روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 45

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الخامس و الأربعون”
______________

“كيف حالك بدوني، يا من أفديها بعيوني”
______________

أنا أيضًا أَملُك لسانًا ، و أيضًا أستطيع أن أجعله لازعًا كما يفعل الآخرون ، فأنا أستطيع أيضًا أن أنطق بكلمات تترك علامات سوداء في القلوب ، و ربما أستطع أيضًا ترك كلمات تخترق صدرك كما يفعل سهم العدو، لكنني و بملء إرادتي أردتُ أن أتجاوز تلك الكلمات و ربما قد يكون هذا أنبل و أعظم اختياراتي.

(مشهد عودة إلى يوم الأربعاء)

نزلت «خديجة» في ذلك اليوم له حتى تذهب معه إلى الطبيبة، ركبت بجانبه السيارة، و كانت «مُشيرة» في تلك اللحظة عائدة من الخارج بعدما جلبت مشترياتها، ولسوء حفظهما كانت لاتزال في داخل سيارة الأجرة التي تأخذها في المشاوير الخاصة بها و بتسوقها، إنتظرت هي حتى تحرك هو بسيارته ثم قالت بهدوء للسائق وكأنها تحارب حماسها حتى لا يظهر أمامه:

“معلش يا علي خليك ماشي ورا العربية دي وأنا هديك اللي أنتَ عاوزه”

رد عليها السائق بحماس مُرحبًا بطلبها:
“تحت أمرك يا ست مُشيرة، اللي تؤمري بيه، ولو عاوزة حاجة أنا موجود تحت أمرك”

ردت عليه بضيق وهي تحرك رأسها وتراقب حركة سيارته:
“لأ، ركز بس و إلحق العربية دي بسرعة”

حرك رأسه موافقًا ثم شرع في القيادة وهي لا يتطرق إلى التفاصيل، بالطبع هو لا يهمه سوى ما سيحصل عليه منها، حتى وإن أرادت أن يجوب بها الطرقات طوال الليل لن يرفض لها طلبًا، بينما هي كانت تنظر أمامها بأعين تشبه نظرات الصقر وهي تتابع السيارة الخاصة بـ «ياسين» وتنقلها، بعد فترة قصيرة من القيادة توقفت سيارة الأجرة، مما جعلها تحرك رأسها وكأنها تتفحص المكانؤ فقالت بنبرة مستنكرة:

“إحنا وقفنا هنا ليه يا على؟”

رد عليها هو بهدوء:
“العربية وقفت هنا يا ست مُشيرة، وأنا وقفت هنا علشان محدش ياخد باله إننا ماشيين وراهم”

كانت كلماته الأخيرة بنبرة خبيثة وكأنه بذلك يرسل لها رسالة مبطنة أنه يعلم ما تريده هي، أومأت له بعدما نظرت له بضيق، ولكنها انتفضت في مقعدها حينما لمحتهما يخرجا سويًا من السيارة، ثم دخلا بناية حديثة البناء مصممة على أحدث التصميمات، يكثر بها اللوحات الطبية التي تحمل أسماء الأطباء، نزلت هي بهدوء ثم وقفت تقرأ ما دون على اللوحة بتعجب، فوقفت تقول بنبرة مستنكرة:

“دكتورة نفسية؟ لأ صعب، طب ماهي العمارة مليانة دكاترة برضه”

زفرت بضيق ثم وجهت بصرها نحو الأريكة الموضوعة بجانب البناية فوجدت رجل في منتصف العقد الرابع من عمره يجلس بإسترخاء واضح، إقتربت هي منه تقول بهدوء وهي تجبر شفتيها على الإبتسام:

“مساء الخير”
وقف هو منتفضًا من جلسته المسترخية وهو يقول بتلهف:
“مساء النور، أؤمري يا هانم ، تحت أمرك”

أخرجت أوراق مالية من حقيبة يدها ثم دستها في كفه وهي تقول:
“الأمر لله، ركز بس وقولي الأساتذة اللي لسه طالعين دول طالعين فين؟”

نظر هو داخل الممر الرخامي ثم أشار برأسه نحو سيارته وهو يقول مُقررًا أكثر من كونه مُستفسرًا:
“قصدك الأستاذ صاحب العربية دي و جماعته؟”

_”آه هما، دول طالعين فين بقي؟”
خرجت منها تلك الجملة المستفسرة بتلهفٍ، جعله يقول لها بحماس:

“الأستاذ و جماعته دول بيطلعوا عند الدكتورة النفسية اللي فوق، إسمها دكتورة هناء عادل دكتورة شاطرة أوي، تؤمري بحاجة تاني؟”

تنفست الصعداء وظهرت الشماتة في نظرتها قبل نبرتها وهي تقول:

“لأ تسلم لحد كدا، طبعًا محدش يعرف حاجة خالص”

قالت جملتها ثم أخرجت ورقة مالية أخرى تدسها في كفه، وهي تنظر له نظرة مُحذرة إلتقطها هو على الفور مما جعله يومأ له عدة مرات برأسه وكأنه بذلك يؤكد نظرتها، تركته هي ثم ركبت سيارة الأجرة مرةً أُخرى كانت تفكر من منهما يأتي لتلك الطبيبة ومن منهما بحاجة للعلاج النفسي ولكنها لم تدم في تفكيرها طويلًا حتى أتى في مخيلتها و وقع على مسامعها جملة «خديجة» في ذلك اليوم المنشود حينما نظرت لها بثبات وهي تقول:

“أنتِ فاهمة غلط، ياسين جوزي مش زي حد و ميتقارنش بحد”

حينما تذكرت هي تلك الجملة إبتسمت بتهكم وهي تفكر أن ذلك التغيير المفاجئ الذي طرأ على «خديجة» لم يأت عبثًا، بل كان نتيجة العلاج النفسي، إبتسمت هي بخبثٍ وهي تفكر أن هذه النقطة ستقع لصالحها حتى وإن لم تأتِ لها بما تريد و تهوى، لكنها ستطيب عيناها حين ترى نظرة الإنكسار في عينيها أمام الجميع، تنهدت هي حينما آخذها تفكيرها إلى تلك النقطة.

(عودة إلى الوقت الحالي “يوم الجمعة”)

“كنت بحس بنفس اللي هتحسيه لما أقولك إن جميلة بنتك عايشة وأنا عارف مكانها بس قسمًا برب الكعبة ما هريح قلبك ولا أطفي نارك يا مشيرة”

خرجت منه تلك الجملة بفحيح يشبه فحيح الأفعى بجانب أذنها لكنه وصل لمسامع الجميع، وفقًا للصمت الدائر في المكان بعدما ألقت هي بحديثها الخبيث، أما عن الجميع فكانت حالتهم تشبه حالة من يحلق الطير فوق رؤوسهم، بِخلاف «مشيرة» التي تحدثت تقول بسخرية وكأنها ترفض تصديق حديثه:

“أنتَ أكيد إتجننت، ولا تلاقيك لسه بتاخد حاجة من الهباب اللي كنت بتاخده، جميلة مين دي اللي تعرف مكانها”

إعتدل في وقفته بعدما إبتعد عنها نسبيًا وهو يقول بخبثٍ:
“وماله، أنتِ حرة بس متوجعيش دماغي بعد كدا علشان تعرفي مكانها، أصل أنا قلبي أسود أوي ومش بعرف أنسى”

صرخت هي في هياج بعد حديثه الواثق ونبرته التي لا تبشر بالتلاعب مما يدل على صدق حديثه:
“أنتَ بتكدب عليا، بتقول كدا علشان زعلان على خديجة، بس أنا معايا حق خديجة مجنونة، والله مجنونة”

حسنًا هو لم يستطع تمالك نفسه أكثر من ذلك، مما جعله يترك «خديجة»، ثم إقترب منها يقف مقابلًا لـها بعدما أمسك رسغها بشدة ثم ضغط عليه وهو يقول صاررًا على أسنانه:

“يمين بالله لو سيرة مراتي جت على لسانك دا تاني لأكون معرفك مقامك، و ساعتها أنا هنسى أنتِ مين وأنا مين”

أبعدت هي يدها من يده وهي تقول بنبرةٍ قوية وكأنها تعانده:
“أنا مقولتش حاجة غلط، مش أنتَ برضه بتاخدها تتعالج نفسيًا عن دكتورة هناء ولا أنا بكدب؟ وأنتَ يا وليد مش كنت مدمن واتعالجت لما فهمتنا إنك في السويس مع خالك؟”

صرخت «مروة» تقول بغير تصديق:
“أنتِ كدابة، أنا إبني كان مع خاله بجد، إيه الجنان اللي أنتِ بتقوليه دا”

صرخت بجملتها ثم إقتربت تقف أمام «وليد» وهي تترجاه بقولها:
“رد عليها يا وليد، قولها إنها كدابة وإنك كنت بتشتغل مع خالك، رد عليها علشان خاطري”

لم يستطع هو رفع أعينه في أعين والدته، فأخفضها في خزيٌ وإنكسار، بينما «مروة» حركت رأسها بغير تصديق وهي تقول:

“لأ علشان خاطري، رد يا وليد، أنتَ معملتش كدا صح؟ مشيرة بتكدب علشان تغيظني، أبوس إيدك ريح قلبي”

لم يُعقب هو بل ضغط على جفونه بشدة، بينما «ياسين» هزها من مرفقها وهو يقول بضيق:

“أنتِ اللي زيك إيه؟ عاجبك كدا!! أنا من ساعة ما دخلت العيلة دي مشوفتش حد عاوز يتعالج غيرك من السواد اللي عندك، أنتِ مريضة والله، لأ أنتِ عاوزة تتربي من الأول وجديد”

ردت عليه بنبرةٍ متحدية لحديثه وكأنها تناست ما تفوه به «وليد»:
“المريضة هي مراتك، وأقولك على حاجة أنتَ هتسيبها علشان أنا كلمت أمك وعرفتها إن مرات إبنها الوحيد تبقى مريضة نفسيًا، يعيني متعرفش إن إبنها حب مجنونـ..”

