوية عامة ويحصل ياسين من البيت دا يا خالود”

نظر له «خالد» بشرٍ ثم قال:
“لِم نفسك يا عمار بدل ما ألمك، مش هتبقى أنتَ وأخوك عليا، نلم نفسنا ومنبصش لبنات الناس”

نفخ «عمار» وجنتيه ثم قال:
“أنا إيه اللي خلاني أقولك انتَ، وبعدين أنا مقولتش حاجة غلط يا خالد”

علم «خالد» أن هذه الطريقة لن تُجدي معه نفعًا فقال بهدوء بعدما إبتعد به قليلًا عن وجود الشباب:
“بص يا عمار أنتَ أخويا الصغير، ربنا يعلم كلنا بنحبك إزاي، بس أنتَ ثانوية عامة يعني ركز على هدفك وعلى حياتك اللي جاية وإذا كان على الحب والإرتباط دا كله هيجي في وقته الصح بس بالحلال، فرحنا أنتَ بس وفرح فهمي بدل ما يوصلك بالسلك العمومي في المحل”

تأثر «عمار» من حديث «خالد» فإرتمى بين أحضانه ثم قال:
“أنا بحبك يا خالد،وبجد أنا من غيرك أنتَ وياسر وياسين هتوه”

ضحك «خالد» ثم قال:
“طب وعامر أخوك؟”

خرج «عمار» من حضن «خالد» ثم قال:
“لأ عامر أخويا دا متبري مني أصلًا، محدش هيوديني في داهية غيره”

ابتسم له «خالد» ثم قال:
“مش صح والله أخوك عامر بيموت فيك وروحه كلها فيك أنتَ بس هو بيحب الضحك والهزار مبيحبش يتكلم جد”

عاد «خالد» و «عمار» إلى مكان الشباب وأول من سألهم عن وقوفهم سويًا كان «ياسر» حينما قال:
“في حاجة ولا إيه يا خالد؟”

هز «خالد» رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ أبدًا كنت بس بقوله على حاجات نجيبها وإحنا راجعين علشان يونس إبني”

أومأ له الجميع ثم عادوا إلى ما كانوا عليه من قبل.
______________

في الطابق الأول كانت «عبلة» تستقبل التهنئات والمباركات من الجميع تحت نظرات الحنق منها على ذلك المدعو «وليد» وعلى ما وضعها به، أما «خديجة» عرفها الفتيات بأنفسهن، وهي كل ما يصدر منها إيماءة بسيطة من رأسها، مع إبتسامة متوترة يتبعها بعض الكلمات الخاصة بالترحيب ولكنها بصوتٍ مهزوز، وأول من تحدثت كانت«إيمان» حينما قالت:
“على فكرة هدوءك دا مش عاجبني، أنتِ أستني عليا بس كدا ناخد على بعض وأنا والله ما هخليكي تسكتي، حتى أسألي «سارة» و «ريهام»”

ضحك الجميع على حديثها، أما «خديجة» زاد توترها أكثر إذًا هي شخصية مملة كما تعتقد، ولكن ما أخرجها من قوقعة تفكيرها «زُهرة» حينما قالت:

“سيبيها في حالها يا إيمان وريحي نفسك هي سكر كدا ربنا يبارك فيها وفي هدوءها دا”

ضحك الفتيات على منظر «إيمان» وهي ساخطة فتحدثت «سارة» وهي تقول:
“أنا مش عارفة ياسر إزاي حبك، والله العظيم دا بيخاف يتكلم”

ضحكت «إيمان» ثم قالت:
“يعني هنكون إحنا الأتنين ساكتين يعني؟”
ثم نظرت إلى «خديجة» وقالت:
“طبعًا أنتِ ساكتة و ياسين ساكت هتتكلموا في الأخرة ولا إيه؟”
اتسعت إبتسامة «خديجة» ثم قالت بهدوء:
“لأ أنا بتكلم والله بس مش بعرف أتكلم كتير”

أومأ لها الجميع بينما «ريهام» قالت بسخرية:
“مش اتعرفتي على إيمان؟ بكرة محدش يعرف يسكتك أصلًا”

وافقها الجميع في الحديث حتى «إيمان» نفسها.
____________

في الطابق الأعلى لـ طابق الإحتفال كانت «مُشيرة» تجلس برفقة «هدير» وكلًا منهما تشعر وكأن الدنيا هُدمت فوق رأسها فتحدثت «مُشيرة» هي تقول:
“يعني إيه خلاص كدا كتبت الكتاب،وأنا حتى محاولتش أوقفه، ولا التاني إبن مروة دا خطبها إزاي؟ يعني كلهم هيفرحوا بعيالهم وأنا هفضل عمري كله متحسرة على بنتي؟”

ردت عليها «هدير» بِغل واضح:
“سيبيهم يفرحوا يا عمتو، بس والله ما هسيبهم يتهنوا، أنا هقلبها نكد عليهم كلهم”

أومأت لها «مُشيرة» ثم قالت بحسرة:
“أما نشوف أخرتها يا ست هدير، قولتيلي متقلقيش وليد مش هيوصل لعبلة وأهو خطبها، قولتيلي خديجة إستحالة يوافق بيها وأهو كتب كتاب مش خطوبة بس”

نظرت لها «هدير» ثم قالت:
“قولتلك متقلقيش أنا هتصرف في اللي جاي كله، المهم إنزلي علشان تلحقي أم العريس”

نظرت لها «مُشيرة» بخبث ثم قالت:
“من عيني يلا تعالي معايا

نزلت «مُشيرة» الطابق الأسفل برفقة إبنة أخيها ثم جلست بجانب «زُهرة» رحبت بها وبالفتيات تِرحابًا شديدًا تحت نظرات الخوف من «خديجة» أما «هدير» جلست برفقة «عبلة» ولم تنبت ببَنت شفة، بعد التعارف بين «مُشيرة» و «زُهرة» تحدثت الأولى وهي تقول:

“يا حظكم بخديجة بنت أخويا أدب وأخلاق وهدوء صحيح هي دي الزوجة الصالحة اللي أي عيلة تكسبها”

إبتسم الجميع بينما «خديجة» كانت تظن أنها داخل أحد أحلامها، فكيف لمصدر شقاؤها في الحياة أن يتحول بهذه الطريقة، كانت «مُشيرة» مُسترسلة في حديثها عن «خديجة» ثم أكملت قائلة:

“هي صحيح طبعها غريب وساكتة علطول كدا ومقفلة على نفسها بس قلبها أبيض أوي”

هذه هي «مُشيرة» حقًا، هذه هي التي أعلمها جيدًا، هي الآن ستطلق عيوبي أمام الجميع وأنا كعادتي لن أستطيع تكذيبها أو إحراجها كل ما علي فعله هو الصمت فقط، هكذا كانت تُحدث «خديجة» نفسها، ولكن ما لفت نظرها هو حديث «زُهرة» حينما قالت ببسمة هادئة:
“والله ربنا يعلم قلبي إتفتح لها إزاي من أول ما وفاء قالتلي عنها وأنا أتمنيت بس أشوفها، ولما شوفتها أتمنيتها تكون لإبني وأهو الأمنية إتحققت وبكرة هتبقى بنتي كمان”

“هل يمكنني أن أحتضنك الآن أم أصبر قليلًا”

هذا ما فكرت به «خديجة» بعد حديث «زُهرة» عنها، لم تُعجب «مُشيرة» بحديث «زُهرة» لكنها لن تستطع قول ذلك فأومأت ببسمة زائفة، ثم نظرت لـ «هدير» فهمت «هدير» نظرتها فأومأت لها بهدوء دون أن يراهما أحدًا، قامت «هدير» من جانب «عبلة» ثم توجهت إلى «خديجة» مالت على أذنها ثم قالت:
“خديجة تعالي علشان نتصور أنا وأنتِ وبنات العيلة”

نظرت لها «خديجة» بتوتر ثم قالت:
“أنتِ عارفة أنا مبحبش الصور يا هدير، ومش بعرف أتصور أصلًا قُدام حد”

أمسكتها «هدير» عنوةً عنها ثم قالت:
“يلا بس دي هتبقى صورة للذكرى”
بعد إختفاء أثرهما إقتربت «مُشيرة» من «زُهرة» ثم قالت:
“هاتي بقى رقمك علشان نتعرف على بعض أكتر إحنا كدا بقينا عيلة خلاص”
أومأت لها «زُهرة» بيسمة هادئة ثم قالت:
“آه طبعًا اتفضلي شرف ليا”

كانت الفتيات يتحدثن عن «مُشيرة» وحديثها بهدوء، بينما والدة «خديجة» وباقي نساء العائلة يعملن سويًا على الترحيب بالضيوف، وكذلك «طه» يُرحب بالرجال.
إنتهى الإحتفال على خير بعد كل تلك الأحداث المتداخلة مع بعضها، وقبل مُغادرة «ياسين» المكان استأذن أصدقائة ووالديه حتى يودع زوجته، صعد للطابق العلوي كانت«خديجة» جالسة بمفردها وهذا لحسن حظه، بعدما صعدت الفتيات معًا شقة «عبلة»  أما هي كانت جالسة في إنتظار والدتها، دخل الشقة وجدها شاردة تنظر في الفراغ أمامها، أخذ نفسًا عميقًا ثم أقترب منها، طرقع بإصبعيه أمام عينيها لكي يُلفت إنتباهها نظرت له ولكنها جحظت عيناها بقوة ووقفت وهي تقول:
“أنتَ ! بتعمل إيه هنا؟ وبعدين إفرض حد شافك هيقول إيه؟”

إبتسم بخفة ثم قال:
“هيقول واحد طالع يودع مراته فيها إيه يعني؟”

نظرت له ثم قالت:
“أنتَ إيه جايب السلام النفسي دا منين؟”

غمز لها بطرف عينه ثم قال بمراوغة:
“من عينك الحلوين دول”

ألم تسري الدماء داخل الجسد، لماذا أشعر وكان دمي يسري على وجهي هكذا حدثت نفسها بعدما شعرت بالتوتر والخوف معًا،
نظر لها بشفقة ثم قال:
“إهدي إهدي بس أنا جاي أطمن عليكي وأسلم عليكي قبل ما أمشي، ودا حقي”

نظرت له ولم تُعقب بينما هو أقترب أكثر ثم قبل جبهتها، لكنها انتفضت بقوة من إقترابه، نظر لها مُتعجبًا من ردة فعلها، ولكنه وأد نظرته تلك ثم قال:
“من ساعة ما كتبت الكتاب وأنا فيه حاجات كتير عاوز أقولها ليكي،بس في أقرب وقت مناسب أنا هقولك كل حاجة”

وجدها تنظر له بخوف وأعينها على مشارف البكاء، لماذا يشعر وكأن هناك شيئًا غريبًا يتعدى رُهابها، وقبل أن يتعمق في التفكير أكثر من ذلك، سمع إقتراب خطوات شخصٍ ما، فأمسك كفها يودها ثم قال:
“أشوف وشك على خير يا قبولي الوحيد”

ثم غمز لها بطرف عينه وتركها وركض للأسفل.

نظرت في أثره بتعجب ثم قالت:
“لأ دا مستحيل يكون شخص طبيعي، دا أكيد مجنون رسمي والله”
_____________
في الأسفل لم  يجد سيارة والده ، ووجد أصدقائه في سيارة «خالد» مال على زجاج السيارة وقال:
“هو بابا راح فين؟”

أجابه «ياسر»:
“خلص وأركب يا عم روميو، أبوك إتعصب ومشي ونكد علينا وخد البنات معاه”

تحدث «عامر» بسخط وهو يقول:
“وأنا أقول إبنه هادم لذات لمين، طالع لأبوه بصحيح”

ضحك «ياسين» ثم ركب بجانب «خالد» في مقعد القيادة.
كان الشباب يتسامرون في أحداث اليوم،أما هو فكان شاردًا بها وبخوفها وملامحها وفي لمسة يدها، وقتها شعر وكأن العالم بأجمعه بين يديه، تم توصيل «عامر» و «عمار» معًا ثم «ياسر» بعدهما، أوقف «خالد» السيارة أسفل منزل «ياسين» ثم قال له:
“مالك ياض في إيه شكلك مش مظبوط”

نظر له «ياسين» ثم قال:
“لأ عادي والله هو إحساس غريب بس مش أكتر”

أومأ له «خالد» ثم قال:
“طيب المهم عاوزك تكلم عمار وتخليه يعقل شوية”

نظر له «ياسين» مُتعجبًا ثم قال:
“ماله يا خالد عملك إيه”

هز «خالد» كتفيه ثم قال:
“معملش ليا أنا، بس هو عاوز شدة عليه صغيرة كدا الامتحانات قربت، وعم فهمي مش حِمل زعلة”

شعر «ياسين» بالفخر من حديث «خالد» فقال بهدوء:
“خلاص متقلقش ، أنا هكلمه، وكمان هتابع مع السنتر علشان نطمن أكتر”
وافقه «خالد» في الحديث ثم قال:
“ماشي إنزل بقى علشان تلحق مكالمة كتب الكتاب”

نظر له «ياسين» مُتعجبًا ثم قال بجهلٍ:
“إيه مكالمة كتب الكتاب دي، هو أنا فاتني كتير أوي كدا؟”

ضحك «خالد» ثم قال:
“أنتَ أتأخرت أوي، دي المكالمة اللي بتعبر فيها عن مكنوناتك وعن مشاعرك من غير تأنيب ضمير”

ضحك «ياسين» ثم قال:
“لو على مشاعري مش عاوزة مكالمة تليفون، دي عاوزة حبس إنفرادي علشان أعرف أقول اللي جوايا”

ضحك «خالد» معه ثم قال:
“طب يلا يا روميو إنزل، خليني أروح أجيب ريهام ويونس من عند ماما”

أومأ له «ياسين» ثم تركه ونزل من السيارة، وحينما أوشك على دخول البيت، صدح صوت «خالد» عاليًا وهو يقول:
“ألف مبروك ياض يا ياسين، مبروك عليك دخلت القفص”

قال جملته ثم ذهب بالسيارة بعيدًا، ضحك عليه «ياسين» ثم صعد إلى شقته.
______________

في بيت آلـ «رشيد» بعدما عاد الوضع لما هو عليه من قبل بعدما غادر الحج «ناصر» وعائلته وقامت «صباح» الفتاة التي تقوم بتنظيف البيت بترتيبه مرة أخرى، كانت «عبلة» في شقتها برفقة «هدير» وكانت تشعر بالغيظ من العائلة بأكملها، فبخت «هدير» سمها وهي تقول:
“أنتِ معندكيش دم يا عبلة وافقتي ليه؟ قولتلك لأ متوافقيش”

نظرت لها «عبلة» بتعجب ثم قالت:
“يعني إيه يا هدير عاوزاني أرفض وأحرج بابا وأعمامي علشان خاطر شوية هبل، لأ طبعًا حتى لو كرامتي غالية عليا مش هتيجي أغلى من شكل بابا وأخويا قُدام الناس”

نظرت لها «هدير» ثم قالت:
“أنتِ حرة يا عبلة مترجعيش تعيطي تاني لما تلاقيه بيضحك عليكي”

في الخارج كان «طارق» واقفًا وهو يسمع حديث أخته عنه وعن والدها وشعر بالفخر من حديثها، على الرغم أنها تسير خلف «هدير» دائمًا إلا إنها إستطاعت الحفاظ على صورة عائلتها، بينما هو شاردًا في حديث أخته خرجت «هدير» وهي تشعر بالضيق منها ومن العائلة بأكملها، وجدت «طارق» في وجهها، شهقت بقوة بينما هو تبدلت نظرته إلى الشر ثم قال لها:

“عقبال ما نفرح بيكي يا هدير يا رب ويعوضك خير إن شاء الله، أصل عقبال عندك كدا خديجة لقت اللي يعوضها، وعبلة أختي لقت نصها التاني مفاضلش غيرك كدا وسلمي وخلود و دول لسه في وراهم ثانوية عامة يعني صغيرين”

علمت أنه يرمي بحديثه قاصدًا إحراجها وتذكيرها أنها أخر فتيات العائلة في الزواج على الرغم من أنها أجملهم في الشكل، نظرت له بشرٍ ثم قالت:

“والله مش أنا لوحدي اللي كدا، وئام إتجوز هدى أختي، و وليد خطب أختك، كدا مش فاضل غيرك أنتَ وأحمد، وآه أحمد دا لسه متخرج يعني مفاضلش غيرك”

كانت طريقتها تُحاكي طريقته في الحديث فنظر لها بخبث ثم قال:
“أنتِ عارفة كويس أوي إنه بمزاجي مش غصب عني، وعارفة إن قلبي مسجون في حبها هي وبس ومفيش واحدة في الدنيا دي كلها تملى عيني زيها”

كان حديثه موجهًا لها لأنه يعلم إنها حاولت مرارًا وتكرارًا أن ترتبط به كما أنها لمحت كثيرًا أمام العائلة أنها تتمنى زوج مثل «طارق».
تحدثت بسخرية وهي تقول:
“يا حبيبي فوق الكلام دا عدا عليه أكتر من ١٤ سنة أنتَ مستني أوهام وهي خلاص ماتت ، حتى أمها نفسها صدقت إنها ماتت”

هز كتفيه ثم قال:
“أنا ميهمنيش مُشيرة ولا يهمني تصدق إيه ومتصدقش إيه، كل اللي يهمني هو قلبي اللي مصدق إنها عايشة وهترجعلي وعمره ماحب ولا هيحب بنت غيرها، زي ما عيني مش شايفة ولا هتشوف غيرها… حتى لو أنتِ يا هدير”

رمى حديثه أمامها قاصدًا لومها على محاولاتها في إرتباط إسمها بإسمه.
نظرت له بغل ثم ضربت الأرض بقدميها ثم تركته وذهبت من أمامه، دخل «طارق» إلى غرفة الجلوس وجد «عبلة» بها وبمجرد دخوله وقفت متأهبة ثم قالت:
“تعالى بقى علشان تفهمني كل حاجة، أنا مش هسيبك”

مسح على وجهه بكفيه ثم بتعب شديد ثم قال:
“حاضر يا عبلة هاخد دُش وأغير هدومي وأكلم وليد ينزل ونفهمك كل حاجة حاضر”

أومأت له ثم دخلت غرفتها لكي تقوم بتبديل ملابسها، وفعل هو المثل أيضًا، كان رجال العائلة بأكملها يجلسون في الطابق الأول ، وزوجاتهم معهم أيضًا يتبادولون المباركات والتهنئات بأحفاد العائلة.
__________

في شقة «طه» كانت «خديجة» جالسة مع «وليد» وهو يحدثها، فقال لها:
“أظن اليوم مشي بخير، نص اللي كنتي خايفة منه محصلش”

أومأت له ثم قالت بهدوء:
“الحمد لله إنه عدا على خير، وألف مبروك ليك أنتَ كمان، قربت كتير من اللي كان نفسك فيه”

أومأ لها ثم قال:
“مكانش نفسي تكون بالطريقة دي، كان نفسي يكون برضاها بس ملحوقة أنا هتصرق”

ربتت على كفه ثم قالت:
“ربنا معاك ويسعدكم إن شاء الله، عبلة غلبانة والله مش زي هدير خالص، بس هي ماشية ورا هدير”

إبتسم لها ثم قال:
“ماهو يا أنا يا علاقتها بهدير”

أوشكت على الحديث ولكن هاتفه صدح عاليًا برقم «طارق» أغلق الهاتف ولم يرد عليه ثم ضحك بخفة وهو يقول:
“أنا هنزل للمتخلفة اللي تحت ديه تلاقيها مبهدلة طارق ومبهدلة الدنيا كلها”

أومأت له «خديجة» وقبل خروجه أوقفه رنين هاتفها، نظر لها وجدها تحاول كتم الصوت لكنها لم تستطع من فرط توترها نظر لها بخبثٍ وهو على عِلم بهوية المتصل، فقال بهدوء:
“رُدي على جوزك يا خديجة ولمي نفسك”

صرخت به بصوتٍ عالٍ وهي تقول:
“متقولش جوزك الكلمة دي بتوترني أصلًا”

إبتسم بسخرية ثم قال:
“وهو إيه في الدنيا دي كلها مش بيوترك يا خديجة، وبعدين اللي يشوفك كدا، ميشوفكيش وأنتِ بتمضي على كتب الكتاب”

بادلته نفس نظرة السُخرية ثم قالت:
“أنتَ عارف أنا مضيت ليه يا وليد بالسرعة دي؟”

هز رأسه نفيًا بقوة فقالت له:
“علشان خوفت.. عارف بقى خوفت ليه؟ علشان كنت في عنبر ٧ زي ماكنا بنقول عليه، أكتر مكان بخاف منه في حياتي ساعتها أنا مضيت من غير ما أحس أصلًا”

كأن حديثها لفت نظره لمكان وجودها أثناء عقد القران فقال بهدوء:
“ليه تعملي في نفسك كدا يا خديجة، ليه مُصممة تعذبي نفسك كدا”

نظرت له بهدوء ثم قالت مُردفة:
“علشان لو مكنتش عملت كدا عمري ما كنت هعرف أمضي، كنت هخاف أكتر بكتير من أني أمضي على ورقة والله أعلم باللي هيجرى بعدها، كنت هخاف أكون بخرج من سجن صغير علشان أروح لسجن كبير مع حد معرفوش كل دا صعب عليا”

كل هذا الحديث الدائر و «ياسين» يحاول الإتصال بها، تفهم «وليد» خوفها فقال:
“أنا حاسس بيكي، بس أنتِ لازم تكوني عارفة إنك كدا بتستسلمي للحياة وللعيلة، وبتخسري واحد زي ياسين معاكي، وهو أنضف من إنه يخسر في حربك ديه، رُدي عليه يا خديجة، وإبدأي معاه من جديد”

رمى حديثه أمامها قاصدًا لومها على ما تفعله في حقها وحق «ياسين» ذلك الملاك من وجهة نظره، فمن يستطع تقبل عيوب الآخرين، والمحاربة لأجلهم من خلال معلومات عابرة، يبدو أن قلبه كطيرٍ ذاق طعم الحرية بعد سنوات من السجن داخل قفص، هكذا شبه «وليد» قلب «ياسين» بعدما إستنتج حبه لـ «خديجة»،ثم تركها ونزل لشقة عمه «محمد».

قامت «خديجة» بالرد على «ياسين» وبمجرد فتحها المكالمة وجدته يتنفس الصعداء ثم قال:
“إيه يا قبولي الوحيد إيه أخرك في الرد كل دا؟”

“قبولي الوحيد !”
ما هذه الكلمة الغريبة الذي يلقيها على مسامعي، وكيف تبدل حاله عن أول مقابلة رآته بها، خرجت من شرودها على صوته وهو يقول:
“ياست الكل، يا خديجة”

ردت عليه بهدوء:
“أيوا معاك أهوه”

ابتسم ثم قال:
“يارب يا ستي علطول معايا، المهم أنا كنت بطمن عليكي قبل ما أنام وقولت أعرفك إننا بكرة هنخرج سوا”

جحظت عيناها بقوة ثم قالت بسرعة كبيرة:
“لأ بلاش”

أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“متخافيش هنخرج خروجة بسيطة، بس لازم نتقابل بكرة علشان أعرف أتكلم معاكي”

توترت أكثر من نبرته التي غلفها الحنان ثم قالت:
“طب ليه طيب، أنتَ قولت اللي عندك وأنا أقتنعت”

هز رأسه نفيًا كأنها تراه ثم قال:
“لأ فيه كتير مسمعتيهوش، لازم تسمعي كل اللي عندي، بدل ما والله أجي أقوله قدام بيت الرشيد كله وأنا ممكن أعملها عادي”

ردت بسرعة كبيرة:
“لأ خلاص خلاص أمري لله نخرج بكرة..بس يـ..ياريت مكان ميكونش زحمة”

تبدلت نبرته إلى التفهم وهو يقول:
“حاضر والله كل اللي أنتِ عاوزاه في الدنيا كلها تحت أمرك ، المهم تكوني مرتاحة”

إذا استمر في الحديث بهذه الطريقة ستفقد وعيها بلا شك، صمت وصمتت هي أيضًا فوجدته يقول:
“تصبحي على خير يا خديجة، وألف مبروك عليا وجودك في حياتي”

أغلق معها المكالمة بينما هي كل تفكر به ماذا سيفعل، عندما يعلم شخصيتها، هل سيوافق بها وبخوفها من كل ما هو حولها، هل ستظل طريقته ناعمة تحمل من الحنان أطنانًا كذلك أم ستتبدل إلى طريقة أخرى تكرهها هي، غرقت في تفكيرها وفي حديثه معها وكلماته التي يُلقيها على مسامعها قامت وجلبت دفترها ثم دونت به مشاعرها، ثم فتحت آخر صفحات الدفتر ودونت به جملها التي قالها لها باللغة العربية الفصحى.
____________
في الأسفل في شقة «محمد» والد «عبلة» نزل «وليد» وجد شقيقه جالسًا برفقة أبناء عمه تعجب فقال له:
“أنتَ مروحتش يا وئام؟”

رد عليه «وئام»:
“هدى عاوزة تبات هنا النهاردة، قولت خلاص أبات أنا كمان هنا”

أومأ له «وليد» ثم جلس أمام «عبلة» وهو يرفع حاجبه لها وكأنه يبدأ بذلك صد مناوشتها. كانا ينظرا إلى بعضهما البعض بشرٍ تحت نظرات السخرية من «طارق» و «وئام» وأول من تحدث كان «وليد» حينما قال:
“لأ ماهو إحنا مش جايين علشان نرفع حواجبنا لبعض، خلصوني عاوز أنام”
ابتسم الجميع على حديثه بينما «عبلة» أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“ممكن أفهم إيه اللي حصل النهاردة دا؟ أنتَ إزاي تحرجني كدا وتجبرني أوافق”

شهق «وليد» كما يفعلن النساء ثم قال:
“نــعــم ! مين دا اللي جبرك توافقي ؟ أنتِ اللي ماصدقتي أعرض عليكي الخطوبة وافقتي علطول”

وقفت متأهبة ثم قالت:
“إتكلم عدل من فضلك وبعدين أنا عمري ما فكرت فيك علشان أصدق أول ما تعرض عليا وأوافق علطول”

نظر لها بمشاكسة ثم قال:
“طب عيني في عينك كدا إنك مش فرحانة؟”

تهربت من النظر له ثم نظرت لأخيها وهي تقول:
“يا جماعة حد يفهمه البني أدم دا إني مش عاوزة أتجوزه”

ثم نظرت له بقوة زائفة وهي تقول:
“إعمل حسابك يا وليد كلها شهر ودبلتك ترجعلك تاني، ودا مش علشان خاطر سواد عيونك، لأ دا علشان خاطر شكلي قُدام الناس”

نظر لها بسخرية ثم قال بلامبالاة:
“خلصتي رغي”

رفعت حاجبها ثم قالت ببرود وهي تضم ذراعيها أمام صدرها:
“آه خلصت خير؟”

إقترب خطوة منها ثم قال بثقته المعهودة:
“بُصي يا بنت الرشيد أنا مش عاوز كلام كتير أنا مش هتجوز غيرك، وأنتِ مش هتكوني لحد غيري، ودا نهاية الكلام”

ثم اقترب منها مرة أخرى وهو يقول:
“وقُدام أخويا وأخوكي، أنتِ عندي أغلى من إنك تكوني بديل لحد أو حتى أفكر في غيرك يا عبلة، أنتِ بالنسبة ليا حلم وأنا عمري ما هفرط في حلمي”

رمى حديثه أمامها ثم ترك الشقة بأكملها وغادر تحت نظرات التعجب من الجميع ،وقفت تنظر في أثره بدهشة ثم ارتمت على الأريكة، أما «طارق» و «وئام» خرجا سويًا خلف «وليد» ، دخل «وليد» شقتهم وهو يلهث بسرعة كبيرة من فرط الإنفعال، دخل أخوته خلفه وجدوه جالسًا على الأريكة وهو ممسكًا رأسه بكفيه وكأنه خرج لتوه من حربًا ما، جلس «وئام» ثم أخذه بين أحضانه وهو يربت على كتفه، بكى «وليد» في أحضانه ثم قال:
“هو أنا ليه بتعب كدا في حياتي، ليه لازم أحارب علشان أوصلها، ليه هي مش عاوزة تقتنع بحبي ليها، ليه قلبي اختارها هي وبس؟”

ربت أخوه على كتفه ثم مسح على رأسه وهو يقول:
“صدقني دا إختبار، وأنتَ طول عمرك راجل وقد أي حاجة هتيجي قصة خايبةزي دي مش هتاخد منك حاجة؟”

اقترب منهما «طارق» و جثيْ على ركبته أمامهما ثم قال:
“إسمعني يا وليد، أنتَ عمرك ما كنت عيل صغير، أنتَ طول عمرك راجل، حتى لما كنت بتاخد الزفت اللي أنتَ بتاخده دا، أنتَ بنفسك جيت طلبت مننا نعالجك ووقفت على رجلك تاني، و مجهودك معانا في الشركة باين، زي ما وقعت وقومت تاني متخليش حبك لأختي يضعفك”

خرج «وليد» من بين أحضان أخوه ثم قال:
“معاك حق يا طارق، بس أنا مش هستحمل طريقتها كدا كتير”

غمز له «طارق» ثم قال:
“في ديه متقلقش أنا موجود و هظبطهالك.. سيبها عليا”

تدخل «وئام» وهو يقول:
“هو أنتَ ليه مقولتش ليها إن هدير عملت كل دا، وليه مش عاوزني أقول لـ هدى؟”

رد عليه «وليد» مُردفًا:
“عبلة بتحب هدير أوي مش هتتحمل صدمتها فيها إنها ممكن تأذيها وأنا مش هبني حياتي على حساب سمعة بنت حتى لو كانت البنت دي أذتني”

نظرا له الأثنين بفخر بينما قال «وئام»:
“أنا فخور بيك وفخور إني عرفت أربيك صح، وعلشان أصلك دا ربنا هيكرمك ويجبر بخاطرك”

أيده «طارق» في الحديث ثم تركهما وصعد إلى شقتهم، بمجرد دخوله تصنعت «عبلة» اللامبالاة نظر لها «طارق» بتفحص فعلم أنها تتصنع تلك النظرة، جلس بجانبها ثم قال:

“بُصي يا عبلة الحياة دي بتدينا فرص مرة واحدة في الحياة والعاقل اللي يمسك في فرصته دي، وأنتِ فرصتك عندك أهيه وليد بقى خطيبك، يعني تنسي اللي فات كله وتبدأي معاه من أول وجديد وأظن كلامه قصادنا كان حقيقة ونظرته قالت كل حاجة والعيون مبتكدبش يا عبلة”

نظرت له بتفحص ثم قالت:
“طب أنا معاك تقدر تقولي الرسايل اللي شوفتها على تليفون هدير دي إيه”

زفر «طارق» بقوة ثم قال:
“مش هقولك غير إنها كدب، ورب الكعبة كدب ، وأنتِ بكرة تتأكدي بنفسك، بس ساعتها هتعضي إيدك من الندم على فرصتك اللي هتضيع، سلام بقى علشان اليوم كان صعب”

قال جملته ثم تركها ودخل غرفته، أما هي فنظرت في أثره بتعجب وهي تفكر في حديثه مليًا.
______________

في الصباح التالي لم يستطع الشباب الذهاب إلى «ميمي» نظرًا لمجهدوهم بالأمس من أجل عقد قران رفيقهم، إستيقظ ياسين قبل الصلاة مباشرةً وهذه لم تكن عادته، ثم ذهب لتأدية الصلاة، في عائلة الرشيد نزل رجال العائلة قبل الصلاة مباشرةً أيضًا، قاموا بتأدية الصلاة ثم بعدها تم إعلان عقد قران «خديجة» إبنة العائلة ثم ذُكر بعدها إسم «ياسين»، توالت التهنئات والمباركات لأفراد العائلة تِباعًا، كان الجميع في البيت يشعر بالفرحة أما «خديجة» شعرت برجفة في قلبها نتيجة لذِكر أسميهما سويًا.

في منتصف اليوم صدح هاتفها برقم «ياسين» توترت ثم دخلت غرفتها بعدما كانت جالسة برفقة والدتها وأخواتها، وكان والدها يجلس مع أخوته في الأسفل، قامت بالرد على الهاتف بصوتٍ مهزوز وهي تقول:
“السلام عليكم”

إبتسم ثم قال:
“وعليكم السلام يا خديجة، كويسة النهاردة؟ ولا لسه متوترة زي إمبارح؟”

تحدثت بنفس النبرة المهتزة:
“لأ أحسن كتير الحمد لله، حضرتك عاوز حاجة”
كل
قال مُردفًا بهدوء:
“آه عاوز أقولك جهزي نفسك علشان هجيلك كمان ساعة، أنا كلمت عمي طه وهو عارف”

توترت من ذِكر مشوارهما سويًا فقالت:
“مش لازم ننزل النهاردة خليها مرة تانية”

أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“صدقيني نفسي بس لازم نتقابل”

قالت بصوت مهزوز:
“تمام ساعة وهجهز”

أوشكت على غلق الهاتف، لكنه قال بسرعة كبيرة:
“خديجة ينفع تلبسي نفس الفستان اللي شوفتك بيه أول مرة؟”

توترت أكثر بكثير ولكنها حاولت إستجماع بعض الشجاعة وهي تقول:
“عادي أنا ممكن ألبس حاجة شبهه مش شرط دا”

هز رأسه نفيًا كأنها تراه ثم قال:
“لأ أنا عاوز أشوفك زي أول مرة شوفتك فيها”

أنهى جملته ثم قال:
“ساعة وهكون عندك تحت البيت”

مرت الساعة بسرعة كبيرة من وجهة نظر «خديجة» كانت إرتدت نفس الفستان الزيتوني بنفس لون الحجاب، بعدما أخبرت والدتها بموعدها مع «ياسين» كانت جالسة في غرفة الصالون صدح صوت هاتفها برقمه قامت بالرد عليه، فقال لها:
“أنا تحت بيتك أنزلي”

أخبرت والدتها ثم نزلت له وجدته يقف مستندًا على مقدمة سيارته وبمجرد ما لمح طيفها امامه إبتسم ثم إعتدل في وقفته إقتربت عليه أكثر فمد يده لها، نظرت له بتوتر وخجل ثم مدت يدها وألقت عليه التحية. فتح لها باب السيارة، تعجبت من فعلته ونظرت له فأومأ لها برأسه كأنه يحثها على دخول السيارة، فعلت كما كان يريد وجلست على الكرسي الذي يقع بجانب مقعد القيادة، كانت طوال الطريق صامتة وهي تنظر من نافذة السيارة أما هو فكان ينظر لها تارة وينظر الطريق تارةً أُخرى وبعد فترة من القيادة، وصل «ياسين» بسيارته على كورنيش نهر النيل، بعدما توقفت السيارة نظرت «خديجة» له فوجدته يبتسم لها ثم نزل وفتح لها باب السيارة نزلت أيضًا من السيارة، أمسك كفها ثم أخذها ونزل عدة درجات صغيرة نتيجته تجعلك أمام النيل مباشرةً، كان المكان شبه خالي من البشر، نظر حوله وجد مقاعد رُخامية، ذهب إليها ثم جلس وأجلسها بجانبه كل ذلك وهي تنظر له بتعجب غير مُصدقة لما يفعله، ثم بعدها نظرت أمامها وهي تراقب حركة المراكب الصغيرة في وسط النهر ، أما هو كان ينظر لها بأعين مُحبة ولو إستطاع لكان أفصح لها عما يدور بداخله لها، شعرت بتحديقه بها فنظرت له تحدث هو قائلًا:

“أنا عاوز أسألك سؤال أنتِ ليه مش بتتكلمي زي الناس”
هزت كتفيها ثم قالت بهدوء:
“الناس هي اللي مش بتتكلم زيي، أو يمكن أنا اللي بحب السكوت”
رد عليها مُعقبًا:
“مفيش حد في الدنيا دي كلها بيحب السكوت”
أومأت له موافقة ولم تتحدث، فقال هو:
“كلميني عن نفسك وعن أحلامك عاوز أعرف كل حاجة عن مراتي”
نظرت أمامها ثم قالت:
“صدقني ملوش لازمة تعرف عني حاجة وأنتَ كدا كدا هتسبني وتمشي”
تعجب من حديثها فقال:
“ليه بتقولي كدا مين قالك إني هسيبك”
شعرت بوخز الدموع في عينيها فقالت بهدوء:

“علشان البنات كتير وعلشان الحلوين أكتر وعلشان أنا محدش يتمناني ولا يتمنى وجودي معاه”

رد مُعقبًا:
“لأ طبعًا دا مش مبرر أنا عمري ما هسيبك علشان واحدة تانية أنا أصلًا عيني مش شايفة غيرك واحدة تانية”

نظرت له فوجدت نظرته صادقة، فقالت:
“إنا عاوزة أسألك بس ليه أنا وليه مُصمم إن غير كل البنات”

نظر لها بقوة ثم قال:
“علشان حتى لو البنات كُتار والحلوين أكتر، بس مش فيهم خديجة ولا واحدة منهم عندي زي قلب خديجة”

شعرت بتأنيب الضمير فقالت له:
“صدقني إرتباطك بيا غلط ، حرام عليا أظلمك، أنا واحدة بتخاف من كل حاجة بخاف أخرج وبخاف من الناس ومعنديش صحاب وفاشلة في كل العلاقات اللي حواليا ليه أنتَ مقتنع إن ممكن أنفعك في حياتك وأنا مش عارفة حتى أنفع نفسي؟”

أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“علشان مش بإيدي إن قلبي أختارك أنتِ، مش بإيدي إن من بنات الدنيا كلها أنتِ الوحيدة اللي قلبي أتمنى قُربك، مش ذنبي إني حبيتك أنتِ”

نظرت له بقوة من جرأة إعترافه ثم سألته مُستفسرة:
“حبتني ! إزاي و إمتى؟”

قال لها بأعين مُحبة وميضها يلمع كنجوم السماء:
“حبيتك من أول مرة شوفتك فيها ،حبيت هدوءك وبساطتك حبيت طبيعتك، غصب عني من غير ما أحس دوبت فيكِ، أنا واحد راح إتقدم لنص بنات مصر مفيش واحدة فيهم حركت قلبي زيك”

هزت رأسها نفيًا وكأنها بذلك تخرج حديثه من رأسها ثم قالت له:
“أنا معنديش حاجة أديهالك حتى قلبي متدمر ومش حِمل علاقات تانية كفاية العلاقات اللي وهو مش قادر يتعافى منها ”
مد لها كف يده ثم قال:
“وأنا مش عاوز منك غير إنك تثقي فيا، وأنا والله هخلي قلبك يتعافى هاتي إيدك في إيدي ووعد مني عمري ماهسيبك”
يا الله لماذا ينبعث الصدق من أعينه ونبرة صوته بهذه الطريقة؟ لماذا تخرج نبرته حنونة تحمل من اللُطف أطنانًا هكذا كانت تفكر وهي تنظر له و ليده الممدودة لها فتحدث هو بمرحٍ:
“والله أنا مش شحات علشان كل مرة أمد إيدي لكي كدا؟”
إبتسمت على حديثه بخفة ثم مدت يدها في يده، إبتسم هو أيضًا ثم قال:
“أوعدك إني أعوضك عن كل حاجة شوفتيها زعلتك في يوم”
أومأت له بهدوء وإبتسمت بخفة ثم قالت:
“شكرًا إنك متفهم وضعي”

إبتسم لها ثم قال:
“متقوليش كدا أنتِ مراتي”

إتسعت إبتسامتها حتى وصلت إلى أعينها، بينما هو نظر في أعينها ثم قال بحب:

“وقَعتُ أسيرًا لعيناكِ وما أنا بِفلسطيني لِأُقاومُ، وظَل سوالٌ يُؤرقني في ليلي “كَيْفَ لِشخصٌ مِثلي إعتادَ الإنتصار أن يُهزم بسبب عينين؟”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى