“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل التاسع و الأربعون”
__________
كل حنان العالم أجمع وجدته في عيناه…حتى قلبي الساكن لم يتحرك لـ سواه.
__________
الآن و بكل أسى الدنيا أخبركم أن أصعب ما يمر على المرء أن يفقد الشغف في منتصف الطريق تجاه الأشياء التي احترق شوقًا للحصول عليها، الآن و أنت تقف في المنتصف تائه لا تدري إلى أي طريق تخطو قدماك، هل تعود لنقطة البداية وتسير نفس الطريق المليء بالصعاب مرةً أخرىٰ ،أم تُكمل سيرك نحو شيء مجهول الهوية؟ ولكن الأصعب من ذلك وذاك هو أنك أنت المسئول الوحيد عن النتيجة.
“أنا عاوزة أنسى…علشان خاطري خليها تسكت… عمالة تعيط في ودني يا وليد”
قالتها «خديجة» ببكاء وهي تتشبث بـ «وليد» كعادتها منذ صغرها، فدائمًا و أبدًا كان هو حصنها المنيع، تمسكت به أكثر وهي تبكِ بقوة، أما هو فنظر لـ «مشيرة» التي كانت تتابع ما حدث بأعين مندهشة.. أخرج هو زفيرًا قويًا ثم ربت عليها وهو يقول بهدوء كما لو أنه يهدهد طفلًا صغيرًا:
“خلاص يا خديجة، كل دا خلص و مش هيحصل تاني…أنتِ دلوقتي كبرتي و خفيتي و اتجوزتي ياسين… متخافيش محدش هنا يقدر بقربلك وأنا موجود”
كانت «جميلة» تتابع الموقف بأعين دامعة، فهي حتى الآن لم تتصور كم المعاناة التي شعرت بها «خديجة» بسبب غيابها، أما «طارق» فزفر بضيق ثم نظر في وجه عمته بشررٍ يتطاير من عيناه، خرجت «خديجة» من حضن «وليد» تنظر له بشكٍ فوجدته يومأ لها بقوة، نظرت هي حولها من جديد بعدما مسحت دموعها، ثم خرجت من الغرفة، نظرت «زينب» في أثرها بحزن، ثم تبعتها إلى الخارج، بينما «وليد» قال بنبرة حادة بعض الشيء:
“أنا عمري ما أقدر أجبر إنسان يسامح في حقه، وعمري ما هقدر أخلي خديجة تنسى اللي عملتيه فيها…هي آه خفت بس منسيتش يا مشيرة، دلوقتي بس اتأكدتي إنك ظالمة؟”
نكست رأسها للأسفل من جديد ثم أجهشت في بكاء مرير، بينما «جميلة» وقفت أمامها تقول بنبرةٍ متهكمة حانقة على أفعال والدتها:
“عارفة أنا إيه اللي مخليني مش عارفة أسامحك؟ هو إنك غلطانة من بداية حياتك، واحدة زيك ارتبطت بواحد من غير أي علاقة شرعية بينهم طبيعي النهاية تكون مش مرضية..علشان اللي عملتيه كان حرام و ميرضيش ربنا… بعدها ربنا كرمك و قفل باب مجدي في وشك..فضلتي تحاربي علشان الباب يتفتح…ربنا كرمك و عوضك بحسان و للأسف بيا…برضه شوفتي إن دي غلطة وإنك مش عاوزة تخلفي منه… وبعتي جواب لمديحة توصله لأخوها علشان تعرفيه إنك حامل وإنك هتكملي حياتك مع حسان بس غصب عنك…طبيعي إن تركيزك في النقم، يمنع عنك النعم..أنتِ لو كنتِ فرحتي بعوض ربنا لكِ، و بدأتي من جديد معاه…مكانش حصلك كدا، لكن أنتِ طماعة…وياريت بعد اللي حصل عرفتي تكوني حد تاني..لأ ، سلمتي نفسك لشيطانك، و انتقمتي من عيلة صغيرة و أمها، بتاخدي حقك من ناس ملهاش ذنب، حتى لو طنط زينب عملت كدا فعلًا بس بنتها ملهاش دعوة..يا شيخة دا ربنا سبحانه وتعال قال:
قال تعالى:
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ}
عارفة يعني إيه؟ يعني ربنا مبياخدش حد بذنب حد تاني، يعني محدش بيتحاسب على غلطات غيره…تقدري تقوليلي شكلها وهي بتعيط كدا ريحك؟ واحدة عاشت طفولتها و مراهقتها كلها مشوهة بسببك، أنا والله مش لاقية حاجة ابرر بيها عملتك دي، عمري ما كنت اتخيل إني أقابلك وأنتِ كدا، يا شيخة يارتني ما لقيتك”
أجهشت «مشيرة» في بكاء عنيف، أما «جميلة» فركضت من أمام الجميع خارج الغرفة، و «طارق» يتبعها، وجدت «خديجة» تبكِ على الأريكة بين ذراعي والدتها، نظرت لـ «طارق» ثم أعادت النظر إلى «خديجة»، أخذت نفسًا عميقًا، ثم جثيت على ركبتيها أمامها وهي تقول بنبرةٍ متأسفة:
“حقك عليا أنا…والله أنا عارفة إنها كلمة سخيفة…بس مش بإيدي حاجة تانية غيرها…بس لو عاوزاني أمشي من هنا علشان تحس بوجع القلب أنا ممكن أعمل كدا…أي حاجة تعوزيها ممكن أعملها بس مش عاوزة أشوفك كدا”
ابتعدت «خديجة» عن والدتها ثم مسحت وجهها بكفيها إثر دموعها المنسابة على وجنتيها، بعدها أمسكت «جميلة» من ذراعيها توقفها بهدوء وهي تقول بنبرة متحشرجة نتيجة بكائها:
“أنتِ ملكيش ذنب يا جميلة، أنتِ زيك زيي..ضحية برضه، وأنا الحمد لله اتغيرت كتير عن الأول…كل الحكاية بس أني مقدرتش أقول أني مسامحة…كأن خديجة التانية بتفكرني بطريقتها اللي حصل فيا، رغم والله أنا حاولت أنسى وأسامح…بس طلع غصب عني بجد”
في تلك اللحظة أتى «وليد» يقف مقابلًا لـها وهو يقول:
“و دا حقك يا خديجة، ماهو أنتِ برضه مش إنسان آلي، المهم إنك متفضليش زعلانة كتير، و افتكري إنك تعبتي مع ياسين علشان توصلي للي أنتِ فيه دا”
نزلت دموعها رغمًا عنها ثم قالت بنبرة مختنقة إثر البكاء:
“أنا عاوزة أطلع أرتاح شوية…عن إذنكم”
أومأ لها الجميع، فتركتهم هي بعدما طالعت «جميلة» بهدوء و كأنها تخبرها أن الأمر ليس من شأنها، نظرت «زينب» في أثرها بحزن ثم قالت:
“هي مش كانت زي الفل…حصلها إيه تاني بس؟ خديجة هتفضل طول عمرها موجوعة كدا يا وليد”
اقترب منها «وليد» يربت على ذراعها وهو يقول:
“خديجة كويسة و زي الفل…علشان لو خديجة لسه زي الأول كانت هتفضل تصرخ و مكانتش هتسمعني…خديجة اتغيرت أوي، هي بس هترتاح علشان اللي حصل…وأنا عارف إيه اللي هيريحها”
نظرت له «زينب» باستفسار فوجدته يغمز لها وهو يبتسم بخبثٍ، ابتسمت هي الأخرى حينما فهمت مقصده، بينما «طارق» قال بعدما حمحم بهدوء:
“طب و الحل إيه يا وليد؟ حتى عمك طه رافض وجود مشيرة”
نظر «وليد» أمامه ثم قال بغموض دائمًا يليق بشخصيته:
“متقلقش أنا عارف الليلة دي آخرها إيه”
صعدت «خديجة» إلى غرفتها، تنهدت بعمقٍ حتى تُحد من قوة بكائها التي داهمتها بقوة،و كأن دموعها مثل الشلالات تود لو تنفجر في تلك اللحظة، ارتمت على الفراش بقوة و رغمًا عنها نزلت دموعها، بعدها غاصت في ثباتٍ عميق، كعادتها القديمة كلما حدث لها ما يحزنها.
