روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 48

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الثامن و الأربعين”
____________

تشبهين الفراشة في سحرها..تأخذين من الزهور دلالها
___________

تسير في الدروب المعتمة تائهٌ بها، تشبه ورقة شجر تساقطت في الخريف..لتكون في مهب الريح كلما أشتدت العاصفة تدمرت خلاياها..حتى يأتي من يأخذك بين كفيه ليحافظ عليك و يكتفي بك فقط لنفسه.

بعد رقصة الشباب و إنتشار الفرحة في المكان، كانت النظرات جميعها فَرِحة بذلك المنظر المحبب للقلب، أنهوا الرقصة جميعًا باحتضانهم لبعضهم البعض، بعدها جلسوا جميعًا حتى يأخذوا قسطًا من الراحة، جلس «ياسين» بجانب والدته و زوجته مقابلًا له والده و «فهمي» والد «عامر»، فتحدث «رياض» بمرحٍ:

“ألف مبروك يا فهمي، الحمد لله خلصت من المصيبة الأولى، عقبال الكارثة التانية”

ضحكوا جميعًا عليه، فـ رد عليه «فهمي» وهو يضحك قائلًا:

“يا رب يا رياض خليني أخلص، وعقبال ياسين إن شاء الله”

أتى «خالد» في تلك اللحظة يقول متوعدًا لـ «عامر»:

“إبنك دا و رب الكعبة هربيه على إيدي، صبرك عليا، فاكر نفسه داخل حنة بلدي، جاي بموتوسيكل !! حاضر”

نظر له «فهمي» بسخرية وهو يقول:
“يا سلام يا أخويا؟ ما أنتو كنتو بترقصوا مع بعض من شوية ؟! جاي دلوقتي تقول هربيه ؟ وبعدين أنتَ اللي مدلعه، أشرب بقى”

اضافت «ميمي» بحب:
“والله عسل ربنا يحميه، دا الواد مخلي الفرح كله واقف على رجل ، والله لولاه كان زمانه ميتم”

رفع «خالد» حاجبه ينظر له بحنقٍ، فوجد «ياسين» يضحك بشدة، نظر له هو الأخر بضيق وهو يقول:

“وأنتَ يا أستاذ ياسين واقف ترقصلي و تقولي دَخلته عاملة حِس للقاعة؟ ماشي يا نجم صبرك عليا”

تحدث «رياض» بضجرٍ منه قائلًا:
“أنتَ عدو الفرحة ليه يا خالد؟ ما العيال فرحانة و الليلة ماشية حلو أهوه”

تدخلت «عفاف» والدته تقول بفرحة:
“والله شكلهم زي العسل، يفرحوا القلب الحزين، و الواد عامر عسل ربنا يسعده، مخلي للفرح بهجة كدا”

ضرب «خالد» كفيه ببعضهما البعض وهو يقول مُتعجبًا:

“أنا مش عارف أنتو إيه بجد؟ على العموم ربنا يستر و مدير القاعة ميتكلمش على حركة الموتوسيكل دي”

في الجهة الأخرى عند «عامر» و «ياسر» تحدثت «سارة» تسأل «عامر» بضيق زائف:

“أنتَ مجنون يا عامر؟ داخل القاعة بموتوسيكل ؟! أنتَ عاوز تضحك الناس علينا؟”

رد عليها يُعقب على حديثها بلامبالاة:
“و فيها إيه يعني؟ أنا كنت ناويها يوم فرحي أدخل القاعة بموتوسيكل، طب بذمتك مش شكلي كان حلو؟”

أومأت له وهي تبتسم بهدوء، فوكزها هو بكتفه في كتفها وهو يقول:
“شوفتي مش هتقدري تكدبي، أنا كدا كدا أي حاجة بعملها لازم تبقى حلوة، حتى اختياري لكِ كان هو أحلى حاجة”

نظرت له مندهشة فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ:

” ماهو مفيش أحلى من كدا بصراحة، الواحد كدا مش عاوز حاجة تانية، كفاية إنك هتبقي أول حاجة أبدأ يومي بيها، وأخر حاجة أنام وأنا شايفها”

أخفضت رأسها في خجلٍ، فاقترب هو منها يطبع قبلة هادئة على جبهتها.

عند «ياسر» و «إيمان» كانت هي تتحدث بمرحٍ وهي تقول له:

“شكلك كان قمر أوي يا ياسوري وأنتَ راكب الموتوسيكل مع عامر، كان نفسي أجي و أركب وراك و تلف بيا القاعة، بس علشان الفستان مكانش هينفع”

نظر لها مندهشًا فوجدها تسترسل في حديثها بنفس الحماس قائلة:

“يارتني كنت خليت سارة تعملوا أضيق شوية، بس مش مشكلة نعوضها”

تحدث هو بضيق من حديثها بنبرةٍ منفعلة:
“أنتِ مجنونة يا بت أنتِ؟ موتوسيكل إيه و فستان إيه؟ فاكرة نفسك متجوزة مدرب باليه ؟ فوقي يا إيمان بدل ما أنكد عليكِ في الليلة دي !!”

ضحكت هي ثم تمسكت بذراعه وهي تقول بمشاكسة:

“لأ خلاص، أنا كنت بنكشك بس، بحبك وأنتَ متعصب أوي”

غمز لها بخبثٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“أيوا كدا هو دا الكلام، وأنا بحبك علطول حتى وأنتِ مجنونة و ضاربة منك”

إبتسمت هي بحب ثم مالت برأسها تُلقيها على كتفه، فأمسك هو كفها ثم طبع قبلة بسيطة عليه.
_____________

في بيت آلـ الرشيد تحديدًا في غرفة «طارق» غفت هي بين ذراعيه وهي تتشبث به و كأنها تخشى تركه، أما هو فكان ينظر لها بحبٍ و كأنه يُشبع حنينه و شوقه لها منذ أعوام ماضية، زفر هو بضيق حينما تذكر هيئتها الباكية وهي تترجاه يظل بجوارها، ربت  عليها بكفه، ثم تركها و غادر الغرفة بل و الشقة بأكملها، صعد إلى سطح المنزل، وجد «وليد» جالسًا بمفرده وفي يده كتاب يقرأه، نظر له «طارق» بسخرية ثم جلس بجانبه دون أن يتفوه بِـحرفًا واحدًا، نظر له «وليد» بخبثٍ ثم أعاد بصره للكتاب من جديد وكأنه لا يكترث، نفخ «طارق» وجنتيه بضيق، فتحدث «وليد» بحنقٍ:

“لأ هتطلع تقرفني في عيشتي، غور على شقتكم، دا أنتَ حتى عريس”

نظر له «طارق» بضيق وهو يقول مُتهكمًا:
“عريس صح، بالله عليك تسكت خالص، علشان المفاجأة اللي أنتَ عاملها دي، حد يفاجأ حد بكتب كتابه يا وليد ؟!”

أومأ له «وليد» بثقة وهو يقول بلامبالاة:
“آه عادي يعني، مش أحسن ما تتفاجأ بيها وهي ماشية، أنا بعمل اللي شايفه في مصلحة الكل”

نظر له «طارق» بحزن وهو يقول:
“لا ارتاحت في بعدها عني، و لا ارتاحت لما رجعت، أنا مضطر أبدأ من جديد يا وليد”

أغلق «وليد» الكتاب ثم ربت على كتفه وهو يقول مؤازرًا له:

“كل اللي هي فيه دا طبيعي يا طارق، دي واحدة اتخدعت في ابوها اللي عاشت معاه العمر كله، كان بيبص كل يوم في عينها وهو عارف إن أمها عايشة، واحدة كانت فاكرة إن أمها ميتة و بتصحى كل يوم تترحم عليها، فجأة تلاقيها عايشة و مفترية و ظالمة ناس، طبيعي يا طارق إنها تبقى كل حاجة قصادها سودا”

زفر «طارق» بقوة ثم قال:
“جميلة علشان تبدأ من جديد حياتها لازم مشيرة و حسان يمشوا من قصادها، لازم يغوروا هما الاتنين، الحياة مش هتمشي غير لما هما يمشوا”

إبتسم له «وليد» بخبثٍ وهو يقول:
“متقلقش، عامل حسابي على كل حاجة ، المهم أنتَ ركز في الشغل  و ركز مع مراتك، كفاية صدمات لحد كدا، دي عاشت أسبوعين أكشن قسمًا بالله تاخد أوسكار علشان استحملته، إحنا بس نخلص القرف اللي هنا و بعدها نطلع على أسكندرية”

نظر له «طارق» بسخرية وهو يقول بنبرةٍ متهكمة:

“أنا نفسي في ربع برودك تجاه الحياة والله مش عاوز حاجة تانية يا وليد، أنتَ إيه ياض؟ تلاجة !!”

إبتسم «وليد» بإستفزاز حتى يثير حنقه ثم أضاف قائلًا:

“علشان تنجح يا طارق في حياتك أو أي حاجة عاوزها لازم تتعلم كذا فن مع بعض، أهم فن فيهم لو مش موجود عندك هتموت مجلوط، وهو فن الامبالاة، الشخص اللي بيهتم باللي حواليه و بكلامهم دا بيموت بسرعة، زي الفكرة اللي مش لاقية حد ينفذها، وأنا معنديش أستعداد أبقى مجرد فكرة، أنا عاوز أبقى الفعل اللي ملوش رد فعل”

أمسك «طارق» الكتاب ينظر على غلافه فوجده لـ «ديستوفيسكي» إبتسم بسخرية ثم قال:

“خليك أنتَ مع الكتب كدا، المهم إنك بتطبق اللي بتقرأه”

أشار «وليد» على رأسه وهو يقول بفخرٍ:

“المهم إن دي تشتغل صح، مش مهم إنها تطبق وخلاص، و يلا يا طارق اتفضل علشان عاوز أكمل، خليني أعرف أفكر كويس”

أومأ له «طارق» ثم قال بعدما أخذ نفسًا عميقًا:
“أنا هنزل علشان أشوف جميلة، على فكرة إحنا واخدين أجازة فترة، حسن هو المسئول دلوقتي و وئام، خلينا نفوق لـ الهم اللي هنا”

أومأ له «وليد» موافقًا ثم أمسك الكتاب من جديد، بينما «طارق» نزل شقته و دخل غرفته، نظر لها وهي غافية على الفراش تشبه الطفل الصغير، و قد اتخذت وضع الجنين في نومها بعدما تململت على الفراش، جلس بجانبها ثم ربت بذراعه على كتفيها، بعدها أخذها بين ذراعيه وهو يتنهد بعمقٍ، كان ينظر على قسمات وجهها البريء، لازالت كما هي تتمتع بالبراءة في ملامحها، بعدها غاص في تفكيره، هل هي حقًا عادت له من جديد؟ هل يراها أمامه كما تصورها و رسمها في أحلامه مرارًا و تكرارًا، بل عادت له أفضل مما توقع، نظر لها من جديد فوجد نفسه يبتسم باتساع وكأنه أدرك الآن حقيقة عودتها، بل وأنها أصبحت زوجته، تلك الأمنية التي كان يُشبعها داخل قلبه أنها ستعود من جديد و ستصبح له كما أخذ هو وعدًا على نفسه في صغره، عندها شدد عناقه لها ثم أخرج زفيرًا قويًا لعله يقوم بتهدئته قليلًا.
___________

أمام القاعة كان الجميع يتجهز للرحيل،فجأة اقترب منهم «رياض» وهو يقول بمرحٍ:

“الف مبروك يا حبايب قلبي، أنا جدع معاكم أهوه و مقولتش على المفاجأة بتاعة شهر العسل، أي خدمة”

ضحك الجميع عليه، أما «عامر» فضرب كفيه ببعضهما وهو يقول بضيق:
“هو أنتَ لو سترت علينا هيجرالك حاجة؟ دا كان يوم مش فايت يوم ما عرفتك”

تدخل «ياسر» يضيف بنفس النبرة الحانقة:

“أنتَ بتقول إيه؟ دا مش عارف يستر ابنه هيستر علينا إحنا”

سألت «إيمان» بانفعال:
“بقولكم إيه مفاجأة إيه دي؟ أنا عاوزة أعرف علشان الفضول هيموتني”

ربت «ياسين» على ظهر والده وهو يقول بسخرية:

“اتفضل يا غالي جاوب، حرام عليك، بوظت للعيال المفاجأة”

ضحك «رياض» ثم قال بنبرةٍ مبتهجة:
“ممتاز الفاروق لما عرف إن ياسر و عامر بيتجوزوا وهما شغالين عنده،عملهم رحلة لِـ دهب علشان شهر العسل، ياسر و عامر كانوا عاملينها مفاجأة ليكم،بس حصل خير”

قفزت «إيمان» بسعادة بالغة ثم احتضنت زوجها وهي تقول بفرحة:

“أنا فرحانة أوي بجد، هروح دهب الله”

ضحك «ياسر» ثم قال بحب:
“ربنا يفرحك دايمًا يا إيمان”

بينما «سارة» سألت زوجها بهدوء:
“طب و أنتَ مقولتش ليه؟ كنت هتقول إمتى يعني؟”

رد عليها «عامر» بضيق زائف وهو ينظر لـ «رياض»:

“كنت هقولك يوم الحد، علشان بكرة هنقضي اليوم في شقتنا، بس نقول إيه بقى رياض الله يسامحه، عمره ما ستر على واحد فينا”

أتى «عمار» يقول بمرحٍ:
“يلا يا رجالة علشان نعمل الزفة التانية، مفيش وقت”

نظر له «خالد» بتعجبٍ وهو يقول:

“هو أنتَ متخصص في الزفة؟ مش وراك حاجة غير إنك تزف وخلاص ؟!”

أتى «شادي» صديق «عامر» وهو يقول من على دراجته النارية:

“ياعم خالد أنتَ المفروض تقدرنا، إحنا بنحيي الليلة، وبعدين يعني إيه عامر أخونا يكون بيفرح وإحنا منعملش الواجب”

نظر له «خالد» بشرٍ ثم وقف بجانب «عامر» يمسكه من ثيابه وهو يقول بنبرة جامدة:

“تعالى ليا بقى يا عم عامر، بقى أنتَ بتحرجني و تدخل بموتوسيكل؟ عاوز الراجل ياكل وشي ؟ عارف لو مدير القاعة شم خبر باللي حصل إحنا هيحصل فينا إيه؟”

في تلك اللحظة أتى «مدير القاعة» وهو يقول بطريقة مهذبة:

“معلش يا أستاذ عامر، عاوزين حضرتك ضروري”

نظر «عامر» له بخوفٍ وهو يقول بنبرة مهتزة:
“نعم يا فندم ؟! خير”

أشار له على جانب منزوي عن الأنظار وهو يقول:

“عاوز حضرتك على إنفراد معلش”

تدخل «خالد» يقول بنبرة قوية:
“معلش يا فندم إحنا أخوات وكلنا واحد، لو حضرتك عاوز عامر إحنا كمان هنيجي معاه”

حرك الرجل كتفيه وهو يقول ببساطة:

“مفيش مشاكل، ممكن حضراتكم تتفضلوا معايا

نظروا إلى بعضهم البعض ثم ذهبوا معه بعدما ركبت النساء في السيارات، و ركب رياض ومعه «زهرة» و «خديجة».

وقف الرجل وهو يقول بهدوء:
“دلوقتي الأستاذ عامر دخل القاعة بموتوسيكل، ودي حاجة عمرها ما حصلت قبل كدا”

نظروا جميعهم لـ «عامر» الذي كان وجهه باللون الاحمر، فتحدث «ياسين» يقول معتذرًا بالنيابة عنه:

“إحنا متأسفين يا فندم جدًا، هو بس من فرحته مقدرش يسيطر على الفكرة، لو فيه أي أضرار لحضرتك أنا مستعد ليها”

رد عليه الرجل بمرحٍ وهو يقول:
“إطلاقًا يا فندم، أنا بس بستأذن أستاذ ياسر و أستاذ عامر ننزل الفيديو على جروب و بيدج القاعة علشان تكون زي الدعاية، طبعًا دا بعد إذنهم اللي هما يأمروا بيه أنا تحت أمرهم”

تبدلت ملامح كليهما إلى الاسترخاء، بينما «ياسين» و «خالد» نظرا لبعضهما البعض باندهاش، فأضاف الرجل يسأل بحذرٍ:

“ها يا فندم حضراتكم عندكم إعتراض؟”

رد عليه «عامر» بنبرةٍ ودية تحمل المرح بين ثناياها:
“خالص يا فندم تحت أمرك، ولو فيه أي فرح بعد كدا عاوزني أجي بالدَخلة دي أنا معنديش أي مانع”

_”آه، خلاص يا فندم كفاية دَخلة فرحي، وألف مبروك للعروسين”

قالها «عامر» بعدما ضربه «خالد» في قدمه بقوة، جعلته يغير حديثه في خلال ثوانٍ، مما جعل الرجل يبتسم بهدوء ثم قال:

“طب يا فندم أنا متشكر لحضراتكم جدًا، و ألف مبروك”

أومأ له الجميع دون أن يعقب أيًا منهم، و بمجرد إختفاء أثره ضرب «خالد» كفيه ببعضهما وهو يقول بنبرةٍ مذهولة:

“الراجل دا مجنون والله العظيم، دا فرحان بجد”

ضحك «عامر» بصخب وهو يقول بنبرة أثارت استفزاز «خالد»:

“ياه يا خالد على شكلك الوحش، ياه لو تصبر بعد كدا و تهدا علينا كل حاجة هتبقى زي الفل، خليك أنتَ كدا واخد كل حاجة على أعصابك لحد ما تموت”

أمسكه «خالد» من ثيابه وهو يقول بشرٍ:
“صبرك عليا تسافر و ترجعلي و رب الكعبة همسكك السلك العريان في محل أبوك، هخليك واصلة عمومي للمنطقة كلها”

تدخل «ياسر» يقول بخوفٍ:
“علشان خاطري يا خالد سامحه، عريس و عاوز يفرح”

ترك «خالد» ثياب «عامر» ثم أمسك ثياب «ياسر» وهو يقول بهدوء بث الرعب بداخله:

“و أنتَ يا دكتور يا محترم، راكبلي وراه، صبرك عليا”

ابعده عنه «ياسين» وهو يقول حتى ينهي ذلك الموقف:
“خلاص بقى يا عم خالد، الليلة قضيت و الدنيا مشيت زي الفل، يلا بقى علشان عاوز أنام، لسه فيه زفة ورانا”

أومأ له «خالد» ثم أخذ نفسًا عميقًا وهو يقول بمرحٍ و كأنه تبدل في ثوانٍ:

“تعالى ياض أنتَ وهو في حضن أخوك، مبروك يا حمار أنتَ و هو”

نظروا لبعضهم البعض، ثم تعانقوا هم الأربعة و كلًا منهم يربت على ظهر الآخر، تحدث «رياض» من خلفهم وهو يقول بضيق زائف:

“يا سلام ياخويا أنتَ وهو؟ أنا الكبير هنا يلا أنتَ و هو”

أنسحبوا من أذرع بعضهم البعض، ثم نظروا لبعضهم بخبثٍ و فجأة حملوا «رياض» فجأة وهم يضحكون و هو أيضًا، ذهبوا به إلى السيارة الخاصة بياسين ثم وضعوه عليها وهم يضحكون بشدة و كل من حولهم أيضًا.

بعدها وقف «عامر» ينظر حوله فوجد والده يركب سيارة عمه «فاروق» إبتسم بسخرية ثم مال على السيارة وهو يقول بنبرة ساخرة:

“بقولك إيه يا عمي أنتَ عارف شقتي فين؟ ولا ناوي تسبقنا على الآخرة؟”

نظر له عمه بضيق وهو يقول بنبرةٍ منهكة:

“عارف يا أخويا… المهم أنتَ متتأخرش..بس في الزفة”

حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرة ضاحكة:

“المهم أنتَ توصل، بابا معاك البخاخة بتاعته ؟!”

ضحك «فهمي» وهو يُجيبه قائلًا:
“معايا يا عامر، روح أنتَ بس علشان مراتك في العربية لوحدها”

أومأ له ثم وقف بجانب سيارته وجد والدة زوجته تبكِ بجانبها، فوقف خلفها يقول بمرحٍ:

“لأ يا عزة دي مش طريقة دي، بتعيطي ليه؟ هو أنا رايح ابيع أعضائها؟ دا أنا هتجوزها”

التفتت تنظر له بأعين دامعة وهي تقول:

“سارة كل حاجة ليا يا عامر، هي بنتي و صاحبتي و راجل البيت كمان بعد أبوها، فراقها صعب عليا”

إقترب منها يطبع قبلة حنونة على قمة رأسها وهو يقول:

“من النهاردة أنا راجلكم، أي حاجة بس تتمنيها تبقى عندك، وبعدين أنا مش هحوشها عنك، أنا هخليكِ تزهقي منها”

ربتت هي على وجنته بحب ثم قالت بفخرٍ:

“من غير ما تقول وأنتَ راجلنا وقد القول يا عامر، ربنا يعلم لو عندي ابن مش هحبه زي ما بحبك كدا”

ابتسم هو بسخرية ثم قال:
“لأ ما هو واضح، هو أنتِ لو عندك ابن هتنكدي عليه كدا؟ على العموم الحقي حوشي فلوس المحامي”

شهقت بفزع وهي تضرب صدرها ثم قالت:
“يلهوي محامي ليه بس يابني كفى الله الشر”

غمز لها بقول بمرحٍ:
“علشان أشحططها في محكمة الاسرة أنتِ نسيتي؟”

أحتضنته بحب وهي تقول:
“والله أنتَ قلبك طيب و ربنا عوض بنتي بيك”

تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“ربنا رزقني بيها هي و بوجودها معايا

أومأت له ثم ودعت ابنتها و ركبت سيارة ابنتها الأخرى، ركب هو بجانب زوجته فوجدها تبكِ هي الأخرى، فمال عليها يقبل وجنتها بحنان ثم مد أنامله يكفكف دموعها وهو يقول بنبرة حنونة:

“مش عاوزك تعيطي يا سارة، طول ما أنا معاكِ مشوفش دموعك، وبعدين عيب في حقي تبقي مرات عامر فهمي و غاوية نكد، دا أنا قالب الشركة مراجيح، دول مسميني رئيس مراجيح مولد النبي”

ضحكت هي بقوة فوجدته يقول مهللًا:
“الله أكبر، ليلتنا فل إن شاء الله”

حركت رأسها نفيًا بيأس وقبل أن تتحدث دخل السائق السيارة وهو يقول:

“يلا يا فندم هنتحرك دلوقتي، ألف مبروك”

أومأ له «عامر» ثم غمز لزوجته.

عند «ياسر» مالت «عفاف» على نافذة السيارة وهي تقول لابنتها:

“كان نفسي أوصي ياسر عليكِ، بس ياسر طيب و غلبان و متربي على ايدي، قسمًا بالله يا إيمان لو زعلتيه هتبقى وقعتك سودا، أنا قولتلك أهوه”

نظرت لها «إيمان» باندهاش، بينما «ياسر» ضحك بقوة ثم قال:
“الله يباركلي فيكِ يا عفاف، والله العظيم أمي مش حماتي، مش هوصيكي أنتِ وميرفت على بعض في غيابي، بلاش مشاكل مع أم مدحت ابوس راسكم”

لوحت له بكفها وهي تقول بنبرة حانقة:
“والله بطلنا من زمان، من ساعة الجمعية الأخيرة”

ضرب كفيه ببعضهما وهو يقول بتعجب:
“جمعية إيه بس يا حماتي، هو حد فينا مخليكم محتاجين حاجة؟”

ضحكت هي عليه ثم قالت:
“دا علشان المستقبل يا واد يا ياسر، يلا ليلتكم فل، خلي بالك من بنتي ياض”

تركته وهي تضحك باتساع بينما هو نظر لزوجته وجدها تضحك هي الأخرى، حرك رأسه نفيًا بيأس ثم خرج من النافذة وهو يقول:
“يلا يا أسطى، عاوزين نلحق الزفة”

تحركت السيارات خلف بعضها، في سيارة «ياسين» كان يقودها هو و زوجته بجانبه و والديه في الخلف، سألهم هو بمرحٍ:

“حد فيكم بيخاف؟”

رد عليه الثلاثة في آنٍ واحد:
“آه طبعًا بنخاف”

ضحك هو باتساع ثم ضغط على مكابح السيارة مما أدى إلى ارتفاع سرعتها، صرخت «خديجة» تقول بخوفٍ:

“علشان خاطري يا ياسين، هدي السرعة شوية، هموت من الخوف والله، ابوس راسك”

ضحك هو ثم قال بخبثٍ:
“طب ما أوقفها خالص وابوسك أنا أحسن”

تحدثت والدته تقول من الخلف بضيق زائف:

“لم نفسك يا قليل الأدب، أنتَ بقيت سافل ليه يا واد أنتَ”

ابعد يده من على مقود السيارة حيث كان ضاغطًا على الجزء المخصص به الذي يخرج صوتًا عاليًا، ثم قال بعدما التفت لها:

“مين قالك أني بقيت سافل، مش يمكن أنا سافل من الأول بس مكنتش لاقي فرصتي ؟!”

تحدث «رياض» بفخرٍ وهو يقول:
“صحيح تربيتي، تربية سافلة”

ضحكوا عليه، ثم غمز هو لـ «خديجة» وهو يقول بعتابٍ زائف:
“عجبك كدا؟ فضحتيني قصادهم، طول عمرهم فاكرني حمل وديع”

رد عليه «رياض» مُعقبًا بمرحٍ:
“دا..دا متربي مرتين دا…دا بيصلي بينا إمام في المسجد دا”

بعد قليل توقفت السيارات في شارع شقق الشباب، بعدها أخرج «عمار» الألعاب النارية هو و أصدقائه بعدها كلًا من «ياسر» و «عامر»  أمسك واحدة من تلك الألعاب وبعدها أنضم لهما «ياسين» و «خالد» مع ارتفاع الأغاني داخل السيارات ساعد على انتشار الفرحة في المكان، بعدها صعد كلًا منهما شقته، وعند رحيل أسرة «ياسين» خرج هو من السيارة ثم اقترب من «عمار» وهو يقول:

“بقولك إيه هات مفاتيح الموتوسيكل بتاع عامر”

نظر له «عمار» بتعجب فوجدها يقول مُتعجلًا:
“خلص أنتَ لسه هتبصلي، هات المفاتيح و اركب ورا حد من صحابك”

أعطاه «عمار» المفاتيح، فذهب «ياسين» يقف بجوار سيارته ثم مال بجزعه داخل السيارة وهو يقول لزوجته:
“بقولك إيه يا غالية عمرك ركبتي موتوسيكل؟”

قطبت جبينها تنظر له باستفتسار، فوجدته يقول بنبرة حماسية:
“ها يلا بسرعة؟ ركبتيه قبل كدا؟”

ردت عليه باندهاش:
“لأ طبعًا، عمري ما ركبته قبل كدا”

أومأ لها ثم قال:
“طب يلا يا ست الكل هركبك موتوسيكل النهاردة”

قال جملته ثم قذف المفاتيح لوالده وهو يقول:
“يلا يا رياض، سوق أنتَ العربية و خلي بالك، وأنا هوصل خديجة بالموتوسيكل و هرجع تاني”

تحدثت «زهرة» بقلق:
“خلي بالكم من نفسكم، وخلي بالك يا خديجة وأمسكي فيه كويس”

نظر هو لزوجته بخبثٍ وهو يقول:
“ايوا اسمعي كلام ماما زهرة، وأمسكي فيا كويس”

ضحكت هي بخفة ثم نزلت من السيارة، وقفت تنظر له بتعجب، فوجدته يقول بمرحٍ:
“طب والله أنا واد لُقطة مفيش مني اتنين، خلي بالك مني بقى، علشان اللي زيي عليهم العين”

حركت كتفيها ببساطة وهي تقول مبتسمة بشرٍ:
“وماله يا هندسة، العين اللي تبصلك نقفلها خالص”

اتسعت مقلتاه باندهاش فوجدها تقول بتعالٍ:
“يلا بس علشان منتأخرش، ولا مستني العيون تبقى عليك ؟!”

غمز لها وهو يقول بمرحٍ:
“حلاوتك يا نجم وأنتَ شرس كدا، والله يا جدعان لقد هُرمنا بجد”

ركب هو الدراجة وهي خلفه بحماس، فقال هو قبل أن يبدأ القيادة:
“سمي الله و أقرأي الفاتحة و انطقي الشهادة علشان دي حتة حديدة على الهوا”

سألته هي بخوفٍ:
“هو أنتَ بتعرف تسوقه يا ياسين؟ ولا هنروح في داهية؟”

رد عليها بضيق زائف:
“هو إحنا اي حد ولا إيه يا ست أنتِ، طبعًا أول مرة أسوقه”

شهقت بقوة فوجدته يضحك وهو يقول:
“يا ستي متخافيش ركبته كتير قبل كدا، كنت باخده من عامر أجيب بيه حاجات”

تمسكت هي به بقوة ثم قالت بمرحٍ:
“طب الله يطمنك، أنا أصلًا مش بخاف و أنتَ موجود ولا من غيرك، علشان عارفة إنك موجود

رفع صوته حتى يصل لها من بين صوت الهواء:

“الله أكبر يا خديجة، أنا شكلي كدا هاخد الأوسكار في تغييرك، اللي بيحصل دا معجزة بكل المقاييس والله”

ضحكت هي ثم وضعت رأسها على ظهره وهو يقود الدراجة، فتحدث هو بخوفٍ:

“اوعي تنامي يا خديجة، ساعتها هتبقى وقعتنا سودا بجد”

تحدثت هي بهدوء:
“مش نايمة متخافش”

ضحك هو ثم ضغط على السرعة يرفعها، بعد قليل أوقف الدراجة النارية أسفل بيتها، تنهدت هي ثم نزلت منها بهدوء وهي تشعر بالفرحة، نظر هو لها فوجد الفرحة تضج في عيناها، فسألها هو مُستفسرًا:

“شكلك فرحان أوي، ممكن أعرف السبب ؟!”

أومأت له بقوة ثم قالت:
“فرحانة علشان حضرت فرح، دي أول مرة أحضر فرح من زمان أوي، و فرحانة علشان ركبت وراك الموتوسيكل، دي حاجة كان نفسي أعملها من زمان، بصراحة اليوم كله كان حلو أوي و أنتَ وصحابك شكلكم كان حلو أوي”

ابتسم هو لها ثم قال:
“ربنا يفرحك علطول يا ستي، يعني طلعنا قد القول و عرفت أفرحك؟”

أومأت له ثم أضافت قائلة:
“أنتَ من ساعة ما ظهرت في حياتي وأنتَ مفرحني، و دي حاجة الكل ملاحظها، بس عاوزة اسألك حاجة مهمة”

قطب جبينه يسألها بتعجب:
“حاجة؟ حاجة إيه أسألي؟”

نظرت حولها كأنها ستفصح عن سرًا حربيًا ثم قالت بنبرة هامسة:

“هو فرحنا إحنا كمان إمتى؟ بصراحة اتحمست أوي لفرحنا يا ياسين، مش عارفة ينفع أقول كدا ولا لأ؟ بس هو بجد فرحنا فاضل عليه كتير؟”

اتسعت مقلتاه باندهاش، بعدها حرك رأسه في عدة جهات و كأنه يحاول استيعاب ما قالته، بعدها سألها بذهول:

“هو أنتِ والله بتسألي عن فرحنا؟ دا إيه العسل دا، يا سكر أنتِ”

ضحكت هي على كلماته ثم أومأت له فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم قال:

“هاجي أحدد معاد مع عم طه، على ما يكون عامر و ياسر خلصوا شهر العسل بتاعهم، علشان يكونوا معايا

اتسعت بسمتها ثم تنهدت بعمقٍ وهي تقول بحب:
“عاوزة أبدأ معاك من جديد يا ياسين، عاوزة أهرب من بيت الرشيد اللي مش لاقية فيه ذكريات حلوة دا، عاوزة ألحق أحافظ على ذكرياتي الحلوة من ساعة ظهورك في حياتي”

أمسك كفها يربت عليه بحب ثم قال:

“إن شاء الله هنعمل ذكريات أحلى كتير يا خديجة، كل اللي عاوزه منك تنسي أي حاجة تزعلك أو زعلتك علشان نعرف نبدأ حياتنا الجديدة”

ردت عليه هي بحماس:
“أنا علشان عاوزة أحافظ على اللي عملته معاك، عاوزة نكون سوا، حاسة أني فرصتي هاخدها وأنا جنبك والله”

نظر لها مندهشًا ثم قال بنبرةٍ غير مصدقة:
“أنتِ اتغيرتي خالص يا خديجة، أنتِ مين يا ست الكل؟ دا لو ابو الهول نطق و قالي أني هسمع كدا منك والله ما هصدقه”

ضحكت هي ثم إقتربت منه تقول بنبرة هامسة:

“مُـنذُ التـقيْتُـك غَـدوتُ عَـلّى الـصِـعابِ قَـادرًا…و الـقَـلـب السَـاكِـن أضّـحـىٰ لأجـلِـك نابـضًا…أمّـا الـجَـمـيع فـ رآوني بَـعـدَ ظـهُـوركَ مُـتـغُيـرًا…و أنـا أَوْدُ أنّ أسـألـكَ…ألّـم يَـكُن حُـبـي لَـكَ فـي عَـيْنّي ظـاهـرًا؟”

إتسعت مقلتاه باندهاش ولم يستطع أن يُعقب على حديثها الجميل الذي أطرب آذانه، أما هي فابتسمت بهدوء ثم غمزت له و تبعت فعلتها تلك بقولها المرح:

“خلاص يا ياسين طالما سكت يبقى كدا أتثبت”

نزل هو من على الدراجة ثم احتضنها بقوة وهو يقول بنبرة غير مصدقة:

“كفاية بدل ما أطلع أحدد الفرح دلوقتي، خلاص دا أنتِ اتغيرتي جدًا يا ستي”

ضحكت هي ثم ابتعدت عنه وهي تقول بحب:

“بصراحة كنت كتباها علشانك، قولت يعني أنا سمعت منك كل كلام الدنيا الحلو، يعني نوجب معاك يا هندسة”

ضحك هو عليها ثم قال بمرحٍ:
“طب أطلعي نامي يا خديجة، بدل ما أخطفك بعد هندسة دي”

أومأت له ثم تركته ودخلت البيت، تنهد هو بحرارة بعد إختفاء أثرها من أمامه، بعدها قام بتشغيل الدراجة ثم رحل من أمام البيت، أما هي فصعدت شقتها بفرحة عارمة، فوجدت «خلود» تنتظرها في غرفة الصالون، نظرت لها «خديجة» بتعجب وهي تقول:

“أنتِ قاعدة كدا ليه يا خلود؟ عليكِ ندر؟”

وقفت «خلود» أمامها تقول بحنقٍ:
“مستنية ترجعي علشان أعرفك حصل إيه في غيابك، البيت كان مقلوب”

سألتها «خديجة» بخوفٍ:
“أوعي تقولي عمتو ماتت؟ ولا راحت مستشفى ؟!”

حركت «خلود» رأسها نفيًا وهي تقول:

“للأسف محصلش، بس حصل حاجات أكتر من كدا، بس أنتِ خايفة على مشيرة ليه؟”

ردت عليها «خديجة» بخجلٍ:
“أصل بصراحة ياسين هيجي يحدد معاد فرحنا مع بابا، وبصراحة كدا يا خوخة أنا عاوزة أتجوز”

ضحكت «خلود» ثم قالت:
“طب اسمعي بقى اللي حصل علشان عاوزة أنام”

أرهفت «خديجة» السمع لها وهي تقص عليها ما حدث في غيابها منذ الصباح، كانت تقص عليها ما حدث منذ دخول «جميلة» البيت حتى جلوسها في غرفة عبلة و طارق، قصت عليها تفاصيل اليوم بأكملها، أنهت «خلود» حديثها، فوجدت «خديجة» تقف منتفضة وهي تقول:

“فين وليد يا خلود؟ إيه اللي هو عمله دا؟ إزاي يجوزها بالطريقة دي؟”

ردت عليها «خلود» ببساطة:
“وليد فوق على السطح، شوفته طالع من شوية، بس ممكن يكون نام الله أعلم”

أومأت لها «خديجة» ثم دخلت غرفتها تبدل ثيابها، بعدها ارتدت عليها ازدال الصلاة ثم صعدت له السطح.
____________

دخلت هي تنظر حولها تبحث عنه بعينيها، فوجدته جالسًا على الأريكة و في يده ذلك الكتاب يقرأه، حركت رأسها بيأس ثم اقتربت منه تقول بضيق:

“إيه اللي عملته دا يا وليد؟ إزاي تجوز جميلة و طارق بالطريقة دي، إزاي تظلمها كدا”

رفع رأسه ينظر لها بلامبالاة ثم أعادها للكتاب من جديد، فسألته هي بنبرةٍ أكثر حُنقًا:
“بكلمك يا سيدي رد عليا، فهمني مرة واحدة طريقة تفكيرك يا وليد، مش عاوزة أفضل تايهة فيك كدا كتير”

ألقى الكتاب على الطاولة الموضوعة أمامه ثم قال ببروده المعتاد:
“نعم يا خديجة؟ خير عاوزة إيه، و قبل ما تتكلمي أقعدي علشان مبحبش حد يقف قصادي كدا”

عضت على شفتها السفلى ثم جلست أمامه وهي تقول بانزعاج:
“طيب يا وليد، قولي بقى أنتَ إيه اللي عملته دا، إزاي تظلم جميلة كدا، إزاي تزود وجعها كدا”

رد عليها مُعقبًا بحنقٍ:
“أهدي بدل ما أديكي على وشك، وأسمعيني يا خديجة، علشان أنا مش ظالم، أنا لو ظالم هرد لمشيرة اللي عملته فيا و فيكِ، أنا لو ظالم زي ما بتقولي هخلي بنتها تدوق اللي دوقتيه، لو ظالم بجد هخلي مشيرة تتحسر على بنتها لما تسيبها و تمشي، جميلة دي كانت هترجع الصعيد تاني، يعني كانت هتشوف الويل، واحدة زي دي مستحيل تثق في حد تاني، يعني بقت في حكم اليتيمة، أسيبها بقى ترجع الصعيد تاني و بعدها حسان يروحلها و يكسب تاني؟ حسان اللي شوفنا الذل بسبب عملته؟ أنا آمنت ليها مستقبل بنتها، سلمتها لأكتر قلب هيحافظ عليها، قلب طارق اللي كان بيعدي الثواني في بعدها، أنا مش ظالم يا خديجة، جميلة دي كانت هتدخل في دور اكتئاب، أسيبها إزاي و فيه واحد تاني قلبه محروق من بعدها عنه، ها يا خديجة..لسه شايفة أخوكِ ظالم؟”

حركت رأسها نفيًا ببكاء ثم أحتضنته وهي تقول ببكاء:
“أخويا مش ظالم..أخويا أحسن راجل في الدنيا كلها، أنا بحبك أوي يا وليد، كل حاجة حلوة في حياتي أنتَ السبب فيها، حتى وجود ياسين، أنتَ السبب فيه بعد ربنا سبحانه وتعالى، علشان خاطري متزعلش مني”

ضحك هو بخفة ثم ربت عليها وهو يقول بحب:
“أزعل من بنتي برضه؟ أنتِ مش أختي يا خديجة، أنا طول عمري بعاملك إنك بنتي، مبعرفش أزعل منك، و عارف إنك بتقولي كدا علشان مستغربة الموقف، بس والله أنا عملت كدا علشان جميلة و طارق، الاتنين والله يستاهلوا يفرحوا، ساعات بناخد قرارات غريبة بس بتكون هي أسلم حل لينا و لغيرنا يا خديجة”

نظرت له هي بتعجب ثم قالت مندهشة:
“هو أنتَ هتعمل إيه تاني يا وليد؟” قلبي مش مرتاح ليك”

أخذ هو نفسًا عميقًا ثم قال:
“خديجة أنتِ ناوية على إيه مع طه و هدير و مشيرة ؟!”

نظرت له نظرة استفسار ممزوجة بالدهشة، فوجدته يسأل بنبرةٍ أقوى:
“هسألك السؤال بصيغة تانية، يعني ناوية على ايه في حياتك يا خديجة؟ قوليلي كدا علشان أعرف تحركاتي بعد كدا؟”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“أنا لأول مرة هكون صريحة يا وليد و أقولك أبويا و هتعامل معاه عادي بس زي ما قولتله غصب عني مش هعرف أسامحه وهتفضل علامة سودا في قلبي منه، بس في النهاية الأيام هتنسيني، هدير و ممكن اسامحها علشان دي ضحية زيي بس برضه مش هعرف أأمن ليها، فاطمة و مشيرة بقى مستحيل يا وليد، واحدة فيهم كانت عارفة إن أمي مظلومة و التانية مفيش مرة كانت بتندم يا وليد”

سألها هو بهدوء:
“طب ما أنتِ قعدتي جنبها وهي تعبانة و كنتِ هتنامي جنبها، دا معناه إيه؟”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“علشان كلهم سابوها و مشيوا يا وليد، واحدة زي دي عندها هبوط حاد و محدش عاوز يقعد جنبها، أنا مهما كان مش زيهم، أنا أحسن منهم، هما قلبهم قاسي،بس أنا قلبي أنضف منهم، لكن أني أسامح كدا هبقى متخلفة و بسيب حقي يا وليد، و بصراحة أنا عاوزة أكمل حياتي بعيد عن بيت الرشيد، و ياسين جاي يحدد معاد الفرح مع بابا، عاوزاك بقى تحدد المعاد بسرعة على قد ما تقدر، أكتر حاجة تكون أسبوعين”

نظر لها مُبتسمًا بسخرية ثم أضاف بنبرة متهكمة:
“هو مش دا ياسين اللي كان هسيبك علشان ميعرفش شخصيتك عاملة إزاي؟ و مش دا اللي بشر مش ملاك، و مش دا اللي زي راشد و …”

صرخت هي في وجهه بضيق ثم قالت بنبرةٍ حانقة:

“بس أخرس، راشد في عينك، ياسين دا مفيش منه اتنين، او فيه..أنتَ يا وليد، أنتو الاتنين زي بعض، كل واحد فيكم بيختار راحة الناس التانية على حساب راحته، هو بيعمل كدا بالهدوء و أنتَ بالتخطيط، و بصراحة أنا ربنا بيحبني علشان رزقني بيكم أنتو الاتنين يا وليد”

وضع ذراعه عليها وهو يقول بمرحٍ:
“كبرتي يا خديجة و بقيتي بتعرفي تتكلمي، و كمان عاوزة تحددي معاد الفرح، ماشي يا ستي، هاتي ياسين علشان نحدد الفرح”

سألته هي بحماس:
“بجد يا ليدو؟ قول والله”

ضحك هو ثم ضربها على رأسها وهو يقول بمرحٍ أنتهى بالحزن الزائف:
“هو أنتِ مش هتكبري أبدًا، قولتلك كلمتي بتكون زي الساعة ماشية مظبوط، المهم أنتِ روقي أعصابك كدا علشان نفوق لفرحك، خليني أفوق لنفسي بقى يا ناس، عمال أوفق كل راسين في الحلال و أنا والله على حافة الطلاق، عم محمد حلف حضن كمان و هيطلقها مني”

ضحكت هي ثم وكزته في كتفه وهي تقول:
“ما أنتَ اللي مفضوح، العيلة كلها شاهدة عليكم ، دا حيطان البيت قربت تنطق و تقول هي كمان”

رد عليه بنبرة غير مبالية:
“طب وفيها إيه مش مراتي؟ و بعدين المفروض عم محمد يكافئني، دا أنا جوزتله الباير ابنه الكبير”

تنهدت هي بعمقٍ ثم سألته بقلق:
“وليد أنا كدا مش أنانية صح؟ يعني أنا بفكر في فرحي و عاوزة أبدأ حياتي من جديد، أنا معايا حق صح؟ بس والله أي حاجة تانية غصب عني، مش هقدر أسامح و أنسى، أنا هكتفي ببعدي عنهم وربنا يقدرني، بس والله ربنا يعلم أنا مش هشيل في قلبي حاجة ليهم”

رد عليها هو بهدوء:
“عارفة يا خديجة، أفلاطون عاش معظم حياته بيعمل مدينة خالية من الفروق العنصرية، في وقت كان لسه فيه أسياد و عبيد، هو كان مقرر إن الناس كلها سواسية، و فضل ماشي بالمبدأ دا قصاد كل فلاسفة عصره، لحد ما أثينا دي اتهزمت من اسبرطة هزيمة ساحقة، ساعتها مدينة أفلاطون الفاضلة دي اتهدت على دماغ أهله كلهم، ساعتها أول حاجة عملها طالب بالفروق بين الأسياد و العبيد و قال إن العبيد هما السبب في الهزيمة دي، علشان هو اتساهل معاهم، لو بصينا على المدينة الفاضلة دي يا خديجة هنلاقيها شبه شقة عمتك قبل ما حسان يمشي”

قطبت جبينها تنظر له باستفسار ممزوج بالتعجب،فوجدته يستطرد حديثه قائلًا:

“يعني يا خديجة شقة عمتك كانت لمانا كلنا مع بعض، حتى هدير رغم إنها صفرا من يومها بس لما كانت بتكون معانا كانت بتنسى تربية فاطمة ليها، بعدما حسان مشي بجميلة، مشيرة اتحولت على العيلة كلها، و أول حاجة عملتها فرقت بيننا، وساعتها الوحيدة اللي فضلت في صفها تشربها المكر كانت فاطمة الله يهدها، لما سرحت مع نفسي لقيت إن الحياة دي غريبة، حتى الشر فيها مش مطلق، يعني مشيرة كانت رد فعل لفعل حسان، و حسان رد فعل لفعل مجدي و مديحة، و طه كان رد فعل لفعل حسان في مشيرة، الوحيدة اللي كنت محتار فيها كانت فاطمة، وبرضه طلعت رد فعل لظروفها و لرفض جدي جوازها من عمي محمود، محدش بيتولد وحش يا خديجة، و كلنا فينا الخير و الشر، بس بدرجات متفاوتة، يعني العاقل فينا اللي يعرف يحكم إمتى يكون طيب و إمتى يكون جامد، وأنتِ الله يحميكِ لشبابك..أكبر موكوسة شافتها عنيا يا خديجة، بعد كل دا و لسه شايفة إنك أنانية، دا ياريت الدنيا فيها منك كتير والله مكانش حد غلب في حياته”

ضحكت هي ثم قالت بهدوء:
“علشان خايفة أصحى يوم الأقي نفسي زيهم، شخص مؤذي و خلاص، بس أنا مش كدا، اللي داق الظلم يخاف غيره يدوقه، واللي اتوجع مش هيحب غيره يتوجع، آه يمكن أكون سلبية شوية، بس مش مشكلة، المهم أني بعرف أنام و أنا مش ظالمة حد، غير كدا ميهمنيش يا وليد، كفاية أني كويسة في عين نفسي، عين اللي قصادي متهمنيش”

رد عليها هو بهدوء:
“صح معاكِ حق، المهم عينك عين اللي قصادك متهمكيش”
_____________

في صباح اليوم التالي، استيقظ «طارق» ينظر على صدره بعدما شعر بثقلٍ عليه، فوجدها هي نائمة، و متشبثة به، رفرف باهدابه عدة مرات يحاول استيعاب ما يراه أمامه، بعدها أخرج زفيرًا قويًا ثم حاول فك حصار جسده، فاستيقظت هي بفزعٍ وهي تقول:
“فيه إيه؟”

نظر هو لها وهو يقول بهدوء و بصوتٍ متحشرج إثر نومه:
“مفيش أي حاجة، كل الحكاية بس أني عاوز أخرج من السرير وأنتِ ماسكة فيا زي اللي ماسك حرامي”

نظرت هي على يدها المتشبثة به بخجلٍ ثم نظرت له وجدت التسلية في نظرته، مما جعلها تتركه بسرعة وهي تقول بنبرةٍ مُحرجة:

“أنا…أنا أسفة بس علشان كنت خايفة إمبارح”

رد عليها هو بخبثٍ:
“لأ يا شيخة متقوليش كدا، أنا مش غريب أنا جوزك برضه، المهم أنتِ كويسة؟”

