“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الثالث و الثلاثون”
_____________
“مَنْ يَزْرَعِ الخَيرِ يَحصُد مَا يُسَرُّ بِهِ
وَزارِعُ الشَرِّ مَنْكُوسٌ عَلىٰ الرَاسِ”
_____________
ليس كل ما تريده يُكتب لكَ، أحيانًا قد تظلم نفسك بإختيارك، ولا يصبح أمامك سوا مسارك، لكن تذكر جيدًا، أنك تريد وغيرك يريد والله يفعل ما يريد.
“معاك وليد الرشيد، الحب القديم”
قالها «وليد» بنبرة حازمة ثم لكمه في أنفه بشدة، تراجع «شهاب» على إثرها للخلف، ونزفت انفه بقوة، إقترب «وليد» منها يمسكها من ذراعها وسط حالة الهرج التي سادت بالمكان، فوجد «شهاب» يحاول منعه، وقبل أن يلكمه مرةً أخرى، وجد «طارق» يمسك يده وهو يقول:
“خلاص يا وليد، خِلصنا”
نظر له «وليد» بضيق ثم ترك ذراعها، بينما «شهاب» مسح دماءه ثم قال بسخرية:
“وأنتَ مين أنتَ كمان؟ واضح إن عبلة حبايبها كتير”
شهقت هي بفزعٍ، بينما «طارق» إقترب منه ونظر بشررٍ يتطاير من عينيه له وهو يقول:
“بس مش أكتر من اللي هيحضروا دفنتك”
أقترب منه أكثر ولكمه بقوة في وجهه، وقبل أن يسترسل في الضرب بعدما أمسكه من ثيابه، إقترب العُاملون بالمكان وأخرجوا «شهاب» من بين ذراعي «طارق»، وقبل أن تطاول الأمور وتتفاخم أتى صاحب المكان وهو على صداقة قديمة بـ «طارق»، نظر له «طارق» بخجل حينما إستوعب الأمر، ثم نظر لأخته التي كانت تبكي بقوة بشررٍ يتطاير من عينيه ثم أشار لـ «وليد» حتى يبتعد بها من هذا المكان، إقترب هو من صديقه وقال:
“أنا آسف يا رامز على اللي حصل دا، شوف أي حاجة أنا معاك فيها”
إقترب منه «رامز» ثم ربت على كتفه وقال:
“متقولش كدا يا طارق، المكان مكانك، وكويس أني شوفتك، ولو يا عم دا هيخلينا نشوفك تعالى كسر في المكان براحتك”
إبتسم له «طارق» بمجاملة، ثم قال:
“تسلم يا رامز، وحقك عليا مرة تانية”
أومأ له «رامز» ثم أشار برأسه إلى «شهاب» الذي كان ملقى على الأرضية وقال:
“تحب أوجب معاه، ولا خلاص كدا؟”
حرك «طارق» رأسه تجاه «شهاب» ثم بصق عليه وقال:
“لأ خليه يغور كدا، علشان لو فضل قدامي هموته”
إبتسم «شهاب» بإستفزاز ثم قال:
“طالما أنتَ راجل وجامد أوي كدا، ما تروح تتشطر على التاني هو كمان، ولا هي شِرك بينكم”
حسنًا لقد عزف على أوتار حساسة لدى «طارق» فهو يهين سمعة أخته، لذلك قفز «طارق» عليه وأنهال عليه باللكمات والصفعات، وهو يقول:
“أنا أخوها والتاني يبقى خطيبها يا إبن****”
بعد صراع من العمال بالمكان، و «وليد» أيضًا الذي دخل المكان مرةً أخرى بعدما أجلسها في السيارة، تم إبعاد «طارق» عن «شهاب» رغمًا عنه، فوقف «شهاب» ينظر لهما ثم قال وهو في حالة يُرثى لها:
“يعني إيه خطيبها؟ هي عبلة مخطوبة من إمتى”
رد عليه «وليد» بضيق:
“أنتَ مال أهلك مخطوبة من إمتى؟ مش ذنبي إنك أعمى وموفتش الدبلة في إيدها”
نزلت دموع «شهاب» رغمًا عنه وقال:
“أنا…أنا مكنتش أعرف إنها مخطوبة والله”
نظر له «وليد» بتعجب، بينما «طارق» نظر بضيق وقال:
“كل الكلام دا ميلزمناش، أنتَ تغور من وشي، ولو شوفت طيفك بس في مكان صدقني موتك هيكون على إيدي”
حرك رأسه في إنكسار موافقًا ثم مسح وجهه من الدماء بثيابه وقال:
“أنا أسف معلش، وبعتذر لـ عبلة كمان عن الكلام اللي قولته في حقها”
كل ذلك كانت تتابعه «هدير» على بعد بضيق، وحينما رآت رد فعل «شهاب» ضربت الحائط بكفها وقالت بضيق:
“غبي، ضيع كل حاجة”
رحل «شهاب» من المكان في حالة صعبة من يراه يظنه هُزم في معركته، بينما «وليد» كان ينظر له بتعجب وهو يفكر في الأمر، أما «طارق» فخرج من المكان وتوجه إلى سيارة «وليد» وهو يحاول فتحها، كانت «عبلة» في الداخل تبكي من الخوف جسدها يرتجف بشدة وزاد خوفها حينما رآت مظهر أخيها، إقترب منه «وليد» وهو يقول:
“إهدا يا طارق، ومتتسرعش”
أبعده «طارق» رغمًا عنه بقوة ثم قال:
“إبعد أنتَ عن وشي يا وليد، وخليني أخدها بالأدب”
أقترب منه «وليد» مرةً أُخرى وقال بإصرار:
“لأ مش هبعد ومش هسيبك تاخدها كدا”
نظر له «طارق» مُستفسرًا بضيق:
“يعني إيه مش هتسبني أخدها كدا مش فاهم؟”
تنفس «وليد» بعمقٍ ثم أشار برأسه عليها وقال:
“بص شكلها مرعوب إزاي؟ علشان خاطري أمشي أنتَ بعربيتك وأنا هجبها وأجي وراك”
نظر له «طارق» بضيق وقال:
“أنتَ لو مجتش ورايا يا وليد هيبقى أخر اللي بينّا، لو فكرت بس تروح بيها في أي مكان صدقني هنسى اللي بينّا”
أومأ له «وليد» ثم قال بحزن:
“وأنا مش هحاسبك على كلامك دا يا طارق، بس أركب عربيتك وأنا هاجي وراك.”
أومأ «طارق» بقوة ثم نظر لأخته بضيق وتركهما و رحل.
ركب «وليد» بجانبها السيارة ولم يتفوه بِحرفًا واحدًا، وحينما أوشكت هي على التحدث اوقفها يقول بقوة:
“مش عاوز أسمع صوتك يا عبلة من هنا لحد ما نروح، فـاهــمـة؟”
قال كلمته الأخيرة بصراخ عالي في وجهها، مما جعل جسدها يرتجف بشدة، بينما هو نظر للجهة الأخرى بضيق وتحرك بسيارته خلف سيارة «طارق».
_________________
على الرصيف كان «ياسين» جالسًا برفقتها وهي تبتسم بخفوت على حديثه وتخفض رأسها خجلًا، بعد الإنتهاء من تناول الذرة وقف هو ثم مد يده لها حتى تقف، وقفت تنظر له بهدوء فوجدته يبتسم ثم قال:
“إيه رأيك نعيش يوم عشوائي ؟”
نظرت له مُتعجبة وهي تقول:
“يوم عشوائي؟ إزاي دا يا ياسين؟”
إبتسم لها بفخرٍ ثم قال:
“إزاي دي بتاعتي أنا يا خديجة، المهم أنتِ موافقة؟”
أومأت له بثقة وقالت:
“موافقة جدًا كمان”
ابتسم هو ثم أمسك كفها وسار تجاه السيارة، ركبت هي بجانبه، إبتسم لها ثم قام بتشغيل الموسيقى داخل السيارة وكانت الأغنية للسيدة أم كلثوم وكلماتها عبارة عن مقطع محدد من الأغنية وهي:
“بخاف عليك وبخاف تنساني، والشوق إليك علطول صحاني، صحاني، غَلَبني الشوق وغَلِبني وليل البُعد دوبني، دوبني”
نظرت له وهي في حالة هيام شديدة، فوجدته يسألها بهدوء:
“بتحبي ام كلثوم يا خديجة؟”
أومأت له بقوة ثم قالت:
“جدًا بجد، وبحب ليها مقطع حلو أوي دا بينقلني لعالم تاني”
سألها بهدوء:
“مقطع إيه دا؟”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“ياما عيون شَاغلوني لكن ولا شغلوني إلا عيونك أنتَ، دول بس اللي خدوني”
نظر لها هو بتعجب ثم قال بخبثٍ:
“طب بما أني واحد نفسه يسمع كلمة حلوة، ممكن أعتبر دا إعتراف صريح إن عيوني شغلتك؟”
شعرت بالخجل من حديثه، واخفضت رأسها بهدوء وهي تبتسم، بينما هو نظر لها وقال بمرحٍ:
“ها أخده إعتراف ولا هترجعي في كلامك؟”
أومأت له في هدوء بعدما نظرت له بينما هو تنهد بأريحية ثم قال:
“الله يكبر بخاطرك، دا أنا مصدقت يا شيخة”
نظرت له بحزن ثم قالت:
“أنا أسفة لو مش بعرف أعبر زيك، أو أعرف أقول أنا حاسة بإيه، بس أكيد أنتَ حاسس أني فرحانة صح؟”
نظر لها مُبتسمًا ثم قال:
“أنا عارف والله وعارف كمان إنك بتبذلي مجهود علشان تقدري تعبري وأنا مش معترض على دا إطلاقًا، أنا المهم عندي إنك تكوني مبسوطة”
أخذت نفسًا عميقًا ثم إبتسمت بهدوء وهي تنظر من نافذة السيارة، وقالت:
“طب علي الصوت شوية طيب”
نفذ ما طلبته منه وهو يقول بمرحٍ:
“أوامرك يا ست الكل، بس كدا؟”
بعد عدة دقائق قليلة أوقف السيارة أمام عربة (كبدة) ثم نظر لها وقال:
“تاكلي كبدة يا خديجة على العربية؟”
نظرت له مبتسمة وقالت:
“إيه كبدة؟ هو ينفع بجد؟”
قالت جملتها بحماس، فأومأ لها مؤكدًا، فقالت هي على الفور:
“ماشي”
طلب الطعام ثم أخذه ووضعه على مقدمة السيارة بجانب العربة، وقفت هي بجانبه تنظر حولها بتوتر بسيط، فوجدته يمسك كفها وقال:
“كل الناس هنا بتيجي علشان ياكلوا كدا على العربيات، إحنا مش بنعمل حاجة غريبة”
أومأت له بهدوء وقالت:
“أنا بس مستغربة إنهم عادي كدا مش مكسوفين”
ضحك على حديثها ثم قال:
“ويتكسفوا ليه يا خديجة دول بياكلوا كبدة مش بياكلوا مال اليتيم”
ضحكت على حديثه بقوة وقالت:
“صح معاك حق والله، يلا بسم الله”
وقبل أن تبدأ الطعام وجدته يخرج هاتفه وهو يقول:
“إستني بس نوثق اللحظات دي”
نظرت له مُتعجبة فوجدته يلتقط صورًا للطعام ولها إبتسمت رغمًا عنها فوجدته يُشكل إصبعيه نصف قلب وهو يقول:
“يلا كملي القلب دا”
إبتسمت بخجلٍ وقالت:
“مش هينفع يا ياسين، الناس هتشوفنا”
إقترب هو منها وقال:
“يشوفونا يا خديجة، كملي بس القلب معايا متبوظيش الصورة دي”
حركت رأسها نفيًا بيأس ثم تنهدت وأكملت القلب بإصباعيها، انتهى هو من التصوير ثم مد يده لها بالطعام، تناولته وهي مبتسمة بشدة، لم تُكمل هي طعامها فنظر لها بتساؤل:
“كملي أكلك أنتِ كلتي سندوتش واحد بس”
حركت رأسها نفيًا وهي تقول بهدوء:
“بجد مش قادرة والله أنا شبعت الحمد لله”
نظر لها مُستفسرًا ثم قال:
“هو أنتِ مش بتحبي الكبدة؟”
حركت رأسها نفيًا بهدوء وقالت:
“لأ بحبها والله بس فعلًا مش قادرة أو يمكن نفسي مش رايحة ليها”
وضع الطعام من يده وقال:
“طب نفسك في أيه تاكليه طيب؟ وأنا هجبهولك؟”
شعرت بالخجل فقالت بصوتٍ مهزوز:
“لأ مش عاوزة حاجة متتعبش نفسك خلاص”
سألها بنبرة قوية:
“خديجة قولي عاوز إيه متتكسفيش؟”
نظرت له بخجلٍ وقالت:
“بصراحة..نفسي آكل كشري”
ضحك هو عليها وقال:
“بجد والله نفسك تاكلي كشري ؟”
أومأت له وهي تبتسم بخجل ثم قالت:
“يعني لو مش هضايقك، أنا بحب الكشري أوي ونفسي أكله جوا المحل”
إبتسم لها ثم قال بنبرة معاتبة:
“طب وهو أنتِ مكسوفة تطلبي مني؟ هو أنا غريب عنك؟”
حركت رأسها نفيًا بسرعة وقالت:
“لأ الموضوع مش كدا، بس أنا خفت اتقل عليك والله”
إتسعت بسمته ثم قال:
“يا ستي تقلي براحتك، دا ياريت كل تقل الدنيا بخفة وجودك”
إبتسمت له ثم قالت:
“شكرًا بجد على كل حاجة، أنا عارفة إنها بقت كلمة سخيفة وبكررها كتير”
حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“متقوليش شكرًا ولا حاجة، أنا مش عاوز غير راحتك يا ست الكل”
أومأت له ولازالت البسمة تُزين ثُغرها، بينما هو أجمع الطعام في الحقيبة البلاستيكية، فسألته هي:
“هتعمل بيهم إيه يا ياسين؟”
حرك كتفيه ثم قال:
“مش عارف بصراحة..”
وقبل أن يكمل حديثه نظر حوله وجد اطفال صغيرة جالسة على الأرض، فقال بهدوء لها:
“خليكي هنا ثواني”
أومأت له في تعجب فوجدته يقترب من العربة مرةً أُخرى وطلب شطائر أخرى، تعجبت هي تصرفه فوقفت تراقبه بهدوء فوجدته بعد ذلك يتجه للأطفال ويعطيهم للأطفال ثم ربت على كتف أحدهم، إتسعت هي بسمتها وأدمعت عيونها من موقفه ذلك، إقترب هو منها فوجد نظراتها غريبة فسأل بهدوء:
“مالك فيه حاجة زعلتك؟”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت:
“أنا بس مستغربة حنية قلبك، كنت فكراك حنين عليا بس، بعد كدا لقيت ميمي بتقولي إنك من صغرك مش مخليها محتاجة حاجة، فإفتكرت إن حنيتك للناس اللي في حياتك، دلوقتي شوفتك مع الأطفال عرفت إنك حنين بطبعك على كل الناس”
إبتسم هو بخجل طفيف ثم حك فروة رأسه بيده وقال مُحرجًا:
“هو بصراحة أنا في حتة الحنية دي مبعرفش أسيطر على نفسي والله، أصل الحنية دي سحر بيشفي الجروح وتعالج الروح”
إبتسمت له ثم قالت:
“معاك حق والله الحنية سحر، وأنتَ ما شاء الله عليك يا ياسين”
أومأ لها ثم أشار لها حتى تركب السيارة، وفعل هو المثل وركب سيارته.
__________________
أسفل بيت آلـ «الرشيد» وقفت سيارة «طارق» أولًا و خلفها سيارة «وليد» نزل «طارق» أولًا وهو يشعر بالضيق، تبعه «وليد» بعدما نظر لها بحزن، وقف قبالته وقال:
“أنا نفذت كلامك و جيت أهوه، نظر له «طارق» بحنق وقال:
“لحد هنا خلاص دورك خِلص، سلمني أختي اربيها بمعرفتي يا وليد”
نظر له «وليد» بقلق شديد ثم قال:
“قصدك إيه يا طارق، أنتَ هتعمل إيه فيها”
بنبرة غير مُبالية رد عليه:
“هربيها قولتلك، أنا مش عيل صغير علشان تستغفلني”
أمسكه «وليد» من ذراعه وهو يقول:
“بقولك إيه فوق كدا، أختك إحنا لسه منعرفش نزلت ليه؟ وكمان الموضوع غريب يعني إيه توصلنا رسايل وصور في نفس الوقت غير لو حد قاصد يعمل كدا؟”
تبدلت نظرة «طارق» إلى الإستفسار وقال:
“يعني إيه؟ مش فاهم كلامك، قصدك يعني إن حد قاصد؟”
أومأ «وليد» بثقة وقال:
“أنا متأكد من كدا، ولو اللي بفكر فيه صح يبقى محدش يلومني على اللي جاي”
رفع «طارق» رأسه ينظر للسماء ثم نفخ وجنيته في ضيق شديد وانزل رأسه مرةً أُخرى وهو يقول:
“طب والعمل إيه دلوقتي، أنا عاوز عبلة تتكلم، وفي نفس الوقت لو شفتها قدامي همد إيدي عليها”
نفخ «وليد» بضيق ثم قال:
“اسبقني على السطح وأنا هجبهالك وأطلع وراك، هي أصلًا مرعوبة مننا، ولسه منعرفش الحقيقة ومن هنا لحد ما نعرف مش هقدر أظلمها”
نظر له «طارق» بغلٍ واضح:
“بس أنا مش هقدر أسيطر على نفسي، وهمد إيدي عليها علشان تبقى تتصرف من ورانا كويس”
شعر «وليد» بالحنق من حديثه فقال:
“ومن إمتى وإحنا بنمد إيدنا على ستات يا طارق، هتخيب على كَبَر ولا إيه”
أطاح له «طارق» بيده ثم قال:
“أنا هغور من وشك يا وليد، وأنتَ تعالى وهاتها ورايا”
تركه و دخل البيت، بينما «وليد» عاد للسيارة وفتح الباب الخاص بجهتها، كانت تبكي وترتجف بشدة كطفلٍ صغير فقد والديه، نظر لها بحزن ثم جثى على ركبتيه أمامها وقال:
“عبلة ركزي معايا كدا وبطلي عياط، أنا وأنتِ دلوقتي هنطلع السطح ورا طارق علشان تحكيلنا كل حاجة”
نظرت له بأعين منتفخة إثر البكاء وقالت ببكاء:
“والله معملتش حاجة، ومعرفش إنه موجود والله، أنا خايفة من طارق علشان خاطري يا وليد خليك معايا”
أومأ «وليد» بقوة وقال:
“ماشي أنا عارف كل دا، وواثق فيكِ بس لازم تهدي وتيجي معايا علشان نعرف نفكر”
مسحت دموعها بكفيها و أومأت له في هدوء، إبتعد هو عن السيارة ثم نزلت هي منها، وفي خلال ثوانٍ كانت تقف في الطابق الأخير أمام باب المصعد، وهي تخشى الدخول أمام أخيها، بعدما إقترب «وليد» من باب السطح، عاد إليها مرةً أخرى وقال:
“يلا يا عبلة أنا معاكِ متخافيش، تعالي بس علشان خوفك هيزيد عصبيته علينا”
أومأت له بخوفٍ، ونزلت دموعها دون إرادة منها، دخل «وليد» اولًا وهي خلفه بخوف تقدم قدمًا وتؤخر الأخرى،
رآهما «طارق» فـ هَب واقفًا وهو يقول:
“أنا هديت بما فيه الكفاية، قسمًا بربي يا عبلة لو مقولتيش اللي حصل ما حد هينجدك من إيدي”
نظرت لـ «وليد» بخوف، فوجدته يومأ لها بهدوء لكي يطمئنها، حينما لاحظ «طارق» صمتها صرخ بها قائلًا:
“أنـــطـــقــي بـقــولــك”
إرتجف جسدها بشدة، فتدخل «وليد» قائلًا:
“ما تهدى يا طارق في إيه، هتحكي بس بالراحة مش كدا”
شد «طارق» فروة رأسه بشدة ثم قال:
“طب هديت أهوه إتفضلي إحكي بقى”
أخذت نفسًا عميقًا ثم مسحت دموعها وقالت ببكاء وصوت مهزوز:
“والله أنا كنت رايحة ومعرفش إنه هيكون هناك، أنا أصلًا مفيش كلام بيجمعني معاه….وهدير هي اللي تعرفه”
نظر لها الأثنين بتعجب قال «طارق» بنبرةٍ جامدة:
“إحكي من الأول مش عاوز تنقيط يا عبلة”
أومأت عدة مرات بخوف ثم قالت:
“هدير قالتلي هنروح الكافيه نقعد شوية علشان بقالنا كتير متجمعناش سوا ولا نزلنا مع بعض وكمان قالتلي عاوزة تجيب هدوم، والله معرفش إنه هيكون هناك، وكمان قبل ما هو يجيلي كانت هي معايا بس راحت ترد على تليفونها”
رد عليها «وليد» بسرعة كبيرة:
“يعني هدير كانت معاكي هناك؟”
أومأت عدة مرات بقوة وقالت:
“والله كانت معايا، أنا أصلًا شهاب دا معرفوش دا كان زميلها هي وأنا لما لقيته بيحاول يتكلم معايا كذا مرة مبقتش أظهر معاها والله”
نظر «وليد» بثقة لـ «طارق» وكأنه يقول له:
“شوفت أنا قولتلك”
شعر «طارق» بالضيق من نفسه من ظلمه لأخته، فوقف امامها وقال بنبرةٍ معاتبة:
“حتى لو أنتِ مظلومة أنا برضه زعلان منك، ليه تنزلي من غير ما تعرفيني، وليه مقولتليش من الأول إنه حاول يكلمك”
ردت عليه ببكاء:
“والله العظيم هي فضلت تزن عليا، ودي مش أول مرة أنزل معاها طول عمري بنزل معاها، أنا بس مش قادرة أستوعب إنه هدير ممكن تعمل فيا كدا”
رد عليها«وليد» بسخرية:
“وهو اللي كانت بتعمله في خديجة شوية يا عبلة؟ ما أنتِ عارفة”
نظرت له بأعين خاوية وقالت:
“بس أنا مش خديجة، هي بتكره خديجة، لكن أنا معاها طول عمري معاها وطول عمرها على قلبي أعز من سلمى، ليه تعمل فيا كدا، وبعدين إنتم عرفتوا إزاي”
قبل أن يجيبها «طارق» تدخل «وليد» قائلًا بسرعة:
“أنا جالي رسالة، وطارق كمان، وحصل اللي حصل بعد كدا”
نظرت لأخيها ببكاء وقالت بصوتٍ منكسر:
“هي اللي عملت كدا يا طارق؟”
شعر «طارق» بالحزن على حالة أخته فأوما بهدوء، بينما هي صرخت تقول:
“هي اللي عملت فيا كدا؟ هدير بتراهن على سمعتي، ليه تعمل فيا كدا، ليه أنا كنت بحبها والله عمري ما زعلتها، دي كانت صاحبة عمري، يوم ما حد يأذيني تبقى هي،طول عمرها بتحذرني من خديجة وبتقولي إنها بتكرهني أنا و هي”
شعر «وليد» بالضيق من حديثها عن «خديجة» فقال بنبرة جامدة:
“خديجة مبتكرهش حد، خديجة مبتعرفش تكره يا عبلة، حتى اللي بيأذوها معرفتش تكرههم”
أومأت له مؤكدة وقالت:
“معاك حق، خديجة مبتعرفش تكره”
ربت «طارق» على ذراعها مواسيًا لها ثم قال:
“أنتِ لسه صغيرة يا عبلة، ولسه الحياة معلمتكيش إن الدنيا فيها بلاوي، ومن أهم الحاجات دي بقى إن اللي جوه قلوب الناس يخض ومن رحمة ربنا إن القلوب دي متدارية، بس كمان إعرفي إن اللي ربنا بيحبه بيكشفله الناس حواليه يعني إحمدي ربك”
إرتمت بين ذراعيه وقالت ببكاء:
“قلبي واجعني يا طارق، مش قادرة أصدق إنها تعمل فيا كدا”
ربت على ظهرها بهدوء وقال:
“الحمد لله يا عبلة علشان متفضليش في الغشاوة دي كتير”
خرجت من بين ذراعيه تنظر له بحزن وقالت:
“هو أنتَ لسه زعلان مني يا طارق؟ أنا مش هقدر على زعلك مني”
أمسك وجهها بين كفيه وقال بِحب:
“ازعل من بنتي ؟ أنتِ بنتي وأختي يا عبلة، أنا زعلي علشانك وعلشان موقفك وصورتك قدام الناس، لكن قلبي عمره ما يطاوعني و أزعل منك، وبصراحة الفضل يرجع لـ وليد، علشان كان زمانك متكسرة مني دلوقتي”
نظرت خلفه وجدت «وليد» مُحرجًا، فقالت:
“شكرًا يا وليد، وأسفة على الموقف السخيف دا”
إقترب منهما «وليد» وقال:
“لا عاوز شكر ولا أسف، أنتِ بنت عمي وزي أختي”
نظرت له بخوف وهي تقول:
“أختك يا وليد؟ أخرتها زي أختك؟”
نظر له «طارق» بتعجب من حديثه، بينما «عبلة» أضافت قائلة ببكاء:
“رُد عليا يا وليد أنا زي أختك؟”
نظر لها بخبثٍ ثم قال:
“أنتِ شايفة غير كدا؟ قوليلي، من بدري وأنتِ فكراني بغلط في حقك، شوفتي رسالة هبلة على تليفون هدير صدقتي إن أنا اللي بعتها بجد، لو كنتي شغلتي مخك كنتي هتعرفي إن أنا عمري ما أفكر أأذيكي ولا أجرح مشاعرك، بس أنتِ جرحتيني يا عبلة، اللي حصل النهاردة دا درس يفوقك إن مش زي ما كل اللي بنسمعه بيكون حقيقي،يبقى اللي بنشوفه هو كمان حقيقي يا عبلة”
بكت بقوة ثم قالت:
“أنا والله عمري ما كنت أتخيل إنها ممكن تأذيني، وبعدين موضوع الرسالة دا عرفته منين؟”
سألته الجملة الأخيرة وكأنها إنتبهت للتو، بينما هو علم أنه لا مفر من إخبارها بالحقيقة لذلك قال:
“عرفت من بدري ،اللي أنتِ متعرفيهوش بقى إن الرسالة دي من تليفوني فعلًا بس والله مش أنا اللي بعتها”
نظرت له مُتعجبة وقالت:
“يعني إيه مش أنتَ بس من تليفونك تيجي إزاي دي”
زفر بضيق وقال:
“أنا هحكيلك كل حاجة”
( منذ زمن قريب)
عاد «وليد» من الخارج وجد «هدير» جالسة في ردهة البيت بمفردها، نظر لها بتعجب وقال:
“هو أنتِ إيه اللي مقعدك في مدخل البيت كدا؟”
نظرت له بلامبالاة وقالت:
“البيت كله عند عيلة جدو ناصر وأنا كنت معاهم بس روحت قابلت واحدة صاحبتي ورجعت على هنا”
سألها مُستفسرًا:
“طب ومش قاعدة في شقتكم ليه؟”
نظرت له بإحباط وهي تقول:
“أنا نسيت المفاتيح، ومش معايا رصيد أكلمهم”
أومأ لها بهدوء ثم قال:
“خديجة فوق ولا معاهم؟”
أجابته بضيق:
“الست خديجة فوق مجتش معانا، قال إيه تعبانة”
أومأ له وحينما إقترب من المصعد قالت له:
“ممكن تليفونك أكلمهم علشان يجوا بسرعة، لو هينفع يعني”
أومأ لها بهدوء واعطاها الهاتف وقال:
“آه طبعًا، أنا صحيح مبقبلكيش بس ميرضنيش إنك تقعدي كدا، أنتِ بنت عمي برضه”
إبتسمت له بإستفزاز ثم قالت:
“شكرًا لكرم أخلاقك”
أخذت منه الهاتف وسألته:
“هي كلمة السر إيه؟”
زفر بضيق وقال:
“من ٦ لـ ١ “
أومأت له بقوة بينما هو قال بهدوء:
“أنا هطلع لخديجة أبقي طلعي التليفون فوق عندها، وتعالي أقعدي معانا لحد ما يرجعوا”
نظرت له بسخرية وهي تقول:
“معاك أنتَ وخديجة؟ لأ شكرًا قعدة السلم أرحم”
أطاح لها برأسه وقال:
“براحتك بقى، المهم التليفون يطلعلي بسرعة”
وبعد مرور دقائق قليلة، وقفت أمام شقة عمها تعطيه الهاتف بثبات تُحسد عليه، أخذه هو منها ولم يهتم كثيرًا بها حينما ركضت مسرعة من أمامه،
(عودة إلى الوقت الحالي)
سألته «عبلة» بإستفسار:
“طب هي عملت إيه بقى؟”
أجابها هو بضيق:
“بعتت رسايل من تليفوني وكانت بترد عليها، وبعد كدا مسحتها من عندي وخدت سكرين شوت من عندها علشان يكون دليل، ولو سألتيني عرفت إزاي هقولك فتحت تليفونها ودورت فيه، وعرفت بالصدفة من التاريخ علشان دا كان تاريخ تسليم كروت الدعاية من المطبعة وأنا بسجل التواريخ مش بنساها”
نظرت هي حولها بإندهاش لم تستطع إستيعاب ما حدث لها، بينما «طارق» قال بضيق:
“أنا كدا جبت أخري خلاص، هدير نهايتها على إيدي النهاردة”
اوقفه «وليد» يقول بهدوء:
“لأ دا غباء بقى، المفروض لو عاوز تغلب حد تدور على اللي يحزنه، وأنا عارف هدير و مشيرة إيه اللي يحزنهم”
سأله «طارق» مستفسرًا:
“وأنتَ هتعمل إيه بقى؟”
نظر لهما «وليد» بثقته المعهودة وقال:
“أنا مش هعمل حاجة، أنتَ يا طارق اللي هتعمل كل حاجة”
نظر له «طارق» بتعجب و «عبلة» ايضًا، فقال هو:
“أسمعوني كويس بقى علشان اللي جاي مهم، بس لازم عبلة توافق على كلامي”
________________
في محل الكشري، إنتهت هي من تناول صحنها بسرعة كبيرة، وهو أيضًا أنهى طعامه بعدها، نظر لها وجد علامات الإرتياح على وجهها فقال بنبرة حنونة:
“مبسوطة يا خديجة؟”
نظرت له مُتعجبة وقالت:
“آه الحمد لله بتسأل ليه؟”
حرك كتفيه وقال:
“عادي يعني، بسأل علشانك، علشان يهمني إنك تكوني مبسوطة”
إبتسمت له بحب وقالت:
“أوي اوي بجد، غالبًا كل حاجة كان نفسي فيها عملتها، أنا كان حلم حياتي آكل كشري في محل”
نظر لها مندهشًا وقال:
“ياه للدرجة دي وإيه اللي مانعك”
نظرت له بإحباط وقالت:
“مكانش فيه حد يجي معايا، وكنت كل ما أطلب من حد يجي معايا يتريق عليا، وغير كدا الرهاب كان مانعني إني أعرف أأكل قدام حد، بس حاليًا الأمر بتطور جدًا”
أومأ لها موافقًا وهو يبتسم ثم قال:
“أي حاجة نفسك فيها أطلبيها مني، أنا موجود علشانك وعلشان تكوني مبسوطة”
إبتسمت له ثم قالت بسرعة كبيرة:
“ربنا يخليك ليا يا ياسين”
نظر لها مندهشًا ثم قال:
“أنتِ قولتي إيه يا خديجة”
حمحمت هي بإحراج وقالت:
“قولت ربنا يخليك ليا”
إبتسم لها ثم قال:
“ويخليكي ليا يا رب يا خديجة”
خرجا الأثنين معًا من المحل، وركبا السيارة فسألته هي:
“هنروح فين بقى تاني؟”
غمز لها ثم قال:
“مفاجأة إن شاء الله، بس هتفرحك”
بعد قليل من القيادة أوقف السيارة أمام محل كبير مخصص لعصير القصب، نظرت له مستفسرة فوجدته يقول:
“معروفة في كل مكان كشري يبقى وراه قصب علطول”
نظرت له بضحك وقالت:
“حرام أنا مفيش مكان عندي”
حرك رأسه نفيًا بقوة وقال:
“والله هنشرب قصب سوا مفيهاش رجوع دي”
حركت رأسها بيأس وقالت بعدما أخذت نفسًا عميقًا:
“أمري لله طالما حلفت خلاص عمري ما هشيلك الذنب”
أخذ هو الأكواب البلاستيكية من الرجل ثم أشار لها برأسه إلى الجهة الأخرى امام نهر النيل، فتمسكت بذراعه حتى تعبر معه للجهة الأخرى اعطاها الكوب مبتسمًا ثم قال:
“العصير يا ست الكل”
أخذت الكوب منه بهدوء وهي تبتسم، بينما هو إستند بمرفقيه على السور امامه وهي بجانبه تنظر للنيل، نظر لها ثم قال حينما لاحظ شرودها:
“سرحانة في إيه؟ ولا سرحانة في مين؟”
نظرت له ثم قالت بنبرة متأثرة:
“الدنيا طلع فيها حاجات حلوة أوي يا ياسين، يعني عيشت عمري كله بخاف من الناس وفاكرة إنهم زي عيلتنا بس طلع فيه ناس حلوة زي ميمي وإيمان وسارة وريهام، كنت فاكرة إن الخروج من البيت متعب وصعب والناس برة كلها بتراقبني ، طلعت الناس كلها بتفرح وبتفرح نفسها بالخروج،الدنيا طلع فيها حاجات حلوة أوي يا ياسين”
أومأ لها ثم تنهد بأريحية وقال:
أهيه الدنيا دي غيرك شافها كدا وعاشها كدا من غير ما يحس بمتعتها، كان بيخرج ويضحك ويتصور وعاش حياته، بس مكانش حاسس بفرحة”
سألته هي بتعجب:
“ليه طيب مكانش فرحان؟”
حرك كتفيه بهدوء وقال:
“علشان مكنتيش معاه يا خديجة ومكانش لاقي الونس، أنا آه من غيرك حياتي كان فيها ناس، بس بعد ظهورك بقيتي بـ كل الناس”
نظرت له بهدوء وهي تقول:
“يعني أفهم من كدا إنك كنت محتاجني زي ما أنا كنت محتجاك؟”
أومأ لها مؤكدًا وقال:
“وأكتر كمان يا خديجة”
إبتسمت هي له ثم وجهت بصرها نحو النيل تنظر له مرةً أخرى، لكنها أعادت بصرها مرةً أخرى له حينما سمعته يقول بنبرة مُحبة:
“أتيتُ لكِ مشردٌ وبقلبٍ عن النبض ساكن..فأصبحتي لِـروحي مأوى و في عيناكِ كل المساكن”
نظرت له بأعين مغرورقة بالدموع، فوجدته يغمز لها بطرف عينه وهو يقول:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
حركت رأسها بهدوء موافقةً ثم مسحت دمعة هاربة من عينيها، بينما هو قال:
“هو أنا بقولك كدا علشان تعيطي يعني؟”
حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت:
“أنا مش بعيط علشان كدا، كل الحكاية إنك كتير أوي عليا، عارف انتَ عامل زي إيه؟”
حرك رأسه نفيًا منتظرًا تكملتها، فأخذت هي نفسًا عميقًا وقالت:
في مرة قريت رسالة من كافكا إلى ميلينا كان بيقولها فيها:
“التقيت بك فتصالحت مع العالم، عفوت عن الغائبين، وعذرت كل الراحلين، منذ أن التقيتك وأنا أرى أن لا شيء يدعوا للغضب إلا غيابك”
أنتَ زي ميلينا في حياة كافكا كدا يا ياسين، وأنا هكمل على الرسالة دي واقولك
“يُعد وجودك بمثابة إعتذار جميل من الحياة عما مر بها من قبحٍ”
نظر لها بإندهاش من إعترافها ذلك الذي سرق قلبه بشدة، وجعله يخفق بسرعة كبيرة كما لو أنه لم يخفق من قبل، بينما هي شعرت بالتوتر والخجل يجتاحها فنظرت أمامها حتى تهرب من النظر له.
بعد لحظات من الصمت التي سادت المكان، تحدثت هي بهدوء قائلة:
“ممكن بقى نروح ولا هنفضل هنا كتير؟”
أومأ لها مبتسمًا ثم قال:
“مع إن اليوم حلو والجو جميل بصراحة وحاسس كدا إن اليوم هو يوم سعدي وحظي”
سألته مُستفسرة:
“ليه النهاردة يوم حظك؟”
نظر لها بإستغراب ثم قال:
“بقى كل اللي قولتيهولي دا ومش عارفة ليه يوم حظي و سعدي، دا أنا قلبي بيرقص من الفرحة والله”
إبتسمت بإتساع ثم قالت:
“اللي أنا قولته دا مش هيجي ربع حقك عندي يا ياسين”
______________
في بيت آلـ «الرشيد» تحديدًا الطابق الخاص بشقة «مُشيرة» كانت «هدير» تقص على عمتها ما حدث تفصيلًا وإجمالًا، إنتهت من سرد ما حدث ثم أضافت قائلة:
“أنا بقى مش عارفة هيعملوا إيه معاها، وكمان متوقعتش إن شهاب يستسلم كدا، أنا قولت هيحارب علشانها شوية، بس لقيته مشي بعدما إعتذر”
نظرت لها «مُشيرة» بضيق وهي تقول:
“قولتلك متتسرعيش، ربنا يسترها بقى وشهاب دا ميقولش على إتفاقه معاكِ، ولا حتى عبلة تشك إنك أنتِ اللي عملتي كدا”
نظرت لها «هدير» بخوف حقيقي وهي تقول:
“تفتكري ممكن تاخد بالها أو تقولهم إن شهاب دا معرفتي؟”
حركت «مشيرة» كتفيها و قالت:
“آه أظن هي أكيد هتحاول تبرأ نفسها”
أمسكت «هدير» كفها بخوف وهي تقول:
“عمتو علشان خاطري اقفي معايا قصادهم، لو طارق و وليد عرفوا مش هيسيبوني”
ربتت«مشيرة» على ذراعها ثم قالت:
“متخافيش أنا معاكِ”
في الطابق الأخير عند «وليد» وأبناء عمه، قص عليهما ما يريد فعله ثم وضع كفيه في جيب بنطاله وقال بهدوء:
“هو دا اللي عندي إيه رأيكم؟”
نظر «طارق» لشقيقته، فوجدها تنظر له أيضًا، حينما طال صمتهما تحدث «وليد» قائلًا:
“لأ خلصوني موافقين ولا لأ؟”
ردت «عبلة» مُجيبة إياه:
“أنا موافقة يا وليد”
أومأ لها بثقة ثم نظر لـ «طارق»، نفخ «طارق» وجنتيه ثم قال:
“وأنا كمان موافق، طالما مفيش حل تاني غير دا”
أومأ لهما «وليد» ثم قال:
“طب حلو يلا بقى علشان نعرف العيلة كلها تحت”
في الأسفل توقفت سيارة «ياسين» أسفل البناية، فنظرت له هي وهي تقول:
“على فكرة اليوم دا كان حلو أوي، شكرًا عليه”
نظر لها مُبتسمًا ثم قال:
“من ناحية حلو فهو حلو أوي، وممكن أعيش العمر كله أشكرك أنتِ عليه”
إبتسمت بخجل ثم تركته ونزلت من السيارة، فتبعها هو ونزل خلفها، وقفت تنتظر المصعد وهو خلفها، فتح باب المصعد من الداخل بواسطة «سلمى» التي قالت بسرعة:
“خديجة! كويس إنك جيتي، طارق و وليد عاوزين العيلة كلها في الدور الأول”
نظرت لها «خديجة» بإستفسار ثم قالت:
“حصل حاجة ولا إيه؟ فهميني”
حينما لاحظ هو توتر نبرتها قال بهدوء:
“إهدي يا خديجة ممكن يكون حاجة عادية، متقلقيش نفسك”
أيدته «سلمى» قائلة:
“بالظبط كدا متخوفيش نفسك دي حاجة عادية”
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:
“ربنا يسترها إن شاء الله، أنا هطلع دلوقتي اشوف إيه اللي حصل”
رد عليها هو بهدوء:
“ابقي طمنيني طيب يا خديجة”
أومأت له ثم تركته بعدما ودعته بهدوء، بينما هو غادر البيت وركب سيارته.
صعدت «خديجة» تجلس في الطابق الأول بخوف مما هو قادم وفي خلال دقيقة وجدت الجميع بداخل الشقة حتى عمتها وإبنة عمها والقلق مرسوم بشدة على ملامح وجه كلًا منهن، وفي خلال ثوانٍ وجدت «طارق» و «وليد» و «عبلة» امامها، تم الترحيب بهم من الجميع، وأول من تحدث كان «طارق» حينما قال:
“طبعًا كلكم عاوزين تعرفوا أنتم متجمعين ليه؟ كل الحكاية إن الفترة الجاية عندنا ضغط شغل، وعبلة إحتمال تنزل معانا علشان نلحق ضغط الشغل دا، المهم أنا عاوز أعرفكم إن بكرة كتب كتاب عبلة على وليد، ودا قرار أكيد مننا إحنا التلاتة”
رُسمت الدهشة على أوجه الجميع، وإنتشرت الهمهمات والهمسات فتحدث «طارق» يقول:
“أنا سألت الأتنين، وهما موافقين وعلشان تعرف تشتغل معانا وتدرب معاه لازم كل حاجة تكون بشرع ربنا وهي مراته”
تحدث «محمد» قائلًا بهدوء:
“طب ما تخليها أخر الأسبوع ليه بدري كدا؟”
تدخل «وليد» مُجيبًا إياه:
“معلش يا عمي علشان بجد مفيش وقت معانا، المهم أنتم موافقين؟”
تدخل «مرتضى» قائلًا:
“على بركة الله، موافقين، بس جهزوا أنتم نفسكم،”
أجابه «طارق» بهدوء:
“أنا مظبط كل حاجة متقلقش يا عمي،و وئام كمان جاي كمان شوية علشان يبقى معايا”
وافق الجميع بفرحٍ مصحوب بالدهشة من ذلك القرار المفاجئ، بينما «وليد» نظر لعمته و «هدير» بتحدٍ.
إقتربت «خديجة» من «عبلة» تحتضنها وهي تقول بفرحة كبيرة:
“ألف مبروك يا عبلة، أنا فرحانة علشانك أوي أنتِ و وليد”
تشبثت بها «عبلة» وبكت بقوة، مما أثار تعجب الجميع، حينما لاحظ «وليد» نظرات الجميع قال بهدوء:
“معلش يا خديجة خديها عندك علشان هي متوترة وخليكي معاها النهاردة”
نظرت له «خديجة» بتعجب وإستفسار معًا فوجدته يومأ لها، تنهدت هي ثم أخذت «عبلة» ورحلت من أمام الجميع.
جلس «طارق» وهو يقول:
“بكرة بعد العصر إن شاء الله المأذون هيجي علشان نكتب الكتاب، وهيبقى على الضيق وكدا كدا جدو ناصر تعبان مش هيعرف يجي ، وأنا كلمته وعرفته هيبعت إبنه مكانه”
أومأ له الجميع بينما «زينب» قامت تحتضن «وليد» وهي تقول:
“أنا قلبي هيقف من فرحتي بيك أنتَ و عبلة، وفرحتي بخديجة كملت بفرحتي بيك”
إحتضنها هو ثم قال:
“إدعيلي يا زوزو بالله عليكِ، أصل داخل على أيام عاوزة دعواتك مع دعوات مروة”
إقتربت منهما «مروة» تقول بضيق مصطنع:
“إشبع بزينب يا أخويا، أنا معايا خديجة وبقى معايا عبلة بنتي هي كمان”
إنتشرت الضحكات والسخرية، بينما «مُشيرة» كانت تنظر بغلٍ واضح للجميع ولم تستطع التحكم في غِلها، نظر لها «وليد» وهو رافعًا أحد حاجبيه بضيق، التقت هي أعينها بأعينه فوجدته يراقص لها حاجبيه بإستفزاز، فوجهت بصرها للجهة الأخرى، بينما «هدير» كانت تتصنع الثبات ولكنها من الداخل تموت قهرًا على فشل مخططها.
في شقة «خديجة» كانت جالسة على فراشها بجانب «عبلة» وهي تبكي بقوة ، كانت «خديجة» تنظر لها بتعجب، فكيف لعروسٍ فرحها في الغد أن تكون في هذه الحالة، ربتت «خديجة» على كتفها وهي تقول:
“طب بتعيطي ليه طيب؟ أنتِ مش عاوزة تتجوزي وليد؟”
حركت «عبلة» رأسها نفيًا، فسألتها «خديجة» مرةً أُخرى:
“طب زعلانة علشان الفستان طيب؟ ولا عاوزة كتب الكتاب في قاعة”
مسحت «عبلة» دموعها ثم قالت:
“زعلانة على نفسي من نفسي يا خديجة”
مسحت «خديجة» على خصالتها البنية وهي تقول:
“من إيه يا عبلة، وليه بتقولي كدا؟ أنتِ مش وحشة”
صرخت «عبلة» بوجهها وهي تقول:
“لأ وحشة، لما ظلمتك من صغرنا، ولما كنت بوافق هدير وعمتو على ظلمهم لكِ ، ولما سكت على أذيتك، وحشة علشان بسمع كلام هدير وبمشي وراها، وحشة علشان بعدت عنك وعن وليد، وعن كل اللي بيحبوني”
أخذتها «خديجة» بين أحضانها وهي تقول:
“بس يا عبلة علشان خاطري، بس أنا مش زعلانة منك والله، متتعبيش نفسك وتحمليها الذنب”
ردت عليها «عبلة» ببكاء:
“اللي عملته فيكِ يا خديجة دوقته النهاردة، الأذى اللي شربتيه، شربت منه سامحيني علشان خاطري”
شددت «خديجة» من العناق وقالت:
“والله مسمحاكي، بس متقعديش تعملي كدا في نفسك،وقوليلي إيه اللي حصل”
أومأت لها «عبلة» ثم خرجت من بين ذراعيها، و شَرَعَت في قص ما قامت هدير بفعله، إنتهت من سرد ما حدث ثم نظرت لـ «خديجة» بحزن وقالت:
“شوفت الظلم النهاردة وشوفت حرقة الدم، صعب أوي إن الإنسان اللي تأمنيله هو اللي يضحك عليكِ، ليه تعمل فيا أنا كدا”
أخذتها «خديجة» في أحضانها مرة أخرى ثم قالت:
“مفيش حاجة توجع قد الظلم اللي بيجي من اللي قلبنا أمن ليهم، صدقيني أنا حاسة بيكِ ومش زعلانة منك، المهم أنتِ كفاية عياط ونامي علشان فرحك بكرة”
أطرقت «خديجة» برأسها للأسفل تنظر لـ «عبلة» بين أحضانها فوجدتها نائمة، ربتت «خديجة» على ظهرها ثم طبعت قبلة بسيطة على رأسها ثم تنهدت بعمقٍ، نظرت بجانبها وجدت شاشة هاتفها تُضيء برقمه، إبتسمت هي بهدوء ثم قامت بالرد عليه فوجدته يسألها بهدوء:
“إيه الدنيا عندك طمنيني؟”
إبتسمت بسخرية ثم قالت:
“الدنيا عندنا معقدة، مكلكعة، مربطة، سميها زي ما تسميها”
رد عليها مُعقبًا بسخرية:
“يا ستار يا رب، ليه عايشين في رابطة سلك يا خديجة؟”
ضحكت على جملته بخفوت ثم قالت:
“معاك حق والله هي فعلًا معقدة زي رابطة السلك”
سألها بهدوء:
“صحيح وليد كلمني يعزمني على كتب كتابه وقالي أعزم صحابي كمان”
ردت عليه بهدوء:
“طب كويس، هاتهم بقى علشان هو معندوش صحاب، وأهو بالمرة أشوفك بكرة”
رد عليها بخبثٍ:
“الله! شوقك وصل يا جميل، عاوزة تشوفيني بكرة بسرعة كدا”
شعرت بالخجل منه فقالت:
“أنا غلطانة علشان بكلمك، سلام يا ياسين”
أبتسم هو ثم قال:
“خلاص بهزر يا ستي، المهم بكرة هكون عندك ساعة آذان العصر، هصلي أنا والرجالة وأكون عندك، ألاقيكي واقفة مستنياني”
إبتسمت له ثم قالت بخفوت:
“ماشي، بس متتأخرش أنتَ”
إبتسم بإتساع ثم قال:
“لأ متخافيش مقدرش”
___________________
في اليوم التالي قبل آذان العصر كان العمل بالعائلة على قدمٍ و ساق، والجميع يتجهز لتلك المناسبة، بينما «عبلة» كانت في غرفتها مع «خديجة» و «سلمى» و «خلود»، تجهزت «عبلة» و إرتدت فستانًا من اللون الأبيض وحجاب رقيق من نفس اللون و وضعت القليل من مستحضرات التجميل، وكحل أبرز عسليتاها بقوة، تنهدت بأسى، ثم نظرت بجانبها لـ «خديجة» التي كانت ترتدي فستانًا من اللون السماوي الرقيق وحجاب من نفس اللون وحذاء نفس اللون وكان الطقم بأكمله من إختيار «عبلة» و«سلمى» و «خلود»، ثم قامت إحتضنتها بقوة وهي تقول:
“شكرًا لوجودك معايا يا خديجة، بجد مش عارفة أقولك إيه؟”
نظرت لها «خديجة» نظرة معاتبة ثم قالت:
“متقوليش كدا يا عبلة، أنتِ أختي، ويلا يا ستي جهزي نفسك علشان ننزل الدور الأول”
أومأت لها «عبلة» بهدوء، فسمعت «خلود» وهي تقول:
“يلا علشان وليد رن عليا هما هيصلوا العصر و يطلعوا”
شعرت «عبلة» بسرعة ضربات قلبها من الخوف والقلق، بينما «خديجة» أمسكت كفها ثم ربتت عليه وهي تقول:
“متخافيش كدا، دا كتب كتاب عادي يعني”
نزلت «عبلة» الطابق الأول مع «خديجة»،في شقة النساء، وفي الشقة المخصصة للرجال كان الرجال جميعهم بداخلها، نظرت «خديجة» حولها تبحث عنه فلم تراه، دخلت الشرفة حتى تهاتفه فسمعت صوته من الشرفة الخاصة بالشقة الأخرى وهو يقول بمرحٍ:
“إيه يا ست الكل، رقبتي اتلوحت من البص في البلكونة”
إبتسمت هي بفرحٍ ثم إقتربت منه تقف بجاوره وكان الفاصل بينهما الحائط، نظرت له ولثيابه فوجدته يرتدي سُترة من اللون البيج الفاتح وقميص أسود اسفلها وبنطال بنفس لون القميص، أبرز الطقم وسامته المتواضعة، فسألته بهدوء:
“حلو أوي اللي أنتَ لابسه دا”
سألها بمرحٍ:
“بجد عجبك؟يعني البت اللي عاكستني وأنا جاي دي معاها حق؟”
شعرت بالضيق منه فقالت:
“نعم ؟! مين دي اللي عاكستك، نهارك مش فايت”
إبتسم هو على رد فعلها ثم ببراءة مصطنعة:
“إيه يا خديجة واحدة عاكستني مش ذنبي حتى أسألي عامر”
أتى «عامر» بجانبه وهو يقول:
“مالك ومال عامر، بتجيب سيرته ليه؟”
عض «ياسين» على شفته السفلى بضيق ثم نظر له وهو يقول:
“خير إيه اللي جابك هنا”
نظر له «عامر» بسخرية وقال:
“جيت أشرب سيجارة في البلكونة”
رفع «ياسين» أحد حاجبيه ثم قال بسخرية:
“وهو حد فينا بيشرب سجاير يا كداب؟”
كانت «خديجة» تنظر عليهما وهي تضحك، أتت «مشيرة» من خلفها وهي تقول:
“أنتِ واقفة كدا ليه وبتضحكي على إيه؟”
إلتفتت «خديجة» تنظر لها بخوف، بينما «ياسين» إشرأب برأسه وقال لعمتها ببراءة كاذبة:
“معلش يا عمتو كانت بتكلمني أنا”
نظرت له «مُشيرة» بضيق ثم قالت:
“الكلام دا مش هنا وعيب كدا، علشان منظركم حتى”
تدخل «عامر» ينظر لها من الشرفة هو الأخر ويقول بمرحٍ:
“لأ يا طنط أنتِ فاهمة غلط دي مراته مش واحدة بيعاكسها”
نظرت له «مُشيرة» بحنقٍ وقالت:
“وأنتَ مين أنتَ وبتدخل ليه؟”
نظر لها وهو يراقص حاجبيه ثم قال:
“عامر فهمي أخو ياسين رياض”
ضحك «ياسين» بخفة و «خديجة» أيضًا، بينما «مشيرة» نظرت له بسخرية وقالت:
“وأنتَ أخوه إزاي بقى إن شاء الله؟ بالحب؟”
غمز لها ثم قال:
“لأ وأنتِ الصادقة بالقلب”
نفخت وجنتيها بضيق ثم قالت:
“أنا ماشية”
رفع «عامر» صوته قائلًا:
“ماشية ليه دا وليد جايب جاتوه حلو أوي”
ربت «ياسين» على كتفه وقال بفخرٍ:
“تسلم يا عامر مش عارف من غيرك كنت هعمل إيه”
غمز له بطرف عينه وقال:
“عيب عليك أخوك موجود”
حمحت «خديجة» بهدوء ثم قالت:
“طب أنا هروح أشوف عبلة علشان متفضلش لوحدها”
بعد قليل إجتمع البيت بأكمله في الأسفل حيث مكان عقد القران، وقفت «خديجة» خلف «عبلة» مباشرةً فوجدت «ياسين» يقف بجانبها وهو يقول:
“ما تيجي نلحق موسم التزاوج دا وننضم للقايمة”
نظرت له مبتسمة وقالت:
“طب ما إحنا متجوزين والله”
نظر لها بوجهٍ ممتعض وهو يقول:
“بصراحة حاسس إني اتكروت بقى”
حركت رأسها بيأس وقالت:
“فاضل حاجات بسيطة في العلاج وخلاص بعدها نبدأ بهدوء”
نظر لها ولم يُعقب وفي خلال ثوانٍ بدأ المأذون عقد القران، وكانت لحظة مُهيبة تقشعر لها فسبحان من أطلق عليه الميثاق الغليظ، كانت الفرحة مرسومة على أوجه الجميع عدا «مُشيرة» التي كانت تشعر بالحزن والحقد معًا،. و «هدير» التي كانت تتابع ما يحدث بأعين تشع نيران حاقدة
“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير”
أنهى المأذون عقد القران بتلك الجملة ثم أنتشرت بعد ذلك الزغاريد في البيت بأكمله، قام «وليد» وقال أمام الجميع:
“معلش يا جماعة من حقي أحضنها بقت مراتي خلاص”
ضحك الجميع بينما هو إقترب من «عبلة» قبل قمة رأسها بهدوء ونظر إليها وقال:
“مبروك عليا وجودك في حياتي يا عبلة”
مال «ياسين» على أذنها وقال بهدوء خبيث:
“أنا مبوستش راسك في كتب الكتاب على فكرة، ما تيجي ابوس راسك دلوقتي”
وكزته في مرفقه بهدوء ثم قالت وهي تصر على أسنانها:
“أبوس راسك أنتَ تسكت خالص، بابا بيبص علينا وأحمد كمان”
حرك كتفيه وقال ببرود:
“وفيها إيه مراتي حد ليه عندي حاجة؟”
نظرت له ولم تعقب، بينما هو تركها ووقف بجوار «عامر»
نظر «وليد» فوجد عمته واقفة منزوية عن الجميع، فذهب لها وإحتضنها بقوة وهو يقول:
“الله يبارك فيكِ يا عمتو يا روح قلبي”
خرجت من بين ذراعيه وهي تنظر له بضيق فوجدته يغمز لها ثم قال:
“لعبتوها صح وأنا كملتها، أصل أنا لعيب قديم”
إبتسمت له بسخرية ثم قالت:
“متفرحش أوي كدا، لسه الجاي كتير”
أخرج من جيب بنطاله شريط دواء ثم وضعه في كفها وقال بإستفزاز:
“خلي بس دوا الضغط دا معاكِ، علشان هيترفع الأيام الجاية كتير”
رفعت حاجبها بحنقٍ وقالت:
“المهم أنتَ تكون عامل حسابك”
أومأ لها بثقة كبيرة ثم قال:
“وأنا عامل حسابي كويس أوي، من عاشر القوم”
يُتَبَع