______________
رحل الجميع من شقة «مشيرة» عدا «زينب» التي جلست في الخارج مع «وليد»، أتت «مروة» من الخارج حتى تدخل الشقة نظرت في وجهيهما، وعند التقاء عيناها بعيني «وليد» أدارت وجهها للجهة الأخرى حتى تتركه و تذهب، ركض هو إليها يمسكها من مرفقها وهو يقول مُترجيًا لها:
“علشان خاطري أستني، أنا والله مكنتش عاوز أقولك علشان خايف عليكِ، أنتِ وزينب عندي غاليين و مقدرش أشوف عينكم مكسورة، أنا والله كنت خايف عليكم، عمري ما كنت أتخيل إن الموضوع هيتكشف كدا، والله كان علشانكم أنتو، و خديجة عرفت لما لقتني مش قادر أبص في عينها، وأنا غصب عني مش بعرف أخبي حاجة عن خديجة”
طالعته والدته بأعين منكسرة وهي تقول بنبرةٍ تحمل الخيبات:
“و دلوقتي شكلي كان حلو وأنا زيي زي الغريب؟ شكلي كان حلو و أنا ابني بيتوجع و أنا معرفش؟ كنت بعيد عن عيني،بس اسأل أبوك علطول كنت حاسة بيك، قلبي كان بيقولي إنك بتتوجع وإنك محتاجني، حتى صبري اخويا لما كان بيقولي إنك نايم كنت بحس إنه بيكدب عليا، أنا مش زعلانة إنك خبيت، قد ما زعلانة أني مكنتش معاك و أنتَ بتتوجع يا حبيبي”
تحولت نبرتها من الخذلان إلى الحزن الدفين لأجله، مما جعل دموعه تنزل رغمًا عنه، فاحتضنته هي وهي تقول ببكاء:
“علشان خاطري متزعلش مني، والله لو أعرف ما كنت سيبتك تغيب عن قلبي و عيني يا نور عيني”
إقتربت منهما «زينب» وهي تقول ببكاء هي الأخرى:
“خلاص يا مروة كفاية نكد بقى، هو الواحد هيفرح إمتى يعني في بيت الرشيد؟ عمري كله ضاع في النكد هنا، و بعدين الواد زي الفل أهو وراجل اي واحدة تتمناه، متنكديش علينا بقى”
فتح هو ذراعه الآخر بعدما إبتعد نسبيًا عن والدته وهو يقول:
“تعالي يا زينب أنتِ كمان في حضني، ربنا يباركلي فيكم، بس خلاص بقى ننسى الأيام السودا اللي فاتت، علشان اللي جاي كله هيبقى فل إن شاء الله”
ابتسمت كلتاهما له ثم ألقت رأسها على كتفه، في تلك اللحظة دخلت «سهير»، رآت ذلك المنظر فقالت بسخرية:
“يا سلام يا خويا؟ ماشي خلي زينب و مروة ينفعوك”
نظر هو لها ثم قال بلامبالاة:
“عاوزة تيجي في حضني يا حماتي أنتِ كمان تعالي، مش عاوزة أبقي هاتي عبلة أحضنها”
وكزته «سهير» في كتفه وهي تقول بضيق زائف:
“عيب كدا يا حيوان لم نفسك، وبعدين عمك محمد لو سمعك هيموتك”
لوح لها بذراعه وهو يقول بنبرةٍ باردة غير مبالية:
“هو حر خليه يجي، و نشوف مين فينا اللي هيعملها فـ التاني”
ضحكت ثلاثتهن عليه أما هو فقال بجدية:
“هي فاطمة مرات عمي محمود فين؟ محدش فيكم بيشوفها؟”
نظرت كلًا منهن بملامح وجه تدل على الاستنكار، فـ قطب هو جبينه ثم قال:
“نهار مش فايت؟ هتروح فين يعني لا تكون جرالها حاجة”
ردت عليه «سهير» بفزعٍ:
“مش عارفة يا واد يا وليد؟ شوف كدا لا تكون تعبانة”
ردت عليها «مروة» بخوف هي الأخرى:
“طب ما هو لو فيه حاجة محمود هيقول، هو بيبات كل يوم في شقته”
نظر هو خلفه يبحث عن شيئًا ما، وحينما وجده أخذه بهدوء ثم قال:
“تعالي معايا يا ماما علشان نشوفها، المفاتيح اللي هنا بتاعة الشقق مفتاحهم فيها، أنتِ ادخلي وأنا هدخل وراكي”
أومأت له والدته ثم تبعته حينما خرج من الشقة، وقف هو أمام شقة عمه و أعطى المفتاح لوالدته وهو يقول بهدوء:
“دي روح برضه يا ماما، شوفيها كدا يمكن تكون تعبانة ولا حاجة، أو ابعتيلي وأنا أدخلها، علشان خاطر هدى حتى و اللي فـ بطنها دا”
ربتت «مروة» على كتفه ثم قالت:
“ربنا يديك على قد طيبة قلبك يا حبيبي، والله يا وليد أنتَ والبت خديجة خسارة في العيلة دي”
إبتسم هو بخفة ثم قال مُغيرًا مجرى الحديث:
“يا ستي أدخلي شوفيها بس، و بعدين نشوف مين مكسب و مين خسارة”
أومأت له والدته ثم دخلت الشقة في هدوء، وقف هو منزويًا بجانب باب الشقة، فجأة وجد والدته تركض إليه وهي تقول بخوف:
“الـــحـقــنـي يــا ولـــيــد…الـــشـقـة فــاضــيـة”
دخل هو الشقة راكضًا يبحث عنها في الشقة بأكملها، بعدها وقف يتنهد بعمقٍ ثم قال:
“فاطمة هتلاقيها عند أهلها بتزورهم يا ماما”
نظرت له بإستفسار فوجدته يقول بهدوء:
“هتلاقيها راحت المقابر تزورهم، المهم حد فيكم يركز بس معاها علشان لو رجعت في أي وقت”
أومأت له «مروة» ثم رفعت رأسها للأعلى وهي تتضرع، فقال هو وكأنه انتبه لتوه:
“ماما أوعي هدى تعرف حاجة، هي من غير حاجة نفسيتها متدمرة، علشان اللي في بطنها حتى، و هدير كمان برضه نفسيتها تعبانة و متدمرة”
أومأت له ثم تبعته في خروجه من الشقة، تنهد هو ثم قال بهدوء:
“أنا هروح عند طارق، وبعدها أشوف خديجة علشان فيه حد جاي بليل و لازم أشوف الدنيا هتبقى ماشية إزاي”
أومأت له والدته ثم قالت بقيلة حيلة:
“ماشي يا حبيبي وأنا هروح أعمل الغدا لمشيرة علشان العلاج”
إقترب منها يطبع قبلة هادئة على قمة رأسها بعدها نظر لها بحب وهو يقول:
“والله العظيم أنتِ أغلى حد عندي، أنا ساعتها اتضحك عليا و كانوا بيحطوا ليا الزفت دا في العصير علشان ياخدوا مني فلوس، بس والله لما عرفت اللي هما عملوه فيا…طلبت من وئام و طارق يساعدوني وهما وقفوا معايا و طارق دفع كل اللي معاه علشاني، و وئام دفع فلوس جوازه، والله أنا مدخلتش السكة دي بمزاجي…بس اختارت الخروج منها بمزاجي، السكة دي اخرتها اتنين يا موت يا سجن…بس ابنك جامد برضه وأختار يبقى وليد الرشيد”
ضحكت هي بعد كلمته الأخيرة التي خرجت منه بمنتهى الغرور و التكبر، بعدها تنفست الصعداء ثم قالت:
“الحمد لله إنك راجل عاقل و بتحسبها صح… طول عمرك بتعرف تختار الصح يا وليد، زينب ربيتك صح…الفضل في تربيتك ليها هي”
ضحك هو ثم قال:
“أنتو الاتنين ربنا يبارك في عمركم، كل واحدة فيكم السبب إننا نبقى كدا، حتى سهير برضه عرفت تربي طارق صح، مفيش غلطة غير في البت هدير الصفرا ودي من حقها، مشيرة كانت بتفطرها خبث و تعشيها لؤم”
تركته ولدته وهي تضحك عليه، بينما هو تنهد بأريحية ثم صعد شقة عمه «محمد»، فتحت له «عبلة» وحينما رآته ابتهج وجهها وهي تقول:
“وحشتني، فينك من إمبارح”
إبتسم هو بحب وبادلها النظرة بنفس نظرتها ثم قال متهكمًا:
“محسوبك بقى حاوي ياختي، عمال ألِف على كل شقة شوية، أصالح في الزعلان و أراضي الغضبان، بقيت مطيباتي”
إقتربت منه تقول بنبرة هامسة:
“علشان كدا بحبك، علطول شايل هم اللي حواليك كلهم، بحسك الأب الروحي للعيلة كلها يا وليد”
احتضنها هو ثم قال بعدما دفن رأسه بين عنقها و كتفها بنبرةٍ منهكة:
“وأنا بحبك علطول يا عبلة، بس خلاص هانت، أخلص من حوار مشيرة و بعدها فرح خديجة، و علاج هدير و أتجوزك، يدوبك خمس سنين”
شهقت هي بفزعٍ تزامنًا مع ابتعادها عن ذراعيه، نظر هو لها مُتعجبًا فوجدها تقول بنبرةٍ حانقة:
“نعم يا أخويا؟ خمس سنين، أومال لو مش بتحبني بقى؟!”
ضحك هو عليها ثم دفعها من طريقه وهو يقول بضيق:
“وسعي ياختي كدا، خليني أشوف عم طارق دا كمان”
وقفت أمامه تسأله بتعجبٍ:
“ماله طارق هو كمان؟ خير يا وليد؟”
زفر بقوة ثم قال:
“جميلة مش طايقة وجود أمها و أنا حاولت أخليها تسامحها هي و خديجة، بس خديجة افتكرت زمان و عيطت، ساعتها جميلة قالت لأمها كلام صعب أوي بس معاها حق فيه، دلوقتي بقى هنشوف الحل علشان رافضة مكان وجودها مع أمها”
أومأت له ثم قالت بهدوء:
“طب اقعد هنا و أنا هدخل أنادي طارق و جميلة، تشرب حاجة أجبهالك ؟”
نظر لها بهدوء ثم قال بإنهاك واضح في نبرته:
“اعمليلي فطار يا عبلة، أنا ماكلتش من امبارح”
نظرت له بحزن ثم قالت:
“من عيني الاتنين، و أحلى كوباية عصير علشان عيون ليدو حبيبنا الغالي”
قالت جملتها بمرح وهي تشير على أعينها، ضحك هو بخفة ثم ألقى رأسه على الأريكة، بعد مرور ثوانٍ أتى له «طارق» و برفقته «جميلة»، اعتدل «وليد» في جلسته بهدوء، فوجد «طارق» يقول:
“يابني حرام عليك نفسك بقى، نام شوية علشان جسمك، عمال تلف على العمارة كلها”
ابتسم له «وليد» بسخرية ثم قال:
“طبعًا دا كلام ماما عبلة، بتقولك كدا علشان تنصحني، بس أنتَ عارف أنا مبعرفش ارتاح و الدنيا حواليا معكوكة”
جلس «طارق» بجانبه، بينما «جميلة» جلست أمامه، بعدها أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بنبرةٍ متوترة:
“معلش بس أنا عاوزة أقولك حاجة ضروري..”
نظر لها كلاهما بتعجب و أتت «عبلة» في تلك اللحظة تضع الطعام أمام زوجها، بعدها جلست بجانبه، بينما «جميلة» استطردت حديثها قائلة بتوتر:
“أنا عاوزة أعتذرلك عن طريقتي معاك، بصراحة أسلوبي كان زفت، من ساعة ما شوفتني وأنا بعاملك بطريقة مستفزة، بس والله أنا عمري ما قصدت أزعل حد مني، وبعتذر بسرعة للي غلطت في حقه، و شكرًا علشان اللي عملته و بتعمله كمان”
حرك هو رأسه نفيًا تزامنًا مع ابتسامته، بينما «عبلة» و «طارق» نظرا لبعضهما البعض بتعجب، فتحدث «وليد» يقول بهدوء:
“أنا مش زعلان منك، أنا مقدر موقفك وعارف إن اللي مريتي بيه صعب، المهم إنك تبدأي مع طارق من جديد هو أستنى كتير بصراحة”
سألهما «طارق» بنبرة جامدة:
“أنا مش فاهم حاجة، هو فيه إيه بيحصل، و جميلة بتعتذرلك ليه يا وليد؟”
أمسك «وليد» الخبز أمامه ثم قام بصنع الشطيرة وهو يقول:
“محصلش حاجة، هي بس اتعصبت عليا ساعة موضوع جوازكم، بس بصراحة أنا مزعلتش، هي معاها حق”
أخفضت هي رأسها في خجلٍ، بينما «طارق» ربت على فخذه وهو يقول بامتنان حقيقي:
“شكرًا يا وليد…أنتَ رديت فيا الروح من جديد، ربنا يديمك في كتفي يا أخويا”
نظر له «وليد» وهو يمضغ الطعام ثم قال بنبرة غير مبالية:
“بصراحة متأثرتش بربع جنيه حتى، سببني آكل، يمكن أحس بحاجة، ولا خلي عبلة تأكلني يمكن مشاعري تتحرك”
نظرت له «عبلة» بضيق زائف فوجدته يضع الطعام في فمها وهو يقول:
“كلي يا حبيبتي، خليني أشوف الحكاية”
سأله «طارق» متعجبًا:
“حكاية إيه تاني؟ هو لسه فيه حكايات ؟”
أومأ له «وليد» ثم قال:
“آه فيه حكاية مشيرة و حسان”
امتعض وجه «جميلة» عند ذكر أسمهما فوجدت «وليد» يضيف بهدوء:
“أنا عارف إن بعد اللي حصل دا كله صعب حد فينا يسامح، وعلشان وجودهم هيفضل مفكرنا بالماضي الزفت، أنا همشيها من البيت”
رفعت «جميلة» رأسها بسرعة كمن لدغتها حية فوجدته ينظر لها وهو يقول:
“بصراحة أنا الخطوة دي هاخدها علشان جميلة تعرف تعيش هنا، وعلشان خديجة تفوق لنفسها ولحياتها”
سألته «جميلة» بنبرةٍ مهزوزة حاولت صبغها بالنبرة الطبيعية قدر المستطاع:
“طب…طب هي هتروح فين؟ هو أنتو عندكم مكان تاني غير دا؟”
نظر الجميع لها فزاد توترها، بينما «وليد» قال بهدوء:
“متخافيش…أنا عارف هعمل إيه كويس، عن إذنكم بس علشان هعمل مكالمة مهمة”
أومأ له الجميع فخرج هو للشرفة تحدث في الهاتف ثم عاد يجلس بجانبهم من جديد.
____________
في غرفة «خديجة» استيقظت هي من نومها في وسط اليوم، كانت «خلود» جالسة بجانبها، نظرت «خديجة» حولها بفزع ثم اعتدلت في جلستها، وقفت «خلود» تسألها بنبرة حنونة تحمل الخوف معها:
“خديجة أنتِ كويسة؟ طمنيني عليكِ”
نظرت لها «خديجة» بتعجب فوجدتها تربت عليها وهي تقول بهدوء:
“أنتِ طلعتي من تحت تعبانة و معيطة، من شوية جالك كابوس و سمعت صوتك بتصرخي، بس بعدها نمتي تاني و معرفتش أصحيكي”
أغلقت «خديجة» جفونها بشدة عندما استعادت أحداث اليوم، فوجدت «خلود» تقول بفخرٍ:
“جدعة يا بت إنك معرفتيش تسامحي، بعد كل دا مشيرة تدخل الجنة علشان سامحتيها؟ دي تبقى قهرة ليا”
ردت عليها «خديجة» بضيق:
“يا بنتي حرام اللي بتقوليه دا، جنة و نار دي مش بإيدنا يا خلود، و بعدين بصراحة أنا كنت فاكرة نفسي نسيت، طلعت بتأقلم”
ردت عليها «خلود» بخبثٍ:
“لأ ماهو مع ياسين هتنسي و تعيشي و هتشوفي كل حاجة حلوة، هو معندهوش أخوات أصغر منه؟”
إبتسمت «خديجة» بسخرية ثم قالت:
“لأ معندهوش، هو وحيد أبوه و أمه”
ضربت «خلود» كفيها ببعضهما كتعبيرًا منها عن انزعاجها تزامنًا مع قولها:
“أنا قولت برضه، أكيد فيه مجهود مبذول عليه، متربي بمقام ١٠ لوحده”
أمسكت «خديجة» الوسادة تقذفها بها وهي تقول بنبرة حانقة:
“أمشي من وشي، إن شاء الله هتتجوزي واحد يطلع عينك”
حركت «خلود» كتفيها ببساطة وهي تقول بلامبالاة:
“عادي يعني، هو يجي بس وأنا والله هشوف مين فينا هيطلع عين التاني”
خرجت من الغرفة بعد جملتها تلك بتعالٍ وهي تهز كتفيها معًا حتى تثير حنق «خديجة»، ضربت «خديجة» كفيها ببعضهما وهي تقول باندهاش:
“الله يسامحك يا وليد، البت بقت مش متربية، الله ينجده اللي هتبقى من نصيبه”
فور انتهاء جملتها طُرق باب غرفتها فرفعت صوتها تقول:
“ادخلي يا بنت طه، لما نشوف أخرتها”
فُتح الباب و أشرأب هو برأسه وهو يقول بمرحٍ:
“طب مينفعش ابن رياض الشيخ؟”
اتسعت مقلتاها باندهاش حينما رآته يقف أمامها، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم دخل الغرفة وهو يقول:
“إيه يا خديجة،خدتي عين ولا إيه؟ ما إحنا كنا كويسين”
نظرت هي له باندهاش وهي تقول مستفسرة بنبرةٍ متعجبة:
“أنتَ جيت إزاي يا ياسين؟ و مين قالك؟”
جلس هو المقعد المجاور للفراش وهو يقول بهدوء:
“وليد كلمني و قالي يا خديجة، وبصراحة أنا كنت كدا كدا هاجي علشان أحدد معاد الفرح، بس لما وليد كلمني جيتلك علطول، يدوبك غيرت هدومي، حصلك إيه يا خديجة، مش كنا خلصنا من كل دا؟”
نظرت له بحزن ثم قالت بنبرة متعبة من فرط مجهودها و صراعها الداخلي:
“خفت يا ياسين، لما جيت أقول مسامحة خديجة التانية طلعت علشان تفكرني باللي حصل فيها، حسيت زي ما يكون بتقولي هتفرطي فـ حقي كدا؟ ودلوقتي أنا حاسة أني وحشة، بس مش عارفة أعمل إيه، وخايفة أنتَ تزعل مني علشان مش عارفة أسامح أو انسى”
نزلت دموعها رغمًا عنها، فمد هو أنامله يمسحها وهو يقول بحنان:
“أنا مقدر موقفك و موقف خديجة التانية، ولأ يا ستي مش زعلان منك، أنا عارف إن دا مجهود صعب عليكِ، و عارف كمان إنك بتحاربي علشان تتجاوزي الماضي، بس فيه حاجة اسمها النظرية النسبية يا خديجة، يعني مش كل اللي يعجبك يعجب غيرك، و مش كل اللي أنتَ بتقدر تتجازوه غيرك يقدر يعديه، وعلى أي حال أنا فخور بيكِ أوي يا خديجة، دا أنا حتى جبتلك الحاجات اللي بتحبيها”
قال جملته ثم رفع ذراعه يضع الحقيبة البلاستيكية على الفراش وهو يقول بنبرة مرحة:
“أمسكي ربنا يجعل كلامنا خفيف على الاكتئاب و الإنطفاء يا خديجة”
نظرت له مُتعجبة وهي قاطبة الجبين فوجدته يقول بطريقة مرحة:
“عاوزة يجيلك اكتئاب يا خديجة وأنا معاكِ؟ دا رياض يدفني حي، ماهو لما تزعلي وأنا مصالحكيش حتى لو مش أنا سبب الزعل، يبقى وجودي لزمته إيه بس؟”
أخفضت رأسها في خجل، فمد يده يعدل خصلات شعرها المتمردة وهو يقول:
“شكلك حلو و أنتِ بشعرك يا خديجة، بس برضه بالحجاب حلوة، آه علشان مخك ميروحش لبعيد”
ضحكت هي ثم قالت بهدوء:
” على فكرة كلنا أحلى بشعرنا، علشان كدا ربنا فرض الحجاب علشان نداري جمالنا دا للناس اللي تستحقه، يعني مش من حق اي حد يشوف الجمال دا”
قبل ان يتحدث دخلت «خلود» الغرفة بعدما حمحمت بهدوء، حيث كان باب الغرفة مفتوح على مصراعيه، نظر لها «ياسين» فوجدها تحمل في يدها كوب عصير وهي تقول بمرحٍ:
“العصير دا عصير مانجا، بيطلع للغاليين بس والله، عقبال ما تشربوه في الكوشة يا رب”
ضحكت «خديجة» بهدوء، بينما نظر هو لها متعجبًا وهو يقول:
“هما بيشربوا مانجا في الكوشة؟ مش كان عصير برتقان؟”
ردت عليه «خلود» بسخرية:
“عصير برتقان إيه بس يا فنان؟ فاكر نفسك متجوز دور برد؟”
ضحك هو بقوة، بينما «خديجة» قالت بضيق:
“يا بنتي لمي لسانك شوية، عفويتك دي هتوديكي في داهية”
رد عليها «ياسين» يعارضها بهدوء:
“خليها يا خديجة، والله دمها خفيف، ربنا يفرح قلبها علطول”
سألته «خلود» بطريقة عفوية:
“ينفع أسألك سؤال واقف في زوري من ساعة ما جيت؟”
أومأ لها ثم اضاف مؤكدًا:
“طبعًا اتفضلي، تحت أمرك”
اقتربت منه تقول بنبرة منخفضة:
“هو الطقم دا بالأمانة بتاعك ولا شحته من حد؟”
شقهت «خديجة» بقوة بينما هو نظر لثيابه يتفحصها بهدوء ثم رفع رأسه يقول ببراءة:
“بتاعي والله، مش واخده من حد ليه فيه حاجة؟”
ردت عليه هي بطريقة ساخرة:
“فيه إيه؟ لابس قميص كاروهات زيتي و تيشيرت أبيض و بنطلون بيج بوي فريند، و كوتشي أبيض، ودا كله فيه إيه؟ والله العظيم أنتَ لو أخويا مش هسيب هدومك دي في حالها، أصل أحمد عنده طقم زي دا وأنا هموت و ألبسه”
ضحك هو بقوة ولم يستطع تمالك نفسه، أما «خديجة» فقالت بإنزعاج:
“يا بنتي اسكتي بقى، عيب كدا يا خلود”
نظرت لها «خلود» بضيق وهي تقول:
“يا ستي الراجل مش زعلان، أنتِ مالك، خليكِ في حالك بس يا خديجة”
قالت جملتها ثم نظرت له وهي تقول مبتسمة بوجهٍ بشوش و بنبرةٍ مرحة:
“بقولك إيه يا ياسين أنا سقف طموحاتي ارتفع بسببك، والله العظيم لو ملقتش زيك هزعل، فأمانة عليك، لو لقيت حد زيك بيدور على عروسة متنساش خلود أختك الصغيرة”
نظر هو لزوجته ثم نظر لـ «خلود» وهو يقول بنبرة ضاحكة:
“من عيني يا خلود، حاضر أول ما الأقي مني تاني هقولك”
أومأت هي له ثم قالت بمرحٍ:
“روح ربنا يجبر بخاطرك، إلهي نحضر فرحك قريب يا رب”
حرك رأسه نفيًا بيأس ثم قال وهو يحاول التحكم في ضحكاته:
“طب أنا هطلع استى برة، تكوني جهزتي نفسك علشان هنروح نبارك لعامر و ياسر قبل ما يسافروا شهر العسل”
أومأت له في هدوء، فوقف هو ثم قال بهدوء:
“متتأخريش علشان نرجع بدري و ألحق أفاتح عمي في موضوعنا”
نظرت له بحب بينما غمز هو لها ثم ترك الغرفة و «خلود» تتبعه، بينما «خديجة» تنهدت بعمقٍ ثم إبتسمت باتساع وهي تنظر داخل الحقيبة التي أعطاها لها وهي ممتلئة بكل ما تشتهيه نفسها من الحلويات و العصائر.
_____________
خرجت هي بعدما ارتدت ملابسها وجدته في انتظارها، و معه والدتها، وقفت هي تقول بهدوء:
“أنا جهزت خلاص يلا يا ياسين”
نظر هو لها وجدها ترتدي فستانًا من اللون الأسود منساب على جسدها بطريقة لائقة، لا يبرز أي تفاصيل منه وعليه حجاب باللون الزيتي، و حذاء رياضي لونه أبيض، فوقف يقول مُبتسمًا:
“طب يلا علشان خالد و ريهام مستيين”
أومأت له وقبل خروجهما من الشقة، طُرق الباب بواسطة شخصٌ ما، فتحته «خلود» فوجدت «هدير» أمامها، نظرت لها «خلود» بتعجب، فوجدتها تقول بنبرة منكسرة:
“إزيك يا خلود،.. ينفع أدخل لخديجة؟”
أتت «خديجة» من الداخل تنظر لها وهي تقول:
“تعالي يا هدير، ادخلي”
أومأت لها «هدير» ثم دخلت خلفها، وجدت «ياسين» ينظر لها بحنقٍ رافعًا أحد حاجبيه، نظرت هي في أوجه الجميع ثم قالت بنبرة مهتزة:
“أنا عارفة أني مليش عين أدخل هنا…و عارفة أني شخص وحش…بس والله أنا كنت كدا…لكن خلاص والله فوقت… و هروح اتعالج كمان علشان أخلص من تربية مشيرة و فاطمة..بس قبل أي حاجة عاوزة خديجة تساحمني…عارفة أني ساعدت مشيرة كتير تزعلك بس والله، كنت بتحرك كدا من حبي ليها، كانت مفهماني إنها الوحيدة اللي بتحبني في العيلة، عارفة إن دا مش مبرر، بس والله أنا ندمت، كفاية أني عرفت إن أمي هي اللي عملت كدا”
نظرت «خديجة» في أوجه الجميع ثم نظرت لها وهي تقول بحزن:
“جيتي متأخر يا هدير، أنتِ عارفة أني طول عمري بحبك زي أختي الكبيرة، بس أنتِ مختارتيش حبي، اختارتي بعدك عني…بس والله أنا مش زعلانة منك، مشيرة الله يسامحها كانت مفرقة بينكم و بيني، المهم أنتِ تفوقي لنفسك و تبدأي حياتك صح”
احتضنتها «هدير» وهي تقول ببكاء:
“والله العظيم اتكسرت يا خديجة، وحقك عليا كل مرة زعلتك بالكلام فيها”
شعرت «خديجة» بكهرباء تسير في جسدها إثر عناق «هدير» لها، نظرت بأعين دامعة إلى «ياسين» وجدته يومأ لها وكأنه يحثها على عناقها، رفعت ذراعيها بترددٍ تربت على ظهر «هدير»، بعدها ابتعدت «هدير» عنها ثم وقفت أمام «زينب» وهي تقول بإنكسار:
“حقك عليا يا طنط زينب، والله مكنتش أعرف إن ماما هي السبب في اللي حصل زمان، أنا وهدى والله مش بنكلمها، وكمان أنا ناوية أبدأ من جديد من غيرها، علشان خاطري متزعليش مني، أنا عارفة إنك زعلتي بسببي كتير أنتِ و خديجة، بس معلش والله، ربنا برضه مش بيضيع تعب حد”
تنفست «زينب» الصعداء ثم ربتت على ذراعها وهي تقول بحب:
“متتأسفيش يا هدير، وبعدين أنا أم برضه وقلبي بيحس بالأم اللي زيي، المهم أنتِ ربنا يكرمك و يعوضك بإبن الحلال اللي يسندك و يقوم خطواتك”
أومأت لها ثم قالت ببكاء:
“شكرًا يا طنط زينب، أنا كنت متأكدة إنك مش هتكسفيني، ربنا يخليكم ليا، وعلى فكرة أنا هروح عند هناء علشان اتعالج”
أومأ لها الجميع وهم ينظرون لها بفخر، بينما «هدير» وقفت أمام «ياسين» تقول له معتذرة بنبرة تحمل الخجل معها:
“أنا…أنا أسفة على أي حاجة ضايقتك أو ضايقت خديجة مني، بس والله أنا كنت واحدة تانية غير دي، أتمنى إنك متزعلش مني”
إبتسم هو لها بودٍ ثم قال:
“أنا مش زعلان في النهاية دا سوء تفاهم بين بنات عم، ربنا يبارك فيكم لبعض، و خديجة طيبة و هتبقى أخت لكِ في أي وقت، ربنا يوفقك إن شاء الله”
حركت رأسها موافقة وهي تنظر له بامتنان ثم تركتهم و رحلت من الشقة، نزلت هي حتى وصلت لمدخل البيت فوجدت «فاطمة» في وجهها، نظرت لها بضيق ممزوج بالعتاب، بعدها همت بالرحيل، فأوقفتها «فاطمة» تقول بنبرة متلهفة وهي تمد ذراعها تحاول إمساك يدها:
“هدير ؟! جيتي علشاني صح؟”
إبتسمت «هدير» بسخرية ثم قالت بنبرةٍ متهكمة ممزوجة بالبكاء:
“لأ ريحي نفسك مجتش علشانك ولا حاجة، أنا جيت أطلب السماح من اللي كنتِ سبب في تخريب حياتهم، لكن لو عليا مش عاوزة أعرفك تاني، إزاي كنتِ بتبصي في عين زينب و مشيرة وأنتِ ظلماهم؟ إزاي كنتِ بتقنعيني إن خديجة وحشة زي أمها وأنتِ نفسك عارفة إن أمها معملتش حاجة؟ إزاي كنتِ شايفة إن عيالك هما اللي حلوين و باقي الناس وحشة؟ أنا بضرب نفسي كل يوم علشان مشيت وراكِ، و على فكرة هدى مش عاوزة تسمع صوتك تاني، ياريت تبطلي تتصلي على رقمها، علشان محدش فينا هيرد عليكِ، سلام”
القت حديثها الذي يشبه نصل السكين الحاد في وجه والدتها ثم غادرت البيت و دموعها على وجنتيها، بينما «فاطمة» نظرت في أثرها باندهاش ثم حركت رأسها في عدة جهات غير متناسبة وهي تحرك تبكِ بقوة، بعدها صرخت بقوة، ثم أجهشت في بكاء مرير وهي تصعد الدرجات الصغيرة المؤدية إلى المصعد.
_____________
خرجت «خديجة» من البيت برفقته،ثم ركبت معه السيارة، كانت شاردة أمامها وهو ينظر لها بتمعن، فجأة سمعته يقول بمرحٍ:
“الغزال الشارد ماله بس؟”
نظرت له بهدوء وكأنها تخبره أنها على ما يرام، فقال هو بنفس النبرة المرحة:
“كدابة يا ست الكل، عيب تبقي ست كبيرة و كدابة كدا، مين زعلك بس يا خديجة وإحنا نقوم بالواجب مع عيلته كلها، في ضهرك رجالة برضه”
ضحكت هي بخفة ثم قالت بعدما أخذت نفسًا عميقًا:
“محدش مزعلني بس بفكر في هدير، أو مش هدير بعينها في الناس عمومًا، يعني ليه يا ياسين منحبش بعض من الأول، ليه لازم يحصل خلافات و مشاكل، ليه بعد الحاجة ما تضيع مننا نعرف قيمتها، هدير دي أنا كنت بتمنى بس أتكلم معاها، علطول كانت شايفاني أقل منهم، دلوقتي الزمن بيلف و هدير جاية عاوزاني اسامحها، ليه مش من الأول؟”
نظر هو لها وهي يقول بهدوء حكيم كعادته:
“علشان يا خديجة، البشر عمومًا بيحبوا اللي يهملهم، لكن اللي بيحبوهم بجد بيبقى بالنسبة ليهم مضمون ، يعني موجود معاهم للأبد، البشر يا خديجة واخدين على الإهمال، كل ما تهمل حد، كل ما يمسك فيك أكتر، كل ما تكون مشهور و ناجح يحبوك و يدعموك، لكن و أنتَ مطفي محدش منهم هيعبرك حتى، علشان كدا العاقل بجد هو اللي يعرف يمشي حياته بعيد عن البشر”
قطبت جبينها بعد حديثه، ثم نبست بهدوء وكأنها تسأل نفسها:
“طب ما أنتَ حبتني و أنا حبيتك من غير إهمال؟ إزاي دا”
سمعها هو فتحدث يجيبها بهدوء:
“علشان إحنا الاتنين شبه بعض، روحنا واحدة يا خديجة، حبنا لبعض حب مش مشروط، أنا بحبك علشان أنتِ خديجة، وأنتِ حبتيني علشان أنا ياسين،
المهم إنك تلاقي الروح اللي تشوف فيها روحك، القلب اللي يطيب بخاطر قلبك، و الكتف اللي يشيل حملك في تعبك وبعدين أنتِ لكِ عين تسألي بعد اللي عملتيه فيا و فـ قلبي يا خديجة؟”
كانت جملته الأخيرة مرحة، فجعلتها تنظر له بتعجب وهي تحاول وأد البسمة التي تحارب للظهور على شفتيها، و أخيرًا وجدت صوتها الهارب، فسألته بثباتٍ:
“و هو أنا عملت إيه في قلبك يا ياسين؟”
نظر لها بحبٍ ثم صبغ نبرته المرحة بنبرته المُحبة التي تخرج منه حينما يُغازلها:
“كَــانَ قَــلّبـيّ بَــريّئًـا كَـالـقُــدس..فَـأتـىٰ حُـبـكِ و أقَــام عَـليهِ الإحـتـلال..يَـا مَـنْ عَــشـقّتْ الـعَـيْنِ رؤيْــتِها و عَــرِفَـت بِـها الـراحـة طَـريق البَـال”
إتسعت مقلتاها باندهاش حينما سمعت تلك الكلمات التي خرجت منه بنبرة هادئة حنونة، تدل على صدق كلماته التي دومًا تأسرها بعيدًا عن ضجيج ذلك العالم المؤذي والذي لم ترى ما فيه من جمال قبل ظهوره و دخوله في حياتها، نظرت له بأعين دامعة، فوجدته يقول بمرحٍ كعادته:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
ضحكت هي بهدوء ثم سألته بنبرة غير مصدقة وكأنها تسأله لنفسها:
“أنا لحد دلوقتي مش لاقية السبب اللي يخليك تحبني كدا يا ياسين، لحد دلوقتي مش مصدقة أني اتحبيت بالطريقة اللي اتمنيتها، كل تفصيلة في حبك ليا كان نفسي فيها، كلامك و حنيتك و تفهمك ليا، بجد كل حاجة زي ما فكرت فيها”
غمز لها بطرف عينه وهو يقول بهدوء محبب لقلبها إثر نبرته:
“عملتي كتير يا خديجة، طمنتي قلبي اللي طول عمره كان بيدور على شبيهه، وبعدين على رأي الهضبة
روح لوم عينيك هي اللي نادتني..فتنت عليك قوام وحكتلي”
ضحكت هي باتساع ثم قالت بمرحٍ:
“عمرو دياب عامل معاك شغل عالي أوي يا ياسين، كل موقف بكوبليه أجمد من اللي قبله”
أوقف السيارة أسفل بناية «ياسر» وهو يقول:
“اي خدمة، المهم إنك متزعليش و على رأي من قال:
“إحنا عاوزين ننول الرضا”
حركت رأسها نفيًا بيأس تزامنًا مع ابتسامتها الهادئة، خرج هو من السيارة وهي خلفه، وقفت بجانبه وهي تقول متسفسرة بهدوء:
“هو ليه حاسة أني جيت هنا قبل كدا؟ حتى من قبل ما نيجي نفرش الشقق، برضه حسيت المكان مش غريب عليا”
اتسعت مقلتاه باندهاش ثم سألها بنبرة غير مصدقة تحمل التعجب بين ثناياها:
“ثانية واحدة هو أنتِ بجد مش عارفة المكان دا إيه؟”
حركت كتفيها تجاوبه ببساطة وهي تقول بهدوء وكأنها لا تبالي:
“لأ مش عارفة…بس بجد حاسة إنه مكان مش غريب عليا”
حرك فمه متهكمًا يمينًا و يسارًا تزامنًا مع حركت يده التي تشبه حركة النساء الشعبية، نظرت هي له باندهاش وهي تقول:
“إيه يا ياسين؟ أنتَ هتردحلي ولا إيه؟ قلبك أبيض يا هندسة”
نظر هو له بضيق زائف وهو يقول:
“أنتِ بجد مش عارفة الشارع اللي فيه شقتنا؟ محدش قالك إن أنا وخالد و ياسر و عامر ساكنين في مكان واحد الفرق بينا عماير بس؟”
شهقت بقوة تزامنًا مع اتساع مقلتاها على وسعها، فابتسم هو ساخرًا ثم قال بنبرةٍ متهكمة:
“دا أنتِ غرقانة عند البراميل والله؟ روحي ربنا يكرمك يا خديجة”
هم بالخطى فأمسكته هي من مرفقه وهي تقول بتعجب:
“قول والله إن شقتنا إحنا كمان هنا؟ أنا مش فكراها ولا فاكرة شكل الشارع”
ضحك هو رغمًا عنه من ذاكرتها التي تنافس ذاكرة السمك في النسيان، كانت تنظر هي له بحنقٍ، فقال هو بقيلة حيلة:
“يا بت هتشليني، ابوس راسك ركزي يا خديجة، دا شارع عامر و ياسر و خالد ساكن هنا كمان، إحنا العمارة اللي جنب عمارة عامر دي الفرق بينا كام متر”
كان يحدثها وهو يشير إلى بناية «عامر» و بنايته التي تقربها، وبعدها التفت يشير إلى أول الشارع وهو يقول:
“دي بقى عمارة خالد اللي على أول الشارع”
قال جملته ثم التفت ينظر أمامه وهو يقول:
“والحلوة دي عمارة ياسر، برضه معانا في نفس المكان”
ردت عليه هي بحماس و بنبرة فرحة تشبه نبرة الأطفال:
“الله ؟! يعني أنا و ريهام و إيمان و سارة هنبقى مع بعض هنا كمان، أنا فرحانة أوي، يارب نعمل فرحنا بسرعة علشان أكون معاهم”
رد عليها مُعقبًا بحنقٍ:
“إيه ياختي؟ أنتِ عاوزانا نتجوز علشان تكوني مع صحابك؟ طب وأنا يا خديجة؟ دا كنت ياسين الشيخ بقيت ياسين الشاعر”
اقتربت منه تقول بنبرة هامسة بعدما نظرت حولها تتفحص المكان:
“لأ…و عاوزة أكون معاك برضه يا ياسين، هو أنتَ أي حد ولا إيه؟”
ضحك هو باتساع ثم أشار لها حتى تتقدمه في دخول البناية
بعد مرور ثوانٍ طرق هو الباب ومعه في يده حقيبة هدايا لصديقه، فتح له «خالد» الباب، فنظرت له «خديجة» بتعجب، أما «ياسين» قال بذهول:
“لأ متلغبطوناش؟ شقة مين دي؟”
رد عليه «خالد» بلامبالاة:
“شقة أختي”
أومأ له «ياسين» وهو يقول بسخرية:
“آه كدا ماشي، ورثتوا الواد بالحيا من أول يوم جواز؟”
تركه «خالد» ودخل الشقة ولم يعقب، بينما «ياسين» حرك رأسه بيأس، بعدها دخلا الشقة سويًا، ركضت إليها «إيمان» تحتضنها وهي تقول:
“خديجة روح قلبي وحشتيني أوي”
تعجبت «خديجة» من فعلتها، فردت عليها بذهول وكأنها تحاول استيعاب الموقف:
“كويسة يا إيمان، ألف مبروك يا روح قلبي”
احتضن «ياسين» صديقه وهو يقول:
“ألف مبروك يا ياسور، ربنا يسعدك يا حبيب قلبي يا رب”
ربت «ياسر» على ظهره وهو يقول:
“الله يبارك فيك يا حبيبي، عقبالك يا رب، خلاص فاضل أنتَ يا ياسين”
رد عليه «خالد» بحقد زائف:
“خليه ابن المحظوظة، بدل ما يفضل يدور طول الليل على علبة لبن”
ضحك عليه الجميع، فأمسك هو «يونس» على ذراعه وهو يقول:
“تعبتني يا يونس و طلعت عين أمي، حتة عيل سنتين زيك و مخليني ألف حوالين نفسي”
ردت عليه «إيمان» بانفعال:
“ملكش دعوة بيه، سيب الواد في حاله يا مُعقد، هو أنتَ عاوزه نسخة منك”
نظر هو لها بسخرية وهو يقول:
“أنا مش طالب غير إن ياسر يسامحني على جوازك منه”
رد عليه «ياسر» بحب:
“يا عم دا أنا عاوز أبوس راسك، و بعدين كفاية أني اصحى الصبح ألاقي إيمان قصادي، دي بالدنيا وما فيها”
ردت عليه «إيمان» بحب ممزوج بالمرح:
“روح ربنا يجبر بخاطرك يا ابن ميرفت يا رب، والله تستاهل إنك تتجوزني فعلًا، ربنا يحميني والله و يحفظني ليك”
ضحك هو عليها ولم يعقب بل غمز لها، أما «خالد» فقال بسخرية:
“أمك صاحية الصبح و تكلمني و تقولي ياسر فين؟ ابقى فكرها يابني”
ردت عليه «إيمان» بسخرية هي الأخرى:
“دي وراثة بقى؟ الأستاذ صاحي الصبح يقولي بتعملي إيه عندنا؟”
ضحك الجميع عليه، فقال هو بضيق زائف:
“يا جماعة اعذروني برضه، إيمان دي حلم حياتي، لما أصحى الصبح كدا الاقيها قصادي عادي، طبيعي اندهش، و فضلت أحمد ربنا على كرمه عليا و على اللي وصلناله”
نظر له الجميع بحب وهي أيضًا، أما «ياسين» ربت على ظهره تزامنًا مع قوله:
“ربنا يبارك فيكم و يسعدكم إن شاء الله”
قال جملته ثم أعطاه الحقيبة وهو يقول:
“دي حاجة بسيطة بقى بمناسبة الجواز”
اخذها «ياسر» من يده وهو يقول بضيق:
“ليه كدا يا ياسين هو إحنا غُرب؟ أنتَ وخالد بتهزروا؟ كل واحد فيكم جاي بحاجة شكل”
رد عليه «خالد» بمرحٍ:
“ياعم أخواتك بيوجبوا معاك، ولسه هنروح للجزمة التاني”
تحدث «ياسين» بعدما نظر في ساعة يده:
“طب يلا علشان نلحق قبل الوقت ما يتأخر، وعلشان تجهزوا نفسكم للسفر بكرة”
وقفوا جميعهم يودعون بعضهم، فقام «ياسين» بإخراج مبلغ مالي موضوع في ظرف صغير وهو يقول:
“دي حاجة بسيطة، وألف مبروك”
هَمَ «ياسر» بالرد عليه و رفض المبلغ، فوجده يقول مقاطعًا له:
“اصبر بس عليا، أنتَ مسافر بكرة، إحنا مش غرب عن بعض، مصاريف الفرح دي تهد أجدعها شنب”
احتضنه «ياسر» وهو يقول بامتنان:
“ربنا يباركلي فيك يا أخويا”
أتى «خالد» ثم فعل مثل ما فعل «ياسين» وهو يقول بهدوء:
“ياسين أظن فهمك، مبروك يا دكتور، المهم تخلوا بالكم من نفسكم”
نظر له «ياسر» بحب ثم احتضنه هو الأخر وهو يقول بحب ممزوج بنبرة تشبه البكاء:
“ربنا كرمني بيكم، بدل الاب و الأخ كرمني بتلاتة”
ربت على وجنته بحب ثم قال:
“أنتَ ونعم الرجال كلهم، أنتو التلاتة ولادي قبل ما يكون يونس ابني”
رد عليه «ياسين» بسخرية:
“طب يلا يا اخويا علشان فيه واحد من عيالك لو مروحناش ليه، هيرفع عليك قضية حجر”
عند الفتيات وقفن على مقربة من باب الشقة فتحدثت «إيمان» تقول بتوسل:
“طب ما تيجوا معانا دهب، علشان خاطري والله هنفرح كلنا”
ردت عليها «خديجة» بنبرةٍ متهكمة:
“طب ريهام و خالد ماشي، لكن أنا أجي إزاي؟ إحنا لسه كاتبين كتاب بس، وبعدين دا شهر عسل بتاعكم نيجي معاكم إزاي”
تدخلت «ريهام» تقول بسخرية:
“مش أنتِ كنتِ عمالة تزني علشان تروحي شهر عسل، واكلة دماغنا ليه”
ردت عليها «إيمان» بحنقٍ:
“تصدقوا بالله أنا غلطانة، أنا هروح مع ياسوري خليكم يا نكد منك ليها”
أتى «ياسر» ومعه صديقيه في تلك اللحظة وهو يقول:
“اقعدوا معانا شوية طيب، لسه بدري على السفر”
رد عليه «ياسين» بإنهاك:
“لسه هنروح لعامر اللي مستنيني من الصبح، وعاوز أروح خديجة علشان أحدد معاد الفرح مع عم طه”
بارك لهما الجميع عند سماع جملة «ياسين»، بينما «خالد» حنيما أوشك على الخروج من الشقة وقف مقابلًا لـ «إيمان» وهو يقول:
“ابوس راس أمك عفاف مش عاوز مشاكل مع السياح في دهب، أنا مش ملاحق على مشاكلك محليًا لما هلاحق إقليميًا”
ردت عليه بثقة و نبرة تحمل الفخر:
“عيب عليك يا خالود، هو إحنا أي حد ولا إيه؟ إن شاء الله هرفع راسكم قدام الدول المجاورة كلها”
ضحك الجميع عليها،أما «خالد» احتضنها بحب وهو يقول:
“ارحميني يا بت بقى، المهم خلي بالك من نفسك وخلي بالك من العيون الزرقا اللي معاكِ الواد دا هو اللي هيحسن النسل في عيلتنا”
____________
بعد مرور دقيقة و نصف وقف الجميع أمام شقة «عامر»، لكنه وقف خلف الباب دون أن يفتحه لهم، نبست «سارة» بنبرة حانقة:
“يا بني افتح بقى عيب كدا، يقولوا إيه”
رد عليها هو بمرحٍ:
“ياستي أخواتي وأنا حر، روحي بس جهزي العصير”
حركت رأسها نفيًا بيأس منه ثم تركته ودخلت تنفذ ما طلبه، أما هو ضغط على مقبس الحائط يغلق النور عليهم في الخارج، فرفع «خالد» صوته تزامنًا مع ضغطه على جرس الباب وهو يقول:
“افتح يا عامر بدل ما افتح دماغك، افتح يالا”
ضحك هو داخل الشقة، بينما «ياسين» قال بخبثٍ:
“حلو كدا، خليه ميفتحش بقى، وعلى رأي عبلة كامل النقطة دي خليها عيالك أولى بيها”
ضحك الجميع في الخارج على جملة «ياسين» بينما «عامر» فتح باب الشقة وهو يقول بمرحٍ:
“ياعم بهزر معاكم، هو أنتو غرب برضه”
نظر له «خالد» بحنقٍ وهو يقول:
“عيل معفن، خايف على النقطة”
احتضنه «عامر» وهو يقول بحب:
“ياعم وحشتني من امبارح والله، مش لاقي حد ينكد عليا”
ابتعد عنه «خالد» وهو يضحك ثم دخل الشقة، اقترب «ياسين» منه وهو يقول بضيق و بنبرة حانقة:
“اكبر بقى يالا، دا أنتَ بقيت راجل في بيتك”
راقص له «عامر» حاجبيه وهو يقول بمرحٍ:
“عقبال ما أشوفك جاموسة في غيطك”
ضحك «ياسين» عليه ثم دخل الشقة، جلسوا جميعًا، فأتت «سارة» من الداخل وهي تحمل العصير ثم قالت بنبرةٍ ودودة:
“نورتوا يا جماعة، بجد والله الشقة نورت بوجودكم”
رد عليها «عامر» بسخرية:
“ليه إن شاء الله شايفاهم لُمض فينوس، وبعدين النجف اللي احنا جايبينه يزعل لما يسمعك”
نظر له «ياسين» بحنقٍ ثم قال:
“عيل قليل الذوق، علطول فاضحنا و كاسفنا”
نظر «عامر» على يده وهو يقول:
“هو إيه اللي فـ إيدك دا يا ياسين؟ وخالد كمان معاه إيه؟”
رد عليه «خالد» بضيق من طريقته:
“دي هدايا الفرح، بنجبها للناس المتربية اللي عندهم ذوق، بس نقول إيه بقى؟”
اقترب هو منهما يجلس بينهما وهو يقول بحماس ممزوج بالمرح:
“نبقى نشوف موضوع التربية دا بعدين، وروني بس جايبين إيه، أنا بحب الهدايا أوي”
أعطاه «ياسين» الحقيبة بلامبالاة، ففتحها «عامر» يتفحصها وهو يقول:
“الله البرفان اللي بقلبه منك يا ياسين، وكمان تيشيرت، وواضح كدا إن فيه هدية ليا و لسارة كمان، بس…إيه دا يا ياسين؟”
قال جملته تزامنًا مع إخراجه شيء من الحقيبة وهو يقلبه بين كفه يتفحصه، فـ رد عليه «ياسين» مُردفًا له بهدوء:
“دا اسمه شمعدان يا عامر، ديكور”
رد عليه «عامر» بانفعال متقن:
“شــمـعـدان إيــه بـس يـا يـاسـين، أنتَ جاي تزور رقاصة، ما تقوم ترمي عليا النُقطة بالمرة”
ارتفعت ضحكات الجميع عليهما، فقال «خالد» من بين ضحكاته:
“قولتلك دا مهزق مبيفهمش في الذوق، كنت دخلت عليه بقفص مانجا أحسن”
رد عليه «ياسين» بحنقٍ:
“يا أخي أنا غلطان، قولت السفرة مش عليها شمعدان، بس نقول إيه عالم عاوزة الحرق”
تحدثت «خديجة» تقول بهدوء وهي مبتسمة:
“دا شمعدان بيتحط على السُفرة، زي الأفلام يعني”
رد عليها «عامر» بسسخرية:
“وليه ضيق التنفس دا؟ ما إحنا زي الفل من غير شمع، ولا هو تعب قلب وخلاص”
أومأ له «ياسين» موافقًا ثم أخذه من يده وهو يقول:
“أنا غلطان لأهلك، هاتوا بقى لشقتي علشان أنا على وش جواز”
قام «عامر» بخطف الشمعدان من يده وهو يقول بنبرة مقررة:
“دي جيالي أنا يا حبيبي، ألف مبروك ربنا يعوض عليك”
ردت «ريهام» بسخرية:
“ماهو كان ضيق تنفس من شوية”
أومأ لها «عامر» وهو يقول بثقة:
“ماهو أنا بقى بحب ضيق التنفس”
وضع «خالد» ذراعه عليه وهو يقول بهدوء:
“المهم ركز معايا، عاوزك تلم نفسك مع السياح يا عامر، ايوا جو فرح بولاق ابو العلا دا مش هينفع، ابوس راسك يا جدع، عاوزك ترفع راسنا هناك”
أشار «عامر» على عينيه وهو يقول:
“عيب عليك يا جدع، أخوك هيسمع في دهب كلها”
تحدثت «سارة» بخوف زائف:
“يبقى ربنا يسترها علينا و على السياح”
______________
في بيت آلـ الرشيد دخل «طارق» غرفته بعدما كان جالسًا مع «وليد»، وجد «جميلة» تصلي، وقف ينظر لها بفخرٍ، أنهت هي الصلاة ثم جلست تسبح على كفها، بعدها رفعت كفها تضرع إلى الله سبحانه وتعالى حتى يريح قلبها و يزيح عنها ما تشعر به، سمع هو صوت أنين بكائها، فاقترب منها ثم جثى على ركبتيه أمامها، نظرت هي له بأعين دامعة فوجدته يمد أنامله يكفكف دموعها بحنان وهو يقول بحب:
“أنتِ مؤمنة بالله وعارفة إن كل شيء بيحصل لينا قسمة ونصيب، و أكيد ربنا ليه حكمة من اللي حصل دا، زي مثلًا رجوعك ليا تاني و بقيتي مراتي، و ربنا كرمني و كلمت واحد صاحبي هيشوفلك الشغل اللي نفسك فيه، وحاجات كتير إحنا لسه مش واخدين بالنا منها، بس أنا عاوزك تعرفي حاجة مهمة، ربنا أحن و أكرم علينا من قلوبنا نفسها، و فيه مقولة أنا بحبها أوي بتقول: كل اللي يجي من عند حبيبي..حبيبي
يعني كل حاجة ربنا يكرمنا بيها نحبها و نرضى بوجودها، يعني مثلًا عندك أنا لما أنتِ مشيتي و سبتيني، أنا كنت هموت من الزعل علشان كنت متعلق بيكِ أوي، وهما قالولي إنك هتبقي مراتي، لما كبرت و قربت من ربنا أيقنت إن اللي حصل دا خير ليا، صحيح كنت موجوع و نفسي تكوني معايا علطول، بس كنت راضي و صابر والله، ودا اللي عاوزه منك، إنك تبطلي تزعلي على أي حاجة في الدنيا وافتكري دايمًا:
إن رَضيتم رُضيتم و أمر اللّٰه نافذ
و إن سخطتم بُليتم وأمر اللّٰه نافذ
يبقى إيه الحل يا جميلة؟”
ابتسمت له بحب، بعدما طمأنها هو بحديثه الذي بدل خوفها و حزنها إلى الأمان التام، بعدها آخذت نفسًا عميقًا ثم قالت له بهدوء:
“يبقى الحل إننا نحمد ربنا على كرمه و نعمه علينا، و نقول الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه”
ابتسم هو لها ثم اقترب منها يطبع قبلة هادئة على قمة رأسها وهو يقول:
“ربنا يقوي إيمانك يا جميلة، على فكرة من كرم ربنا عليا هو رجوعك عليا كدا، حافظة القرآن و ماشاء الله على أخلاقك، بصراحة ربنا رحيم بيا أوي يا جميلة”
أومأت له بهدوء ثم أخفضت رأسها في خجلٍ منه، بينما هو قال بهدوء:
“أنا جيت علشان أقولك يلا علشان العشا جاهز، و خالك برة بنفسه مستنيكِ تاكلي معاه”
قطبت جبينها تنظر له بتعجب، فوجدته يقول بهدوء وهو مُبتسمًا:
“خالك محمد أبويا و حماكِ يا جميلة”
أومأت له ثم قالت بهدوء:
“آه معلش اتلغبطت، بس أنا لحد دلوقتي مش عارفة أحفظهم”
ضحك هو الأخر ثم قال بإحباط:
“تصدقي بالله، ولا أنا عارف أحفظهم، لحد دلوقتي بتلغبط فيهم”
ضحكت هي بقوة فوجدته يقول بهدوء:
“يلا يا جميلة، خلينا ناكل علشان أنا بصراحة اليومين دول نفسي بقت مفتوحة”
____________
في الشقة التي تقبع بها «مشيرة» كان «وليد» جالسًا بجانبها و معه «مروة» تطعمها الحساء الساخن، أنهت الطعام وهي تقول بنبرةٍ منهكة:
“خلاص… بالله عليكِ يا مروة كفاية….مش قادرة”
ردت عليها «مروة» بهدوء و بوجهٍ مقتضب:
“يا مشيرة علشان العلاج اللي بتاخديه دا، الدكتور قال إن علاجك في الأكل و الصحة النفسية”
ابتسمت «مشيرة» بسخرية ولم تعقب، بينما «وليد» قال بنبرةٍ متهكمة:
“كلي يا مشيرة، هيبقى معندكيش سلام نفسي ولا سلام صحي كمان؟”
نظرت له «مشيرة» بتمعن وهي تقول بنبرة حزينة:
“هو أنتَ ليه بتقعد معايا…واحد غيرك كان موتني”
ابتسم ساخرًا ثم قال بنبرة متهكمة:
“واحد غيري لو كانت طمرت فيه تربيتك، بس أنا واطي…تربيتك مطمرتش فيا….ودا من حسن حظك”
لم ترد «مروة» عليه بل انسحبت من الغرفة بهدوء، أما هو فقال بعدما زفر بقوة:
“المهم حسان طالع كمان شوية هنا، عاوزك تبقي ثابتة كدا قصاده علشان اللي جاي هيهزنا كلنا”
قطبت جبينها تنظر له بتعجبٍ من حديثه الغريب، أما هو خرج لوالدته وهو يقول بهدوء:
“معلش يا ماما اطلعي فوق و ابقي تعالي كمان شوية”
نظرت له بقلة حيلة وهي تقول بنبرةٍ حائرة:
“طب يابني مشيرة لسه هتاخد الدوا، و سهير و زينب بيعشوا عيالهم”
أمسك هو الدواء من يدها وهو يقول بمرحٍ خبيث:
“لأ دوا ضغط مشيرة دا تخصصي أنا…. و خصوصًا الليلة دي”
قطبت والدته جبينها وهي تقول بنبرةٍ حائرة:
“أنا مش فاهمة حاجة…أنتَ عاوز إيه”
رد عليها هو بمرحٍ كعادته:
“اطلعي شوفي مرتضى اللي قرب يتجوز عليكِ دا، و حضريلنا العشا، وأنا هطلع وراكِ”
أومأت له والدته بقيلة حيلة ثم تركته و ذهبت إلى شقتها، أما هو نظر في اثرها بعمقٍ و بسمته تتلاشى شيئًا فـ شيء، بعدها زفر بعمقٍ، وصلته رسالة عبر هاتفه،فأخرجه ينظر في قائمة الإشعارات، حينما وجد مبتغاه، فتح باب الشقة، وجد «حسان» في وجهه، رحب به بطريقته الساخرة المعتادة:
“عمو حسان وحشتني أوي، دا البيت نور بوجودك والله”
نظر له «حسان» بضيق وهو يقول بنبرة جامدة:
“خير يا وليد كلمتني ليه؟ بنتي كويسة؟”
نظر له «وليد» بسخرية وهو يقول:
“جرى إيه يا أبو العروسة؟ جاي دلوقتي تسأل بنتك كويسة ولا لأ ومن على الباب كمان؟ طب أدخل الأول”
دخل «حسان» الشقة وقبل أن يجلس على الأريكة، تحدث «وليد» يقول بنبرة قوية:
“أنتَ بتقعد هنا ليه؟ هو أنا قولتلك اقعد؟”
نظر له «حسان» باندهاش، فوجده يقترب منه يمسكه من مرفقه وهو يقول بخبثٍ:
“تعالى معايا بس هدخلك عند الحبايب”
كان يتحدث وهو يسحبه من مرفقه، دخل به الغرفة عند «مشيرة» التي انتفضت في جلستها عندما رآتهما في غرفتها، نظر لها «حسان» بمشاعر كثيرة مع بعضها ولكن ما طغى على تلك المشاعر كانت المشاعر المشتاقة، أما هي فنظرت بانكسار و حزن و عتاب كل تلك النظرات ممتزجة مع بعضها في نظرة واحدة، وقف «وليد» يراقب نظراتهما لبعضهما البعض، فحمحم بقوة ثم تبع فعلته بقوله:
“طب إيه طيب؟ هنتكلم إمتى؟”
أخفضت «مشيرة» رأسها بانكسار، أما «حسان» فنظر له وهو يتنهد بعمقٍ، فقال «وليد» بخبثٍ:
“نيجي بقى للكلام المهم…دلوقتي بعد الفيلم الهندي اللي إحنا عايشينه بقالنا كام يوم و بعد عودة الاستاذ حسان برفقته الحبيبة المصونة للأستاذ طارق….حياتنا بقت كرب…دكاترة داخلة خارجة ودي وحشة في سمعة عيلة الرشيد، المهم أنتو الاتنين زي بعض…غلطانين انتو الاتنين، مشيرة محافظتش على اللي عندها ومشيت ورا شيطانها…وأنتَ صدقت الكلام اللي اتقال في حق مراتك وهربت من غير مواجهة….علشان كدا أنتو الاتنين أحق ببعض، جميلة مش مستعدة تشوف حد فيكم هنا… وخديجة مش عارفة تسامح…وعمي طه لو سبته عليكم محدش فيكم هيخرج من تحت إيده سليم….هيضرب كل قلم خديجة خدته منه فـ ١٠ زيه، علشان كدا مشيرة لازم تمشي من هنا”
سألته «مشيرة» بذهول من حديثه الذي كانت تتابعه بتعجب:
“أمشي من هنا أروح فين بس؟…أنتَ عارف أنا معنديش مكان تاني غير دا”
التفت ينظر لها بمرحٍ و تسلية تضج من عيناه وهو يقول:
“ومين قالك إنك معندكيش بيت تاني؟ مش عيب تقولي كدا وبيت جوزك موجود؟”
نظر له كلاهما باندهاش، فقال هو بمرحٍ خبيث:
“ألف مبروك يا مشيرة… عريسك موجود، ماهو فايز الرشيد مش أحسن مني علشان يجوزكم لبعض”
سألته «مشيرة» بانفعال ممزوج بالحنق:
“أنتَ بتقول إيه؟ أنتَ مجنون؟”
حرك رأسه نفيًا وهو يبتسم لها باستفزاز، ثم تبع فعلته تلك بقوله:
“لأ خالص دا أنا أعقل واحد في العيلة دي…ولا أنا علشان عاوزك تخلفيلنا عقرب صغير كدا أبقى غلطان”
سأله «حسان» بضيق وبنبرة منفعلة:
“أنتَ عاوز إيه يابني بقى تعبتني؟”
رد عليه بسخرية:
“لا عاش ولا كان اللي يتعبك يا عمو حسان… عاوزك تتجوز عمتي…طبعًا مش هلاقي لمشيرة عريس مناسب أكتر من كدا…ماشاء الله الطيور على اشكالها تقع…بس هنا نخليها العقارب على سمومها تقترب”
يُتَبَعَ
#الفصل_التاسع_والأربعون
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