رواية تعافيت بك الفصل 25 طب”رواية تَعَافَيْتُ بِكَ” “الفصل الخامس والعشرون أنتِ لستِ الوحيدة التي خلقها الإله في الدنيا لكنك أنتِ الوحيدة التي خلقها الإله في قلبي”.
_____________
كنتُ وحيدًا قبل أن ألقاكِ، وأستأنستُ بِكِ يوم ألتقت عيناي بعيناكِ..وابتهجت روحي فور رؤية محياكِ.
كان «ياسين» لازال جالسًا برفقة أصدقائه في شقة «ميمي»، وهم يضحكون سويًا على مشاكسة «عامر» للجميع ، وفجأة تحدث «خالد» موجهًا حديثه لـ «ياسر» وهو يقول:
“بقولك إيه يا ياسر كلمها علشان دماغي وجعتني، إيمان رغاية، ومراتي رغاية، كأنهم في شركة صابون، خلصني منهم”
نظر الجميع لـ«ياسر» بينما زفر هو بضيق ثم قال:
“أنا برضه اللي كلمها يا خالد؟ بقالي ٣ أيام متنكد عليا وأنا كمان اللي غلطان”
تدخل «عامر» قبل أن يجيب أيًا من الموجودين قائلًا:
“آه أنتَ اللي تصالح، عارف ليه علشان هما ستات يا ياسر، وكلامهم على قدهم، وأنتَ الراجل اللي المفروض يطول باله”
أومأ له «ياسر» بقوة ثم قال:
“ماشي أنا معاك، بس دي عملالي بلوك من كل حاجة، دا حتى تليفون أمي عملتله بلوك، أكلمها منين من خرطوم الغسالة؟”
ضحكوا جميعًا عليه وعلى طريقته، فإقترب منه «ياسين» قائلًا:
“روحلها يا ياسر علشان تكون عملت اللي عليك”
أضاف «خالد» قائلًا:
“بص إيمان طبعها شديد شوية ودا بسببي علشان يعني ربيتها تربية ناشفة،بس قلبها أبيض أوي والله، روح كلمها واتفاهموا متخليش الزعل يطول بينكم”
أخرج «ياسر» زفيرًا قويًا على مهلٍ ثم أومأ موافقًا للجميع، ودخل الشرفة لكي يحادثها، بينما في الخارج جلس «ياسين» بجانب «ميمي» وأعينه تطلق شعاع الفرح، نظر لها ثم قال:
“والله مش مصدق نفسي من الفرحة، واللي مفرحني أكتر فرحة عينيكِ دي”
إبتسمت هي بإمتنان ثم ربتت على كتفه وهي تقول:
“أنا اللي مفرحني بجد هو وجودكم جنبي، عمري ما كنت أتخيل إن بعدما عيالي رموني،إن ربنا يكرمني بولاد زيكم، أربع شباب زي الورد عملوا علشاني اللي ميتعملش، أنا لو عيشت عمري كله تحت رجليكم مش هيكفي فضلكم عليا”
إنزعجوا من حديثها، فإقترب منها «عامر» قائلًا:
“هو أنتِ خزان نكد يا ميمي؟ وبعدين دا إحنا طلعنا عينك من ساعة ما دخلنا حياتك، دا أمي معرفتش تستحملني زي ما أنتِ أستحملتيني”
نظرت لهم بإمتنان حقيقي ثم قالت:
“أنا مش عاوزة حاجة تاني من الدنيا غير فرحتكم دي والله، وإنِ أشوف كل واحد فيكم مبسوط في حياته، وزي ما خالد فرحني وخلاني جدة، نفسي أشيل عيالكم أنتم كمان وساعتها هبقى خدت كل حاجة من الدنيا”
إقترب منها «خالد» ثم وضع إبنه الذي يشبهه إلى حدٍ كبير وكأنه نسخة مصغرة منه على قدميها ثم قال بنبرة حنونة:
“أنتِ عارفة إن أنتِ الوحيدة اللي بسمحلها تشوف ضعفي؟ قدام الناس كلها خالد الجامد اللي مبيتهزش، بس أنتِ الوحيدة اللي شافت دموعي”
قال حديثه ولم يستطع التحكم في دموعه أكثر من ذلك، لكنه محاها فورًا ثم أضاف قائلًا:
“أنتِ الوحيدة اللي شافت خالد بجد، وأنتِ الوحيدة اللي شاركتها حاجات محدش يعرفها غيرك، صدقيني أنتِ قيمتك كبيرة أوي عندنا”
أومأت له ثم مسحت بكفيها دموعه بعدما أقترب منها أكثر، بينما «ياسين» و «عامر» كانا ينظرا لبعضهما البعض وكلًا منهما يبادل الأخر نظرة الفرح.
في داخل الشرفة بعد عدة محاولات باءت بالفشل من «ياسر» لوصوله إلى «إيمان» قامت أخيرًا بالرد عليه وهي تتأفف قائلة:
“نــعم؟ حضرتك عاوز حاجة؟”
شعر بالضيق من طريقة حديثها، فبادلها الحديث بنفس الطريقة قائلًا:
“يا بجاحتك يا شيخة، ٣ أيام بحالهم مش عارف أوصلك وكل ما أكلمك من رقم تاني تعمليله بلوك، أنتِ عيلة يا إيمان؟”
تصنعت الثبات وهي تقول:
“يا سلام وهو مين اللي غلطان مش أنتَ؟ وبعدين يا ياسر أنتَ ليه محاولتش توصلي؟”
تحولت نبرته الهادئة إلى أخرى حانقة وهو يقول:
“نــعم يا ختي؟ محاولتش إيه؟ سمعيني كدا تاني، بقى بعد ١٣٧ رسالة، و ٨٧ مكالمة، و بلوكات من كل حتة محاولتش أوصلك؟!، إيه كنتِ عاوزاني أبعتلك جوابات مع حمام زاجل؟”
كادت تبتسم على حديثه وطريقته، لكنها وأدت ذلك، ثم قالت:
“كنت اتصرفت يا ياسر، بس أنتَ استسلمت لكل دا”
زفر بقوة ثم قال:
“يا بنت الحلال وهو مين اللي وصلنا لكدا مش أنتِ؟ أقولك نحدد معاد الفرح تقوليلي لأ نصبر مش دلوقتي، أقولك طب نأجله دلوقتي خالص، تقوليلي أنتَ مش عاوزني، أعمل إيه يا إيمان علشان أرضيكي؟”
شعرت «إيمان» بالإختناق فظهر ذلك على صوتها حينما قالت:
“مش عاوزة حاجة يا ياسر خلاص تصبح على خير”
وقبل أن تغلق الهاتف، تحدث هو بنبرة خرجت جامدة بعض الشيء:
“أستني يا إيمان، أنا مش هقفل غير لما تقوليلي مالك، وإيه اللي مخليكي متلغبطة كدا، وأركني بقى زعلنا على جنب، كأنك بتفضفضي ليا”
أخرجت زفيرًا قويًا ثم تأفأفت بعده بضيق ثم قالت:
“بصراحة خايفة يا ياسر”
رد عليها بهدوء:
“وإيه اللي مخوفك عرفيني بالراحة كدا”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“أنتَ وخالد تعبتوا في حياتكم أوي، وبصراحة خايفة أتقل على حد فيكم، وفي نفس الوقت أنا بنت وعاوزة حاجات كتير في جهازي لسه، خالد عاش طول عمره مسؤول عني وعن ماما، وأنتَ عيشت طول عمرك شايل مامتك وأخواتك”
شعر «ياسر» بالفخر من حديثها، لكن نبرته تحولت للخبث وهو يقول:
“طب خوفك على خالد مُبرر علشان أخوكي، خوفك عليا سببه إيه؟”
إسترسلت في حديثها معه دون خوف:
“خالد أخويا وأبويا وكل حاجة ليا، وأنتَ صاحبي وحب الطفولة والعمر كله، يعني خوفي عليكم أنتم الاتنين دا شيء طبيعي ، علشان ببساطة معنديش أعز منكم”
إبتسم «ياسر» بحنو ثم قال بنبرة مصطبغة بالحنان:
“أنا كدا أطمنت إن إيمان اللي أنا حبيتها لسه زي ماهي قلبها كبير وبتحس باللي حواليها، بس عاوز أقولك حاجة، أنا أو خالد أخوكي كل همنا في الحياة هو فرحتك، علشان كدا إحنا على استعداد دايمًا لأي حاجة أنتِ عاوزاها يا إيمان”
تحدثت «إيمان» بنبرة خفيضة وهي تقول:
“يا ياسر أنتَ تعبت كتير في حياتك، ومن صغرك وأنتَ بتشتغل، أنا مش عاوزة أزود في تعبك دا”
بنفس نبرته الحنونة قال:
“لو هتعب علشانك أنتِ يبقى تعبي كله هيروح بضحكة منك، ولو وجودك أنتِ في حياتي نتيجة لتعبي، ساعتها يا إيمان أنا مش طالب حاجة تاني من الدنيا”
إبتسمت إثر حديثه ونبرته تلك، ثم قالت:
“ياسر على فكرة بقى أنا بحبك”
إبتسم ثم قال بغرور:
“عارف على فكرة من غير ما تقولي”
شعرت بالضجر من حديثه فقالت:
“هي دي الرومانسية؟ بدل ما تقولي وأنا كمان ، وبعدين متأكد منين إني بحبك يعني؟”
تحولت نبرته إلى الخبث وهو يقول:
“علشان العيون الزرقا دي مفيش منها تاني، وعلشان أنتِ مش ضامنة حد يجي يتقدملك زيي تاني ، علشان القطعية دي خلصت من زمان”
توردت وجنتيها خجلًا من حديثه، فهو يذكرها بأول لقاء لهما بعد عقد القران، حينما سألها عن مشاعرها تجاهه وصارحته بذلك الإعتراف، طال صمتها وحينما لاحظ هو ذلك تحدث قائلًا:
“إيه روحتي فين ، ولا القطة كلت لسانك؟”
حمحمت بإحراج ثم قالت:
“على فكرة بقى أنتَ مستفز يا ياسر”
إبتسم بإتساع ثم قال بصوت ظهرت به البسمة:
“أنا عارف برضه، بس المهم إن أنا كمان بحبك وكل اللي يهمني هي فرحتك،ولو على الجهاز والعفش، إحنا نقدر نجيبه مع بعض واحدة واحدة”
إبتسمت بإتساع ثم قالت بنبرة خفيضة:
“حاضر يا ياسر، إبقى تعالى إتفق مع خالد على معاد الفرح،بس ياريت يبقى قبله فترة بسيطة”
خفق قلبه فَرِحًا ثم قال:
“حاضر والله متقلقيش، المهم روحي فُكي البلوكات اللي أنتِ عملاها دي ومتعمليش كدا تاني”
إبتسمت بخجل وهي تتذكر ما فعلته، ثم قالت:
“حاضر والله، اعتبرهم اتفكوا”
أغلق «ياسر» الهاتف مع زوجته ثم خرج للبقية في الخارج، وجد الجو هاديء إلى نسبة كبيرة، حيث كان «ياسين» يحمل «يونس» على ذراعيه حتى يجعله يخلد في ثبات عميق، و «خالد »جالسًا أمام التلفاز يشاهد المباراة، و «عامر» يراسل زوجته، خرج «ياسر» وجلس بجانب «ميمي» التي كانت تقوم بحياكة بعض الملابس، ظل الوضع هادءئًا حتى خرج «ياسين» من الغرفة بعدما وضع الصغير على الفراش بالداخل، جلس بجانب «ياسر» ثم ربت على فخذه وهو يقول:
“ها يا معلم كله تمام؟”
أومأ له «ياسر» في سعادة بالغة، ثم قال مُبتسمًا:
“الحمد لله عدت على خير، بعد ٧ محاولات فاشلة في الوصول ليها”
إبتسم «ياسين» و «ميمي» أيضًا، فتحدث الأول قائلًا:
“ووصلت إزاي في الأخر بقى؟”
إبتسم بفخرٍ ثم قال:
“بعت رسالة لتليفون الحجة أم خالد، وهي كانت متأكدة إن دا أنا، فـ فكت البلوك و ردت عليا”
حرك «خالد» رأسه بيأس وهو يضحك ثم قال:
“والله البت أختي دي هبلة وملهاش كلمة”
نظروا جميعًا إلى «عامر» بعدما طال صمته، وأول من تحدث بعدما نظروا إلى بعضهم البعض كان «خالد» حينما قال:
“إيه يا عم عامر، قالب وشك ليه؟إتعملك بلوك أنتَ كمان؟”
ضحكوا جميعًا على حديث «خالد» بينما رد عليه «عامر» قائلًا:
“بعد الشر يا حبيبي ، دا بعينك، كل الحكاية إن سارة مخنوقة شوية وقفلت معايا ، بعدها بقى لقيت عمار فاتح النت وهو عنده إمتحان كمان كام يوم”
عند ذِكر «عمار» أغلق «خالد» التلفاز ثم قال بهدوء:
“بمناسبة عمار بقى كنت عاوز حد فيكم يتكلم معاه، أنا كلمته مرة ومش هعرف أكلمه تاني”
إنتاب القلق قلب «عامر» إثر حديث «خالد» عن «عمار» فسأله مُتريثًا:
“متقلقنيش يا خالد وقولي عمل إيه عمار”
أخذ «خالد» نفسًا عميقًا ثم قال بهدوء:
“متقلقش هو معملش حاجة، بس المهم ياسين ميتعصبش من اللي هقوله”
تعجب «ياسين» مما سمع، فسأله مُستفسرًا:
“وأنا إيه اللي يعصبني يعني”
زفر«خالد» على مهلٍ ثم قال:
“أنا هحكيلكم بس، محدش فيكم يفهم غلط”.
أومأ له الجميع بهدوء، فَشرع هو في الحديث.
____________
خلد الجميع في شقة «طه» إلى النوم، عدا «خديجة» التي جلست ممسكة ما جلبه لها أخيها وهي تنظر له بفرحة كبيرة، كانت جالسة في غرفة الصالون تحت الأضاءة الخافتة، كانت تبتسم وهي تتفحص الهدايا، وبعد قليل أغلقت الصندوق وهي تتنهد براحة كبيرة، ثم جلست تفكر كيف للحياة أن تبتسم لها بتلك الطريقة؟ فَـبعد كل ما مرت به حتى الآن لم تتصور حتى ولو بأحلامها أن تكافئها الحياة بتلك الطريقة، حسنًا فاليوم هو يوم حظها كما ظنت، اليوم خطت أول خطوة في علاجها النفسي لكي تتخلص من إضطراباتها، وأخيها قام بمهاداتها، حتى والدها اليوم كانت نبرته حنونة معها، حتى «ياسين» اليوم أثنى على ملامحها وقلبها وبراءتها، وعند ذكر «ياسين» خفق قلبها بشدة وهي تبتسم، حتى وإن لم تستطع أن تعترف له عما تشعر به تجاهه، لكنها تأكدت من مشاعرها، فهي أصبحت عاشقة له، وعندما أخذها تفكيرها له، فتحت دفترها تدون به بعض الكلمات التي تعبر عن ما يجول بخاطرها، ثم بعد ذلك أغلقت الدفتر وهي تتنهد براحة كبيرة ثم دخلت إلى غرفتها لكي تخلد لنوما.
____________
قام «خالد» بِـقص ما حدث من «عمار» يوم عقد قران «ياسين»، ثم قال بعد ذلك:
“أنا مش بقول كدا علشان حد فيكم يزعلوا، أنا عاوز حد فيكم بس يفهمه إن سنه لسه صغير وإن المشاعر والإرتباط والحاجات دي لسه مش وقتها خالص، على الأقل لما يدخل جامعة ويقدر يقف على رجله”
أومأ الجميع له في تفهم، بينما تحدثت «ميمي» قائلة:
“معاك حق يا خالد، بس أنا شايفة إن أنسب واحد يكلمه هو عامر أخوه”
نظر لها «عامر» مُتعجبًا ثم قال:
“أنا ؟ إشمعنا يعني أنا يا ميمي؟”
تحولت نظرتها إلى الحنان ثم قالت:
“علشان أنتَ أخوه يا عامر، آه أنا عارفة إنكم كلكم واحد ومفيش فرق بينكم، بس برضه أنتَ أقرب واحد ليه، يعني الكلام منك هيكون مختلف”
وافقها «ياسين» قائلًا:
“ميمي معاها حق يا عامر، عمار ممكن يكون معتبرنا صحابه زيك كدا، لكن أنتَ هتفضل أخوه يعني لِك مكانة خاصة عنده”
نظر «عامر» للجميع ثم قال بتفهم:
“خلاص أنا النهاردة هتكلم معاه، طالما دا الصح يعني”
عقب «ياسر» على حديثه قائلًا:
“بس بالله عليك تكلمه بالعقل، مش عاوزين شغل الهطل بتاعك”
ضحك «عامر» ثم قال:
“لأ متخافش أنا بعرف أفصل كويس بين الجد والهزار”.
رحل الجميع من شقة «ميمي» بعدما أغلقوا المنافذ بأكملها، وكلًا منهم يُتمم على جزء في البيت حتى تكون بأمان، عاد كلًا منهم إلى بيته، دخل «ياسين» غرفته وأخرج هاتفه لكي يراسلها ولكنه وجد اخر ظهور لها منذ ما يقرب الساعة فعلم أنها خلدت لنومها، تنهد بأريحية كبيرة ثم بدل ملابسه، لكي يخلد في النوم هو الأخر.
دخل «عامر» بيته وتحديدًا غرفة أخيه، وجده يتصفح هاتفه، زفر بضيق ثم قال بنبرة جاهد حتى تخرج طبيعية ولكنها خرجت جامدة بعض الشيء وهو يقول:
“بتعمل إيه يا عمار عندك في التليفون؟”
توتر «عمار» من وجود أخيه في غرفته،لكنه تصنع الثبات حينما قال:
“أ..أبدًا كنت بشوف حاجة بس وهرجع أكمل مذاكرة”
بعد جملته تلك إقترب منه «عامر» ثم جلس على الكرسي الموضوع بجانب مكتب المذاكرة الخاص بشقيقه ثم قال بهدوء:
“وأنا هصدقك وأعمل نفسي معرفش إنك بتدور في صفحة أخت مرات ياسين”
توتر «عمار» وشحب وجهه، وحاول أن يرد على أخيه، لكن «عامر» أوقفه قائلًا:
“متردش، أنا بس عاوز أقولك حاجة مهمة يا عمار، أنتَ سنك لسه صغير مش علشان طولت ورجلك شالتك شوية تفتكر نفسك كدا خلاص بقيت راجل، لأ أنت لسه قدامك طريق طويل، وسلم لازم تطلعه درجة درجة”
شعر «عمار» بالخجل من شقيقه فتحدث قائلًا:
“صدقني أنا معملتش حاجة والله ، أنا بس كنت بشوف البروفايل بتاعها، حتى والله مبعتش رسايل ولا حاجة”
إبتسم «عامر» ثم قال بهدوء:
“ماهي مش هتبدأ كدا يا عمار، دلوقتي بتدخل صفحتها، بعد كدا هتلاقي نفسك مش قادر توقف شيطانك وهتلاقي نفسك بتبعت لها رسايل، والله أعلم إيه اللي ممكن يحصل ممكن تعرف حد من أهلها والدنيا تتعك بعد كدا”
نظر له أخيه بخوف ثم قال:
“أنا مكنتش هعمل كدا والله، صحيح جه في بالي أبعتلها بس خفت في الأخر”
ربت «عامر» على كتفه ثم قال بتفهم:
“بص أنا عارف إنِ علطول بهزر وبحب الضحك وبكره النكد كره العمى، لكن برضه في حاجات مينفعش فيها هزار، وأنتَ مش أخويا لأ أنتَ إبني يا عمار يعني مفيش في غلاوتك عندي، ويهمني إن أخويا يكون فرحان ومبسوط”
نظر له «عمار» بأعين مغرورقة بالدموع ثم قال:
“أنا بحبك أوي يا عامر، ربنا يخليك ليا”
أخذه «عامر» بين أحضانه ثم قال:
“وأنا بحبك يا عمار، وعلشان كدا إسمعني كويس”
خرج أخيه من بين ذراعيه ثم أومأ له بهدوء، فتنهد «عامر» بعمق ثم قال:
“بص يا سيدي العلاقات العاطفيه في سن المراهقة عاملة زي الهدوم، يعني أنتَ ممكن تشتري قميص حلو أوي وتحبه وتلبسه علطول، بس مع الوقت هيصغر عليك ومش هتعرف تلبسه تاني حتى لو لسه بتحبه، ودا لإنك بتكبر، دا غير إن ممكن موضته تقدم بالنسبة لك أو أنتَ تزهق منه”
كان «عمار» ينظر بكل تركيزه لأخيه، فأكمل «عامر» قائلًا بعدما زفر بقوة:
“لو طبقنا بقى الكلام دا هنلاقي إن مفيش حد مبيكبرش في السن دا ذهنيًا، يعني لو بصيت على نفسك من ٣ سنين هتقول إيه العبط اللي كنت بعمله دا، حتى لو مختار الشخص الصح هتخسره مع الوقت، علشان الوقت نفسه هيكون غلط، يبقى الحل إننا نستنا لحد ما مقاسك يثبت وساعتها إعمل اللي أنتَ عاوزه بس برضه بالحلال من غير ما تغضب ربنا”
أومأ له «عمار» مُبتسمًا وهو يشعر بالفخر من حديثه أخيه، إتسعت إبتسامة «عامر» أيضًا ثم قال:
“وبعدين مستعجل أوي على إيه يا أخويا؟ مانا قدامك أهو فضلت أحب في مُدرسة العربي وأنا فاكرها سينجل لحد ما جابت حفيدها تعرفني عليه، وكانت تاني مرة قلبي يتكسر في الحياة”
تحولت جملته الأخيرة إلى نبرة حزن مصطنعة، فسأله شقيقه مُستفسرًا:
“وأول مرة مين كسر قلبك يا عامر”
نظر له «عامر» وهو يقول:
“أمك لما بطلت رضاعة، تخيل عيل عنده سنتين ويقطعه عنه مصدر الغذا، حقيقي مش قادر أسامحها على كسرة خاطري ساعتها”
نظر له أخيه بتعجب ثم قال:
“وهو أنتَ لسه فاكر من وأنتَ عندك سنتين؟”
هز «عامر» كتفيه ثم قال بلامبالاة:
“لأ طبعًا، بس أكيد أنا زعلت ساعتها، وخاطري اتكسر”
ضحك أخيه على حديثه بقوة، فبادله «عامر» الضحك أيضًا ثم قال:
“كدا أنتَ جاهز تذاكر، يلا ربنا معاك وذاكر بدل ما أخد منك التليفون”
أومأ له «عمار» ثم نظر له بإمتنان، وقف «عامر» لكي يغادر الغرفة وقبل الخروج منها أوقفه «عمار» قائلًا:
“شكرًا يا عامر، وشكرًا لخالد وياسين وياسر، علشان من غيركم هضيع”
إبتسم له «عامر» ثم قال:
“هتضيع؟! يابني أنتَ ضعت خلاص”
ثم غمز له بطرف عينه ورحل إلى غرفته، بينما «عمار» أمسك الهاتف ثم قام بمسح إسمها من سجلات البحث وهو يتنهد براحة بعد حديث أخيه.
_________
مرت الأيام التالية بشكل طبيعي على الجميع، عدا «خديجة» التي كانت كل يوم تمسك الأوراق بيدها، وتنظر أمامها، ولا تستطيع أن تدون أي شيء بداخلها، كانت تشعر بالفشل الذريع، حتى أتى يوم الخميس، وقبل الظهيرة، هاتفها «ياسين» وهو يقول:
“صباح الخير، حبيت أفكرك إن بكرة معاد الجلسة، وإنك عندك واجب لازم يتعمل”
زفرت بضيق ثم قالت بتوتر:
“أنا أصلًا خايفة ومتوترة مش عارفة أعمل إيه؟ ولسه لحد دلوقتي مكتبتش حاجة”
تحولت نبرته إلى التفهم وهو يقول:
“أنا عارف، بس لازم تحاولي علشان تثبتِ نفسك، لازم تتحدي خوفك يا خديجة، علشان تقدري تعيشي الحياة اللي فاتتك مش دا كلامك؟”
أومأت بهدوء وهي تقول:
“أيوا فعلًا، بس الفكرة إن أنا مليانة عيوب كتير أوي، خايفة أواجه كل العيوب دي”
تحولت نبرته إلى أخرى صارمة وهو يقول:
“لأ يا خديجة أنتِ مش مليانة عيوب ولا حاجة، كل الحكاية بس إنك مبترمجة غلط، يعني أخرك كدا عاوزة سوفت وير، لكن على المستوى الشخصي والإنساني فأنتِ مفيش منك”
خفق قلبها بشدة إثر حديثه ثم قالت بهدوء:
“عارف، أنا بشكر الصدفة اللي جمعتني بيك”
خفق قلبه أيضًا فَرِحًا نتيجة قولها ثم قال بصوتٍ مُحب:
“إنْ كان في صُدَفِ الأزمانِ رائعةٌ
فإنّك خيرُ ما جادتْ به الصُّدَفُ”
إختفت إبتسامتها ثم قالت بصوتٍ متلعثم:
“أنت بتحب أبيات الشِعر دي؟”
إبتسم ثم قال بهدوء:
“مكنتش بحبها، لحد ما حبيتك بقيت بحبها”
إزدادت ضربات قلبها وتوترت اكثر وزاد تعرق وجهها على الرغم من جلوسها تحت المكيف، فقالت بتوتر:
“طب سلام بقى علشان أعمل الواجب”
ولم تنتظر ردًا منه ثم أغلقت الهاتف في وجهه، بينما إبتسم هو بحب، وعاد مرة أخرى إلى عمله.
جلست هي أمام الأوراق ثم أخذت نفسًا عميقًا وأمسكت بالورقة السوداء وقامت بكتابة ما شعرت به مناسب، انتهت من الكتابة عليها وهي تتذكر حديث الطبيبة، ثم بعد ذلك أمسكت الورقة البيضاء ثم ابتسمت وكأنها تحمس نفسها لذلك، وأيضًا قامت بكتابة ماشعرت به مناسب، انتهت من مهمة الكتابة، ثم وضعت الأوراق في شكل منظم داخل حقيبة ظهرها الصغيرة، وبعد ذلك خرجت من غرفتها، لكي تعاون والدتها إن كانت في حاجة إليها، فهذه هي عادتها، الإنغماس الدائم في أعمال المنزل، حتى أصبحت أمهر من والدتها في تلك الأعمال، نتيجة لوحدتها، وفقرها في إمتلاك الأصدقاء فهي حتى الآن لم تملك صديقة واحدة بعد، حتى فتيات العائلة لم تستطع أيًا منهن التقرب منها، على الرغم من. محاولاتها مرارًا و تكرارًا، إلا إنهم لم يتقبلوها بينهن نظرًا لإختلاف شخيصتها عن شخصيتهم، خرجت تعرض معاونتها لوالدتها، لكن والدتها قالت بهدوء:
“البيت متروق يا خديجة إمبارح،والأكل جاهز وموجود، وكل حاجة تمام، أنا هروح أقعد مع مروة و وفاء تيجي معايا”
إبتسمت «خديجة» بتوتر ثم قالت:
“لأ يا ماما، أنا هقعد أتفرج على مسلسل هنا أو حاجة، وأنتِ خليكِ براحتك”
إبتسمت لها والدتها ثم غادرت الشقة، بينما «خديجة» تنهدت بعمق ثم قامت بفتح التلفاز وهي تبحث عن شيء تشاهده.
__________
في إحدى قُرى الصعيد وتحديدًا البيت الذي يقطن به «حسان» كانت «جميلة» جالسة في غرفتها وهي تبكي، كلما تذكرت حديثها مع والدها منذ عدة أيام، لكنها مسحت دموعها فورًا حينما سمعت إقتراب خطواته من غرفته، طرق على باب الغرفة، ولكنها لم ترد عليه، فقال بهدوء:
“براحتك أنا كدا كدا هدخل”
وبعد جملته تلك فتح الباب، وهو مُبتسمًا، بينما هي اشاحت بوجهها للجهة الأخرى حتى لا تقع عيناها عليه، جلس على الفراش بجانبها، ثم أدار وجهها له، وهو يقول بنبرة حنونة:
“قلبك مطاوعك متبصيش ليا كدا؟”
لم تستطع الصمود أكثر من ذلك أمام نبرته الحنونة، فهزت رأسها نفيًا وهي تبكي، إبتسم هو ثم قال:
“طب جالك قلبي تسيبيني أخرج على الطريق كدا من غير ما تضحكي في وشي، وإحنا بنفطر سوا؟”
هزت رأسها نفيًا مرة أخرى، بينما اتسعت إبتسامته ثم أخذها بين أحضانه وهو يقول:
“يبقى تضحكي في وشي وتيجي تفطري معايا، علشان نوال كمان زعلانة مني على زعلك”
إبتسمت له ثم قالت:
“بس أنتَ اللي هتعمل الفطار”
بادلها البسمة ثم قال:
“ماشي يا ستي طلبات الست جميلة أوامر، بس أنتِ هتساعديني على فكرة”
قفزت من على الفراش بسرعة ثم قالت:
“من عيني يلا بس”
وقف قبالتها ثم حمحم بإحراج وقال بعد ذلك:
“جهزي العرض بتاعك لحد بكرة علشان بعد ما أجيب البضاعة، وأرجع بكرة الصبح هنقعد نفكر سوا ونشوف موضوع القاهرة دا”
شهقت بقوة ثم قالت بأعين فَرِحة:
“بجد يعني أنتَ وافقت خلاص”
تحولت نبرته إلى الحزم قليلًا ثم قال:
“لأ أنا لسه موافقتش، أنا بس بقولك جهزي العرض بتاعك وأنا هحسبها وأفكر”
إحتضنته وهي تقول:
“مش مشكلة، طالما هتفكر يبقى في أمل لسه، يلا بقى نفطر قبل ما تمشي”
قالت حديثها ثم خرجت من الغرفة راكضة، بينما «حسان» نظر في أثرها بحب ثم قال:
“حتى لو صعب عليا، بس يهون علشان فرحتك دي يا جميلة”.
__________
مر اليوم بسلام وعاد «ياسين» من عمله وجلس برفقة والديه يتناول العشاء، وأثناء طعامه قالت له والدته:
“بقولك إيه يا ياسين عاوزنين نعزم مراتك يا حبيبي”
ترك «ياسين» ملعقته قبل أن يدخلها فمه، ثم سألها بهدوء:
“ليه يا ماما؟”
أجابته وهي مبتسمة:
“علشان أتعرف عليها يا حبيبي، أنا ما صدقت ربنا يكرمك وتتجوز علشان مراتك تبقى بنتي وصحبتي”
ضحك «رياض» ثم قال بسخرية:
“متصدقهاش ياض، أمك عاوزة تختبرها يعني تشد شعرها وتديها بندق تكسره بسنانها، يعني جو حماوات السبعينات دا”
إبتسم «ياسين» على حديث والده ثم قال:
“لأ وعلى إيه هي عجباني كدا، شكرًا يا حجة”
ردت عليه والدته بسرعة كبيرة:
“يابني متصدقهوش، أنا بس والله عاوزاها تاخد عليا خصوصًا إن وفاء قالتلي إنها خجولة وهادية أوي، يعني هتاخد وقت لحد ما تتعرف عليا”
شعر بالتوتر قليلًا لكنه قال بثبات:
“أنا عارف يا ماما والله، أنا وبابا بنهزر أصلًا، بس حاضر في أقرب وقت هخليها تتعرف عليكِ، خصوصًا إنها لسه يدوبك بتتعرف عليا”
وافقه «رياض» وتحولت نبرته إلى الجدية وهو يقول:
“فعلًا يا زُهرة البنت خجولة أوي، وإبنك شكله لسه في البدايات، شوية كدا عشان متتوترش”
أومأت لهما في تفهم ثم قالت:
“مفيش مشاكل مع أنِ نفسي أخرج معاها كدا وننزل نشتري حاجات سوا بس مش مشكلة هانت”
حينما سمعها «ياسين» حرك فمه بطريقة شعبية بعدما أخفض رأسه ثم قال ساخرًا بصوتٍ منخفض:
“تاخديها تشتري حاجات؟ خديجة لو سمعتك هتفتكرها حدوتة رعب”
نظر له والده فوجده يحدث نفسه فقال له بسخرية:
“أنتَ بتقول إيه ياض؟”
نظر له «ياسين» ثم نظر لوالدته وقال:
“بقول كل سنة وأنتَ طيب يا رياض”
قال جملته ثم ترك والديه وهما يضحكان خلفه، دخل غرفته وهو يبتسم بخفة، أمسك هاتفه لكي يراسلها، فكتب لها وهو يبتسم:
“عملتي الواجب ياست الكل، ولا هتقوليلي البراية ضاعت مني؟”
إبتسمت على رسالته ثم كتبت له:
“لأ متخافش عملت الواجب، أنا شاطرة أوي برضه”
إبتسم ثم أرسل لها:
“دا كدا كدا يعني، المهم بكرة متتأخريش علشان نخلص بدري مع هناء”
أنتابها الفضول، فأرسلت له:
“ليه طيب ما معاد كل مرة كويس”
أرسل لها ذلك الرمز التعبيري الذي يعبر عن الحنق ثم أرسل بعده:
“ما تسمعي الكلام بقى، هو أنتِ يوم ما هتجادلي تجادلي العبد لله؟!”
إتسعت إبتسامتها ثم أرسلت له:
“لأ وعلى إيه لا جدال ولا حاجة، حاضر هنزل بدري حاضر”
إبتسم ثم أرسل لها:
“طيب روحي شوفي وراكي إيه علشان مطولش عليكِ”
كانت ستقوم بإرسال شيئًا ما لكنها قامت بحذفه فورًا، لاحظ هو ذلك فأرسل لها:
“كنتِ هتبعتي إيه؟”
توترت من رسالته، لذلك كتبت له:
“لأ عادي كنت هقولك ربنا معاك”
لم يرد على رسالتها، لكنه قام بمهاتفتها، حينما رآت رقمه أعلى الشاشة توترت أكثر وقالت لنفسها:
“هو أنا عكيت الدنيا ولا إيه؟”
وقبل توقف المكالمة، قامت هي بالضغط على زر الإيجاب، ردت عليه بصوت متلعثم قائلة:
“نـ..نعم يا ياسين”
سألها بنبرة لا تقبل المزاح:
“قولي كنتِ هتبعتي إيه؟ ومش عاوز كدب”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“بصراحة يعني ك…كنت..خلاص بالله عليك”
أصر أكثر وهو يقول:
“قولي بس ومتخافيش، اعتبريني زيك كدا”
إبتسمت ثم قالت له:
“بصراحة يعني كنت هقولك لو مش وراك حاجة ممكن تتكلم معايا شوية”
إبتسم ثم قال لها بصوت مليء بالفرح:
“يعني بجد أنتِ كنتِ هتبعتي كدا؟ وأنا اللي كنت فاكر نفسي متقل عليكِ!”
ردت عليه بسرعة كبيرة وهي تقول:
“لأ خالص… اقصد يعني…بص أتكلم في أي حاجة وأنا هسمعك”
خفق قلبه فَرِحًا بما قالت، فهو لم يتخيل حتى لو بأحلامه أن تطلب منه مثل ذلك الطلب، لذلك تحدث بصوتٍ حاول قدر الإمكان أن يخرج طبيعي ، لكن نبرته خانته وخرج صوته مهزوزًا وهو يقول:
“وأنا مش عاوز حاجة غير إنِ أشاركك تفاصيل يومي وحياتي كلها كمان”
أبتسمت بحب ثم قالت:
“طب أحكي بس بسرعة علشان هتغدى”
إبتسم على حديثها ثم قال:
“هتبعيني بوجبة غدا يا خديجة؟ الله يكرم أصلك يا ستي، بس على العموم هحكيلك حاضر”
_________________
مر الوقت سريعًا على «خديجة» وهي تتحدث معه في الهاتف، كانت تارة تبتسم،وتارة أخرى تضحك بإتساع، على أفعاله في الصغر، وبعد فترة من المكالمة، طلبتها شقيقتها حتى تتناول وجبة الغداء معهم، فاستأذنت منه قائلة:
“معلش يا ياسين هروح آكل بقى عن إذنك”
كانت متوترة وهي تحادثه، لكنه تفهم حالتها وقال:
“روحي أنتِ كلي بألف هنا وشفا، وأنا ورايا حاجات هخلصها، وهبقى أكلمك”
أغلقت معه الهاتف وهي تشعر بالسعادة تغمرها، خرجت تتناول الطعام مع أسرتها، كانت تأكل بشهية وهذه غير عادتها، لم يلحظ ذلك سوى أبيها، الذي نظر بفرحة لها ثم وكز زوجته لكي تنظر على إبنتها، إبتسمت والدتها بحب، وظلت تدعو الله أن تظل إبنتها على ذلك الحال.
في غرفة «هدير» كانت جالسة تتصفح هاتفها، ولكنها جحظت عيناها بقوة للخارج حينما رآت ذلك الخبر، أغلقت الهاتف وهي تتأفأف، هاتفت «عبلة» بعدما أمسكت الهاتف مرة أخرى، حينما أجابت «عبلة» قالت لها «هدير»:
“إنزليلي الشقة بسرعة يا عبلة”
تعجبت «عبلة» من نبرتها ومن طلبها، فقالت:
“في إيه يا هدير ، متقلقنيش”
لم ترد على سؤالها، لكنها قالت بضيق:
“إنزلي بس يا عبلة أنا مش طايقة نفسي”
مرت دقائق قليلة، وبعدها كانت «عبلة» بداخل غرفة «هدير» فتحدثت بضجرٍ قائلة:
“خير يا هدير في إيه ، خضتيني”
كانت «هدير» تشتعل من الغيظ، فقالت بصوت مليء بالضيق:
“هو شريف فعلًا كتب كتابه على نهى حامد؟”
أومأت لها «عبلة» بلامبالاة ثم قالت:
“أيوا يا هدير فيها إيه يعني ؟”
نظرت لها بضيق ثم قالت:
“يعني اي فيها إيه ؟ بقى بعدما أنا سبته يروح يكتب كتابه على دي ؟بعد ما حفي ورايا و اترجاني اخرتها يتجوز نهى!”
بادلتها«عبلة» نفس نظرات الضيق ثم قالت:
“وفيها إيه يعني نهى مش فاهمة، هدير أنتِ ليه بتحسسيني إن البشر كلهم أقل منك؟ فيها إيه يعني لما يكتب كتابه على واحدة أنا وأنتِ عارفين إنها كانت بتموت فيه، وأنتِ بالذات أول واحدة كانت عارفة بحبها دا،ولا نسيتي يا هدير”
رفعت «هدير» أحد حاجبيها ثم قالت بسخرية:
“والله! بقيتي بتتكلمي زي خديجة و وليد يا عبلة، دي يدوبك خطوبة، أومال لما تتجوزوا هتعملوا إيه؟”
تحولت نظرة «عبلة» إلى الحزن ثم قالت:
“يارتني كنت سمعت كلامهم من بدري يا هدير، بس على العموم أنا عاوزة أقولك إن كدا كتير، كفاية آذية في الخلق بقى يا هدير، وإفرحي ليهم علشان ربنا يعوضك، وسيبك من تربية عمتك دي”
نظرت لها «هدير» بِـغل ثم قالت:
“شكرًا على النصيحة يا عبلة”
تركتها «عبلة» على مضدٍ، بينما «هدير» شعرت بالغل يتمكن منها أكثر.
______________
في اليوم التالي إستيقظت «خديجة» ببعض الحماس، وجهزت نفسها حتى تستطع النزول برفقة «ياسين»، بينما هو ذهب إلى شقة «ميمي» وكعادته نزل إلى الصلاة برفقة أصدقائه، ثم عاد مرة أخرى وبدل ثيابه قبل أن تأتي الفتيات، وحينما أوشك على الخروج من البيت وجد الفتيات الثلاثة في وجهه، إبتسم لهم ثم رحب بهم، وتم الترحيب بهما من قِبل الجميع، خرج «ياسين» من الشقة وعاد مرة أخرى وهو يقول بهدوء:
“بقولكم إيه يا بنات ينفع أطلب منكم طلب؟ دا بعد إذن ياسر وخالد وعامر”
إنتبه الجميع لحديث «ياسين»، فقال «ياسر» بهدوء:
“في إيه يا ياسين، ما تقول علطول”
أخذ نفسًا عميقًا أخرجه على مهلٍ ثم قال:
“بصراحة، مراتي معندهاش صحاب، وأنا نفسي تكونوا صحابها، بس في مشكلة هي مش بتاخد على الناس بسرعة يعني ممكن في الأول تكون متوترة وخايفة، بس هي جميلة والله وقلبها جميل، هينفع تتقبلوها وتكونوا صحابها”
نظر له الجميع بتعجب، فقالت «إيمان»:
“ما إحنا قولنالك قبل كدا عاوزين نصاحبها، مالك عامل فرق بيننا ليه؟”
أيدها الجميع في الحديث، فتدخلت«سارة» قائلة:
“هاتها و متقلقش، إحنا شوفناها يوم كتب الكتاب و حبناها ربنا يخليكم لبعض”
إبتسم بعمق ثم تنهد بأريحية وهو يقول:
“ربنا يطمنكم خلاص، أنا كام يوم كدا وهخليها تقابلكم”
إبتسم له الجميع بحماس، بينما هو غادر والبسمة تعلو وجهه، بعد قليل من القيادة كان ينتظر أسفل البناية التي تقطن بها، وفي خلال ثوانٍ كانت تقف أمامه، وهي مرتدية بنطال واسع من خامة الجينز، وقميص أسود أسفل منه تيشيرت من اللون الأبيض، وحجاب لونه مزيج بين الأبيض والأسود، كانت أنيقة إلى حدٍ كبير، ركبا السيارة سويًا بينما إبتسم لها ثم قال:
“وحشتيني على فكرة”
توترت من حديثه فقالت بهدوء:
“شكرًا بس يلا علشان منتأخرش “
إتسعت إبتسامة «ياسين» ثم قال:
“حاضر يا خديجة ، المهم عملتي اللي طلبته منك؟”
أومأت في توتر ثم قالت:
“أيوا بس خايفة منها أوي، حاسة إنِ عكيت الدنيا”
ضحك عليها ثم قال بعد ذلك:
“خايفة من إيه بس يا خديجة، هي مدرسة عربي وأنتِ مش عاملة واجب النحو؟”
نظرت له بحنق بينما أكمل هو:
“قصدي يعني إنك شاطرة علشان بتواجهي مخاوفك، وبتدوري على الأحسن علشانك وعلشاني معاكِ، دا في حد ذاته إنجاز يخليني فخور بيكِ أوي”
إبتسمت له ثم قالت بهدوء بعدما زفرت بعمق عدة مرات:
“ليه بتعمل كدا يا ياسين، علشان مين تتحمل كل دا؟”
أوقف السيارة أسفل البناية التي تقع بها عيادة الطبيبة النفسية ثم زفر بقوة وهو يقول:
“علشانك أنتِ”
يُتَبَع