قبل أن تكمل جملتها وجدت صفعة قوية تضرب وجهها، مما جعله يلتفت للجهة الأخرى وتنزف الدماء من أنفها إثر تلك الصفعة، نظر الجميع بمقلتين على وسعيهما من هول المفاجأة التي قام «طه» بفعلها، أما هي فرفعت رأسها تنظر له بغير تصديق فوجدته يدفعها نحو الأريكة ثم أمسك كتفيها وهو يقول بصوتٍ مليءٌ بالغضب المشحون:

“إخرسي يا مشيرة، لو لسانك نطق بكلمة كمان على بنتي والله العظيم لأدفنك الليلة دي، كفاية بقى أنتِ إيه يا شيخة؟مبترحميش!”

ردت عليه هي بصراخ:
“أنتَ بتمد إيدك عليا يا طه؟ بتضربني علشان المـ…”

_”وأكسر عضمك كمان يا مشيرة، والله لو لسانك دا نطق حرف على بنتي لأكون مخلص الدنيا من شرك، أنتِ إيه معندكيش قلب؟”

قال حديثه وهو يضربها على كتفها بقوة، مما جعلها تصرخ في وجهه من قهرتها:

“أنا مكدبتش عليكم، وليد كان مدمن فعلًا وخديجة بتروح عند دكتورة نفسية، اللي بيحصل دا حقي وبيرجعلي من زينب و مروة”

قبل أن يتفوه «طه» وقفت «خديجة» تصرخ في وجهيهما وهي تقول بنبرةٍ تحمل الوجع بين طياتها:
“كفاية بقى أبوس إيدك، أنتِ مبتحسيش؟ مسألتيش نفسك أنا بتعالج ليه؟ مفكرتيش مين كان السبب في اللي أنا فيه دا؟ مين اللي كان بيفضل يتريق عليا وعلى شكلي وعلى طريقة كلامي، مين اللي كان كل يوم والتاني يلبسني مصيبة تخليني أتضرب علقة مقومش منها غير أخر الليل، مين اللي فضلت تنتقم من الناس الغلط، مين اللي كل ما تشوفني فرحانة تيجي تنكد عليا”

قالت جملتها بصراخ و نبرة موجوعة نابعة من آلام القلب، ثم إلتفتت تنظر لأبيها ودموعها تُذرف على وجنتيها وكأنها شلالات، نظرت له وهي تبتسم متهكمةً ثم قالت بسخرية:

“وأنتَ يا أستاذ طه جاي دلوقتي تضربها و عاوز تكسر عضمها فعلًا؟ جاي على المرة الوحيدة اللي قالت فيها الحق وتتكلم و تنفعل؟ جاي بعد عمر ضاع في الخوف و الرعب حتى من نفسي تتكلم وتاخد حقي، طب ماهو أنتَ اللي ضيعت حقي دا، أنا بسببكم بتعالج نفسيًا، بسببكم هعيش العمر كله مكسورة قدام جوزي، عارفين ليه؟ علشان هو جه يبني اللي أهلي هدوه، ودلوقتي قدام أهله كمان لما يعرفوا إن إبنهم مراته بتتعالج عند دكتور نفساني، جدعة يا مشيرة عرفتي المرة دي تخليني مكسورة صح، بس أنتِ حسبتك غلط، عارفة ليه؟ علشان خديجة التانية ماتت واللي موجودة دلوقتي واحدة هترد عليكِ وتقولك إن أنتِ اللي مريضة نفسيًا، وربنا نجد منك بنتك لما بعدت عنك مع أبوها، خليتي هدير نسخة منك علشان تعرفي توصلي للي أنتِ عاوزاه، شوفتي المفاجأة بقى إن أنا حفظاكِ، يا شيخة دا أنا حاسة بالذنب دلوقتي علشان حاسة إني بردلك الوجع، أنتِ قلبك دا مبيحسش؟ فرحانة أوي وأنا و وليد عنينا مكسورة كدا، فرحانة بقهرة مروة قدامك، ردي عــــلــيــا؟”

صرخت بكلماتها الأخيرة تحت نظرات الدهشة من الجميع، أما هي فإلتفتت تنظر حولها في أوجه الجميع وهي تقول بهياج وصراخ:

“وأنتم بتبصولي كدا ليه؟ لو أنتو فاكرني مجنونة زي ما هي ما بتقول يبقى أنتو اللي مجانين، أنا معملتش حاجة غلط أنا كنت بتعافى من اللي عملتوه فيا كلكم، بتعافى من سكوتكم في حقي ومن ضرب أبويا ليا ومن إفترا مشيرة عليا، أنا مش مجنونة، سامعين..ســـامــعين!!”

صرخت بكلماتها ثم إرتمت على الأريكة وهي تشهق بقوة، كان الجميع ينظرون لبعضهم البعض بخزي، حتى «طه» الذي أخفض رأسه في إنكسار بعد مواجهة إبنته له، تحرك «ياسين» يجلس بجانبها ثم ربت على كتفها فوجدها فجأة تخبتيء بين ذراعيه وهي تبكي بقوة، أخرج هو زفيرًا قويًا ثم شدد عناقه لها وهي تبكي، وفجأة إقترب «وليد» يقف أمام «مشيرة» بعدما استعاد رابطة جأشه وهو يقول بنبرة واثقة وكأن إنكساره تبدل للقوة في خلال ثوانٍ:

“خديجة لما كانت بتتعالج كانت بتتعالج منك ومن أبوها، وأنا لما اتعالجت من الإدمان كان بسبب شوية عيال صيع ضحكوا عليا وأستغلوني وأفتكرتهم صحابي، لكن أنتِ بقى هتعملي إيه لما تعرفي إن بنتك موجودة على وش الدنيا، لأ ومش بس كدا، دي بتصحى كل يوم الصبح تقرأ الفاتحة وتدعي لأمها المرحومة مشيرة، ربنا يفشفش الطوبة اللي تحت راسها”

وقفت منتفضة تمسكه من تلابيبه وهي تصيح به هائجة بنبرة عالية:
“أنتَ بتقول إيه؟ أنتَ بتكدب عليا، وحتى لو عايشة هي أكيد مستنية تشوفني صح؟، أنتَ بتعمل كدا علشان تقهرني”

أمسك كفيها وأنزلهما من عليه وهو يقول مبتسمًا بخبثٍ:
“لأ أنا مش محتاج أقهرك، كفاية عمرك كله ضاع من غيرها، وكفاية إحساسك لما تعرفي إنك كنتِ بتنتقمي من الناس الغلط، بنتك موجودة فعلًا وأنا شوفتها وأتكلمت معاها، وهي فعلًا مستنية تشوفك بس في الآخرة بقى، مع إن دا صعب، والشهادة لله حسان عرف يربي صح، لما شوفتها عرفت إن ربنا رحيم بالبت دي علشان متربتش معاكِ”

حركت رأسها نفيًا وكأنها ترفض تصديق حديثه وفجأة إقتربت تقف أمام «طارق» وهي تصرخ به بنبرةٍ منفعلة:

“أنتَ ساكت ليه؟ رد عليه بيقولك جميلة عايشة، مش دي حبيبتك اللي عيشت العمر كله تدور عليها وتستناها؟ اسأله هو بيكدب ولا لأ؟”

تحدث «وليد» من خلفها يقول بتشفٍ:
“ريحي نفسك، أنتِ تفتكري أنا ممكن أخبي حاجة على طاروق برضه، دا صاحب عمري، طارق شافها معايا واتكلم معاها، دا تقريبًا قرأ الفاتحة إمبارح”

كان الجميع يحسبون أنفسهم داخل حلم، بالطبع ذاك لم يكن واقعًا، تلك الحقائق و المواجهات التي تلقى أمام الجميع ماهي إلا كابوسٍ عاد من الماضي حتى يأكل في ثبات الحاضر ويهدم ترميم المستقبل، نظرت هي في أوجه الجميع ثم فجأة وقفت أمام «مرتضى» وهي تقول:

“إيه اللي إبنك بيقوله دا يا مرتضى؟ إبنك بيكدب علشان يقهرني، رد على إبنك، قوله إن هو مينفعش يكدب في حاجة زي دي”

نظر لها «مرتضى» بإشمئزاز وهو يقول بحنقٍ:
“ملكيش دعوة بإبني يا مشيرة، طلعي وليد من دماغك وإبني مبيكدبش ولا عمره كان ليه في السكة دي”

تحدث «محمد» يقول بنبرةٍ حانقة متدخلًا في الحديث:
“لأ إبنك كدب يا مرتضى، إبنك كدب ومقالش إنه كان مدمن واتجوز بنتي وهو كداب، إبنك أكبر ملاوع في الدنيا”

رفعت «عبلة» رأسها تنظر لوالدها بتعجب، بينما «وليد» وقف أمامه وهو يقول مستفسرًا بنبرةٍ مهزوزة:

“قصدك إيه يا عمي؟ وضح كلامك؟”

رد عليه «محمد» بنبرة حانقة والضيق ظاهرًا بها:
“يعني خلاص كدا يا وليد، أرمي اليمين على بنتي، أنا مش هسمح لها تتجوز واحد كان مدمن مع أول خلاف بينهم يرجع للهباب دا تاني، أنا مش هرمي بنتي الرمية السودا دي”

سأله «مرتضى» بإستنكار واضح:
“أنتَ بتقول إيه يا محمد، أنا كنت عارف باللي حصل لوليد، وإبنك طارق كان معايا هو و وئام، أبني معملش كدا بمزاجه، إبني اتضحك عليه وهو إعترف على اللي عملوا كدا واتحبسوا كلهم”

رد «محمد» عليه بإنفعال واضح:
“أنا ميهمنيش كل دا، أنا يهمني إن الجوازة دي مش لزماني، أنا معنديش أغلى من بناتي، واللي أنا شايفه إن إبنك مش نافع بنتي”

رد عليه «طارق» بنبرة مختنقة:
“أنتَ بتقول إيه يا بابا، لو فيه حد في الدنيا دي كلها ينفع عبلة يبقى وليد، وليد كتير أصلًا على عبلة، وليد دا عاش عمره كله بيحارب علشانها، و لما عرف اللي حصله وعرف إنه مدمن طلب يتعالج وساعتها قال إنه عاوز يكون واحد يستاهل عبلة، واحد زي دا أنا اشيله العمر كله فوق راسي، وبنتك لو رفضته يبقى متستاهلش واحد زيه، وساعتها أنا هخليه يسيبها فعلًا علشان ياخد اللي تستاهله”

كان «حديث» طارق يحمل رسالة مبطنة لشقيقته، بينما «وليد» وقف أمام «محمد» ينظر له بثبات وهو يقول:

“أنتَ عاوز إيه يا عمي؟ سمعني طلبك بقى”

رفع «محمد» رأسه ينظر له بتحدٍ وهو يقول:
“عاوزك تسيب بنتي يا وليد، أنا أصلًا مش عاجبني الموضوع”

رد «وليد» عليه بثبات دون أن يرمش له جفن:
“وأنا موافق يا عم محمد، طلباتك أوامر”

نظر له الجميع بغير تصديق، بينما «خديجة» وقفت منتفضة تقول له:
“أنتَ بتقول إيه يا وليد؟ هتضحي بحبك علشان كلام فاضي؟ هتسيب عبلة اللي عيشت عمرك كله تتمناها”

حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بنبرة جامدة خالية من المشاعر:
“عمي طلب وأنا هنفذله طلبه بس بشرط، بنته ترفع عينها في عيني وتطلب مني أخرج من حياتها، والله العظيم لو حصل ما هقف ثانية هنا تاني، وهطلع من حياتكم كلها، فـ يلا يا عبلة خلصينا من الليلة دي، علشان دماغي مصدعة و عاوز أنام”

نظر الجميع له بإندهاش إثر ردة فعله البارة الغير متوقعة، أما هو إقترب من «عبلة» التي كانت مخفضة لرأسها تنظر في الأرض، فسألها هو مُستفسرًا:
“خلصي يا عبلة عاوزة إيه؟ عاوزاني أسيبك؟ ارفعي عينك في عيني وأطلبي وبطلي خوف، عاوزاني أرجع تاني زي ماكنت؟”

على الرغم من ثباته إلا أن نبرته كانت موجوعة، إن دلت على شيء فهي تدل على آلام قلبه، لم ترد هي على حديثه، فسألها بنبرةٍ أكثر ألمًا ورغمًا عنه ذُرفت دموعه على وجنتيه وهو يقول:
“ردي يا عبلة متسكتيش كدا، عاوزاني ولا لأ؟ أنـــطـقــي”

صرخ بكلمته الأخيرة ، مما جعل جسدها يجفل بقوة وكانت نتيجة تلك الرجفة إرتماءها بين ذراعيه وهي تتمسك به بشدة قائلة من بين شهقاتها:
“عاوزاك معايا، متسبنيش يا وليد، علشان خاطري مش عاوزة أرجع أخاف تاني من غير حبك، متسمعش كلامه وخدني معاك مكان ما هتروح”

بكى هو رغمًا عنه وهو يشدد عناقه لها فوجدها تبتعد عنه نسبيًا ثم مدت أناملها المرتعشة تمسح دموعه وهي تقول ببكاء:
“أنتَ بتعيط ليه؟ أنتَ عبيط؟”

نظر لها بتعجب فوجدها تقول له بحب جملته التي دونها بخط يده أسفل صورتهما سويًا:

“إن كان أوشك قلبي على الممات فحبك أحياه وصنع المعجزات، عاوزني بقى أسيبك يا وليد؟”

أخذها بين ذراعيه وهو يتنفس الصعداء بعمقٍ وكأنه بذلك يخرج الضيق الذي يعتلي صدره، بينما «مرتضى» تحدث بنبرة شامتة في أخيه قائلًا:

“خير يا محمد مش سامعك يعني؟”

لوح له «محمد» بكفه وهو يقول بضيق:
“هما أحرار مليش دعوة بحد، بس بعد كدا مترجعش تعيط”

إبتعدت هي عن «وليد» ثم وقفت أمام والدها وهي تقول بهدوء:
“العياط دا أعيطه وأنا بعيد عن وليد، لكن طول ما أنا معاه هفضل عمري كله مبسوطة، وليد بيديني الحاجة اللي محدش بيعرف يديهالي وهي أني أكون مطمنة، وأنا مكاني مينفعش غير في حضن وليد”

نظر والدها لها ثم نظر في وجه «وليد» وهو يقول بإحراج:
“خلاص يا ختي أنتِ بتغظيني، عرفنا إن مينفعكيش غير سي زفت، خلينا بقى نشوف حكاية حسان وجميلة”

تلك المرة تحدث «ياسين» بنبرة شامتة في «مشيرة» وهو يقول:
“خير يا حجة مشيرة مش سامعلك حس يعني، شوفي يا شيخة أخرة عمايلك؟، أنتِ لو فاكرة إنك كدا بتفضحيهم تبقي غبية، إيه العيب إن واحدة اتعالجت نفسيًا؟ على فكرة بقى الدكتورة قالت إن أنتِ اللي مريضة، يعني خديجة تستاهل صقفة علشان إستحملت قرفكم بصراحة، ولو على وليد هو إتعالج وواضح من كلامهم كدا إنه راجل أوي لدرجة إنه طلب يتعالج لما عرف، أنتِ بقى علاجك إيه؟بصراحة اللي زيك حلال فيه الموت”

كانت تبكي في صمت ولكن بعد حديثه وقفت تصرخ في وجه  «وليد» بهياج وهي تقول:

“رد عليا، بنتي فين يا وليد؟ أبوس إيدك تاخدني أشوفها لو هي عايشة زي ما بتقول، أبوس رجلك، ريحني وقولي هي فين؟”

مال هو برأسه نحوها وهو يقول ببسمة أثارت حنقها:
“أنتِ لسه شوفتي حاجة؟ أومال هتعملي إيه لما تعرفي إن زينب بريئة وإن الجوابات وصلت لحسان من حبايب قلبك، وصلت من مديحة و مجدي، لأ ومين ثبت التهمة عليكِ بقى ؟ مين ياترى، مين يا طنط فاطمة اللي حسان سألها وشهدت ضد عمتي؟”

نظر الجميع لها فوجدوها تبتلع لُعابها بقوة، كما أن بشرتها شَحُبت بقوة وكأنها أصبحت في عداد الموتى، بينما «وليد» وقف قبالتها وهو يقول:

“ما تردي يا طنط فاطمة، مش أنتِ برضه صاحبة مديحة أخت مجدي اللي عمتي كانت عاوزة تتجوزه؟ ومش أنتِ برضه اللي حسان سألك وأنتِ قولتيله إن عمتي كانت على علاقة بمجدي؟ ومش أنتِ برضه اللي قولتي إنك شوفتي زينب وهي واقفة مع حسان وساعتها هي حلفت إنها كانت بتديله لبس عم طه؟ ما تردي؟”

في تلك اللحظة وقفت «هدير» وهي تقول:
“وليد بيقول إيه يا ماما ردي أنتِ كمان!! أنتِ كنتِ عارفة إن طنط زينب مظلومة؟ كنتِ عارفة إن فيه واحدة و بنتها مظلومين وبرضه كنتِ بتخلينا نكرههم؟”

نظرت لها «فاطمة» بحزن، وقبل أن يعقب أيًا من الموجودين وقفت «مشيرة» أمامها وهي تقول بنبرةٍ قوية غير مصدقة:

“ما تردي يا فاطمة، أنتِ كنتِ عارفة إن مش زينب اللي عملت كدا؟ عارفة إن مجدي و مديحة اللي عملوا فيا كدا؟ أنتِ السبب أني أعيش عمري كله مقهورة؟ ردي عـــلــيـا، متسكتيش كدا”

صرخت بكلماتها الأخيرة مما جعل «فاطمة» تصرخ في وجهها قائلة:
“أيوا أنا، أنا اللي حسان سألها على الجوابات و قولتله إنك كنتِ بتحبي مجدي، و أنا كنت عارفة إن مديحة هتعمل كدا، أبوكِ هو السبب، كان شايف نفسه علينا علشان بنشتغل عنده، كان رافض جوازي من إبنه علشان مش لايقة عليه وهو خريج جامعة وأنا بنت بتاع الجاز، ومجدي و مديحة اللي حصل فيهم من أبوكِ بعد ما طردهم من الشغل كان صعب، هما إنتقموا منه فيكِ أنتِ، وأنا ساعتها قولت الحقيقة إنك كنتِ بتحبي مجدي مكدبتش يعني”

صرخت «هدير» في وجهها وهي تقول:
“لأ كدبتي، كان ممكن تبرأيها وتقولي إن هي كانت بتحبه قبل ما تتجوزه، كان ممكن تشهدي إن زينب متعملش كدا، كان ممكن تعملي مليون حاجة علشان الأمور متوصلش لكدا، بس برضه ربك عادل، اللي خديجة شافته بسببي أنا شوفته أنا كمان، كلهم كرهوني وكنت هنتحر وأموت كافرة،كنت هعيش حياتي الجاية كلها في النار، كل كلامك كان غيرة منهم ومن حياتهم وأنا مش فاهمة ليه، كل دا من النقص اللي عندك، فاكرة الحياة كلها لبس و خروج وأكل وشرب، نسيتي إن أهم حاجة فيها رضا ربنا علينا، أنا مش هقدر أسامحك ولا هقدر أبص في وشك”

إقترب «محمود» يقف أمامها وهو ما يقول بنبرة مصدومة:
“أنا اللي سمعته دا حسسني إني عيشت عمري كله مخدوع، أنتِ يا فاطمة تعملي كدا؟ أنتِ تكوني السبب في خراب بيت أختي وتدمير حياة زينب و خديجة؟ أنتِ السبب إن بنتك تعيش العمر كله ماشية ورا عمتها لحد ما نسيت إننا أهلها؟أنا لولا وصية أبويا ليا عليكِ أني مسبكيش علشان ملكيش حد كنت رميتك في الشارع، بس هتروحي فين؟ وأنتِ ملكيش مكان تاني غير دا، بس لعلمك أنتِ هتعيشي هنا لوحدك، وتفضلي على ذمتي علشان كلام الناس، لكن تنسي أني ممكن أسامحك، ولا حتى تفتكري إنك مراتي، ويا خسارة الحب اللي حبيته لكِ يا فاطمة”

أمسكت كفه تترجاه بقولها بنبرة باكية:
“متعملش كدا يا محمود، والله حسان حلفني على المصحف و قولتله إن هي فعلًا كانت بتحب مجدي والله مقولتش غير كدا ودي الحقيقة، والله زينب فعلًا كانت واقفة مع حسان ساعتها والله أنا شوفتها”

صرخت «زينب» تقول بقهرٍ:
“وليه فهمتي غلط؟ ليه مقولتيش إن أنا كنت بديله شنطة طه يوصلهاله، ليه مقولتيش إن أنا معملش كدا وأفتري على حد”

تدخل «طارق» يضيف بهدوء:
“أهدي يا طنط زينب، إحنا سألنا حسان وهو اللي قالنا كل حاجة، ومن الأول إحنا كنا عارفين إنك بريئة، بس الموضوع كان مليان خيوط داخلة فـ بعض”

ردت «زينب» عليه بذهول قائلة:
“بعد إيه يا طارق؟ بعد نظرات الشك اللي كنت بشوفها منكم؟ولا بعد حياتي وحياة بنتي ما باظت؟ ولا بعد ما مشيرة عاشت عمرها كله تنتقم مني علشان بعد بنتها عنها؟ يا أخي دا أنتَ نفسك عيشت عمرك كله بعيد عن جميلة، دي حياة ناس يا طارق مش لعبة اتكسرت”

أخفض الجميع رأسهم في خزي، بينما «ياسين» وقف مقابلًا لـ «زينب» وهو يقول:
“وعلشان هي حياة ناس سامحي، سامحي من قلبك وركزي مع بنتك اللي بقت زي الفل، بنتك اللي بقت بتخرج وبتتكلم ونجحت في حاجات كتير أوي، أنسي اللي فات وبصي على نعم ربنا اللي عندك، ولا إيه يا خديجة؟”

إلتفت برأسه يسألها فوجدها تمسح دموعها ثم إقتربت من والدتها وهي تقول:
“سيبك منهم كلهم، أنا مش زعلانة والله، يمكن اللي حصل دا يكون سبب علشان حاجات كتير جاية حلوة، مين عارف مش يمكن لو كنت شخص طبيعي كان ياسين رفضني، ومش يمكن لو الحياة كملت زي ما إحنا عاوزين كانت المشاكل بقت أكتر؟ الحمد لله على كل حال، نحمد ربنا ونشكره على فضله وكرمه علينا”

كان ينظر لها بفخرٍ وكأنه يرى نجاحه، أما هي نظرت له تسأله بأعينها فوجدته يومأ لها بثقة وكأنه يؤكد حديثها، بينما «طه» إقترب من زوجته و إبنته وهو يقول بإنكسار:
“سامحوني أنتو الأتنين، أنا غلطت في حقكم، سامحيني يا خديجة علشان خاطري وأنتِ يا زينب سامحيني”

ردت عليه «خديجة» بنبرة خالية:
“أنا مسمحاك والله، بس مش هقدر أنسى ودا حقي، أنا مش بإيدي أنسى أكتر من ١٥ سنة ضاعوا من حياتي وأنا خايفة منك، أنا بنتك وليك حق عليا، بس غصب عني هتفضل حتة سودا معلمة جوايا منك، علشان جرح الأهل عمره ما بيتنسي”

أخفض «طه» رأسه حتى يُخفي دموعه، وفجأة صُدم الجميع حينما وقعت «مشيرة» مغشية عليها وكأنها لم تستطع تحمل ما حدث، إقترب منها الجميع، لكن «ياسين» صرخ فجأةً وهو يقول:

“ابعدوا عنها علشان النفس، محدش يقرب منها، أحمد إنزل هات الدكتور”

أومأ له «أحمد» ثم ركض من أمامه، بينما شباب العائلة حملوها على أيديهم ثم وضعوها بداخل الفراش، وبعد ما يقرب الربع ساعة من الصمت التام ناهيكم عن النظرات المتبادلة بين الجميع، وفي تلك اللحظة فاضت الأعين بما لا تستطع الألسنة نطقه، دخل «أحمد» ومعه الطبيب، وبعد الفحص قياس ضغط الدم، تحدث الطبيب يقول متأسفًا:

“للأسف عندها هبوط حاد في الدورة الدموية، دا غير إن ضغطها نزل خالص، ياريت نراعي حالتها ونبعد عنها أي توتر وأي ضغط عصبي، أنا هعلقلها محاليل علشان تعوض شوية من الهبوط دا والأدوية دي تاخدها بإنتظام من غير أي لغبطة، هي ممكن تفضل نايمة كدا فترة طويلة متقلقوش دا من أثر الصدمة، طبعًا مش هوصيكم بالراحة والأكل يكون مظبوط وخالي من الاملاح أو السكريات طبعًا دا علشان الضغط، ربنا يتمم شفاها على خير إن شاء الله”

خرج الطبيب مع «أحمد» و «وليد» بينما الجميع إنسحبوا تباعًا من الغرفة وكأنهم بذلك يعلنوا تخليهم عنها،نظرت «خديجة» بإندهاش لهم وهي تقول:

“أنتو بتعملوا إيه؟ هتسبوها تعبانة كدا؟ محدش هيفضل معاها؟”

كانت «عبلة» على أعتاب الغرفة فإلتفتت لها تقول بنبرة خالية من المشاعر:

“ربنا يشفيها يا خديجة، هنعملها إيه يعني؟”

ردت عليها «خديجة» بسرعة:
“نخلي بالنا منها، هي ممكن تفوق في أي وقت وحالتها هتبقى صعبة، مينفعش تفضل لوحدها”

حركت «عبلة» كتفيها وهي تقول بلامبالاة:
“أنا مش هقدر بصراحة أبات معاها، ولا أنتِ ينفع، هاتي هدير”

نظرت «خديجة» لها بتعجب فوجدتها تنسحب من أمامها بهدوء، نظرت خلفها فوجدته واقفًا بجانب الخزانة الفارغة، سألته هي بنبرةٍ حائرة:

“طب أعمل إيه طيب؟ مش هقدر أجبر حد يفضل معاها وفي نفس الوقت مش هقدر أسيبها ولا هقدر أكون معاها لوحدي”

وقف مقابلًا لها وهو يقول بهدوء:
“مش عارف والله يا خديجة، بس برضه دي إنسانة للأسف يعني أقل ما فيها حد يتابعها بس”

سألته هي بتلهفٍ واضح وكأنها تذكرت للتو:
“ياسين هي عرفت منين أني بتعالج عند دكتورة هناء؟”

نظر هو لها نظرة حائرة وهو يقول:
“مش عارف والله ، أكيد مش أنا يعني اللي هقولها”

أومأت له مؤكدة وهي تقول:
“أنا مقولتش أنتَ اللي قولت، أنا بقول هي عرفت إزاي؟ ممكن تكون مشيت ورانا؟”

نظر هو على «مشيرة» وهي على الفراش ثم نظر لزوجته وهو يقول بنبرة حائرة:

“ممكن الله أعلم، المهم دلوقتي اللي حصل النهاردة وإنكم إتأكدتم إن بنتها عايشة، وإن مامتك ملهاش دعوة بحد”

سألته هي بنبرة مهتزة تعبر عن ترددها:
“هو … هو أنتَ هتعمل إيه يا ياسين؟”

قطب جبينه يسألها بتعجب:
“هعمل إيه فـ إيه، مش فاهمك تقصدي على إيه؟”

أخذت نفسًا عميقًا وهي ترد عليه بحذر:
“هتعمل إيه في مامتك و باباك هما أكيد عرفوا علشان عمتو قالت إنها كلمتهم”

حرك كتفيه وهو يقول ببساطة:
“طب وفيها إيه يعني؟ ما يعرفوا”

شعرت هي بالضيق منه فقالت بنبرة منفعلة:
“لأ فيها كتير أوي، إزاي هقبل إنك تتكسف قصادهم، إزاي هقبل إن شكلك يبقى وحش وأنتَ بتكدب عليهم، إزاي هقبل إن نظرتهم ليا تتغير بعد ما شوفت الحب في عيونهم، أنا مش أنانية علشان أختار كل مرة راحتي على حسابك”

إقترب منها يقف مقابلًا لـها وهو يقول بضيق مماثل لنبرتها:
“قصدك إيه يا خديجة؟ اللي فهمته من كلامك إنك عاوزة تسيبيني؟ ويارب أكون فاهم غلط”

فرت دموعها من بين أهدابها وهي تقول بوجع:
“أنا مش عاوزة أشوفك مكسوف قدام حد، مش عاوزة في يوم تحس إنك مش عارف ترفع عينك في عين أهلك بسببي، أنا مش هقدر اقولهم إني بتعالج بسبب أهلي، اللي هما المفروض يكونوا سبب قوتي، علشان كدا بقولك أنساني وقولهم أني كنت بستغلك، دا عندي أهون عليا من أني أتسبب فـ كسرة عينك، أنا شوفت وليد كان مكسوف إزاي قدامنا مش هقدر أشوفك كدا أو أحس إنك ممكن تجرب نفس الإحساس دا”

أمسكها من مرفقها بقوة وهو يقول بضيق:
“أنتِ ليه كل مرة تحسبيها كدا؟ مين قالك إن الحل في البعد؟ ليه كل مرة تختاري الحل الأسهل؟ مفكرتيش فيا أنا”

نظرت له ببكاء وهي تقول:
“أنا علشان بفكر فيك عاوزاك تسبني، أهلك ناس طيبين ميستاهلوش إن إبنهم يتجوز واحدة مجنونة، وأنا عارفة إن عمتو قالت لهم أني كنت بستغلك، وأنتَ بنفسك هتعرف كدا من أهلك، يبقى حرام عليا أتسببلك إنك تكذب عليهم”

دفع مرفقها بضيق وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:
“أنتِ اللي أخترتي يا خديجة، تصبحي على خير”

إتسعت مقلتيها بقوة فوجدته يخرج من الغرفة وهو يضرب الأرض بقدميه ، أرتمت هي على الأرضية تبكي بحرقة ثم صرخت بأعلى صوتها:

“يـــاســيــن”

كانت صرختها قوية خارجة من قلبها، تبعتها بالبكاء الحار الذي مزق نياط قلبها بعدما أخفضت رأسها بين ركبتيها، فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه وهو يربت عليها بعدما أخذها في حضنه، زاد بكاءها وهي تقول:

“متسمعش كلامي و تسبني، أنا مش عاوزة أرجع أخاف تاني من غيرك، علشان لو الدنيا دي كلها ضلمة أنتَ نورها الوحيد “

ربت هو على ظهرها وهو يقول بنبرة متأثرة:
“وأنا مقدرش أسيبك يا خديجة، مش بمزاجي ولا حتى بقلبي و عقلي، أنتِ ليا وأنا ليكِ غصب عن الدنيا كلها، عاوزاني أسيبك علشان كلام عبيط خارج من واحدة مجنونة؟”

كانت كلماته ساخرة مما جعلها تخرج من بين ذراعيه ثم ضربته في كتفه وهي تقول بضيق زائف:
“متقولش مجنونة، مجنونة في عينك”

رفع حاجبه ينظر لها مُتعجبًا وهو يقول بسخرية:
“طب ماهو دا كلامك يا بنت الحلال، مش أنتِ اللي قولتي سبني يا ياسين علشان أنا مجنونة؟ ورب الكعبة هسيبك مرة بجد علشان تتعلمي الأدب يا بنت طه، يا أنا يا كلامك الأهطل دا”

ضحكت هي ثم وضعت رأسها على فخذه وكأنها بذلك تعلن إستسلامها للتعب، تنهد هو بعمقٍ ثم ربت بيده على رأسها بحب بعد ذلك أرجع رأسه للخلف ولازال كفه يربت على رأسها حتى علم هو من إنتظام أنفاسها أنها غاصت في ثباتٍ عميق، فجأة دخل عليه والديها، لم يتحرك بل ظل ثابتًا كما هو، سأله «طه» بحرجٍ:

“معلش يا بني تعبناك معانا طول اليوم، ممكن تحاسب علشان آخد خديجة؟”

_”تاخدها فين؟”

خرجت منه تلك الجملة بنبرة جامدة، جعلتهما ينظرا له بتعجب، فقال والدها بنبرة محرجة:

“آخدها ترتاح فوق، هصحيها يعني”

وقف «ياسين» ثم حملها بين ذراعيه بقوة تحت نظراتهما المندهشة من فعلته، خرج هو بها الشقة وهما خلفه، ركب المصعد وتم إتباعه من خلالهما، فقال والدها بنبرة مهزوزة:

“عنك طيب يا حبيبي…أو صحيها”

بنفس النبرة الجامدة ونظرات التحدي رد عليه:
“محدش ليه دعوة، مراتي وأنا حر، ولا عندك كلام تاني؟”

نظر «طه» لزوجته ثم نظر له بهدوء وهو يحرك رأسه نفيًا، بينما هو ظهرت نظرة التسلية والتحدي في عينيه، دخلوا الشقة جميعًا، أما هو أدخلها غرفتها ثم وضعها على الفراش، بعد ذلك مال على رأسها يطبع قبلة على جبينها بعدما ربت عليها وقام بتغطئتها، بعد ذلك خرج من الغرفة وهو يقول بثبات:

“لو عندك أي أسئلة أتفضل أسأل علشان أعرف أمشي، وياريت ملكش دعوة بيها ولا تسألها هي”

أخذ «طه» نفسًا عميقًا ثم قال:
“ليه عالجت بنتي؟ وعرفت منين إنها عندها مشكلة نفسية؟”

نظر له بسخرية وهو يقول متهكمًا:
“هو أنتَ كمان مش عاوزها تتعالج؟ آه صحيح أنتَ كنت خايف يتقال عليها مجنونة، ودا حصل فعلًا، بس ورب الكعبة اللي هيجيب سيرتها بكلمة متعجبنيش لأفرمه تحت إيدي، بنتك اللي إستحملت الضرب منك والإهانة من عمتها، بنتك اللي عيل خايب زي راشد دا وقف يهينها قصادكم، أنا بس سؤالي ليك إزاي جالك قلب تعمل كدا في عيلة صغيرة؟ إزاي مقدرتش تبقى حنين عليها، دا أنا أهوه وحاسس إنها بنتي و مسئولة مني، أنتَ إيه بقى؟”

رد عليه «طه» ببكاء:
“أنا أب زبالة، بعد العمر دا كله طلعت أزبل شخصية، بس أنا كنت زي المضروب على راسي، مراتي و بيتهموها بخراب بيت أختي، وكل كلامهم إن بنتي شقية وإن تصرفاتها هتبقى زي تصرفات أمها، أنا كنت موجوع وأنا مش لاقي دليل يثبت كلامي، ومشيرة كنت كل مرة أقول هي برضه غلبانة حياتها إتدمرت بسببنا، أنا كنت زي اللي بيحارب في كل الجهات، بحافظ على بيتي من الخراب، وبحافظ على بنتي وفي نفس الوقت مع أختي اللي حياتها بايظة ومعهاش حد”

رد عليه «ياسين» مُعقبًا بحنقٍ:
“أنتَ بتقول إيه؟ دا عذر أقبح من ذنب على فكرة، إعترف إنك كنت ضعيف الشخصية ومقدرتش تختار بين بيتك ولا أختك، أنتَ إختارت الحل الوسط ليك تحكم بيتك بالعنف وتقف مع أختك على حساب مراتك و بنتك، يا أخي دي كل مرة تنزل عينها في الأرض لما تيجي سيرتك، أنتَ عملت كدا إزاي؟”

نظر له «طه» بقلة حيلة وهو يقول:
“ربنا ما يحكم عليك بالحيرة اللي اتحكم عليا بيها، أنا عارف أني مينفعش أكون أب، وعارف أني زوج فاشل، بس أنا مش عاوز بنتي تكرهني، مش عاوزها تسبني وهي كارهاني، مش عاوزها ماتصدق تخرج من بيتي”

رد عليه «ياسين» بسخرية مؤلمة:
“ياريتها عارفة تكرهك، بنتك اللي بهدلها في حياتها هو إنها مش عارفة تكرهك، هي مش بتعرف تكره حد، خديجة عودت نفسها اللي يحبها تشيله في عينها، واللي يزعلها عينها أصلًا متشفهوش”

تبدلت نظرة «طه» إلى التعجب، فأضاف «ياسين» يقول بنبرة متهكمة:

“مستغرب صح؟ بتسأل إزاي قدرت أحفظها كدا وإزاي عرفت طريقة تفكيرها، بس اللي أنا عاوز أقوله ليك إن بنتك متستاهلش غير الحب بس”

قبل أن يذهب من أمامه أوقفه «طه» بقوله:
“أنا عاوزك تاخدني عند الدكتورة اللي عالجت بنتي، ينفع؟”

أومأ له «ياسين» ثم قال بلامبالاة:
“بكرة هاخدك عندها، جهز نفسك، تصبح على خير”

تركهما ورحل،بينما والدتها قالت بقيلة حيلة:
“أنا هنزل لمروة علشان نبات مع مشيرة، عن إذنك”

أوقفها هو بنبرة مهزوزة:
“زينب؟ هو أنتِ مسمحاني؟”

إلتفتت تنظر له بهدوء ولكن نظرتها كانت موجوعة مثل نبرتها في قولها:
“مسمحاك يا طه، المهم تعرف أنتَ تسامح نفسك”
تركته وخرجت من الشقة، بينما إرتمى هو على الأريكة بحزن شديد وبعد ثوانٍ إجهش في بكاء مرير وكأنه طفلًا صغيرًا
____________________

في شقة محمد كان «مرتضى» جالسًا بجانب شقيقه، و الشباب جميعهم حتى «أحمد» وأول من تحدث كان «محمد» بعدما قص عليهم «طارق» ماحدث، فقال:

“يعني إيه؟ فين البت مخدتوهاش منه ليه يا طارق”

تدخل «وليد» يقول بنفاذ الصبر:
“قولنا مينفعش علشان هي متعرفش حاجة، فاكرة أمها ميتة، نروح نقولها إيه تعالي نعرفك على الجثة؟”

أضاف «طارق» يقول:
“زي ما وليد قالك كدا يا بابا، مينفعش نروح نفاجئها بكل المفاجأت دي، إذا كان مشيرة المؤذية متحملتش اللي حصل”

خرجت «عبلة» في تلك اللحظة وهي تحمل صينية الشاي للرجال، وضعتها على الطاولة ثم قالت:
“طب هي عاملة إزاي؟ شكلها حلو أقصد يعني شبه مين؟”

رد عليها «طارق» بهدوء:
“شكلها زي القمر، شبهك يا عبلة حتى عيونها عسلي زي عيونك بس فيهم لون أخضر من عيون ابوها، لابسة خمار وشكلها ماشاء الله حافظة قرآن علشان كانت بتكمل مع الآيات لما تشتغل”

تدخل «وليد» يقول بسخرية:
“ماشاء الله كل دا وبتقول بروح اشتغل؟ لأ ماهو الشغل واضح فعلًا، هات بقى الكشكول اللي فيه المعلومات علشان نشوف شغلنا خلينا نفوق للي جاي”

فتح «طارق» درج الطاولة الصغيرة أمامه وأخرج منها الحقيبة الصغيرة التى أعطتها «جميلة» له، أخرج الدفتر منها، ثم رآى شيئًا غريبًا يلمع بها أخرجه من الحقيبة وما لبث ثوانٍ حتى شهق بقوة نظر الجميع له بإستنكار فـهبَ واقفًا وهو يقول:

“السلسلة دي كانت في رقبة جميلة وهي صغيرة، أنا اللي جبتها لها، إزاي جت هنا؟”

وقف «وليد» هو الأخر وهو يقول:
“مش يمكن دي بتاعة سلمى ولا عبلة؟”

رد عليه «طارق» بضيق:
“أنتِ غبي يا وليد؟ أنا لسه مخرجها قدامك، الكلام دا معناه واحد بس”

سأله «مرتضى» بتعجب:
“معناه إيه يا طارق؟”

نظر لعمه وهو يقول:
“معناه إن جميلة أفتكرتني، أيوا علشان وهي بتديني الشنطة قالتلي يا رب تفكركم بحاجة، أكيد قصدها على السلسلة”

نظر الجميع إلى بعضهم بتعجب، بينما «وليد» قال بهدوء:

“طب إهدا كدا، علشان كدا كدا عمتك مش هتسكت وهتطلب بنتها، لما تفوق بس،لولا طولة لسانها مكناش وصلنا هنا”

رد عليه «أحمد» بحنقٍ:
“اللي حصل حصل خلاص ملوش لازمة الكلام دا، ربنا يسترها بس و متروحش فيها”

نظر له «وليد» بسخرية وهو يقول:
“أستاذ أحمد؟ معقولة!! كنت فين يا حلويات، فالح بس تعلي صوتك وتقول لو مشيرة عملت حاجة هخرب الدنيا، أنا مشوفتكش حتى تفيت في وشنا”

ضحك الجميع على طريقته، عدا «أحمد» الذي نظر له بحنق وهو يقول:
“هي سوق؟ كلامي مكانش ليه لازمة، وبعدين أنتَ قولت كل حاجة وعكيت الدنيا خلاص”

تنهد «مرتضى» ثم قال:
“طب يلا ننام علشان نشوف إيه اللي هيحصل بعد كدا، و مروة و زينب و سهير بايتين مع مشيرة تحت، ربنا يسترها”

وقف «مرتضى» و وقف «وليد» أيضًا، بينما «عبلة» خرجت وراءهما كانت تسير خلف «وليد» الذي كان ينظر خلفه بطرف عينه ثم إلتفت فجأة يعانقها بقوة، ضحكت هي ثم عانقته هي الأخرى، ضحك «مرتضى» بخفة ثم خرج من الشقة، فجأة أتى «محمد» و «طارق» و «وئام» من الداخل، وأول من تحدث كان «محمد» حينما رآى وضعهما فقال بضيق:

“يا أخي لم نفسك بقى، كل ما أشوفك ألاقيك حاضنها ، أنتَ إيه يلا”

أخرجها من بين ذراعيه وهو يقول بنبرة باردة:

“نعم يا عمو، حضرتك عاوز حاجة”

رد عليه عمه بسخرية:
“عمو؟ يا واد يا ملاك؟ شوف إحنا وحشيين إزاي، أخرة الأحضان دي إيه يا وليد؟”

حرك كتفيه وهو يقول ببراءة مصطنعة:
“دا أنا بنفذ كلام الدكتورة مش كلامي، وأنتَ عرفني نقطة ضعفي سماع الكلام”

سأله عمه بسخرية تشبه طريقته:
“ودي دكتورة مين دي يا أخويا؟ بتكشف عند أخت أسامة منير؟”

ضحك «طارق» و «وئام» على طريقة «محمد»، بينما «وليد» أضاف بثقة:

“دي واحدة الله يباركلها إن كانت عايشة، و يرحمها إن كانت ميتة،إسمها فرچينا ساتير، قالت إيه بقى يا حمايا، ٤ أحضان يوميًا للبقاء على قيد الحياة، و ٨ أحضان لتأهيل نفسك، و ١٢ حضن للنمو السليم، ودا علشان نقلل التعرض للاكتئاب و نقدر نحل مشاكلنا، يرضيك بنتك تتجوز واحد غير مكتمل النمو وفاقد الأهلية؟”

نظر «محمد» له بإندهاش وهو يقول بنبرة متعجبة:
“أنتَ من قلة أدبك محضر دكتوراه في الأحضان؟ طب يا أخويا ركز في حاجة تنفعك”

غمز له «وليد» بوقاحة وهو يقول:
“ماهو دا اللي هينفعني”

ثم إلتفت يقبل «عبلة» من وجنتيها وهو يقول:

“تصبحي على خير يا عبلة”

ثم وقف مقابلًا لـ عمه بعدها إحتضنه رغمًا عنه وهو يقول بمرحٍ:
“تصبح على خير يا حمايا، عقبال ما أحضنك يوم فرحي إن شاء الله، ولا متجيش أحسن يجيلك جلطة”

أبعد عمه عنه ثم ترك الشقة،بينما «محمد» رفع صوته يقول:

“هو أنا لسه هتجلط؟ ما خلاص يا إبن مرتضى جاتلي جلطة بسببك”

