الفصل الخامس
“رواية تَعَافيْتُ بِكَ”
_______________________
“كَـيّـفَ لـ قلبٌ أن يَجرح قلبٌ أخر مِثلهُ و يعيشُ و يَنعمُ في سلام و ذلك المَجروح يكره نفسه و الأيام؟”
________________________
في منزل آلـ «رشيد» رحل الحاج«ناصر» و عائلته، أما أفراد عائلة آلـ«رشيد» فذهب كل فردٍ منهم إلى شقته، و في الطابق
الخامس بشقة «محمد» والد «عبلة» كانت جالسة بغرفتها وهي تشعر بتأنيب الضمير من أفعال عمتها و هدير تجاه خديجة، هي تعلم أن عمتها دائمًا تُقلل من شأن خديجة لكن لا تعلم لماذا تكرهها لذلك الحد،فجأة وجدت طارق أخيها يطرق باب غرفتها يخبرها أنه ذاهب لعمله وهو يقول:
“أنا هنزل يا عبلة علشان في ناس عاوزة تصميمات جديدة و وليد و وئام مش عارفين يتعاملوا معاهم، لو بابا أو ماما سألو عليا عرفيهم إني نزلت” هم بالرحيل فوجدها تقف وهي تقول له:
“طارق معلش أنا عاوزاك ضروري ينفع؟”
نظر في ساعة يده ثم قال لها:
“يلّا يا ستي بس بسرعة علشان وئام ميعكش الدنيا هو و وليد والراجل يطفش منهم”
جلس على الأريكة بغرفتها وهي جلست على الكرسي المُقابل له تنهدت بقوة ثم قالت:
“بص يا طارق لو أنا عارفة إن فيه حد بيتأذي و عارفة كمان مين بيأذيه بس مش هينفع اتكلم أعمل إيه؟ وكدا أنا كمان شخص مؤذي؟”
نظر إليها بعمقٍ ثم أجابها:
“بصي يا عبلة أنا مش عارف إنتِ قصدك مين، بس طالما أنا عارف إن فيه حد بيتأذي و عارف كمان مين بيأذيه أبقى كدا أنا كمان مشارك في الأذى دا، وكمان غلطي ممكن يبقى أكبر من الشخص المؤذي؛ لأنه ممكن يكون عنده مشكلة مع الطرف التاني أو يكون عنده سوء تفاهم مع الشخص دا لكن أنا عارف إنه مظلوم”
نظرت إليه وهي خائفة ثم قالت:
“يعني كدا أنا كمان مؤذية زيهم؟طب أعمل إيه يا طارق مش هينفع أتكلم ، ولو اتكلمت ممكن يكذبوني وأنا مش معايا دليل”
نظر إليها مُتفحصًا ثم قال:
“عبلة هو الكلام دا له علاقة بعمتك مُشيرة و خديجة بنت عمك؟”
نظرت إليه بتوتر ثم قالت:
“بصراحة و مش هكذب عليك أيوا يا طارق، أنا عارفة من بدري إن هدير و عمتو كل مرة بيكونوا سبب المشكلة لكن كل مرة بتزيد عن حدها و بصراحة ضميري مش ساكت”
رد على حديثها:
“بصي يا عبلة طالما ضميرك مش ساكت دا شيء كويس جدًا،بس اللي مش كويس إني أحاول أسكت ضميري، المهم المرة الجاية لو لقتيهم هيعملوا حاجة كدا اتدخلي و حاولي تمنعيها ولو معرفتش استعيني بحد معاكِ،يلّا همشي أنا بقى علشان متأخرش”
وقبل أن يرحل أوقفته مرةً أُخرى وهي تقول له:
“طارق هو إنتَ لسه مستنيها؟”
نظر إليها مُستفسرًا ثم قال:
“و ليه السؤال دا يا عبلة دلوقتي؟”
ردت عليه بهدوء:
“علشان إنتَ حابس نفسك في ذكرياتك معاها يا طارق و معذب نفسك ببعدها عنك إحنا مش عارفين هي فين أصلًا و عايشة ولا لأ”
_”عايشة”
خرجت منه تلك الكلمة تقطع حديثها ثم نظر إليها بعمقٍ وهو يقول:
“عايشة يا عبلة أنا قلبي مبيكذبش عليا و عارف إن ربنا مش هيكسر بخاطري و هيجمعني بيها تاني”
ردت عليه بإندهاش واضح على ملامحها:
“غريبة يا طارق دا عمتك نفسها مش واثقة إنها عايشة، و أهيه أمها و غالبًا كدا نيستها”
رد عليها مُعقبًا:
“مفيش أم هتنسى بنتها يا عبلة، كل الحكاية إن عمتك مبتحبش تبان ضعيفة علشان متصعبش على حد و بتدارى في شخصيتها القوية و حاطة في دماغها إن هدير بدل جميلة”
تنفست بعمقٍ ثم قالت له:
“ربنا يريح قلبك و يجمعك بيها يا رب أنا بس عاوزة أشوفك مرتاح يا طارق”
رد عليها مُعقبًا:
“لو عاوزاني فعلًا أرتاح ادعيلي ربنا يجمعنا سوا أنا وهي”
قال حديثه ثم خرج من غرفتها و من الشقة بأكملها ووقف أمام المصعد ضغط على الزر ثم أخرج محفظته من جيبه و أخرج منها صورة «جميلة» نظر إلى الصورة و شرد في ملامحها و فجأة إنتبه على صوت المصعد حينما وصل إليه قام بتقبيل الصورة ثم وضعها في محظته مرةً أُخرى وذهب إلى عمله.
______________________
رحل الشباب و ظل «ياسين» جالسًا بِصُحبة «ميمي» حتى يتابع جلستها الأخرى ، إنتهت الجلسة و تحسن وضعها كثيرًا فقام ياسين بتوقيف الجهاز وهو يقول لها:
“عال أوي كدا يا ميمي، الحمد لله الجلسة خلصت و إطمنت عليكِ”
ردت عليه بحب بعدما أزالت القناع عن وجهها:
“ربنا يديم وجودك ليا يا حبيبي و عقبال ما أنا كمان أطمن عليك يا ياسين”
رد عليها بسخريةً:
“يا مرارك يا ياسين، إنتِ إتعديتي من زُهرة ولا إيه يا ميمي، عاوزة تطمني عليا إنتِ كمان؟ وبعدين لما أطمن على ياسر أبقى اشوف نفسي بقى.”
ردت معقبةً:
“نعم يا أخويا تطمن على ياسر ليه هو إبنك ولّا إيه؟”
رد عليها بهدوء مُردفًا:
“إنتِ عارفة إني مليش غيرهم يا ميمي هما كل حاجة ليا، صحيح ربنا مرزقنيش بأخوات بس أنعم عليا بصحبتهم من يوم ما دخلوا حياتي محستش يوم إني لوحدي وبعدين بصراحة مش ضامن خالد ممكن يعمل إيه لياسر علشان كدا عاوز أخلص موضوعهم على خير.”
نظرت إليه بحب ثم قالت له:
“قلبك كبير و طيب يا ياسين تستاهل كل خير ربنا يبارك فيك ويديك على قد طيبة قلبك ديه، بس برضه عاوزة أشوف إنجازك في الجواز إنتَ كمان.”
أخرج زفيرًا قويًا ثم تحدث قائلًا:
“الجواز مش إنجاز يا ميمي،مش معنى إنى أتجوز بدري يبقى دا إنجازي، الإنجاز اللي بجد هو اختيار الشريك الصح يا ميمي اللي يستحملني و استحمله،شريك حنين يسندني في حياتي مش عاوز أتجوز علشان أبقى إتجوزت و خلاص.”
نظرت إليه بتفهم ثم قالت له:
“ربنا يكرمك باللي نفسك فيه يارب وتلاقي السند يا ياسين.”
إقترب منها ثم مال عليها مُقبلًا قمة رأسها ثم تبعها بقوله:
“إدعيلي يا ميمي، و أنا هسيبك بقى علشان زُهرة زمانها على نار.”
قال حديثه ثم تركها و غادر الشقة.
________________________
في منزل آلـ«رشيد» كانت «خديجة» جالسة بغرفتها و كل أحداث اليوم تُمر أمام عينيها، كان التفكير موشكًا على فتك عقلها، فجأة دخل عليها أخواتها الغرفة لكي يقوموا بمشاكستها،
تحدث أحمد قائلًا:
“فيه إيه يا ملكة الأحزان مالك؟ هي أول مرة يعني؟ فُكي كدا و روقي ولا إيه رأيك إنتِ يا خلود؟”
تدخلت خلود قائلةً:
“أنا لو منها عادي أبقى باردة ولا كأني حصل حاجة، أصلها مش أول مرة يعني و مشيرة عمرها ما هتبطل تزعلك أصلًا.”
أخذت «خديجة» نفسًا عميقًا ثم قالت:
“أنا لحد دلوقتي مش لاقية سبب مُحدد للي بيحصل فيا دا مش فاهمة سبب كرههم ليا، أنا عملت إيه؟ ولو هي بتكره ماما أنا مالي إيه ذنبي في دا كله؟حد فيكم يفهمني”
نظر إليها «أحمد» بعمقٍ ثم قال:
“متزعليش نفسك يا خديجة انتِ عارفة عمتو من ساعة اللي حصل زمان و بُعد بنتها عنها مخليها متغيرة، إحنا نستحملها لحد ما ربنا يريح قلبها و يهديها.”
تدخلت «خلود» في الحديث:
“يعني علشان هي عندها ظروف نفسية تمشي تطلعها على الناس يا أحمد لأ طبعًا على، الأقل تحاول متدخلش في حياة الناس بكلامها اللي زي السم”
نظر إليها «أحمد» بقوة ثم قال لها:
“هو أنا جايبك علشان نروقها ولا علشان نفكرها و ننكد عليها؟ يلا أنا جايب لعب ألغاز حلوة أوي هخلي ضحكتكم تسمع في البيت كله و يانا يا حزنك يا خديجة إنهاردة”
قال جملته ثم غمز لها بطرف عينه، نظرت له بإمتنان ثم شرعوا في اللعب سويًا.
_______________________
مر يومان من بعد ذلك التجمع كانت الأوضاع هادئة على جميع الابطال، حيث أن افراد عائلة آلـ«رشيد» كان كل فردٍ منهم في شقته، وياسين و أصدقائه كل فردٍ منهم في عمله ومنهم من كان يستعد ليوم الخميس لكي يتقدم لحب عمره كما يقول، في شقة «طـه» كان يرتدي ملابسه لكي يذهب لعمله و كانت «زينب» زوجته مُتزمرةً منه، دخل المطبخ وهي تقوم بتحضير الفطار لأبنائها اقترب منها ثم قال:
“قلبك أبيض يا زينب بقى، هتفضلي مبوزة في وشي كدا إضحكي يا زينب علشان أعرف اروح شُغلي”
قال جملته ثم وكزها في كتفها.
شعرت بالضيق منه فقالت له:
“مش كل مرة كدا يا طه، مش كل مرة تكسر بخاطر بنتي علشان خاطر مُشيرة، أنا مش هفرح ببنتي وهي كل مرة تحس إنها قليلة يا طه”
أرجع «طـه» رأسه للخلف ثم أعادها مرةً أُخرى وهو يقول:
“أعمل إيه طيب يا زينب دي أختي و على إيدك خديجة كل مرة تبوظ حاجة و تحرجني قدام الناس هي مش صغيرة يا زينب دي على وش جواز.”
انتبهت «زينب» لحديثه ثم قالت وكانها تذكرت شيئًا هامًا:
“طب يرضيك يا طه تعايرها بشكلها و تقولي وريني هتتجوز إزاي بشكلها دا؟”
رد عليها مُعقبًا:
“تلاقيها بتهزر يا زينب، وبعدين متنسيش اللي حصلها، هي مكانتش كدا بُعد جميلة و حسان عنها هو اللي عمل فيها كدا و…..”
كان سوف يُكمل حديثه لكنه اوقفه، فنظرت إليه «زينب» بتفحص ثم قالت:
“كمل يا طه و أنا و اللي عملته زمان ، هو إنتَ يا طه فاكر إن أنا السبب في اللي حصل زمان؟”
زفر «طــه» بقوة ثم قال:
“مش وقته يا زينب الكلام دا ، أنا همشي على الشغل علشان متأخرش و انتِ متزعليش ماشي .”
قال جملته بسرعة ثم تركها و غادر الشقة ، نظرت في أثره بغيظ ثم قالت:
“ربنا يهديك يا طه و يحنن قلبك يارب.”
___________________________
كانت«زُهرة» جالسة في المدرسة بغرفة المُعلمين و فجأة صدح صوت زميلتها«وفاء» عاليًا وهي تحادث إبنتها في الهاتف قائلةً:
“هو إنتِ يا منة مفيش مرة تسمعي كلامي فيها؟ ما قولتلك نزول مع هدير و عبلة لأ ، مش شبهك دول يا بنتي ليه مصممة تتعبيني في حياتي”
ظلت منة تُلح عليها في الهاتف حتى قالت لها والدتها:
“خلاص غوري مكان ما إنتِ عاوزة تعبتيني بس ماليش دعوة لو أبوكي سألني هقوله.”
أغلقت معها الهاتف وهي تزفر بضيقٍ، نظرت إليها «زُهرة» مستفسرةً ثم قالت لها:
“ما تهدي شوية يا وفاء فيه إيه؟هو انتِ ماوراكيش في الحياة غير منة و مشاكلها؟”
نظرت إليها «وفاء» ثم قالت:
“تعبت منها يا زُهرة بجد عملت فيا اللي محدش عمله من اخواتها ماشية ورا هدير و عبلة جيراننا، عيال مدلعة مش شبهها و مش شبه تربيتي ليها، كان نفسي أوي تكون زي خديجة بس للأسف بتقلد في الست هدير”
نظرت إليها«زُهرة» باستغراب ثم قالت:
“خديجة! أول مرة أسمع عنها دي، كل مرة بتتكلمي عن هدير و عبلة، مين خديجة دي؟”
نظرت إليها «وفاء» ثم قالت بحب:
“خديجة دي الغلطة اللي في عيلة رشيد ، حاجة كدا مفيش منها”
سألتها «زُهرة» مستفسرةً:
“حلوة يعني؟”
ردت «وفاء»:
“خالص بالعكس يا زُهرة، يمكن هي أقلهم في الجمال هدير و عبلة و هدى كلهم أجمل في الشكل ، لكن دي روحها حلوة أوي فيها حاجة كدا تخليكي تحبيها غصب عنك تخليكي كدا تحسي إن في قلبك حب غريب ليها رغم إنك أول مرة تشوفيها، تخليكي تعرفي إنها مش بالشكل”
لمعت أعين «زُهرة» ثم سألتها:
“دي مخطوبة دي وفاء؟”
أجابتها «وفاء»:
“لأ لسه مجاش نصيبها”
نظرت إليها «زُهرة» بعمقٍ ثم قالت:
“إعتبريه جه يا وفاء”
عرفت «وفاء» ما تفكر به «زُهرة» فنظرت إليها بتمعن وهي تقول:
“هو إحنا نطول؟ خلاص أنا هكلمهم في البيت وانتِ شوفي دُنيتك كدا”
_____________________________________
أتى يوم الخميس يوم الرؤية الشرعية لـ«إيمان» كان الشباب مجتمعون في شقة «ياسر» وكان «ياسين» يقوم بربط «رابطة العنق» لـ«ياسر» فصاح به بصوتٍ عالٍ:
“ما تثبت بقى يا ياسر خيلتني، فيه إيه دي كرافتة مش محاليل، دا عامر المتخلف متعبنيش كدا”
تدخل «عامر» في الحديث قائلًا:
“اللّه ! أنا مالي أنا يا عم ياسين ، هو إنتَ كل حاجة تُحشر فيها عامر؟”
رد عليه «ياسين»:
“إخرس خالص يالّا”
تحدث «ياسر» بهدوء كعادته قائلًا:
“أنا خايف يا ياسين من خالد يرفضني أو يعقدها معايا”
رد عليه «ياسين» مُعقبًا:
“خايف ليه يا عين أمك؟”
تدخل «عامر» في الحديث قائلًا:
“خليه يا ياسين، يمكن نكون مش ماليين عينيه ، ولا يكون فاكرنا سوسن و مديحة”
ضحك الجميع على حديث «عامر» ، ثم تحدث «ياسين»:
“متقلقش خالص يا ياسر أنا مظبط كل حاجة” ثم نظر إلى «عامر» وهو يقول له:
“عامر جهزت اللي اتفقنا عليه؟”
رد عليه «عامر»:
“متقلقش يا ياسين عمار أخويا مجهز كل حاجة”
نظر إليهم «ياسر» مُستفسرًا ثم قال:
“ما تفهموني يا رجالة فيه إيه؟”
ربت «ياسين» على كتفه ثم قال:
“قولتلك متقلقش يا ياسر”
نزل الشباب من شقة ياسر توجهوا إلى شقة «خالد» نظرًا لتقارب المسافة بين البيتين، دخل الشباب شقة خالد فقام خالد بالترحيب بهم جلس الشباب بهدوء ولم يتحدث منهم أحد فكان الجو يملئه الملل، فتحدث «خالد»:
“ما تخلصوا يا جدعان عاوز أنام ماحد فيكم يتكلم”
مال«ياسين» على «عامر» ثم قال له:
“أخوك فين يا غبي هو أنا عمري ما اعتمد عليكم و تنصفوني؟”
رد عليه «عامر»:
“زمانه جاي يا ياسين متقلقش”
رد «ياسين» مُعقبًا:
“أنا مش قلقان، أنا مرعوب من خالد، دا عنده عرق سايح في مخه ممكن يطردنا كلنا دلوقتي”
وأثناء حديثهما طُرق باب شقة«خالد» فقام على مضضٍ لكي يقوم بفتح الباب، و بمجرد ما فتح الباب دخل «عمار» و معه رجلٌ أخر نظر لهم «خالد» مُستفسرًا ثم إلتفت إلى الشباب وهو يقول:
“هو عم فتوح المأذون بيعمل إيه هنا يا شباب؟”
نظر «ياسين» لـ«ياسر» وجده مندهشًا، فقام بوضع قدمٍ فوق الأُخرى ثم قال بغرور مُصطنع:
“أصل عقبال عندك يا خالد إنهاردة كتب كتاب ياسر على الآنسة إيمان أختك”
يُتَبَع
#الفصل_الخامس