“الفصل الثلاثون”
“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
_________________
ما بال الفؤاد في عشق هواكِ متيمٌ..
كُلما إستدار عنكِ عاد تحت ثُرى قدميكِ مخيمٌ
_________________
أخبريني كيف لِـمشردٌ بالطريق أن يصبح في بحور عيناكِ غريق، يا من خفق قلبي الساكن لأجلها، يا من يفيض شوقي من عيني لها و تُضيف لِـحياتي وهجٌ و بريق
“كُل الطُرق أصبحت تؤدي إليكِ..
كل المساكن وجدتُها في عينيكِ”
بعد تلك الجملة التي ألقاها على مسامعها لِـتطرب آذانها، وتمر على أُذينها، كان قلبها يخفق فَرِحًا وعلى الرغم من حبه الظاهر لها إلا أن حديثه دائمًا يلقي الطمأنينة بداخل قلبها،
تحرك هو بالسيارة وهي تبتسم تارة و تارةً أُخرى تتورد وجنتيها خجلًا كلما تذكرت حديثه، وبعد مرور ما يقرب خمسة عشر دقيقة، توقف هو بسيارته أمام أحد الكافيهات الهادئة نسبيًا، نظرت له وجدته يبتسم لها بهدوء، نزل هو من السيارة وهي خلفه بتوتر واضح، وقبل دخولهما التفت لها ورسم بسمة بسيطة على وجهه وقال بنبرة هادئة:
“المكان دا هادي شوية هنقعد فيه علشان تهدي من التوتر شوية وبعد كدا هنبدأ يومنا اللي أنا مخططله”
أماءت له في هدوء ولم تُعقب دخل الكافيه وهي خلفه مُطرقة برأسها للأسفل، سحب لها المقعد لتجلس أولًا ، ثم جلس هو مُقابلًا لها، نظر لها بتمعن وجد التوتر باديًا على ملامح وجهها، أخذ هو نفسًا عميقًا ثم مد كفه وإحتضن كفها وقال بهدوء:
“مالك بس إيه اللي مخوفك أنا معاكِ أهو”
نظرت له بهدوء ثم قالت:
“مش عارفة بس الأماكن دي بتوترني، يمكن علشان مش واخدة عليها أو يمكن علشان أنا بطبعي مش بحب الأماكن دي”
ربت على كفها وقال بنفس النبرة الهادئة:
“بصي يا ستي من أهم الخطوات في علاج الرُهاب الإجتماعي إنك تعملي الحاجة اللي بتخافي منها، يعني تتحدي خوفك دا وبعدين إحنا مش جربنا قبل كدا وكان اليوم حلو؟ يبقى ليه تخلي خوفك يعجزك،افتكري دايمًا إنك قدها و قدود وإفتكري إني واثق فيكِ”
إبتسمت دون أن تعي لذلك، ثم أخذت نفسًا عميقًا لعلها تُهدئ به نفسها قليلًا، و هزت رأسها موافقة بهدوء ثم قالت:
“تعرف إن دا نفس الكلام اللي الدكتورة قالته النهاردة؟ قالتلي برضه إني أقدر وإني لازم أخلي خديجة التانية تخرج وتتعامل مع الناس أنا ساعات بحس إني فعلًا محتاجة حياتي يكون فيها ناس وساعات بحس إني خايفة منهم بس الأكيد اني مش مبسوطة كدا”
أومأ لها مُتفهمًا حالتها، وقبل أن يُعقب على حديثها اتى النادل ليأخذ طلباتهما، حمحم «ياسين» ثم نظر لها قائلًا:
“بتحبي الجوافة باللبن؟”
إبتسمت بهدوء ثم أومأت له، بادلها نفس البسمة ثم طلب ما يريده من النادل الذي ذهب بعد ذلك من أمامهما بإحترام، نظر لها وهو يسألها بنفس البسمة الهادئة:
“طب بتضحكي ليه طيب؟”
إتسعت بسمتها أكثر ثم قالت بهدوء:
“لا أبدًا أصل افتكرت يوم عصير القصب باللبن، والحقيقة مستغربة حبك الغريب للعصاير باللبن، علشان أنا مبحبش اللبن”
إتسعت بسمته فقال بهدوء:
“كل الحكاية إن أمي بتحب اللبن أوي، وعلشان تقدر تخليني أحبه بقت بتحطهولي في كل حاجة، فبقيت أحب العصاير كلها باللبن، بس إزاي مش بتحبي اللبن ولما سألتك عن عصير الجوافة باللبن قولتي آه”
حمحمت بإحراج ثم قالت بهدوء:
“بصراحة يعني أنا عندي ثقة في ذوقك، يعني أنا مشربتش جوافة باللبن قبل كدا، بس متوقعة إنها تكون زي عصير القصب باللبن”
أومأ لها بهدوء ولم يتفوه بِـحرفًا، أتى النادل ووضع العصائر أمامهما ثم رحل، نظرت «خديجة» هي حولها تتفحص المكان بأعينها فوجدته هادئً يوجد به عدد قليل من البشر، وكلًا منهم غير مبالٍ لما حوله، كان هو يتابع حركاتها بهدوء، فقال حتى يخفف حدة توترها:
“بصي كدا كل واحد فيهم في حاله، يعني محدش مركز مع التاني ولو حد فيهم مركز يبقى مركز مع اللي يخصه و بس، أنا عاوزك دايمًا تكوني متأكدة من كدا إنك محدش بيراقبك ومحدش مستني منك غلطة علشان يمسكهالك”
أومأت له بتوتر، ثم أمسكت الكوب لكي ترتشف منه، بينما هو إبتسم لها ثم فعل المثل، وبعد الإنتهاء من تناولهما المشروب وقف «ياسين» بعدما أخرج النقود ووضعها على الطاولة، نظرت له هي متعجبة، فقال لها بهدوء:
“علشان نلحق اليوم من أوله، لسه يومنا سوا طويل”
أومأت له ثم وقفت بجانبه أخذها من يدها ثم وقف بجانب السيارة وهو يقول بمرحٍ:
“هعيشك يوم يا ست الكُل تحلفي بيه طول حياتك”
إبتسمت بهدوء ثم أومأت له، ركبا السيارة سويًا، وشرعا في بداية رحلتهما.
__________________
في بيت آلـ «رشيد» كان الشباب يجلسون سويًا على سطح البيت، وكان «وئام» معهمم، كانت الأحاديث دائرة بينهم عن العمل وعن الفترة القادمة، وبعد الإنتهاء من الأحاديث وقف «وئام» وهو يقول:
“طب أنا هنزل أطمن على هدى رجعت ولا لأ من عند الدكتور، وهرتاح شوية تحت”
أومأ له الجميع، فوقف «أحمد» أيضًا وهو يقول:
“خدني معاك، أروح المطبعة أأكد عليهم التصاميم وبعدها أروح لصحابي شوية”
تدخل «طارق» يقول بحكمة:
“لو مش قادر خليك وأنا أروح معنديش مشاكل، المهم أنتَ متكونش متضايق”
إبتسم له «أحمد» ثم قال:
“لأ متقلقش، أنا فعلًا عاوز أروح المطبعة خلاص اتعودت”
نظر له «وليد» بخبثٍ وهو يقول:
“دا علشان بس مش لاقي حد يتابع أخباره هنا، بيلهي نفسه بالبعد”
شعر «أحمد» بالتوتر فأشار لـ «وليد» بالصمت لكن «وليد» ضحك بشدة ليثير إستفزازه، بينما «طارق» و «وئام» نظر كلاهما لبعضهما البعض بتعجب، فتحدث «وئام» قائلًا:
“ماتفهمنا أنتَ وهو في إيه؟ إيه حكايتكم؟”
تحولت نبرة «وليد» إلى الجدية وهو يقول:
“كل الحكاية إن أحمد بيحب بنت الجيران، هو قالي مقولش لحد، بس أنتم مش حد علشان كدا قولتلكم”
جلس «وئام» مرةً أخرى ثم قال بهدوء:
“مين بقى دي إن شاء الله؟”
وقبل أن يتحدث أيًا منهما، نطق «طارق» بقوة:
“منة بنت الأستاذة وفاء صح؟”
شهق «أحمد» بقوة وإتسعت مقلتيه، بينما «وليد» أضاف مؤكدًا:
“الله ينور على أهلك هي منة”
جلس «أحمد» بحنقٍ ولم يُعقب، بينما تحدث «طارق» بجدية:
“أنا مش أهبل ولا أنا عيل صغير، أنا عارف كل حاجة، وعارف كمان إن رقبتك إتلوحت من كتر البص على البلكونة اللي فوقك، بس قولي هي السبب في التغير دا؟”
زفر «أحمد» بضيق ثم قال:
“يعني مش بالظبط كدا؟”
تدخل «وئام» قائلًا بِـحدة:
“يعني إيه مش بالظبط كدا؟”
أخذ «أحمد» نفسًا عميقًا زفره على مهلٍ ثم قال:
“أنا أعجبت بيها بصراحة، ولما كنت هكلمها خديجة حست بالموضوع فـ نصحتني وقالتلي إن اللي مقبلوش عليها أو على خلود مقبلوش على بنات الناس وإن مينفعش أكلمها من غير أي علاقة رسمية بينا”
نظر له «طارق» بتمعن وهو يقول بنبرة جامدة:
“وبعدين عملت إيه بعد كدا؟”
هز «أحمد»كتفيه ثم قال:
“ولا أي حاجة خرجت الموضوع من دماغي، وكمان خديجة قالتلي أشتغل وأبني نفسي علشان لما أتقدم رسمي مترفضش ، فبدأت معاكم شغل والصراحة لقيت نفسي بدل ما أنا كنت مقضيها خروج و نزول، واللي ساعدني أكتر إنها راحت عند أختها وقاعدة معاها يعني مبشوفهاش خالص”
قام «وئام» وإقترب منه ثم ربت على كتفه وهو يقول:
“طالما بتتقي ربنا يبقى ربنا مش هيخذلك، والله طول ما أنتَ بتبعد عن الحاجة اللي تغضب ربك، ربك هيكرمك باللي يفرح قلبك”
أضاف «طارق» وهو يبتسم:
“شوفت كلام أختك موزون إزاي؟ وشوفت أنتَ حياتك بقت عاملة إزاي؟ على العموم كمل معانا زي ما أنتَ ووعد مني أنا هطلبهالك بس بعد ما نخلص فرح خديجة، ونشوف فرح وليد وعبلة”
وبمجرد إنتهاء جملته وجد «وليد» ينهال عليه بالقُبلات وهو يقول:
“الله يجبر بخاطرك ويراضيك يا طارق يا بن سُهير”
أبعده «طارق» عنه وهو يقول بحنقٍ:
“إيه يا متخلف أنتَ حد يعمل كدا”
وقف «وليد» وهو يدور حول نفسه ويقول بفرحٍ:
“هتجوز عبلة بجد، يعني قربت خلاص من حلم حياتي؟”
ضحك عليه الشباب بقوة وكلًا منهم يضرب كفًا بالأخر تعجبًا من حالته، بعد ذلك وقف «وئام» ثم قال بجدية:
“أنا هنزل بقى علشان أشوف هدى، وأنتَ يا أحمد هتنزل؟”
أومأ له «أحمد» موافقًا ثم نزل معه، نظر «طارق» في وجه«وليد» وجده شاردًا وعلامات التوتر بادية على وجهه وكأن حاله تبدل خلال ثوانٍ، إقترب منه ثم هزه برفق وهو يقول:
“إيه يا وليد حصلك إيه؟ ما أنتَ كنت كويس دلوقتي؟”
نظر له «وليد» والدموع تلمع بمقلتيه وهو يقول:
“طارق تفتكر عبلة هتوافق عليا لو عرفت إن أنا كنت مدمن؟”
ربت «طارق» على كتفه بهدوء ثم قال:
“إيه اللي خلاك تفكر كدا؟ ليه افتكرت دا دلوقتي؟ إحنا نسينا الفترة دي خالص أنا وأنتَ و وئام وأبوك و خديجة، دول بس اللي عارفين في العيلة ولا واحد في دول يقدر يقولها”
زاد خوف «وليد» أكثر فقال:
“مش عارف ليه خايف وحاسس إنها مش هتقبل بيا، عبلة متسرعة ومش هتفهم أني اضحك عليا، بس والله ما كان بمزاجي أنا كنت فاكرهم صحابي وهما اللي عملوا فيا كدا”
أخذه «طارق» بين ذراعيه حينما لاحظ الإهتزاز في صوته واضحًا بقوة ثم ربت على كتفه وهو يقول:
“محدش فينا يقدر يلومك ولا يتهمك بحاجة، أنتَ لما عرفت القرف اللي عملوه فيك جيت وطلبت نعالجك، ممكن واحد غيرك كان داس في السكة دي لحد ما الطريق ينتهي بموته أو رميته في السجن، بس أنتَ اخترت نفسك علشانها، وخليك فاكر كويس يا وليد، أنا شرف ليا إني أقف قدام الناس وأقول إنك جوز أختي، وشرف لعبلة نفسها إنها تكون مراتك”
خرج «وليد» من بين ذراعيه ومسح دموعه ثم قال بهدوء:
“طب لو حصل وعرفت وقررت تسبني هعمل إيه ساعتها؟”
إجابه «طارق» بقوة نابعة من داخله:
“يبقى هي الخسرانة ، وصدقني ساعتها متستاهلش حبك ليها”
أومأ له «وليد» بهدوء، وهو يفكر في رد فعلها حينما تعلم بما حدث له في الماضي، دون علم أو إرادةً منه.
______________
في شقة «ميمي» جلس الشباب فقط دون الفتيات، كان «عامر» ممسكًا في يده ورقة و قلم يقوم بترتيب زفافه قام فجأة وهو يصرخ قائلًا:
“لأ كدا كتير، أنا ضغطي عِلي بيحسبوها إزاي دي؟”
كان «خالد» يأكل الفواكه التي أمامه هو و «ميمي»، بينما «ياسر» كان ممدًا على الأريكة، وحينما لاحظ «عامر» تجاهل الجميع له صرخ مرةً أُخرى قائلًا:
“يا جدعان عبروني بتعملوها إزاي دي، يعني أروح اقولهم إيه؟”
نظر له «خالد» بضيق ثم قال بصوتٍ عالٍ:
“فيه إيه ياض أنتَ، رفعتلي الضغط مالك قارفنا ليه؟”
نظر له «عامر» بضيق وهو يقول:
“مش عارف يا خالد أحسبها، ولا أحلها إزاي ؟ عمار بيمتحن وأنا مش عارف أعمل إيه العفش هيروح الشقة إزاي؟ وفي نفس الوقت ياسر عاوزنا معاه علشان ننقل العفش بتاعه والمفروض أشوف القاعة وأحجزها”
زفر «خالد» بضيق، بينما «ميمي» تحدثت بهدوء كعادتها قائلة:
“يا بني سلمها لربك، متفضلش تحسبها علشان تدابير ربك أجمل بكتير”
أخذ نفسًا عميقًا ثم قال بهدوء:
“ماشي يا ميمي بس خلاص الوقت مش فاضل فيه كتير، وبعدين أنا مش فاهم أحجز القاعة إزاي بقى؟”
رفع «خالد» حاجبه و أنفه فأصبح وجهه ممتعضًا وهو يقول:
“نعم يا أخويا يعني إيه مش عارف تحجز القاعة إزاي؟ أنتَ عيل صغير؟”
نظر له «عامر» بضيق ثم قال بطريقة طفولية:
“أيوا يعني أروح أقول للراجل يا عمو فرحي الأسبوع الجاي خلي القاعة فاضية علشان مزعلش منك؟”
ضحكت «ميمي بقوة على طريقته و «خالد» أيضًا، بينما «ياسر» إستيقظ وقال بسخرية:
“دا لما تكون رايح حجز كورة يا أهطل، مش قاعة ليلة العمر”
نظر له «عامر بسخرية مماثلة لطريقته ثم قال:
“صح النوم يا دكتور، أنا مش عارف جايلك نوم إزاي والدنيا مكركبة على دماغنا كدا، يابني أنتَ مش فرحك بعدي بحاجات بسيطة؟”
هز «ياسر» كتفيه بلامبالاة وهو يقول:
“طب وفيها إيه يعني، هتتحل متخافش، أنتَ بس اللي متوتر وموترنا معاك”
أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“أنا مش عارف مالي بجد حاسس إني عاوز كل حاجة تكون مظبوطة ومش عاوزها تزعل، في نفس الوقت حاسس إن مش هلحق، حاسس…حاسس كدا من فرحتي إني عاوز أطلقها”
فرغ فاه الجميع مما قاله ، بينما «ياسر» حرك رأسه بقوة، ثم قال:
“هو أنا مش فاهم بالظبط أنتَ عاوز إيه؟بس اللي متأكد منه إنك بتعك الدنيا”
وافقه «خالد» في الحديث ثم أضاف قائلًا:
“بيعكها على دماغه و دماغنا، المهم لو على القاعة أنا هحجزها لك ، ولو على الناس أنا هعزمهم شوف حاجة تانية توتر نفسك عليها”
قام «عامر» وإحتضنه بقوة وهو يقول:
“بجد يا خالد هتتولى أنتَ المهمة دي مكاني؟”
ربت «خالد» على كتفه بحنان ثم قال وهو يبتسم:
“متقلقش يا عامر كل حاجة هتبقى زي ما أنتَ عاوز وأحسن إن شاء الله”
تدخل «ياسر» بحنقٍ:
“يا سلام وأنا هتبعني كدا يا خالد؟ عامر هيشغلك عني؟”
فتح «خالد» ذراعه الأخر لـ «ياسر» حتى يأتي له، أقترب منه «ياسر» مُتذمرًا، ضم «خالد» الأثنين بين ذراعيه ثم قال بنبرة حنونة:
“ولا أي حاجة في الدنيا دي كلها تقدر تشغلني عن واحد منكم أنتَ التلاتة حتى الواد ياسين زيكم بالظبط، وفرحة واحد فيكم كأنها فرحتي بالظبط، مش عاوز واحد فيكم يخاف طول ما أنا معاكم ماشي؟”
نظرت لهم «ميمي» و الدموع تلمع بمقلتيها على هذا المشهد المحبب لقلبها، وهي ترى كلًا من «ياسر» و «عامر» ينام على كتف «خالد» وخالد ضاممًا إياهم بين ذراعيه بحب.
_____________
بعد فترة من القيادة، كانت «خديجة» تراقب فيها الشوارع والمارة بها وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم تزفره على مهلٍ, توقفت السيارة أمام كورنيش النيل، إتسعت إبتسامتها ثم نظرت له وهي تقول:
“لأ فعلًا مكان جديد مكنتش متوقعاه خالص يا ياسين؟”
غمز لها بطرف عينه ثم قال بثقة:
“لأ أنا واثق إن الجاي كله أنتِ مش متوقعاه، صبرك عليا بس يا ست الكُل”
نزل من السيارة ثم تبعته هي بهدوء، إحتضن كفها بين كفيه ثم قال:
“خدي نفسك بقى علشان اللي جاي كله دا عاوز بال رايق يا خديجة”
أومأت له في هدوء ولازالت البسمة الهادئة تُزين وجهها، نزل بها عدة درجات، ثم اقترب من أحد المراكب الصغيرة التي تتحرك داخل نهر النيل، وجد رجلًا في أواخر العقد السادس من عمره تتميز ملامحه بالبساطة والهدوء، ذهب إليه وألقى عليه التحية بحرارة وأحتضنه بشدة، تعجبت «خديجة» مما رآته، بينما نظر لها الرجل بهدوء ثم قال:
“قولتلك يا ياسين إن السنة دي هتيجي ومعاك عروستك مصدقتنيش”
ابتسم له «ياسين» ثم قال:
“غلبتني يا عم عبدالله، وأهو طلع كلامك صح وجيت بيها”
ربت الرجل على كتفه ثم قال:
“ربنا يسعدكم يا بني و يفرح قلوبكم، أنا جهزت طلبك كله وهتلاقي عبدالرحمن إبن ابني معاكم”
إتسعت إبتسامة «ياسين» ثم قال:
“ربنا يباركلي في عمرك يا رب”
نظر لها «ياسين» وجد التعجب باديًا على ملامح وجهها، تحولت نظرته إلى الخبث ثم قال:
“صحيح يا عم عبدالله سندس روح قلبي عاملة إيه؟”
علم «عبدالله» بنظرته الخبيثة، فقرر مجاراته بقوله:
“بتسلم عليك وبتقولك إنك وحشتها أوي”
احتقن وجه «خديجة» ضيقًا مما سمعته، بينما «ياسين» قرر إثارة إستفزازها أكثر حينما رآى ضيقها، فقال:
“وهي وحشتني أوي، سلملي عليها وبوسهالي لحد ما أشوفها وأسلم عليها بنفسي”
ضحك «عبدالله» ثم قال:
“بس هي بتسأل عن خطيبها ياسر”
بادله «ياسين» الضحك ثم أضاف قوله:
“آه علشان عينهم زرقا زي بعض يعني؟ على العموم ماشي علشان نلحق اليوم من أوله”
ثم بعد ذلك أمسك كفها لكي ينزل بها للمكان المخصص للمراكب، كانت تود سحب يدها من يده، لكنه ضغط عليها برفق ثم قال بصوتٍ منخفض:
إهدي يا ست الكل مالك، ننزل بس المركب وهفهمك كل حاجة”
نظرت له والدموع تلمع بمقلتيها ولكنها كانت متحكمة بها وحينما أطال نظره لها أومأت له في هدوء تام، أخذها وركب المركب وهي أمامه جلس هو أولًا ثم أشار لها بالجلوس، جلست هي على بعدٍ منه، إبتسم على حالتها تلك، وعلى الرغم من ضيقه من حزنها إلا إنه كان مستمتعًا بِـ غيرتها عليه، إقترب منه وهو يبتسم بشدة ثم قال:
“يعني هنقضي الوقت وأنتِ زعلانة كدا؟ ينفع تضيعي علينا الوقت الحلو دا؟”
نظرت له بحزن ثم قالت:
“أنا مبضيعش حاجة، روح أنتَ لـ سندس يا ياسين”
زادت بسمته إتساعًا ثم قال:
“يا ستار يا رب على البنات وهما غيرانين، على العموم ياستي سندس دي عندها ٣ سنين مش أكتر من كدا، وإحنا كنا هنا في عيد ميلاد يونس إبن خالد وشوفناها وهي حبتنا، ولو مش مصدقة أستني”
أخرج هاتفه ثم أخرج صورة للفتاة الصغيرة معه ومع أصدقائه، إنفرجت أساريرها بمجرد رؤياها للصورة، ثم إبتسمت ، بينما هو قال بحب:
“أنا عمر عيني ما شافت غيرك يا خديجة علشان تحبه، ولا حد يقدر يشغلني عنك”
أماءت له في هدوء والبسمة ترتسم على شفتيها رويدًا رويدًا، فقال هو:
“ها يا ستي كلميني عن نفسك بقى عاوز أعرف عنك كل حاجة”
نظرت له مستفسرة ثم قالت:
“أنتَ أكيد عارف عني حاجات كتير، وليد ميتوصاش”
حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“أنا عاوز أسمع منك أنتِ، عاوزك تشاركيني كل حاجة يا خديجة، حزنك و فرحك وكل حاجة لكِ”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“وأنا حاسة إني عاوزة أشاركك، مش عارفة ليه بس حاسة أني هرتاح كدا”
ربت على كفها ثم قال:
“الأول أستني عليا بس أجيب الحاجة اللي مجهزهالك”
تركها ثم ذهب للشاب الصغير الذي يعمل بالمركب ثم أخذ منه صندوق يحافظ على المثلجات، ثم عاد لها مرةً أخرى، نظرت له ولما يحمله بيده بتعجب، بينما إبتسم هو ثم قال:
“الأمر ميسلمش في الحر اللي إحنا فيه دا”
نظرت له مستفسرة ثم قالت:
“إيه دا يا ياسين؟
إبتسم بفخرٍ ثم قال:
“دا أيس بوكس فيه إيه بقى يا ستي؟ فيه تورتة وفيه حاجات سقعة علشان ترطب على قلوبنا”
قال حديثه ثم شَرَعَ في إخراج محتويات الصندوق أمام عينيها، إتسعت بسمتها ثم قالت:
“لأ بجد أنتَ إزاي كدا؟
هز كتفيه ثم قال:
“كدا إزاي يعني، أنا إنسان”
تبدلت نظرتها له إلى الحب ثم قالت:
“بس مش أي إنسان يا ياسين، وبعدين سؤال مهم عرفت منين أني كان نفسي أركب مركب في النيل، ولا جت معاك صدفة؟”
إبتسم لها ثم قال:
“بصراحة أنا خمنت يعني، وبعدين هو إزاي أنتِ مش بتخافي منهم؟”
هزت كتفيها ثم قالت:
“مش عارفة بس يمكن علشان أنا بحب الحاجات الهادية دي، أنا برضه إستغربت إني مخوفتش منها”
أومأ لها ثم قام بتقطيع القالب ثم وضعه أمامها وقال:
“يلا بقى أحكيلي عن نفسك”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“أنا خديجة، عندي ٢٤ سنة، خريجة كلية تجارة، زي ما أنتَ شايف كدا بخاف من كل حاجة، بس مش بسببي، بسبب اللي حواليا”
نظر لها مُستفسرًا ثم قال:
“ليه عملولك إيه؟”
أخذت نفسًا عميقًا وبدأت في الشرود في ماضيها وكأنه يمر أمامها ثم قالت:
“خديجة دي كانت جميلة أوي وشقية والكل بيحبها، بس لما بدأت تضرب وتتعاقب كله بدأ يكرهها، الفكرة كلها إني ولا مرة إضربت على حاجة عملتها فعلًا، كل مرة كان الذنب مش ذنبي”
لاحظ إرتجافة يدها و إهتزاز صوتها، فربت على كتفها بهدوء وقال:
“لو مش عاوزة تحكي خلاص، المهم أنك متكونيش متضايقة”
حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت:
“لأ يمكن أرتاح شوية لما أشاركك أو يمكن انسى”
حرك رأسه موافقًا في هدوء بينما أسترسلت في الحديث قائلة:
“كل مرة كنت بفضل أقول أنا معملتش كدا مكانش بيصدقني، وكل مرة أدافع عن نفسي يتهموني بالكدب، لحد ما بقيت بسكت عن حقي، في يوم بقى دا كان أكتر يوم إتضربت فيه دا مش بنساه خالص”
سألها مُستفسرًا:
“يوم إيه دا؟ وإيه اللي حصل ساعتها؟”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بنفس النبرة المهتزة:
“ساعتها كان أخر يوم ليا في إمتحانات ٦ إبتدائي، في ولد اليوم دا لقى الورقة بتاعة الملخص اللي كنت عملاه قبل الإمتحان وكنت كاتبة إسمي عليها، خدتها منه قدام المدرسة كلها عادي وروحت لجنة الإمتحان، روحت البيت اليوم دا هدير بنت عمي قالتلهم إنها شافت زميلي بيديني جواب، الدنيا قامت مقعدتش، وساعتها فتحوا شنطتي يفتشوها لقوا فعلًا جواب وقبل ما أدافع عن نفسي لقيت قلم ورا التاني على وشي، بعد كدا محستش بنفسي غير بليل لما صحيت لقيت نفسي في الأوضة اللي بترمي فيها و وليد ساعتها كان بيحاول يصحيني”
فرت دموعها بعد ذلك وزادت إرتجافتها وتوقفت عن الحديث ولم تستطع الإسترسال أكثر من ذلك، رآى هو حالتها تلك فآخذها بين أحضانه ثم ظل يربت على ظهرها وهو يقول بنبرة حنونة:
“إهدي علشان خاطري، متحكيش أكتر من كدا، كفاية”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بنبرة باكية:
“بس أنا عاوزة أحكي، عاوزة أخرج كل اللي جوايا”
ربت مرةً أُخرى على ظهرها ثم قال:
“أحكي يا خديجة لو دا هيريحك، بس خليكِ كدا في حضني”
أومأت بهدوء ثم قالت بعدما أخذت نفسًا عميقًا:
“ساعتها وشي كله كان وارم، وجسمي أزرق والمفروض آخر يوم إمتحانات بدل ما أفرح فيه شوفت اصعب يوم في حياتي، ساعتها طارق إبن عمي قال لأخته متكلميش خديجة تاني، وعمتو قالت لهدير ملهاش دعوة بيا علشان أنا مش محترمة، كلامهم ساعتها وجعني اكتر من الضرب، ونظرتهم ليا قتلتني من غير رحمة، وفضلت أفكر أنا فعلًا وحشة كدا ومستاهلش حد فيهم يحبني؟ لحد ما براءتي ظهرت بعدها بـ ٣ سنين”
تعجب مما قالته فسألها مستفسرًا:
“٣ سنين إزاي ؟ وكل دا محدش فكر يسأل عن الجواب ولا مين الولد دا؟ وبعدين الجواب دا جالك إزاي”
خرجت من بين ذراعيه ثم مسحت دموعها وقالت:
“ساعتها دا كان أخر يوم إمتحانات، وبعدها عدى فترة كبيرة أوي ونقلوني مدرسة بنات بس علشان يعني اتربى، ساعتها وليد كان أكبر مني بسنة، وبالصدفة قابل الولد دا في مدرسة الثانوي وسأله عن الجواب، الولد ساعتها قاله إنها كانت ورقة ملخص أنا عملاه، وبعد السؤال والتحريات طلعت هدير هي اللي حطالي الجواب”
إندهش «ياسين» مما وقع على مسامعه فسألها بذهولٍ:
“هدير؟ طب وإيه اللي حصل لها يعني عملوا معاها إيه؟”
هزت كتفيها ثم قالت بنبرة حزينة:
“ولا أي حاجة خلاص كان فات ٣ سنين وكانت هي أكبر مننا أنا و وليد وقالت إنها كانت صغيرة، كانت ساعتها في مبنى إعدادي اللي في المدرسة، وعمتو دافعت عنها وقالت إن انا غلطانة علشان كلمت ولد و وقفت معاه وقالت إن هدير كانت عاوزة تعلمني درس بس جه صعب شوية”
ربت على كفها ثم قال بنبرة حنونة:
“حقك عليا أنا يا خديجة، حقك عليا من الدنيا كلها”
إبتسمت له ثم قالت:
“عارف عيشت عمري كله لوحدي وفاكرة نفسي متحبش، أو أنا مستاهلش إن حد يبقى معايا، يعني عمري ما كان عندي صحاب، وعمري ما حد كان قريب مني، عشت طول عمري كله فاكرة نفسي مبعرفش اتكلم..لحدما…”
_”لحدما إيه كملي؟”
خرجت منه تلك الجملة بنفس النبرة الهادئة، فأكملت هي بهدوء:
“لحدما قابلتك، لقيت نفسي بتكلم ولقيت نفسي عاوزة أتغير حسيت أني جميلة أوي، كل مرة بشوف نفسي في عينك يا ياسين بحس أني أجمل بنت في الدنيا”
إبتسم ثم أضاف قائلًا ليؤكد حديثها:
“أنتِ جميلة أوي فعلًا يا خديجة، جميلة من كله، في قربك عني وفي بعدك عني زي نجوم السما، عينك جميلة ومن نظرة منها بطمن، أنتِ اللي زيك مكسب لأي حد، وخسارة في أي حد”
رفعت رأسها تنظر له والدموع تلمع بمقلتيها ثم قالت:
“عارف من ضمن الأسباب اللي خلتني اوافق على جوازي منك كان خوفي منهم في البيت لو رفضت، وكنت عاملة حسابي إن بعد فترة أطلب منك تسبني”
سألها بمرحٍ:
“طب و دلوقتي يا ست الكل برضه عاوزاني أطلقك؟”
حركت رأسها نفيًا بقوة ثم قالت:
“أنا دلوقتي مش عاوزة غير وجودك أنتَ يا ياسين، ولو فيه حاجة في حياتي تستحق أني أتغير علشانها يبقى أنتَ برضه يا ياسين”
إرتفعت ضربات قلبه بشدة من إعترافها ذلك، ثم إقترب منها وطبع قبلة حنونة فوق جبينها ثم قال:
“وأنا والله مش عاوز غير إن عمري كله يكون معاكِ، بس وأنا مفرحك فيه، مش عاوزك تزعلي تاني يا خديجة علشان اللي زيك الزعل مش علشانه”
أومأت له في هدوء، ثم أمسكت الطبق الذي أمامها وبدأت تتناول منه في هدوء وفعل هو المِثل، وبعد ذلك حمحم ثم صفق بكفيه معًا وقال:
“يلا بقى علشان نمحي فقرة الحزن اللي فاتت دي”
نظرت له بتعجب فوجدته يوقفها وهو يبتسم بشدة اوقفها ثم وقف هو خلفها وهو يقول:
“من غير غِش هتغمضي عيونك، ومتلفيش غير لما أقولك”
إبتسمت بتعجب ثم قالت:
“إيه يا ياسين أنتَ عازم السمك عليا النهاردة ولا إيه؟”
ضحك هو من خلفها ثم قال:
“لا حول ولا قوة إلا بالله، صحيح من إعتاد القلق ظن الطمأنينة فخًا”
إتسعت هي بسمتها أكثر ثم قالت:
“طب إيه طيب هفضل كدا كتير؟ أنا قربت أدوخ”
أخرج هو شيئًا من جيبه سترته ثم قال:
“لأ خلاص والله أهو لفي بس وأنتَ مغمضة عيونك”
إلتفتت له ولازالت البسمة تُزين وجهها، حمحم هو ثم قال:
“فتحي عينك بقى”
فتحت عيناها بهدوء فوجدته ممسكًا بخاتم من الفِضة يتوسطه فراشة صغيرة والبسمة العذبة تُزين محياه، شهقت هي بقوة ثم فرت دموعها رغمًا عنها، بينما هو إقترب منها أكثر ثم قال:
“تتجوزيني يا خديجة؟”
نظرت له بتعجب ثم قالت بهدوء:
“طب ما أنا مراتك يا ياسين ؟”
حرك رأسه نفيًا ثم قال بصوتٍ قوي:
“لأ يا خديجة أنا عاوز أسمعها منك برضاكِ من غير خوف من حد”
صمتت وهي تنظر له بينما هو امعن النظر لها أكثر وحينما طال صمتها أكثر، سألها بنبرة حزينة:
“إيه يا خديجة مش هتردي عليا؟”
إقتربت منه وهي تمد كفها له ثم قالت:
“طبعًا موافقة يا ياسين، ولو في عمره كله بعمل أي حاجة الإجبار أنتَ الوحيد اللي القلب والعقل يوافقوا عليه”
تنهد هو بعمقٍ ثم ألبسها الخاتم بجانب دبلته التي تُزين إصبعها، أما هي إبتسمت بعمق ونظرتها له تعبر عن الحب الذي تكنه له في قلبها.
___________________
في بيت آلـ «رشيد» قررت «هدير» عودة العلاقات بينها وبين «عبلة» حتى تستطع تنفيذ مخططها،لذلك هاتفتها لكي تجلس معها فوق سطح البيت، صعدت «عبلة» لها ثم نظرت لها بضيق وقالت:
“خير يا هدير، أؤمري المرة اللي فاتت قولتيلي إني بقيت زي خديجة و وليد ، المرة دي بقى هكون زي مين؟”
علمت «هدير» أن «عبلة» لازالت تشعر بالضيق منها، فوققت تقول بمزاح:
“ياستي بهزر معاكِ، وبعدين أنا كنت مخنوقة وأنتِ بدل ما تواسيني رميتي كلام زي السم في وشي”
نظرت لها «عبلة» بطرف عيناها ثم قالت:
“واللهِ؟ ماشي يا هدير بس أنا مش هسمحلك إنك تغلطي في وليد أو خديجة أو أي حد ، كفاية كدا بقى يا هدير”
تصنعت «هدير» الهدوء ثم قالت:
“ماشي يا عبلة بس بجد متزعليش مني أكتر من كدا، أنا حاسة أني لوحدي من غيرك هو وليد من الخطوبة بعدنا عن بعض ، أومال لو كتب كتاب هيعمل إيه؟”
نظرت لها «عبلة» بهدوء ثم قالت:
“لأ وليد ملوش علاقة، أنا بس إنشغلت في الكورس وفي الحاجات اللي بتابعها على النت علشان تساعدني في حياتي”
أمسكت «هدير» كفها ثم قالت:
“طب ومن إمتى وأنا معرفش عنك حاجة؟ إحنا إتحسدنا على فكرة”
إبتسمت «عبلة» بهدوء كعادتها ثم قالت:
“ماشي يا هدير تعالي بقى أعرفك عملت إيه في الكورسات”
أومأت لها «هدير» بفرحٍ ثم قالت:
“تعالي بقى أفرجك أشتريت إيه أول إمبارح”
إبتسمت لها «عبلة» باطمئنان، بينما «هدير» الخبث كان يلمع داخل بمقلتيها وهي تشعر بالإنتصار من قرب ما تخطط له.
في شقة «مُشيرة» انتهت «صباح» من ترتيب شقة «مُشيرة» ثم خرجت لها بهدوء وقالت:
“ست مُشيرة أنا خلصت الشقة كلها خلاص، تؤمري بحاجة تانية؟”
حركت «مُشيرة» رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت:
“لأ يا صباح تسلمي، خدي دول وفي شنطة فيها حاجات مهمة خديها”
أعطتها أوراق مالية ، ثم اشارت على مكان الحقيبة، ذهبت تلك الفتاة التي على وشك الدخول في العقد الثالث تجاه الحقيبة ثم أمسكتها بفرحة كبيرة، تفحصت الحقيبة ثم قالت:
“بس دي فيها كتير أوي يا ست مشيرة”
إبتسمت لها ثم قالت:
“دي حاجات لكِ و لبنات أختك، صحيح هي عملت إيه مع جوزها”
جلست «صباح» أمامها وهي تقول بصوتٍ خبيث:
“رجعته تاني وطلق مراته ورماها رمية الكلاب في الشارع”
نظرت لها «مُشيرة» بإستفسار ثم قالت:
“إزاي يا بنتي مش قولتي إنه إتجوز عليها علشان الولد”
أومأت «صباح» بقوة ثم قالت:
“وفعلًا حملت، بس البركة في الشيخ عزيزي ومراته عملولها عمل خلاها سقطت وأختي تاني يوم كانت ظع جوزها في البيت”
نظرت لها «مشيرة» بتعجب ثم قالت:
“إزاي يا بنتي وفين ياختي الشيخ عزيزي دا؟”
إلتفت «صباح» حولها وكأنها ستفصح عن سرًا حربيًا ثم قالت بنبرة خفيضة:
“الشيخ عزيزي دا في الفيوم أختي راحتله مع مرات عمي لما كانت هناك في زيارة، بس بركة في خلال إسبوع كانت كل حاجة رجعت تاني”
نظرت لها «مُشيرة» بتمعن ثم قالت:
“إزاي دا يا بت يا صباح، وهو التخاريف دي بتنفع؟”
أومأت «صباح» بقوة تؤكد حديثها ثم أضافت:
“آه ورب الكعبه بتنفع أسأليني أنا، عدم المؤاخذة يعني يا ست مشيرة، مش أنتِ عندك مشاكل هنا مع الست مروة و الست زينب؟ إيه رأيك تيجي معايا؟”
تحولت نظرة «مُشيرة» إلى الجد ثم قالت بنبرة قوية:
“أنتِ هبلة يا بت أنتِ ولا إيه، عاوزاني على أخر الزمن أعمل سحر وتخاريف لمراتات أخواتي؟”
شعرت «صباح» بالإحراج فقالت بنبرة خَجلة:
“حقك عليا يا ست مُشيرة، والله كان قصدي مصلحتك”
نظرت «مشيرة» لها بِـحدة ثم قالت:
“لو الموضوع دا إتفتح تاني مشوفش وشك هنا تاني مفهوم؟”
أومأت لها بهدوء بينما «مشيرة» نظرت أمامها ولم تُعقب.
_______________
بعد غروب الشمس خرج «ياسين» و «خديجة» برفقته بعدما التقط لها صورًا عديدة داخل المركب والتقط له صورًا برفقتها والبسمة تُزين وجهيهما، ركب السيارة وهي معه كانت تنظر للخاتم بإصبعها بفرحة كبيرة ،و عندما شرع في القيادة نظر لها بطرف عينه فوجدها تنظر للخاتم وهي تبتسم، فتنحنح ينقي حنجرته وقال:
“أتمنى إن اليون يكون عجبك وتكون المركب وشها حلو عليكِ”
نظرت له وهي تبتسم ثم قالت بنبرة حماسية:
“اليوم بدايته كانت صعبة شوية، بس بجد دا أحلى ٣ يوم حلو في حياتي يا ياسين”
نظر لها وهو يضحك ثم قال:
“أنتِ هتعدي على نفسك الأيام الحلوة يا خديجة؟ المهم الخاتم عجبك؟”
_”أوي، يا ياسين رقيق أوي، أنا كمان بحب الفضة أوي”
خرجت منها تلك الجملة بسعادة بالغة ولم تستطع السيطرة على نبرتها، فرح هو نتيجة لفرحتها، بينما باغتته هي بسؤالها:
“بس ليه فراشة بالذات؟”
نظر لها ثم قال وهو يضحك:
“أنا من ساعة ما شوفتك حاسس إنك عاملة زي الفراشة يا خديجة، جمالك مُبهر وأنتِ بذات نفسك متعرفيش جمالك دا”
نظرت له بحب ثم قالت:
“هي الفراشات عاملة إزاي؟”
أجابها دون تفكير:
“عاملة زيك كدا”
سألته بتعجب:
“إزاي يعني؟”
هز كتفيه ثم قال:
“زيك كدا تِسحرك لما تشوفيها، وعندها جمال غريب يدوخ”
إرتفعت ضربات قلبها بينما هو نظر لها ثم قال بمرحٍ:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
قال جملته ثم غمز لها بطرف عينه، أعادت هي نظرها للخواتم بإصبعها، ثم ملست بإصبعها عليهما، حيث كان خاتم الفراشة بجانب الإصبع الذي يتوسطه الدِبلة التي تحمل إسمه.
أوقف السيارة أمام مكان يشبه الأماكن المُخصصة للأطفال كانت ألوانه جميعها مُبهجة بشدة نظرت له بتعجب فوجدته يومأ لها وهو يقول:
“بصراحة أنا جوايا طفل صغير محتاج يلعب، ومش هلاقي أعز منك أشاركه طفولتي، فـ تسمحيلي بالفرصة دي؟”
مد كفه لها بهدوء فلم تستطع رفض تلك الفرصة فأومأت له بهدوء وهي تبتسم بتوتر ، خرج هو من السيارة ثم خرجت هي خلفه، دخلت معه المكان لكنها شهقت بقوة حينما رآت المكان مليء بالألعاب والأطفال الصغار، التفتت تنظر له فوجدته يبتسم ثم قال:
“مكان زي دا بقى مش عاوز خوف أعتبري نفسك في قناة كارتون”
نظرت له بتوتر ثم قالت:
“طب إحنا هنا بنعمل إيه إحنا مش معانا أطفال؟”
إقترب منها يقول بمرحٍ:
“مين قالك إننا مش معانا أطفال، أنتِ أهو يا خديجة”
نظرت لنفسها بتعجب ثم قالت:
“طب إزاي وهنعمل هنا إيه؟”
أخذها من كفها ثم قال:
“هنعمل حاجات كتير أوي، تعالي معايا بس”
أخذها و سار بسرعة كبيرة، ثم وقف فجأة أمام عربة
(غزل البنات) كانت ألوانها مبهجة جلب لها وله أيضًا، مد يده لها حتى تأخذه منه فنظرت له بتوتر ثم قالت:
“مش هعرف آكله صدقني “
تفهم ما تشعر به، فأشار لها حتى تنظر خلفها، فعلت كما طلب منها فإتسعت مُقلتيها بقوة، حينما رآت رجلٌ عجوز وزوجته تماثله في العمر يتناولا غزل البنات معًا، نظرت له مرةً أخرى وجدته يبتسم بإتساع ثم قال:
“يعني الحج و الحجة دول مش مكسوفين وأنتِ مكسوفة, يلا خدي متكسفيش إيدي”
أخذتها من يده وهي تبتسم، فـ سار بها قليلًا ثم توقف أمام أحد الألعاب وهي عبارة عن مناطق للقفز، نظرت له بتعجب فوجدته يومأ وهو يقول:
“هندخل ننط شوية ونخرج تاني، المكان دا هيخرج الطاقة السلبية اللي عندك من ٢٠ سنة”
حركت رأسها نفيًا بقوة ثم قالت بتوتر:
“صدقني…صدقني مش هينفع والله”
أخذها من يدها ثم قام بقطع تذكرتين، وبعد ذلك دخل بها المكان ثم أمسك كفها بهدوء، كان المكان عبارة عن غرف مغلقة للأزواج، فكانت هي برفقته بمفردها والغرفة فارغة من حولهما، وهذا مالم تتوقعه هي، فجأة إرتفع صوت الموسيقى حولهما، كإشارة على بداية الجولة، لم تفهم هي ماذا يحدث حولها وفجأة وجدت «ياسين» يقربها منه بشدة إتسعت حدقتيها ونظرت له بتعجب فوجدته يغمز لها وهو يقول بنبرة مَرِحة:
“جاهزة يا ست الكل؟”
وقبل أن تجيبه وجدته يقفز بها بقوة، داخل منحدر صغير نهايته تؤدي إلى غرفة مليئة بالألوان المبهجة وأماكن القفز، عند نزولهما لتلك الغرفة وجدته يقفز عدة مرات بعدما إعتدل في وقفته، ثم مال عليها أمسك كفيها وقال:
“إرجعي ١٥ سنة ورا، ويلا”
وبالفعل في خلال دقيقتين كانت تشاركه القفز والبهجة تملأ وجهها حتى صوت ضحكاتها كانت تصل له على الرغم من صوت الموسيقى.
إنتهت الجولة، فخرجا الأثنين معًا، كانت تأخذ أنفاسها بصعوبة بالغة، أجلسها في كافيه داخل هذا المكان، كان ينزر لها بفرحٍ والبسمة تُزين وجهه، نظرت له فرآت نظرته تلك سألته مُستفسرة:
“مالك بتبصلي كدا ليه؟”
حمحم بهدوء ثم قال بنفس البسمة:
“لأ أبدًا كنت شايفك فرحانة النهاردة من قلبك وضحكتك كانت منورة وشك، وشاركتيني حاجة كان حلم حياتي أعملها،نهايته يعني عاوز أشكرك علشان اليوم الحلو دا”
نظرت له بتعجب ثم قالت:
“بعد كل دا أنتَ اللي بتشكرني؟ ياسين أنتَ رجعتني طفلة تاني اللي أهلي معملهوش علشاني أنتَ عملته أضعاف مُضاعفة”
حرك رأسه نفيًا في هدوء ثم قال:
“لأ يا خديجة، أنا اللي عاوز أشكرك علشان أنا كنت عن سكة الحب دي توبت”
سألته وهي مبتسمة:
“طب وإيه اللي حصلك بعد كدا؟”
إبتسم هو أيضًا لها ثم قال:
“شوفت عينك الحلوة دي وفيها دوبت”
أخفضت رأسها خجلًا تُخفي بسمتها فسمعته يقول:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
رفعت رأسها ولازالت البسمة تُزين وجهها ثم أومأت له في هدوء.
__________________
في الصعيد تحديدًا في بيت «نوال» انتهت «جميلة» من تجهيز الحقائب، ثم قامت بغلق غرفتها ونزلت لوالدها، ولجدتها في الأسفل، وجدته يُنهي الحسابات مع عمته، جلست بجانبه ثم تنهدت بأريحية، نظرت لها «نوال» بحزن ثم قالت:
“خلاص جهزتي كل حاجة وهتسبيني وتمشي؟ هان عليكِ نوال يا جميلة؟”
أوشكت «جميلة» على البكاء، فإقتربت منها ثم وضعت ذراعها على كتف «نوال» ثم قالت:
“والله مقدرش أنساكِ، أنتِ كل حاجة ليا يا نوال”
نظرت لها «نوال» بحزن ثم قالت:
“ماهو واضح يا جميلة من ساعة ما حسان كلم خال صاحبتك دا وأنتِ عمالة تلمي في حاجتك”
نظرت هي لـ والدها فوجدته يهز كتفيه وكأنه يقول لها أن الأمر لن يخصه، أخذت «جميلة» نفسًا عميقًا ثم قالت:
“يرضيكي أعيش عمري كله هنا مش عارفة احقق أحلامي، ولا حتى عارفة أتأقلم معاهم؟”
نظرت لها «نوال» والدموع تلمع في مقلتيها ثم قالت:
“يعز عليا فراقك يا جميلة، أنتِ كل حاجة ليا طول عمرك في حضني، غلاوتك عندي من غلاوة بنتي وأكتر “
إحتضنتها «جميلة» ثم بكت وهي تقول:
“علشان خاطري متزعليش مني، أنا مش هقدر على بعدك أصلًا، وأسبوعين بالكتير وهرجعلك”
ربتت «نوال» على ذراعها ثم قالت لـ «حسان»:
“ظبط كل حاجة ولا لسه يا حسان؟ ولا هتروح هناك تحتار ؟”
أومأ لها ثم قال:
“متخافيش يا عمتي، عماد بعتلي صور الشقة اللي هنأجرها والمحل كمان وفيه واحد صاحبي لقيت رقمه الأرضي صدفة وطلع شغال بيظبطلي الدنيا هناك”
أومأت له ثم نظرت له نظرة ذات مغذى وهي تقول:
“طب المكان حلو وأنتَ عارفه ولا إيه ؟”
قبل أن يجيبها وقفت «جميلة» تقول بفرحٍ:
“دا من أجمل الأماكن اللي في القاهرة، حاجة كدا زي اللي بتيجي في التلفزيون”
أومأت لها جدتها ثم قالت:
“روحي بقى إعمليلنا شاي بالنعناع حلو من إيدك وأنا هكلم بابا في حاجة مهمة”
ظنت «جميلة» أن جدتها تريد الحديث مع والدها في خصوص المال، لذلك أومأت وإنصرفت من أمامهما في هدوء، إقتربت منه «نوال» ثم قالت:
“جميلة مش هتبطل تسأل عن أمها وأهل أمها يا حسان”
نظر لها مُتعجبًا ثم قال:
“ليه بتقولي كدا يا عمتي؟”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء:
“بنتك كل يوم تسألني وأنا مش هقدر أخبي عليها أكتر من كدا، بس خليك فاكر إن اليوم دا قرب يا حسان، مفيش حاجة بتتخبى علطول”
نظر أمامه بشرود وهو يفكر في حديث عمته.
______________
بعد الإنتهاء من تناول العصير أخذها «ياسين» إلى مقر الألعاب الإلكترونية ثم قام بتعليمها ومشاركتها في اللعب، وكلمت إنتصر في لعبة نسب الإنتصار لها حتى يرى فرحتها بالفوز، وبعد قليل خرجت من ذلك المقر وهي تحمل في يدها حقيبة مُحملة الألعاب التي فازت بها، كان قلبها يرقص فَرِحًا، لدرجة أنها نست خوفها ورُهابها واطلقت العنان لـ نفسها القديمة تتحرك اليوم، إقتربا سويًا من بوابة الخروج وهي ممسكة بيده بشدة، وقبل خروجهما أوقفها بقوله:
“خديجة أستنيني هنا هرجعلك بعد ثواني”
نظرت حولها بتوتر ثم قالت:
“هتسبني لوحدي هنا؟ طب هتروح فين”
أخذها بجانب البوابة وأوقفها هناك ثم قال بنبرة هادئة:
“حاجة ضرور وهرجعلك تاني متخافيش، ولا تحبي تقعدي في العربية؟”
حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت بشجاعة زائفة:
“لأ أنا هقف هنا”
أومأ لها مبتسمًا ثم قال:
“وأنا مش هتأخر عليكِ وهرجعلك تاني”
تركها وسار للداخل مرةً أُخرى، إقتربت منها إمرأة تقول بنبرة هادئة:
“معلش يا آنسة هو الدخول يمين ولا شمال؟”
نظرت لها «خديجة» بتوتر ثم قالت بصوتٍ مهزوز:
“نعم؟”
سألتها المرأة مرةً أُخرى، أخذت هي نفسًا عميقًا ثم أشارت لها حهة اليسار، فإبتسمت لها المرأة وقالت:
“شكرًا يا قمر تسلمي يا رب”
تركتها المرأة ورحلت بينما «خديجة» إبتسمت بقوة ثم قالت لنفسها:
“هو أنا جاوبتها بجد؟ يعني مسبتهاش ومشيت؟”
_”لا حول ولا قوة إلا بالله، للدرجة دي بعدي عنك مجننك ومخليكِ تكلمي نفسك”
خرجت منه تلك الجملة بمرحٍ حينما سمعها تحدث نفسها، بينما هي إتسعت إبتسامتها ثم قالت:
“في واحدة سألتني عن المكان وأنا شاورتلها من غير ما أسبها وأمشي، وهي قالتلي شكرًا”
نظر لها هو مبتسمًا ثم قال:
“مش قولتلك أنتِ شاطرة وبتتعلمي بسرعة”
أومأت له في سعادة ثم نظرت لِـيده وجدته يمسك حقيبة هدايا متوسطة الحجم نظرت له مستفسرة فوجدته يمد يده لها بالحقيبة وهو يحمحم ثم قال:
“دي علشانك ويارب تعجبك”
أخذت منه الحقيبة بتعجب ثم تركت الأخرى على الأرض بجانبها، أخرجت العلبة من الحقيبة وبمجرد إخراجها للعلبة شهقت بقوة وتجمعت الدموع بمقلتيها، حيث تحتوي العلبة على عروس رقيقة من أجود الأنواع والخامات، كان ترتدي فستانًا من اللون الزيتي ، وحزاء بنفس اللون، وشعرها بني طويل ، ورموشها كثيفة وأعينها بنية تُشبه لون أعين خديجة.
رغمًا عنها بكت بشدة، بينما هو إقترب منها ثم ربت على ذراعيها وقال:
“أنا مش عاوزك تعيطي تاني كفاية دموع يا خديجة”
رفعت رأسها تنظر له ثم قالت:
“أنا بعيط علشان من زمان كان نفسي في عروسة، بس مقولتش لحد، عرفت إزاي”
أخذ نفسًا عميقًا ثم رسم بسمة بسيطة على وجهه وهو يقول:
“من أول ما دخلنا المكان دا وأنا مراقب كل تحركاتك، وأكتر حاجة شدتني هي نظرة عينيكِ للعرايس، فَـ عرفت إنك نفسك في واحدة فيهم، أستنيت تطلبي مني بس محصلش قولت أخليها أخر حاجة أختم بيها اليوم دا”
نظرت للعروس مرةً أُخرى ثم سألته:
” طب ليه فستانها زيتي مش لون تاني؟”
إتسعت بسمته ثم قال:
“علشان دا لون الفستان اللي شوفتك بيه أول مرة، وعلشان يوم ما أعترفت بحبي لكِ كنتِ لابسة نفس الفستان، ولون عينيها زي لون عيونك، حسيت وأنا ببص على العروسة دي أني شايفك قصادي”
أخفضت رأسها في خجلٍ تنظر للعروس بيدها مرةً أُخرى، بينما هو تنهد بأريحية حينما رآى لمعة الفرح بأعينها.
بعد قليل كان «ياسين» يقود السيارة وهي بجانبه غطت في ثبات عميق والعروس بين ذراعيها، نظر لها، فوجد البسمة الهادئة تزين وجهها على الرغم من نومها، وصل أسفل البناية التي تقطن بها، حاول إيقاظها بهدوء لكنه لم يستطع، نزل هو من السيارة ثم فتح الباب الخاص بها جلس على ركبتيه يحاول إيقاظها و لكنه فشل، فأخرج زجاجة المياه وقام بسكب القليل على وجهها، شهقت هي بقوة بينما قال هو بهدوء:
“إهدي أبوس راسك، أبوكي لو شافنا كدا هيفتكرني كنت خاطفك”
التفتت حولها بفزع ثم قالت:
“بابا…هو فين شافني؟”
أمسكها هو وقال بهدوء:
“أهدي أهدي، باباكِ مش هنا بس فوقي علشان إتأخرنا”
مسحت على وجهها بكفيها ثم قالت:
“هو أنا كنت بحلم ولا اللي حصل دا بجد؟”
نظر لها بسخرية ثم قال:
“الله أكبر، سلوك العقل الواعي لمست في سلوك العقل الباطن وروحنا في داهية”
إبتسمت على جملته ثم نظرت للعروس بجانبها، حينما رآتها قالت له بهدوء:
“لأ خلاص إفتكرت دا كان حقيقة مش حلم”
أومأ لها ثم قال ضاحكًا:
“يعني العروسة هي اللي فكرتك، ماشي يا ست الكل”
ضحكت على جملته ثم خرجت من السيارة، وقفت بجانبه أمام المصعد بتوتر ثم قالت له:
“هو إحنا اتأخرنا أوي ولا الساعة كام يعني؟”
تحدث بنبرة غير مُبالية قائلًا:
“لأ يدوبك الساعة ١١ بليل”
شهقت بقوة وقبل أن تجيبه وجدت باب المصعد يُفتح بقوة بواسطة شخصٌ ما، وصوته الجهوري وصل آذانهم وهو يقول:
“ما بدري يا أستاذ ياسين؟ هي دي الأمانة!”
يُتَبَع