“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل السابع و الأربعون”
___________
أهواكِ و أهوى الوقع في تلك العيون..صِرت في حُبك مصانٌ كما الدُر المكنون.
__________
لقد مضيتُ عمري بأكمله وأنا أساند الجميع ، لم أتمنى يومًا قط أن يمدحني أحدهم أنني شخصٌ ذو ملامح جميلة أو أن ملابسي أنيقة ، بل كل ما تمنيته أن يعرفني الجميع أنني كملجأ الأمان لهم، و كتفٍ لراحة تعبهم، أود أن يضحى الجميع آمنٌ في رفقتي ، مطمئنٌ في صُحبتي.
“ألف مبروك يا طارق، كتب كتابك النهاردة على جميلة، المأذون موجود و الشهود، حد يسمعنا زغروطة”
تفوه «وليد» بتلك الجملة بثباتٍ يُحسد عليه أمام الجميع الذين إتسعت أعينهم من هول المفاجأة، أما هي فإلتفتت بكامل جسدها تنظر له بضيق وهي تقول بنبرةٍ منفعلة حانقة:
“أنتَ بتقول إيه؟ كتب كتاب مين !! أنتَ أكيد مجنون رسمي، لا يمكن أوافق على حاجة زي دي”
أومأ لها بثقته المعهودة و ببروده المستفز قال:
“لأ هتوافقي، زي ما الحج حسان ربنا يكرمه كدا وافق، ودا علشان مصلحة الكل إن شاء الله”
أمسكه «طارق» من مرفقه بغضب وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:
“أنتَ اتجننت يا وليد ؟ فيه حاجات مينفعش فيها الهزار و لا اللعب بالأعصاب، الدنيا مش متحملة”
أبعد «وليد» يده عنه بضيق ثم قال بنبرة جامدة:
“بالراحة بس يا طارق، و أهدا كدا علشان نشوف اللي داخلين عليه”
_”أحنا مش هندخل على حاجة، أنا همشي دلوقتي و أرجع الصعيد تاني، و الجوازة دي مش هتّم ، أنا خلاص ميشرفنيش إن أسمي يرتبط بالعيلة دي”
تفوهت «جميلة» بذلك الحديث أمام الجميع بنبرة حادة لا تقبل النقاش، مما جعل «وليد» يقف مقابلًا لـها وهو يقول بهدوء:
“أنا مقدر موقفك، بس لازم أنا وأنتِ نتكلم سوا علشان فيه حاجات مهمة لازم تعرفيها”
ردت عليه بضيق:
“أنا مش هتكلم مع حد، وأبعد عني بدل ما أكلم البوليس وأقولهم إنكم خطفني”
وضع كفيه داخل جيبي بنطاله وهو يقول بثقة:
“وماله، كلميهم بس أظن إنك كبيرة و واعية و عارفة إن دي مش حالة خطف، لأن ببساطة أهلك كلهم هنا و أبوكِ نفسه هنا ، يعني مش قدامك غير إنك تقدمي بلاغ بالعنف الأسري وإحنا هنا محدش كح في وشك حتى، يعني البلاغ و سكته مش نافعة معانا”
تدخل «محمود» يقول بخزيٌ و بنبرةٍ منكسرة:
“إهدي بس يا بنتي إحنا لا يمكن نزعلك هنا ولا حد يقدر يجرحك، وحدي الله بس”
نظرت له مبتسمة بسخرية مريرة وهي تقول:
“كل دا و محدش يقدر بجرحني؟ كل دا ومحدش يعرف يزعلني؟ أنا من ساعة ما رجعت وكل حاجة مزعلاني، أنا اتدمرت، لأ أنا اتهديت”
تدخل «وليد» بثباته و ثقته المعهودة:
“وأنا هعملك إعادة ترميم متخافيش، أديني فرصة بس نتكلم سوا، أنتِ برضه حافظة قرآن ربنا وأكيد عارفة إن كل حاجة بتحصلنا نصيب”
أخذت هي نفسًا عميقًا ثم مسحت وجهها بكفيها معًا، أخذها «وليد» غرفة داخل الشقة وكانت على مقربة من الجميع، أما «طارق» فنظر لهما بضيق والنيران تشتعل بصدره، قام «وليد» بمواربة باب الغرفة ثم وقف مقابلًا لـها وهو يقول بهدوء:
“أنا أسف على طريقتي برة، بس أنتِ شايفة الجو عامل إزاي،المهم شوفي دول كدا ؟”
مد يده لها بإيصالات الأمانة التي قد سبق و مضى «حسان» عليها منذ سنوات ماضية، أخذتها منه بأنامل مرتعشة، نظرت بداخلهم فإتسعت مقلتيها بشدة وهي تقول بنبرةٍ مهتزة:
“إيه دا، أنا مش فاهمة دول إيه؟”
إبتسم هو بثقة حينما آى الخوف باديًا على قسمات وجهها الهاديء فقال:
“دي يا ستي وصولات أمانة، الاستاذ حسان كان مضى عليها علشان يأمن على البضاعة اللي بيجبها لجدي و لعمامي، المهم يا ستي بعد الحركة اللي الحج حسان عملها دي، كل العيلة عاوزين ياخدوا حقهم و خصوصًا عم طه اللي بنته لحد دلوقتي مش عارفة تتعامل معاه عادي، فهما حاليًا هيقدموا الإيصالات دي و يطلبوا حقهم، الحاجة الوحيدة اللي ممكن توقفهم عن موقفهم دا هو إنك تتجوزي طارق، ساعتها هما ممكن كمان يدفعوله فلوس، ها قولتي إيه؟”
رفعت رأسها تنظر له بأعين مغرورقة بالدموع، فوجدته يقول بثقة:
“وافقي علشان خاطر أبوكِ، مهما كان عمل إيه برضه أنتِ قلبك أبيض مش هتقبلي إنه يتسجن علشان وصولات زي دي !!”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“طب وأنا إيه يضمنلي إن هو ميحصلوش حاجة ؟ وأضمن منين إن طارق دا ميكونش شبهكم هنا”
رد عليها مُعقبًا بتهكم:
“لأ متخافيش طارق متربي مش زيي”
إبتسمت هي بسخرية ثم قالت بطريقة لازعة:
“كويس إنك عارف إنك مش متربي، من ساعة ما شوفتك وأنتَ عمال تتكلم و تحرك فـ كل اللي حواليك ومش عامل حساب لحد”
أيد هو حديثها وهو يقول ببسمة مستفزة:
“بصراحة أنا بحب كدا، أنتِ بنفسك هتيجي تشكريني بعد كدا، أنا بساعدك تنقذي أبوكي، اللي إتسبب في مشاكل و أذية ناس بِـهروبه، دا غير إن هما كانوا فاكرينك ميتة يعني دي تهمة جديدة ممكن يستغلوها ضده”
نفخت وجنتيها بضيق ثم أومأت له وهي تقول وكأنها جسد فقط بلا روح:
“يعني هيبقى أكتر من اللي حصلي؟ أمي طلعت عايشة وياريتها عايشة عادي لأ دي ست ظالمة، وأبويا بيكدب عليا و هربان بيا منها، و أنا الله أعلم مصيري بعد كدا، أنا كل حاجة في حياتي باظت، أنا عايشة متكسرة ١٠٠ حتة، وهسيبها تيجي زي ما تيجي”
تبدلت نظرته إلى الحزن لأجلها ثم قال بعدما زفر بقوة:
“ربنا هيعوضك عن كل دا، المهم فيه حاجة تانية طالما أنتِ وافقتي كدا”
نظرت له بحذرٍ و أعين تدل على القلق مما هو قادم ، فوجدته يقول:
“بما إنك معندكيش مكان غير بيتك مع حسان، و بما إنك مش هتقعدي مع مشيرة في نفس الشقة، فأنتِ هتقعدي مع جوزك في بيته”
نظرت له بأعين على وسعيها وهي تقول بإنفعال:
“أنتَ بتقول إيه؟ كدا كتير بقى”
حرك رأسه نفيًا بهدوء ثم أضاف قائلًا:
“لأ مش كتير، أنتِ عاوزة تسيبي جوزك و تروحي فين إن شاء الله؟ هو دا شرع ربنا اللي أنتِ درساه؟”
نفخت وجنتيها بضيق ثم سألته بضجرٍ من طريقته:
“أنا عاوزة أفهم أنت بتجوزنا ليه؟ إيه الإستفادة؟”
نظر لها بتمعن ثم أضاف بهدوء:
“علشان عمو حسان ميتسجنش، الوصولات دي بمليون جنيه، أبوكي معاه مليون جنيه؟ و بعدين ظهوركم دلوقتي هيخرب الدنيا، و بصراحة كدا أنا مش بحب الصداع”
في خارج الغرفة كان «طارق» يجول ذهابًا و إيابًا إثر القلق الذي يأكله و يفتك بأحشائه وفجأة وجدها تخرج من الغرفة وهي تنظر في أوجه الجميع، كانت نظراتهم متسائلة، فتنفست هي بعمقٍ ثم قالت:
“أنا موافقة، يلا نكتب الكتاب”
تنهد الجميع بأريحية، بينما «حسان» أخفض رأسه في خزيٌ، أما «وليد» فقال ببرود:
“يلا يا حمايا مد إيدك في إيد عمو حسان ، خلي الفرحة تدخل بيتنا”
نظر له الجميع بتعجب ، فإبتسم هو ثم قال:
“يلا يا جماعة، يلا يا طاروق وأنا و وئام هنشهد”
جلس الجميع و جلست «جميلة» بجانبه و بجانبها «فتيات العائلة» وقفن على مقربة منها، كان «حسان» ممسكًا بيد «محمد» و المأذون يقوم بعقد القران.
“بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير”
أنهي المأذون عقد القران بتلك الجملة، و كان المشهد غريبًا إلى حدٍ كبير، فكانت الوجوه جميعها مستاءة من ذلك الوضع، خرج «أحمد» و المأذون معًا من البيت، أما «وليد» فوقف يقول بصوتٍ عالٍ حتى يصل إلى مسامع الجميع:
“ألف مبروك رجوعك لينا يا جميلة، ألف مبروك يا مرات أخويا”
نظرت له بضيق ولم تعقب، بينما «حسان» قال بضيق:
“يلا يا جميلة علشان نمشي”
نظر له الجميع بتعجب، فقال «طارق» منفعلًا:
“يلا فين يا عم حسان؟ هو أنتَ واخد على المشي وخلاص؟”
أضاف «وليد» يقول بخبثٍ:
“غالبًا عمو حسان فاهم غلط، نسي إنه بقى حماك خلاص، بس معلش هو معذور برضه، بس علشان إحنا بنفهم في الأصول هو هيقضي اليوم معانا و يطمن قلبه على بنته و يمشي علشان يشوف أشغاله”
تحدث «محمد» يقول بنبرةٍ حانقة:
“بنته مش مع حد غريب، بنته مع أهلها يعني مش محتاج يطمن، وكفاية أوي كل اللي حصل والحمد لله إن الأمور وصلت لكدا”
نظر «وليد» في ساعته وهو يقول:
“طب يلا ننزل نصلي العصر، علشان نشوف الدنيا بعد كدا.. عبلة خدي جميلة عندكم تريح شوية و خلي بالك فيه دوا بتاخده بعد الأكل”
نظرت له «عبلة» بإستفسار، فوجدته يومأ لها وكأنه يحثها على التحرك، فعلت هي مثلما أراد وأمسكتها من يدها، سارت معها هي كالجسد بلا روح دون أن تحرك ساكنًا في وجهها فكانت تعبيراتها جامدة، وقبل الخروج من الشقة نظرت لأبيها بإنكسار فبادلها هو نفس النظرة ففرت دموع كليهما على وجنتيه في تلك اللحظة، بعدها ركضت من أمامه حتى لا تضعف و ترتمي بين ذراعيه، و بعد خروجهن من الشقة و لِحاق «سلمى» و «خلود» بهن وقف «طه» يقول بضيف:
“ياريت حضرتك تتكرم وتقولنا كل حاجة، علشان نفهم بس إيه اللي حصل و اللي بيحصل”
نظر هو لـ «وليد» ثم أعاد النظر إليهم وهو يقول بإنكسار و نبرةٍ مهتزة:
“حاضر…حاضر يا طه هحكيلك”
___________
في شقة «ميمي» تجهز الشباب جميعهم بعدما أتى «أنور» الحلاق لهم وقام بضبط هيئتهم هم الأربعة، بعدها شرعوا جميعًا في إرتداء الثياب الخاصة بالفرح، وأول من أنتهى من إرتداء حِلته كان «ياسين» الذي إرتدى حِلة من اللون الأسود وأسفل منها قميص بنفس اللون فكانت وسامته تلك المرة غير متواضعة مع ملامحه الهادئة و بسمته العذبة التي تزين محياه، بعدها تبعه «ياسر» بعدما إرتدى حِلته السوداء وأسفلها قميص باللون الأبيض و رابطة عنق صغيرة (ببيونة) من نفس اللون الاسود، وقف «ياسين» يهندم ملابس صديقه وهو يقول بمرحٍ:
“أيوا يا ياسور، مين قدك يا عم، فرحان يا ياسر؟”
كان يتحدث وهو يُعدل من وضعية رابطة عنق صديقه، فقال «ياسر» بنبرةٍ متأثرة:
“فرحان بس؟ أنا حاسس أني طاير في السما، كل حاجة في حياتي مفرحاني يا ياسين، وجودك معايا، ووجود عامر و خالد، النهاردة بتجوز إيمان حب عمري، ومعايا ميمي و أخواتي و أمي، تفتكر هبقى مش فرحان؟”
نظر له «ياسين» بعمقٍ وهو يمعن النظر في وجهه، بعدها تنهد بعمقٍ ثم قال:
“لأ فرحان، بس فرحتك ناقصة ودا باين في عينك ، وجوده ملوش لازمة يا ياسر، أنتَ وصلت لكل حاجة من غيره، دا مكانش أب، دا واحد جاحد”
نظر له «ياسر» مندهشًا من قدرته على قراءة أفكاره فوجده يقول بمزاح:
“متبصليش كدا بقى، عينك فضحاك، بس والله أخويا راجل وأجمد عريس عيونه زرقا وشعره دهبي”
ضحك «ياسر» ثم احتضنه وهو يقول بحب ونبرة مبتهجة:
“ربنا يباركلي فيك يا قلب أخوك، أنتَ ضهري يا ياسين”
أتى «عامر» ثم صفعه على رقبته من الخلف وهو يقول:
“هو بس اللي ضهرك؟ تمام يبقى نكسره يا دكتور”
إبتعد كلاهما عن الأخر و هما يضحكان عليه، فنظر لهما هو بضيق ثم قال:
“بتحضنوا بعض من غيري؟ يومكم مش فايت، هو ياسر بس اللي عريس؟ مانا كمان عريس”
ضحك «ياسين» ثم وضع ذراعه على كتف «عامر» وهو يقول:
“لأ إزاي وأنتَ كمان أحلى عريس، بس أنتو كدا متأكدين إنكم مش جرسونات في القاعة؟”
نظر كلاهما للأخر، فكانت حلتيهما متطابقة في خامة (القطيفة) و اللون الأسود حتى لون القميص، ضحك «ياسين» عليهما ثم قال:
“حصل خير بتحصل في كل الأفراح، كدا كدا الجواكت هتتقلع”
قبل أن يرد عليه أيًا منهما وصلهم صوت «خالد» يقول بإنفعالٍ من الداخل:
“يابني إلبس بقى، بتلبس إزاي أنتَ؟”
ركضوا جميعًا وجدوه يحاول تعديل ثياب صغيره،ضحكوا عليه، بينما «ياسين» إقترب منه يقول متعجبًا:
“بتعمل إيه يا خالد؟ هو أنتَ كدا بتلبسه؟”
رد عليه «خالد» بضيق:
“ياعم أنا عمري ما لبسته أصلًا غير الجزمة، وقولت لريهام مش هعرف أتعامل، قالتلي لبسه سهل، بقالي ساعة بلبسه البنطلون”
إقترب منه الجميع فتحدث «عامر» بهدوء:
“سيبهولنا إحنا نلبسه، وروح أنتَ كمل لبسك إحنا لبسنا وأنتَ لسه”
أومأ لهم «خالد» ثم أكمل إرتداء حِلته الرمادية والتي زادته وسامة فوق وسامته في حين أن الشباب أكملوا للصغير ملابسه وكانت حِلة من اللون الرمادي تتشابه مع حِلة أبيه، بعد الإنتهاء أمسكه «عامر» بين ذراعيه وهو يقول بمرحٍ:
“حبيب عمو بقى عريس زي القمر، عقبال ما أحضر فرحك يا يونس”
وقف «خالد» بجانبهم وهو يقول بسخرية:
“أنا هجوزه في إعدادي، مش هستنى لما يكمل العشرينات حتى، اللي زي يونس إبني دا لما يكبر هيطلع عين أمي”
سأله «ياسر» مُتعجبًا:
“الواد كله سنتين، عملك إيه يا ظالم؟”
رد عليه «خالد» بحنقٍ:
“الواد دماغه ناشفة يا عم ياسر، دا بيغير مني في البيت، مش عاوزني معاهم”
ضحكوا عليه فأضاف هو:
“والله بيغير مني، عاوزني أنزل و اسيبه مع أمه، لو دخلت أوضتهم بيطردني بالأدب منها”
تدخل «ياسين» يقول بهدوء:
“على فكرة أنا كنت زيه كدا وأنا صغير، كنت بغير على أمي علشان كنت لوحدي، أنتَ بقى صاحبه وخليك معاه علطول”
أومأ له «خالد» وهو يقول بضيق:
“ماشي أنا معاك، يا عم دا مش طايقني دا لحد دلوقتي مقالش يا بابا !!”
_”با..با”
خرجت متقطعة من الصغير وهو يضحك، ضحكوا هما عليه بينما «خالد» إتسعت مقلتيه بذهول وهو يقول:
“دا غير إنه أكتر واحد في الدنيا بيحرجني”
“بابا”
خرجت مرةً أخرى من الصغير وهو في حضن «عامر» فزادت ضحكاتهم جميعًا، أخذه «خالد» وهو يقول ساخرًا:
“تعال يا خويا، جاي دلوقتي وتقول بابا، ماشي يا يونس صبرك عليا”
أخرج «عامر» هاتفه وهو يقول بمرحٍ:
“طب يلا نعمل تيك توك قبل ما ننزل”
رد عليه «ياسين» بضجرٍ:
“تيك توك إيه يا مهزق أنتَ؟ فيه عريس فاضي للهبل دا؟ أكبر بقى”
رد عليه «عامر» مُعقبًا بضيق:
“آه أنا فاضي، وهنعمل تيك توك، يا والله مش رايح القاعة”
تدخل «ياسر» يقول مُنفعلًا:
“يا بني بقى أرحمنا، عاوزين ننزل العربيات زمانها على وصول”
خرجت «ميمي» من الداخل وهي مستندة على عكازها، وقالت بتعجب:
“انتو واقفين كدا ليه؟ خلصوا بقى”
رد عليها «عامر» بضيق:
“مش عاوزين يعملوا معايا تيك توك يا ميمي، مش عاوزين يفرحوني في أخر يوم عزوبية”
ضحكت هي عليه وقبل أن ترد صدح صوت هاتف «عامر» برقم شقيقه، فأخرج الهاتف ورد عليه بضيق قائلًا:
“قبل اي حاجة اسمعني يا عمار، تروح القاعة وتقول للواد بتاع الدي جي يشغل كل الاغاني بتاعة غدر الصحاب و وقاحتهم وعن الصحاب الندلة، جو أعز
صحاب دا يتلغي أنا معنديش صحاب”
نظر له الثلاثة بإندهاش فوجدوه يضيف بنفس النبرة الحانقة:
“وتقوله كمان يحط ملاية في نص القاعة علشان نفصل الفرحين عن بعض، خليهم يشبعوا ببعض”
أغلق الهاتف مع شقيقه وهو ينظر لهم بضيق، فقالت «ميمي» بنبرةٍ ضاحكة:
“والله العظيم واد أهبل، اعملوا اللي هو عاوزه خلونا نخلص”
رد عليها «خالد» بإنفعال:
“نعمل إيه؟ إحنا مستحيل نعمل الهبل دا، قال تيك توك قال؟ مـسـتـحـيـل”
_”السود عيونه…”
قالها «عامر» وهو واقفًا بشموخ ممسكًا بالهاتف و بعدها أكمل الثلاثة بعدما وقفوا فجأةً من خلفه وهم يضيفون:
“يــا ولا”
فأكملوا الأغنية معًا، «عامر» يبدأ وهم يكملون من وراءه، تحت ضحكات «ميمي» الساخرة وهي تحمل الصغير بين ذراعيها ، أنهوا المقطع فوجدوه يقول مُترجيًا لهم:
“علشان خاطري واحد كمان.. علشان خاطري”
نطق «ياسر» بضجرٍ:
“يابني خلصنا بقى هنروح متأخر كدا”
أضاف «ياسين» بهدوء:
“خلاص بقى يا عامر، عاوزنا نقول للناس معلش يا جماعة جينا متأخر،أصل كنا بنعمل تيك توك؟”
ترجاه «عامر» بقوله:
“علشان خاطري يا ياسين، واحد كمان على أغنية أنا جاي أجامل اخويا و أقوله يا عريس..يا عريس”
كان يقولها «عامر» وهو يقوم بتلحين الكلمات ويراقص جزعه تزامنًا مع تفوهه بالكلمات، نظروا لبعضهم البعض فلم يجدوا سبيلًا للرفض أمام فرحة صديقهم، وقفوا خلف بعضهم البعض كان «ياسين» خلف «ياسر» و «خالد» خلف «عامر»، قام الاخير بتشغيل المقطع وضغط على زر التصوير، فبدأ المقطع بالكلمات الآتية:
“أنا أنا جاي أجامل أخويا وأقوله يا عريس…يا عريس”
كان «ياسر» و «عامر» يرقصا في المقدمة و «خالد» و «ياسين» في الخلف يشيرا عليهما ببهجة، أنهوا التصوير وإحتضنوا بعضهم البعض، نظرت «ميمي» لهم بفرحٍ وقبل أن تتحدث طُرق الباب بواسطة والدة «عامر» و معها البقية والدة خالد و والدة ياسر و معهن والدة ياسين، دخلن الشقة و هن يطلقن الزغاريد، سألهن «خالد» بهدوء:
“انتو بتعملوا إيه هنا؟ وإيه اللي معاكم دا؟”
ردت عليه والدته «عفاف»:
“هنلبس هنا وميمي كمان هتلبس معانا، ودا الأكل بتاع العرسان حد فيكم ياخده يوديه”
إقترب «عامر» من والدته وهو يقول بحماس:
“ماما عملتيلي المكرونة بالبشاميل ولا لأ؟”
ردت عليه «زُهرة» بضيق:
“يابني لم نفسك، أنتَ عريس مكرونة إيه دي اللي بتسأل عليها ليلة فرحك؟”
حرك كتفيه يقول ببساطة:
“وفيها إيه يعني؟ دي علشان تكون فتحة خير علينا”
إقتربت منه والدة «ياسر» وهي تقول:
“أنا بقى عملتلك الحمام وكمان زهرة عملتلكم رقاق”
صرخ هو مُهللًا:
“الله أكبر إيه الحلاوة دي، بحبكم “
فجأة إرتفع صوت السيارات أسفل البيت، فقال «خالد» بسرعة:
“دي عربيات الزفاف وصلت، يلا بقى علشان الصور، لسه هتتصوروا لوحدكم الأول”
إقربت «ميرفت» تقف أمام «ياسر» وهي تقول بدموع الفرح من أعينها الزرقاء التي تشبه أعين إبنها:
“ربنا يحميك يا حبيبي، طول عمرك راجل يا ياسر، ربنا يجبر بخاطرك ويسعدك أنتَ و إيمان يا رب”
إقترب منها «عامر» يقول بمزاح:
“لأ مش عاوزك تعيطي، أنتِ مراتي التالتة بعد ميمي، أخلص بس فرحي على سارة وأجي أشوف هتجوزك إمتى”
ردت عليه بسخرية:
“يا أخويا دا هو مستحملش وسابني وطفش”
راقص هو حاجبيه يقول مشاكسًا:
“هو غبي ملناش دعوة بيه، لكن أنا بقدر العيون الزرقا كويس”
أمسكه «ياسر» خلف رقبته وهو يقول بضيق:
“لم نفسك بقى، بتعاكس أمي قدامي، أحترمني شوية”
رد عليه «عامر» بحنقٍ:
“يا عم بقولك بحبها، وهتبقى مراتي التانية”
ردت عليه «سيدة» والدته بسخرية:
“طب اتجوز الأولى يا أهبل، جتك خيبة”
رد «ياسين» متدخلًا بسرعة:
“طب مفيش وقت يلا يا ياسر أنتَ و عامر انزلوا علشان تروحوا القاعة، وأنا هروح أحط الأكل في الشقق، خالد خليك معاهم هنا لحد ما الباقي يجهز”
أومأ له الجميع، ونزل الأربع شباب معًا وسط الزغاريد و المباركات من الجيران، وقف «عامر» أمام سيارته ثم قام بتشغيل الألعاب النارية التي تطلق أنوار مبهجة في السماء، بعدها أتى «عمار» ومعه أصدقائه وهم يركبون الدراجات الناريه، سألهم «ياسين» مستفسرًا:
“الموتوسيكلات دي ليه يا رجالة؟”
رد عليه «عمار» بفخرٍ:
“علشان الزفة يا ياسين، أومال عاوزهم يروحوا كدا سكيتي؟”
نظر له «ياسين» متعجبًا فوجده يقترب منه وهو يقول هامسًا:
“بقولك إيه هي جماعتك جاية الفرح؟”
قطب «ياسين» حاجبيه مندهشًا وهو يقول:
“آه أكيد جاية، أنتَ مالك بتسأل ليه؟”
إقترب منه أكثر يضيف هامسًا بهدوء:
“أختها جاية معاها؟”
أمسكه «ياسين» من تلابيبه وهو يقول بضيق:
“لم نفسك يا حيوان بدل ما ألمك، ملكش دعوة بيها خالص”
رد عليه بهدوء:
“والله بطمن بس، على العموم أنا هسكتلك بس علشان أكيد هحتاجك لما أروح أخطبها”
نظر له «ياسين» مندهشًا وهو يقول:
“يابني اتربى بقى، وبعدين أنتَ شوفتها مرة واحدة”
_”لأ دا أنا بايت في الإنستجرام بتاعها وبتاع عيلتها كلها”
خرجت تلك الجملة من «عمار» بسرعة كبيرة، مما جعل «ياسين» يمسكه من رقبته وهو يقول بنبرة حانقة:
“يا ليلة أهلك السودا، صبرك عليا عامر يتجوز و أفضالك، غور من وشي”
تحدث «خالد» يقول بهدوء للسائقين:
“يلا يا ريس اتحركوا على القاعة”
أومأ له كليهما بعدها ركبا السيارتين، أما «عامر» إحتضن أصدقائه ثم ركب سيارته، وفعل «ياسر» المثل ثم ركب سيارته هو الأخر، فجأة عند تحرك سيارة «عامر» خرج هو بجسده من سقفها وهو يراقص جزعه العلوي كما لو أنه طفلًا صغيرًا، ضحك عليه الشارع بأكمله أما «خالد» ضرب كفًا بالأخر وهو يقول متعجبًا:
“يا أهبل يا أبن الهُبل؟ الواد مخه لسع من قبل الفرح !!”
أتى «ياسين» يقف جواره وهو يقول مُتعجبًا:
“لأ دا مخه لاسع من يوم الولادة، أنا مرعوب والله يعملنا مصيبة في القاعة”
نظر له «خالد» بذعرٍ وهو يقول:
“نهاركم مش فايت، دا أنا دافع تأمين !! و رب الكعبة لو عملها لأخلي شهر العسل سواد على دماغه”
ضحك «ياسين» ثم وضع ذراعه على كتفه وهو يحاول كتم ضحكته ثم قال:
“خلاص ياض بقى، ربنا يفرحهم المهم محدش فيهم يكون زعلان”
ربت «خالد» على ظهره وهو يقول بِـحبٍ:
“اليوم دا بس يعدي على خير، ويبقى فاضل أنتَ علشان قلبي يطمن”
رد عليه «ياسين» بحماس:
“هانت خلاص، ربنا يخليك ليا”
أومأ له «خالد» ثم قال:
“طب يلا خد الأكل وصله الشقق المفاتيح معاك أهيه، وتعال على هنا علشان نلحق نتحرك وراهم”
أومأ له «ياسين» ثم ركب سيارته، بينما «خالد» نظر في أثره بأعين دامعة وهو يقول:
“ربنا يفرح قلبك الطيب دا أنتَ كمان”
بعدها أخذ نفسًا عميقًا ثم قال مُتعجبًا:
“إيه دا ؟! أنا مشاعري بقت جياشة كدا ليه؟”
______________
في بيت آلـ «الرشيد» قص «حسان» على الجميع ما حدث، كان الجميع مذهولون مما وقع على مسامعهم، فهم لم يتوقعوا أن الأمور وصلت إلى ذلك السوء، أنهى هو حديثه ثم قال بنبرةٍ قوية منفعلة:
“ها يا ولاد فايز، لو حد منكم كان مكاني كان عمل إيه، ردوا عليا؟ واحد كرامته مجروحة زيي، أنا لو كنت فضلت هنا كنت موتها”
رد عليه «مرتضى» بضيق:
“وبرضه هروبك غلط يا حسان، تحرم أم من بنتها وتفهمها إنها ميتة، إحنا دوخنا على مكانك علشان نوصلك”
رد عليه «حسان» بضيق:
“أنا مكنتش قاصد أفهمكم إنها ماتت، أنتو على ما وصلتوا لعنواني في اسكندرية كانت هي شبه ميتة، أنا ساعتها طلعت من المستشفى علشان أجيب فلوس، كنت بايت هناك معاها، ولما رجعت الجيران قالولي إنهم افتكروها ماتت وإن هما قالولكم كدا، أنا مكانش قدامي غير أني أهرب على الصعيد علشان ابدأ من جديد، بنتي كانت بتروح مني وحياتي متدمرة،ساعتها كنت هرجع لمشيرة علشان تطمن على بنتها بس خوفت من اللي حصل “
رد عليه «محمد» بضيق:
“أنتَ غلطان وهي غلطانة، بس الغلط الأساسي على مجدي و مديحة ربنا ياخدهم وعلى فاطمة”
رد عليه «حسان» بضيق:
“ربنا خَدهم فعلًا، البيت بتاعهم ولع بيهم هما الاتنين وأمهم معاهم”
رد عليه «طه» بحزن:
“لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”
سأله «محمود» بنبرة مهتزة:
“طب وأنتَ عرفت منين؟”
رد عليه «حسان» بهدوء:
“لما رجعت القاهرة هنا من قبل ظهور وليد و طارق، روحت علشان ازورهم وقولت أفهم الدنيا وصلت لفين، جارتهم قالتلي إن البيت بتاعهم ولع من أربع سنين وماتوا هما وأمهم”
مال «وليد» على أذن «طارق» وهو يقول:
“أنا دلوقتي عرفت ليه جوازة عمتك مكملتش”
نظر له «طارق» مستفسرًا بهدوء، فوجده يومأ وهو يقول:
“تخيل كدا لو السلالة دي تكاثرت، كان زماننا ماشيين نتكعبل في عقارب صغيرة”
نظر «طارق» أمامه بضيق ولم يُعقب فقال «وليد» هامسًا:
“إفرد وشك يا طارق، أنتَ عريس الليلة دي”
إبتسم «طارق» بسخرية ثم قال بنبرةٍ متهكمة:
“آه صح، قال عريس قال، اسكت يا وليد بالله عليك”
تحدث «وليد» يقول بنبرةٍ عالية:
“طب أنا هطلع أغير هدومي علشان ورايا مشوار مهم، وأنتَ يا طارق اطلع اطمن على مراتك”
نظر له «طارق» بضيق، فوجد «محمد» يضيف قائلًا:
“اطلع اطمن على مراتك يا طارق، مراتك زمانها تعبانة من اللي حصل، يلا يا بني”
زفر «طارق» بضيق ثم وقف متأهبًا وهو يقول:
“حاضر، هطلع أطمن عليها”
في شقة «محمد» كانت «جميلة» جالسة في غرفة «عبلة» وهي واجمة الوجه، تشعر بالضيق من كل ما حولها، كانت الفتيات تنظر لها بتعجب، وأول من تحدثت كانت «خلود» حينما قالت بضيق زائف:
“بقولك إيه يا ست الصامتة أنا خلقي ضيق، اتكلمي معانا، دا مش شكل عروسة دا”
نظرت لها «جميلة» بحزن ولم تعقب على ما تفوهت به، فقالت «سلمى» بمرحٍ:
“البت دي بتفكرني بخديجة قبل ما تتجوز ياسين، كانت عاملة زيها كدا علطول”
تدخلت «عبلة» تقول بهدوء و ببسمةٍ مرسومة على وجهها:
“بصي أنا عبلة أخت طارق جوزك، ودي سلمى أختي ودي خلود بنت عم طه وأخت خديجة وأحمد أخوكي في الرضاعة”
نظرت لها «جميلة» بأعين خاوية ثم قالت بنبرةٍ خالية من المشاعر:
“أهلًا و سهلًا اتشرفت بمعرفتكم”
رفعت «خلود» حاجبيها ثم قالت بخبثٍ:
“على فكرة بقى أنا ضرتك هنا، أنتِ اتجوزتي طارق زينة شباب العيلة، يعني أنا وأنتِ كدا مش نافعين مع بعض، فوقي كدا بدل ما أخده منك وأنا بصراحة سوسة وأعملها”
لم تستطع «جميلة» التحكم في بسمتها من الظهور، فإبتسمت رويدًا رويدًا وهي تحرك رأسها بيأس، فقالت «خلود» بنبرةٍ مبتهجة:
“الله دي ضحكت أهيه، اومال قفلاها في وشنا ليه بس يا ستي”
اخذت «جميلة» نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء:
“على فكرة أنا بحب الهزار و الضحك أوي بس أنا تعبانة شوية”
سألتها «عبلة» بقلقٍ واضح:
“مالك طيب، وليد قال إن فيه علاج بتاخديه، أجبهولك ؟!”
حركت رأسها نفيًا في هدوء وهي تقول:
“لأ شكرًا، أنا مش تعبانة التعب دا، أنا تعبانة تعب من نوع تاني”
دخلت «سهير» تحمل الطعام والعصير في يدها وهي تقول بمرحٍ:
“الأكل الحلو علشان مرات أبني، الغالية اللي البيت نور بوجودها”
نظرت لها «خلود» بضيق زائف وهي تقول:
“يا سلام يا سهير؟ طب ما أنا و وليد بنيجي هنا مشوفناش منك عيش و ملح حتى ؟!”
نظرت لها «سهير» تقول بإشمئزاز:
“يلهوي بتفكريني ليه، ربنا ينجدني منكم، أنتِ و السوسة الكبير دا”
_”هو اللي بيقول الحق يبقى سوسة برضه يا حماتي؟”
خرجت تلك الجملة من «وليد» بثباتٍ وهو واقفًا على أعتاب الغرفة خلف «سهير» إلتفتت تنظر له بودٍ مصطنع وهي تقول:
“لأ يا جوز بنتي، دا يبقى سكر زيك كدا”
أومأ لها ثم قال:
“أيوا كدا شاطرة، مش هتبقي أنتِ و جوزك عليا”
نظرت له «عبلة» تتفحصه وهي تقول بشكٍ:
“الأستاذ لابس كدا ورايح فين؟”
نظر هو لنفسه ينظر لهيئته يتفحصها حيث كان يرتدي قميص من اللون الأبيض على بنطال من اللون الاسود و حذاء رياضي من نفس لون القميص مع ساعة كبيرة، رفع رأسه وهو يحرك كتفيه ببساطة ثم قال:
“دا العادي بتاعي يعني، ورايا مشوار مهم”
رفعت حاجبها تنظر له بضيق فوجدته يقول موجهًا حديثه لـ «جميلة»:
“عاملة إيه دلوقتي يا أنسة جميلة؟”
نظرت له بضيق ولم تعقب، بينما قال هو مُغيرًا مجرى الحديث:
“أنا هروح مشواري وأبقى أرجع تاني عن إذنكم”
خرج هو من الغرفة فإصطدم بـ «طارق» واقفًا في مقدمة الرواق المؤدي إلى الغرف فَـ ربت «وليد» على كتفه وهو يقول:
“فك وشك كدا علشان جميلة متحسش إنك مغصوب عليها، مش هفضل أصلح من كل ناحية أنا”
أتت «عبلة» من الخلف وهي تقول:
“مش عاوزة تاكل برضه، ادخل يا طارق أكلها”
رد عليها «طارق» بضيق و بنبرةٍ منفعلة:
“إزاي بس يا عبلة؟ جميلة لو بتكرهني قيراط، بعد النهاردة هتكرهني ٢٤ قيراط”
رد عليه «وليد» بثقة:
“غلطان، جميلة لو بتحبك قيراط، فإيدك تخليها تحبك ٢٤ قيراط، أنا عارف أنا بعمل إيه كويس يا طارق”
زفر «طارق» بضيق، فربتت «عبلة» على يده وهي تقول بهدوء:
“هي حاسة إنها لوحدها، ادخل وعرفها إنك معاها ومش هتسيبها”
نظر هو في وجهيهما، فوجد نظراتهما مشجعة له، أخذ نفسًا عميقًا ثم دخل لها، نظر «وليد» في أثره بهدوء ثم أخذ نفسًا عميقًا، كانت «عبلة» تنظر له بشكٍ، إلتقط هو نظرتها تلك، فرفع حاجبه يسألها بضيق زائف:
“نعم ؟! بتبصيلي ليه؟”
سألته بنبرةٍ مقررة لا تقبل النقاش:
“أنتَ رايح فين بالظبط؟ وقولي من غير كدب ؟!”
أخذ نفسًا عميقًا ثم قال ببساطة وكأنه يخبرها عن الوقت:
“رايح المعادي، هقابل هناك”
قطبت جبينها تسأله بتعجب:
“تقابل ؟! تقابل مين هناك؟”
رد عليها مُردفًا بثبات:
“هما اتنين بصراحة، مش واحدة”
ردت عليه بحنقٍ:
“كمان اتنين، الله أكبر يا أستاذ وليد؟ ومين بقى الاتنين دول؟”
زفر هو بقوة ثم قال بهدوء:
“هدير بنت عمك عاوزة تقابلني، والتانية نور فريد”
ردت عليه بإنفعالٍ واضح:
“إيــــه ؟! هدير و نور ليه إن شاء الله؟”
رد عليها هو بهدوء:
“هدير كلمتني وعاوزة تشوفني ضروري، و نور عاوزاني في شغل”
ردت عليه بحنقٍ:
“طب هدير ماشي، لكن نور دي عاوزة إيه؟ مش دي اللي كانت بتحبك وأنتَ في الجامعة؟ صح؟”
أومأ لها، فردت عليه بنبرةٍ شبه باكية:
“طب يا وليد اتفضل، بس يانا يا المشوار دا بقى؟”
رد عليها مُعقبًا بحنقٍ:
“أنتِ عارفة أني في كل مرة بختارك يا عبلة، بس مينفعش مشوار زي دا تقارني نفسك بيه، أنتِ أكبر من أي حاجة، وأنا لو واحد مش كويس مش هقولك على حاجة أصلًا”
ردت عليه بإنفعالٍ:
“ياريتك ما قولت يا وليد، دلوقتي النار بتاكل فيا”
إبتسم هو لها بحبٍ ثم قال:
“طب علشان كلامك الحلو دا يا عبلة، ألبسي و تعالي معايا”
سألته هي بحماسٍ:
“بجد يا وليد؟ قول والله”
ضحك هو على رد فعلها ثم قال:
“آه والله بجد، مفيش حاجة ولا حد يستاهل أزعلك علشانه، بس بسرعة علشان ألحق أشوف العقارب اللي مستنيني”
قبلته هي على وجنته بسرعة كبيرة ثم ركضت من أمامه، نظر هو في أثرها بحب ثم قال:
“صحيح أنيس الروح…دوا الجروح”
في داخل الغرفة الخاصة بـ «طارق» كان جالسًا بجانب والدته أمامها منتظرًا منها تبدأ في تناول الطعام، لكنها لم تفعل، بل كانت تفرك كفيها معًا بخوفٍ، زفر هو بضيق ثم قال بنبرةٍ هادئة إلى حدٍ ما:
“ياريت تاكلي علشان الدوا بتاعك، متنسيش إنك وقعتي من طولك قبل كدا”
رفعت رأسها تنظر له بضيق ولم تعقب، فبادلها هو نفس النظرة، رآت والدته نظراتهما لبعضهما البعض فدخلت تضيف بهدوء:
“طب أأكلك أنا طيب؟ أنتِ زي بناتي”
حركت رأسها نفيًا بهدوء وهي تقول:
“شكرًا لحضرتك، بس أنا مش قادرة والله، مليش نفس”
قام «طارق» يجلس بجانبها ثم أمسك الملعقة وقام بملئها بالطعام ثم مد يده لها وهو يقول بحب:
“طب مش عاوزة تاكلي من إيدها هي، كلي من إيدي أنا”
نظرت له و ليده الممدود بالطعام، فقالت «خلود» بخبثٍ:
“يا بختك يا جميلة، زينة شباب العيلة الكاريزما بيأكلك بنفسه، يارتني كنت أنا”
ضحك الجميع على حديثها بينما قال هو مبتسمًا بهدوء:
“طب هتاكلي ولا أأكل خلود؟ خلي بالك خلود دي محدش بيقف قصادها هنا”
أومأت له ثم أخذت الطعام من يده، تنهد هو بأريحية في حين أشارت «سهير» للفتاتين باللحاق بها إلى الخارج، خرجت هي و هن خلفها، نظرت «جميلة» في أثرهن و بعد خروجهن قالت له بهدوء:
“شكرًا يا أستاذ طارق، هما خلاص خرجوا، ملوش لزوم تتعب نفسك”
رفع هو حاجبه ينظر لها مُتعجبًا فوجدها تضيف بخوفٍ:
“لو سمحت أنا مش عاوزاك تبصلي كدا علشان أنا خايفة”
سألها هو مندهشًا:
“خايفة ؟! خايفة مني أنا يا جميلة”
بكت وهي تجيبه بنبرةٍ موجوعة:
“أيوا خايفة منك، وخايفة من نفسي و خايفة من أهلي، أنا واحدة عاملة زي لوح إزاز مكسور، أنا وافقت على الجواز دا علشان أحل مشكلة، غير كدا تنساني زي ما أنا نسيتك”
نظر لها متفاجئًا من حديثها فوجدها تستطرد حديثها قائلة بإنفال و بنبرةٍ شبه باكية:
“أنساني بقولك و هما كمان ينسوني، ويارب أنا كمان أنسى نفسي، أنا بكرهكم..ســامـع..بــكـرهكـم”
____________
في القاعة وصل «عامر» و «ياسر» معًا إلى القاعة و معهما الشباب أصدقاء «عمار» بالدراجات النارية، دخلا سويًا إلى الحديقة المخصصة لإلتقاط الصور الخاصة بالعرس في القاعة، وقفا معًا و كلًا منهما معه مصور خاص له، أنتهيا من الصور الفوتوغرافيه ورحل المصور وهو يقول لهما:
“دلوقتي بقى المفروض العرايس تجهز علشان نصوركم سوا صور الفرح، هنظبط الدنيا لحد ما ينزلوا”
أومأ له كليهما، وبعد رحيل المصور،وقف «عامر» ينظر حوله يتفحص المكان و فجأة ابتهج وجهه بشدة فقال بحماسٍ:
“واد يا ياسر، تعالى معايا”
قال جملته ثم ركض من أمامه، أما «ياسر» فنظر في أثره بتعجبٍ ثم لحقه وهو لا يعلم أين سيذهب به «عامر».
في الغرفة المخصصة لتجميل السيدات في القاعة كانت الفتيات يضعن اللمسات الأخيرة لهيئتهن، بعد الإنتهاء خرجت الفتيات المتخصصة بالجميل، تحدثت «إيمان» تقول بسعادة بالغة:
“هموت وأشوف ياسوري عامل إزاي في البدلة”
ردت عليها «ريهام»:
“وأنا هموت وأشوف خالد و يونس وحشوني أوي”
ردت عليهن «خديجة» بحب:
“وأنا هموت وأشوف ياسين شكله عامل إزاي، مسمعتش صوته من إمبارح”
لم تشاركهن «سارة» بل كانت ملامحها حزينة تدل على الإنكسار، نظرن الفتيات لها فوجدوها شاردة بحزن، إقتربت منها «خديجة» تقول مستفسرة بتعجب:
“مالك يا سارة زعلانة ليه؟ حد جه جنبك؟”
نظرت لها «سارة» بحزن وهي تقول:
“صعبان عليا نفسي، كان نفسي بابا يسلمني لعامر، أو حتى عمي يكون معايا، بدل ما هو زعلان مننا علشان الورث، كان نفسي حد يسلمني لجوزي و يوصيه عليا، بس للأسف مفيش غير ماما وأختي وجوز أختي”
أحتضنتها «خديجة» ببكاء وهي تقول:
“متزعليش نفسك والله كل حاجة هتكون كويسة،و عامر طيب أوي مش محتاج وصية”
أومأت لها «سارة» ثم رفرفت بأهدابها حتى تتحكم في دموعها ثم قالت مغيرة لتلك الأحداث:
“خلاص بقى علشان مش عاوزة نكد، و الميكب هيبوظ”
أحتضنتها «خديجة» من جديد ثم نظرت بجانبها وجدت «إيمان» هي الأخرى،فسألتها «خديجة» بإندهاش:
“بتعيطي ليه يا إيمان أنتِ كمان، هو أنا جبتلكم عدوى نكد ولا إيه؟”
ردت عليها «إيمان» من بين شهقاتها:
“كان نفسي بابا يكون معايا و مع خالد، خالد تعب أوي علشاني وبقى أبويا…بس برضه كان نفسي بابا يكون معايا”
قامت «ريهام» تحتضنها بهدوء وهي تقول بنبرةٍ شبه باكية:
“متزعليش يا إيمان و بعدين خالد معاكِ و مش هيسيبك”
ردت عليها «سارة» بأسى:
“إحمدي ربنا يا سارة إنك معاكِ خالد، غيرك لوحدها و شكلها زفت قصاد الناس”
في تلك اللحظة طرق الباب الخاص بغرفتهن توجهت «ريهام» نحوه تفتحه فتفاجأت حينما رآته يقف أمامها بهدوء وهو يقول:
“مساء الخير، عرايسي الحلوين فين؟”
نظرت كلتاهما للأخرى بإندهاش فلم يأت في مخيلة أيًا منهن أن يقف هو أمامهن.
__________
في الأسفل وصل «خالد» و «ياسين» داخل القاعة و هما يتمما على التفاصيل، أتى لهما المصور وهو يقول:
“يا فندم إحنا محتاجين العرسان علشان صور الفرح، كدا هنتأخر”
ادخل «خالد» عائلتهم ثم أجلسهم في الأماكن الخاصة بهم ومعهم «فهمي» بعدها إقترب من المصور وهو يقول:
“طب ما هما برة هما فين يعني؟”
رد عليه «المصور» بضيق:
“دورت عليهم مش موجودين والمفروض العرايس نازلة علشان الصور”
رد عليه «ياسين» بهدوء:
“طب إحنا هنطلع نشوفهم ونرجع لحضرتك، متقلقش”
تركهما المصور وخرج من القاعة بينما «خالد» سأل «ياسين» بقلقٍ واضح:
“العيال راحو فين يا ياسين؟”
رد عليه «ياسين» بنفس القلق:
“و رب الكعبة ما أعرف، ما أنا معاك أهو، متقلقش أنتَ بس”
رد عليه «خالد» مستفسرًا بقلقٍ:
“العيال هروبوا يا ياسين؟ هيفضحونا قدام الناس؟”
إتسعت مقلتيه بقوة فقال بنبرةٍ متوترة:
“إهدا بس هتلاقيهم في الحمام ولا في أي مكان، ولا عامر بياكل حتى”
أتى في تلك اللحظة أحد العمال في القاعة وهو يقول بطريقة مهذبة:
“يا فندم فيه مشكلة برة بسبب العرسان، ياريت حضراتكم تفضلوا معايا علشان نحلها”
نظر كليهما للأخر بقلقٍ واضح اتخذ مكانته في وجهيهما.
عند «عامر» و «ياسر» كانا كلاهما جالسًا على لعبة تشبه الميزان فكان كلًا منهما جالسًا بجانب وكلما ارتفع واحدًا منهما، انخفض الأخر، كانت ضحكاتهما مرتفعة بشدة و بجانبهما طفلين صغيرين ينظرا لهما بضيق و شررٍ يتطاير من عينيهما، تحدث «عامر» يقول بنبرةٍ متهكمة حتى يثير حنقهما:
“يلا يا ياسر دوس جامد علشان اترفع لفوق أكتر”
ضحك «ياسر» ثم ضغط أكثر على اللعبة بكامل جسده، فإرتفع «عامر» وهو يضحك بسعادة تشبه سعادة الأطفال، ثم فعل هو المثل و ضغط على اللعبة، فإرتفع «ياسر» هو الآخر وضحكته مرتفعة بشدة، تحدث أحد الطفلين يقول بضيق:
“خلاص بقى يا عمو بقالكم كتير، عمو راح يجيب باباكم علشان تنزلوا من على اللعبة”
رد عليه «عامر» بطريقةٍ طفولية:
“أنا بابايا مجاش لسه وهو أبوه مسافر”
قال جملته ثم أخرج لسانه للأطفال، فتحدث «ياسر» يقول بقلق ولا زال كلاهما مستمرًا في تحريك اللعبة:
“بقولك إيه ياض، كفاية كدا البنات شكلهم نزلوا، خالد و ياسين زمانهم وصلوا”
رد عليه «عامر» بلامبالاة و بنبرةٍ مصطبغة بالمرح:
“كمل بس لعب دي لعبة حلو أوي ترد الروح”
_”للي خالقها، هترد الروح للي خالقها يا عــامـر الـكـلـب”
تفوه «خالد» بتلك الجملة بضيق شديد و بنبرةٍ منفعلة، جعلت كليهما أعينه تتسع بشدة من الخوف، في حين تحدث «ياسين» يقول بضيق:
“فيه يالا أنتَ وهو هو إحنا جايبين عيال اختنا نفسحهم؟ يلا يالا منك ليه ربنا يهدكم”
تحدث أحد الأطفال يقول بحزن:
“ياعمو بقالهم ساعة مش عاوزين ينزلوا من على اللعبة وقولنا لعمو يروح يقول لباباهم”
سأله «عامر» بضيق:
“ولا أنتَ إسمك إيه يا رخم أنت وهو”
رد عليه الأخر بضجرٍ:
“أنا مالك و هو مازن”
رد عليهما «عامر» بسخرية:
“فوق ياض أنتَ وهو أنتو آخركم محلات شاورما، أنا لو جبتلكم أبو حيدر مش هسمع صوت حد فيكم”
حاول «ياسين» كتم ضحكته لكنه فشل و «ياسر» أيضًا الذي أوشك على السقوط من أعلى اللعبة، مما جعل «خالد» يخرج حزام بنطاله وهو يقول بهدوء مخيف:
“وليه تجيب أبو حيدر و تتعب نفسك، أنا هوديك بس أبو زعبل يا إبن****”
ركض «عامر» من على اللعبة فجأةً مما إدى إلى سقوط «ياسر» من أعلى اللعبة، ذهب «ياسين» إليه يوقفه، فوقف «ياسر» متألمًا لكنه حينما رآى نظرة «خالد» وهو يلف الحزام على كفه قال بصوتٍ مهزوز:
“سامحني يا ياسين، سامحني يا صاحبي”
لم يفهم «ياسين» مقصده، حتى دفعه «ياسر» ثم لحق «عامر» راكضًا هو الآخر، أمسك «خالد» صديقه قبل سقوطه أرضًا وهو يقول متوعدًا لهما:
“ماشي… ماشي هاتوا أخركم، ورب الكعبة لأربيكم”
___________
في غرفة الفتيات دخل «رياض» يقول بمرحٍ:
“عرايسي الحلوين فين علشان أسلمهم لعرسانهم”
نظرت له الفتيات بتعجب، فأضاف هو بحب:
“يلا علشان منتأخرش عليهم”
قال جملته ثم وقف مقابلًا لـ «سارة» وهو يقول بحب:
“يلا علشان أسلمك للخرابة اللي أسمه عامر، سامحيني يا بنتي على الرمية دي”
لم تتمالك نفسها من البكاء عند نعته لها بإبنته فإنفجرت في البكاء متأثرةً من الموقف، فمد هو أنامله يكفكف دموعها وهو يقول بحبٍ:
“فيه عروسة زي القمر كدا تعيط يوم فرحها؟ عاوزة عامر يجري ورايا؟”
حركت رأسها نفيًا وهي تبتسم له، فإقترب هو منها يقبل رأسها وهو يقول:
“ربنا يسعدك و يفرح قلبك يا بنتي يا رب”
أومأت له هي بهدوء ثم قالت من بين دموعها:
“ويخليك ليا يا بابا”
ربت هو على رأسها ثم وقف مقابلًا لـ «إيمان» وهو يقول بحبٍ و مرحٍ:
“وأنتِ بتعيطي ليه أنتِ كمان؟ يلا علشان أوصيكِ على ياسر، أصل بصراحة الواد غلبان
قصادك”
إبتسمت هي من بين دموعها فوجدته يمسح دموعها وهو يقول بهدوء:
“مش عاوزكم تعيطوا بقى أنا معاكم أهو، و على الله كلب منهم يزعل واحدة فيكم هموته”
تدخلت «ريهام» تقول بمزاح:
“وصي عليا خالد أنا كمان علشان خاطري”
إلتفت ينظر لها وهو يقول مشاكسًا:
“لأ، أنتِ خلاص راحت عليكِ يا أم يونس”
نظرت له بضيق مصطنع وهي تقول:
“كدا يا عمو رياض ماشي !!”
نظر لها بضيق زائف وهو يقول:
“علشان خاطر عمو رياض دي بقى هخليه يتجوز عليكِ يا ريهام”
ضحكت الفتيات عليه عدا «خديجة» التي كانت مخفضة رأسها للأسفل لم تقوى على النظر له بعدما علم بمرضها النفسي، نظر هو لها بحزن وهو يقول بهدوء:
“وأنتِ يا خديجة مش عاوزاني أوصي ياسين عليكِ؟”
رفعت رأسها تنظر له بتوتر وهي تقول:
“شكرًا…شكرًا يا عـ..”
قبل أن تكمل جملتها وجدته يقول منفعلًا بنبرةٍ زائفة:
“ها كملي و قولي عمو أنتِ كمان علشان أخليه يتجوز عليكِ مع خالد”
إبتسمت هي بهدوء فوجدته يبادلها نفس البسمة الهادئة، بعدها وقف هو يهندم حِلته وهو يقول:
“يلا علشان أسلمكم لجوز الخيل اللي تحت”
أومأت له كلتاهما ثم تمسكت بذراع من ذراعيه، خرج هو بهن من الغرفة و «ريهام» و «خديجة» خلفه، نزل هو درجات السلم الرخامي، وهو ينظر لهن بحب و فخرٍ، في نهاية تلك الدرجات كان «عامر» واقفًا و بجانبه «ياسر»، ابتهج وجهيهما حينما لمحا «رياض» ينزل الدرجات بالفتاتين، كان «ياسين» و «خالد» خلفهما ينظرا لبعضهما البعض بتأثرٍ، قام «رياض» بتسلم «سارة» لـ «عامر» وهو يقول بحكمة أنهاها بالمزاح:
“أسمع بقى يا بني، دي بنتي و نور عيني هتزعلهالي هزعلك دي لسه رافضة سفير إمبارح”
رد عليه «عامر» بسخرية:
“أنتَ هتفتي يا رياض؟ أنتَ لسه شايفها إمبارح”
ضحك الجميع عليهما ، فأضاف «رياض» بضيق زائف:
“يا أخي سيبني أعيش الدور، المهم خليها في عينك يا عامر، و أفتكر إن هي دي اللي هتدخلك الجنة، وافتكر كمان دي وصية الرسول صل الله عليه وسلم، يعني تعاملها بما يرضي الله”
إقترب «عامر» منها يطبع قبلة هادئة على قمة رأسها وهو يقول بنبرة حنونة:
“سارة هي بيتي يا رياض، يعلم ربنا إن قلبي كله ليها هي، هي الأولى و الأخيرة في عيني، ربنا يقدرني وأكون ليها زوج و أب و أخ و صاحب، أنا مش عاوز بس غير وجودها في حياتي علطول”
كان يتحدث وهو ينظر في عينيها، فربت «رياض» على ظهره وهو يقول بفخرٍ:
“هو دا إبني حبيبي، يلا خد عروستك علشان تتصوروا”
أومأ له «عامر» ثم مد لها ذراعه حتى تتمسك به، فنظرت هي بتأثر لـ «رياض» وهي تقول:
“شكرًا لِك علشان محرمتنيش من اللحظة دي، شكرًا علشان خلتني أرفع راسي قدامه”
نظر هو لها بحبٍ وهو يقول:
“مفيش بنت بتشكر أبوها يا سارة، و أنتِ بنتي، و عامر أبني، ربنا يكمل فرحتكم على خير”
أومأت له بحب، فقال «عامر» بمرحٍ:
“يلا يا ستي لسه ورانا ليلة كبيرة”
تمسكت هي بذراع «عامر» ثم إبتعدت عن الدرج معه حتى يلتقطا الصور الخاصة بهما، أشرأب «رياض» برأسه وهو يقول لـ «خالد»:
“تعالى سلم أختك لجوزها يا خالد يلا”
إقترب منه «خالد» يقول بهدوء:
“لو أنا أخوها، أنتَ أبونا يا رياض، سلمهاله أنتَ يا كبيرنا”
نظر له «رياض» بفخرٍ ثم أومأ له، بعدها إلتفت ينظر لـ «ياسر» وهو يقول:
“شوف بقى يا دكتور، دي بنتي و نور عيني حافظ عليها، مش علشان دكتور تتعبها في حياتها، خليك فاكر إن دي السبب في دخولك الجنة، دي نص دينك، و دي اللي الرسول صل الله عليه وسلم وصاك عليها، يعني عاملها بما يرضي الله و رسوله، وبعدين دي رافضة طيار إمبارح”
رد عليه «ياسر» بسخرية:
“أنتَ بتوزع عرسان بمزاجك يا رياض؟ وبعدين لو فيه عريس اتقدم لها امبارح أنا كدا أموتها”
إتسعت مقلتيها وهي تقول بحنقٍ:
“نـــعـم ؟! تموت مين يا دكتور، شكلك ناويها الليلة دي”
ضحك الجميع عليها، فأضاف هو بحبٍ:
“تفتكري أنا ممكن أفكر حتى ازعلك؟ أنتِ نصي التاني اللي من غيره النص الأولاني يضيع، إيمان أنتِ مش بس مراتي، لأ أنتِ بنتي و صاحبتي وكل اللي ليا، لو في يوم زعلتك هبقى أكيد مزعل نفسي، علشان أنتِ عندي أهم مني أنا”
فرت دموعها رغمًا عنها ثم إرتمت بين ذراعيه فجأة وهي تقول ببكاء:
“وأنا بحبك أوي يا ياسوري، ربنا يقدرني و أسعدك يا رب”
ربت هو على ظهرها بحبٍ ثم قبل قمة رأسها وهو يقول:
“ربنا يقدرني و أكون زوج صالح لكِ يا إيمان، يا كل حاجة ليا”
تحدث «رياض» من خلفهما وهو يقول بمرحٍ:
“طب يلا علشان تتصوروا، يلا خلونا نبدأ ليلتنا”
أومأت له وهي تقول بنبرةٍ مهزوزة:
“شكرًا يا رياض، و على فكرة أنا بحبك أوي”
رد عليها «رياض» بغرورٍ مصطنع:
“كلهم بيحبوني، فين الإنجاز بقى”
ضحكت هي بخفة ثم لوحت له بكفها بعدما تمسكت بذراع زوجها، إقترب منه «خالد» يربت على ظهره بحبٍ وهو يقول:
“ربنا يبارك لينا في عمرك يا رياض، و تفضل علطول ضهر لينا”
إبتسم له «رياض» بحبٍ وهو يقول:
“ربنا يبارك فيكم و يبعد عنكم الشر، و يلا خد مراتك بقى وشوف إبنك اللي زمانه لم عليهم القاعة دا”
أومأ له «خالد» ثم أمسك كفها وهو يقول بحبٍ:
“ربنا يباركلي في وجودك معايا، و يقدرني و أفرحك علطول”
نظر لها «رياض» يقول بمرحٍ:
“شوفتي ؟! مش محتاج وصية، هو لوحده حافظ”
غمز له «خالد» وهو يقول:
“تربيتك يا رياض، يلا أسيبكم بقى علشان أشوف يونس”
تركهم بعدما أخذ زوجته حتى يدخل القاعة مرةً أُخرى، وقف «ياسين» ينظر لها بتمعن وهو بتفحصها كانت تبدو رقيقة إلى حدٍ كبير، حيث كانت ترتدي فستانًا من اللون البترولي، و حجاب من اللون البيج و حذاء من نفس درجة الحجاب، كانت رقيقة بجمالها المتواضع، لكنها كانت حزينة و هذا ما ظهر عليها من خلال تنكيسها لرأسها و إخفاضها لبصرها، نظر لهما «رياض» فكان «ياسين» واقفًا في نهاية الدرج وهي في منتصفه خلف «رياض» الذي تنهد بعمقٍ ثم إقترب منها وهو يقول بعتابٍ واضح:
“أنا زعلان من بنتي، ينفع كدا يعني؟”
رفعت رأسها تنظر له بتوتر ولا زالت نظرتها تحمل الخجل، فقال هو بهدوء:
“العيون دي مينفعش تبص في الأرض، العيون دي تترفع علشان تسعدنا بنظرتها، و أوعي تفتكري إن فيه حاجة ممكن تغير نظرتنا لكِ، أنتِ بنتي و حبيبتي من قبل ما تكوني مرات ياسين، يعني كلنا عيلتك، أوعي يا بنتي تنزلي عينك ولا توطي راسك في الأرض، ساعتها هحس إننا منستاهلش وجودك معانا”
بكت هي بقوة وهي تقول من بين شهقاتها:
“أنا والله مكانش قصدي أخبي عليكم ، و أسفة ليكم علشان الموقف الصعب دا، بس أنتو كتير عليا والله”
مد «رياض» أنامله يمسح دموعها وهو يقول:
“أنتِ اللي كتير على أي حد، حتى أبني نفسه يا خديجة، و بعدين أنتِ زي القمر كدا ليه؟ أنا كدا هحقد على أبني”
ضحكت هي بعد حديثه المرح ذلك فوجدته يربت على ذراعها وهو يقول بهدوء:
“ربنا يعوضك و يسعدك و يفرح قلبك أنتِ و الجحش دا”
صعد «ياسين» لهما تلك الدرجات الفاصلة بينهم وهو يقول بمرحٍ:
“طب حاسب علشان الجحش مراته وحشته و مشفهاش ولا سمع صوتها طول اليوم”
غمز له «رياض» وهو يقول بخبثٍ:
“أيوا يا عم الله يسهلك، هروح أنا بقى أشوف مراتي علشان وحشتني أوي”
قال جملته ثم تركهما بمفردهما، نظر لها «ياسين» متفحصًا وهو يقول:
“يعني كل الحلاوة دي و أنتِ بتخفي نفسك عني يا خديجة، وكمان مش بصالي؟”
رفعت أعينها تنظر له بحبٍ فوجدته يقول بهدوء و بنبرةٍ حنونة:
“قولتلك عيونك دي متنزلش الأرض طول ما أنا معاكِ، عيونك دي علشان أبص فيهم و أتوه أحلى توهة في حياتي يا خديجة، عيونك هما دنيتي الحلوة اللي من غيرها كل حاجة تبقى بايخة و ملهاش طعم”
تبدلت نظرتها خلال ثوانٍ من الخوف و التوتر إلى الحب فوجدته يضيف هامسًا بهدوء:
“وحشتيني و وحشتي قلبي يا خديجة، اليوم من غيرك بيمر بسنة و الحياة في بُعدك ما فيها هنا”
قبل أن تتحدث وجدته يضيف بنفس النبرة الهامسة المحبة التي تخرج منه حينما يُغازلها:
“أما عَن قَـلّبـي فَـهو يــسألـكِ كَـيْفَ حَـالِـك يَـا مَـن تُـلقُـي حُـروفْ أُسـمُكِ فـي قَـلـبـي السَـكيـنة، يَـا مَـن سَـلّـمتُ لَـها قَـلّبي فَـكانت لَـه خَـيْر اليَـدِ الأمْـينة؟”
نظرت له بأعين دامعة مصطبغة بنظرة إندهاش فوجدته يضيف هامسًا بمرحٍ كعادته:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
لم تجد تعبيرًا عن فرحتها أقوى من الإرتماء بين ذراعيه وهي تقول بحب:
ربت هو على ظهرها بحنان ثم شدد عناقه لها وهو يقول:
“قلبك دا حبيبي يا خديجة”
خرجت هي بعد ما يقرب الدقيقة من بين ذراعيه وهي تقول بهدوء:
“طب يلا علشان شكلنا بقى وحش كدا، الناس ممكن تشوفنا”
نظر هو خلفه فلم يجد أحد، لكنه نظر لها بحب وهو يقول:
“يلا عقبال ما أشوفك نزلالي من هنا بالفستان الأبيض”
إتسعت بسمتها ثم تمسكت بذراعه بحبٍ، ثم سارت بجانبه وهما يدلفا القاعة سويًا.
_____________
في بيت آلـ الرشيد، في غرفة «طارق» تحديدًا وقف ينظر لها بتمعن فوجدها تبكي بحرقة وهي تقول وكأنها سارت في عالم أخر ولكن نبرتها كانت موجوعة تمزق نياط قلبها و قلب من يسمعها:
“كل حاجة طلعت كدب، هو و هي، حتى أنا، طلعوا ناس وحشة أوي، ظلموا و أفتروا على غيرهم، كنت طول عمري بترحم عليها و أقول أكيد هشوفها في الجنة علشان هي طيبة و الطيبين بيكونوا هناك سوا، حتى دي طلعت كدب، حتى أنتَ ظلموك لما بعدوني عنك، وليد قالي إنك عيشت عمرك كله مستني رجوعي، حتى أنتَ ظلموك، بس للأسف رجعت ليك وأنا مهدودة و عيني مكسورة، أنساني يا طارق، وأعتبرني لسه مرجعتش، علشان أنا معنديش حاجة اديهالك، أنا كنت ناوية أسلم لـ شريك عمري قلبي، بس حتى دا هما كسروه لما بقيت بنت لـ أب و أم زي دول”
سألها هو بنبرةٍ موجوعة:
“عاوزاني أنساكِ بجد؟ أنساكِ بعد ما بقيتي قصاد عيني؟ أنساكِ بعد ما بقيتي مراتي و على أسمي؟ انساكِ بعد ما عيني ارتاحت بشوفتك؟ ردي عـــلـيــا !!”
اجفل جسدها بعد صرخته الأخيرة في وجهها مما جعله يفتح خزانته وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:
“طلعي نفسك من هنا ؟ طلعي نفسك من الصور و من اللعب بتاعتك اللي باخدها في حضني كل يوم، طلعي نفسك من قلبي و عقلي يا جميلة، طلعي نفسك من كل ذرة فيا، من يوم ما أتولدتي و أنتِ في إيدي و متربية على دراعي، من يوم ما عيني شافتك من ساعة ما اتولدتي و أنا حبيتك، كبرتي معايا، أول يوم حضانة كنت معاكِ و أول شنطة لكِ كانت مني، أول كراسة خلصتيها في الحضانة لسه عندي”
كان يتحدث بإنفعالٍ وهو يخرج الأشياء من الخزانة ويلقيها على الفراش أمامها بقوة، كانت تنظر له وهي تبكي بذهول، فوجدته يقف امامها مرةً أُخرى بنفس النبرة الموجوعة:
“لو يإيدي كنت ارتحت و نسيتك، بس أنا قلبي عجز في حبك يا جميلة، كل ستات الدنيا مفيش واحدة فيهم قدرت تتحكم في قلبي زيك حتى في بُعدك عني، لو عندك طريقة أرتاح بيها من حبك، ريحيني بيها يا جميلة”
كان يبكي هو بقوة وكأنه بذلك يخرج الألم الذي يخيم على صدره منذ سنوات فقدها، أما هي فمدت أناملها المرتعشة تمسح دموعه وهي تقول ببكاء:
“أنا أسفة والله أنا أسفة”
أخذها هو بين ذراعيه ثم شدد عناقه لها وهو يقول مترجيًا لها:
“أنا مش عاوز غيرك يا جميلة، علشان خاطري متمشيش تاني، أرحمي قلبي من وجعه”
زاد بكاءها أكثر وهي تشهق بقوة فوجدته يبتعد عنها نسبيًا ينظر لها متعجبًا، تمسكت هي به من جديد وهي تقول ببكاء يشبه بكاء الطفل حينما يترجى والدته:
“أنا خايفة منهم كلهم هنا، علشان خاطري متسبنيش مع حد فيهم لوحدي، مش عاوزة أكون معاهم، خليك أنتَ معايا”
نظر لها مندهشًا فوجدها تترجاه بقولها الموجوع الذي مزق نياط قلبه:
“خليك معايا علشان خاطري، أنا بكرههم و خايفة منهم”
إرتمى بها على الفراش وهي بين ذراعيه ثم ربت عليها وهو يقرأ لها آيات من القرآن الكريم، ظلت تشهق هي بقوة وهو يربت عليها حتى غطت في ثباتٍ عميق وهي غافية بين ذراعيه، أما هو فتنهد بعمقٍ، ثم شدد عناقه لها وكأنه يخشى فراقها من جديد.
في أحد الكافيهات الراقية في منطقة «المعاد» كان «وليد» جالسًا برفقة «عبلة» منتظرًا قدوم «نور»، نظرت «عبلة» حولها وهي تقول بضيق:
“الست نور هتتأخر يا وليد؟ ولا هي عرفت أني جيت قالت خلاص أخليها مرة تانية”
نظر هو في ساعة يده وهو يقول بلامبالاة:
“أنا اللي جبتك بدري علشان نقعد سوا و نشرب حاجة، اللي زي نور دي هتتأخر عِند فيا..الصنف دا أنا فاهمه كويس”
نظرت له هي بتعجب وهي قاطبة الجبين، و فجأة وجدته يبتسم بخبثٍ وهو يقول:
“قابل و قعد يا غالي”
نظرت أمامها فوجدت فتاة غاية في الجمال غير محجبة و شعرها باللون البني مسترسل خلف ظهرها حتى آخره، كانت ترتدي تيشرت أبيض نصف ذراع، و بنطال باللون الاسود الواسع، وقفت أمامهما وهي تقول بتكبرٍ:
“مساء الخير”
وقف «وليد» أمامها وهو يقول ببرود:
“مساء الخير يا نور، نورتي”
ضربته «عبلة» بقدمها في قدمه، لكنه لم يبالي و لم يتأثر بفعلتها الطفولية تلك، فأشار لها وهو يقول:
“اتفضلي أقعدي يا نور”
جلست هي مقابلةً له وهي تقول:
“أختك زي القمر يا وليد، مش شبهك خالص”
نظر هو في وجه «عبلة» ثم قال بحبٍ:
“لأ دي مش أختي، دي عبلة بنت عمي”
رفعت «عبلة» حاجبها بحنقٍ غير غافلة عن البسمة التي زينت ثغر «نور» وقبل أن تنطق وجدته يضيف قائلًا بهدوء:
“دي عبلة بنت عمي و حبيبتي و مراتي يا نور”
أرتخت قسمات وجه «عبلة» بينما «نور» شعرت بالضيق، فقال «وليد» بعدما حمحم بقوة:
“ها يا نور؟ أؤمري، طارق قالي إنك بقالك كتير بتحاولي توصلي ليا”
تصنعت هي الثبات وهي تقول بهدوء يعكس النيران التي تلتهمها:
“أنا فتحت مؤسسة جديدة للتنمية البشرية و الكورسات المحفزة للشباب، وعاوزاك تعملي دعاية و إعلان يا وليد”
إبتسم هو لها بثقة ثم قال ببرود:
“مفيش مشاكل يا نور، بس يا ترى بقى عندك علم الباكدچ على بعضه كام؟”
ردت عليه بغرورٍ:
“أنا معنديش مشاكل، الفلوس مش بتفرق معايا وأنتَ عارف كويس يا وليد”
نظرت لها «عبلة» بضيق من طريقتها المتعالية، بينما «وليد» أخذ نفسًا عميقًا ثم قال بثباتٍ يُحسد عليه:
“بقولك إيه يا نور، أنا السكة دي مش بحبها، من الأخر أنا بحب الدُغري، جو المحور دا بيخنقني”
نظرت له «عبلة» بإندهاش من طريقته، بينما «نور» نظرت له بضيق، فوجدته يضيف بخبثٍ:
“أنتِ يا نور جاية ليا مخصوص علشان تعرفيني إنك نجحتي و إن حياتك ماشية كويس أوي، بعد ما رفضت حبك في الجامعة، ساعتها أنا قولتلك إن قلبي مش ملكي، و ساعتها برضه أنتِ معرفتيش تمسكي عليا غلطة، علشان أنا موعدتكيش بحاجة، بس أنتِ غلطانة يا نور”
سألته هي بسخرية:
“إيه هي يا أستاذ وليد؟”
إبتسم لها بنفس السخرية وهو يقول:
“أكثر ما يحاول المرء إظهاره، هو عكس ما يخفيه بداخله، يعني أنتِ مش قادرة تتخطي رفضي لكِ يا نور، واسمحيلي أقولك إن مكانك دا مش هينجح، عارفة ليه؟ علشان صاحبته مش عارفة تتخطى قصة في حياتها، ربنا يعوض عليكِ يا نور ويكرمك بإبن الحلال اللي يقدرك”
وقفت هي بضيق بعدما إستمعت حديثه وقبل أن تلتفت حتى تغادر المكان وجدته يقول بنبرةٍ هادئة:
“هعزمك على فرحي قريب يا نور، المكان هينور بوجودك، بس مش أكتر من نور عبلة في حياتي، أصل دي اللي القلب شاور عليها”
نظرت هي في وجهيهما ثم قالت بتهكمٍ واضح:
“ألف مبروك مُقدمًا يا وليد، مبروك يا عروسة”
قالت جملتها ثم تركهما و فرت بعيدًا ، نظرت «عبلة» في أثرها بتعجب ثم قالت بحزن:
“هي إيه دي يا وليد؟ مين دي”
زفر هو بضيق ثم قال:
“دي واحدة من ضمن المرضى النفسيين اللي مرت على الواحد، واحدة ابوها رباها على إن كل حاجة تبقى ليها حتى لو إنسان، افتكرتني من ضمن الحاجات اللي هي عاوزاها، وساعتها أنا رفضتها و قولتلها إن قلبي بيحب و مش ملكي، من ساعتها فضلت تلف و تدور، بقت تتصور و تسافر و تبعتلي الصور على أساس إنها بالغلط، وفتحت المركز الخايب بتاعها دا، علشان تثبتلي إنها نجحت، بس هي افشل إنسان في الدنيا علشان الناجح مش محتاج يثبت حاجة لحد، وفي النهاية القلب مكتوب عليه حُبك أنتِ”
نظرت له بحب و فخر فوجدته يشير برأسه للأمام وهو يقول:
“أهيه المريضة رقم اتنين وصلت”
ضحكت هي و نظرت أمامها فوجدت «هدير» آتية عليهما بإنكسار واضح، جلست هي أمامهما و هي تقول:
“ازيكم، وحشتوني”
رد عليها «وليد» ببرود ساخرًا:
“الحمد لله، أحسن منك يا هدير”
أومأت له وهي تقول بنبرةٍ مهزوزة:
“دي حقيقة، أنتم فعلًا أحسن مني، أنا جاية بس علشان أعرفك يا وليد، إن أنا اللي قولت لعمتو إن أنتَ كنت مدمن، بس دا والله من بدري من قبل كتب كتابك على عبلة حتى، والله العظيم كان قبل ما أفوق يا وليد، من قبل ما أتكسر حتى”
إبتسم هو بتهكم ثم قال بسخرية لازعة:
“قصدك قبل جرعة السم ما تخلص يا هدير، بس على العموم أنا مش زعلان، ولا فرحان أنا بس مش عاوز وجه دماغ يا هدير، عاوز أعيش في أمان، مش عاوز أفضل خايف، لا منك و لا من غيرك”
بكت هي بقوة وهي تقول من بين شهقاتها:
“أنا آسفة والله، كل حاجة حواليا كانت غلط، حتى أمي نفسها، علشان خاطري ساعدني اتعالج زي ما قولتلي، عاوزة أنام من غير خوف، عاوزة أعرف أعيش اللي جاي في عمري يا وليد”
ربتت «عبلة» على ظهرها بتأسف وهي تقول بحزن عليها نابع من قلبها:
“إحنا معاكِ يا هدير، مش هنسيبك، بس أهم حاجة إنك فعلًا تكوني ندمتي”
مسحت «هدير» دموعها وهي تقول بألم و بنبرةٍ موجوعة:
“قصدك اتكسرت يا عبلة، أنا اتكسرت و اتذليت كمان، حتى أمي، مش عاوزة أشوفها، بس مش دا المهم، المهم أنا عاوزة أتكلم مع خديجة”
أومأ لها «وليد» وهو يقول بهدوء:
“حاضر يا هدير، أنا هكلمها و هظبط معاد تتقابلوا فيه سوا”
أومأت له ثم وقفت وهي تقول:
“أنا همشي علشان هدى لوحدها في البيت، عن إذنكم”
أومأ لها كليهما، فتركتهما هي و فرت بعيدًا عنهما، أما «عبلة» فنظرت له وهي تقول مستفسرة بنبرةٍ متعجبة:
“ليه أنتَ يا وليد؟ ليه نور حبتك أنتَ، وليه هدير اتشدت ليك أنتَ، و ليه منة لما جت البيت كانت بتعاكسك أنتَ، ليه أنا حبيتك أنتَ يا وليد؟”
نظر لها مُتعجبًا، فوجدها تُضيف:
“ليه يا وليد اللي زيك كلهم بيثقوا فيه و يحبوه، ليه يا وليد بتساعدهم كلهم و أنتَ موجوع منهم”
أمسك هو كفها يضغط عليه بحب وهو يقول مُطمئنًا لها:
“مش مهم هما بيحبوا مين؟ المهم أنا بحب مين، أنتِ اللي القلب شاور عليها من بينهم، أنا بساعد اللي بيحتاجني علشان مبحبش أشوف حد محتاج مساعدة يا عبلة، أما قلبي أختارك أنتِ و بقى مطمن علشان أنتِ في حياتي، الحوجة وحشة يا عبلة، ربنا مايحكم عليكِ بالإحتياج لحد”
ردت عليه بسرعة بعدما تأثرت بحديثه:
“أنا مش محتاجة حد غيرك أنتَ، يا رب بس تستحمل وجودي يا وليد”
ضحك هو بخفة ثم قال ساخرًا:
“قصدك يا رب أستحمل أبوكِ عم محمد”
ضحكت هي الأخرى ثم قالت:
“بصراحة فـ ديه معاك حق”
______________
في قاعة الأفراح جلست «خديجة» بجانب «زهرة» و النساء بعدما تعارفت عليهن جميعًا، أتى «ياسين» بجلس بجانب والدته وهو يقول مشاكسًا لها:
“هي القمر اللي جنبك دي مخطوبة؟”
كان يشير على «خديجة» التي إبتسمت بإتساع، فقالت له والدته بضيق زائف:
“لأ مش مخطوبة، و بدور لها على عريس كمان”
حرك فمه هو متهكمًا ثم قال:
“و ياترى بقى منمرة على حد بعينه ولا بالبركة كدا ؟!”
ضيقت «زهرة» جفونها وهي تقول بسخرية:
“منمرة على واد حليوة كدا لابس بدلة كلها أسود في أسود، وكمان مهندس”
هندم هو ملابسه بغرور وهو يقول بمرحٍ:
“عارفه أنا الواد دا، عيل إبن حلال و طيب و رومانسي و شقته جاهزة، إيه رأيك يا عروسة”
حركت هي كتفيها بغرورٍ ثم أضافت تتحدث بنبرةٍ متكبرة:
“والله أفكر، مش هشتري سمك في مياه”
رفع حاجبه ينظر لها بحنقٍ زائف وهو يقول:
“بقى كدا ؟! ماشي بشوقك يا جميل.. بكرة قلبك يميل”
ضحك الجالسون عليهم، فأضاف «خالد» يقول بمرحٍ:
“وافقي يا بنتي دا واد غلبان، عاوزين نستره قبل ما يخلل جنبنا”
فجأة وصلهم صوت عامل الموسيقى وهو يطلب من العرسان التقدم إلى منتصف القاعة حتى يرقصا معًا، أمسك كلاهما يد زوجته ثم توجه بها إلى المنتصف ثم شرعا في الرقص على أغينة رومانسية هادئة وهي:
“الدنيا بترتب صدف و كل قلب وإحساسه..فجأة الطريق بينا بيقف والحب بيجمع ناسه…وإحنا إتقابلنا و جه أوانا…شوفتك بقلبي اللي أتمنى ورتني أيام الجنة…ومليت بحبك أوقاتي…حــلـم حَـيـاتي….و صحيت وياك على يوم عيدي حضنك قلبي و لمساك إيدي.
كانا كلاهما يرقص مع زوجته وهو غارقًا في كلمات الأغنية، كان «ياسين» واقفًا بجانبها ينظر لها بحب وهي تشاهد تلك الرقصة، فمال على اذنها وهو يقول بهدوء:
“فكريني أشغلها في فرحنا، كل كلمة فيها حاسسها بوجودك يا خديجة”
رفعت رأسها تنظر له بتعجب فوجدته يقول بخبثٍ:
“متبصليش بقى علشان مبوسكيش في وسط القاعة وأنتِ شكلك قمر كدا”
نظرت هي له وهي تقول بهدوء:
“يا جدع حرام عليك دي
القاعة كلها بنات زي القمر”
حرك رأسه نفيًا وهو يقول بصدق:
“بس العين مش شايفة غيرك أنتِ”
نظرت له بشكٍ فوجدته يقول بنبرةٍ مُحبة:
“كُـل نِـسـاءِ الأرّض فـي عَـيْنّي سَـواء…أنـتِ وَحــدَكِ بَـيْـنّـهـنَ إســتّثْـنَـاء”
إبتسمت بحبٍ وهي تنظر أمامها فوجدته يميل على أذنها يقول بمرحٍ:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
فجأة زادت إضاءة القاعة بعد إنتهاء الرقصة، فإجتمع الشباب مع بعضهم يرقصون جميعهم ، بعدما إنسحبت هي تجلس من جديد بجانب والدته، كانت الرقصة بين «ياسين» و أصدقائه، فجأة أختفى «عامر» و معه «ياسر»، فنظر «ياسين» حوله بتعجبٍ فلم يجدهما، إقترب من «خالد» وهو يقول بهدوء:
“عامر و ياسر أختفوا من القاعة، ربنا يسترها”
نظر «خالد» حوله بخوف فقال بقلقٍ:
“ربنا يسترها يا ياسين، أنا حاسس إننا هنبات في الحجز الليلة دي”
فجأة أنطفأت أضواء القاعة بأكملها و أنطفأت الموسيقى، نظر الجميع إلى بعضهم بتعجب، و فجأة فتح الباب الخلفي للقاعة مصاحبًا له صوت أغنية شعبية من إختيار «عامر» وهي:
“امنوا المداخل… البابا داخل”
بعدها دخل «عامر» القاعة بدراجة نارية و «ياسر» خلفه ممسكًا في ثيابه، إرتفعت الأغنية عاليًا وعندها قام «عامر» بالدوران داخل القاعة بالدراجة على شكل حلقات دائرية، عندها زاد تهليل الشباب و إرتفع التصفيق الحار، بينما «خالد» وضع كفه على رأسه وهو يقول:
“ابني أمانة في رقبتك يا ياسين، هموت مجلوط من ابن فهمي”
ضحك «ياسين» وهو يقول بمرحٍ:
“والله دخلته حلوة و عملت حس للقاعة”
نظر له «خالد» مُتعجبًا فوجده يحرك جسده تزامنًا مع كلمات الأغنية، بعدها قام «عامر» وأخرج الدراجة من القاعة بعد تأدية فقرته، بعدها إرتفعت الموسيقى من جديد ولكن تلك المرة أغنية للأصدقاء وهي:
“صاحبي اللي كتفه في كتفي بيخليني مطمن”
نظر الأربعة إلى بعضهم البعض بحب ثم تكاتفوا معًا في نمط يشبه الدائرة و هم يلتفون و يرقصون على كلمات الأغنية بحبٍ شديد، كان الجميع ينظر لهم بحب و هم يتمنون أن يحظوا بتلك الصداقة المميزة، بعدها انتهى ذلك المقطع و تبدل بأغنية أخرى وهي:
“بحبك يا صاحبي”
عندها قام «خالد» بحمل «ياسر» على كتفه، و قام «ياسين» بحمل «عامر» و الشباب ملتفون حولهم يرقصون ببهجة، فكان المنظر مبهج للقلب، كما أن الفتيات رقصن عليها وهما بجانب بعضهن البعض بعدما أنضمت لهن «خديجة» و «ريهام».
يُتَبَعَ
الفصل_السابع_والأربعون