كانت نبرته حنونة في سؤاله مما جعلها تنظر له بعمقٍ، فتنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“عارف إنك مش كويسة، و عارف كمان إنك هتاخدي وقت علشان تنسي اللي حصل، أو تتجاوزيه، بس عاوزك تعرفي إن أنا معاكِ علطول، و مش هسيبك تاني تروحي مني يا جميلة، ولو على حياتك الجاية فهي خلاص بقت معايا، بالرضا بقى بالعافية…أنسي إنك تمشي تاني ولا تغيبي عني تاني”

ردت عليه هي بإحراج:
“أنا مش عاوزة أسيبك…أنا مش أنانية علشان تفضل موقف حياتك عليا وأنا أرجع أقولك أني مش عاوزاك…أنا بس طالبة وقت أتعود على اللي أنا فيه، أنا كنت مخططة لحاجات كتير في حياتي هنا اتهدت على دماغي”

قطب جبينه يسألها مستفسرًا:
“حاجات إيه طيب وأنا أساعدك فيها، أنا أقدر أعملك أي حاجة”

نظرت له بهدوء ثم قالت:
“كنت عاوزة أشتغل هنا في القاهرة، أنا خريجة تربية قسم لغة عربية، بس أنا معرفش حد هنا يساعدني”

نظر هو لها بعتاب ثم قال:
“وأنا إيه يا جميلة؟ أنا هنا كل حاجة لكِ، قومي بس علشان نفطر وأنا هشوفلك موضوع الشغل دا، و أي حاجة تانية تحتاجيها أطلبيها مني أو من عبلة أختي لو هتتحرجي يعني”

سألته هي بسرعة:
“هي خديجة فين؟ أنا عاوزة أشوفها…بس هي هتوافق أشوفها…ولا هتاخد مني موقف”

تحولت نبرتها من السرعة إلى التردد، مما جعله يُجيبها بسخرية:
“صدقيني دي أطيب واحدة في الدنيا كلها، دي مستحيل تاخد منك موقف..دي معرفتش تقسي قلبها على اللي آذوها…هتقسيه عليكِ وأنتِ ملكيش ذنب؟”

سألته هي من جديد:
“يعني ينفع أشوفها؟ عاوزاك تيجي معايا و نطلع ليها”

أومأ لها موافقًا ثم قال:
“مفيش مشاكل نفطر و نطلع ليها نشوفها”

أومأت له ثم نظرت بجانبها على الطاولة الموضوعة بجانب الفراش، فوجدت صورتها وهي صغيرة، أمسكت الصورة بأنامل مترددة، فوجدته يقول بنبرة موجوعة من تذكره للماضي:

“دي أخر صورة لكِ قبل ما تمشي من البيت يا جميلة، خدتها من شقتكم و حطيتها جنب سريري علشان تبقى أول حاجة و أخر حاجة أشوفها، أنا حبيتك بطريقة تخلي الحجر يلين، كل الناس عرفوا حبايبهم و بدلوهم و أنا احتفظت بحبي لكِ، مش بلومك على غيابك اللي مش بايدك، بس مش عاوزك تمشي تاني…عاوزك هنا يا جميلة…زي ما كنتِ علطول معايا

نظرت له بأعين دامعة فوجدته يمد أنامله يكفكف دموعها وهو يقول:
“كفاية عياط بقى…أنا من ساعة ما شوفتك و أنتِ بتعيطي بس يا جميلة، ربنا يقدرني و أوقفلك الدموع دي خالص”

وقف بعد حديثه ثم اقترب من الباب وهو يقول:
“أنا هطلع برة علشان تاخدي راحتك، عبلة جابت هدوم علشانك هنا في دولابي، لو عوزتي حاجة تانية قوليلي”

أومأت له ثم ابتسمت له بتوتر، فأومأ له هو الأخر ثم بادلها بسمتها المتوترة بأخرى أكثر اتساعًا ثم قال:

“شكرًا يا جميلة…شكرًا علشان رجعتي ليا تاني، شكرًا علشان أثبتي إن القلب عمره ما كدب على صاحبه… القلب دا دليل قوي ، و يا بخت اللي قلبه دليله”

أنهى حديثه ثم تركها وغادر الغرفة في هدوء، نظرت هي في أثره بتعجب ثم قالت بمزاح:

“الواد دا غلطة في العيلة دي ولا إيه؟ دا باينه العوض بجد… إيه دا أنا مهزقة ولا إيه؟”

قامت هي ثم انتقت عباءة مناسبة لها من بين الملابس التي وضعتها «عبلة» لها، بعدها خرجت من الغرفة وهي تحمل الثياب على ذراعها، نظرت حولها تبحث عن المرحاض، بعدها وجدت «عبلة» تخرج منه وقفت تنظر لها بإحراج فوجدت «عبلة» تقترب منها وهي تقول مبتسمة:

“صباح الخير يا قمر، ادخلي غيري هدومك و خدي دش حلو كدا، طارق في الحمام التاني”

أومأت لها «جميلة» ثم دخلت المرحاض، خرجت بعدها، تنظر حولها كما لو أنها لص، رفعت رأسها فجأة، وجدته ينظر له باندهاش، فقالت هي بهدوء:

“بصراحة أنا تايهة…مش عارفة أخرج من أنهي ناحية…متعرفش أخرج منين؟”

حاول هو كتم ضحكته وهو يقول بنفس النبرة الهامسة التي تتحدث بها:

“يمين في شمال…هتلاقي طرقة صغيرة و بعدها الشقة كلها، أي خدمة؟”

ارتخت قسمات وجهها وهي تقول:
“شكرًا ربنا يجبر بخاطرك”

رفع حاجبيه معًا إثر جملتها، فوجدها تتركه وهي تلوح له بكفها، نظر هو في أثرها بتعجب ثم قال:

“البت دي ملبوسة؟ مش كانت عمالة تعيط امبارح؟ والله ما فارقة كدا كدا على قلبي المهزق زي العسل”

خرج بعدها وهو يضحك على نفسه وعلى ما وصل إليه، وجد أسرته بأكملها جالسة على طاولة الطعام، وهي معهم أيضًا، جلس هو بجانبها، فتحدثت والدته تقول بفرحٍ:

“أنا صاحية من النوم و قلبي فرحان برجوعك تاني يا جميلة، أنا قلبي كان واجعني في غيابك أوي، و طارق ابني كمان..نسي يا حبة عيني الأيام الحلوة في بعدك”

نظرت لها «جميلة» بخجل وهي تقول:
“شكرًا لحضرتك جدًا…بس أنا خايفة أكون بتقل عليكم”

ردت عليها «عبلة» بضيق زائف:
“بت أنتِ متعصبنيش، هجبلك خلود والله، تتقلي إزاي على بيتك”

تدخلت «سلمى» تقول بخبثٍ:
“شكلها الله أعلم كدا نسيت إنها بقت مرات طارق، بس مش مشكلة نفكرها إحنا”

إبتسمت لها «جميلة» ثم نظرت له وجدته يبتسم هو الأخر، تحدثت «سهير» تقول بهدوء:

“كلي يا جميلة، ولا أخلي طارق يأكلك زي امبارح؟”

حركت رأسها نفيًا وهي تبتسم بتوتر ثم أخذت الطعام من أمامها، وشرعت في تناوله، بينما «طارق» أخرج هاتفه ثم تحدث مع «وليد» كان حديثه مقتضب بشدة لم تستطع أيًا منهن تفسير ما يتفوه به، أغلق هو الهاتف فوجد نظراتهن مسلطة عليه، نظر هو لهن ثم قال:
“خير فيه حاجة؟”

سألته «عبلة» بحماس:
“دا وليد صح؟ هو فين قولي بالله عليك”

رد عليها هو بهدوء:
“طالع عند عمك طه، مستنيني فوق عند خديجة”

نظرت له «جميلة» بحماس وهي تقول:

“طب ينفع أطلع اشوفها؟ أنا عاوزة أتكلم معاها ضروري”

أومأ لها «طارق» ثم قال بنبرةٍ مقررة:
“كلي كويس وأنا أطلعك ليها، غير كدا مش هقدر”

أومأت له ثم أمسكت الطعام من جديد تحاول قطم بعض اللقيمات الصغيرة، كانت تحاول رغمًا عنها لكن معدتها لم تقبل الطعام، و رفضته، تركت هي الطعام وهي تقول له بتوسل:

“مش هعرف أأكل والله، ممكن بس تطلعني ليها و بعدها أنا هبقى أأكل…من فضلك يا طارق”

نظر هو لها عند ذكرها إسمه فوجد نظرتها مُحرجة منه، أما هو فقال بمرحٍ:

“حاضر يا جميلة…علشان خاطر قولتي طارق بس…يلا”

أومأت له ثم دخلت من أمام الجميع الغرقة مرةً أخرى، قامت بـ لف خمارها على العباءة التي كانت ترتديها ثم خرجت وهي تقول بهدوء:

“أنا جاهزة يلا بينا”

سألتها «سلمى» بتعجب:
“هو أنتِ عملتي إيه؟ مش كنتِ لابسة طرحة”

أومأت لها في هدوء ثم قالت:
“أيوا بس لبست الخمار علشان وليد هيكون فوق، و ممكن يكون فيه حد تاني الله أعلم”

نظر لها «طارق» بفخرٍ ثم قال:
“ربنا يزيدك و يبارك فيكِ”

ابتسمت له بتوتر ثم أخفضت رأسها حينما لمحت نظرته، بينما هو أخذ نفسًا عميقًا ثم أشار لها تسبقه، بعد مرور ثوانٍ، وقف هو أمام شقة «طه» طرق هو الباب وهي خلفه تفرك كفيها معًا، فُتح الباب بواسطة «وليد»، نظر لهما ثم قال بخبثٍ:

“يا أهلًا بالغاليين ولاد الغاليين…صباحية مباركة يا عرسان”

تدرج وجهها بحمرة الخجل، أما «طارق» فنظر له بضيق ولم يُعقب، فأشار لهما «وليد» وهو يقول:
اتفضلوا دا البيت نور بيكم والله”

اتت «خديجة» من الداخل وهي تقول:
“مين يا وليد؟ و أوعى تقولي ملكيش فيه، همد إيدي عليك”

نظرت حولها فوجدت «طارق» و «جميلة» يقفا سويًا بجانب «وليد» عدلت هي من غطاء رأسها ثم وقفت أمامهما وهي تقول بنبرة مذهولة:

“أنتِ…أنتِ جميلة؟”

أومأت لها «جميلة» ثم سألتها هي الأخرى بتوتر:

“أنتِ أكيد خديجة”

أومأت لها «خديجة» ثم احتضنتها فجأة، اتسعت أعين «جميلة» من هول المفاجأة فوجدت «وليد» يقول بمرحٍ:

“لأ متخافيش، هي مشاعرها جياشة كدا، المثل بيقولك متخافش من الهبلة خاف من خلفتها..دي هي و أمها هُبل بالختم”

شددت «خديجة» من عناقها لها، فوجدت «جميلة» تجهش في البكاء وهي تشدد العناق هي الأخرى، فمال «وليد» على أذن «طارق» وهو يقول بخبثٍ:

“مش كنت أنتَ أولى بالحضن دا..على الأقل تعوض الجفاف اللي جالك في مشاعرك”

نظر له «طارق» بضيق ولم يعقب، بينما هن بكت كلتاهما بين ذراع الأخرى، ابتعدت «خديجة» عنها وهي تقول:

“وحشتيني أوي…شكلك حلو زي ما تخيلتك و أحلى كمان”

نظرت لها «جميلة» بخجل وهي تقول:
“أنا بصراحة مكنتش فاكرة شكلك..بس أنا جاية أعتذرلك عن اللي حصلك في غيابي بسببها بسببه”

قطبت «خديجة» جبينها تسألها بتعجب:
“تعتذري ليه؟ و هما مين دول السبب”

ردت عليها «جميلة» بخزي و إنكسار في نبرتها:

“بعتذر لك علشان عرفت إنك شوفتي كتير أوي… وهما مين، قصدي على حسان و مشيرة”

نظرت «خديجة» لهما، ثم نظرت لها وهي تقول بهدوء:
“لأ أنتِ مش من حقك تعتذري، أنتِ ملكيش ذنب، في النهاية دا نصيب، محدش بياخد أكتر من نصيبه، وبعدين الحمد لله أنا خفيت وبقيت زي الفل”

ردت عليها «جميلة» بإنكسار:
“بس اللي شوفتيه كان كتير، دا أنا سمعت منها مقدرتش أستحمل”

تدخل «وليد» يقول بهدوء:
“طب يلا تعالوا معايا علشان عاوزكم مع بعض في حاجة مهمة”

نظر له الجميع بتعجب فقال هو مردفًا:
“تعالوا بس و هتفهموا”

خرجوا جميعًا من الشقة، و ركبوا المصعد، ضغط «وليد» على زر الطابق الأول، بعدما وصل المصعد خرجوا جميعًا منه ثم دخلوا الشقة، بعدها وقفوا أمام غرفة «مشيرة» تحدثت «جميلة» تقول بضيق:

“بس أنا مش عاوزة أدخلها، ومش عاوزة أشوفها”

رد عليها «وليد» بسخرية:
“ليه إن شاء الله؟ دي خديجة نفسها مش معترضة، أيًا كان دي أمك برضه”

نظرت له بقوة وهي تقول:
“مش مشكلتي…أنا مبحبش الناس الظالمة، وهي ست ظالمة”

أومأ لها «وليد» ثم قال بسخرية:
“شخصيتك قوية..كل يوم بتأكد إنك بنتها فعلًا”

رد عليه «طارق» بضيق:
“ما تهدا شوية يا وليد، وخلينا نخلص”

دخل «وليد» الغرفة ثم قال لوالدته و لزوجات عمه:
“معلش يا جماعة، عاوز زينب و مشيرة هنا بس، مروة و سهير يطلعوا برة، نظرت له كلتاهما فأومأ هو لهن بثقة، خرجت كلتاهما من الغرفة ثم أدخل هو البقية، نظرت «مشيرة» في أوجه الجميع حتى وقع بصرها على ابنتها، أما «جميلة» فأخفضت رأسها تنظر في الأرض حتى لا تلتقي عيناها بعيني والدتها، أما «خديجة» فنظرت لها بمشاعر مضطربة، تحدث «وليد» يقول بهدوء:

“دلوقتي أنا عاوز أخلص من الهم اللي حل علينا دا، جميلة عندك استعداد تسامحي أمك”

نظرت له بضيق وهي تقول بنبرة لا تقبل النقاش:

“مستحيل..لا هي ولا هو…واحد كداب و واحدة ظالمة،أسامحهم ازاي؟”

أخفضت «مشيرة» رأسها وهي تبكي بقوة، أما «وليد» فسأل «زينب»:
“وأنتِ يا زينب مسامحة ولا لأ؟”

نظرت «زينب» لها تتفحص هيئتها المريضة، فقالت بعدما نظرت له من جديد:
” مسامحة يا بني…أنا مش عاوزة حاجة غير إن حقيقتي تظهر و حقي يرجعلي، و أظن الحمد لله ربنا ظهر حقيقتي…و إن بنتي تكون مبسوطة في حياتها، الحمد لله ربنا جبر بخاطري واللي عاوزاه حصل”

أومأ لها «وليد» ثم نظر لـ «خديجة» التي كانت تنظر في وجه عمتها ثم قال:

“وأنتِ يا خديجة؟ مسامحة؟”

نظرت له «خديجة» ثم نظرت لعمتها من جديد وفي تلك اللحظة لم تسمع شيئًا حولها سوى صوتًا واحدًا:

“علـشان خاطــري يا بابا والله معملتش كــدا… والله عمتو هي السبب..يــا ولــيـد…والله هي اللي عملت كدا مش أنا…يا ماما خليه يطلعني من هنا…يا ولـــيـد”

لم تسمع سوى صراخاتها وهي تتوسل للجميع بفك حصارها من تلك الغرفة حركت رأسها في عدة جهات غير متناسبة وهي تبكِ بقوة ثم ركضت تحتضن «وليد» وهي تتشبث به بقوة ثم قالت ببكاء:

“أنا عاوزة أنسى…علشان خاطري خليها تسكت… عمالة تعيط في ودني يا وليد”

يُتَبَع
#الفصل_الثامن_والأربعون
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى