روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 42

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الثاني و الأربعون”
____________

كلما طال بُعدكِ رفعت رأسي أنظر للسماء، أراكِ فيها كَـنجمةٌ و قلبي طامعٌ في اللقاء.
_____________

‏من أقسى التساؤلات التي كتبها كافكا إلى حبيبته ميلينا: “لقد كان فراقًا عاديًا يزول أثره مع الوقت أو لا يزول، لكنّ السؤال الذي يورِّقُني دائمًا مُحاولاً طردهُ مِن رأسي: كنتُ دائمًا أُضيئُك، كيف استطعت إطفائي؟”
«كافكا إلى ميلينا»

وقف الأثنين كمن سُكب عليهما دلوًا من الماء الباردة في ليالي الشتاء القاسية، ثم نظر لبعضهما البعض، بينما «حسان» حرك رأسه نفيًا بيأس وهو يقول بضحك:

“أظن جميلة بنتي مبخلتش عنكم بأي معلومات، أنتم مين بقى؟”

نظر له «وليد» بخبثٍ وهو يقول:

“لأ دا خير ما فعلت، أعرفك أنا بقى بينا، وليد مرتضى، و دا طارق محمد، الرشيد”

رفع «حسان» رأسه بقوة ينظر لهما، كمن صُعق بالكهرباء لايدري هل ما سمعه صحيح؟ نظر في وجهيهما يحاول إستبيان ملامحهما التي محاها الزمن من ذاكرته، وجد نظراتهما تشع نيران، فنظر لإبنته يقول لها بصوتٍ مهزوز بعد رؤيته تلك النظرات:

“جـ..جميلة…روحي هاتي حاجة للناس تشربها،يلا”

قطبت جبينها تسأله حائرة:
“طب ما أكلم حد من الكافيه اللي تحت يطلع يا بابا”

_”لأ، أنزلي أنتِ”

خرجت منه تلك الجملة بنبرة قوية جعلت التعجب باديًا على ملامح وجهها، أما عنهما فقبض «طارق» كف يده بشدة حتى يتمالك نفسه، بينما «وليد» كانت نظرة الخبث تشع من عينيه، نظرت هي في أوجه الجميع، ثم حركت كتفيها وغادرت المكان وهي متعجبة منهم جميعًا، نظر هو أمامه حتى زال أثرها، فإلتفت ينظر لهما بنظرة مذعورة وهو يقول بنبرة مهزوزة يحاول تغير الموضوع:

“أهلًا..أهلًا و سهلًا بيكم، ها نتكلم بقى في الشغل؟”

رفع «طارق» حاجبه مُتعجبًا منه، بينما «وليد» رد مُعقبًا بهدوء خبيث:

“لا لا لا، مش مقابلة دي يا عمو حسان بعد العمر دا كله، إيه نسيت ليدو حبيبك؟ وبعدين الكلام دا كان قبل ما تخرجها من المحل، لكن للأسف اللي عملته دا خلانا متأكدين إنك عرفتنا”

تحدث «طارق» يقول بضيق ونبرة قوية:
“هو أنتَ فاكر إننا ناسين؟ شوف يا أخي الدنيا، بعد العمر دا كله ربنا يجمعنا سوا”

ثم إقترب منه يقف مقابلًا له وأمسكه من تلابيبه فجأة وهو يقول بصياح:

“علشان أطلع عليك اللي عملته فيا، لأ وكمان عاوز تتكلم في الشغل، يا بحاجتك يا شيخ”

كان يهزه بقوة، مما جعل «وليد» يقترب منهما وهو يقول:
“خلاص يا طارق سيبه، هي ممكن تطلع دلوقتي”

تركه «طارق» على مضضٍ، فكان «حسان» يشبه التائه، بحث عن صوته لكنه لم يجده، فنظر لهما بأعين خاوية، بينما «وليد» قال بنبرة صارمة:

“إعمل حسابك، إحنا هناخد جميلة من هنا، وهناخدها لأمها”

إقترب منه «حسان» وهو يقول مُترجيًا بنبرة شبه باكية:
“أبوس إيدك بلاش، بنتي لو عرفت هتتصدم، بنتي أصلًا مش فاكرة حد فيكم، بالله عليك متلخبطش حياتنا، أنا ما صدقت أنها تسكت عن سيرة أهل أمها”

رد عليه «طارق» بنبرة لا تقبل النقاش:
“للأسف الكلام دا في أحلامك، أنا هاخدها منك علشان تدوق وجع القلب من الفراق، وبعدين هي إزاي مش فاكرة أسامينا؟ البت كانت في سن دخول المدرسة يعني المفروض تكون فاكرة، أنتَ عملت إيه؟! رد عليا”

قبل أن يُعقب «حسان» أتت «جميلة» وهي تقول بصوتٍ مُبهج:

“متأخرتش أهوه، جيت بسرعة”

نظر لها الثلاثة رجال، بينما وجه «حسان» نظره لها وهو يقول بإنهاك واضح من الصداع الذي داهمه:

“معلش يا جميلة مش هنعرف نتكلم هنا…هننزل تحت نتكلم براحتنا علشان التفاصيل، خلي بالك من المحل”

كان «طارق» ينظر لها بتمعن لا يستطع رفع أعينه من عليها، وكأنه بذلك يشبع حنينه وشوقه لها، رآى «وليد» حالته تلك، فأمسكه من مرفقه وهو يقول:

“إحنا هنسبق حضرتك على تحت، يلا يا طارق”

كانت هي أيضًا تنظر له بتمعن لاتدري لماذا لم تستطع إبعاد نظرها عنه، نظر والدها لهما، فرآى نظارتهما لبعضهما البعض فقال بضيق ونبرة متوترة:

“يلا يا أستاذ إتفضل علشان نلحق نتكلم في الشغل”

خرج حسان يضرب الأرض بقدميه، وخلفه «وليد» يسحب «طارق» من مرفقه، وهو شاخصًا ببصره نحوها، وهي أيضًا تنظر له وكأنها غائبة عن الوعي، بعد إختفاء أثرهم، تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ مسموع:

“هو إيه الجو المتوتر دا؟ وبعدين أنا كنت عاوزة أختار التصاميم ،طب يشربوا العصير اللي تعبت فيه و جبته دا”

ضربت الأرض بقدميها بعد كلمتها الأخيرة وهي تزفر بضيق.

نزل «حسان» إلى الكافيه وخلفه «وليد» و «طارق»، جلس هو أولًا لكنه كان متوترًا بشدة والعرق يتصبب من وجهه ومن لحيته الطويلة، جلس الشباب أمامه، وأول من تحدث كان «وليد» حينما قال مستفسرًا:

“إحنا سكتنا قدامها علشان الدنيا متتبهدلش أكتر من كدا، لكن اللي بيحصل دا مينفعش، أحكي وسمعنا صوتك اللي وحشنا دا”

كانت كلماته ساخرة مما جعل «حسان» ينظر له بأعين خاوية وهو يقول بهدوء مستفز:

“أتكلم أقول إيه؟”

ضرب «طارق» الطاولة الموضوعة بينهم بكفه وهو يقول بنبرة قوية عالية بعض الشيء:

“تتكلم وتحكي كل حاجة، بدل ما قسمًا بربي أخليك تحكي غصب عنك، أنا حايش نفسي عنك بالعافية، عاوز أعرف كل حاجة،ليه مشيت من البيت وليه خدت جميلة معاك؟ وليه فهمتنا إنها ميتة، ليه إتسببت إن قلبي يعيش العمر كله محروق بفراقها”

أخذ «حسان» نفسًا عميقًا ثم قال بهدوء:
“كلامي دلوقتي ملوش لازمة، وأنتم مش من حقكم تجبروني أتكلم، دي بنتي وأنا أبوها، وهي كل معلوماتها إن أمها ميتة، وأهل أمها متخانقين معايا، ومنعرفش طريقهم”

رد عليه «وليد» بإشمئزاز واضح:
“إيه يا أخي القرف دا؟ وجالك قلب تعمل كدا، طب وأمها اللي قلبها محروق عليها، طب مفكرتش إن هيجي اليوم اللي الحقيقة تظهر فيه؟”

رد عليه «حسان» بغلٍ واضح:
“أمها!! أنا لو عملت حاجة حلوة لجميلة هتبقى أني بعدتها عن أمها، أمها اللي كانت السبب في بهدلتي من محافظة للتانية”

رد عليه «طارق» بسخرية:
“لأ معاك حق فعلًا، تفهم البت طول عمرها إن أمها ميتة، وإنها يتيمة الأم، وباعدها عن أهلها، لأ فعلًا شاطر يا عم حسان”

رد عليه «حسان» بضيق:
“أنتَ مش فاهم حاجة، أنتَ فاكر سهل عليا أقولها أمك عايشة يا جميلة، وأخواتك أهم روحي معاهم”

ضرب «طارق» الطاولة بكفه للمرة الثانية وهو يقول بحنقٍ:
“أنتَ مصمم ليه تعصبني، أخوات مين يا عم أنتَ؟! من إمتى وجميلة كانت أختى؟ أنتَ بنفسك من صغرنا كنت بتقولي إن هي ليا وأنا ليها، وعيشت العمر كله مستنيها، عاوزنا دلوقتي نمشي وكأن محصلش حاجة”

أومأ له وهو يقول بنبرة حادة:
“أنتم هتمشوا فعلًا، علشان أنا مش هضيع اللي فات كله في مقابلة منكم، وأنتم هتنسوا إنكم شفتونا، إعتبروه حلم وخلاص”

رد عليه «طارق» بنبرة موجوعة:
“ياريت كنت أقدر أنسى، كنت أرتحت بدل ما قلبي أتكتب حبها كأنه خِتم، من يوم ما عيني شافتها وهي فتحت عيونها عليا وأنا عمري ما عرفت أنساها، عيشت أكتر من ١٦ سنة بستنى فيها ترجعلي، انسى أنتَ بقى علشان كل حاجة هتتغير”

تدخل «وليد» يقول بنبرة خبيثة وكأنه لا يعلم:
“وبعدين هو إيه اللي حصل بالظبط علشان تمشي من البيت، وإيه اللي بينك وبين زينب مرات عمي طه علشان تبعتلك الجوابات وتوقع بينك وبين عمتي”

نظر له «طارق» مُتعجبًا، بينما «حسان» سأله بنبرة مندهشة:
“وإيه علاقة زينب بالموضوع، زينب ملهاش دخل أصلًا”

سأله «طارق» بسرعة وهو مندهش:
“أومال مين اللي وصلك الجوابات دي؟ لو مش زينب مرات عمي؟”

نظر لهما «حسان» بتمعن ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال:
” أنا مش فاهم زينب مالها بالموضوع، بس أنا هقولكم مين اللي باعتلي وباعتلي إيه بالظبط.”
__________________

في الملعب كانت «خديجة» جالسة بجانب «زهرة» والفتيات وكان «ياسين» جالسًا أمام مكبر الصوت حتى يقوم بمهمة التعليق على المباراة، وكان «عامر» كابتن الفريق الخاص بوالد «ياسين»، و «خالد» هو الحكم في المباراة، قبل البداية وقف «عامر» يقول بطريقة درامية:

“فريق الأعمار بيد الله ركزوا معايا، عاوز كل نقطة حماس عندكم، أظن أنا عملت معاكم الواجب وزيادة، فولتارين وجبت، بنادول وجبت، برشام قلب وضغط وسكر موجودين، مفطركم فول، على الله تخسروا”

نطق «فهمي» والده يقول بنبرة مُستفسرة:
“جبت المحلول علشان عمك فاروق يا عامر؟”

رد عليه «عامر» بلامبالاة:
“لأ عمي فاروق مش محتاج محاليل، عم فاروق محتاج عَمرة جديدة”

رد عليه «فاروق» بعدما أخذ نفسًا من البخاخ الخاص بالتنفس في يده:

“ليه…كدا يا عامر….طب دا أنا صحتي زي صحة الكورة..اللي..اللي هنلعب بيها”

رد عليه «عامر» بسخرية:
“الله يطمنك يا عم فاروق، روح بس كمل جلسة التنفس الصناعي قبل ما خالد يبدأ”

أتى «عمار» شقيق «عامر» وجلس بجانب «ياسين» وهو يقول:
“جبتلكم شوية كبدة سخنة وبتنجان يا ياسين، مش هتدوق زيهم في حياتك ، خد سلي نفسك وأنتَ بتعلق”

ضرب كفًا بالأخر وهو يقول:
“هي الليلة دي ملهاش كبير؟ في إيه يا جماعة!! كبدة إيه اللي هاكلها دي؟ هلاقيها منكم ولا من أبويا؟”

أتى «خالد» وهو يقول لـ «عمار»:
“هات سندوتش كبدة يا عمار، أنا جعان”

نظر لهما «ياسين» بسخرية وهو يقول:
“هو في إيه بقى؟ وزارة الشباب والرياضة عندها علم باللي بيحصل دا يا خالد؟”

حرك «خالد» رأسه وهو يأكل ثم قال بعدما إبتلع الطعام:
“لأ متعرفش علشان لو عرفت هنبات في الحجز الليلة دي”

إتسعت مقلتي «ياسين»، و فجأة أتى «ياسر» وهو يقول بلهفة:
“عامر عاوزنا علشان نظبط الدنيا، وقالي أقولكم ونروحله”

ذهب الأربع الشباب له فوجدوه واقفًا في المنتصف وباقي الفريق حوله، وقفوا جميعًا، فوجدوه يقول بصرامة:

“إسمعوني كويس، إحنا عاوزين نلعب الماتش دا بكل طاقتنا، يعني نثبت نفسنا ونثبت إن العمر دا رقم، وأنا هسلم الشارة لرياض”

تدخل عمه «فاروق» يقول بإنهاك:
“متقلقش يا عامر هنرفع راسك إن شاء الله”

رد عليه «عامر» بسخرية:
“بالله عليك يا عمي متتكلمش علشان الكلام بيتعبك”

_”نعم!! ولما الكلام بيتعبه هيلعب إزاي؟”

خرجت تلك الجملة بصراخ من «ياسر»، فرد عليه «ياسين» بسخرية:
“والله العظيم بيلعبوا في عداد عمرهم، خليهم”

تحدث فجأة «رياض» يقول بخجلٍ:
“فيه مشكلة صغيرة بس عند خليل صاحبي، هو هيقولهالكم”

سأله «عامر» بضيق:
“خير يا عم خليل، أؤمرني”

تحدث «خليل» بخجلٍ:
“أنا عمري ما لعبت كورة قبل كدا، بس رياض و فهمي قالولي إنهم محتاجين حد يكمل الفريق”

_”لأ بسيطة وسهلة إن شاء الله”
خرجت تلك الجملة بتهكمٍ واضح من «خالد» فحاول الجميع كتم ضحكاتهم، فأضاف «خليل» يقول بأملٍ:
“بس فيه حاجة، أنا بتفرج على قناة اون سبورت كل يوم”

رد عليه «عامر» مُبتسمًا ببلاهة:
“طب إحنا هنعوز إيه تاني يا عم خليل؟ ما أنتَ زي الفل أهوه”

ضحك الجميع عليه، أما «ياسين» قال بهدوء:
“معلش يا جماعة نقرأ أذكار المساء علشان ليلتنا تعدي على خير”

فجأة إقترب منهم رجل كبير في السن وثمين البدن قال بنبرة قوية:
“أنا عاوز ألعب معاكم، وعاوز أكون في الفريق”

نظر له الجميع بتعجب، بينما «خالد» أضاف بنبرة قوية:
“معلش يا عم حسين مش هينفع، الفريق إكتمل”

سأله بإنزعاج:
“يعني إيه الفريق أكتمل؟ أنا عاوز ألعب، وبعدين يا رياض؟”

رد عليه «رياض» بضيق:
“أعمل إيه طيب يا حسين؟ أنتَ مردتش عليا، جبنا عمار إبن فهمي مكانك”

أومأ له «حسين» بسخرية ثم قال:
“طب أنا بقى كلمت ابني وهو جاي علشان يشوف حل”

رد عليه «عامر» بإندفاع:
“يجي إبنك أنتَ هتخوفنا؟ مين إبنك يعني؟”

إقترب منه «عمار» يقول بقلق:
“بلاش يا عامر، دا أبو تيتو، متتهورش”

رد عليه «ياسين» متدخلًا:
“هو إحنا بنخاف ولا إيه يا عمار! وبعدين يوم ما هنخاف هنخاف من تيتو؟”

_”مين دا اللي مش خايف من تيتو؟”
خرجت تلك الجملة بنبرة قوية من «تيتو» إبن «حسين» جزار المنطقة، إبتعد الرجال يفسحوا له المجال، بينما «رياض» وقف منزويًا عنهم، وقف الخمس شباب ينظرون له بخوف، حيث كان طوله يتخطى المترين، وجسد ضخم مليءٌ بالعضلات التي بثت الرعب في أنفسهم، إقترب هو منهم وهو يقول:
“أنا سمعت إنكم مش عاوزين أبويا يلعب معاكم، وعرفت كمان إن فيه واحد مش خايف مني”

رد عليه «ياسين» بسرعة نابعة من خوفه:
“مين الكداب اللي قالك كدا، وبعدين يا معلم حد يشوف الحلاوة دي وميخافش، كتفك أبوسه يا كبير”

نظر له  «تيتو» بتمعن وهو يقول:
“فين اللي مش عاوز يلاعب أبويا معاكم؟”

اشار الجميع نحو «عامر» الذي رفع رأسه بخوف يتفحص «تيتو» من شعر رأسه حتى أخمص قدميه، سأله «تيتو» بنبرة لا تقبل النقاش:
“أنتَ اللي مش عاوز ابويا يلعب؟”

حرك «عامر» رأسه نفيًا بذعر ثم أضاف قائلًا:
“يتقطع لساني لو رفضت، أبوك لو عاوز يلعب بيا أنا شخصيًا معنديش مانع”

ربت «تيتو» على كتفه وهو يقول:
“شاطر، أنا هقعد جنب اللي هيذيع الماتش، وأشوف بنفسي”

تدخل «ياسر» يقول بسرعة:
“أنتَ لو عاوز تذيع الماتش أنتَ معندناش مانع، لو عاوز تكون مكان خالد وتحكم أنتَ محدش يقدر يزعلك”

أومأ له «خالد» وهو يقول:
“أنتَ لو عاوزنا كلنا نمشي، محدش يقدر يرد كلمتك”

حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ قوية:
“لأ مش عاوز، عرفوني مين بس اللي هيذيع الماتش”

أشاروا له على «ياسين» فوضع ذراعه على كتفه يضمه بقوة وهو يقول:
“أنتَ إبن عم رياض، تعالى بقى علشان هقعد جنبك”

أومأ له «ياسين» بقوة ثم سار بجانبه، بينما «عامر» قال بسخرية وهو ينظر في أثرهما:

“سبحان الله، أول مرة أشوف واحد ماشي مع شغله!”

سأله «خالد» بتعجب:
“إشمعنا يعني؟”

أشار «عامر» برأسه نحو «ياسين» وهو يقول:
“ياسين مهندس معماري، ماشي جنب عمارة ١٢ دور”

ضحك الشباب عليه، بينما «ياسين» جلس على مقعده مرةً أُخرى نظر حوله فوجد «خديجة» تحمل «يونس» بين ذراعيها فإبتسم هو حينما رآها تطبع قبلة على جبهته ثم شددت عناقها له، أخرج هاتفه في تلك اللحظة يلتقط لها تلك الصورة، ونظرًا لجودة هاتفه وكاميرته أستطاع أن يلتقط لها الصورة بجودة عالية، نظر في الصورة بعد إلتقاطها بحب ثم تنهد بعمقٍ، بينما هي كانت شاردة في ملامح الصغير ، الذي يبدو بريئًا إلى حدٍ كبير، لكنها انتبهت على صوت «ريهام» وهي تقول:
“هاتيه عنك يا خديجة علشان دراعك، هو بيطول في نومه”

ردت عليها «خديجة» بهدوء وهي مبتسمة:
“لأ خالص، خليه ينام كدا في حضني، أنا بحب الأطفال أوي”

تدخلت «زُهرة» تقول بمرحٍ:
“عقبال ما تشيلي أطفالك يا رب يا ستي”

أومأت في خجلٍ ثم أخفضت رأسها تحاول وأد بسمتها، وفجاة وصلها رسالة على هاتفها، فتحت الهاتف تنظر به، فوجدت رسالة منه عبارة عن الصورة ودون أسفل منها:

“أخبريني كَـيْفَ لِـ صورةٍ أُلتقطت بواسطة آلة معدنية، أن تتحكم في نبضات ذلك القلب الساكن بين أضلعي، أخبريني كيف أراها و أتحكم في أدمُـعي”

رفعت رأسها تنظر له فوجدته يغمز لها، إبتسمت هي وقبل أن تجيبه وجدته يرسل لها:

“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

أرسلت له هي بمرحٍ:
“دا كدا كدا يا ياسين، بس الصورة حلوة علشان أنتَ اللي مصورها”

رفع رأسه ينظر لها فوجدها تبتسم له، ظل ينظر لها وهي تنظر له و فجأة أطلق «خالد» صفيرًا عاليًا، يعلن بها عن بداية المباراة.
________________

في الكافيه إندهش كلاهما مما أخبرهما «حسان» به، أما هو فأضاف قائلًا بنبرة حائرة:

“أنا معرفش دخل زينب إيه؟ أنا حكيت اللي حصل بالظبط والله، ربنا يعلم إن دا اللي حصل، ساعتها أنا كنت مجروح، تخيل أنتَ الإنسانة اللي حبيتها تخدعك، أنا سألتها وقولتلها قبل جوازنا، يا مشيرة لو كنتِ بتحبي حد عرفيني، يا مشيرة لو مش عاوزاني عرفيني، قالتلي لأ وقالتلي أني أول حد في حياتها، أنا اللي وصلني نسخة من الجوابات واتنين بس اللي أصلي، بس الكلام اللي كان فيهم صعب راجل يتحمله”

سأله «وليد» بهدوء:
“طب كان فيهم إيه و إتبعتوا إمتى؟”

أخذ «حسان» نفسًا عميقًا ثم قال بنبرةٍ موجوعة:
“واحد فيهم كان قبل فرحنا بيومين، كانت بتقوله إن هي كرهاني ومش موافقة عليا، وواحد تاني يوم ما عرفت إنها حامل مني وقالت إن دي غلطة هي ندمانة عليها”

رد عليه «طارق» بنبرة قوية:
“ولو الجوابات دي وصلتك فعلًا، مواجهتش ليه؟ مفكرتش لو للحظة إن هي من بعد ما خلفت بنتها إتغيرت وبقت بنتها كل حاجة ليها؟ أنتَ حكمت من الماضي؟”

رد عليه «حسان» بإنزعاج:
“أنا لو كنت واجهتها كنت قتلتها في إيدي، أنا كل اللي حضر في مخي أني عيشت عمري كله في خدعة وبيضحك عليا، أنا نسيت كل حاجة ساعتها وافتكرت بس معاملتها ليا في أول جوازنا، كانت كرهاني وكارهة وجودي، ساعتها خدت بنتي ومشيت وقولت تعيش يتيمة الأم، أحسن ماتكون بنت أب مسجون في جريمة قتل أمها”

رد عليه «وليد» بنبرة متهكمة:
“أنتَ عارف فيه كام حد حياته باظت بسببك وبسبب هروبك؟عارف إن زينب كله شك فيها، وعارف إن مشيرة انتقمت منها في بنتها، وعارف كمان إن طارق عاش عمره كله يعيط علشان  حبيبته اللي أنتَ وعدته بيها مش معاه، وعارف إن خديجة دفعت تمن كل دا؟ طب عارف إن طه اتغير وطلع كل اللي حصل في بنته؟ شوفت كام واحد دفع تمن هروبك”

نظر له «حسان» بخوف وهو يقول:
“أنا مش حمل ذنوب حد، أنتَ بكلامك دا بتشيلني حمل فوق طاقتي، أرجوك يا وليد أنا عاوز أقابل ربنا خفيف”

تدخل «طارق» يقول بنبرة جامدة:
“للأسف مش هينفع ننكر اللي حصل، كل حاجة باظت وكل حاجة اتدمرت بعد غيابك، ولازم أنتَ تظهر علشان كل حاجة تتحل، وخليك عارف أنا مش هسيب جميلة”

زفر «حسان» بضيق ثم قال:
“طب أنا لسه راجع القاهرة، ولسه مش مستقر هنا، ممكن بس اظبط أموري وأحاول أمهد لجميلة اللي حصل، علشان صعب عليا أنها تتفاجأ كدا، وواضح من كلامكم إن ظهورنا في بيت الرشيد، هيقلب الدنيا”

رد عليه «طارق» بغضب عارم:
“أنسى، أنا هاخد جميلة معايا، وأمها هتشوفها، خلينا ننهي الليلة دي كلها”

قبل أن يُعقب «حسان» تدخل «وليد» يقول بهدوء:
“كلامه صح يا طارق، ظهورهم مرة واحدة كدا ممكن يقلب الدنيا كلها، وهو لسه مش مستقر هنا، نسيبه يظبط شغله و دنيته، وبعدها لينا كلام تاني، علشان خاطر جميلة حتى”

رد عليه «طارق» بضيق:
“يعني إيه يا وليد؟ أنتَ عاوزني أسيبها بعد العمر دا كله،بعد ما عيني ارتاحت وهي شيفاها أتعبها تاني ببعدها عني، أنتَ تقبلها على نفسك؟”

رد عليه «حسان» بضيق مماثل لنبرته:
“أنتَ معشم نفسك، بنتي لا يمكن تكون ليك يا طارق، جميلة عايشة عمرها كله معايا، أنتَ بنفسك لو سألتها حتى بعد الحقيقة ما تظهر مش هتسبني”

تدخل «وليد» يقول بخبثٍ متجاهلًا حديث «حسان»:
“ومين قالك هتسيبها؟ أنتَ هتبقى معاها علطول، هو مش إحنا برضه بنعمل دعاية وإعلان للمحل؟ والدعاية دي محتاجة إننا نعاين المكان ونصوره؟ يعني أنتَ هتفضل موجود هنا لحد ما المحل يقف على رجله، وعم حسان راجل عاقل وهيسمع كلامي، بدل ما أجيب مشيرة ونزعل كلنا”

إبتسم «طارق» من طريقة تفكير «وليد»، بينما «حسان» تحدث يقول بحنقٍ:
“هو أنتَ بتهددني؟ قصدك إيه يا وليد بتلوي دراعي يعني؟”

حرك «وليد» رأسه يقول بإستفزاز:
“لأ لا سمح الله أنا مش بهدد، أنا بتكلم فـ اللي هيحصل فعلًا، لو فكرت بس تمشي من هنا ولا عقلك يخونك إنك تلعب علينا ، ساعتها والله يا عم حسان، هخلي كل العيلة تيجي تاخد حقها منك”

وقف «طارق» ثم قال بنبرةٍ قوية:
“على العموم، أنا كدا ناري بردت، وعرفت حبيبتي فين وقلبي إطمن، بس قسمًا برب الكعبة لو مكانك اتغير أنا بنفسي هجيبك وأطلع القديم والجديد”

وقف «وليد» أيضًا ثم قال بنبرة هادئة:
“أظن أنتَ عاقل وعارف مصلحتك، وماشاء الله ربيت بنتك، وربيت دقنك، أتمنى تكون مربي ضميرك كمان، وعلى فكرة أنا هكلمك بخصوص الشغل برضه، أصل أنا شخص إنتهازي مش بيضيع فرص”

رحل كلاهما من أمامه، بينما هو ركل المقعد المقابل له بضيق ثم قال بنبرة منزعجة:

“إزاي راحت عن بالي إن عبده صاحب محمد و طه، إزاي نسيت إن هو اللي معرفني عليهم؟”

رفع رأسها للأعلى يقول مُترجيًا:
“يا رب أنتَ اللي عالم بيا وبحالي، ديم سترك عليا يا رب وساعدني في اللي جاي”

ترك مقعده ثم صعد إلى محله، وجد «جميلة» متذمرة، نظر لها مطولًا، نظرة لم تفهمها، فقامت تقف أمامه وهي تقول:

“إيه يا بابا كل دا بتتفقوا على الدعاية والإعلان، أومال لو بنشتري منهم المحل كان حصل إيه؟”

لم يرد عليها بالحديث، لكنه أخذها بين ذراعيه بقوة وكأنه يخشى تركها، تعجبت هي من حالته، لكنها رفعت ذراعيها تربت على ظهره ثم سألته بنبرة مهتزة:

“بابا.. بابا أنتَ كويس؟ حصل إيه؟”

أخرجها من بين ذراعيه وهو يقول:
“مفيش..بس وحشتيني، وكمان كنت خايف علشان سايبك لوحدك، المهم يلا علشان نروح، أنا تعبان وعاوز أرتاح”

سألته بنبرة تحمل الشك بين طياتها:
“يعني بجد هو كدا؟ أنا حاسة إنك متوتر من ساعة ما بتوع الدعاية والإعلان دول كانوا هنا، مالك إحنا صحاب برضه أحكيلي”

وضع يده على رأسها وهو يقول بنبرة حنونة:
“لأ، متخافيش عليا أنا كويس الحمد لله، يلا بس علشان حاسس أني مصدع”

أومأت له ثم ذهبت تلملم الأشياء الخاصة بهما، بينما هو نظر في أثرها بحزن ثم مسح دمعة هاربة من بين أهدابه الكثيفة.
__________________

في الملعب كانت المباراة مستمرة و «ياسين» يقوم بالتعليق عليها، نظرًا لمهارته في تقليد الأصوات، وكان «خالد» يحكم المباراة، بينما «عامر» كان جالسًا يشير لفريقه بأماكن التحرك، فجأة سقط «فاروق» أرضًا، ركض الجميع له، ثم حملوه على مقعد بلاستيك ثم ذهبوا به إلى «ياسر» تفحص «ياسر» نبضه فقال متأسفًا:
“للأسف يا عم فاروق أنتَ بتلعب في الوقت الضايع، لو ليك أمنية أطلبها دلوقتي أحسن”

رد عليه «فاروق» بإنهاك ونبرة مهتزة:
“كنت..كنت عاوز بس أقابل محمد صلاح ، وأقوله إنه مثلي الأعلى”
تدخل «عامر» يقول بسخرية:
“ياعمي لم نفسك، أنتَ هتقابل رب كريم دلوقتي، اتقي الله وأنطق الشهادة”

حرك «ياسر» رأسه تجاه «عامر» ثم قال بنبرة منخفضة:
“عمك لو كمل الماتش دا عم سيد هيطلع بمصلحة، شوف بديل ليه علشان ميودعناش”

رد عليه «عامر» بسرعة كبيرة:
“لأ يودع إيه؟ أنا حاجز القاعة، مش هستنى أربعين و سنوية أنا”

قال جملته ثم التفت يغادر المكان، فسأله عمه بتلهفٍ واضح:
“رايح فين يا عامر؟ استنى خدني معاك”

التفت «عامر» له يقول بنبرة ساخرة:
“خليك يا عمي هروح أجبلك التأشيرة علشان تلحق محمد صلاح”

بعد قليل عادت المباراة وكانت على وشك النهايات دون فوز أيًا من الفريقين ، ولكن بعد نزول «عمار» تبدلت النتائج إلى الفوز لصالح فريق (الأعمار بيد الله)، أستمرت المباراة حتى أنتهت بفوز فريق (الأعمار بيد الله) بهدفين لصالحهما مقابل هدف للفريق الأخر، انهى «ياسين» التعليق على المباراة، ثم قام بخلع السماعات من أذنيه، فوجد «تيتو» يسأله بنبرة قوية:

“إيه اللي جنبك دا يا ياسين؟”
نظر «ياسين» بجانبه فوجد الشطائر التي جلبها «عمار»، فأمسكها وهو يقول له:

“إتفضل يا أستاذ تيتو دي سندوتشات كبدة، يارب اللي ياكلها غيرك يجيله مغص”
أخذها منه «تيتو» مبتسمًا ثم شرع في تناول الطعام بطريقة مقززة، وفجاة اقترب «خالد» منهما وهو يقول بتلهفٍ:
“ياسين هات السندوتشات علشان أنا جعان والواد عامر وياسر كمان جعانين”

رد عليه «ياسين» بهدوء:
“استاذ تيتو كان جعان قام بالواجب”

صرخ به «خالد» قائلًا:
“نــعـم!! أنا جعان بقولك، تيتو مين دا اللي خلص الكبدة؟”

وقف «تيتو» له وهو يقول بنبرة قوية:
“أنا اللي خلصت الكبدة عندك إعتراض؟”

رفع «خالد» رأسه ينظر له بسبب الفارق الكبير بين جسدهما، فقال بنبرة مهتزة:
“والله العظيم ماحصل، أنتَ لو عاوز، أبعت أجبلك عربية كبدة حالًا، ألف هنا و شفا على قلبك يا بركة”

أومأ له «تيتو» ثم تركه وهو رافعًا أحد حاجبيه ينظر له بحنقٍ، بعد رحيله انفجر «ياسين» في الضحك ولم يستطع تمالك نفسه، نظر له «خالد» ثم انفجر في الضحك هو الأخر.

بعد ما يقرب العشر دقائق، إستلم فريق (الأعمار بيد الله) الكأس، بمناسبة الفوز، وقف بعد ذلك «ياسين» و كل ما يخصه يلتقطون الصورة بالكأس أمام الملعب، أنتهت الصورة،التي التقطها «عمار» بواسطة الكاميرا الأمامية بهاتف «ياسين» وبعد ذلك تحدثت «إيمان» تقول بإنهاك:

“طب يلا نروح علشان صدعت والله، لسه بكرة هنكمل الحاجات أنا وسارة قبل الفرح”

تدخلت«سارة» تقول:
“لأ ولسه هروح أكمل فستانك، وأشوف فستان خديجة وريهام”

نظرت لها «خديجة» مستفسرة بتعجب:
“فستاني؟ فستان إيه أنا مش فاهمة؟”

تدخل «رياض» يقول بخبثٍ:
“دا الفستان اللي ياستي هتلبسيه في الفرح، ياسين أختاره من عند سارة علشان تظبطهولك، بس دا سر بيننا إحنا الـ ٨ محدش يعرف”

إتسعت مقلتي «ياسين» وهو يقول بحنقٍ:
“أنا تعبت والله، مفيش مرة تكتم سري يا حج؟ هو أنا مش بصعب عليك؟”

تدخلت «زهرة» تقول بضيق:
“أنتَ الله يسامحك يا رياض، حرقت المفاجأة”

رد عليها مُعقبًا بسخرية:
“على فكرة إبنك بيقلدني، علشان أنا قولت لسارة تعملك فستان للفرح، هو مش عامل إنجاز يعني”

نظر «ياسين» لها فوجد نظرتها مندهشة بأعين دامعة،فإقترب منها ثم قال للجميع:

“طب أنا هوصل خديجة، بس هناخدها مشي، خدوا أنتم العربية، يلا يا خديجة”

قامت «خديجة» بتوديع الفتيات والجميع بعدما إستعادت رابطة جأشها، ثم سارت معه بهدوء، بعد إبتعادهما عن المكان وبعد فترة صمت، سألته بهدوء:

“ليه تعبت نفسك يا ياسين؟ كان ممكن على فكرة ألبس فستان من عندي”

أجابها وهو ينظر أمامه:
“لا تعب ولا حاجة يا خديجة، أنا بس أختارته لما هي بعتت فساتين لماما تشوفها، وبعدين أي حاجة بعملها علشانك بتكون راحة ليا أنا، علشان راحتك من راحتي”

توقفت عن السير تسأله بتعجب:
“هو أنا لو عاوزة أكون زيك كدا؟ أعمل إيه؟يعني أكون متسامحة وبساعد الناس كدا إزاي؟”

تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“علشان يا خديجة فيه وقت بيجي على الإنسان تربية أهله بتقف ويبقى عليه هو حمل تربية نفسه، وأنا كنت شغال على نفسي علشان أكون شخص جميل ومش متعب، كل اللي كنت عاوزه أني محدش يتعب وأنا في حياته ، يعني أكون مصدر أمان للكل، وبرضه أنا فيا عيوب كتير بس بحاول أخفيها أو ألغيها، علشان متأثرش على مميزاتي”

كان يسير بهدوء وهي خلفه وهو يتحدث، وبعد جملته الأخيرة سألته هي:
“عيوب إيه يا ياسين؟ هاتلي عيب واحد علشان أطمن أني مش بظلمك، أنا مش شايفة غير حنية وحب وشهامة، أنتَ عامل زي طوق النجاة يا ياسين”

ضحك هو بخفة ثم قال:
“مانا بقولك بخفيها علشان متأثرش على الحلو اللي فيا، وبعدين حتى لو ظهرت أنا بقدر أتحكم فيها يا خديجة، يعني أنا مثلًا شخص بيراكم كتير، لما بزعل براكم جوايا، ولما بتضايق من حد مش بقدر اواجه دا، باخد جنب علشان بخاف أعاتب وبخاف أتعب حد بكلامي، ودا عيب و ميزة في نفس الوقت ،فساعتها ببان شخص بياع بس دا بيكون من التراكمات والله”

سألته بنبرة مترددة وكأنها تخشى جوابه:
“حتى لو زعلت مني؟ يعني أنا كمان لو زعلتك هتبعد عني وتاخد جنب؟”

توقف عن السير ثم نظر لها وهو يقول بحب:
“أنتِ الوحيدة اللي مقدرش أزعل منها يا خديجة، حتى في زعلي منك هجيلك أنتِ،علشان أنتِ حالة الصلح وسط خصام العالم كله يا خديجة”

نظرت له بحب وهي تقول:
“وأنتَ إستجابة الدعاء يا ياسين، كنت كل مرة بدعي بحد أحن مني على قلبي، وجيت أنتَ يا ياسين، بقيت أحن عليا من العالم كله”

تنهد هو بعمقٍ ثم قال بسخرية:
“أنتِ جاية تقولي كدا على عبتة شارعكم يا خديجة؟ طب كنتِ قولتي كدا قدام شوية، أفرضي عاوز أخدك في حضني يا ست الكل يبقى وضعي إيه دلوقتي؟”

إبتسمت هي بهدوء ثم قالت:
“معلش بقى خليها عليك، المهم بكرة هناء عاوزانا ياريت متتأخرش وترد عليا بسرعة”

رفع حاجبه ينظر لها بسخرية وهو يقول:
“ودا إسمه إيه دا بقى إن شاء الله؟ هي بقت كدا”

ضحكت هي بقوة ثم قالت:
“مرة من نفسي يا ياسين، بدل ما كل مرة أنتَ تفكرني”

غمز هو لها ثم قال بمرحٍ:
“على رأي الهضبة، بالضحكة دي قلبي متعلق، دي صورتها في دماغي بتعلق”

إتسعت ضحكتها أكثر ثم قالت:
“أنتَ شكلك كدا حبيب قديم يا ياسين، عمرو دياب، وأم كلثوم، وعبدالحليم، كدا كتير والله”

رد عليها مُردفًا:
“علشان أنا كنت قابلك ماشي في الدنيا زاهد، اللي حصل إن بعد ما شوفت عيونك الحلوة دي بقيت ليها عاشق”

تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:
“تصبح على خير يا ياسين، تصبح على حاجة حلوة زي وجودك في حياتي”

نظر حوله فوجد نفسه أمام بيتها، لذلك إبتسم بهدوء ثم قال:
“وأنتِ من أهل الخير يا خديجة، وبما إن أنا كل الخير، فـ وأنتِ من أهلى يا خديجة”

تركته هي بهدوء بعدما إبتسمت في وجهه بجمالها البريء الذي ينبع من جمال قلبها، بينما هو نظر في أثرها وهو يقول بهدوء:

“يانهار أبيض يا جدعان، دا الواحد كان عنده جفاف عاطفي، بقى بعد ظهورك بقى عنده فيضان مشاعر”

حرك رأسه نفيًا بيأس وهو يبتسم ثم رحل إلى بيته، بينما هي صعدت إلى شقتها مبتسمة وجدت «أحمد» و «خلود» و «سلمى»، و «مروة» و «زينب» ألقت التحية عليهم ثم جلست بجانب أخيها، بينما «مروة» سألتها بحب:

“والله يا بت يا خديجة، أنا لو عيشت عمري كله فرحانة هيبقى بسبب فرحتك دي، ياختي وشك منور الله أكبر”

حركت رأسها موافقة وهي تقول:
“معاكِ حق والله، الإختيار الصح بينور الوش، سيبك بقى من ماسك الخيار علشان أنا جربت بنفسي”

سألتها «زينب» بخبثٍ:
“يعني هو ياسين الإختيار الصح يا خديجة؟”

ردت عليها بحب:
“لأ يا ماما، ياسين الإختيار الوحيد الصح، بصراحة أنا عاوزة أعيش عمري اللي جاي كله علشان أفرحه زي ماهو سبب فرحتي كدا”

ردت عليها «خلود» بخبثٍ:
“الله أكبر، دا الخُرس نطقوا، شايفة يا سلمى، شايف يا أحمد؟”

ضحك «أحمد» وهو يقول:
“شايف و سامع، والله العظيم دي معجزة”

ردت عليهم بحنقٍ زائف:
“كدا ماشي، وأنا اللي كنت هاخدكم نسهر فوق السطح، ونجيب عبلة كمان، يلا أدخل أنام بقى”

ردت عليها «سلمى» بسرعة وهي تقول:

“لأ علشان خاطري، يلا يا خديجة تعالي معانا، أنا من ساعة موضوع العريس دا وأنا قلقانة أصلًا”

نظر الجميع لها بتعجب، فقالت هي:
“أصل صاحب بابا شافني، وعاوز يخطبني لإبنه، بس لما عرف أني ثانوية عامة قال يقرأ فاتحة بس علشان يحجزني وبعدها نعمل خطوبة”

رد عليها «أحمد» بحنقٍ:
“أنتِ بتقولي إيه هو عبط وخلاص؟ بعدين يعني يحجزك هو فاكرك بهيمة؟”

نظرت له «سلمى» بتعجب، بينما «خلود» قالت بخبثٍ:

“وأنتَ مالك يا فنان واخد الموضوع على أعصابك ليه؟ واحد و غرضه شريف، زعلان ليه بقى؟”

رد عليها مُعقبًا بحنقٍ:
“أخرسي يا خلود بدل ما أقوم أديكي على وشك، أنتِ وهي لسه صغيرين ومحدش فيكم هيتخطب قبل ما تخلصوا ثانوية عامة..لأ لما تخلصوا دراسة كمان”

ردت عليه «سلمى» بضيق:
“أنا مش صغيرة يا أحمد، أنا عارفة آخد قراراتي كويس، أنتَ خليك في نفسك”

تدخلت «مروة» تقول بضيق:
“بس أنتو التلاتة، عيب كدا، وبعدين مالك يا أحمد ماهي حرة، وبعدين هو قال قراية فاتحة، أكيد سهير و محمد موافقين يعني”

أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“سلمى و خلود معايا علطول، وبخاف عليهم، مش عاوز واحدة فيهم تتشتت، بعدين شافها فين
دا؟ هتخلوني أحلف ماحد فيهم نازل من البيت بعد كدا”

ردت عليه «سلمى» بنبرة حانقة:
“أنتَ مالك، طب أنا موافقة، وهخليه يوم الجمعة بقى يجي يتقدم، علشان أدخل ثانوية عامة بنفس مفتوحة”

أومأ لها وهو يقول:
“أعمليها علشان أفتح دماغك يا سلمى، أقولك على حاجة.. أنا اللي هتجوزك يا سلمى”

جحظت أعين الجميع إلى الخارج مع شهقة جماعية خرجت من فم الجميع، عدا «خلود» التي قالت في نفسها:

“أيوا يا خلود عليكِ وعلى خططك، عسل يا بت”

سألته «سلمى» بنبرة مندهشة:
“أنتَ قولت إيه؟ هتتجوز مين أنتَ؟”

رد عليها مُردفًا بثقة:
“أنا هتجوزك يا سلمى، بس بعد ما تخلصي ثانوية عامة، ولو الواد دا قرب منك ولا فكر يدخل بيت الرشيد برجله، هكسرهاله”

ردت عليه والدته بنبرة حائرة:
“أنتَ بتتكلم جد يا أحمد؟ هو هبل ولا إيه؟”

هب واقفًا وهو يقول بضيق:
“تعتبروه هبل، تعتبروه عبط زي ما أنتم عاوزين، المهم أنا هتجوز سلمى”

ترك الشقة ثم صعد إلى التراث، نظر الجميع في أثره بتعجب، بينما «خلود» بعد غلقه باب الشقة وقفت تصفق بكفيها معًا وهي تقول بمرحٍ:

“الله عليكِ يا خلود يا جامدة وعلى خطط الحلوة دي، شوفته والله العظيم لو كنت أستنيتوا عليه شوية كمان كان زمانه جايب المأذون”

سألتها «خديجة» بإندهاش:
“أنا مش فاهمة حاجة، إزاي دا حصل، طب ومنة اللي كان بيحبها”

نطقت «سلمى» بضيق:
“مكانش بيحبها يا خديجة، هو كان فاكر نفسه بيحبها”

سألتها «مروة» بتعجب:
“طب أنتم عرفتوا منين؟ يعني اللي أعرفه إن أحمد كان عاوز يخطب منة”

ردت عليهن «خلود» بهدوء:
“أنا عرفت من أول إمبارح، أحمد لقيته بيقولي إنه حاسس إنه مش بيحب منة، بدليل إنه لما كانت هي في إسكندرية مكانش بيفكر فيها وكان بيشتغل وفرحان، لما هي رجعت بدأ يفكر فيها تاني”

سألتها «خديجة» بنبرة متعجبة:
“طب وهو دا دليل إنه مش بيحبها؟”

نظرت لها «خلود» بخبثٍ وهي تقول:
“أنتِ معانا دلوقتي ناسية ياسين؟ وليد عرف ينسى عبلة، طارق أهو عارف ينسى جميلة؟ محدش بينسى اللي بيحبه لو في إيه يا خديجة، أحمد منة بالنسبة له حالة غريبة، يعني واحدة أستايلها حلو وفرفوشة وبتخرج وغريبة عن العيلة، لكن حب موصلش للدرجة دي”

ردت عليها «مروة» بمشاكسة:
“أنتِ سوسة يا بت يا خلود، طلعتي عارفة كل حاجة بتحصل جنبك”

ردت عليها مبتسمة:
“أنا عارفة إن أحمد معجب بسلمى، وعارفة إنه فاكرها زيي أخته يعني، بس لما فكرت في موضوع العريس دا قولت أستغله، هو صحيح عمو محمد رفض نهائي، بس أدينا هنفرح بعريس جديد في العيلة، عقبال طارق إن شاء الله”

سألتهن «سلمى» بخوف:
“تفتكره بيحبني فعلًا؟ ولا قال كدا وخلاص؟”

ردت عليها «خديجة» بضيق زائف:
“أنتِ عبيطة يا سلمى؟ فيه حد  بيتجوز وخلاص؟ لأ طبعًا هو لو مش بيحبك مش هيقولها ومش هيضايق كدا، المهم أنتِ بتحبيه؟”

أخفضت «سلمى» رأسها في خجلٍ، فقالت «خلود» متدخلة:
“يا بنتي الاتنين بيحبوا بعض بس فـ المداري، أسأليني أنا، أكتر واحدة قعدت معاهم وعارفة نظرات المحبين عاملة إزاي”

سألتها «زينب» بإندهاش:
“أنتِ عرفتي الحاجات دي إمتى يا خلود؟ أنتِ لسه رايحة تانية ثانوي، لسه محسساني إنك أرملة”

ضحكن النساء عليهن، بينما «خلود» أضافت تقول بطريقة درامية:
“الحياة بتعلم بدري يا زينب والله، واللي زيي الحياة علمته كتير، يلا بنفرح الناس عقبال ما نلاقي اللي يفرحنا”

حركت «خديجة» رأسها بيأس وهي تقول:
“مفيش فايدة، كلمي عبلة خليها تطلع تقعد معانا”

أومأت لها «خلود» ، بينما «خديجة» نظرت لـ «سلمى» وجدتها تقترب منها وترتمي بين ذراعيها، أحتضنتها هي ثم ربتت على ظهرها بحنان بالغ.
___________

في السطح، قام «أحمد» بتشغيل الأغاني الرومانسية وهو يبتسم بحالمية، ثم رفع رأسه ينظر للسماء وهو يقول:

“بعد كل دا، طلعت سلمى في الأخر!! ياربي على دي دنيا، سلمى اللي علطول فاكرها زي خلود، أخرتها أغير عليها وقلبي يتقبض علشان هتكون لغيري، أشرب يا عم أحمد، أنتَ من ساعة ما شوفتها بتتعاكس في فرح وئام وأنتَ بتضحك على نفسك، يا رب ساعدني أصلح الغلط اللي كنت بغلطه قصاد طارق”

أسفل البناية توقف سيارتي كلًا منهما، خرج كلاهما من سيارته في أنٍ واحد، كان «طارق» يبتسم بعذوبة لأول مرة منذ سنوات، وكأن عمره تراجع عقدًا كاملًا، نظر له «وليد» بتعجب وهو يقول:
“ودي إيه الضحكة دي إن شاء الله ؟”

تنهد «طارق» بعمقٍ ثم قال:
“تخيل كدا حب عمرك طلعت عايشة، وزي القمر وأحلى ما تخيلتها كمان، صحيح هتعب علشان أوصلها، بس مش مشكلة كفاية إن عيني شافتها، بس أنا خايف دا كله يطلع حلم، وأفوق”

ربت «وليد» على كتفه وهو يقول:
“لأ مش حلم، إحنا شوفناها فعلًا، وهي موجودة وزي ما أنتَ تخيلت وأحلى كمان، بس خلي بالك من اللي جاي علشان تقيل يا صاحبي، لو خطوة طلعت غلط، هنضيع كل حاجة مننا”

أومأ له «طارق» ثم قال:
“طب يلا نطلع السطح، علشان مش هعرف أنام النهاردة، والجو جميل بصراحة”

نظر له «وليد» بخبثٍ وهو يقول:
“الجو برضه اللي جميل يا طارق؟”

نظر له «طارق» بحرجٍ وهو يقول:
“شوف يا أخي كل حاجة حلوة مرتبطة بيها هي، تعرف؟ كان نفسي آخدها في حضني أوي، وأهرب بيها من قدام حسان لما أتأكدت إنها هي، وبرضه قلبي واجعني لما عرفت إنها مش فكراني، يعني أنا أعيش العمر كله مستني بس رجوعك، وأنتِ أصلًا مش فاكرة أنا مين؟”

نظر له «وليد» متأسفًا وهو يقول:
“مش بإيدها يا طارق، هي برضه معذورة، حسان عملها غسيل مخ، وبعدين طبيعي تكون مش فاكرة دي يدوبك كانت ٥ سنين أو أقل،دا أنا أهو مخي متفرمط من إعدادي، وبعدين تاخد مين بالحضن؟ دا أنا أبوك فاضحني وأنا كاتب كتابي على سنة الله ورسوله، عاوز أنتَ تحضن كدا علطول كدا؟”

ضحك عليه «طارق» ثم أخذه من ذراعه، وصعد معه، أوقف «وليد» المصعد في طابق «خديجة» سأله «طارق» فرد عليه بهدوء:
“تعالى بس أعرف أمي أني جيت، وأجيب أحمد بالمرة يقعد معانا”

أومأ له «طارق» ثم خرج من المصعد، فجأة صعدت «عبلة» على قدميها وهي تبتسم حينما رآت السارتين أسفل البناية، إلتفت «وليد» ينظر لها بحب وحينما إقتربت منه أخذها بين ذراعيه وهو يقول:

“عبلة حبيبتي، تعالي في حضن جوزك ، وحشتيني”

شعرت هي بالخجل من أخيها،فقالت بحرجٍ:

“بس يا وليد عيب كدا طارق واقف”

شدد عناقه لها وهو يقول بخبثٍ:
“أنا واحد كاتب كتابي على سنة الله ورسوله، مش لسه هبدأ أدخل حياتك، وبعدين أنا من حقي أحضنك ٨ مرات في اليوم”

أبعده «طارق» عنها وهو يقول:
“٨ عفاريت يلبسوك ميلاقوش اللي يخرجهم منك”

رفع «وليد» حاجبه بخبثٍ ثم قال موجهًا حديثه لزوجته:

“عارفة يا عبلة الساعة اللي أنتِ جبتهالي و المج و المَدلية، شايلهم في أوضتي علشان لما نتجوز أفرج عيالي وأقولهم شوفوا ماما جابت لبابا إيه؟”

كان ينظر لـ «طارق» بخبثٍ وهو يتحدث وكأنه يريد إيصال رسالة معينة له، بينما «عبلة» نظرت له مُتعجبة وهي تقول:

“طب ما أنتَ قولتلي كدا إمبارح، بتعرفني تاني ليه؟”

رد عليها مُردفًا بهدوء و ببراءة كاذبة:
“علشان أعرفك إن كتب الكتاب دا حلو وجميل، كفاية إنك بتتكلم براحتك، وتجيب هدايا براحتك، تحضن براحتك،…”

_”بـــس، إخرس خالص”
صرخ «طارق» بتلك الجملة، مما جعل «عبلة» ترتعد خوفًا، أما «وليد» فحاول جاهدًا كتم ضحكته، فأمسكه «طارق» من ثيابه خلف رقبته وهو يدخله المصعد و يقول بنبرة قوية:

“إحنا طالعين السطح، لو أحمد جوة خليه يحصلنا يا عبلة”

أومأت له بهدوء وهي لا تدري ما يصير حولها، لكنها ضحكت بقوة حينما سمعت «وليد» يقول بنبرة عالية:
“بحبك يا عبلة”

سمعت صوت أخيها يقول بنبرة شبه باكية:
“يابني إرحم مشاعري بقى، هي مش بتحبك”

صرخت هي الأخرى حتى يصل الصوت لهم بداخل المصعد:
“لأ يا طارق، أنا بحبه ، وبحبه أوي كمان”

إتسعت مقلتيه، وقبل أن يخرج من المصعد ضغط «وليد» الزر، فتحرك فجأة، نظر له «طارق» بشررٍ يتطاير من عينيه، فوجده يقول بمزاح:
“أثبت يا طارق، إحنا بين السما و الأرض”

أخرج «طارق» زفيرًا قويًا ثم إبتسم رويدًا رويدًا، نظر له «وليد» بتعجب وهو يقول:

“طارق!! هو أنتَ ملبوس؟”

توقف المصعد فجأة، فقال بنبرة خائفة:
“هما حضروا بجد ولا إيه؟”

ضحك «طارق» عليه ثم خرج من المصعد، خرج «وليد» خلفه وهو يقول بتعجب:

“يا جدع أنتَ أنا بكلمك، بتضحك على إيه؟”

إلتفت «طارق» يقول مبتسمًا:

“أصل بصراحة سرحت كدا وتخيلت لو جميلة معايا ، أكيد هعمل أكتر من كدا، على رأي الشيخ أنس:
المُحب إذا حُرم الوصال مع حبيبه لو قاعد وسط ألف واحد، يظل مستوحش!
أهو أنا أول مرة أحس بالونس النهاردة، زي التايه الل لقى مكانه يا وليد”

ربت «وليد» على كتفه ثم قال:
“طب تعالى نشوف العندليب اللي جوة دا ماله، وقعتكم بيضة يا ولاد الرشيد”

دخل كلاهما السطح، كان «أحمد» ممدًا على الأرض ينظر للسماء وهو يدندن مع أغنية العندليب، نظر كلاهما لبعضهما البعض، ثم ضحكوا، و ارتميا بجانبه، نظر هو حوله وجد كلاهما ممدًا مثله وهو في منتصفهما،  قال «طارق» بهدوء:

“يا أخي دا حتى العندليب صوته حلو النهاردة، قولي يا أحمد أنتَ مشغله عادي ولا حالة حب؟”

نظر «أحمد» إلى السماء وهو يقول بنبرة حالمة:
“حالة حب بقالها ساعة بالظبط”

تدخل «وليد» يقول بسخرية:
“ياه للدرجة دي؟ دا أنتو بقيتوا عشرة عمر”

تنهد «أحمد» ثم قال:
“هي فعلًا عشرة عمر، وأحلى عمر كمان، و بغبائي كنت هضيعها من إيدي، كنت هختار اللي أندم العمر كله وأنا معاها”

قطب كلاهما جبينه،فسأله «طارق» بهدوء:
“اللي أنا فهمته من كلامك إنها مش منة، أومال مين يا أحمد”

نظر له «أحمد» يسأله بخوفٍ:
“طارق هو…هو أنتَ رايق؟”

تدخل «وليد» يقول بخبثٍ:
“رايق بس؟ دا فـ أروق حالاته، لو طلبت عيون طارق دلوقتي هتاخدها”

رد عليه «أحمد» بسرعة وهو يقول:
“لأ مش للدرجة دي مش عاوز عيون طارق”

رد عليه «طارق» بهدوء:
“حبيب قلبي”

_”أنا طالب إيد سلمى”

إتسعت مقلتي «طارق»، بينما «وليد» عقب ساخرًا:
“ياريتك طلبت عيونه، أهون”

رفع «طارق» جزعه العلوي وهو يقول بضيق:
“أنتَ قولت إيه؟ عاوز تطلب إيد مين؟!”

رفع «أحمد» جزعه هو يقول بهدوء:
“طلبت إيد سلمى أختك”

هب «طارق» واقفًا وهو يقول:
“أنتَ مجنون، أكيد مجنون يا أحمد، أنتَ لسه من أسبوع كنت عاوزني أطلبلك بنت الجيران، عاوزني النهاردة أجوزك أختي؟”

تدخل «وليد» يقول بسخرية وهو لازال على وضعه:

“أحمد ماشي بمبدأ دا لو إتساب غيره يتجاب، صحيح هنستنى إيه من واحد أسمه أحمد”

رد عليه «أحمد» بضيق:
“أنا مش بهزر يا وليد، أنا فعلًا طالب إيد سلمى، ولو على منة دا كان غباء مني، أنا محبتهاش أصلًا، دي كانت إعجاب أو حالة غريبة عليا، بدليل إن في غيابها كنت مبسوط ومفيش حد بيرتاح في غياب اللي بيحبه يا طارق، وأنتَ أكتر واحد عارف دا”

رد عليه «طارق» بسخرية:
“آه والنهاردة بقى بقيت بتحب سلمى كدا عادي، دي مشاعر يا أحمد، مش لعبة في تليفون بنختارها في وقت فراغنا، وإفرض أنا وافقت أضمن منين إنك مش بتنسى منة بـ سلمى أختي، وبعدين مين أصلًا اللي دخل الفكرة في دماغك”

تنهد «أحمد» بعمقٍ ثم قص عليه ما حدث بأكمله، كان «طارق» ينظر له بإندهاش، بعد إنتهاء «أحمد» من حديثه سأله «طارق» بسخرية:

“وأنتَ علشان قالولك فيه عريس، حسيت إنك غيران، فا قولت أتجوزها أنا وخلاص”

رد عليه «أحمد» بضيق من سخريته:
“أنتَ ليه حاسبها كدا يا طارق؟! بقولك حسيت بنار بتاكل فيا لما قالوا إن سلمى جايلها عريس، خليني أقولك إن جميلة عايشة ومتجوزة ولا حتى مخطوبة هتحس بإيه؟”

تدخل «وليد» يقول بسخرية وهو ينظر للسماء:
“أخترت غلط يا غالي، جيت في اليوم الغلط وترمي المثال الغلط”

سأله «أحمد» بهدوء:
“يعني إيه أنا مش فاهم؟”

وقف «وليد» ثم قال:
“يعني سيبك من الكلام دا دلوقتي، وانزل نام وأنا هقنعلك طارق”

أومأ «أحمد» بهدوء ثم نظر لـ «طارق» وهو يقول بنبرة متأثرة:

“أنتَ لما قولتلي مش قدامك غير إنك تدعي، أنا ليلتها كنت بصلي الفجر وجيت أدعي قلبي أتقبض، ولساني مقدرش يكمل الدعوة إنها تكون ليا، عرفت ساعتها إنها مش نصيبي، النهاردة وأنا بدعي لقيت لساني سابقني بذكره إسم «سلمى»، صدقني أنا كنت بهرب من حبي ليها علشان كنت فاكرها زي خلود، بس ورب الكعبة،هي اللي القلب عاوزها يا طارق، أنتَ دوقت طعم البُعد، متحكمش على غيرك بيه”

قال حديثه ثم رحل من أمامهما، بينما «وليد» قال بصدق:
“تصدق والله العظيم نبرته صادقة، أحمد بيحب سلمى يا طارق، هو بس متخلف وفسر مشاعره غلط”

نظر له «طارق» بخبثٍ وهو يقول:
“وماله، هو فسرها غلط، والعبد لله يصلحهاله”

سأله «وليد» بخبث:
“يعني قصدك إنك هتربيه؟”

أومأ له ثم قال بمرحٍ:
“بمناسبة ظهور حب عمري، مش هزود عليه، هيبقى درس تقوية بس”

ضحك «وليد» ثم قال بمشاكسة:
“طب بمناسبة ظهور حب عمرك بقى، وأنزل وطلعلي عبلة، أصلها وحشتني”

عض «طارق» على شفته ثم تركه وخرج من السطح، فرفع «وليد» صوته يسأله ببلاهة:

“هتطلعلي عبلة طيب؟..خلاص هنزل أخدها أنا…وخلي عم محمد يستعوض ربنا في صحته بقى”

ضحك بعد جملته الأخيرة ثم نظر للسماء وهو يقول:

“هو إزاي القمر في السما وأنا سايبه في شقة عم طه تحت؟”

ضحك هو ثم قال بسخرية:
“دا أنتَ واقع من الدور التاسع في حبها”
______________

في صباح اليوم التالي كان «طارق» واقفًا أمام المحل الخاص بـ «حسان» استند بمرفقه على الدرابزون أمام المحل ينتظر قدومهما، صدح صوت هاتفه عاليًا فأخرج هاتفه وجد رقم «وليد» فَـ رد عليه، وجد «وليد» يقول بخبثٍ:

“طبعًا الأستاذ قاعد قدام المحل زي الشحات مستنيهم يعطفوا عليه ويجوا يفتحوا،بس خليك كدا لحد ما نتفضح”

تنهد «طارق» ثم قال بنبرة حزينة:
“والله العظيم أنا ماسك نفسي بالعافية، طول الليل مش عارف أنام، فكرة إنها موجودة وأنا عارف مكانها دي مخلية قلبي وعقلي وكل ذرة فيا مش عاوزة غير بصة من عينها”

تنهد «وليد» ثم قال بعمقٍ:
“هي رؤية الحبيب كدا يا طارق، بتفرح القلب و العقل وكل حاجة بتحلو في وجوده، المهم خليك فاكر إنك رايح علشان شغل، علشان الدنيا متوسعش منك، وحسان يطلبلك الأمن”

رد عليه «طارق» بسخرية:
“خليه، ساعتها هطلبله مشيرة”

لمح «طارق» فجأة طيفها من بعيد، فأغلق الهاتف في وجه «وليد»، اقتربت هي من المحل فوجدته يقف أمامه، قطبت جبينها، فوجدته يقترب منها وهو يقول بنبرة جاهد حتى لا تفضح شوقه لها:

“صباح الخير إزيك؟”

ردت عليه بإيجاز:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،أؤمر؟”

شعر هو بالحرج منها فقال:
“هو الحقيقة أنا كنت قولت لأستاذ حسان أني هاجي أصور المكان النهاردة وأعرف منه التفاصيل علشان نلحق الوقت، هو كان مصدع امبارح معرفناش نتكلم في تفاصيل”

أومأت هي له بهدوء ثم قالت معتذرة:
“هو فعلًا كان تعبان شوية إمبارح، بس الحمد لله عدت على خير، بس هو حضرتك جاي بنفسك لحد هنا؟”

رد عليها بنبرة حالمة دون أن يدري:
“وأجي لأخر الدنيا كلها، مش هنا بس”

نظرت له متعجبة، فوجدت والدها يقول من خلفهما بنبرة جامدة:
“خير يا أستاذ طارق؟ جاي بدري يعني”

إلتفت «طارق» ينظر له بتحدٍ وهو يقول:
“لأ أبدًا دا بدري من عمرك،أنا جاي علشان أصور المحل زي ما اتفقنا، وعلشان آخد رأي الآنسة جميلة في تصميمات الدعاية، هي بنت وأكيد عندها ذوق عننا، ولا حضرتك ليك رأي تاني؟”

صفقت هي بكفيها معًا مثل الأطفال ثم قالت بفرحة:
“أنا فرحانة أوي بجد، أنا كنت جايبة حاجات كتير علشان أعمل الدعاية زيها، شكرًا بجد على الفرصة دي”

إبتسم «طارق» بإتساع نتيجة لفرحتها تلك، ثم قال بنبرة حنونة:
“أنا تحت أمرك في أي حاجة، كل اللي تعوزيه يتنفذ”

تدخل «حسان» يقول بضيق:
“طب مش يلا نبدأ الشغل، علشان حضرتك تلحق تروح شغلك؟”

ظهرت نظرة التسلية على وجه «طارق» وهو يقول:

“لأ، ماهو أنا هقضي اليوم كله هنا عند حضرتك في المحل علشان أعرف اصوره، وأدرس الحملة الإعلانية صح”

نظر له «حسان» بضيق فوجده يقول:
” وطبعًا حضرتك صاحب كرم يا أبو جميلة”

تدخلت هي تقول بهدوء:
“إحنا تحت أمرك، شوف محتاج إيه واحنا معاك، كفاية تعب حضرتك”

رد عليها هو بهدوء مُبتسمًا:
“لا تعب ولا حاجة، أنا بس محتاج أصور المحل على مدار اليوم كله، صور وفيديوهات ودا مش علشاني، لأ دا علشان أعرف أعمل شغل مظبوط”

تدخل «حسان» يقول بإنزعاج:
“طيب يلا يا أستاذ طارق علشان نبدأ شغل، طالما حضرتك منورنا اليوم كله”

نظر له «طارق» بخبثٍ وهو يقول:
“يلا يا..أبو جميلة”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى