“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل السابع والثلاثون”
_____________
آهٍ، تنهيدةٌ تخرج من القلب تقول مالم تستطع الثماني و عشرون حرفًا قوله”
______________
حفظ قلبي كلمات الحب ونصوص الغزل فقط لأجل عيناكِ، ظل يكررها مرارًا بينه و بين نفسه و بخل بها على سواكِ، يا من تلقي في قلبي السَكينة وتشتاق روحي لـِ عناق يداكِ
وقفت «خديجة» في موقف لا تحسد عليه، لا تدري ماذا تفعل، هل تركض مرةً أُخرى للداخل، أم تركض درجات السلم بأكملها، أم تذهب لغرفتها وتغلق أبوابها من جديد؟، كل تلك الأفكار كانت تصعف بذهنها وهي واقفة خلف أبيها، لكن الشيء الوحيد الذي جعل قلبها يخفق بشدة هي نظرة أبيها لها، فكانت نظرته لها مُحبة و متلهفة لم تستطع إنكارها لهذه النظرة ولا تستطع إخفاء فرحتها، بينما هو التفت ينظر لها بحنانٍ بالغ وهو يقول بنبرةٍ متأثرة:
“طبعًا في حمايتي ومحدش يقدر يقرب منك وأنا موجود”
وجهت بصرها نحوه بسرعةٍ كبيرة غير مُصدقة لما سمعت، نظرت في أعينه فوجدت نظرة صادقة تدل على الحنين مصحوبة بندمٍ نابع من أعماق القلب، بينما أخواتها في الخلف يتابعا ذلك الموقف بتعجب،وحينما طال صمتها وصمت أبيها، تحدثت «خلود» بهدوء حتى تزيل أثار ذلك الموقف:
“طب إيه هنفضل واقفين قدام الشقة كدا كتير؟ يلا يا جماعة ندخل علشان الجيران”
حمحم «طه» بهدوء ثم التفت ينظر لأبنائه وهو يقول بنبرة مختنقة إثر كتم دموعه:
“معاكم حق يلا ندخل علشان أنا جعان أوي”
دخلوا الشقة جميعًا وكانت أخرهم «خديجة» التي من فرط توترها جلست على الأريكة بهدوء تفكر في ذلك الموقف، بينما «خلود» سحبت أخيها إلى المطبخ، أما والدهم فوقف ينظر لها من بعيد وأعينه تفيض بمشاعره الذي لم يستطع إخفائها، أمعن نظره لها وجدها شاردة فحمحم بهدوء يُلفت نظرها، نظرت له فوجدته يقترب منها مُبتسمًا بتوتر ثم قال:
“تيجي نقوم ناخد حقك من أحمد، و نردله اللي كان هيعمله فيكِ؟”
نظرت له متسائلة، فوجدته يمد يده يمسك ذراعها وهو يقول بحماس:
“تعالي بس يا خديجة”
أجفل جسدها من لمسته، ولاحظ هو ذلك، فإبتسم بحزن ثم قال بنبرة حزينة:
“تعالي متخافيش”
دخل بها المطبخ وهي متوترة في يده، وجد «خلود» تتهامس مع أخيها بهدوء، افلت يد «خديجة» ثم قال بمرحٍ:
“دلوقتي بما إن خديجة قالت إنها في حمايتي يعني أنا وهي هنكون فريق، وأنتم الاتنين فريق أنا وهي هنحضر الأكل وأنتم تغسلوا المواعين وتعملوا الشاي”
نظر له الثلاثة بتعجبٍ غير مصدقين لما يروا أمامهم، بينما هو أخرج أبناءه عدا «خديجة» أدخلها المطبخ وهو يقول:
“يلا بس علشان نلحق، وبعدين أبقي تنحي كدا”
أومأت في هدوء وهي تحاول تجنب النظر له، بينما هو نظر لظهرها بحزن وهو يتنهد بضيق، في الخارج أتت زوجته من الخارج وجدت «أحمد» و «خلود» في حالة إندهاش، جلست بجانبهم تسألهم مستفسرة عن حالتهم تلك، فـ قصت عليها «خلود» ما حدث بأكمله بصوتٍ منخفض، نظرت «زينب» أمامها في إندهاش ثم قالت بنبرة غير مُصدقة:
“خديجة قالت لـ طه أنا في حمايتك!!”
في الداخل كانت واقفة أمام البوتجاز تقوم بتسخين الطعام، وهي شاردة فيما حدث، نظر هو لها ولملامحها الشاردة ثم اقترب منها يقول بهدوء:
“معلش بقى هنسخن الأكل سوا، لو مش عاوزاني معاكِ ممكن أخرج”
نظرت له بتوتر من نبرته و طريقته ثم قالت:
“لأ عادي..ممكن بس تجيب الأطباق علشان أغرف الرز؟”
أومأ لها في سعادة بالغة ثم قال بنبرة مبتهجة:
“آه طبعًا، بس كدا وأحلى أطباق كمان”
نظرت له و لرد فعله بتعجب واضح، وجدته يقترب منها مُبتسمًا وهو يعطيها الأطباق وهو يقول بمرحٍ:
“الأطباق يا آنسة خديجة، حاجة تاني يا فندم؟”
نظرت للأطباق ببسمة هادئة ثم قالت:
“شكرًا بس مش دي أطباق الرز، أطباق الرز اللي لونها ابيض، ومفرودة مش غويطة”
أومأ لها بإحراج ثم قال:
“معلش بقى لسه جديد هنا معاكم في المطبخ”
إبتسمت على طريقته بهدوء دون أن تحاول إظهار تلك البسمة، إقترب هو منها مرة أخرى ثم أعطاها الأطباق هو يقول:
“هما دول أكيد صح؟”
أخذتها منه ثم قالت:
“آه هي دي اللي عاوزاها، شكرًا”
دخلت زوجته المطبخ وجدتهما يغرفا الطعام سويًا، وقفت تنظر للموقف بأعين دامعة، على الرغم أن معاملتها كانت فاترة له إلا أنه كان سعيدًا بمشاركتها له، وضع الطعام على الطاولة الرخامية بعدما أخذه من يد إبنته، ثم رفع رأسه وجد زوجته تنظر لهما، وحينما رآت نظرته تنحنحت بهدوء، ثم أضافت قائلة:
“أنا كنت جاية أساعدكم، محتاجين حاجة؟”
التفتت «خديجة» تقول بهدوء وهي مبتسمة:
“لأ يا ماما خلاص، غرفنا الأكل، هطلعه خلاص أهو كمان”
نظرت لزوجها نظرة مُطمئنة وكأنها تحثه على التكملة، ثم خرجت لأبنائها، وقفت «خديجة» بجانب الأطباق تحاول إمساك طبقًا من بينهم، لكنه كان ساخنًا فأبعدت يدها بسرعة وهي تقول بضيق:
“يادي الحظ”
أمسك والدها كفها وهو يقول بسرعة وخوف حقيقي:
“وريني إيدك مالها”
ربت على اصابعها ثم إقترب بها تجاه صنبور المياه ووضع أصابعها أسفل المياه، كانت هي تنظر له بإندهاش من معاملته لها، ورغمًا عنها بكت بقوة وأجهشت في البكاء، لم يكن البكاء بسبب ألم أصابعها، ولكن من معاملة والدها لها، فهي كانت تفتقر لحنانه عليها،و كم ودت أن يقترب منها بتلك الطريقة الحنونة عليها، نظر لها هو بسرعة وجدها تبكي بحرقة كما لو أنها لم تبكِ من قبل، لم يجد أمامه حلًا سوى أن يأخذه بين أحضانه بشدة، أما هي تشبثت به وهي تبكِ بقوة وترتجف، بكى هو الأخر ثم طبع قبلة على رأسها وقال مُتأسفًا:
“حقك عليا يا خديجة، علشان خاطري يا بنتي سامحيني”
خرجت من بين ذراعيه بهدوء وقالت بنبرة باكية:
“أنا مش عارفة أعمل إيه، ومش بإيدي، ومش عاوزة أفضل زعلانة منك، ومش عارفة أنسى، بس أنا والله مش وحشة زي ما أنتَ فاكر، أنا معملتش حاجة وحشة لحد والله أنا..أنا مش كدا..”
بكت بقوة ولم تستطع الإسترسال في الحديث أكثر من ذلك،وضع ذراعه عليها وهو يقول ببكاء:
“أنا عارف إنك مش وحشة، وعارف كمان إنك عمرك ما أذيتي حد، وعارف إن أنا اللي وحش، بس أنا عاوز فرصة، مش عاوزك تسيبيني وأنتِ كرهاني، والله لو هموت يا خديجة بعد مسامحتك ليا هيبقى هو دا كل أملي في الحياة”
نظرت له بأعين مغرورقة بالدموع ولم تُعقب، بينما زوجته تابعت الموقف بأكمله ببكاء وهي على بعدٍ منهما، سألها هو بنبرة مُترجية:
“ينفع يا خديجة تديني فرصة؟”
إرتمت بين أحضانه من جديد، وبكت من فرط حنانه عليها، بينما هو تشبث بها ثم قال ببكاء:
“حقك عليا وعلى قلبي يا خديجة، كبرتي وبقيتي عروسة وأنتِ بعيد عن حضني، ولسه هتسيبيني وتمشي”
دخلت زوجته بعد تلك الجملة ثم قالت:
“طب هناكل إمتى، كفاية نكد منك ليها بقى، انتم إيه؟”
ضحك «طه» ثم قال يمازحهن:
“البت خديجة حضنها حلو أوي”
إبتسمت هي بين ذراعيه بينما زوجته نظرت له بتعجب وقالت:
“يا سلام جاي دلوقتي وتكتشف دا، بنتي كل حاجة فيها حلوة يا أخويا”
أومأ بهدوء ثم قال:
“معاكِ حق، كل حاجة فيها حلوة”
نظرت «خديجة» لهما بحبٍ وهَمت بالخروج من المطبخ لكنها عادت وأخذت الأطباق وهي تقول مُبتسمة:
“يلا علشان أنا جوعت بجد، وواضح إن العياط بيجوع”
أومأ لها والديها بحبٍ بالغ مصحوب ببسمة هادئة
_______________
عاد «ياسين» من عمله إلى بيته دخل وجد والديه في إنتظاره كعادتهما، ألقى عليهما التحية ثم بدل ملابسه وخرج يجلس معهما على طاولة الطعام، نظر له والده بخبثٍ وهو يدندن:
أخيرًا قالها، قال أحبك قالها، هو قلبي قلبي قلبي…”
سعل «ياسين» بشدة حينما علم مقصد أبيه، ثم نظر له بقوة حتى يتوقف، لكنه استرسل في الغناء وهو يعانده، نظرت «زُهرة» لهما بتفحص ثم قالت:
“فيه إيه أنتَ وهو؟ ما تفهموني، ومين دا اللي قالها يا رياض؟”
حمحم «ياسين» ثم قال بتوترٍ:
“لأ متأخديش في بالك يا زوزو، هتلاقيه بيهزر بس”
هز «رياض» كتفيه بإستفزاز وهو يقول:
“ويمكن بتكلم جد، واضح كدا يا زُهرة إن أحدهم حد اعترفله بالحب وفضل طول الليل يغني، والله سمعت قايمة أغاني كاملة إمبارح”
نظر له «ياسين» شرزًا، بينما «رياض» راقص حاجبيه له بإستفزاز، كانت «زُهرة» على علمٍ بما يدور على الطاولة لذلك إبتسمت بهدوء ثم قالت:
“وماله مش كان فرحان؟ يبقى خلاص ربنا يفرح قلبه دايمًا”
نظر لها «ياسين» بحنانٍ بالغ وهو يقول:
“الله يخليكي ليا يا غالية، صحيح الأم مدرسة”
نظر له «رياض» بسخرية وهو يقول:
“يعني هي الأم مدرسة والأب مزبلة؟ ما تلم نفسك يا ياسين”
ضحك عليه «ياسين» ثم قال:
“ماهو إحنا لو نحافظ على أسرار الناس، ونستر عليهم هنبقى مدارس، ومدارس لغات كمان، بس نقول إيه؟”
ضحكت «زُهرة» عليه ثم قالت:
“سيبك منه، المهم أنتَ مبسوط بجد”
كانت جملتها مقررة أكثر من كونها متسائلة، فأومأ هو ثم قال:
“الحمد لله فرحان وراضي من كل قلبي عن كل حاجة في حياتي”
تدخل «رياض» يقول بحكمة:
“دي أهم حاجة يا بني، إنك ترضى عن اللي عندك علشان ربنا يكرمك ويجبر بخاطرك، ومتنساش تراعي ربنا في بنت الناس اللي معاك، دول وصية الرسول يا ياسين”
تنهد «ياسين» ثم قال:
“عليه افضل الصلاة والسلام، متخافش كل اللي اتربيت عليه لسه موجود، وبعدين أنا مش هجيبه من برة يعني”
ربتت والدته على ذراعه بفخرٍ وهي تقول:
“ربنا يبعد عنك كل شر ويحفظك يا رب، أنا كل يوم بفتخر بيك والله، يا بختها بيك يا ياسين”
قام «ياسين» و قبل قمة رأسها وهو يقول:
“يا بختي أنا بيكم، طول عمركوا صحابي وأخواتي”
نظر له «رياض» بضيق زائف وهو يقول:
“طب إيدك بس يا حبيبي من على مراتي كدا، وروح أحضن مراتك”
نظر له «ياسين» مُبتسمًا وهو يقول:
“ياريت والله، بس نقول إيه بقى؟ هانت”
نظرت «زُهرة» لزوجها وهي تقول بتعجب:
“الواد اتبدل خالص، أنا بقول نلحق نجوزه قبل ما يفضحنا”
ضحك عليها إبنها وزوجها أيضًا، بينما «ياسين» تنهد بأريحية وهو يشعر بالسعادة عن كل ما في حياته.
انتهى من الطعام ثم جلس في شرفة غرفته وقام بتشغيل الموسيقى بجانبه وكانت تحديدًا للمطرب عبدالحليم حافظ، شرد في كلمات الأغنية فوجد نفسه يبتسم رويدًا رويدًا وتفكيره آخذه إليها زادت بسمته أكثر ثم تنهد بعمقٍ وقال:
“آه، تعبتيني معاكِ يا بنت طه، لا فـ بُعدك عني عارف أرتاح، ولا في قربك عارف أرتاح”
ثم أعاد سمعه إلى الأغنية على المقطع المفضل له وهو:
“يا راميني بسحر عينيك الأتنين، ماتقولي واخدني ورايح فين؟، على جرح جديد، ولا لتنهيد ،ولا على الفرح موديني”
أرجع رأسه إلى الخلف وهو ينظر للسماء ثم قال:
“صحيح أهل الحب مساكين”
_______________
في شقة «خديجة» كانت تتناول الطعام مع أسرتها في جو مليءٌ بالصفاء الذي قلما نجده بينهم خصوصًا في حضور خديجة، تم الإنتهاء من الطعام فوقفت حتى تقوم بحمل الأطباق لكن والدها أوقفها يقول بهدوء:
“لأ أستني، إحنا قسمناها،و أنا وأنتِ غرفنا، أحمد وخلود بقى يشيلوا الأكل وينضفوا”
أومأت «خديجة» بهدوء، فنظرت لها «خلود» بحنقٍ وهي تقول:
“لأ بقولكوا إيه أنا مليش دعوة أحمد معاكم أهوه، سلمى مستنياني علشان نازلين”
تدخل «أحمد» يقول بضيق:
“خلي عندك دم، أحمد راجع تعبان من الشغل، أقعدي في البيت شوية”
ردت عليه بضيق وهي تقول:
“لأ مليش فيه، قوم ساعدهم”
هَمَ بالرد عليها، لكن والدته صرخت بهما وهي تقول:
“بــــس قرفتوني، أنتِ يا خلود دخلي الأكل، وأنا هعمل الشاي وأغسل الأطباق”
قامت «خلود» وهي تضرب الأرض بقدميها ثم شرعت في تنفيذ ما طلبته والدتها، بينما «أحمد» نظر بشماتة لأخته، وقبل أن يقوم بإستفزازها وجد هاتفه يصدح برقم «وليد» قام بالرد عليه، لكنه قفز فجأة وهو يقول:
“إيه؟ جت بجد؟ قُل والله”
ركض إلى الشرفة ينظر منها فوجد سيارة «سالم» والد «منة» تصف أمام البيت، إبتسم بشدة فوجد «وليد» يرفع رأسه من شرفته في الأسفل ينظر له ثم قال وهو معه على الهاتف بخبثٍ:
“مش واجب برضه تنزل تشيل الشنط من حماك المستقبلي؟”
رد عليه «أحمد» بسرعة كبيرة وهو يقول:
“صح معاك حق، أنا نازل تعالى معايا”
ركض «أحمد» من الشقة دون أن يستأذن من هم بالداخل، نظر الجميع في أثره بتعجب، بينما «خلود» إبتسمت بخبثٍ وهي تقول لهم:
“مبروك يا جماعة عروسة إبنكم رجعت”
نظر لها الجميع بإندهاش غير مدركين ما تتفوه عنه.
في الأسفل نزل «أحمد» ومعه «وليد» بملابس بيتية وقفا أمام البيت ينتظرا نزول «سالم» و أسرته من السيارة، نزل «سالم» وألقى عليهما التحية ثم قال:
“وحشتوني والله، أخباركم إيه يا شباب وأخبار العيلة كلها إيه؟”
كان «أحمد» ينظر خلف «سالم» حتى يراها فلم يجيبه، بينما «وليد» تدخل يقول بهدوء:
“الحمد لله كلنا بخير، حمدًا لله على سلامتكم البيت نور من تاني”
ربت «سالم» على كتفه ثم قال:
“الله يسلمك يا وليد، وألف مبروك كتب الكتاب، معلش بقى معرفناش نحضر، أنتَ فاجئتنا”
شعر بالإحراج فقال:
“أنا متأسف بس حصل ظروف طارئة، بس إن شاء الله تتعوض في الفرح”
إقتربت «منة» و «وفاء» من الشباب و ألقن التحية بهدوء، نظر «أحمد» في أيديهن فوجد الحقائب، إقترب يأخذها منهن وهو يقول:
“عنك يا طنط، عنك يا آنسة منة انا هطلع الشنط”
أخذها منهن رغمًا عنهن بعض رفضهم القاطع، كان ممسكًا بحقيبتين بيده، ثم أشار لـ «وليد» وهو يقول:
“خد الشنطة التانية من عمو يا وليد”
نظر له «وليد» متوعدًا ثم إبتسم بإستفزاز وأخذ الحقيبة من يد الرجل، بينما «سالم» إعترض وأضاف قائلًا:
“ملوش لازمة تتعبوا نفسكم، أنا هطلعهم في الأسانسير”
رد عليه «أحمد» بسرعة وهو يقول:
“لأ يا عمو متتعبش نفسك، اتفضل حضرتك وطنط والآنسة منة في الأسانسير وأنا هطلع الشنط على السلم أنا و وليد”
رد عليه «وليد» بحنقٍ وهو يقول بصوتٍ عالٍ:
“نـــعم يـــا أخــويا؟ نطلعهم على إيه؟”
نظر له «أحمد» مُترجيًا، فـ عض «وليد» على شفتيه متوعدًا له، بينما «سالم» ضحك بهدوء ثم قال:
“متتعبوش نفسكم أنا هطلعهم”
تنهد «وليد» بضيق ثم قال مبتسمًا بمجاملة:
“لأ اتفضل حضرتك في الأسانسير، وأنا وأحمد هنطلعهم ورا حضرتك في الأسانسير”
أومأ الرجل في هدوء ثم قال بإمتنان:
“ربنا يبارك فيكم يا حبايبي، شكرًا على تعبكم”
دخل مع أسرته المصعد، بينما «وليد» إقترب من «أحمد» يمسكه من تلابيبه وهو يقول بضيق:
“إحنا لسه على البر ومشغلني بواب؟ أومال لو قريت فاتحة هتعمل إيه هتخليني أمسحلهم السلم؟”
قبل «أحمد» كف يده وهو يقول بنبرة مترجية:
“أقف جنب أخوك أنا مليش غيرك، علشان خاطري”
تركه «وليد» على مضضٍ ثم نفخ وجنيته بضيق وأضاف قائلًا:
“صعبت عليا، المهم أنشف كدا وأمسك نفسك هما ميطولوش أصلًا إنك تتجوز بنتهم”
نظر له «أحمد» بتعجب ثم قال:
“دا ليه يعني؟”
رد عليه «وليد» بكل بساطة:
“علشان أنتَ راجل يا أحمد، لا بتلف ولا بتدور وهما المفروض يقدروا حاجة زي دي”
أومأ له «أحمد» مُتفهمًا ثم قال:
“طب يلا نطلع الحاجة، بدل ما يفتكرونا مش عاوزين”
حرك «وليد» كتفيه ثم قال:
“طب ما إحنا فعلًا مش عاوزين”
إبتسم له «أحمد» ثم قال:
“يلا بس، أنا عاوز يا عم”
صعدا معًا في المصعد بالحقائب، كان «سالم» ينتظرهما خارجه وإبنته بجانبه، نظر لها «أحمد» بهدوء ثم أخرج الحقائب وهو يقول:
“حمدًا لله على السلامة مرة تانية، البيت نور”
أخذ «سالم» الحقائب منهما ثم قال:
“شكرًا يا شباب، اتفضلوا اشربوا حاجة معانا، تعالوا نشرب شاي”
رد عليه «أحمد» ببلاهة:
“لأ يا عمي قريب إن شاء الله هنشرب الشربات قريب”
نظر له الجميع بتعجب بينما «وليد» وكزه في كتفه وهو يقول:
“إتلم الله يسترك، مش عاوزين نتضرب هنا”
ثم نظر لـ «سالم» وقال:
“هو قصده على شربات فرحي وشربات فرح خديجة، عقبال الآنسة منة إن شاء الله”
إبتسم «سالم» بهدوء ثم قال:
“ربنا يكتر أفراحكم يا رب، عقبال شربات فرح أحمد كمان”
رد عليه «أحمد» بتلهفٍ واضح:
“قريب يا عمي إن شاء الله”
دخل «سالم» شقته ثم أغلق الباب بعدما ودعهما، نظر «أحمد» للباب بإحباط ثم قال:
“مش كان يمسك فينا شوية كمان، إيه دا؟”
نظر له «وليد» بسخرية وهو يقول:
“ما يشيلك ينيمك على السرير بالمرة، يلا يالا قصادي”
نظر «أحمد» أمامه بقيلة حيلة ثم ركب المصعد و «وليد» خلفه.
________________
دخل «وليد» و «أحمد» الشقة معًا، كان «أحمد» يشعر بالإحباط، فجلس على الأريكة لكنه إبتسم حينما تذكر رؤيتها،
نظر له أفراد الشقة بتعجب، أما «وليد» فجلس بجانب «خديجة» ثم قال:
“منورين يا جماعة والله، الواحد بقاله كتير مدخلش هنا”
نظرت له «زينب» بمعاتبة وهي تقول:
“الست عبلة نسيتك أهلك يا أخويا، الله يسهلك”
إبتسم لها ثم قال يشاكسها:
“كان نفسي أقولك لأ، بس للأسف دي منسياني نفسي”
ضحكت الفتيات عليه، بينما «طه» نظر له بضيق ثم قال:
“ما تلم نفسك ياض وإحترم عمك اللي قاعد”
نظر لعمه بإستفزازٍ ثم قال:
“حاضر يا عمي، اتفضل قوم نام علشان أتكلم براحتي”
نظر له «طه» بحنقٍ ثم قال:
“يا ستار منك يا وليد، عيل كياد”
ثم نظر لإبنه يتفحصه فوجده مُبتسمًا ببلاهة فسأله مُستفسرًا:
“خير يا أستاذ أحمد السقف عندنا حلو أوي كدا؟”
حمحم «أحمد» ثم قال:
“لأ يا بابا مفيش حاجة في السقف عادي”
نظر له «طه» بتعجب ثم قال:
“هو أنتَ نزلت فين وطلعت تاني؟”
تدخل «وليد» يقول بسرعة كبيرة:
“لأ أبدًا كنت محتاجه معايا تحت”
تدخلت «خلود» تقول بخبثٍ:
” أيوا صح أصل وليد مــنــة وعلينا”
نظرت لها «خديجة» بتوعد ثم قالت:
“سلمى بترن عليكِ أنزليلها يلا”
قامت «خلود» بهدوء تحت نظرات الحنق من أخواتها الثلاثة، بينما «أحمد» مال على أذن «وليد» وقال بضيق:
“اتفضل يا أستاذ وليد، تربيتك”
أومأ له «وليد» ثم قال:
“بصراحة معاك حق، تربية ناقصة”
__________________
انسحبت «خديجة» من بين الجميع حينما رآت هاتفها يصدح برقمه، تعالت دقات قلبها خاصةً أنها لم تهاتفه طوال اليوم هربًا من مواجهته بعدما اعترفت له بمشاعرها، انتهت المكالمة دون أن تجيبه، تنهدت بعمقٍ ولكنها لم تطل تلك التنهيدة حينما صدح صوت الهاتف مرةً أُخرى، أجابته هي بتوترٍ طفيف وخجلٍ وهي تقول:
“ألو إزيك يا ياسين؟”
إبتسم بسخرية ثم قال:
“لأ ماهو مش علشان أعترفتي بحبك ليا يبقى يبقى مسمعش صوتك طول اليوم، عيب والله يا خديجة”
شعرت بالخجل من حديثه فقالت بهدوء:
“معلش بقى خليها عليك، وبعدين إحمد ربنا”
تحدث بتهكمًا واضح وهو يقول:
“يعني قصدك أرضى بقليلك بدل ما يبقى مفيش خالص؟”
إبتسمت بهدوء ثم قالت:
“لأ مش كدا والله، أقصد يعني إحنا كنا فين وبقينا فين، أنا مش قادرة أصدق أصلًا أني قُولت كدا”
رد عليه بهدوء:
“لأ ولسه اللي جاي أحلى إن شاء الله، أنا متفائل والله يا قبولي الوحيد”
ضحكت هي بإتساع ثم قالت:
“هو بجد ليه علطول تقولي كدا؟ الكلمة غريبة أوي”
تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“علشان من بين عالم كامل أنتِ الوحيدة اللي القلب آمن بيها وحبها”
ارتفعت ضربات قلبها أكثر من ذي قبل، فوضعت يدها على قلبها حتى تُحد من سرعة ضرباته، بينما هو إبتسم ثم قال:
“أنتِ عندك قابلية للتثبيت اللهم بارك”
ردت عليه بسرعة وهي تقول:
“ماهو أنتَ السبب يا ياسين، وبعدين أنتَ اتصلت ليه؟”
رفع حاجبه مُتعجبًا وهو يقول:
“بقى كدا يا خديجة؟ ماشي، دا أنتِ معاكِ نعمة بنات مصر كلها نفسها في حد يكلمهم وأنتِ بتقولي بتتصل ليه؟”
شعرت بالحنق من حديثه ، فسألته بضيق:
“وأنتَ عرفت منين إن بنات مصر عاوزين كدا يا أستاذ ياسين؟”
إبتسم بهدوء ثم قال:
“الفيسبوك مخلاش ياست الكل، وبعدين أنا متصل علشان أغنيتي المفضلة كانت شغالة وقولت تشاركيني فيها”
تبدل حالها بعد جملته الأخيرة، فسألته بنبرة هادئة:
“أغنية إيه دي يا ياسين؟”
تنهد هو ثم قال:
“جانا الهوى، لما بسمعها بفتكر عيونك، ولما ببص فيهم بفتكر ليه المرحوم قال اللي قاله دا”
بنفس نبرتها الهادئة سألته:
“وهو المرحوم قال إيه؟”
ظهر المرح في نبرته وهو يجيبها قائلًا:
“قال يا راميني بسحر عينيك الأتنين، ما تقولي واخدني ورايح فين؟.. قوليلي يا خديجة أخرة سحر عيونك عليا إيه؟”
كان سؤاله حائرًا بعدما تنهد بعمقٍ، فإبتسمت بهدوء ثم قالت:
“مش عارفة والله، أكيد أنتَ اللي عندك الجواب”
إتسعت بسمته وهو يقول:
“الجواب إنك تفضلي معايا علطول”
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:
“إن شاء الله، خلاص مش فاضل كتير في العلاج، أنا بقيت غير الأول خالص”
أجابها بفخرٍ وهو يقول:
“أنا بصراحة مبهور والله إنك قدرتي توصلي للمرحلة دي في الوقت دا، المهم بكرة هنتقابل علشان نروح عند ميمي”
أومأت كأنه يراها وهي تقول:
“أيوا سارة قالتلي، وكمان أنا كنت عاوزة أقولك حاجة”
سألها مُستفسرًا:
“قوليلي في إيه؟ حصل حاجة زعلتك؟”
أجابته بسرعة قائلة:
“لأ خالص، دي حاجة بسبب بابا، وحاجة غريبة كمان بس حاسة أني فرحانة”
تعجب هو من حديثها لكنه انتبه لها وكله آذانٍ صاغية لها.
في سطح البيت وقف «وليد» ينتظرها، بعدما أرسل لها رسالة يطالبها بالصعود له، صعدت له وهي مبتسمة وقفت أمامه فوجدته يقول:
“جرى إيه يا عبلة؟ أومال لو مش كاتبين كتابنا بقى، هشوفك سرقة ولا إيه؟”
إتسعت بسمتها أكثر ثم أجابته قائلة:
“قولتلك تعالى أقعد معانا قولتلي طارق موجود ومش هعرف أتكلم معاكِ، قولتلك ننزل قولتلي مش دلوقتي،أعمل إيه طيب؟”
رفع رأسه للأعلى ينظر للسماء وهو يقول:
“أكرمنا يا رب برحمتك”
إبتسمت هي ثم تركته وجلست على الأريكة، نظر لها بحنقٍ ثم قال:
“هو من الأدب إنك تقعدي وجوزك واقف كدا يا عديمة الرباية”
إتسعت حدقتيها بشدة مما قاله، فوقفت متأهبة وهي تقول:
“نعم يا وليد؟ هو أنا هقف علشان سيادتك تقعد ولا إيه؟ أنتَ عبيط؟”
إبتسم بسخرية ثم قال:
“آه فعلًا أنا اللي عبيط، بدليل إنك وقفتي أهوه”
إنتبهت لما فعلته فـ صرت على أسنانها بقوة ثم قالت:
“أنا غلطانة وهنزل وأسيبك خليك هنا، خلي السطح ينفعك”
أوشكت على الذهاب من أمامه فوجدته يمسك رسغها بقوة وهو يقول بنبرة هادئة:
“هتروحي فين و تسيبيني؟”
التفتت تنظر له فوجدت ملامحه على غير العادة جامدة، بل كانت متسائلة، وقفت أمامه ثم قالت:
“هنزل شقتنا وأسيبلك الكنبة بقى”
إبتسم لها ثم قال:
“وتسيبي ليدو حبيبك يا عبلة؟”
أمام تلك النبرة الهادئة الحنونة، لم تستطع الإجابة بل حركت رأسها نفيًا بهدوء، تنهد هو ثم قال بنبرة حائرة:
“عبلة هو أنتِ ممكن تسيبيني؟”
نظرت له بتعجب من سؤاله وهي تقول:
“ليه بتقولي كدا ؟ وبعدين قولتلك أني بحبك، أنتَ مش مصدقني؟”
حرك رأسه بهدوء ثم قال:
“لأ مصدقك، بس إيه اللي ممكن يحصل يخليكي تسيبيني؟”
حركت كتفيها بِحيرة ثم قالت:
” مش عارفة، بس أكيد إنك متكدبش عليا وتقدرني، وغير كدا أنا المهم عندي إنك تكون بتحبني، ودا أنا متأكدة منه”
أومأ لها بهدوء ثم قال:
“يعني لو عرفتي حاجة عني من قبل ما أكون في حياتك ممكن تسيبيني علشانها؟”
سألته بتعجبٍ ظهر جاليًا على ملامح وجهها:
“حاجة زي إيه يعني؟ وبعدين في إيه يا وليد شكلك متضايق أو قلقان إيه اللي مزعلك”
إقترب منها أكثر ثم أخذها بين ذراعيه وهو يتنهد بعمقٍ، تعجبت هي من حالته فرفعت ذراعيها تحتضنه وهي تقول:
“مالك يا وليد؟ أحكيلي إيه اللي مزعلك وأنا معاك”
أجابها بنبرة حزينة تحمل الوجع بين طياتها:
“بس يا عبلة أسكتي، خليني كدا ومش عاوز حاجة تاني”
ربتت على رأسه ثم قالت بنبرة حائرة:
“ربنا يريح قلبك يا وليد، ويطمني عليك دايمًا”
شدد هو عناقه لها وهو يشعر بالخوف من تركها له عند معرفتها حقيقة إدمانه وعلاجه في المصحة، وفي نفس الوقت يريد مصارحتها بما حدث، فرت دمعة هاربة من أعينه، وقبل أن يخرجها من بين ذراعيه وجد عمه «محمد» يقول بصوتٍ عالٍ:
“نهارك مش فايت يا إبن مرتضى، خرج البت من حضنك يالا”
إتسعت حدقتيها وحاولت تركه حينما سمعت صوت أبيها، بينما هو شدد عناقه لها أكثر ثم قال:
“اثبتي، أنتِ مش في حضن حد غريب، أنا جوزك”
إقترب منه «محمد» وهو يقول بضيق:
“طب وأخرتها يعني يا إبن مرتضى؟”
أخرجها «وليد» من حضنه دون أن يترك ذراعها ثم نظر لـ عمه بتحدٍ، نظر له عمه بضيق وهو يقول:
“إيه يا إبن مرتضى ما تلم نفسك، ولا هو خلاص اللي إختشوا ماتوا؟”
أومأ له «وليد» ببرود ثم قال:
“آه اللي اختشوا ماتوا، وعلشان كدا أنا معنديش خشا، وبعدين مالك يا عمي دي مراتي والناس كلها عارفة، وربنا قبل الناس”
زفر «محمد» بضيق ثم قال:
“أنا عارف بس برضه يابني مينفعش وبعدين يا أخويا مزنوق في حضن أوي كدا روح أحضن أمك”
نظر له ببراءة مصطنعة وهو يقول:
“كان فيه خفاش وهي خافت منه، وبعدين يرضيك الوش دا خفاش ياكله؟”
نظر له «محمد» بضيق ثم قال:
“مش هخلص منك يا وليد، يالا يا ست عبلة ورايا”
التفت عمه حتى ينزل، وحينما إبتعدت عنه هي حتى تلحق بأبيها وجدته يطبق على ذراعها ثم قال بنبرة عالية:
“لأ سكتك خضرا يا حج محمد، عبلة قاعدة معايا عاوزها في موضوع مهم”
أخفضت رأسها في خجلٍ، بينما والدها نظر له بضيق وهو يقول:
“خير موضوع إيه؟ وبعدين أنتَ مواضيعك كتير ليه؟”
ببراءة كاذبة قال:
“موضوع الخفاش، يرضيك تسبني لوحدي وافضل خايف؟”
ضيق «محمد» جفونه بشدة ثم قال:
“أنتَ جايب قلة أدبك دي منين؟ لا أبوك كدا ولا أخوك كدا,
ولا حد في عمامك كدا؟”
غمز له بطرف عينه وهو يقول بخبثٍ:
“ابقى أسأل فايز الرشيد بقى؟”
تنهد «محمد» بضيق ثم قال:
“ماشي يا ابن مرتضى، هما ١٠ دقايق وتكون ورايا”
تركهما ونزل مرةً أُخرى،بينما هي التفتت تنظر له بضيق ثم قالت:
“أنتَ خليت شكلي زفت يا وليد، حرام عليك”
نظر لها مُتعجبًا ثم قال:
“ما أنتِ كنتِ خارسة قصاده لسانك طول دلوقتي؟”
نظرت له شرزًا ثم قالت:
“ربنا يستر بقى وميتكلمش”
اقترب هو منها أكثر وهو يقول بنبرة خبيثة:
“ماتفكريني كدا كنا بنقول إيه قبل ما أبوكِ يفصلنا”
إستمع «ياسين» لما تقصه عليه من تصرفات أبيها،انتهت من الحديث ثم أضافت قائلة:
“أنا أبقى كدابة لو قولت أني سامحته، بس حاجة جوايا لما شافت نظرة عينه والندم اللي فيها خلتني أديله فرصة تانية، ماهو حرام أفضل أعذب نفسي بسبب حاجة فاتت، صح ولا إيه؟”
إبتسم هو على نضج تفكيرها ثم قال:
“أنا متفق جدًا معاكِ، خاصةً إن السبب الرئيسي في كل دا شخص تاني، بصي يا خديجة عمتك كانت مأثرة على والدك أوي، وهو كان مُشتت مش عارف يتصرف، آه تصرفاته معاكِ غلط، بس إحنا بشر يا خديجة وقوة تحملنا مش واحدة، وحكمنا على الظروف مش واحد، واللي أنا أقدر أتجاوزه في أيام غيري بياخد شهور، إحنا من حقنا كلنا فرص تانية، لأن الدنيا دي مينفعهاش فرصة واحدة”
أطمئنت بعد حديثه فأضافت تقول بهدوء:
“عارف كلامك بيطمني أوي، واحد غيرك كان قالي لأ متكلميهوش وسيبك منه، وخليه يعرف قيمتك، بس أنتَ كل مرة بتكمل تفكيري بطريقتك الصح”
إبتسم هو ثم قال بحكمة:
“علشان هو دا الهدف من الجواز يا خديجة، عقل يفكر وعقل تاني يكمله في التفكير، وبعدين أنا لو قولتلك أبعدي عنه ولا متكلميهوش أبقى إنسان جاحد، والمفروض متأمنيش على نفسك معايا، وغير كدا اللي ملوش خير في أهله عمره ماهيكون ليه خير في حد”
تنهدت بأريحية ثم قالت مبتسمة:
“يا أخي وجودك بقى مهم أوي، أنا هتوه من غيرك غالبًا”
رد عليها بنبرة محبة:
“لأ ياستي متخافيش أنا عمري ما أسيبك تتوهي، وبعدين متتكلميش عن التوهة بعد اللي أنتِ عملتيه فيا”
قطبت جبينها تسأله بتعجب:
“أنا عملت فيك إيه؟”
تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“طُوال حَياتي أخشىٰ أن أكونَ تَائهًا، لكِن عِند عَيناكِ أتمنىٰ أتوهُ بِهما ولا أجدُ يومًا طريق، يا من أشعر كل يومٍ في تفاصيلها أنني كما الغريق”
باغتها هو بحديثه ولم تستطع أن تجيبه بينما هو ضحك بشدة ثم أضاف قائلًا بمرحٍ:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
ضحكت بقوة ثم قالت:
“بجد أنتَ بتجيب الكلام دا منين يا ياسين؟”
تذكر هو يوم عقد قرانه بها حينما سألته عن سلامه النفسي، فأجابها قائلًا:
“من عيونك الحلوين دول”
طال صمته، فسألته هي بنبرةٍ مهزوزة:
“ياسين؟ أنتَ روحت فين؟”
خرج من شروده وهو يقول بنبرة مَرِحة:
“أنا معاك أهو بس افتكرت يوم كتب كتابنا”
سألته بتعجب:
“إشمعنا يعني كتب كتابنا؟”
ضحك وهو يقول:
“علشان ساعتها سألتيني جايب السلام النفسي دا منين، ساعتها قولتلك من عيونك الحلوين دول”
ضحكت هي الأخرى ثم قالت:
“ياه إحنا كنا فين وبقينا فين بجد، وأنا اللي كنت مخططة اسيبك في نفس الأسبوع سبحان الله”
رد عليها مُعقبًا بحنقٍ:
“آه يا ختي وماله، دا عند الست والدتك يا خديجة”
ضحكت عليه بشدة ثم قالت:
“أنتَ بجد مش ممكن، متربي مرتين باين”
ضحك هو الأخر ثم قال:
“أيوا دي حقيقة، أمي كانت بتربي فيا الصبح، وابويا يعيد بليل ،غالبًا كانوا فاكرني مسلسل”
ضحكت أكثر ثم قالت:
“أنا بقول كفاية كدا ونروح ننام علشان أعرف أشوفك بكرة”
أتفق معها ثم أغلق المكالمة بعدما أتفق معها على موعد المقابلة.
________________
انتهى اليوم بعد حديثها معه، كانت تشعر براحة كبيرة من اليوم بأكمله، وارتياحها أكثر كان نتيجة الفرصة التي أعطتها لوالدها، حتى وإن كان الموضوع شاقًا عليها إلا أنها ستحاول حتى تصل للنتيجة التي تريدها، في اليوم التالي إستيقظت مُبكرًا، فوجدت والدتها يتناول فطوره في طاولة المطبخ، إبتسمت له بتوترٍ ثم قالت:
“صباح الخير”
ابتسم هو لها ثم قال بمرحٍ:
“صباح النور، خير صاحية بدري ليه؟ولا علشان نفطر سوا؟”
نظرت له بهدوء ثم قالت:
“عادي يعني، وبعدين أنا مش بفطر دلوقتي”
أومأ لها بإحباط ثم عاد لفطوره مرةً أُخرى، نظرت هي لملامحه بهدوء فوجدت الإحباط جليًا عليها، تنهدت بضيق وهي تشعر بتأنيب الضمير ثم قالت:
“بص ..ممكن آخد سندوتش صغير وخلاص”
رفع رأسه ينظر لها غير مُصدقًا، فوجدها تومأ له بهدوء، قام بعمل شطيرة لأجلها ثم قال بهدوء:
“لو تاخديه من إيدي يبقى دا صباح الخير بجد”
نظرت له و للشطيرة بين يديه بترددٍ، لكنها حزمت أمرها ثم أخذتها من يده وهي تبعد نظرها عنه، بينما هو إبتسم ثم تنهد بأريحية.
في شركة أحفاد آلـ الرشيد كان «طارق» جالسًا مع باقي الأفراد، قام بتقسيم الأدوار كعادته ثم قال:
“اللي عاوز حاجة فيكم يقول، وأنا أعملهاله،المهم عندي راحتكم”
تدخل «حسن» يقول بمرحٍ:
“ربنا يكتر من أمثالك يا رب يا طارق، والله مدلعنا دلع غريب”
تحدث «أحمد» بسرعة وهو يقول:
“طارق أنا عاوز أخطب منة”
ضحك الجالسين عليه، بينما «طارق» قال بهدوء:
“مش وقته يا أحمد، أنتَ لسه متخرج بقالك شهور، يعني محققتش حاجة من اللي أنتَ عاوزها”
تدخل «وئام» يقول:
“وبعدين لسه فيه فرح أختك، وفرح وليد، لما نخلص من دول نجوزك أنتَ بقى”
نظر له «أحمد» بضيق ثم قال بسخرية:
“آه وبعد كدا يبقى فرح طارق، وفرح حسن، وبعدين تقولي نطمن على هدير أصل إحنا أخواتها”
تدخل «وليد» يقول بسخرية:
“لأ نطمن على هدير إيه، قصدك نطمن على جوز هدير”
نظر له «حسن» بتعجب وهو يقول:
“أنا مش عارف مالك ومالها، يابني سيب الناس في حالها وبطل قلة أدب بقى”
تدخل «وئام» يقول بسخرية:
“وليد أخويا يتربى؟ دي من عجايب الدُنيا”
تحدث «طارق» بحكمة قائلًا:
“المهم علشان كل واحد يشوف وراه إيه، من عيني يا أحمد أنا هخلص موضوعك بس نخلص الشغل المطلوب مننا”
إبتسم «أحمد» ثم قال:
“ربنا يخليك ليا يا طارق،يعني خلاص أعتمد عليك؟”
أومأ له «طارق» مبتسمًا ثم قال:
“أنا نقطة ضعفي الراسين في الحلال”
ضحك الجميع عليه،فقال هو:
“يلا يا غالي منك ليه على شغلكم، وأنتَ يا وليد أنا عاوزك”
خرج الجميع عدا «وليد» الذي تبدلت ملامحه إلى الضيق في ثوانٍ، نظر له رفيقه بتمعن ثم قال:
“مالك يا وليد؟ شكلك متضايق”
أومأ له «وليد» وقال بعدما أخرج زفيرًا قويًا:
“أنا مش مرتاح يا طارق ، عاوز أقول لـ عبلة على المصحة وعلى إدماني”
رد عليه «طارق» بضيق وهو يقول:
“نعم؟ ليه إن شاء الله ما كل حاجة ماشية كويس يا وليد، بتقلبها علينا ليه”
زفر بضيق ثم قال:
علشان ضميري، خايف إنها تزعل مني علشان كذبت عليها، وخايف متسبش ليا فرصة أفهمها وضعي كان إيه، أنا متعودتش أخدع حد يا طارق”
قام «طارق» يجلس بجانبه ثم قال:
“متشغلش بالك أنتَ وكل حاجة هتبقى كويسة، سيبها تمشي زي ما هي من غير حسبان، يمكن كل الخوف دا يكون ملوش لازمة”
أومأ له «وليد» بهدوء ثم قال:
“أنتَ ساعتها هتساعدني صح؟”
ربت «طارق» على كتفه وهو يقول:
“من غير ما تقول، أخوك في ضهرك يا وليد، خِف أنتَ أحضان بس شوية”
ضحك «وليد» ثم قال:
“ما تجيب حضن يا طارق؟”
أبعده «طارق» عنه وهو يقول بضيق:
“يا أخي غور بقى، أنتَ مش عاتق حد خالص”
_________________
في بيت آلـ الرشيد كانت «خديجة» تقرأ في الكتاب الذي ستناقشه مع الطبيبة، أتت والدتها من الداخل وهي تقول بضيق:
“الست خلود تسهر طول الليل وفي الآخر تصحى آخر النهار وأنا ملاقيش حد بجيب الطلبات”
نظرت لها «خديجة» بتعجب ثم قالت:
“مالك يا ماما فيه إيه؟عاوزة حاجة ولا إيه؟”
أومأت لها والدتها ثم قالت:
“آه يا خديجة عاوزة طلبات من تحت، وخلود نايمة”
تذكرت «خديجة» حديث الطبيبة حينما قالت لها:
“لو عاوزة تساعدي نفسك يا خديجة استغلي كل فرصة تخليكِ في تواصل مع الناس، حتى لو هتنزلي السوبر ماركت او حتى لو هتجيبي فطار، كتر نزولك وكلامك مع الناس هيعودك على الكلام والتجمعات”
خرجت «خديجة» من شرودها ثم قالت بسرعة كبيرة:
“أنا هنزل يا ماما، أكتبي بس طلباتك وأنا هجبلك اللي عاوزاه”
نظرت لها والدتها بتعجب ثم قالت:
“متأكدة إنك هتنزلي بجد يا خديجة؟ يعني مش هتضايقي”
حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت مبتسمة:
“لأ خالص، أنا هلبس وأنتِ أكتبي الحاجة بسرعة”
تركت والدتها ودخلت تبدل ثيابها، بينما والدتها نظرت في أثرها بتعجب والبسمة تُزين ثغرها ثم قالت:
“أنا كل يوم هفضل استغرب كدا ولا إيه؟”
لم يمر سوى دقائق قليلة وخرجت «خديجة» ترتدي ثيابها وهي بنطال من اللون الأسود واسع من خامة الجينز، وقميص لونه أبيض وأسفل منه تيشيرت أسود وحجاب ممتزج باللونين الأبيض والأسود وحذاء رياضي أبيض، نظرت لها والدتها بتعجب وقالت:
“الورقة عندك على السفرة فيها الطلب و المكان، بس أنتِ هتنزلي كدا؟”
نظرت لنفسها ثم قالت:
“آه وفيها إيه يعني شكله وحش؟”
إبتسمت والدتها ثم قالت بحب:
“لأ خالص شكلك حلو أوي، أنا مستغربة بس علشان أنتِ كنتي بتلبسي هدوم عادية وكل هدومك دي ركناها”
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:
“خلاص اهوه لبستهم بدل ماهما مركونين كدا”
أومأت لها والدتها، بينما هي أخذت الورقة تنظر بها وترى ما يجب عليها جلبه من الأسفل، تنهدت بعمق ثم قالت:
“أنا هنزل وربنا يسترها بقى”
أومأت لها والدتها ثم تنهدت ونظرت في أثرها بتعجب مرةً أُخرى وهي ترى تغير إبنتها الملموس و والواضح للعيان
في شقة «مُشيرة» كانت واقفة في الشرفة تنظر للمارة في الطريق، لكنها تعجبت حينما رآت «خديجة» تخرج من البيت في ذلك التوقيت نظرت في أثر خروجها من البيت بتعجب ثم قالت:
“هي البت دي بقت بتروح فين؟ لأ والله لازم أعرف”
أخرجت هاتفها تهاتف«هدير» لكن «هدير» لم تجيبها، فوقفت هي بضيق ثم قالت:
“ماشي يا هدير، أنا هعرف كل حاجة عن البت دي”
كانت «هدير» جالسة في غرفتها تبكي وهي تشعر بالضيق والوحدة بعد ترك «عبلة» لها، نظرت في هاتفها فوجدت مكالمة فائتة من عمتها، زفرت بضيق ثم أرتمت على الفراش بضيق، وهي تنظر لسقف الغرفة والدموع تنهمر من مقلتيها.
وصلت «خديجة» محل بيع الخضروات بتوترٍ طفيف لكنها حثت نفسها على الإستكمال، دخلت تبحث عما تريده فوجدت مبتغاها فوقفت تنتقي منه بهدوء، اقتربت منها صاحبة المكان وهي تقول بوجهٍ بشوش:
“أنتِ جديدة هنا ولا إيه؟”
شعرت «خديجة» بالخجل من الحديث مع الغرباء عنها، لكنها أجابت بهدوء وهي تحاول التبسم:
“لأ أنا..أنا ساكنة هنا من بدري”
قطبت المرأة حاجبيها ثم قالت:
“بس أنا أول مرة أشوفك هنا، أنتِ تبع مين؟”
ابتلعت «خديجة» ريقها بتوتر ثم قالت:
“أنا…أنا خديجة طه الرشيد”
ابتهج وجه المرأة وهي تقول:
“أنتِ من عيلة الرشيد!!”
أومأت لها «خديجة» مبتسمة ، فقالت لها المرأة:
“نورتي المكان يا حبيبتي، تحت أمرك، أنتِ تبع الحبايب”
أومأت لها «خديجة» بهدوء ثم قالت:
“شكرًا لحضرتك جدًا”
بعد حديث المرأة معها شعرت بالسعادة، وجلبت باقي الطلبات ثم عادت إلى بيتها في سعادة بالغة وهي تشعر أن هذا العمل الصغير يُعد بمثابة فعلًا كبير.
جلست تقرأ في الكتاب بعدما قامت بمساعدة والدتها في أعمال البيت، أتى موعدها معه فنزلت له بسعادة بالغة تعتلي ملامح وجهها نظر لها ولفرحتها بسعادة ثم إعتدل في وقفته و يقول بعدما تنهد بعمقٍ :
“في قاعدة في القانون المدني بتقول إن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة بيكون باطل حتى لو برضاه، طب اللي بتعمليه في قلبي كل ما يشوفك دا يرضي مين؟”
إتسعت حدقتيها مما سمعت وإرتسمت بسمة بلهاء على وجهها، بينما هو غمز لها بطرف عينه ثم قال بمرحٍ:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
أومأت بقوة ثم إبتسمت بسعادة، ركب السيارة وهي خلفه وبعد دخولهما السياؤة سألته هي بهدوء:
“ماشاء الله بتعاكس بكل المجالات، حتى القانون مسبتوس في حاله”
غمز لها ثم قال:
“العبد لله علشانك يدوس في أي حاجة”
بعد قليل من القيادة أوقف السيارة أسفل منزل «ميمي» بعدما قصت عليه تفاصيل يومها التي زادت من سعادتها، صعد الشقة وهي معه وكالعادة وجد الجميع في إنتظاره، تم الترحيب بهما من قبل الجميع، أول من تحدثت بعد الترحيب كانت «إيمان» حينما قالت:
“الحمد لله البهوات الأتنين وصلوا بالسلامة، نبدأ لعبتنا بقى”
نظر الجميع لها بإندهاش ، بينما هي قالت:
“من غير ما حد يبصلي كدا، أنا هبدأ وسؤالي هيكون لـ عامر”
ضحك الجميع بينما «عامر» ضرب وجهه بكفيه وقال:
“حضروا المأذون علشان بيتي هيتخرب بعد ٣ دقايق”
ضحك الجميع عليه، عدا «إيمان» التي قالت بتحدٍ:
“متخافش يا عامر، دا أنا طيبة وهقولك سارة بالنسبة ليك إيه؟”
نظر «عامر» لزوجته ثم غمز لها وهو يقول:
“حيث كدا بقى يبقى نجاوب”
تدخل «خالد» يضيف قائلًا:
“جاية عند ملك التثبيت وتسأله سؤال زي دا”
رد عليه «ياسر» مُتدخلًا بمرحٍ:
“لأ أنا بحب إجاباته أوي والله هنشوف عظمة”
وقف «عامر» بشموخٍ وهو يقول بحب:
“الإجابة هي
سارة تحديدًا زي حاجة حلوة وسط كل حاجة ملهاش طعم،حاجة كدا زي الخمسة جنيه اللي متخلنيش أفك الـ ٢٠٠ جنيه، زي أخر إزازة مياه ساقعة في التلاجة وسط المياه السخنة، زي يوم الجمعة لواحد طلع عينه طول الأسبوع، لو حسبناها هنلاقي كل الحاجات اللي قولتها مرتبطة بالراحة، يعني ببساطة سارة عندي هي الراحة”
يُتَبَعَ