تَعَافَيْتُ بِكَ
الفصل الرابع
___________________________
لا تَجـعل غِـيوم المَـاضـي تُغـطي شمس الحَـاضـر
___________________________
وقعت الجملة على الجميع كوقع الصاعقة؛ أما «ياسر» كان كمن سُكب عليه دلوًا من الماء البارد في ليالي الشتاء القاسية، لم يتصور حتى ولو بأحلامه أن صديق عمره يقول له هذا الحديث القاسي، أما «ياسين» و «ميمي» و «عامر» فنظروا جميعهم إلى «خالد» الذي أطرق رأسه إلى الأسفل من الخجل ،
قام «ياسين» و أمسك «خالد» من ذراعه ثم أخذه إلى الشرفة أما «ميمي» فتحركت بكرسيها المتحرك و اقتربت من «ياسر» ثم أخذته بين أحضانها و كأنه فقد جميع حواسه، وكل ما يتردد على مسامعه هو حديث «خالد» و كأن العالم أُصيب بالخرس من بعد تلك اللحظة وفي خلال ثواني أجهش بالبكاء، حيث كان كمن فقد والدته في تلك اللحظة، اقترب منه «عامر» و ظل يربت على ظهره لكي يهدأ قليلًا، لكنه سُجن في تلك اللحظة في ذكرياته «المريرة».
__________________
دخل «ياسين» و «خالد» الشُرفة و بمجرد دخولهما أمسكه «ياسين» من تلابيبه ثم صاح به قائلًا:
“هو سؤال واحد يا خالد إيه الزفت اللي طلع من بوقك برا دا ؟ انتَ إيه يا أخي معندكش عقل الكلام بيعدي عليه؟ بتحدف طوب وخلاص على البشر”
رد عليه «خالد»بهدوء قائلًا:
“إهدى يا ياسين هو قالي نتكلم بصراحة وانا مقدرتش أخبي أكتر من كدا، أكذب عليه يعني؟ ولا أنافقه علشان ترتاحوا”
تركه «ياسين» على مضضٍ ثم رد مُعقبًا:
“لأ دا مسموش كذب ولا نفاق يا خالد، أنا لما أحسن اسلوبي في الكلام علشان مجرحش مشاعر اللي قدامي أنا كدا مش منافق أنا كدا بحافظ على اللي قدامي من إني أسيبله علامة سودا بسبب كلامي ،النفاق ملوش علاقة باللي انتَ بتقوله دا”
رد عليه «خالد» مُعقبًا:
“والله أنا قلبي أبيض و اللي في قلبي على لساني”
تحدث «ياسين» بهدوء كعادته مُردفًا:
“لأ يا خالد غلط الشخص اللي بيجرح الناس بكلامه عمره ما يكون قلبه أبيض، الشخص اللي يسيب علامة سودا بسبب كلامه اللي زي السم عمره ما يكون طيب، الطيب عمره ما بيجرح حد بكلامه يا خالد”
رد عليه «خالد» بعصبية قائلًا:
“طب أعمل إيه يا ياسين ما هي دي الحقيقة و ملهاش قول تاني غير كدا؛ مكانش في طريقة تانية أقوله بيها غير دي.”
رد عليه «ياسين»مُعقبًا:
“لأ يا خالد فيه مليون طريقة تقوله بيها، انتَ اللي استسهلت، وبعدين تقدر تقولي انتَ رافض ياسر ليه تقدر؟ تقولي عيبه إيه؟”
تحدث«خالد» و لكن تلك المرة بصوتٍ عالٍ قائلًا:
“خوفت يا ياسين، خوفت يا أخي أنا أختي مش زي أم ياسر، أختي مش هتستحمل جوزها يطفش و يسيبها، أنا شوفت بعيني ياسر و أهله تعبوا إزاي في حياتهم ، معنديش استعداد اشوف المعاناة دي بتتكرر مع أختي”.
رد عليه «ياسين» بهدوء كعادته:
“كل كلامك غلط يا خالد، واحد زي ياسر دا أنا أديه أختي وانا مطمن انها مع راجل وانتَ بالذات معاه من يوم ما اتولد ولا نسيت انكم تعرفوا بعض من قبلي أنا و عامر ب ١٣ سنة؟ واحد زي دا بيشتغل من صغره بيصرف على امه و اخواته علشان ميتبهدلوش، واحد زي دا كمل تعليم أخواته البنات وصرف عليهم و جوزهم ، واحد زي دا كمل تعليمه و حارب الظروف و بقى دكتور، واحد زي دا أبوه سابه وهو لسه بيشد حيله يدوبك عيل في ٣ ابتدائي يلاقي نفسه في رقبته ٣ ستات هو الراجل الوحيد المسؤل عنهم كل دا بذمتك و تخاف تديه أختك؟ واحد زي دا تعب طول حياته و مستني يفرح ليه انتَ اللي تحرمه من الفرحة دي يا خالد؟”
تحدث «خالد» بهدوء بعدما تأثر من حديث «ياسين» قائلًا:
“انا كل دا ركنته على جنب بغبائي، مشوفتش غير انه ممكن يعمل زي ابوه ما عمل خفت على أختي الوحيدة اللي أنا مربيها على إيدي خفت من وصية ابويا لما قالي انه هيسألني عليها قدام ربنا، غصب عني يا ياسين؛ يارتني ما كنت نطقتها.
رد عليه«ياسين» بضيقٍ منه:
“ما هي دي مشكلة البشر نجرح الناس و نرجع نقول يارتنا ما قولنا، نتسرع في الحكم على الناس و نرجع نقول احنا كنا غلطانين و نفضل نولول كتير المهم ركز معايا و اللي هقوله يتنفذ يا خالد علشان نصلح العك اللي عكيته دا مفهموم؟”
أومأ له «خالد» موافقًا، ثم خرجا سويًا من الشرفة و عادوا إلى مكان وجود «ياسر» وجدوا «عامر» يمازحه ولكنه لم يستجب له؛ نظر «ياسين» إلى«خالد» و كأنه يقول له:
“أرأيت؟”؛ أطرق «خالد» رأسه إلى الأسفل فاقترب «ياسين» من «ياسر» ثم قال ممازحًا له:
“في إيه يا ياسر حد يزعل من خالد برضه؟ دا حمار يابني انا لو منك أضحك في وشه و أغيظه و أقوله هتجوزها غصب عنك ،ولا إيه يا ميمي؟”
ابتسمت له ميمي وهي تعلم محاولته لتصليح الموقف أما «ياسر»فنظر إليه بأعين خاوية ولم يُعقب، تبدلت نظرة «ياسين» من المزاح إلى الجد ثم قال موجهًا حديثه إلى «ياسر» بعدما ذهب إليه و جلس بجانبه:
“متكتمش في نفسك يا ياسر عيط و ازعل و اشتكي بس متكتمش جواك”
قال ياسين كلماته ثم تبعها بإحتضانه لـ «ياسر» مُربتًا على كتفه قائلًا:
“عيط يا ياسر طلع كل اللي شايله جواك من سنين أنا جنبك اهوه ارمي حملك عليا” و كأن حديث «ياسين» كالزر لجروح «ياسر» أجهش في البكاء بين ذراعي «ياسين» ثم تحدث كأنه في عالم آخر قائلًا:
“كلامه وجعني أوي يا ياسين أخر واحد كنت اتوقع منه إنه يقولي كدا، انا كنت ساعات بقول ان ربنا عوضني عن ابويا بوجود خالد في حياتي لما العيال ضربوني في المدرسة وانا صغير اول واحد جريت عليه كان خالد علشان يجبلي حقي، كل ما أقع في مشكلة كنت بروحله علشان مليش غيره؛ لما اتعايرت إن ابويا سابنا و طفش ساعتها قولتلهم إن خالد موجود مش محسسني إني لوحدي، أنا مش زيه يا ياسين والله انا مش زيه انا أحسن منه مليون مرة أنا شيلت شيلته اللي سبهالي و مشي؛ حاربت علشان مبهدلش امي و أخواتي في الشوارع، كل حاجة في حياتي بتجيلي بطلوع الروح مفيش حاجة جت سهلة حتى إيمان كنت فاكر إن جوازي منها أسهل حاجة هتحصلي في حياتي؛طلعت بتعذب علشان اعرف أوصل لها
تدخل «عامر» في الحديث ممازحًا له قائلًا:
“ما هي ضريبة الوصول يا خويا ؛انتَ فاكر انها حاجة سهلة؟ لازم تتمرمط و يطلع عينك علشان لو فكرت تزعلها تفتكر انتَ تعبت قد إيه”
بعدما انتهى «عامر» من حديثه نظر إلى «خالد» وجده يبك بحرقة و كأنه لم يبك من قبل
فتحدث بشماتة قائلًا:
“إلحقوا عمود المسلح حس و بقى بيعيط؛ خالد انتَ بتحس زينا كدا و عندك مشاعر ؟ انا كنت فاكرك جرافيك والله”
ضحك الجميع على حديث «عامر»حتى خالد ثم ذهب إلى «ياسر» جلس أمامه على ركبتيه ثم قال:
“أنا أسف يا ياسر؛ سامحني بالله عليك متزعلش مني والله العظيم ذلة لسان خرجت مني من غير ما أحس”
نظر «ياسر» في أعينه ثم قال له:
“مفيش حاجة اسمها ذلة لسان يا خالد، دا الكلام اللي في قلبك، و هي دي اللحظات اللي بيخرج فيها كلام الصدق”.
_____________________________
كانت«خديجة» جالسة بغرفتها وهي تقضم أظافرها من التوتر و تهز قدميها بإنفعالٍ بالغ، و كل ما كانت تُفكر به هو كيف تحول الطعام إلى هذا الطعم الغير مقبول دون أن ترى من قام بذلك، كانت تحاول ان تجد دليل حتى يتم تصديقها من خلاله لكنها لم تستطع، و فجأة فُتح باب غرفتها و كان أبيها هو من قام بذلك، نظر إليها ثم تحدث قائلًا:
“تعالي برا يا خديجة عاوزك”
أومأت له موافقةً ثم تبعته للخارج جلس والدها على الأريكة ثم اشار إليها تجلس بجانبه، نظر إليها فوجد لونها مائل إلى الإصفرار و وجها متعرق بشدة و تفرك كفيها حتى أوشكت على جرحهما؛ تنفس بعمقٍ ثم سألها بهدوء:
“إحكي إيه اللي حصل بالظبط يا خديجة؛ و من غير توتر احكي بهدوء و بالراحة”
كانت على وشك البكاء و لكنها تذكرت نصيحة «وليد» حينما قال لها:
“كل ما تلاقي نفسك بتتوتري خدي نفس عميق و عدي من ١لـ١٠ بالعكس”
فعلت كما قال لها ثم تحدثت بهدوء يشوبه بعض التوتر، و لكن ما ساعدها على ذلك هو أن أبيها لم يكن عصبي المزاج بل كان هاديء لحدٍ كبير لذلك قصت عليه ما حدث و ما طلبته منها «هدير»؛ نظر إليها والدها بتفحص ثم سألها:
“يعني هو دا اللي حصل بس؟ طب انتِ حطيتي قد إيه ملح في الأكل و قولي بصراحة.”
أغرورقت أعينها بالدموع فظهر أثر كتم البكاء على صوتها حينما تحدثت قائلةً:
“و اللّه يا بابا هي معلقة واحدة بس اللي بنستخدمها كل مرة و اللّه محطتش غير واحدة بس”
قالت جملتها ثم نظرت إليه بتفحص تحاول استنباط ما يفكر به، نظر إليها والدها مليًّا ثم تحدث قائلًا:
“طب يا خديجة، إتفضلي انتِ على اوضتك”
دخلت غرفتها ثم ارتمت على الفراش و ظلت تبكي بحرقة و كعادتها حينما لم تستطع البوح بما يُجيش به صدرها أخرجت دفترها ثم دونت به و هي تكتب:
“عارفة انك بقيت مليان زيي، و عارفة كمان انك استحملتني كتير بس انتَ الوحيد اللي مضطر تقبلني زي مانا؛ انتَ الوحيد اللي عارف عني كل حاجة و كل الضلمة اللي جوايا، كالعادة أنا خفت أقولهم إن هدير هي اللي بوظت الاكل و كالعادة خوفت اقولهم ان عمتو عارفة هي كمان، انا لسه بخاف و للاسف هفضل أخاف؛ كان نفسي مخافش منه و ابقى عارفة انه هيجيب حقي بس دا مبيحصلش
كان نفسي ياخدني في حضنه و يقولي فدايا كل حاجة.”
خطت كلماتها ثم أغلقت دفترها و غاصت في ثُباتٍ عميق.
_______________________________
بالأسفل كانت العائلة لازالت مُجتمعة نزل «طـه» والد «خديجة» فتحدثت «مُشيرة» قائلةً:
“إيه يا طه قالتلك إن هي اللي بوظت الأكل ولا كالعادة اتمسكنت عليك وانتَ بطيبتك صدقتها؟”
حديثها لم يعجب أحدًا من الجالسين لذلك تحدث خالها«ناصر» بصوتٍ عالٍ قائلًا:
“مُـشـيـرة؛ في إيه خِلصنا؛ غلطة بتحصل في كل البيوت البنت مأجرمتش يعني وانتَ يا طه اوعى تكون عملت فيها حاجة ولا زعلتها حتى؟”
رد عليه «طـه» بهدوء قائلًا:
“لا و الله يا خال معملتش حاجة؛ انا اتكلمت معاها بهدوء و هي قالتلي اللي حصل و معرفتش اكذبها؛ المهم حقكم عليا انا؛ انا عارف انها مش أول مرة تبوظ حاجة بس حصل خير المرة دي”
اومأ الجميع له بينما انفعلت «مُشيرة» ثم صاحت بملء صوتها:
“يعني إيه يا طه هتفضل المحروسة تُعك الدُنيا كتير و احنا نتحمل ولا إيه؟ على العموم خليكم شاهدين على تربية زينب اللي كلكم بتحلفوا بيها و ياما اتريقتوا على تربيتي لعبلة و هدير.”
و أثناء حديث«مُشيرة»مالت «عبلة» على أذن «هدير» ثم تحدثت بخفوتٍ قائلةً:
“عمتك علت الڤولت المرة دي؛ خليها تهدى شوية قبل ما الكبل يضرب في وشنا كلنا”
نظرت إليها «هدير» بتشفي ثم قالت:
“أحسن خليها علشان البت خديجة و أمها دول خنقوني في عيشتي؛ و بصراحة عمتو عجباني”
نظرت«عبلة» إليها بتفحص ثم قالت مستفسرةً:
“هدير، انتِ و عمتك اللي عملته حوار الملح صح؟ مش خديجة؟ زي كل مرة يعني الموضوع مخرجش براكم؟”
وكزتها«هدير» في ذراعها ثم قالت لها:
“ياريت توطي صوتك مش عاوزين فضايح؛ و بعدين فيها إيه يعني أدينا بنتسلى”.
كررت «عبلة» الكلمة خلفها ثم قالت:
“بتتسلوا بالناس يا هدير ؟و الله العظيم حرام عليكم مش كل مرة كدا؟”
نظرت إليها «هدير» بمللِ من حديثها ولم تعقب؛ كانت «مُشيرة» في تلك الأثناء تُرمي بكلماتها تشبه رمي السهام و كل ما تريده هو استفزاز«زينب» حتى يشتد النزاع بينهن و لكن لسوء حظها ان «زينب» لم تكترث لحديثها و كأنها تعلم نواياها عندما لم تصل «مُشيرة» إلى ما تريد تحدثت بخبثٍ قائلة:
“بصراحة خديجة طول عمرها بتكره الخير للناس حتى اللمة بتاعتنا بتكرهها ربنا يحمينا من السواد اللي جواها ماهو مش معقول كل دي صُدف؟”
لم يستطع «طـه» التحمل أكثر من ذلك فصاح بصوتٍ عالٍ:
“في إيه يا مُشيرة ما تحاسبي على كلامك؛ خديجة إيه دي اللي هتكره الخير لينا انتِ اللي شكلك جرى لـ مُخك حاجة؟”
بكت «مُشيرة» و لكنه لم يَكن بكاءً حقيقيًا بل كان بكاء تماسيح ثم قالت:
“بتزعقلي علشان خاطر خديجة يا طه؟ هي دي وصية ابوك و أمك؟ هي دي الوصية يا أخويا يا كبير؟”
نظر إليها ثم ذهب جلس بجانبها مُربتًا على كتفها قائلًا:
“متعيطيش يا مُشيرة، حقك عليا أنا، أنا آسف بس برضه كلامك على خديجة كدا مينفعش دي بنتي يا مُشيرة هي آه ممكن تكون بتغلط كتير و ممكن كل ما تعمل حاجة تبوظها بس دا مش قصدها.”
تحدث الحاج«ناصر» قائلًا:
“حصل خير يا طه مفيش مشكلة”
تحدثت «مُشيرة» بخبثٍ قائلة:
“لأ طبعًا يا خالي فيها مشكلة، لما كل مرة تحصل كدا و تبوظ حاجة تبقى مشكلة ،على الأقل تعتذر للناس اللي بتغلط فيهم دي”
نظر الجميع إلى بعضهم البعض من حديث «مُشيرة» ، فتحدث «طـه» قائلًا:
“حاضر يا مُشيرة ، ولو هو دا اللي هيريحك حاضر، إطلعي يا خلود هاتيلي أحمد من عند الشباب”
_______________________________
في منزل«ميمي»
نظر «خالد» إلى «ياسر» مُستفسرًا ثم قال له:
“قصدك إيه يا ياسر ؟ مش فاهم”
أخذ «ياسر» نفسًا عميقًا ثم قال
“يعني دا الكلام اللي في قلبك ليا يا خالد و كويس إني عرفت إنتَ شايفني إزاي يا صاحبي.”
أخذه «خالد» بين أحضانه بسرعة كبيرة ثم قال مُعتذرًا:
“والله أبدًا يا ياسر دا شرف ليا إنك تكون جوز إيمان، كل الحكاية بس إني خوفت والله اعذرني يا صاحبي ،دا إنتَ غلاوتك عندي زي غلاوة يونس إبني يا ولّا دا إنتَ اتولدت على ايدي”
تدخل «عامر» في الحديث مُسرعًا وهو يقول:
“خوفت ليه يا أخويا؟ مجوزها لأبو موتة ولا تكونش فاكره زعيم مافيا هيبيع أعضائها”
رد عليه «ياسين» مُعقبًا:
“الله ينتقم منك يا عامر الكلب، إخرس خالص”
رد عليه «عامر»:
“حاضر يا ياسين هخرس خالص أهوه يارب ترتاحوا مني”
رد «ياسين»:
“يا رب يا سيدي علشان نخلص”
زفر «خالد» بقوة ثم عاد الحديث مرةً أُخرى:
“متزعلش مني يا ياسر، و بعدين إحنا اتفقنا على الصراحة”
تدخل «عامر» في الحديث مُسرعًا:
“خالد يا حبيبي إنتم اتفقتوا على الصراحة مش على الوقاحة”
و فور إنتهاء جملته وجد «ياسين» يمسكه من الخلف وهو يسأله:
“هو سؤال واحد إنتَ إيه اللي مقعدك هنا؟ هاه؟ إنتَ مش معزوم عند حماتك ما تغور من هنا.”
رد عليه «عامر»:
“يعني أمشي يا ياسين من غير ما أصالحهم على بعض دي تيجي برضه؟”
تدخل«خالد» قائلًا:
“كدا و بتصالحنا على بعض أومال لو بتولع الدنيا كنت عملت إيه؟ دا إنتَ شعللت الدنيا في لحظة عامل زي عود كبريت ماصدق لقى بنزين”
ترك «ياسين» «عامر» ثم ذهب و جلس بجانب «ياسر» و تحدث قائلًا:
“نهاية الموضوع إنتَ يا ياسر عاوز الآنسة إيمان ولا لأ؟”
رد عليه «ياسر»:
“طبعًا عاوزها يا ياسين بس برضه مش عاوز أحس إن الماضي هيأثر على علاقتي بيها”
رد عليه «ياسين»:
“من الناحية دي إطمن أنا أضمنهالك، و بعدين متخليش الماضي يأثر عليك يا ياسر افرح بقى و إنسى اللي حصل كله و احمد ربنا على النعم اللي عندك”
تدخل «عامر» في الحديث:
“ايوا يا ياسر احمد ربنا و بالذات على عينك الزرقا دي والله العظيم يا بختهم بيك هتحسن لهم نسل العيلة”
ضحك الجميع على حديث «عامر»، تنهد «ياسين» بعمقٍ ثم قال:
“الخلاصة علشان عامر يروح يلحق عزومته عند حماته و انا ارتاح من صداع الاطفال دا، يوم الخميس الجاي يا خالد احنا جايين نطلب إيد الآنسة «إيمان» لـ «ياسر»
صرخ«عامر» بصوتٍ عالٍ قائلًا:
“يــحــيــا الــعــدل..يــحــيــا الــعــدل”
ثم ذهب وقام بإحتضان «ياسر» أما «خالد» نظرلــ «ياسين» بإمتنان لقدرته على حل تلك المشكلة التي تسبب بها.
___________________________________
في منزل آلـ«رشيد» ذهبت «خلود» شقيقة «خديجة» لشقة الشباب و أتت بــ «أحمد» أخيها و «وليد» أيضًا، دخل الشباب و نظرات الدهشة تعلو وجهيهما فتحدث «أحمد» قائلًا:
“خير يا بابا حضرتك طلبتني ليه في حاجة؟”
رد «طــه»:
“آه يا أحمد عاوزك تطلع تصحي أختك هتلاقيها نامت زي كل مرة و تجبها و تنزل تاني”
إندهش «أحمد» من طلب أبيه فتحدث قائلًا:
“مع إحترامي لطلب حضرتك بس ممكن أعرف ليه؟”
رد عليه «طــه»:
“علشان أختك كل مرة تُعك الدنيا يا أستاذ أحمد علشان دي مش أول مرة تسبب مشكلة لينا، علشان لما تعتذر قدام الناس تفكر بعد كدا قبل ما تغلط”
شعر «أحمد» بالضيق من حديث والده، فتحدث قائلًا:
“و هو كدا إنتَ بتصلح المشكلة؟ وبعدين أنتم متأكدين إن هي اللي بوظت الأكل يعني ما يمكن حد حطه غيرها من غير ما يعرف إن هي حطت ملح قبل كدا”
تدخلت «مُشيرة» قائلةً:
“قصدك إيه يا أستاذ أحمد ؟ قصدك إن حد فينا قاصد يعمل كدا في خديجة هو إنتَ شايفنا عصابة قدامك ولا إيه؟ ما تشوف عيالك يا طه ولا صحيح ما هما تربية زينب”
تدخل «محمود» شقيقها في الحديث:
“فيه إيه يا مُشيرة هو إنتِ كل حاجة تجيبي سيرة تربية زينب في كل موضوع ما خلاص الموضوع خلص”
تدخل «طه» قائلًا:
“خلاص يا محمود انا هخلي خديجة تنزل تعتذر وخلاص يلّا يا أحمد إطلع”
ذهب «أحمد» من أمامه بضيقٍ من أفعاله ثم صعد إلى شقته و دخل غرفة أخته وجدها نائمة شعر بالشفقة عليها ثم ذهب إليها يوقظها ، استيقظت خديجة ثم نظرت إليه بدهشة قائلةً:
“أحمد في إيه حصل حاجة؟”
أجابها أحمد:
“أيوا يا خديجة تعالي كلمي بابا عاوزك تحت”
ردت عليه «خديجة»:
“ليه هو حصل حاجة تاني ولّا إيه؟”
لم يعرف بماذا يجيبها لكنه فضل أن يخفي عنها ،لذلك قال لها:
“لأ تعالي معايا بس عاوزينك تحت”
نزلت «خديجة» مع شقيقها و بمجرد دخولها الشقة شعرت بالإختناق و التوتر يداهمها زاغت أعينها و نظرت إلى الجميع
كانت لا تشعر بشيء و كل ما تشعر به هو الغثيان و سرعة ضربات قلبها ، انتبهت على صوت أبيها هو يقول لها:
“خديجة اعتذري لعمتك يلّا و لكل الموجودين دي مش أول مرة تغلطي فيها يا خديجة”
نظرت خديجة في وجوه الجميع منهم من كان شامتًا و منهم من كان مُشفقًا، نظرت في وجه أخيها فهز كتفيه كأنه يقول لها:
“مفيش فايدة”
انتبهت على صوت أبيها قائلًا:
“يلا يا خديجة اعتذري عن الغلط اللي عملتيه”
نكست رأسها للأسفل ثم تحدثت بصوتٍ منخفضٍ بالكاد وصل إلى مسامعهم:
“أنا آسفة حقكم عليا ،غلط مش هيتكرر تاني”
كانت كلماتها سريعة جدًا ولم تكن مفهومة للبعض فنظرت «مُشيرة» إليها بتشفي ثم قالت:
“حصل خير أتمنى متغلطيش تاني يا خديجة علشان مش كل مرة تسلم الجرة”
شعر «أحمد» بالضيق من عمته فذهب و أمسك أخته من ذراعها وهو يقول:
“أظن كدا خلاص خديجة اعتذرت و الموضوع خلص عن اذنكم هاخد أختي و نطلع”
أخذ أخته من يدها أما هي فكانت في عالم أخر وكل ما يوجد به ذكرياتها المريرة مع العائلة و في تلك اللحظة بكت بشدة في المصعد وأحمد يُربت على كتفها، حيث كان يعلم ما تمر به فهو أعلم من الجميع بصراعاتها وحالتها.
يُتَبَع
#الفصل_الرابع
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