“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل السابع والعشرون”
____________
كُتِبَ على ذلك القلب المسكين أن يقع في حبكِ سجين
____________
لا تسير الحياة كما نريد، فـكيف يحدث ذلك إن كنا نحن لا نعلم ماذا نريد، وما نحن سوى أناسٌ مشتتون ، نُقِشَ بداخلهم الحزن كما على الحجرِ ينقشون.
“تَعَامدت آشعة الشمس على عيناكِ فتوغل الدفء إلى قلبي”
بعد تلك الجملة التي خرجت منه دون أن يشعر بماذا يتفوه صمتت هي ولم تُعقب بينما لاحظ هو صمتها فقال:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
نظرت له وهي تبتسم بقوة تلك المرة على جملته الدائمة لها بعد أن يلقي عبارات الغزل بوجهها
قد يبدو الأمر طبيعيًا ، ولكن ما رآه أدهشه حقًا، فكان لون أعينها جميل وهاديء لدرجة مُريحة لأعصابه، بينما هي إبتسمت له ثم قالت بهدوء:
“شكرًا، بس هي لونها عادي يعني، بس في الشمس بتفتح”
حرك رأسه نفيًا ولازالت البسمة الهادئة تعلو ملامح وجهه، ثم قال:
“أبدًا والله ما عادية، دي دوبتني وأنا مكاني، حسيت بحاجة غريبة كدا مش قادر أوصفها، بس أنا قولتلهالك قبل كدا يا خديجة، كل العيون مرت منسية إلا عيونِك”
أخفضت رأسها في خجلٍ منه، بينما هو أخرج زفيرًا قويًا، ثم تنحنح يُنقي حنجرته وقال:
“المهم إعملي حسابك الفترة الجاية هننزل كتير، أنا خلاص خدت القرار، وأنتِ لازم تنفذيه”
نظرت له بأعين خاوية ثم قالت:
“أصلًا كل اللي أنتَ بتعمله معايا دا بيحسسني إنِ متقلة عليك، وحاسة إنك شايل فوق طاقتك”
إبتسم لها ثم قال:
“يا ست الكل أنا راضي وقولتلك أنا بعمل كل دا علشانك أنتِ، وعلشان أنتِ ملزومة مني خلاص”
قبل أن ترد عليه أتى النادل ووضع الطعام أمامهما، وتسأل بهدوء:
“حاجة تانية يا فندم؟”
إبتسم «ياسين» بمجاملة له ثم قال بهدوء:
“متشكر جدًا”
كانت «خديجة» تنظر بجانبها على منظر الغروب، كانت متعمدة الإنشغال عنه حتى لا تضطر لتناول الطعام، نظر لها هو ثم أخرج زفيرًا قويًا وقال بهدوء:
“يالا يا خديجة، علشان تاكلي”
حركت رأسها نفيًا ثم رسمت بسمة متوترة على شفتيها وهي تقول:
“صدقني مليش نفس آكل،كُل أنتَ بألف هنا وشفا”
رفع أحد حاجبيه، ثم نظر لها بحنقٍ وهو يقول:
“آه وماله، آكل أنا وأنتِ تتفرجي عليا، دا على أساس أنِ جايبك من سوق العبيد؟يالا يا ست الكل”
نظرت له بتعجب من تبديل لهجته ونبرته بتلك الطريقة، بينما قال هو بنبرة أعمق:
“يالا يا خديجة كُلي”
____________
إستمعت «هدير» لما تفوهت به «هيام» حيث قالت الأخيرة في هدوء:
“وليد إبن عمك كان بيتعالج مع عمر إبن عمي ،بس كلمة حق وليد إضحك عليه، لكن إبن عمي دخل الطريق دا بمزاجه، بس إزاي أنتم بيت عيلة ومتعرفوش، دا طارق و وئام هما اللي عالجوه”
حمحمت «هدير» ثم قالت بصوتٍ متلعثم:
“ها..عادي يعني هو غاب عن البيت فترة كبيرة، وساعتها إفتكرناه في شغل أو حاجة، خصوصًا إن أنا وهو مش على وفق مع بعض وكدا”
هزت رأسها في تفهم ثم قالت:
“بس الحمدلله ربنا عوضه وكرمه بعبلة أهوه، وإبن عمي برضه خطب وفرحه قرب”
إبتسمت «هدير» بتكلف ثم قالت:
“ربنا يكرمهم هما الأتنين، المهم عاوزة رقمك علشان نتكلم بقى، ربنا يعلم مقابلتك دي فرحت قلبي إزاي”
خرجت الجملة الأخيرة منها بخبثٍ كبير، بينما الأخرى إبتسمت لها ثم قالت:
“طبعًا ولازم نتقابل تاني قبل ما أسافر”
أنهت «هدير» تلك الجلسة بأخذها رقم «هيام» ثم سارت مُسرعة نحو بيتها، دخلت «البيت» ولكنها دلفت لشقة «مُشيرة» أولًا بالمفتاح المـخصص لها، دخلت الشقة فوجدت والدتها تجلس مع عمتها، تعجبا الأثنتين حينما دخلت «هدير» الشقة، فأول من تحدثت كانت «فاطمة» حينما سألتها مستفسرة:
“رجعتي بدري يعني يا هدير، مش عادتك”
تحدثت «هدير» بنبرة عادية وهي تقول:
“عادي يعني يا ماما خلصت بدري وجيت، المهم أطلعي أنتِ شوفي بابا وجهزيلي العشا”
تدخلت «مُشيرة» قائلة:
“أنا عاملة الأكل اللي بتحبيه، كُلي معايا وخلاص، أنا لسه ماكلتش”
نظرت لها «هدير» نظرة ذات مغذى، ثم قالت:
“خليها بس تطلع تشوف بابا علشان ميشدش عليا لما أطلع”
فهمت «مُشيرة» أن إبنة أخيها تود أن تخبرها شيئًا هامًا، لذلك أردفت بهدوء:
“خلاص روحي شوفي محمود يا فاطمة، وتعالي تاني وعرفيه إنها معايا هنا، بدل ما يكون دا كله فاكرها برة البيت”
نفخت وجنتيها بضيق ثم قالت بضجرٍ:
“ماشي يا مُشيرة أنتِ و هدير، لما أشوف أخرتها معاكم”
خرجت من الشقة، فإقتربت «مشيرة» من هدير وهي تقول:
“ها قوليلي خليتي أمك تطلع من الشقة ليه، أكيد عاوزة تقولي حاجة مهمة”
أومأت «هدير» بقوة ثم قالت:
“أيوا و حاجة هتريح قلبك كمان”
أنتاب الفضول «مُشيرة» فقالت بسرعة كبيرة:
“قولي بسرعة في إيه وبخصوص مين”
إبتسمت «هدير» بإتساع ثم قالت:
“أنا عرفت الفترة اللي وليد أختفى فيها من البيت كان فين”
نظرت لها «مُشيرة» بسخرية ثم قالت:
“يا فرحة فاطمة بكِ ياختي، ما كلنا عارفين إنه كان عند خاله إبراهيم في السويس علشان يساعده في المصنع بتاعه”
رفعت «هدير» حاجبها ثم قالت بثقة:
“دا اللي أنا وأنتِ والعيلة كلها عارفاه، اللي متعرفيهوش بقى إن وليد كان ساعتها بيتعالج في مصحة إدمان”
إتسعت حدقتي «مُشيرة» و رفرفت بأهدابها الكثيفة عدة مرات، ثم قالت بنبرة مهتزة:
“أنتِ بتقولي إيه يا هدير؟ بقى وليد كان مدمن ! أنتِ متأكدة من كلامك دا؟”
أكدت «هدير» حديثها بنبرة أكثر قوة وهي تقول:
“والله العظيم زي ما بقولك، عرفت من هيام اللي كانت معايا في الجامعة، عمر إبن عمها كان مع وليد في نفس المصحة وهي شافته هناك وكان طارق و وئام عنده”
نظرت «مُشيرة» أمامها بشرود وهي تتذكر موقف «مروة» تجاهها بعدما ألقت «مُشيرة» التُهم على «زينب»، وقتها وقفت «مروة» تدافع عن صديقتها بقوة وهي تقول:
“زينب متعملش كدا أبدًا يا مُشيرة، زينب عمرها ما تخرب بيت حد ولا عمرها تفضح حد”
إقتربت منها «مُشيرة» وهي تصيح بصوتها المرتفع قائلة:
“وهو أنا هفتري عليها ليه، محدش غيرها يعرف حاجة عن الجوابات دي ولا الصور”
تحولت نظرة «مروة» إلى العِتاب وهي تقول:
“وهو إيه اللي يخلي واحدة محترمة يا مشيرة تشيل معاها الحاجات دي وهي على ذمة راجل تاني؟”
نظرت لها «مُشيرة» بقوة وهي تقول:
“يعني أنتِ هتسيبي غلط زينب وتمسكي فيا تغلطيني يا مروة، ولا هي علشان صاحبتك؟”
نفخت «مروة» وجنتيها بضيق ثم قالت:
“أنتِ اللي غلطانة يا مُشيرة، واحدة زيك على ذمة راجل تفكر في راجل تاني إزاي، وإيه اللي يخلي بينكم جوابات وصور من قبل ما تكوني على ذمته، أنتِ غلطتي يا مُشيرة، واللي حصل دا عقاب من ربنا لكِ”
خرجت «مُشيرة» من قوقعة زكرياتها على صوت إبنة أخيها وهي تقول بصوتٍ عالٍ:
“يـــا عــمـتـو، إيـــه روحـتي فين؟”
هزت «مُشيرة» رأسها ثم قالت:
“إيه يا هدير أنا معاكِ أهو”
نظرت لها «هدير» بشكٍ ثم قالت:
” آه ماهو واضح إنك معايا، سرحتي في إيه؟”
تنهدت «مُشيرة» ثم قالت:
“سرحت في الأيام، زمان مروة ذمت في حقي، وقالتلي إن اللي حصل ليا دا عقاب من ربنا، وأهو ربنا عاقبها في الحيلة إبنها”
ربتت «هدير» على كفها ثم قالت:
” علشان تعرفي إنهم هيشوفوا الويل في حياتهم، المهم هنعمل إيه بعد ما عرفنا، نقول للعيلة ولا إيه؟”
إبتسمت «مُشيرة» ثم قالت:
“لأ مينفعش دلوقتي خالص، أستني شوية كدا، لما أظبط زينب هي كمان، علشان ناري تكون بردت من ناحية الأتنين”
أومأت لها «هدير» ثم قالت:
“طب أعرف عبلة ولا إيه رأيك، هي أكيد متعرفش، وطارق عمره ما هيعرفها حاجة زي دي”
نظرت «مُشيرة» أمامها ثم قالت:
“لأ دي عاوزة حِسبة تانية خالص يا هدير”.
____________
في داخل المطعم، قام «ياسين» بمخادعة «خديجة» حيث إستمر في أحاديثه الغريبة وهي معه بكامل تركيزها، وكان بين الحين والآخر يشير لها بأعينه حتى تتناول الطعام، كانت تفعل كما يريد وتتناول الطعام، في بادئ الأمر كانت تشعر بالتوتر، لكن خدعة «ياسين» لها أنطوت عليها وتناولت الطعام، وحينما لاحظ «ياسين» إنتهاء طعامها زفر بإرتياح ثم قال:
“الحمد لله تمت المهمة بنجاح”
نظرت له بتعجب من جملته، فوجدت إبتسامة لهوٍ و تسلية على وجهه، وجهت بصرها نحو الأطباق، فجحظت عيناها للخارج وهي مندهشة حينما رآتها فارغة، تحولت نظرتها إلى الخجل بينما هو قال بنبرة حنونة:
“أنا مش عاوزك تتكسفي كدا، أنا عاوزك تفرحي إنك غلبتي خوفك وعملتي حاجة من زمان خوفك منعك منها”
رفعت بصرها تنظر له ثم قالت بتوتر:
“بـ…بس أنا كلت من غير ما أحس فعلًا”
أومأ لها مؤكدًا ثم قال:
“ودا اللي أنا كنت عاوزه أصلًا، المهم يلا علشان نلحق اليوم قبل ما أروحك البيت”
أومأت له في هدوء وهي تشعر بالتوتر والسعادة معًا، ولكن تفكيرها إنتقل إلى نقطة أُخرى وهي كيف يحدث لها ذلك برفقته، وكيف تطمئن إلى هذه الدرجة وهي معه.
دفع «ياسين» الحساب وخرج من المطعم برفقتها، ركبا السيارة سويًا، فسألته هي بتوتر:
“هو…هو إحنا يعني…هنروح فين بعد كدا؟”
إبتسم لها ثم غمز بطرف عينه وهو يقول:
“بذمتك موحشكيش عصير القصب باللبن؟”
إبتسمت له ثم أماءت له إيماءة بسيطة، بينما هو شَرَعَ في القيادة، وبعد ثوانٍ وجدته، يقوم بتشغيل الموسيقى داخل السيارة نظرت له متعجبة فوجدته يقول بهدوء:
“دلوقتي بقى هفتح الشباك وطلعي راسك من العربية”
نظرت له متعجبة فوجدته يومأ بتأكيد ثم قام بفتح نافذة السيارة، بعد ذلك قام برفع الصوت بينما هي نفذت ما طلبه منها، وأخرجت رأسها من السيارة كانت نسمات الهواء تداعب وجهها، وفي خلال ثوانٍ إتسعت بسمتها، ثم أخرجت كفها تلوح به في سعادة دون أن تدري ماذا تفعل، كان يراقب هو حركاتها تلك وقلبه يرقص فَرِحًا نتيجة لفرحتها البادية على ملامح وجهها، وقبل أن يصل إلى المكان المنشود قام بتغير وجهته حتى تستطع هي الإستمتاع لمزيد من الوقت، وبعد فترة من القيادة كانت هي تراقب الشوارع المتكدسة بالزحام، والبسمة تعلو وجهها، وكلما رآت مجموعة أصدقاء مع بعضهم البعض يضحكون سويًا، تمنت أن تفعل مثلهن، كان هو يراقب تَصرفاتها عن كثب، وفي النهاية أوقف السيارة عند العربات المخصصة لعمل العصائر، ثم قال بهدوء:
“ننزل هنا ولا نلف تاني بالعربية اللي أنتِ عاوزاه أنا معاكِ فيه”
إبتسمت له بمجاملة ثم قالت بهدوء:
“لأ ننزل هنا خلاص”
أومأ لها ونزلا سويًا من السيارة، أجلسها على المقعد بجانب العربة ثم جلس بجانبها كانت تنظر له بإهتمام وكأنها تراقبه، بينما هو نظر لها ثم قال والضحكة مرسومة على وجهه:
“إيه يا ست الكل مالك بتبصيلي كدا؟”
شعرت بالإحراج ولكنها قالت بهدوء:
“هو أنتَ إزاي كدا؟ أو أنتَ إيه يا ياسين، يعني لسه في زيك أصلًا؟”
فهم ما تفكر به فقال بهدوء:
“أنا إزاي كدا، علشان أنا إنسان من لحم ودم ومشاعر طبيعي أحس باللي حواليا، أنا إيه بقى ..فأنا إنسان قلبه حَب بجد، في زيي ولا لأ؟ آه يا خديجة في مني كتير الدنيا زي ما فيها الوحش فيها الحلو كمان”
أومأت له في هدوء ثم قالت:
“طيب وهو كل اللي قلبه بيحب بيعمل زيك كدا”
ضحك بقوة ثم قال:
“كل واحد على حسب طبعه، يعني اللي طبعه حنين هتلاقي تصرفاته حنينة، واللي طبعه شديد هتلاقيه غصب عنه قلبه بيلين، الخُلاصة يعني الحب بيغير يا خديجة”
أومأت له ثم قالت وهي تبتسم:
“طب و أنتَ طول عمرك قلبك حنين كدا؟”
إتسعت بسمته ثم قال:
“يعني أنا طبعي الحنية، وكنت متأكد إنِ هكون رومانسي، بس في العادي مكنتش كدا”
وبنفس البسمة المرتسمة على وجهها قالت:
“طب إيه اللي حصل وغيرك كدا؟”
نظر لها بحب ثم قال:
“اللي حصل إنه خلاص جت اللي شغلت بالي و شقلبت حالي”
إتسعت إبتسامتها اكثر من ذي قبل، ثم أخفضت رأسها في خجلٍ، وثوانٍ وأتى «حمادة» بالعصير دون أن يطلبه منه «ياسين» ثم قال مُبتسمًا:
“أنا قولت مش معقول إن أستاذ ياسين يكون هنا ويطلب حاجة غير القصب باللبن، علشان كدا جبته من غير ما حضرتك تطلبه”
إبتسم «ياسين» له ثم قال:
“جدع يا حمادة، كل مرة بقى تشوفني هنا، تجهز العصير”
أومأ له الشاب ثم أشار إلى عيونه وهو يقول:
“من عيوني الأتنين يا أستاذ ياسين”
رحل الشاب بينما هو سألها بذوق:
“خديجة لو العصير فعلًا مش عاجبك قوليلي أجبلك حاجة تانية”
نظرت له باستغراب ثم قالت:
“ليه بتقول كدا؟”
هز كتفيه ثم قال:
“عادي يعني علشان لو مش عاجبك أو نفسك في حاجة تانية”
هزت رأسها نفيًا ثم قالت بهدوء:
“لأ خالص والله، عجبني جدًا وكمان حبيته”
غمز لها ثم قال بخبثٍ:
“يا بخته عقبال ما أتحب أنا كمان”
أمسكت العصير بسرعة كبيرة ثم أشاحت بصرها للجهة الأُخرى لكي تُخفي عنه خجلها، بينما هو ظهرت التسلية على وجهه.
___________
في بيت آلـ «رشيد» جلس «طارق» على التراث وهو ممسكًا بصورتها ينظر لها، ثم بعد ذلك رفع رأسه ينظر إلى القمر، تنهد بعمقٍ ثم تسأل:
“يا ترى شكلك بقى عامل إزاي دلوقتي، وياترى فيكِ من طبع مُشيرة، ولا زي ما زينب علمتك، يارب تكوني لسه زي ما أنتِ”
أتى «وئام» وجلس بجانبه على الأريكة الموضوعة فوق التراث، لم يستطع «طارق» أن يخفي الصورة، نظر له رفيق عمره بحزن ثم ربت على كتفه وقال:
“أدعي ربنا يجمعك بيها، والله هترجع وهتطلع عايشة”
نظر له «طارق» بحزن ثم قال:
“والله قلبي مش راضي يصدق غير أنها موجودة، حاسس أن الوعد اللي قطعته على نفسي ليها رابطني من رقبتي”
احتضنه «وئام» ثم قال بحنو:
“يبقى أمشي ورا قلبك دا، وصدقني هتكسب”
ثم بعد ذلك قرر تغير مسار الحديث بقوله:
“قولي صحيح أنتَ جايب الثقة في الواد أحمد منين؟ وإزاي قادر تسلمه حاجات كبيرة زي دي؟”
تحولت نبرة «طارق» إلى الحزن ثم قال حينما تذكر الماضي:
“خايف اللي حصل لـ وليد يحصل لأحمد، إحنا لو كنا ركزنا معاه كان عمره ما هيحصله كدا، ويضيع سنة من عمره في الهوا”
تفهم «وئام» حديث «طارق» فقال بهدوء:
“وعلشان كدا أنا مركز مع أحمد، يعني كل واحد فينا يركز مع واحد منهم”
أومأ له «طارق» ثم قال بهدوء:
“إحنا هنا كلنا واحد يا وئام، يعني مفيش حد فينا يختلف عن التاني، ودا اللي عاوز وليد وأحمد يفهموه”
قبل أن يُعقب «طارق» على حديثه وجد «وليد» يركض من «أحمد» إلى التراث بعدما صفعه بقوة على وجهه، إختبأ خلف «وئام» وهو يقول:
“أنا في حمايتك يا وئام”
نفخ «طارق» وجنتيه ثم هز رأسه بيأس وهو يقول:
“يا بني أنتَ وهو أكبروا بقى، عيب عليكم، وأنتَ يا وليد ما تتلم بقى ولا أقولك غور من هنا وريحنا”
نظر له «وئام» بسخرية ثم قال:
“واللهِ؟ أومال فين الأحتواء و وليد وأحمد أخواتنا ونركز معاهم؟! كله كلام في الهوا”
أمسك «طارق» «وليد» من عنقه ثم قال:
“يعني وحياة ربك دا واحد ينفع معاه عقل، دا واحد ينفع أعامله بهدوء؟”
أبعد «وليد» نفسه عن «طارق» ثم قال بطريقة درامية:
“خلاص يا جماعة أنا فعلًا متقل عليكم، وزودتها أوي خلاص كدا، أنا هنزل أقعد مع عبلة، هي الوحيدة اللي هتستحملني”
وقبل أن يخطو خطوة واحدة من مكانه، صدح صوت «طارق» عاليًا وهو يقول:
“لو رجلك خطت خطوة واحدة برة السطح، هلبسك الكفن، أقف عندك يلّا”
ولكن «وليد» قرر أن يستفزه ثم ركض في جميع أنحاء السطح وفي كل مرة يوهم «طارق» أنه سيهبط الدرجات، وبعد قليل شاركهم «أحمد» و «وئام» الركض وضحكاتهم مرتفعة في منظر محبب للقلب.
في الأسفل توقفت سيارة «ياسين» أمام البناية، كانت «خديجة» تنظر له باطمئنان، فنظر لها هو ثم إبتسم من نظرتها له وقال:
“يعني أنا لو فاهم صح، دي نظرة مطمنة وفرحانة صح؟”
أومأت له في هدوء، فتنهد هو بأريحية ولكنه أمعن النظر لها فشعر أنها تود أن تسأله عن شيئًا ما فقال بهدوء:
“وبرضه شكلك عاوزة تسألي عن حاجة، فياريت تسألي من غير خوف”
شعرت بالتوتر من قدرته على قراءة أفكارها، لكنها أخذت نفسًا عميقًا ثم باغتته بسؤالها:
“هو أنتَ ممكن تسيبني أو تبعد عني؟”
فهم ما تفكر به، فإبتسم لها بهدوء ثم قال:
“قوليلي إزاي أقدر أعمل كدا يا خديجة، إزاي وأنا قلبي بقى ملوش غيرك”
نظر لها وجد نظرتها مازالت قَلِقة، فتنهد بعمقٍ ثم قال:
“أخبريني كيف أنساكِ، فَـوالله كتب على قلبي المسكين أن يقع في حبكِ سجين”
إبتسمت بإتساع أكثر ثم تنهدت بإرتياح، بينما هو تبدلت نبرته وقال بطريقة هادئة بعدما نقى حنجرته:
“بصي يا خديجة الحياة دي إمتحان، وكلنا مجبورين على خوض الإمتحان دا، اللي أنا عاوزه منك إنك تكوني جاهزة وتكملي الإمتحان للأخر، حتى لو أنا مش معاكِ”
إنتابها الخوف من حديثه، فإلتفتت له تسأله بقلق:
“هو أنتَ ليه بتقولي كدا،هو أنتَ ممكن متكملش معايا؟”
هز رأسه نفيًا بهدوء ثم قال بنبرة رخيمة:
“لأ يا خديجة أنا عمري ما أبعد عنك بإرادتي ودا لو حصل هيكون غصب عني”
أوشكت على ذرف الدموع فقالت بنبرة مُتأثرة:
“إزاي غصب عنك؟”
هز كتفيه ثم قال:
“مش عارف يا خديجة، كل اللي أعرفه إن أنا مقدرش أسيبك، بس في حاجة ممكن تفرقنا ودي مش بإيدي”
نظرت له مُتعجبة فوجدته يومأ لها ثم قال:
“الموت يا خديجة ،هو دا بس اللي هيفرق بيننا”
تحولت نظرتها إلى الخوف وهزت رأسها نفيًا ثم قالت:
“متقولش كدا، إن شاء الله دا مش هيحصل”
بعد حديثها بكت بقوة ثم شهقت، تعجب هو من حالها فإقترب منها وأخذها بين ذراعيه، بينما هي ظلت تنتحب بشدة في حضنه، ربت هو على ظهرها بهدوء ثم قال:
“مالك بس إيه اللي زعلك ووصلك لكدا ؟”
خرجت من بين ذراعيه وهي تمسح دموعها، ثم قالت:
“كلامك يا ياسين، هو دا اللي زعلني، فكرة إنك تسبني دي صعبة، أنا ما صدقت أطمن مرة واحدة في حياتي”
إبتسم لها ثم قال بصوت مليء بالفرح:
“بجد يا خديجة، يعني أنتِ مطمنة معايا، وخايفة أنِ أسيبك”
أومأت له في خجلٍ، بينما هو أخذها بين ذراعيه مرة أخرى من فرحته ثم قال:
“وأنا مش عاوز حاجة تانية غير دي والله، وربنا يقدرني وأفضل دايمًا مطمنك كدا”
أومأت داخل حضنه بهدوء، وبعد ثوانٍ إنتبهت لوضعهما سويًا، فخرجت من بين ذراعيه بسرعة كبيرة، بينما هو تنحنح في حرجٍ ثم قال:
“طب يالا أركبك الأسانسير، علشان الحق أرجع أنا بقى”
أومأت له في هدوء ثم مسحت دموعها، نزل هو من السيارة ثم تبعته هي، وقف أمام المصعد ثم قال بهدوء:
“أنا مش هعرف أطلع النهاردة، بس هبقى أكلمك،ماشي؟”
إبتسمت له ثم قالت بهدوء:
“حاضر”
وصل المصعد وقبل أن تدلفه،عادت تقف بقربٍ منه وهي تقول في هدوء:
“ممكن أقولك على حاجة؟”
أومأ لها مُتعجبًا، بينما هي قالت بنبرة مهتزة:
“أنا النهاردة تاني أحلى يوم في حياتي”
نظر لها مُستفسرًا ثم قال:
“وإيه هو أول يوم حلو؟”
أخفضت رأسها ثم قالت بخجلٍ:
“يوم ما إتقابلنا بعد كتب كتابنا، يوم ما أعترفتلي بِحُبك”
أمسك وجهها بين كفيه ثم قال بنبرة حنونة:
“ربنا يقدرني وأخلي كل أيامك حلوة”
ثم طبع قبلة بسيطة على جبهتها، بينما هي تعالت دقات قلبها من فرط تلك المشاعر والأجواء المتوترة ،إبتعد عنها ثم قال:
“طب يالا أطلعي، وأنا هكلمك”
صعدت إلى شقتها بينما هو ركب سيارته، ثم شَرَعَ في القيادة، دخلت «خديجة» الشقة والبسمة تعلو ملامح وجهها، ألقت التحية على الجميع ثم دخلت غرفتها جلست على الفراش ثوانٍ معدودة، ثم وقفت تدور حول نفسها بسعادة وكأنها طفلة صغيرة ترقص فرحًا تحت الأمطار، بينما هو قام بمهاتفتها قبل أن يصل إلى شقة «ميمي» توقفت عن الدوران عندما تهادى إلى مسامعها صوت هاتفها، أمسكت الهاتف وهي تشعر أن قلبها أوشك على الوقوف من سرعة نبضاته، قامت بفتح المكالمة، بينما هو كل ما وصله منها فقط صوت تنفسها العالي، فقال بخبثٍ:
“إيه يا خديجة أنتِ شكلك كدا كنتِ بتتنططي من الفرح صح؟”
إتسعت حدقتيها بدهشة حينما قام بتخمين ما كانت تفعله، بينما هو لاحظ صمتها فقال بضحكة واسعة:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
حمحمت بإحراج ثم قالت:
“لأ..لأ عادي يعني كنت بدور على حاجة مهمة بس”
تحولت نبرته ثم قال:
“مع أني مش مقتنع، بس ماشي يا خديجة، المهم عاوزة حاجة؟”
هزت رأسها ثم قالت بهدوء:
“عاوزة سلامتك”
إبتسم على جملتها، ثم قال:
“وأنا سلامتي في إنك تكوني فرحانة وبخير”
أغلق «ياسين» المكالمة مع «خديجة» ثم صعد إلى شقة «ميمي» وجد الشباب في إنتظاره، دخل وألقى التحية على الجميع بوجهٍ بشوش إثر حديثها له، جلس بجانب «ميمي» فقالت له بحنو:
“تشرب إيه؟”
حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ شاي إيه بصراحة أنا جعان”
نظر له الجميع بدهشة بينما تحدث «خالد» قائلًا:
“هو الواد عامر جابلك عدوى ولا إيه”
وقبل أن يُجيب «ياسين» تدخل «عامر» مُعقبًا:
“ما أنا قاعد في حالي، مالكم ومالي يا جماعة”
رفع «ياسين» كفه ثم قال:
“لامؤاخذة يا عامر، عندي دي”
فسألت «ميمي» «ياسين» قائلة:
“جعان فعلًا يا حبيبي؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قال:
“آه والله جعان وعاوز آكل”
تحدث «ياسر» قائلًا:
“ياسين مبيجوعش كدا غير لو كان مبسوط، صح؟”
إبتسم «ياسين» بسعادة بالغة ثم قال:
“الله ينور عليك يا دكتور ياسر، بالظبط أنا فرحان”
تدخل «خالد» قائلًا:
“طب يا سيدي ربنا يفرح قلبك دايمًا، المهم إحنا عملنا سمك مقلي و مشوي، هتلاقي جوه سمكتين واحدة مقلية، والتانية مشوية”
أومأ «ياسين» في هدوء ثم دخل المطبخ، بينما «عامر» توتر ثم تصنع الإنشغال في هاتفه، كان «خالد» يراقبه، ثم وكز «ياسر» وقال بعد ذلك:
“أنتَ هببت إيه يا عامر؟”
هز «عامر» كتفيه ثم قال وهو يتصنع الثبات:
“وأنا هعمل إيه يعني، معملتش حاجة”
وقبل أن يُعقب «خالد»، خرج «ياسين» من المطبخ مُتزمرًا ثم قال:
“أنتَ بتشتغلني يا خالد، لقيت سمكاية واحدة مقلية ومفيش مشوي”
رفع «خالد» أحد حاجبيه وهو يوجه بصره نحو «عامر»، بينما «ميمي» و «ياسر» إتسعت ضحكاتهما، تحت نظرات التعجب من «ياسين» الذي قال:
“ما تفهموني في إيه يا جماعة؟”
حرك «خالد» رأسه نحو «ياسين» ثم قال:
“لأ عادي، دا عامر كان بيختبر الأكل”
وضع «ياسين» الطعام على الطاولة ثم قال:
“ليه يا عامر يا حبيبي؟ أنتَ علطول مخلص على الأخضر واليابس كدا؟”
هز «عامر» كتفيه بلامبالاة ثم قال:
“أنا هفهمك أنا روحت وصلت سارة رجعت جعان، ملقتش غير أكل أخويا أعمل إيه يعني؟”
رد عليه«ياسر»:
“يابني جايب نفس منين، دا إحنا كلنا مش هناكل غير بكرة”
رد عليه «عامر» بضجرٍ:
“الله، في إيه يا ياسر، عندي سوء تغذية”
رد عليه «ياسين»:
“لأ يا حبيبي وأنتَ الصادق دي سوء تربية”
أومأ له «عامر» ثم قال بهدوء:
“بص مش هجادل معاك كتير أنا فعلًا متربتش”
وافقه الجميع في الحديث حتى «ميمي»، وبعدما تناول «ياسين» الطعام، ادخل الصحون ثم قام بغسلها و قام بعمل الشاي له و للجميع، جلس بجانبهم يحتسي الشاي، فسألته «ميمي»:
“قولي بقى إيه اللي مفرحك أوي كدا”
هز كتفيه ثم قال:
“عادي يعني، كنت خارج مع مراتي واتكلمنا سوا، طبيعي أرجع فرحان”
نظر الجميع له، بينما تحدث «عامر» بخبثٍ:
“بس اللهم صلِ على النبي، حالك إتشقلب، يا جدع دا أنتَ وشك منور كأنك بتخرج مع لمبة”
ضحك الجميع على حديث «عامر» بينما «ياسين» نظر له بضيق ثم قال:
“مفيش مرة أتكلم برومانسية ويسيبني أكمل، يأخي أرحم أمي”
ضحكوا جميعًا على منظره الحانق، بينما سأله «ياسر»:
“المهم إنك فرحان، مش مهم بقى إيه الأسباب”
أومأ له «ياسين» ثم قال:
“أنا بس سؤالي إزاي القلب الساكن بعد ظهورها هي دَق”
إبتسم الجميع، فتدخل «خالد» قائلًا:
“ولا إزاي القلب القاسي ليها رَق”
أتى دور «ياسر» فقال:
“ولا لما تزعل منك، تحسي إن الدنيا ماشية معاك بالزَق”
فكان «عامر» أخر من تحدث حينما قال:
“كله كوم وضحكتها كوم تاني، تحسسك إن الدنيا كلها معاك على حَق”
نظروا جميعًا إلى بعضهم البعض، ثم إنفجروا في الضحك بعد ذلك، بينما «ميمي» تحدثت بسخرية قائلة:
“يا فرحتي بيكم، وعلى اللي الحب عملوا فيكم”
ثم بعد ذلك تحولت نبرتها إلى الحنان وهي تقول:
“بس عارفين أنا فرحانة ليكم أوي، علطول كنت بحس فرحتي بعامر و خالد ناقصة علشان ياسين و ياسر، لحد ما ياسر كتب كتابه على إيمان، وبعدها ياسين، ساعتها كدا فرحتي كملت إن كل واحد فيكم بقى مع نصه التاني”
أومأ لها الجميع في هدوء والبسمة تُزين وجوههم جميعًا وكلًا منهم يتذكر شريكة عمره .
_____________
داخل غرفة نوم «طه» كان جالسًا وهو يفكر في تغير حال إبنته الذي أصبح ملحوظًا للجميع، إقتربت منه «زينب» ثم جلست على الفراش وهي تقول:
“شوفتها كانت داخلة فرحانة إزاي ؟ أنا قلبي كان بيرقص وأنا شايفاها فرحانة كدا يا طه”
نظر لها بحزن ثم قال:
“وأنا قلبي وجعني يا زينب، بنتي ومش قادر أكون سبب فرحتها، ويجي الغريب هو اللي يكون سبب في فرحتها كدا، أنا لو عليا دلوقتي عاوز أروح أبوس راسها، بس هي هترضى؟”
نفخت وجنتيها بضيق منه ثم قالت:
“عارف مشكلتك إيه يا طه؟ إنك ضعيف، يعني مش بتقدر تاخد قرار، عاوز بنتك في حضنك وأنتَ مبتاخدش أي خطوة لدا، وعاوزها تكون فرحانة علشان تنسى اللي حصلها زمان، وفي نفس الوقت صعبان عليك إن الفرحة دي سببها حد تاني غيرك ، أنتَ كدا أناني يا طه”
قالت حديثه ثم إعتدلت وأخذت وضع النوم، بينما هو كان يفكر في حديث زوجته، فهو غير قادر على تكذيبها ، فكل ما قالته عنه صحيح، لكن شخصيته أضعف من إنه يعترف بذلك.
_______________
بعد مرور عدة أيام أتى يوم الجلسة التالية لـ «خديجة» بعدما هاتفته الطبيبة، وأخبرته بموعد الجلسة، بعدما أنهى «ياسين» وقف أسفل البناية التي تقطن بها، نزلت هي له وهي مبتسمة، نظر لها مُتعجبًا ثم قال:
“يارب تكون الضحكة الحلوة دي علشان شوفتيني”
هزت رأسها موافقة ثم قالت:
“بصراحة آه من غير كدب يعني”
فتح لها باب السيارة ثم قال بنبرة خالية:
“طب أدخلي يالا يا ست الكل”
تعجبت منه ولكنها دخلت السيارة، فعل هو المثل وركب سيارته، شَرَعَ في القيادة دون أن يتفوه بِـحرفًا، نظرت هي له بتعجب ثم قالت:
“هو أنا زعلتك طيب، إيه اللي حصل؟”
حرك رأسه نفيًا ثم قال وهو يضحك بقوة:
“بصراحة إتفاجأت وفرحت اللي هو لقد هُرمنا يا ست خديجة”
إبتسمت بخجل ثم قالت:
“يعني حاجة من اللي عليا”
ضحك على حديثها ثم قال بسخرية:
“حاجة من اللي عليكِ؟! هي جمعية بنردها لبعض يا خديجة، أنا مش عاوزك تعملي حاجة ليا علشان تكون مقابل ليا، لو هتعملي الحاجة علشان طالعة من قلبك يبقى دا اللي يفرحني”
أوقف السيارة أسفل العيادة، بينما هي كان حديثه يدور برأسها، أشار لها مُبتسمًا لكي تنزل من السيارة، نزلت هي وهو يسبقها، حينما ذكرت الموظفة إسمها لكي تدخل، أمسك هو كفها وحينما أمسك مقبض الباب لكي يفتحه، مالت هي على أذنه ثم قالت:
“على فكرة بقى أنا فعلًا ضحكت لما شوفتك علشان دي حاجة فعلًا بتفرحني”
نظر لها مُتعجبًا والبسمة تعلو ملامح وجهه رويدًا رويدًا، ثم بعد ذلك دخلا سويًا إلى الطبيبة التي رسمت بسمة هادئة على وجهها حينما رآتهما سويًا، ثم قالت:
“أتمنى يكون في تطور ملحوظ إن شاء الله”
إبتسمت«خديجة» بتوتر، بينما «ياسين» قال بهدوء:
“الصراحة التطور باين وملحوظ جدًا، حتى أنا وهي أكلنا في مطعم المرة اللي فاتت”
سألتها الطبيبة مُستفسرة:
“دا بجد يا خديجة فعلًا؟”
أومأت «خديجة» في هدوء وهي تبتسم ثم قالت:
“أنا كمان حاسة إن نظرتي أختلفت في حاجات كتير، أو الخوف مبقاش بنفس النسبة”
أومأت الطبيبة ثم قالت:
“دا طبيعي طول ما أنتِ بتنفذي اللي بطلبه منك، المهم لسه مستمرة على كتابة السلبيات والإيجابيات وبتقطعي السلبيات ؟”
أومأت «خديجة» في هدوء، بينما الطبيبة نظرت إلى «ياسين» ثم قالت:
“أستأذن حضرتك يا أستاذ ياسين تنتظرها برة؟”
أومأ «ياسين» في هدوء ثم خرج من الغرفة، بينما الطبية نظرت لها تسألها في هدوء:
“قوليلي يا خديجة، كنتِ حاسة بإيه وأنتِ جاية النهاردة؟”
تنهدت براحة ثم قالت:
“مش عارفة بس كنت حاسة إنِ متحمسة أو الخوف أقل من قبل كدا، بس مش عارفه السبب”
إبتسمت الطبيبة في تفهم ثم قالت:
“دا طبيعي يا خديجة، علشان أنتِ واجهتي خوفك مرتين ورا بعض، وخلاص المكان بالنسبة لكِ رهبته مش موجودة، زي بالظبط لما كلتي في المطعم صح؟”
أومأت «خديجة» في هدوء ثم قالت:
“بالظبط، الخوف في الأول كان موجود بس بعد كدا حاسة إنه بيقل”
أتفقت معها الطبيبة ثم قالت:
“الرُهاب الإجتماعي يا خديجة عامل بالظبط زي اللي واقف بين بابين واحد بيولع والتاني في مطر، هو واقف عند النار وخايف يروح للمطر علشان ميغرقش، بس لو حسبناها هنلاقي إن المطر أرحم من النار، بمجرد بقى ما يعدي ناحية المطر يفرح ويلاقي نفسه عارف يتصرف، هو دا بالظبط إحساسك الرهبة الأولى، بس أنتِ خلاص كدا عقلك الباطن دلوقتي يقدر يميز بين الأتنين”
أومأت لها «خديجة» ثم قالت:
“طب ولو أنا مش قادرة؟”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت:
“لأ يا خديجة أنتِ لو حطيتي في دماغك إنك مش هتقدري يبقى فعلًا مش هتقدري، المهم عاوزين نزود التجمعات والخروجات أكتر، ويفضل لو متقعديش في أوضتك لوحدك كتير، لأن دا بيسبب آثار مضادة لتطورات شخصيتك”
أومأت لها «خديجة» ثم بعد ذلك خرجت إلى «ياسين» الذي تعجب وقال:
“خلاص كدا النهاردة؟”
أومأت له في هدوء فأضاف هو قائلًا:
“واضح كدا إنك شاطرة أوي وبتنفذي كلامها بالظبط”
أتسعت بسمتها ثم قالت:
“دا علشان أنتَ بتساعدني بس”
نظر لها مُتعجبًا ثم قال:
“لأ والله أنا مش هقدر على كدا”.
نزلا من العيادة سويًا وركبا السيارة، وبعد فترة من القيادة أوقف السيارة أسفل منزل «ميمي» فنظرت له مُتعجبة، بينما هو قال:
” في حد هنا عاوز يشوفك من أول يوم أنا شوفتك فيه”
سألته مُستفسرة بتوتر:
“حد مين دا؟”
نزل من السيارة ثم أنزلها بعده برفق، إحتل الخوف معالم وجهها بينما هو قال بهدوء:
“أنا مفيش حاجه ممكن تزعلني غير إني أشوف نظرة الخوف في عينيكِ، خليكِ واثقة فيا يا خديجة”
أومأت له في توتر ولم تستطع أن تجيبه وكأن صوتها هَرِب منها، صعدت معه ولكنها تعجبت حينما رآته يأخذ المفتاح ويقوم بفتح الباب، دخل هو قبلها وتركها أمام الباب، كانت مُتعجبة من أفعاله، لكن التعجب زاد حينما رآته يبتسم بإتساع وهو يقول:
“تعالي حظك حلو إنها مش نايمة دي فرحانة إنها شافتك”
لم يمهلها فرصة للتفكير، بل أخذها بسرعة كبيرة إلى الداخل ثم أغلق الباب بعد ذلك، دخلت معه إلى الشرفة وإتسعت حدقتيها حينما رآت إمرأة عجوز، تجلس على مقعد مُتحرك وهي تبتسم بإتساع ثم قالت:
“البيت نور بوجود الغالية مرات الغالي”
________________
في بيت «حسان» كانت «جميلة» جالسة في ردهة البيت الواسعة تشاهد التلفاز وهي منتظرة أبيها حتى يعود من عمله، وماهي إلا ثوانٍ و وجدت والدها يدلف البيت، ألقى التحية عليها بهدوء ثم قال:
“أنا عاوزك تقوليلي بقى هنروح القاهرة نعمل إيه؟”
إلتفتت له بسرعة كبيرة ثم قالت بفرحة عارمة:
“بجد يعني أنتَ مستعد إنك تسمعني خلاص؟”
أومأ لها ثم قال:
“آه بس لو العرض مش مقنع يبقى خلاص أنسي”
قفذت بسعادة ثم قالت:
“لأ والله أنا دارسة الموضوع كويس، بص صاحبتي خالها فتح مول في القاهرة وفيه محلات كتير أوي، بس مفيش هناك محل ملابس شرعية، إحنا بقى نقدر نروح نأجر محل وهي هتكلمه علشان هي خطيبة إبنه، يعني هيكون مهاود معانا وكمان نقدر نأجر شقة هناك، وأنا هشتغل بشهادتي مُدرسة هناك”
نظر لها بتمعن ثم قال:
“طب وشغلنا هنا أعمل فيه إيه؟”
إبتسمت بإتساع ثم قالت:
“دي مش هتفوتني برضه، زي ما هما تيتة نوال وبنتها يمسكوا المحل والمخزن، وإحنا نبقى كل فترة نتابع معاهم، علشان خاطري وافق”
ظل يفكر لمدة ثوانٍ ثم حمحم بإحراج وقال:
“طب يا جميلة كلمي صاحبتك دي وخليها تديني رقم خالها”
أرتمت داخل أحضانه بسعادة بالغة وهي تقول:
“أنا بحبك أوي والله، شكرًا شكرًا شكرًا”
شدد هو عناقه لها ثم قال:
“أنا معنديش أعز منك يا جميلة علشان أتمنى أشوف فرحتك”
يُتَبَعَ