نظر له «وئام» متأسفًا وهو يقول:
“أنا أسف يا عمي،هو بس بيحب الهزار حقك عليا”

ربت «محمد» على كتفه وهو يقول:

“متقولش كدا، هو واد صعب، لولا هي بتحبه كان زماني مخلصهم من بعض”

أومأ له ثم قال:
“عن إذنكم علشان هدى و هدير مستنيين آخدهم و أمشي”

سأله «طارق» متعجبًا:
“ليه هتروحوا فين؟”

زفر «وئام» بضيق ثم قال:
“مش عاوزين يقعدوا مع فاطمة، عاوزين يبعدوا عنها هاخدهم شقتي يرتاحوا فيها على ما الدنيا تهدا شوية”

تحدث «محمد» يقول بحزن:
“عين العقل يا بني، ربنا يكرمك، خلي بالك منهم بس علشان هما دلوقتي موقفهم صعب أوي”

أومأ لعمه في هدوء ثم تركه ونزل لشقة عمه «محمود»، دخل الشقة وجد الحزن مخيم عليها، زفر بقوة ثم أمسك حقيبة زوجته و حقيبة «هدير» أيضًا، بينما «فاطمة» صرخت وهي تقول:

“خليكم معايا أنتم هتروحوا فين؟ متسبونيش لوحدي”

تحدثت «هدى» تقول ببكاء:
“مش هقدر أبص في عينك، ومش هقدر أفضل قاعدة في الجو المقرف دا، وقعادك لوحدك دا جزء صغير من اللي غيرك حسه بسببك، يلا يا وئام”

تمسكت بذراع «هدير» التي كانت بتكي بقوة ثم قالت:
“حتى أنتِ هتسبيني؟ أنا بحبك يا هدير، أنا ماما اللي بجبلك اللي أنتِ عاوزاه؟ هتمشي أنتِ كمان؟”

إبتسمت «هدير» بسخرية مريرة وهي تقول:
“ياريتك ما كنتِ عملتي كدا، خلتيني أنانية و وحشة و بكره الناس، بقيت بكره أشوف غيري مبسوط، خلتيني عاوزة الناس كلها تحت و أنا فوق، خلتيني عاوزة كل الحلو ليا والوحش للناس، أفرحي بقى بعد ما دمرتي كل حاجة، كان في إيدك تلحقي الدنيا دي كلها بس أنتِ فرحتي إن غيرك هتبقى صورته وحشة قدام الناس، بس الحق مش عليكِ، الحق عليا أنا علشان سلمت ليكم ودني ومشيت ورا كلامكم، يلا يا هدى خلينا نروح ننضف شوية”

ذهب الثلاثة من أمامها، بينما هي إرتمت على الأريكة ببكاء مرير ثم ضربت وجها عدة مرات بكفيها معًا، راقبها «محمود» من الداخل ثم أغلق باب غرفته وهو يضغط على جفنيه بشدة ثم ألقى بجسده الضخم على الفراش وهو يتنهد بحرارة.
_____________

وصل «ياسين» أمام شقته ينظم أنفاسه بعد ذلك اليوم المشحون، المليء بالمناوشات، دخل في هدوء فوجدهما في إنتظاره جلس مقابلًا لهما ثم قال:

“السلام عليكم، أتمنى تكونوا كويسين”

نظرت والدته لوالده ثم قالت:
“وعليكم السلام، إيه اللي حصل النهاردة يا ياسين؟”

نظر لها بثبات وهو يقول:
“خير يا ماما حصل إيه يعني؟”

ردت عليه بثبات هي الأخرى:
“المكالمة اللي جتلنا من عمة خديجة، دي إيه وبعدين مش فاهمة يعني إيه خديجة تتفق معاك تعالجها؟ إزاي توافق على حاجة زي دي؟”

نفخ هو وجنتيه بضيق ثم قال:
“هو أنتِ هتصدقي كلام المجنونة دي؟ وبعدين مراتي مش مجنونة ولا فيها حاجة، هي بس كانت مخنوقة شوية”

سألته والدته بنبرة حائرة:
“من إيه طيب يا حبيبي، أنا مصدقتهاش، بس عاوزة أفهم، ليه عمة مراتك تقول كدا؟”

زفر هو بضيق ثم قص عليهما القصة بإيجاز، دون التطرق إلى التفاصيل الخاصة، أنهى حديثه ثم قال:
“هاه خلاص ارتحتي؟ أديني قولتلك”

نظرت له والدته بفخر ثم قالت:
“أنا دلوقتي اتأكدت أني عرفت أربي، تسلم يا ياسين، ومراتك تحطها في عينك يا بني، دي غلبانة”

نظر لها بشكٍ وهو يقول مستفسرًا:
“يعني أنتِ مش هتطلعي شغل الحموات على البت بعد كدا؟ وقبل أي حاجة أنا مش هسيبها ولا هبعد عنها”

حركت والدته كتفيها وهي تقول ببساطة:
“أنا مقولتش سيبها ولا طلبت تبعد، وبعدين هو أنتَ فاكرني جهلة؟ أومال مدرسة بطلع أجيال إزاي وأنا مش عارفة أخلي عندهم سلام نفسي؟ إزاي أكون بطلع أجيال وأنا عنصرية مش عارفة أخليهم يساعدوا بعض، أنتَ فاكرني إيه يا ياسين ؟”

رد عليها مُردفًا بإحراج:
“أنا مش قصدي حاجة، كل الفكرة أني خوفت من طريقة فهمكم للموضوع، وعلشان عارف إن هي تستحق تكون فرحانة بعد فرح ياسر و عامر هحدد معاد فرحنا، كفاية ضغط على أعصابها أكتر من كدا”

تدخل «رياض» يقول بهدوء:
“عين العقل يا بني، وخليك أنتَ سندها يا ياسين، وطبعًا الكلام دا محدش يعرفه وياريت هي كمان متعرفش إننا عرفنا، علشان متحسش بإحراج”

نظر له «ياسين» متأسفًا وهو يقول:
“للأسف هي عرفت النهاردة، عمتها منها لله قالت إنها كلمت ماما، وعكت في الكلام ساعتها خديجة طلبت تسبني علشان شكلي قصادكم وعلشان محدش فيكم يحس بالكسوف منها”

تدخلت «زهرة» تقول بنبرة حزينة لأجلها:
“يا حبيبتي يا بنتي؟ هو فيه ناس مؤذية كدا؟ ياسين خلي بالك منها هي غلبانة والدنيا شكلها جت عليها، أوعى تكون أنتَ كمان عليها يا ياسين”

أضاف «رياض» يقول بحكمة:

“أوعى تخليها تخاف معاك، حتى لو بيتها مش مطمنها خليك أنتَ مطمنها، صدقني يا بني اللي زي مراتك دي رزق، مفيش منها الأيام دي”

تنهد «ياسين» بعمق وهو يقول بحب وبنرةٍ حائرة:
“أنا مش عارف مين فينا اللي محتاج التاني أنا ولا هي، ساعات بحس إني مطمن علشان هي معايا، وساعات بحس أني أقدر أعمل أي حاجة علشان بس هي معايا، أنا مجرد ضحكة منها بحس أني مبسوط وأني عملت إنجاز، اللي محيرني إزاي باخد قوتي من إنسان ضعيف زيها، إزاي ضعفي بيبان قدامها وأنا عمري ما عرفت أبينه حتى قدام نفسي”

رد عليه «رياض» وهو يضحك بهدوء:
“علشان هو دا الجواز يا ياسين، الجواز سكن، أتنين بيسكنوا بعض، سيبك بقى مين ليه إيه ومين عليه إيه، هو علاقة مقدسة ربنا خلقها في أحسن صورة وعظمها في كتابه، مجرد أتنين غُرب عن بعض ربنا ربط كل الطرق علشان يجتمعوا، وقلبين بيرتبطوا ببعض علشان كل واحد فيهم يربط على التاني في حزنه، متسألش ليه بقى علشان دا السر اللي ربنا خلق بيه العلاقة دي، علاقة الزواج، يد تطيب، عقل يكمل عقل، قلب بيربط على قلب تاني”

أومأ له «ياسين» ثم إرتمى برأسه على فخذ والدته، التي مدت أناملها تداعب خصلاته، أغلق هو جفنيه ثم غاص في ثباتٍ عميق، بينما نظرت هي لزوجها وجدته يبتسم لها فبادلته نفس البسمة.
__________

في اليوم التالي كانت الأوضاع أهدأ كثيرًا، أما «مشيرة» فظلت على وضعها كما هي مستسلمة لنومها، قام «وليد» بتغيير المحلول لها قبل المغادرة لعمله، أما «خديجة» فجلست بجانبها تقرأ في المصحف لها، وبجانبها «زينب» و «مروة» التي كانت تنظر لإبنها بضيق من تخبئته عليها أمر علاجه من الإدمان، لم يذهب «طه» مع أخوته للعمل، إنما ذهب مع «ياسين» للطبيبة النفسية، رحبت هي بهما فوجدته يقول بخزي:

“أنا طه أبو خديجة، أنا بس عاوز أعرف بنتي كان مالها”

نظرت هي في وجهيهما ثم قالت:
“بنت حضرتك كان عندها رهاب إجتماعي واضطرابات نفسية كتير نتيجة تعامل حضرتك ليها، خديجة للأسف من كتر تعرضها للعنف كانت أحيانًا بتخاف من نفسها و تفكيرها، خديجة مشيت مشوار طويل علشان تخلص من خوفها، والحمد لله الفضل بعد ربنا يرجع لياسين”

نظر لها «طه» بإنكسار وهو يقول:
“طب وهو مجرد معاملتي ليها هي اللي عملت فيها كدا؟”

أومأت له بثقة ثم قالت:
“للأسف يا أستاذ طه، فيه فرق بين الطفل الساكت علشان خايف من أهله وبين الطفل الساكت علشان محترم أهله، فيه فرق بين طفل بيعمل اللي بيطلب منه بحب لأهله، وبين اللي بيعمله بخوف من رد فعلهم، للأسف يا أستاذ طه خديجة كل حركاتها كانت خوف منك ومن رد فعلك”

سألها هو بنبرةٍ مهتزة:
“طب وهو أنا ممكن أعمل إيه علشان أعوضها؟ أنا مش عاوز كرهها يكبر ناحيتي”

حركت كتفيها تقول ببساطة:
“عوضها يا أستاذ طه، قرب منها واتكلم معاها، هاتلها عروسة بدل اللي وزعتهم على بنات العيلة، خدها وانزلوا إشتروا طلبات البيت سوا، خد رأيها في حاجات تخصك، واحدة واحدة التلج دا هيدوب، صدقني يا أستاذ طه خديجة بس عاوزة تتحب وحد يحسسها إنها كل دنيته، هي لو لقت دا منك، مستحيل تقابل الحب دا برفض أو كره، حتى أسأل أستاذ ياسين”

نظر هو لها ثم نظر لـ ياسين، بعد ذلك أومأ لها ثم وقف حتى يرحل ، نظر لها «ياسين» فوجدها تومأ له بثقة تركها هو الأخر ثم خرج خلفه، نزلا كلاهما من العيادة فأوقفه طه حينما أحتضنه مرةً واحدة وهو يقول بنبرة شبه باكية:

“شكرًا يا بني، ربنا يكرمك ويعوضك، جميلك دا في رقبتي، أنتَ رجعت لي بنتي تاني بعد ما كانت زي الأموات”

سرت رعشة تشبه الكهرباء في جسده نتيجة تفاجئه برد فعل «طه» لكنها لم تدم طويلًا حيث رفع ذراعه يحتضنه هو الأخر ثم قال:
“أنا مش عاوز شكر يا عمي، أنا عاوزك تخلي بالك من خديجة، علشان اللي معاه خديجة بيفضل طول عمره كسبان، خديجة هي الراحة وسط تعب الدنيا كله”

خرج «طه» من بين أحضانه ثم قال:
“يارتني كنت عرفت أحب بنتي زي ما أنتَ حبيتها كدا، مكانش زماني ببكي كدا”

ربت «ياسين» على كتفه ثم قال:
“متزعلش نفسك، وعلى فكرة أنتَ بتحبها، بس محتاج تخرج حبك دا علشان تحس بيه، وهي كمان بتحبك أوي”

أومأ له «طه» ثم قال:
“معاك حق، يلا أنا هلحق أروح الشغل علشان أخواتي مستييني هناك”

أومأ له «ياسين» ثم تنهد بعمقٍ، ركب «طه» سيارته ثم ركب «ياسين» هو الأخر سيارته وذهب لعمله بعدما أخذ الإذن لذلك المشوار.
______________

في شركة أحفاد آلـ «الرشيد» كان «طارق» يحاول الوصول لـ «حسان» مرارًا و تكرارًا عبر الهاتف لكن دون جدوى، وقف فجأة وهو يقول لوليد:

” أنا هروح أشوفه في المحل، كدا مش هينفع”

وقف «وليد» بجانبه وهو يقول بهدوء:
“طب إهدا كدا طيب، ويلا نروح سوا”

خرج الأثنين معًا من مقر عملهما، ثم ركبا سيارة «طارق»، بعد القيادة أوقف السيارة أمام المول، دخلا معًا كلاهما، ولكنهما تفاجأ حينما وجدا المحل الخاص به مغلق، نظر «طارق» لـ «وليد» وهو يقول بحنقٍ:

“دا إسمه إيه إن شاء الله؟ حسان هرب تاني يا وليد؟”

حرك «وليد» كتفيه وهو يقول:
“أكيد ملحقش يا طارق، ممكن يكون بس فيه حاجة، جرب تتصل كدا”

حاول «طارق» من جديد لكن دون جدوى، وضع الهاتف في يد «وليد» بضجرٍ وهو يقول:

“اتفضل مبيردش، الأستاذ مش بيرد، بيهرب مننا”

نظر «وليد» حوله، وثوانٍ وابتهج وجهه، ترك هو «طارق» ثم ذهب إلى رجل يبدو عليه الوقار، وقف أمامه وهو يقول:

“حضرتك أستاذ عماد صاحب المول صح؟”

أومأ له «عماد» وهو يقول بتعجب:
“ايوا أنا مين حضرتك؟”

مد «وليد» يده يقوم بتحيته وهو يقول:

“معاك وليد الرشيد، مدير تنفيذي في شركة الرشيد للدعاية والإعلان”

مد «عماد» يده يقوم بتحيته وهو يقول بحبور:
“آه أهلًا و سهلًا، اؤمر”

إبتسم له «وليد» وهو يقول بثبات:
“إحنا كنا جايين بخصوص أستاذ حسان علشان الشغل بتاع المحل بتاعه، بس هو قافل المكان والتليفون بتاعه مش بيرد ممكن لو حضرتك تعرف مكانه علشان شغله بس ميتعطلش”

رد عليه «عماد» بحماس:
“آه طبعًا مفيش مشاكل، اكتب العنوان عندك، هو جاري كمان وساكن معايا في نفس البيت”

إلتمعت أعين «وليد» بخبثٍ ثم قال:
“ونعم الجيرة يا أستاذ عماد”

عاد مرةً أُخرى لـ «طارق» الذي كان يراقبه بتعجب وهو يقول:

“يلا يا طارق عرفت مكان حسان،تعال معايا

سأله «طارق» بتلهفٍ واضح:
“عرفت مكانه؟ عرفت إزاي قولي”

نظر له «وليد» بثقة وهو يقول:
“دي حاجات كبيرة عليك، لما تكبر هقولك”

تركه وهو يضحك بغرور،بينما «طارق» ركض خلفه بقوة.

في شقة «حسان» كان جالسًا و «جميلة» أمامه تسأله بنبرة شبه باكية:

“علشان خاطري قولي قبرها فين؟ خدني أزوره مرة واحدة بس”

هب هو واقفًا بضيق وهو يقول بحنقٍ:

“خلاص يا جميلة، أنا تعبت من إمبارح مش وراكي سيرة غير قبر أمك، قولتلك نسيت مكانه وأنا معرفوش”

وقفت هي الأخرى تقول بصراخ:

“يعني إيه متعرفوش، أنتَ بتهرب مني ليه؟ أنتَ لو مش خايف من حاجة مش هتقعد من الشغل النهاردة، ريحني وخليني ازور قبرها”

قبل أن يُعقب عليها صدح صوت جرس الباب، نفخ هو وجنتيه ثم تركها وذهب حتى يفتح الباب، لكنه تفاجأ حينما وجد «طارق» و «وليد» ينظرا له بخبثٍ وأول من تحدث كان «وليد» حينما قال بمرحٍ خبيث:

“عمو حسان، وحشتني أوي”

دخل «حسان» ثم أولاهما ظهره وهو يقول بضيق:

“اتفضلوا خير، الشغل هنا كمان”

خرجت «جميلة» بعدما إرتدت إزدالها وتحمل في أيديها العصير، نظرت لكليهما بشوق فاضح وكأنها تحاول إستبيان الشبه بينهما وبين والدتها، رحبت بهما، بينما «حسان» صرخ بها قائلًا:

“أنتِ خرجتي ليه، أدخلي أوضتك تاني”

أوشك «طارق» على الإقتراب منه حتى يعنفه، فوجد «وليد» يضغط على كفه، فأغلق جفنيه بشدة حتى يتحكم في نفسه، بينما هي نظرت بتحدٍ لوالدها وهي تقول:

“كان زمان يا بابا، بس دول قرايبي وأنا عرفت إن أمي أسمها مشيرة فايز الرشيد، وهما أحفاد فايز الرشيد”

إتسعت مقلتي «حسان»، بينما هما نظرا لبعضهما البعض بإندهاش، فإقتربت هي تقف قبالتهما وهي تقول بترجي:

“علشان خاطري حد فيكم ياخدني ازور قبرها، مرة واحدة بس”

إرتسمت بسمة خبيثة على وجه «وليد» وهو يقول:

“لأ لأ، إزاي تقولي كدا، هو فيه حد عايش بيكون ليه قبر برضه؟”

تبدلت ملامح الجميع وهم ينظرون له ، فوجدوه يقول بنفس الخبث:

“زي ما سمعتي يا جميلة، ماما عايشة ونفسها تفرح بيكِ وتشوفك عروسة زي القمر”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى