روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 21

رواية تعافيت بك الفصل 21 ، لإنكِ تُشبهين الفراشة.. كلما أنطفأتِ عاد سحركِ من جديد
“الفصل الحادي والعشرين”
_____________

إذا كان الخوف لا يمنع الموت، لكنه يمنع الحياة، أحيانًا قد تترك الخوف ليتحكم بك ويأكلك وأنتَ حيٌ تُرزق، وإذا تماديت في خوفك قد تُظلم و تَظلم.

سمع «ياسين» طلبها الذي خرج منها بنبرة مهزوزة وكأنها تُصارع نفسها للبقاء، أخذ هو نفسًا عميقًا ثم قال بهدوء:
“وأنا موافق يا خديجة أني مجيش بكرة..بس بشرط”

تعجبت من حديثه، فسألته مستسفرة:
“شرط؟ شرط إيه يا ياسين؟”

بنفس نبرته الهادئة قال:
“شرطي إنك تقوليلي سبب قوي ومُقنع يخليني مكونش عندك بكرة”

صمتت ولم تستطع الإفصاح عما يجول بخاطرها، فحثها على التحدث وهو يقول:
“طب تمام يا خديجة طلبك مرفوض”

زفرت هي بعمقٍ ثم قالت وهي على مشارف البكاء:
“صدقني أنا مش عاوزاك تيجي علشان خايفة”

أومأ وهو يقول بتفهم:
“وإيه السبب؟ ولازم يكون قوي ومقنع ومش هتنازل عن كدا”

قالت هي في هدوء وكأن حالها تبدل:
“أنا خايفة علشان عارفة عمتو عاوزاك تيجي بكرة ليه، خايفة علشان أنتَ هتشوف نسخة غريبة مني بكرة ومش هقدر أرفض إني أنزل ولا هقدر أدافع عن نفسي، علشان مش عاوزاك تشوفني بكرة وأنا ضعيفة مش بقدر أتكلم لما هي ترمي عيوبي قُدامك”

أشفق على حالها كثيرًا فقال متفهمًا:
“صدقيني ولا أي حاجة في الدنيا دي كلها تخلي صورتك تتهز قُدامي، ولا كلام أي حد عنك يقلل من نظرتي لكِ، أنا هاجي بكرة يا خديجة، وأنتِ هتكوني معايا، ومش عاوزك تقلقي حتى لو حد إتكلم أنا موجود وإفتكري دايمًا إني موجود علشانك”

تنفست بعمقٍ ثم قالت:
“ربنا يسترها إن شاء الله…هو.. هو أنتَ هتيجي بكرة إمتى”

خرج حديثها يحمل الخجل بين طياته وكأنها تخشى أن تسأله مثل هذا السؤال، أما هو ظهرت التسلية على ملامح وجهه وقال بنبرة مَرِحة:

“للدرجة دي وحشتك مش قادرة تستني لبكرة علشان تشوفيني؟”

خجلت أكثر بكثير من ذي قبل وظهر التوتر جليًا على صوتها وهي تقول:
“أ..أنا مش قصدي والله…أنا بس قصدي..تصبح على خير يا ياسين”

قالت جملتها الأخيرة بسرعة كبيرة لكي تتخلص من توترها، أما هو إبتسم على توترها وحديثها فقال بنفس النبرة المَرِحة:
“وأنتِ من أهل الخير يا خديجة..اللي هو أنا يعني”

وصل لها مغذى حديثه المُبطن فقالت بتوتر:
“شكرًا…أشوفك بكرة إن شاء الله”

بنفس النبرة الخبيثة قال:
“بس أنا معرفش العنوان؟”

إبتسمت على جملته ثم قالت بهدوء:
“إسأل واللي يسأل ميتوهش”

حاول كتم ضحكته وهو يقول بصوتٍ ظهرت فيه العاطفة:

“أَوْدُ أن أَسألُكِ في أيْ سماءٍ تَسكُنين..فما أنتِ سوى قمرٌ منيرٌ في فَلك قلبي تدورين وعلى مجرات حُبي تتحركين”

صمت وصمتت هي أيضًا ولم تستطع التحدث مرةً أخرى، أما هو حينما لاحظ صمتها قال بمرحٍ:

“على فكرة بقى أنتِ اللي قولتيلي أسأل واللي يسأل ميتوهش، وأنا بسأل القمر كله أهوه”

إرتفعت ضربات قلبها كأنها تصارع الموت، أما عن صوتها فهو هرب بعيدًا..وبعد مرور ثوانٍ إستعادة رابطة جأشها فقالت بهدوء:
“هو اللي أنا سمعته دا كان بجد؟”

كتم ضحكته وهو يقول مُردفًا لها:
“طالما طولتي في السكوت كدا، يبقى أنتِ كدا أتثبتِ.. تصبحي على خير يا خديجة”

وفور إنتهاء جملته أغلق الهاتف وهو يقول بصوتٍ مليءٌ بالمرحِ:
“والله العظيم خمس دقايق كمان وهيغمى عليها”.

أما هي ظلت تزفر بقوة وعمق ثم قالت بعدما هدأت نبضات قلبها:
“لأ والله كدا كتير بجد عليا أنا بقيت بخاف والله أكتر”

أنهت جملتها ثم ققزت من الفراش وظلت تتقافز على أرضية الغرفة وكأنها فراشة عادت قوتها إليها من جديد.
_______________

بعد إنتهاء تلك الأمسية السعيدة التي غاص فيها «ياسين» في نومٍ عميق، وخديجة التي شردت طوال الليلِ في كلماته التي يلقيها على مسامعها، أتى اليوم التالي وهو يوم «الجمعة» ذلك اليوم الذي يحمل معه الكثير والكثير.

في منزل آلـ «رشيد» كان «طارق» واقفًا أمام المِصعد في إنتظار أبناء عمومته في ردهة البيت، نظر في ساعته متأفأفًا، وأخرج هاتفه وقبل أن يشرع في الإتصال بـ «وليد» وجده يخرج من المِصعد وعلامات الضيق مرسومة على وجهه بوضوح، نظر له «طارق» وهو يقول بهدوء:
“قولتلك هو النهاردة بس وأنا بنفسي هديلك الأجازة يومين”

أومأ له «وليد» ثم قال بصوتٍ منفعل:
“خلاص يا طارق متصدعناش بقى، و اِعمل حسابك هما كام ساعة بس، مش هطول هناك اليوم كله”

أومأ له «طارق» ثم قال بإستفزاز:
“حاضر يا أستاذ وليد، حاجة تاني؟؟ و بعدين أحمد فين؟”

أطاح له «وليد» بيده ثم قال بضيق:
“نازل ورايا أهوه، أنا سايبه بيلبس هدومه”

أنهى «وليد» جملته فوجد باب «المِصعد» يُفتح ظن في بداية الأمر أنه «أحمد» فقال:
“أهو نزل أهو”

وفور انتهاء جملته وجد «عبلة» تخرج من المِصعد، نظرا لها الأثنين بتعجب من وجودها في الصباح بتلك الملابس التي تدل على ذهابها في مشوارٍ مُهم، أول من تحدث كان «طارق» حينما سألها مُستفسرًا:
“رايحة فين يا عبلة على الصبح كدا يوم الجمعة؟”

نظرت له بحنقٍ وهي تقول:
“أخر يوم في ميعاد حجز الكورس النهاردة يا طارق، عاملينه يوم إستثنائي علشان الكورس هيبدأ بكرة، والحجز أخره النهاردة ١٠ الصبح”

نظر «طارق» في ساعة يده ثم قال:
“طب وأنتِ هتروحي إزاي، وبعدين مش دا اللي في وسط البلد؟”

أومأت له بهدوء ثم قالت:
“مش عارفه يا طارق أنا إتفاجأت إنك عندك شغل النهاردة”

كل ذلك الحديث الدائر و «وليد» يراقبهما دون التدخل حتى أنه تصنع التجاهل، فسمع «طارق» يقول:

“أيوا جالي شغل مفاجيء النهاردة ومش هينفع آجله، وفي نفس الوقت مش هينفع أسيبك تروحي لوحدك الصبح كدا”

هزت كتفيها وهي تقول:
“خلاص مش مشكلة أنا لما عرفت إنك مش هينفع تروح معايا كلمت هدير تيجي توصلني بالعربية بتاعة عمو محمود”

عند ذِكر «هدير» لم يستطع «وليد» تمالك نفسه فقال بفزعٍ:

“إيه كلمتي مين يا ختي ؟”

نظرت له بضيق وهي تقول:
“كلمت هدير، خير عندك إعتراض؟”

نظر لها بسخرية ثم قال:
“إعتراض واحد؟ دا أنا عندي خزان إعتراضات، لأ طبعًا أنا هوصلك المكان اللي عاوزاه”

نظر له «طارق» مُتعجبًا وهو يقول:
“نــعـم؟ توصلها فين ومشوارنا؟”

نظر له «وليد» نظرة ذات مغذى إلتقطها «طارق» على الفور ثم قال:

“أنا اللي هوصلها يا طارق، هي ساعة وهكون عندك، وأنتَ وأحمد روحوا الشركة سوا”

نظر له «طارق» مُتأفأفًا ثم قال:
“يابني هدير توصلها وخلاص مش مشكلة”

وقبل أن يتحدث «وليد» وجد «هدير» خلفه وهي تقول:
“خير على الصبح متجمعين ليه؟”

رد «وليد» مُجيبًا إياها:
“وأنتِ مالك، هو إحنا متجمعين في صالة بيتكم؟”

حاول «طارق» كتم ضحكته لكنه لم يستطع، أما «عبلة» تصنعت التجاهل لما سمعت، بينما «هدير» نظرت بحنقٍ له ثم قالت:

” آه صالة بيتنا لو مش واخد بالك العمارة كلها بتاعتنا”

نظر لها بسخرية نظرة تُشبه نظرة الاطفال وهو يقول:
“والله بيتنا زي ما هو بيتك، كلنا هنا في بيت واحد”

نفخت وجنتيها بضيق ثم قالت موجهة حديثها لـ «عبلة»:
“يلا يا عبلة علشان منتأخرش أكتر من كدا”

أوشكت «عبلة» على التحدث ولكن ما أوقفها هو صوت «وليد» قائلًا:
“لأ متشكرين لمجهودك يا هدير، أنا هوصل خـطـيـبـتـي للمكان اللي هي عاوزاه”

نظرت له «هدير» بسخرية وهي تقول:
“مستحيل طبعًا، أنا اللي هوصلها أنا بقالي ساعة بجهز نفسي”

رد «وليد» مُعقبًا:
“يا ستي شكرًا على تعبك، نردهالك في الأفراح إن شاء الله”

نظرت «عبلة» لأخيها وكأنها تستمد منه العون،فأشار لها برأسه على «وليد»، أومأت له في هدوء، وإنتبهت فجأة لسؤال «هدير» قائلة:
“ها يا عبلة ردي عليه علشان نخلص”

شعرت «عبلة» بالإحراج ولكنها حاولت إستجماع بعض الكلمات المُلطفة للأجواء وهي تقول:

“معلش يا هدير خليكِ هنا، أنا فعلًا محتاجة معايا راجل علشان المكان زحمة، ولو أنتِ جيتي معايا هيبقى زيك زيي مش هنعرف نتصرف”

شعرت «هدير» بالخجل من حديث «عبلة» ولكنها تصنعت الثبات وهي تقول:
“وماله يا حبيبتي، ربنا يكرمك ويخليكم لبعض يا رب، مفيش مشاكل”

ثم نظرت لـ «وليد» وهي تقول له:
“خلي بالك منها، أصل عبلة غلبانة وعلى نياتها وأي حاجة بتصدقها”
كان حديثها واضح للشباب بينما «عبلة» لم يصلها المغذى، وظنت أن «هدير» تمدحها ، لذلك ردت عليها قائلة:
“ربنا يخليكِ ليا يا هدير، من غيرك فعلًا مش هعرف أتصرف”

نظر كلًا من «طارق» و «وليد» لبعضهما البعض، وكأن كلًا منهما يشير للأخر على حديث «هدير» ، فــ زفر «وليد» بضيق ثم قال:
“طب يلا علشان منتأخرش أكتر من كدا، طارق هي ساعة ونص بالكتير وهكون عندك في الشركة”

نظر له «طارق» بضيق ثم قال:
“ولو إتأخرت عليا يا وليد؟”

أجابه «وليد» بثقته المعهودة قائلًا:
“سميني سوسن”

أومأ له طارق في هدوء، بينما «وليد» أوشك على الإقتراب من «عبلة» لكي يمسك يدها، فوجد «طارق» يمسكه من ثيابه من عند رقبته وهو يقول:
“ولا تمشي بأدبك معاها، تحترم نفسك ماشي ياض؟”

أومأ له «وليد» ثم قال:
“حاضر والله متخافش مش همسك إيدها”

تركه «طارق» على مضدٍ وهو يزفر بضيق، بينما أشار «وليد» لـ «عبلة» لكي تسبقه، وعندما خطت أمامه لكي تخرج من البيت، نظر هو لـ «هدير» وكإنه يتحداها، فبادلته النظرة بمثيلتها، خرجا «وليد» و «عبلة» من البيت تحت أنظار «هدير» الحانقة عليهما، ويبدو كأنها نسيت وجود «طارق» فقالت بصوتٍ مرتفع وكأنها تُحدث نفسها:
“ماشي يا وليد”

“دا على أساس أني هسيبك تعملي ليهم حاجة؟”

خرجت تلك الجملة من فم «طارق» وكإنه يرد على حديثها، أما هي فجحظت عيناها للخارج من هول المفاجأة، فقال «طارق» بهدوء:
“طلعيهم من دماغك يا هدير، علشان تعرفي ترتاحي، وحبي الخير للي حواليكِ علشان ربنا يكرمك بالخير لكِ”

نظرت له بضيق ثم تركته وفرت من أمامه، بينما هو نظر في أثرها بضيق ثم قال:
“ربنا يهديكِ يا شيخة، أنا عمري ما اسامح نفسي على أني في يوم من الأيام كنت بصدقك”

وفور انتهاء جملته وجد باب المصعد يُفتح بواسطة «أحمد»، نظر له «طارق» بضيق، فقال «أحمد» على الفور:
“أتأخرت عليك ولا إيه طارق؟ حصل حاجة وأنا مش هنا؟”

تبدلت نظرة «طارق» إلى السخرية ثم قال:
“حاجة واحدة بس ؟ قُدامي يا متخلف يلا”.
_____________

في منزل «ياسين» إستيقظ من نومه مُبتسمًا حينما تذكر مهاتفته معها بالأمس،و حينما تذكر ردة فعلها على حديثه،
خرج من غرفته بعدما تحمم في مرحاض الغرفة وإرتدى عباءة الصلاة، وحَمل ثياب الخروج على يده لكي يستطع تبديل ملابسه بملابس مناسبة لتلك الأمسية المنتظرة في بيت آلـ «رشيد»، وجد والديه يجلسان سويًا على طاولة السُفرة، إقترب منهما وألقى التحية عليهما، نظر له والده بخبثٍ ثم قال:

“خير الفنان واخد هدومه على دراعه ليه ؟ وراك حفلة ولا حاجة؟”

كان والده قاصدًا بحديثه ليلة الأمس وغناء «ياسين»، نظر له إبنه في حنقٍ ثم قال:
“عمرك ما سترت عليا، علطول فاضحني كدا”

ضحكت والدته ثم قالت:
“والله يا بني أنتَ اللي فاضح نفسك بنفسك”

إبتسم بهدوء ثم قال:
“طب يا حبايبي واضح إنكم رايقين وأنا ورايا يوم مشحون على أخره، عن إذنكم”

قال جملته ثم ودعهما وغادر الشقة، نظرت والدته إلى والده ثم قالت بصوتٍ متأثر:
“أنا فرحانة لفرحته دي أوي يا رياض، حاسة إنه هو فعلًا فرحان من قلبه مش بيعمل كدا علشاني”

تعجب زوجها من حديثها فسألها مستفسرًا:
“يعني إيه بيعمل كدا علشانك يا زهرة؟ مش فاهم”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“يعني أنا كنت خايفة إن هو يكون موافق على خديجة بس علشاني، وكنت فكراه بيعمل نفسه فرحان،بس دلوقتي قلبي بيقولي إن فرحته حقيقية وإن فعلًا خديجة هي البنت اللي هو كان مستنيها”
أومأ لها زوجها موافقًا حديثها،

وصل «ياسين» شقة «ميمي» فوجد أصدقائه في إنتظاره، إقترب من مجلس الجميع وألقى عليهم التحية جلس بجانب «عامر» بينما «عامر» نظر لملابسه التي يحملها على ذراعه بسخرية ثم قال:
“هو أنتَ عامل حسابك تيجي معانا وإحنا بنجيب الجهاز النهاردة ولا أنتَ بتنجم؟”

نظر له «ياسين» مُتعجبًا ثم قال:
“أنا مش فاهم حاجة أنتَ قصدك إيه؟”

تدخل «ياسر» قائلًا:
“عامر قصده إننا نازلين نشتري حاجات في الجهاز لينا النهاردة وخالد جاي معانا، وأنتَ علشان معاك هدوم فاكرك جاي معانا”

أومأ له «ياسين» مُتفهمًا ثم قال:
“لأ مش هينفع أجي معاكم، خليها مرة تانية”

تدخل «خالد» قائلًا:
“ليه وراك حاجة ولا إيه؟”

أجابت «ميمي» بدلًا عن «ياسين» قائلة:
“أكيد وراه حاجة مهمة، هو عمره ما يحوش نفسه عنكم”

رد عليها «عامر» مُعقبًا:
“أيوا برضه البيه وراه إيه؟”

نظر «ياسين» في أوجه الجميع ثم نظر لـ «عامر» تحديدًا:
“معزوم عند حماتي يا عامر ، إرتحت؟”

وفور انتهاء جملته وجد ضحكات أصدقائه على آخرها، حتى «ميمي» شاركتهم الضحك أيضًا ، نظر لهم «ياسين» بِجدية زائفة، فتوقف الجميع عن الضحك عدا «عامر» الذي ظل مستمرٌ في الضحك، بنفس الجدية الزائفة تحدث «ياسين» قائلًا:

“كلهم سكتوا،ممكن أعرف حضرتك بتضحك على إيه”

أوقف «عامر» الضحك بصعوبة بالغة ثم حمحم و قال:

“أصل بصراحة مش متخيل إن جه اليوم اللي ياسين رياض الشيخ يقول فيه إنه معزوم عند حماته كدا عادي، لقد هُرمنا يا جدع”

إبتسم الجميع على حديث «عامر» حتى «ياسين» الذي قال:
“ماشي يا سيدي متشكرين لكرم أخلاقك، وأهو جه اليوم اللي اتعزم فيه عند حماتي”

إنتشرت الضحكات والسخرية على حديث «عامر»  و «ياسين» معًا، ثم قاموا بتوديع «ميمي» للذهاب للصلاة ، على أن يعودوا إليها مرةً أُخرى لكي ينتظروا الفتيات.
__________

وصل «وليد» المقر المنشود بسيارته برفقة «عبلة» التي صمتت طوال الطريق ولم تتفوه بـِحرفًا واحدًا، بينما هو كان ينظر لها تارة وللطريق تارةً أُخرى، نزلا سويًا من السيارة ، وصعدا البناية المُخصصة لمحاضرات الكورس، وجد «وليد» المكان مزدحم بشدة ومليءٌ بالشباب ، فنظر لها وهو يقول بسخرية:
“هو أنتم كلكم كنتم مستنين أخر يوم علشان تيجوا تحجزوا؟”

نظرت له بحنقٍ ثم قالت:
“لأ طبعًا هما فتحوا الحجز من إسبوعين والدعاية مكانتش كافية علشان عدد كبير يعرف، وعلى ما كل واحد ظبط أموره كان الوقت خلص”

نظر لها ولم يتحدث، وعندما وجد مقعدًا فارغًا أشار لها لكي تجلس عليه، ذهبت «عبلة» إلى المقعد لكي تجلس أما هو وقف بجانبه وهو يضم ذراعيه معًا أمام قفصه الصدري، ظل هكذا فترة طويلة، حتى سمع فتاة الإستقبال تَلفظ إسمها، ذهبا إليها الأثنين معًا، رحبت بهما الفتاة ثم أعطت الورقة لـ «عبلة» لكي تملأ البيانات، أمسكت «عبلة» الورقة بتعجب من طريقة الفتاة وحينما شرعت في كتابة بياناتها، رفعت رأسها تنظر للفتاة وجدتها تنظر لـ «وليد» بإعجاب ظهر جليًا على ملامح وجهها، ضربت «عبلة» على سطح مكتب الإستقبال، فنظر لها «وليد» مُتعجبًا، إبتسمت له «عبلة» بإستفزاز ثم قالت:
“أمسك الورقة أنتَ إملأ البيانات، أنا مش عارفة أكتب حاجة”

نظر لها بسخرية ثم قال:
“مش عارفه تكتبي حاجة ليه هو إمتحان كيميا؟ دي بياناتك أنتِ”

بادلته نظرة السخرية بأخرى مستفزة وقبل أن تتحدث وجدت الفتاة تقول وهي مبتسمة بشدة:

“دم حضرتك خفيف جدًا يا فندم بجد”

نظر «وليد» بطرف عينه لـ «عبلة» فوجد الشرر يتطاير من عينيها، فرح بشدة وهو يرى غيرتها عليه ، لكنه قرر أن ينهي ذلك وهو يقول:
“الواحد لو دمه مش خفيف مع خطيبته هيبقى دمه خفيف مع مين يعني؟”

نظرت له «عبلة» بتعجب، بينما نظرت له الفتاة بصدمة كبيرة فأومأ لها وهو يقول:
“الآنسة عبلة خطيبتي”

أومأت له الفتاة ثم قالت:
“ألف مبروك يا فندم أنا كنت فاكرة حضرتك أخوها”

أومأ لها وقبل أن يتحدث ردت «عبلة» عليها قائلة:
“لأ يا حبيبتي مخطوبين عقبالك”

إبتسمت لها الفتاة بينما «وليد» تبدلت نظرته إلى الإستمتاع بـ رد فعل حبيبته، قام «وليد» بكتابة البيانات بأكملها، دون أن يسأل «عبلة» عن أي شيء، تفاجأت «عبلة» به وهو يقوم تسليم الورقة إلى الفتاة، وتعجبت الفتاة أيضًا، فـهي لم تراه يسأل عن بيانات «عبلة»،

سألته «عبلة» مُسنفسرة:
“هو أنتَ كتبت بياناتي يا وليد كلها إزاي؟”

هز كتفيه وهو يقول بلامبالاة:
“عادي حافظهم”

نظرت له مندهشة ثم قالت:
“حافظ بياناتي كلها إزاي؟ تاريخ ميلادي، ومؤهلي، وهواياتي، دا حتى رقمي القومي كتبته”

هز كتفيه مرة أخرى وهو يقول:
“وفيها إيه يعني حافظهم بقولك”

نظرت للفتاة وجدتها تنظر له بنفس نظرة الإعجاب، وقبل أن تتحدث لاحظت الفتاة نظرة «عبلة» لها فقالت:
“تمن الكورس الشامل يا فندم ٩٠٠ جنيه، بدل ١٢٠٠ جنيه”

أومأ لها «وليد» وقبل أن يخرج النقود، وجد «عبلة» تخرج أموالها من حقيبتها تخرج ثمن الكورس وقبل أن تمد يدها تدفع النقود، وجدته يمسك يدها بقوة وهو يقول بصوتٍ يملئه الضيق:

“أنتِ بتعملي إيه؟ فاكراني أباچورة جنبك؟”

نظرت له مُتعجبة فوجدته يأخذ الأموال من يدها ثم وضعها في حقيبتها مرةً أُخرى، تنهد بأريحية ثم أخرج الأموال من محفظة نقوده وقام بدفع ثمن الكورس، زادت نظرة الإعجاب له من الفتاة ، وحينما وقفا الأثنين لكي يغادرا المكان تحدثت الفتاة بلهفة وهي تقول:

“يا فندم لو حضرتك عاوز تقدم على الكورس لِك، هيكون في خصم كبير جدًا”

نظر «وليد» لـ «عبلة» وجدها ترفع حاجبيها معًا ثم قامت بضم ذراعيها معًا أمام قفصها الصدري، حينما رأى «وليد» حالتها تلك، نظر للفتاة ثم قال بهدوء:

“لأ متشكر جدًا أنا خلصت المرحلة دي من زمان، يلا يا عبلة ورايا”

سبق «عبلة» في خطواته، فنظرت «عبلة» للفتاة شرزًا وكأنها تخبرها بهزيمتها.

ركبا السيارة سويًا مرةً أُخرى، كانت «عبلة» تشعر بالضيق من تلك الفتاة ونظرتها لـ «وليد»، بينما «وليد» كان يشعر بلذة الإنتصار ، فظل يُطلق صفيرًا متناغمًا من فمه يدل على حالة الشجن الذي غاص بها، نظرت له «عبلة» وجدته على حالته تلك، فظنت أن سروره هذا بسبب تلك الفتاة، حينما لاحظ صمتها أوقف الصفير ثم قال مشاكسًا إياها:

“بس المكان دا تُحفة يا عبلة حاجة كدا تفتح النفس، والله الواحد شكله هيندم على سنينه اللي فاتت من غير المكان دا”

ضربت «عبلة» على نافذة السيارة بضيق ثم قالت:
“لو عاجبك المكان إتفضل روح إحجز أنتَ كمان متقرفنيش”

تصنع الجدية ثم قال:
“فعلًا أنا لما حسبتها لقيت نفسي محتاج للكورس دا أوي وبصراحة عرض ميتفوتش”

صرخت بوجهه قائلة:
“وقــف العربية يا وليد”

نظر لها مندهشًا فقالت بصرخة:
“وقفها بقولك”

أوقف السيارة ثم نظر لها، وجدها تحاول فتح باب السيارة، لكنه كان الأسبق حينما أغلقها بواسطة زر التحكم أمامه، إلتفت له وهي تقول بحنقٍ:
“مبيفتحش ليه دا؟”

إبتسم لها ثم قال:
“علشان أنا قفلته، إهدي وبطلي جنان وقوليلي عاوزة تنزلي ليه”

نظرت له ثم قالت بنفس النبرة المنفعلة:
“هنزل علشان أروح ألغي حجز الكورس الزفت دا، خلاص مش عاوزاه أنا هترزع في بيتنا”

أومأ لها موافقًا ثم قال:
“برافو عليكِ، بالمرة أخد فلوسي اللي دفعتها على الصبح دي”

صرخت بوجهه قائلة:
“أنتَ مستفز أوي ، أنا مشوفتش كدا في حياتي”

نظر لها بقوة وهو يقول:
“وأنا مشوفتش واحد متعصبة حلوة كدا في كل حياتي”

تبدلت نظرتها له وقالت بنبرة هادئة وكأنها أصبحت فتاة أُخرى:
“قُل واللهِ كدا؟”

حاول كتم إبتسامته وهو يقول:
“واللهِ”

تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل ونظرت للجهة الأخرى لكي تهرب من نظراته، بينما هو قام بتشغيل مُحرك السيارة وبعد تحركه بالسيارة قال بنبرة هادئة:

“البشر مبيحسوش بقيمة الحاجة غير لما يحسوا إنها هتضيع من إيدهم، بيفضلوا يكابروا ويكدبوا على نفسهم، ولما يلاقوا غيرهم عاوزها يفوقوا”

نظرت له بقوة ثم قالت وهي تتصنع عدم الفهم:
“مش فاهمة بتقولي كدا ليه؟”

وعلى نفس وضعه قال:
“علشان أنتِ النهاردة غيرتي عليا، ولما حسيتي إن ممكن يكون في حد تاني عاوزني، ساعتها حسيتي إني حق مكتسب لكِ”

نظرت له متعجبة ثم قالت بحنقٍ:
“مين دي اللي غارت وهغير على مين إن شاء الله؟”

نظر لها ثم قال:
“بلاش أقولك عيني في عينك علشان أنتِ أضعف من إنك تبصي في عيني وتكدبي عليا، أنا بس عاوزك تعرفي حاجة واحدة، العين اللي بتحب عمرها ما تبص لحد تاني غير اللي حبته يا عبلة”

نظرت له فوجدت نظرته كما هي صادقة دومًا
أما هو غير وجهته وهو يقول:
“تعالي أفطرك يلا بجملة الخسارة”

أومأت له دون حديث، ومازال حديثه يدور في مسامعها.
_________

في شركة أحفاد آلـ «الرشيد» كان «طارق» يجلس برفقة العميل وهو يحاول تهدئته نظرًا لتأخر «وليد» على الموعد المحدد ، نظر «طارق» لـ «أحمد» يسأله مُستفسرًا ، فهز كتفيه كإشارةً منه على عدم معرفته، تحدث العميل قائلًا:
“هو أستاذ وليد هيتأخر يا فندم أكتر من كدا؟”

قبل أن يرد عليه «طارق» وجد «وليد» يقتحم المكتب وهو يلهث بقوة، نظر له العميل مُتعجبًا بينما «طارق» و «أحمد» نظرا له بضيق، فزفر «وليد» بقوة ثم قال:
“أنا متأسف جدًا يا فندم والله حصل ظرف خارج إرادتي”

أومأ له العميل ثم قال مُتفهمًا:
“مفيش مشاكل ياريت بس نبدأ علشان مفيش وقت”

أومأ له الجميع بينما «طارق» نظر لـ «وليد» متوعدًا له.
__________

في منزل «ميمي» عاد الشباب بعد الصلاة، قاموا بتناول الفطار جميعهم سويًا، ثم دخل «ياسين» وقام الشاي للجميع بعدما طالبه به الجميع، شربوا الشاي سويًا فتحدث «ياسين» موجهًا حديثه لـ «عامر»:
“ولا تروح تجيب حاجة الجهاز وترجع ساكت، بلاش الحِنة بتاعة كل مرة دي”

تحدث «عامر» بسخرية وهو يرد عليه:
“ياربي على الغِل في قلوب الناس، مش قادر يفرحلي، علشان عمره ما جرب إحساسي دا”

ضحك الجميع على حديثه وطريقته التي تُشبه طريقة الفتيات، فتحدث «ياسر» قائلًا:
“يا رب بس يعجبهم حاجة بسرعة ومنلفش علشان أنا مطبق من إمبارح”

رد عليه «خالد»:
“لأ معاكم ربنا أنا خُلقي ضيق، مش هقدر ألِف كتير”

تدخل «عامر» قائلًا:
“أنا لو هلف العمر كله مش هتعب كفاية إني هشوف فرحتها”

عند هذه الجملة وصلت الفتيات، وكان «عامر» موليًا ظهره لباب الشقة فلم يراهم، أشارت لهم «ميمي» بالصمت، فوافقوا بتعجب، فقال «ياسين» بنبرة مَرِحة:
“ما تقولنا كدا سارة بالنسبة لِك إيه يا عامر؟”

نظر «عامر» للسقف بحالمية ثم قال مُبتسمًا:
“سارة دي بالنسبة ليا حاجة مفيش منها إتنين، تحديدًا زي طبق ورق عنب جنبه كوباية مانجا مشبرة لواحد صايم في عز الحر”

ضحك الجميع على حديثه حتى الفتيات، نظر «عامر» خلفه فوجد «سارة» تنظر له بضحك، وقف وعلى شفتيه بسمة بلهاء ثم قال:
“بحبك زي حبي للورق عنب بالظبط، أنتم الأتنين عندي حاجة واحدة”

ضحك الجميع بينما تحدث «خالد» قائلًا بسخطٍ:
“أنا مش عارف مين الحيوان اللي علمك الرومانسية”

ضحك الجميع فرد «ياسين» مُعقبًا:
“أنا مش فاهم عامر رابط الحب بقنوات الطبخ ليه؟”

تدخلت «إيمان» قائلة:
“إحمدوا ربنا يا جماعة، غيرها بيتقالها أنتِ الداء والدواء”

ضحك الجميع و ووجهوا نظرهم نحو «ياسر» الذي قال مُحرجًا:
“بتبصولي ليه، أنا دكتور هقولها إيه يعني؟”

نظرت له «ميمي» ثم قالت بسخرية:
“مش لدرجة الداء والدواء يا دكتور”

وجه «ياسر» نظره نحو «إيمان» ثم قال بِحب:
“أنتم مش فاهمين يا جماعة، إيمان حبها بيجري في دمي زي المرض كدا، وجودها جنبي بقى هو الدوا للمرض دا”

بادلته «إيمان» نفس النظرة المُحبة، تحت إبتسامات الجميع، وعندما شعرت بنظرتهم قالت بتوتر:
“طب يلا علشان منتأخرش أكتر من كدا”

رد «عامر» وكأنه إنتبه للتو:
“ثانية يا جماعة عربية واحد مش هتكفينا كلنا، هنروح إزاي؟”

نظر له «ياسر» بسخرية ثم قال:
“قُل لنفسك، في واحد يبيع عربية علشان يجيب موتوسيكل؟”

نظر له «عامر» بسخرية قائلًا:
“وهي الكتكوتة بتاعة أبويا دي كانت عربية؟”

تدخل «خالد» قائلًا:
“وهو أنتَ بتعمل إيه بالموتوسيكل يعني غير إنه مرمي في مدخل بيتكم”

ضحك «ياسين» وهو يقول:
“كل ما إفتكر إن الشركة باعتتله إنذار بفطس”

تدخلت «ميمي» قائلة:
“إنذار إيه دا؟”

رد عليها «ياسين» وهو يضحك:
“البيه مدير فرع كامل لشركة سياحة كبيرة، ساعتها عامر كان بيروح بالموتوسيكل، قالوله إن دا غلط علشان واجهة الشركة”

رد خالد مُستفسرًا:
“مش عارف مدير شركة سياحة وبيروح بموتوسيكل إزاي؟”

رد عليه «عامر» بفخرٍ:
“أنتَ إيه عرفك أنت؟ دا أنا كنت بنشط السياحة، هما اللي ملهمش في الطيب نصيب”

ضحك الجميع على منظره، بينما «ياسين» قام بإخراج مفاتيح سيارته وقذفها لـ «عامر»،
التقط «عامر» المفاتيح وهو يسأل مُستفسرًا:
“أيه دي يا ياسين؟”

رد عليه «ياسين» بهدوء:
“أنتَ قولت عربية واحدة مش هكتفي، خد أنتَ وسارة عربيتي، والحاجة لما تشتروها حطوها في الكنبة ورا، وياسر وخالد في عربية خالد، سهلة أهيه”

سأله «خالد» مُستفسرًا:
“طب وأنتَ هتروح لنسايبك إزاي بس؟”

أطاح «ياسين» برأسه وهو يقول:
“متشغلش بالك أنتَ، مليش مزاج أسوق، هاخدها مشي”

أومأ له الجميع بموافقة، بينما «عامر» نظر له بإمتنان حقيقي، ألتقط «ياسين» نظرته فأومأ له وكأنه يقول له:
“لا عليك”

تجهز الجميع للنزول من شقة ميمي ، فوقف «عامر» أمام «سارة» وهو يقول:
“سارة بالله عليكِ بلاش نلف كتير علشان أنا مصدع والله ومش نايم كويس”

نظرت له بحنان وهي تقول:
“ليه يا عامر مالك ؟ منمتش كويس ليه؟”

نظر لها «عامر» بنفس نظرته المُحبة وهو يقول:
“أصل أنا طول الليل سهران بفكر وأنا حيران إزاي أنتِ مش جارة فيروز مع إنها قالت إحنا والقمر جيران”

فور إنتهاء جملته وجد صفعة قوية تنزل على رقبته من الخلف من كف «خالد» سأله «عامر» مُستفسرًا وهو يتألم:
“إيه دا يا خالد؟”

نظر له «خالد» بسخرية وهو يقول:
“دي رسالة من فيروز يا عين أمك”

ضحك الجميع على الموقف بأكمله وخرجوا جميعًا من الشقة تحت ضحكات الفتيات العالية.

خرجوا جميعًا من الشقة عدا «ياسين» الذي جلس بجانب «ميمي» ، نظرت له تتفحص ملامح وجهه فوجدتها مُطمئنة وهذا على غير عادته في الآونة الأخيرة، شعر بنظراتها له فإلتفت لها مُبتسمًا وهو يقول:
“خير بتبصيلي ليه كدا ؟”

إتسعت إبتسامتها أكثر ثم قالت:
“أبدًا فرحانة وأنا شايفاك مبسوط كدا، من ساعة ما خديجة ظهرت كنت علطول بحسك خايف”

تبدلت نظرته ثم قال بحب :
“حتى الراحة بقت مربوطة بيها هي، يمكن أنا فرحان علشان بقيت أشوف الراحة في عنيها”

تحدثت «ميمي» بلهفة وهي تقول:
“لأ أحكيلي بقى شكل حكايتك بقت حكاية”.

أومأ لها موافقًا ثم تنهد بأريحية وهو يقول:
“حاضر هحكيلك، علشان أنا مقدرش أحكي لحد غيرك.
______________

في بيت آلـ «رشيد» كان «وليد» واقفًا أمام شقة «عبلة» يتحدث معها فقال بهدوء:
“النهاردة يعتبر أجمل يوم في حياتي، علشان قضيته معاكِ على الرغم من إني هتهزق من طارق أخوكي بس مش مشكلة “

إبتسمت على حديثه ثم قالت:
“هو أنتَ رجعت إزاي من الشركة النهاردة صح؟”

إبتسم حينما تذكر ما فعله ثم قال:
“أول ما خلصنا مع العميل، قولتله هنزل أوصله، يدوبك العميل ركب عربيته، وأنا ركبت عربيتي وحصلته، أنا لو كنت طلعت لطارق أخوكي تاني كان لبسني في حيطة”

وفجأة فُتح باب المصعد وخرج منه «طارق» وهو يقول:
“لأ وأنتَ الصادق دا أنا هلبسك الكفن”.

شهقت «عبلة» بـفزعٍ ثم قالت:
“يلهوي يا وليد، إلحق”

فور إنتهاء جملتها ركض «وليد» داخل الشقة نظرت «عبلة» في وجه أخيها فوجدت نظرته لم توحي بالخير فركضت مثل «وليد»، خلع «طارق» سترته ثم شمر ساعديه وهو يقول:
“إستعنى على الشقا بالله”

دخل «طارق» الشقة مثل الأسد فوجد باب غرفته يغلق بقوة فعلم أن «وليد» يختبأ داخل غرفته، وقف أمام الغرفة وهو يحاول فتحها وحينما لم يستطع طرق الباب بقوة وهو يقول:

“إفتح يا وليد، بدل ما أفتح دماغك”

نطق «وليد» من الداخل بصوتٍ مهزوز:
“مش فاتح يا طارق”

أومأ طارق برأسه ثم قال:
“ماشي يا وليد وأنا بقى قاعدلك هنا”

قال جملته ثم جلس أمام باب الغرفة وهو يتوعد لهما، حينما لاحظت «عبلة» الصمت تحدثت قائلة:
“طارق أنتَ سكت ليه؟”

كانت مُختبأة فى غرفتها فـ رد عليها «طارق» بصوتٍ عالٍ:
“إخرسي أنتِ يا عبلة عملالي فيها صغيرة على الحب، أومال لو مش مأجبرينك على الجواز كنتِ عملتي إيه”

تحدث «وليد» قائلًا:
“ياعم جبرتوا مين بس دي ماصدقت”

رد عليه «طارق» بقوة:
“إخرس أنتَ كمان، وإفتح الباب، أنا والله ما هتحرك من هنا”

حينما حلف «طارق» علم «وليد» أنه لا يمزح، لذلك أخرج هاتفه وطلب رقم «خديجة»

ردت عليه «خديجة» متعجبة فوجدته يصرخ بها قائلًا:
“إنزلي شقة عمك محمد بسرعة بالله عليكِ”

تعجبت أكثر من طلبه فسألته مستسفرة:
“حصل إيه وليد ؟ “

رد عليها بعصبية :
“إنزلي بسرعة أنتِ لسه هتسألي، ألبسي إزدالك وأنزليلي بسرعة”

وصل صوته لـ «طارق» خارج الغرفة، فتحدث قائلًا بسخرية:
“بتتحامى في خديجة يا عيل، براحتك يا وليد”

كان باب الشقة مفتوحًا على مصراعيه ، لذلك إستطاعت «خديجة» دخول الشقة، دخلت عند الطُرقة وجدت «طارق» جالسًا على الأرضية وقفت أمامه وهي تسأله مستفسرة:
“طارق أنتَ قاعد كد ليه؟”

رد عليها «وليد» من داخل الغرفة:
“خديجة بالله عليكِ خديه من قدام الأوضة خليني أخرج”

تحدث «طارق» بصوتٍ عالٍ:
“ريح نفسك مش هتحرك من هنا”

تحدثت «عبلة» من داخل الغرفة قائلة:
“علشان خاطري يا خديجة أقنعيه يسيبنا في حالنا، والله أن اللي غلطانة، وليد كان مصمم يمشي على الشغل بس أنا كنت جعانة وخليته فطرني”

فهمت «خديجة» ما فعله «وليد» فأخذت نفسًا عميقًا تُهديء من توترها ثم قالت بصوتٍ مهزوز:
“بُص يا طارق أنا عارفة إن وليد ممكن يكون عك الدنيا، بس دول مخطوبين جُداد يعني مرة من نفسهم فطروا سوا، أنا عارفة إنه مينفعش بس خليك أنتَ العاقل”

أخذ «طارق» نفسًا عميقًا ثم قال:
“أطلعي فوق يا خديجة، وخرجي نفسك من الموضوع دا”

قبل أن ترد عليه وصلها صوت «وليد» وهو يقول:
“إلهي يارب يا شيخة لو طلعتي ياسين يطلقك”

جحظت عيناها للخارج بقوة من هول ما سمعت ، بينما «طارق» إبتسم بسخرية وهو يقول:
“شوفتي المهزء اللي أنتِ بتدافعي عنه؟”

هزت رأسها بيأس ثم تنفست بعمقٍ مرة أخرى وقالت:
“دي أول مرة أطلب منك طلب في حياتي، متكسفنيش ووعد مني والله مش هخليه يزعلك مرة تانية “

نظر لها «طارق» فوجد نظرتها مُترجية له، زَفَرَ بضيق ثم قال:
“ماشي يا خديجة خليه يخرج بس وربنا ما هسيبه”

إقتربت «خديجة» من الغرفة ثم قالت:
“يلا يا وليد أخرج خلاص هو هدي خلاص”

إقترب «وليد» من الباب وهو يقول:
“إحلفي إنه مش بيكدب عليا”

رد عليه «طارق» بعصبية:
“هو أنا عيل زيك مليش لازمة يا..ياسوسن”

خرجت كلمته الأخيرة بتهكم واضح، بينما «عبلة» قالت:
“خلاص بقى يا طارق بالله عليك”

تحدثت «خديجة» بصوتٍ هاديء:
“خلاص بقى يا جماعة يلا يا وليد أخرج ، وأنتَ يا طارق أقف خلاص “

وقف «طارق» وهو يزفر بضيق، وبمجرد ظهور ظله من خلف الباب، قام بفتح الباب وركض بسرعة حتى إنه أوشكت «خديجة» على السقوط ولكنها تمسكت بالستارة، نظرت في وجه «طارق» وجدته مُحتقنًا بشدة، فركضت من أمامه هي الأخرى، بينما «طارق» إبتسم بقوة وهو يهز رأسه بيأس ثم قال:
“يا عيلة بنت مجانين”
_________________

صعدت «خديجة» شقتها بعد ركضها من وجه «طارق» دخلت غرفتها لكي تشرع في إرتداء ثيابها لكي تستقبل بها «ياسين» ولكنها توقفت فجأة وهي تتذكر طلب «مُشيرة» فـ دب الرعب في أوصالها وتوترت كما كان يحدث من قبل، ظلت تزفر بقوة لكي تهديء قليلًا ولكن دون جدوى، ظهرت الأعراض عليها بوضوح حتى أنها أوشكت على البكاء، إرتعشت بقوة، وشردت في عالم آخر وما أخرجها من ذلك هو صوت هاتفها حينما صدح برقمه، نظرت للهاتف ثم ظلت تزفر بقوة حتى تنظم نبضات قلبها، إنتهت المكالمة الأولى، دون أن ترد عليه، فـ عاد «ياسين» المكالمة مرة أخرى، قامت هي بالرد عليه، زفر هو براحة ثم قال:

“إيه يا ستي في إيه؟ إيه اللى أخرك كدا في الرد”

حاولت إستجماع بعض الشجاعة لكي تتحدث، فقالت بصوتٍ مهزوز:
“أنا…أنا بس كنت بجيب حاجة من الأوضة برا”

خرج صوتها مهزوزًا بشدة ، إلتقط هو نبرتها فقال:
“طيب وأنا هعمل نفسي مصدقك، المهم كلها ساعة وأكون عندك”

جحظت عيناها بقوة ثم قالت بنفس النبرة المهتزة:
“م..مبلاش وإعتذر وخلاص”

رد عليها مُعقبًا:
“لأ هاجي يا خديجة، ومش هعتذر، ويلا جهزي نفسك”

بعد مرور ما يقرب النصف الساعة كانت العائلة بأكملها مُجتمعة في الطابق الأول، في إنتظار «ياسين» بينما «خديجة» كانت تهز قدميها بعصبية في المطبخ، دخلت والدتها ثم نظرت لها وهي تقول:
“بقولك إيه متخافيش أوي كدا ، وإن شاء الله مُشيرة تتكسف على دمها ومتعملش اللي في دماغك دا”

نظرت لها «خديجة» بخوف ثم قالت:
“ربنا يسترها يا ماما،يعني مش بس الناس كلهم عيونهم هتكون عليا، لأ عمتو كمان موجودة وهي اللي عزماه”

أومأت لها في هدوء وهي تقول:
” ربنا يسترها بقى”

وصل «ياسين» بيت آلـ «رشيد» تم الترحيب به من رجال العائلة بأكملها حتى إنه شعر وسطهم بالألفة، وبعد قليل أتت النساء وجلسن على مقربة من الرجال حتى «خديجة» التي أول ما رآها «ياسين» إنفرجت أساريره، نظرت له فوجدته يومأ لها لكي يُطمئنها، كانت «مُشيرة» تراقب نظراتهم هي و «هدير»، قطعت تواصل نظراتهم وهي تقول:

“قولنا بقى يا ياسين حبيت خديجة وإختارتها ليه”

أعتلت الدهشة ملامح الجميع، فلم يستطع أحد إحراج «مُشيرة» بينما نظر «ياسين» لها بثبات ثم قال:
“والله يا فندم القلوب دي بيد ربنا سبحانه وتعالى هو اللي بيدخل الناس في قلوبنا ويجعل ليهم القبول”

كانت «خديجة» متوترة بشدة وتفرك كفيها ببعضهما،بينما «مُشيرة» نظرت لـ «هدير» بخبثٍ، فتحدثت تلك المرة «هدير» قائلة:
“يعني مش علشان حاجة معينة، شوفتها مناسبة لِك وافقت على جوازها”

زاد حنق الجميع بعد حديث «هدير» وقبل أن يتحدث أحدًا ما، نطق «ياسين» بثبات ونظرة تملؤها القوة قائلًا موجهًا حديثه للجميع:

“عارفين الفراشة؟ الفراشة ليها سحر خاص بيها وألوانها مُبهجة أوي، الغريب في الموضوع أن الفراشة متعرفش إنها عندها الجمال دا كله، هي خديجة بالنسبة ليا كدا فراشة متعرفش إنها ليها سحر خاص بيها هي، ميشوفش جمالها غير قلب حبها وعين آمنت بسحرها، أنا لو حبيت خديجة فأنا حبيتها بطريقة خلتني أتأكد إن اللي فات من العمر من غيرها كان لازم يفوت عليا وأنا لوحدي علشان اللي جاي كله ميستاهلش غير وجودها هي وبس”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى