“الفصل الخمسون”
“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
_____________
كل ما أردته فقط هو الهروب من ضجيج العالم بين ذراعيك.
_____________
كل الطرقات الآن أصبحت مُهيئة لك، عليك فقط اتخاذ القرار…لكن الأمر المؤسف هو أنك لا تستطع الفرار…حتى أنك مفتقد رفاهية الانهيار…لذا كل ما عليك فعله فقط هو اختيار المسار.
سأله «حسان» بضيق وبنبرة منفعلة:
“أنتَ عاوز إيه يابني بقى تعبتني؟”
رد عليه بسخرية:
“لا عاش ولا كان اللي يتعبك يا عمو حسان… عاوزك تتجوز عمتي…طبعًا مش هلاقي لمشيرة عريس مناسب أكتر من كدا…ماشاء الله الطيور على اشكالها تقع…بس هنا نخليها العقارب على سمومها تقترب”
نظر كلاهما لبعضهما البعض باندهاش و بحدقيتي على وسعيهما من هول المفاجأة، فقال هو بخبثٍ:
“لأ لأ لأ… مش طريقة دي، هو أنا بقول ههربكم؟، دا أنا بقول هجوزكم، يعني هنجمع راسين في الحلال”
رد عليه «حسان» بنبرة أهدأ مع نظرة عينه التي تحولت لإشراقة الأمل والتي لم تخفى على «وليد»:
“مينفعش يا وليد…الوقت اللي فات كان كتير…مش كل اللي بيتكسر بينفع يتصلح”
رد عليه «وليد» بنبرة متعالية:
“أي حاجة في الدنيا بتتكسر بينفع تتصلح تاني…بس لو الصنايعي شاطر، وبعدين أنا واخد بالي من نظراتكم…ولا اي يا مشيرة؟”
قال جملته الأخيرة بتلميح مبطن لـ عمته وكأنه بذلك يخبرها بما يدور حوله، أما هي فنظرت له باندهاش، جعله يومأ لها بقوة ثم استطرد حديثه قائلًا:
“أنا أهم حاجة عندي هو إن البيت دا ميكونش فيه مشاكل…و بصراحة وجودكم سبب كفيل لأي مشاكل، دلوقتي بقى هسيبكم تتكلموا سوا…تشوفوا هترسوا على إيه؟ بس ياريت الكلام يبقى بهدوء بلاش جو المحاضرات و الصريخ دا، أنا هقف برة الأوضة علشان مينفعش تبقوا مع بعض لوحدكم، كفاية ذنوب بقى”
نظر في وجهيهما وهما ينظرا لبعضهما البعض، فـ زفر بضيق ثم خرج من الغرفة يقف على أعتابها بعدما قام بمواربة الباب بيده، وفي يده الأخرى هاتفه يقوم بمراسلة شخصٌ ما.
في الغرفة زفر «حسان» بقوة ثم قال بنبرةٍ مهتزة وكأنه يصارع نفسه حتى تتحدث فقال:
“ها يا مشيرة، موافقة على كلام وليد؟…عاوزانا نكون مع بعض تاني؟”
نظرت له بقوة ممزوجة بالعتاب وهي تقول بنبرةٍ شبه صارخة ممتزجة بالبكاء:
“لــيه؟ ليه عملت فيا كدا؟ ليه سبتني لوحدي يا حسان؟ أنتَ عارف أني بخاف أكون لوحدي، وعارف أني طول عمري بنت وحيدة وسط ولاد محدش فيهم اهتم بيا، ليه مشيت بعدما حبيتك، ليه مشيت بعد ما أنا اطمنت إن فيه حد عاوزني، ليه صدقت الوحش فـ حقي، رد عــلـيا”
صرخت بكلماتها الأخيرة في وجهه مما أدى إلى انفعاله فـ رد عليها مُعقبًا بنبرة منفعلة:
“وأنتِ ليه محبتنيش من الأول يا مشيرة؟ ليه استنيتي بعد ما طاقتي خلصت علشان تختاريني، أنا كنت يتيم و مليش حد، لا أهل ولا أخوات، شوفت فيكِ أنتِ كل دا، ليه حبتيه هو من الأول، ليه سلمتي مشاعرك لواحد زي دا بيستغلك، أنا عارف إنه كان قبل جوازك مني، بس ليه تعملي كدا في نفسك؟”
بنفس النبرة الصارخة ردت عليه هي:
“علشان اهتموا بيا، مجدي و مديحة اهتموا بيا، طول عمري لوحدي وسطهم هنا، هما ولاد وأنا البنت الوحيدة، كل واحد فيهم كان دوره يبقى مصلح اجتماعي، محدش فيهم قرب مني غير طه، كان هو اقرب واحد ليا، و جت زينب بقى بيهتم بيها هي و أهملني، بعدها جيت أنتَ، بدأت آخد على وجودك وخلفت منك، أنا آه كنت رافضة الخلفة، بس لما شوفتها كل دا مشي وساعتها ملقتش غير الحب ليها و ليك، ليه قهرتني ببعدك عني؟ ليه خلتني تاني أخاف من غيرك، بعد ما اطمنت في وجودك….لــيه؟”
قالت حديثها ثم اجهشت في البكاء، فابتسم هو بسخرية ثم قال بنبرة موجوعة:
“علشان قلبي اللي تعب من الجري وراكي، علشان كل حاجة فـ حياتي كانت مربوطة بوجودك أنتِ، كل يوم كنت بقيس حلاوته بوجودك فيه، يوم ما تضحكي معايا كان بيبقى يوم الهنا، ويوم ما تشاركيني أي حاجة بتحبيها، قلبي كان بيرقص من الفرحة، لحد ما اتصدمت إنك كنتِ بتحبي مجدي، راجل زيي كرامته اتوجعت و اضرب بسكينة في رجولته، طبيعي يكون رد فعلي مختلف، أنتِ نفسك لو حد كان جابلك حاجة زي دي ليا، كنتِ هتطلبي الطلاق و مكنتيش هتفضلي على ذمتي ثانية واحدة، أنا غلطت علشان مواجهتش، بس ساعتها لو كنت واجهت الله أعلم كان تصرفي هيبقى إزاي”
_”آه فـ الحل بقى إنك تقهرني على بنتي، وإنك تسبني زي الجثة من غير روح، عيشت عمري كله فاكرة إن أنا اللي صح، رجعت أخاف تاني، طول ما كنت بعيد عني عمري ما عرفت أنام في الأوضة، حتى أوضة جميلة، كنت كل ما أدخلها و أشوفها فاضية قلبي يتقطع ١٠٠ حتة، كنت كل يوم بقعد في البلكونة وأقول قلبه هيحن و يرجع ليا، بس للأسف محصلش، لحد ما القسوة مسكت فيا، وطلعت القديم والجديد، على زينب و خديجة، كنت كل ما افتكر إن هي مبسوطة وأنا بسببها عايشة في نكد، قلبي كان بيتكسر، كل ما أشوف خديجة فرحانة و افتكر إن جميلة عايشة من غيري بسبب أمها أحس أني عاوزة أقهر زينب زي ما قهرتني، في الآخر طلعت بعمل كل حاجة غلط، بنتقم من واحدة أنضف من إن اللي زيي يبص في عينها، ودلوقتي أنا بموت علشان بنتي بس تبص في عيني”
ردت هي عليه بذلك الحديث، مما جعله يقول لها بنبرة قوية:
“إحنا الاتنين غلطنا يا مشيرة، أنا مش ملاك، وهروبي كان أكبر غلطة، بس أنتِ غلطك أكبر، وأنا علشان أصلح غلطتي هرجعك لذمتي تاني، يمكن أقدر أعوض جزء من الذنب في حقك و حق خديجة وأمها”
ابتسمت هي بتهكمٍ ثم قالت بنبرة باردة:
“لأ كتر خيرك والله، جاي بعد ما الروح اتحرقت و الجسم اتدمر، و عاوز تحييهم تاني؟”
رد عليها هو بضيق:
“أنا بعمل كدا علشان جميلة وعلشانك، أخواتك مش قابلينك بينهم، هسيبك لمين يا مشيرة؟ لا أنا ولا أنتِ لينا حد غير بعض”
قبل أن تتفوه مُعقبةً على حديثه دخل «وليد» في تلك اللحظة يقول ساخرًا:
“كل دا و بتتكلموا بالراحة؟ أومال لو قايلكم بالهدوء بقى كنتوا علمتوا إيه؟ فتحتوا مطاوي على بعض؟”
نظر له «حسان» بضيق، فقال «وليد» بعدما أمعن نظره لهما و تفحص وجهيهما:
“من الواضح كدا إننا هنبارك للعرسان، أنا بقول خير البر عاجله”
أنهى جملته ثم أخرج هاتفه وهو يهاتف صديقه قائلًا:
“هات المأذون و اطلع يا حسن، عقبال كتب كتابك”
ردت عليه «مشيرة» بانزعاج جلي بوضوح على ملامحها و نبرتها:
“بس أنا مش موافقة، أنا هشوف مكان تاني أعيش فيه علشان ابعد عن جميلة و خديجة”
رد عليها «وليد» بوقاحة زائدة:
“بطلي كدب بقى، أنتِ مريضة ومش حمل ذنوب، عينك فضحاكِ يا عمتو، وبعدين إحنا عيلة محافظة مبنسبش حريمنا في مكان غريب”
طرق باب الشقة في تلك اللحظة فأشار «وليد» إلى حسان وهو يقول بمرحٍ:
“افتح الباب للمأذون يا عريس”
نظر «حسان» له دون أن يظهر أي ردة فعل مما أدى إلى تحول نظرة «وليد» إلى السخرية وهو يقول:
“يعيني دا مصدوم من المفاجأة، روح يا عمو افتح الباب، ربنا يفتحها في وشك”
خرج «حسان» وهو يزفر بضيق، أمام «وليد» فـ راقص حاجبيه لـ عمته وهو يقول بمرحٍ خبيث:
“مبروك يا عروسة، والله لو بعرف كنت زغرط”
ادارت وجهها للجهة الأخرى وهي تتنهد بعمقٍ، أما هو زفر بقوة ثم فتح الطاولة الموضوعة في الغرفة، دخل «حسن» و معه المأذون و «حسان» خلفهما، نظر «وليد» للمأذون وهو يقول بسخرية:
“معلش يا مولانا تاعبينك معانا، من ساعة كتب كتاب خديجة و أنتَ الله ينور كل اسبوع تيجي تجوز حد عندنا، أنا هبقى أسيبلك نصيب من الورث، دا أنتَ من الأعضاء المؤسسين في العيلة دي”
رد عليه المأذون بهدوء وهو مُبتسمًا:
“ربنا يبارك فيكم يا بني، بس يلا نبدأ علشان الوقت متأخر”
تدخل «حسن» يقول بمرحٍ:
“يلا يا مولانا أنا عاوز أنام، والعريس زي ما أنتَ شايف كدا تعبان هو كمان”
أومأ لها ثم فتح دفتره بعدما جلس على الأريكة الموضوعة في الغرفة، أخبره «وليد» بانفصالهما عن بعضهما من قبل، تفهم المأذون الوضع ثم شرع في تجديد عقد قرانهما سويًا، كانت «مشيرة» تراقب الوضع بأعين خاوية خالية من المشاعر وكأنها في حلم، بالطبع ذلك لم يكن سوى حلم، أما «حسان» فكان يحاول استيعاب الوضع حوله، نظر «وليد» لهما يراقب انفعالتهما، أما «حسن» مال على أذنه وهو يقول بمرحٍ:
“الدماغ دي متكلفة صح ياض، دماغ معلم بصحيح”
رد عليه «وليد» بتكبرٍ:
“ياض إحنا أبطالها لحد ما نبطلها”
رد عليه «حسن» وهو يحاول وأد ضحكته:
“حقك يا معلم، هو احنا كلنا نيجي حاجة في الدماغ دي؟”
______________
في شقة «طه» جلس «ياسين» مقابلًا لوالدها و «أحمد» وهو يقول بهدوء:
“أنا بستأذن حضرتك يا عمي فرحنا يبقى بعد اسبوعين من النهاردة، يعني الخميس اللي بعد الجاي”
أتت «خديجة» في تلك اللحظة وهي تضع العصير أمامهم ثم جلست أمام «ياسين»، أما «أحمد» فـ رد عليه بهدوء:
“مش بدري كدا يا ياسين؟ مفيش وقت على كلامك كدا”
ابتسم له «ياسين» ثم قال بهدوء:
“أنا شقتي كلها جاهزة و مفيهاش أي حاجة ناقصة، يعني مش محتاجة وقت، وغير كدا المدارس قربت يعني صعب إن حد يعرف يجي وأنتَ عارف إن الناس بتبدأ تجهز حاجتها، فحرام علشان الناس متحسش إنها مضغوطة”
أتت «زينب» من الداخل وهي تقول بحب و فخر:
“ربنا يبارك فيك يا حبيبي، اسألني أنا لما حد كان بيعزمني على فرح في الوقت دا، كنت بحس أني مخنوقة، ربنا يبارك فيكم”
نظر «طه» في وجه «خديجة» فوجد علامات الارتياح على وجهها و الفرحة تضج من عيناها، لم يستطع انكار فرحتها بكونها ستتزوج «ياسين»، ضغط على جفنيه بشدة تزامنًا مع تنفسه بعمق، بعدها رفع رأسه ينظر لـ «ياسين» وهو يحاول جبر شفتيه على الإبتسام وهو يقول بنبرةٍ مهتزة:
“أنا موافق يا بني، ربنا يسعدكم يا رب، و يتمم فرحتكم على خير”
إرتسمت علامات الارتياح على أوجه الجميع و تحديدًا «ياسين»، في حين
نظرت له «خديجة» باندهاش فوجدته يقول لها بعدما نظر في وجهها بنبرةٍ شبه باكية:
“مبروك يا خديجة، بقيتي عروسة زي القمر…و….”
لم يستطع تمالك نفسه فاجهش في بكاء مرير بعد مباركته لها، نظرت هي بحزن له ثم اقتربت منه تجلس بجانبه على الأريكة وهي تبكِ هي الأخرى، بعدها مدت أناملها المرتعشة تمسح دموعه وهي تقول ببكاء:
“طب أنتَ بتعيط ليه طيب؟”
نظر لها بانكسار وهو يردف بنبرةٍ حزينة:
“علشان هتسيبيني، ملحقتش اشبع منك وأنتِ قريبة مني، لسه ماخدتكيش في حضني كفاية، لسه ملحقتش أعوضك يا خديجة، علشان خاطري سامحيني و متكرهنيش، والله مش عاوز غير إنك بس تضحكي في وشك من قلبك”
لم تستطع التحكم في رغبتها باحتضانه، فقامت بإلقاء نفسها بين ذراعيه وهي تبكِ بقوة، نظر لهم الجميع بحزن، فوجدوه يجهش هو الآخر في البكاء، أما هي فقالت:
“والله مسمحاك، غصب عني مش قادرة أقسي قلبي عليك، ولو عاوزني أفضل معاك أنا موافقة”
تحدثت «خلود» بعدما أتت من الداخل وهي تقول بسخرية:
“كدابة والله العظيم، دي هاين عليها تمشي من بكرة”
تحدث «ياسين» بهدوء متدخلًا في الحديث:
“طبعًا يا عمي أنا مقدر موقفك، بس عاوزك تعرف حاجة مهمة أنا لا يمكن أحوش خديجة عنكم هنا، وعاوزك كمان تطمن هي هتبقى فـ بيت راجل يصونها، كل همي في الحياة إنها تكون مبسوطة، وبعدين أنا عمري ما أقدر أزعلها أصلًا”
نظر له «طه» بحزن ولا زالت هي قابعة بين ذراعيه ثم قال بأسى:
“أنا عارف يابني إنك ابن اصول، و عارف كمان إنك أحن عليها من أبوها نفسه، ربنا يسعدكم إن شاء الله”
تدخلت «خلود» تقول بمرحٍ:
“يعني خلاص نعتمد البوست الرسمي للعروسة على مواقع التواصل الاجتماعي كلها”
ضحك الجميع عليها أما «ياسين» نظر لها بخبثٍ وهو يقول:
“أنا دلوقي بس اتأكدت من اللي في دماغي”
سألته هي بنبرةٍ متعجبة:
“هو إيه اللي فـ دماغك؟”
ابتسم لها بهدوء وهو ينظر في أوجه الجميع ثم قال:
“إنك مش شبه خديجة، بصراحة بحسك زي وليد”
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بطريقة مُضحكة:
“آه وليد، الأب الروحي ليا دا..
علمني اللي لا فيه مدرسة ولا درس يعلمهولي”
رد عليها «أحمد» بضيق زائف:
“هو إحنا ملاحقين على وليد، لما نلاحق عليكِ، ربنا يهديكم انتو الاتنين”
وقف «ياسين» وهو يقول بهدوء:
“طب عن اذنكم يا جماعة، و هبقى اكلم حضرتك يا عمي علشان التفاصيل، الفرح برضه هيكون في نفس القاعة اللي كان فيها فرح وئام، أنا عرفت منهم إن دا أقرب معاد فاضي، قبل المدارس”
وقف «طه» مقابلًا له ثم احتضنه وهو يقول بحب:
“ربنا يبارك فيك يا بني، ويكمل فرحتك على خير، أنا لو لفيت الدنيا دي كلها مش هلاقي لبنتي أحسن منك”
خرج «ياسين» من بين ذراعيه وهو يقول بمرحٍ:
“أنا سايبهالك اسبوعين أهوه تلحق تشبع منها، مش عاوزك تيجي بعد الفرح بأسبوع و تطلبها”
ضحك الجميع عليه أما هي أخفضت رأسها في خجلٍ، فـ رد عليه «طه» بمرحٍ هو الأخر:
“بقـى كــدا؟ ماشي يا سيدي، شكرًا لكرمك علينا”
ضحك «ياسين» ثم احتضنه من جديد وهو يقول بهدوء:
“ربنا يريح قلبك إن شاء الله، و صدقني مش عاوزك تخاف من فراقها، هي مع أكتر واحد يتمنى رضاها في الدنيا دي”
أومأ له «طه» بعدما ابتعد عنه نسبيًا ثم قال بهدوء:
“أنا متأكد من دا والله، ربنا يطمن قلبك زي ما علطول مطمني و مطمنها معايا”
ودع هو الجميع ثم تركهم و رحل من بيت آلـ الرشيد، أما هي حينما وجدت الأنظار مسلطة عليها شعرت بالخجل من الجميع فركضت إلى غرفتها، وصلها ضحكات الجميع عليها وعلى فعلتها تلك، أما هي كعادتها دارت حول نفسها عدة مرات بفرحة كبيرة تشبه فرحة طفلة صغيرة بهطول المطر، فهرولت ترقص تحتها، بعدها تنهدت بعمقٍ ثم قامت بإخراج قطعة قماش صغيرة حتى تقوم بصنع (طارة) له، تلك الهواية التي تركتها منذ زمن، عادت لها من جديد و أول من يستحق أن ينال تلك الطارة بالطبع هو، فمن غيره يستحق أن تبذل مجهود لأجله، هو من أعاد بريق الحياة في عيناها من جديد، بعد أن فقدت تلك اللذة من زمنٍ بعيد.
_______________
في الأسفل أنهى المأذون تجديد عقد القران، ثم رحل من البيت، نظر «وليد» لهما وهو يقول بهدوء:
“دلوقتي من حقكم تتكلموا براحتكم، طبعًا أنتَ هتاخدها معاك الليلة دي، مش عاوز الصبح يطلع و مشيرة هنا”
أومأ له «حسان» ولم يرد على حديثه، أما «وليد» فأشار لـ «حسن» وهو يقول:
“يلا يا حسن، خلينا نسيب العرسان شوية مع بعض”
أومأ له «حسن» ثم تبعه خارج الغرفة، جلس «وليد» على الأريكة في الخارج ثم تبعه «حسن» و جلس بجانبه وهو يقول مستفسرًا:
“هو أنتَ ليه جبتني أنا و مجبتش طارق و لا وئام”
رد عليه «وليد» بطريقة تشبه طريقة الفتيات:
“علشان أنا بحبك يا سونة، هو أنا عندي أعز منك”
اشمئز «حسن» من طريقته فنظر له بوجهٍ ممتعض، مما جعل «وليد» يضحك وهو يقول بهدوء:
“خلاص يا عم متزعلش نفسك أوي كدا، أنا جبتك أنتَ علشان طارق مش هيقدر يكدب على مراته وهي كدا ممكن تكون شايفاني ظالم، و وئام الله يعينه مراته تعبانة و بسبب اللي حصل و أكيد أنتَ عرفته بقى بيحارب علشان هدى و هدير كمان، محدش فيهم مستحمل حمل تفكير تاني”
رد عليه «حسن» بضيق زائف:
“آااه علشان كدا بقى ملقتش غيري مليش حد و فاضي”
ضحك «وليد» وهو يومأ له بقوة ثم قال:
“بصراحة كدا آه، قولت بدل القعدة بتاعتك تيجي تعملك أي حاجة، بدل ما تتلبس، وياسيدي عقبال كتب كتابك أنتَ كمان”
ابتسم له «حسن» بحزن وهو يقول بعدما تنهد بعمقٍ:
“كتب كتابي إيه بقى؟ أنا تعبت وأنا لوحدي خلاص، عارف لما كلمتني و قولتلي إنك عاوزني علشان كتب كتاب عمتك والله فرحت إن فيه حد بيفكر فيا و بيشاركني في حياته، أنا اللي زيي جاب أخره يا وليد، مش عارف ألاقي حياتي بعدما ضاعت مني، حتى الانتحار منفعش معايا”
رد عليه «وليد» بانفعال:
“اوعى تكون فكرت تعملها تاني يا حسن؟ بطل هبل الانتحار دا أكبر مصيبة الانسان ممكن يعملها في حياته”
رد عليه «حسن» بهدوء:
“متخافش أنا من ساعتها معملتهاش تاني، وبعدين أنا خلاص بقى أنا قربت من ربنا و عرفت إن الدنيا دي متسواش حاجة، هي بس بتيجي اوقات الانسان بيصعب عليه نفسه، بخاف أموت لوحدي يا وليد”
نظر له «وليد» بخبثٍ وهو يقول:
“أنتَ كمان خايف تموت لوحدك؟ هي فِرة ماشية في البلد؟”
نظر له «حسن» وهو يقول متعجبًا:
“قصدك إيه يا وليد؟ مش فاهم؟”
رد عليه «وليد» بخبثٍ تزامنًا مع يده وهي تربت على كتفه:
“لأ متشغلش بالك أنتَ، المهم تعالى وصلنا بعربيتك شقة حسان”
سأله «حسن» وكأنه انتبه لتوه:
“هو أنتَ ليه قولت إن مرات طارق هتعتبرك ظالم؟ مش فاهمك”
أخذ «وليد» نفسًا عميقًا ثم قال:
“علشان أبوها و أمها رجعوا لبعض، بس هما مش شايفين الوضع بعيوني أنا، مشيرة و حسان الدنيا فرقتهم غصب عنهم و افعالهم دي رد فعل للظروف، مشيرة لو فضلت هنا هتفضل تحارب علشان بنتها تسامحها، في النهاية جميلة هتحسبها صح و تسامحها علشان دي أمها، وحسان بيحب مشيرة مش عارف ينساها، و هيفضل يجي هنا بحجة يشوف بنته، يبقى حرام عليا اسيب ابواب للذنوب مفتوحة بينهم، دلوقتي هي تروح بيت جوزها وهما أحرار بقى، تسامحوا… تولع فيه…يبخوا سم في وش بعض مش بتاعتي دي”
ابتسم «حسن» بفخر وهو يقول:
“لأ دماغ فعلًا، أكيد فايز الرشيد كانت دماغه متكلفة كدا”
في داخل الغرفة زفر «حسان» بعمق حينما رآى دموعها تسيل على وجنتيها ثم قال بهدوء:
“يلا يا مشيرة خلينا نمشي قبل ما الوقت يتأخر، وليد قال إن الليلة دي لازم تمشي من البيت”
نظرت هي له بأعين دامعة وهي تقول بحزن:
“هي جميلة مش هتسامحني؟ أنا عاوزة أحضنها تاني قبل ما أمشي”
نظر هو لها بحزن وهو يقول بنبرةٍ موجوعة نابعة من ألم قلبه:
“جميلة زيك يا مشيرة بتدي كل حاجة حقها و خصوصًا الزعل، بس قلبها أبيض أوي ولما بتسامح بتنسى أصلًا إيه اللي زعلها، سيبيها يا مشيرة وربك قادر يحنن قلبها”
ردت عليه ببكاء و بنبرةٍ شبه صارخة:
“ليه عملت كدا؟ ليه حرمتني من حقي فيها يا حسان، ليه حرمتني من الحاجة اللي أي ست بتتمناها؟ ليه”
اقترب هو منها ثم مد أنامله يكفكف دموعها وهو يقول بوجع حقيقي:
“مكانش سهل عليا يا مشيرة والله، كان قلبي بيتوجع أكتر منك، كانت كل يوم تجيب سيرتك و تحكي إنها عاوزة أمها، كنت بحس بوجع، والله عمري ما جبت سيرتك بالوحش قصادها، كان كل كلامي إنك ست جميلة، بس مفيش حاجة بتستخبى طول العمر”
دخل «وليد» في تلك اللحظة وهو يقول بخبثٍ:
“شكلي قطعت لحظة رومانسية، معلش بقى أصل حمايا يبقى عم محمد، على العموم يلا علشان ألحق أرجع تاني، ماهو أنا برضه لازم أطمن على عمتي”
أومأ له كلاهما أما هو فتنهد بعمقٍ، و بعد فترة قليلة من القيادة أوقف «حسن» السيارة أسفل البناية التي تقع بها شقة «حسان»، نظر لهما «وليد» في الخلف وهو يقول بهدوء:
“يلا علشان نطلع، وحسن هيستناني هنا”
أومأ له الجميع أما «حسن» فقال بهدوء:
“ألف مبروك يا جماعة، ربنا يكرمكم يالذرية الصالحة إن شاء الله”
ضحك «وليد» بصخبٍ ثم قال بنبرة ضاحكة:
“هما بس يجيبوا الذرية ونبقى نشوف حوار صالحة دا بعدين”
نظر «حسان» إلى «مشيرة» بقلة حيلة ثم نزل من السيارة وهي تتبعه، كانت تسير بانهاك واضح و الابرة الطبية في يدها، أما «وليد» ففتح باب المصعد وهو يقول بسخرية:
“ادخلي الأسانسير برجلك اليمين يا عروسة”
نظرت له بضيق ولم تعقب، تبعها «حسان»، وبعدهما «وليد»، بعد قليل وصل المصعد أمام شقة «حسان» وقف «وليد» يقول بهدوء:
“أنا لحد كدا دوري انتهى، بس مش علشان أنا اللي مجوزهالك يبقى تيجي عليها، أي وقت حد فيكم يحتاج للأسف يعني… يكلمني في أي وقت، تصبحوا على خير”
اوقفته «مشيرة» قبل التفاته و رحيله من أمامها بقولها:
“شكرًا يا وليد…أنتَ تستاهل كل خير….مروة و زينب عرفوا يربوا”
التفت يقف أمامها بكامل جسده وهو يقول بسخرية:
“دلوقتي بس عرفتي إن هما عرفوا يربوا؟ أنا مش عاوز منك شكر، عاوزك بس ترجعي لربنا و تحاولي تبدأي من جديد، ربنا باب رحمته واسع…كلنا نقدر نقف على بابه نطلب السماح…مع السلامة”
_____________
انتهى ذلك اليوم بفرحة «خديجة» و رحيل «مشيرة» مع زوجها و عودة «وليد» إلى بيته في منتصف الليل، أتى صباح اليوم الجديد يحمل معه الكثير من المواقف و ردود الأفعال حيث اجمتعت عائلة «الرشيد» بأكملها في الشقة التي كانت «مشيرة» تجلس بها في مرضها، كان «وليد» جالسًا في تلك الشقة منذ ظهور خيوط الشمس الذهبية، نظر له الجميع بتعجب، أما هو فقال بنبرةٍ باردة:
“قبل أي حاجة، مشيرة مش هنا، مشيرة بقت في بيت جوزها”
تحدث «محمود» يقول بانفعالٍ:
“يعني إيه في بيت جوزها؟ جوزها مين يا وليد؟”
ابتسم هو ببرود ثم قال وهو يهندم قميصه:
“مشيرة في بيت جوزها حسان يا عم محمود، عقبال ما تفرح بهدير إن شاء الله”
خرجت شهقة قوية من الجميع بعد تفوه «وليد» بحديثه الأخير الذي أثار تعجبهم، فتحدث «محمد» يقول بانزعاج جلي بوضوح على نبرته:
“يعني إيه يا وليد؟ ازاي يا بني حسان مطلق مشيرة من زمان، حرام عليك يا بني”
رد عليه «وليد» بانفعال هو الآخر:
“جرى إيه يا حمايا؟ أنتَ فاكرني إيه؟ امبارح كان كتب كتاب مشيرة و حسان وهي دلوقتي في بيت جوزها، إحنا معندناش ستات تقعد برة بيت جوزها”
رد عليه «طه» بلامبالاة:
“يا زين ما فعلت…المهم خديجة فرحها بعد اسبوعين من دلوقتي، أنا عرفتكو أهو علشان محدش يقولي خبيت علينا”
أنهالت عليهم المباركات و التهنئات، فقال «طارق» بهدوء:
“طب الحمد لله ألف مبروك يا عمي، أنا ربنا كرمني و لقيت شغل لجميلة في مدرسة جنبنا هنا، هيعملوا ليها مقابلة بكرة الصبح قبل ما الدراسة تبدأ”
التفتت هي تنظر له باستفسار و بعيون تصج بالفرحة، فوجدته يومأ لها وهو يقول بعدما رسم بسمة هادئة على ملامح وجهه:
“قولتلك كل حاجة بتحصل لينا خير، ربنا كرمنا من وسع رحمته، وهتحققي حلمك و تشتغلي الشغل اللي كان نفسك فيه”
أومأت له هي بهدوء ثم قالت بنبرةٍ منخفضة:
“شكرًا يا طارق…مش عارفة أقولك إيه بجد”
بادلها هو بسمتها بمثيلتها وهو يقول:
“متقوليش حاجة… كفاية بس إنك موجودة معايا”
أخفضت رأسها في خجلٍ، بينما «وليد» قال بنبرةٍ مُحبة لـ «خديجة»:
“كنت فاكر نفسي هفرح علشان هتتجوزي، بس أنا حاسس أني عاوز أرجع في كلامي…فكرة إن تبعدي عني طلعت رخمة أوي يا بت…أنا هأجل الفرح بصراحة مش جاي معايا أنك متكونيش في البيت”
ردت عليه هي بحب بعدما تمسكت بذراعه:
“وأنتَ وجودك أحلى حاجة في حياتي كلها…كل حاجة حلوة بتحصلي لازم تكون أنتَ سببها، حتى فرحي دا لولا وجودك معايا أنا عمري ما كنت شوفت فرح في حياتي”
احتضنها هو فجأة وهو يقول بنبرة متأثرة:
“مش عاوز غير أني أشوف توأم روحي مبسوط، ساعتها أنا كمان هكون مبسوط يا خديجة، ربنا يعلم إنك عندي أعز من نفسي والله، علشان كدا فرحك هيبقى محصلش”
ابتعدت عنه نسبيًا وهي تقول له بخبثٍ:
“طب و تأجيل الفرح؟”
ضربها على رأسها بخفة وهو يقول:
“يا ستي خلي الواد يفرح بقى..دا جاب جاز معانا…والله أنا مقدرش ازعله ابن رياض الشيخ دا”
تحدثت «عبلة» بحنقٍ وهي تضع يدها في خصرها:
“يا سلام يا خويا؟ وأنا مين هيفرحني؟ وليد أنا زعلانة أنا كمان”
ضحك الجميع عليها، أما «وليد» فوقف أمامها وهو يقول بمرحٍ:
“بس كدا…من عنيا أصالحك أنا يا عيون وليد، بس لما عم محمد يطلع من هنا علشان ميضربنيش”
رد عليه «محمد» بسخرية:
“لأ و أنتَ بتحترم وجودي أوي يا ولا، نفسي أعرف أنتَ ليه مش وئام”
رد عليه «مرتضى» بضيق زائف متدخلًا في الحديث:
“ما قولتلك كسلت يا محمد، وبعدين ماله وليد؟ حبيب أبوه دا”
ضحك «محمد» وهو يقول بنبرة ساخرة:
“صحيح القرد في عين ابوه غزال، و مين يشهد للعريس”
ضحك الجميع عليه، فمال «أحمد» على أذن «وليد» وهو يقول بنبرة هامسة بعدما اقترب منه يقف بجواره:
“بقولك إيه طالما أنتَ ماشي تجوز في الناس، فاتح عم محمد في موضوعي بالله عليك”
نظر له «وليد» بتعجب وهو يقول:
“عاوز إيه أنتَ كمان؟ وبعدين لسه قدامك كتير يا أحمد”
رد عليه «أحمد» بتوسل:
“علشان خاطري بس قوله أنتَ، خلي قلبي يرتاح لما أضمن إنها هتبقى ليا”
أومأ له «وليد» ثم قال بنبرةٍ عالية حتى يجذب إنتباه الجميع له:
“معلش يا جماعة ركزوا معايا..بعد إذن عم محمد، أحمد ابن عم طه عاوز يطلب ايد سلمى بنتك”
اتسعت مقلتي الجميع من هول المفاجأة أما «سلمى» فأخفضت رأسها في خجل من نظرات الجميع لها، نظر لها والدها يراقب انفعالات وجهها وحينما رآى خجلها، علم بموافقتها، فقال هو بهدوء:
“ليه يا أحمد؟ عاوز سلمى ليه؟”
تدخل «وليد» يقول بسخرية:
“هياخدها يحطها في متحف، أكيد عاوز يتجوزها، هيكون طالب ايدها استبن يعني”
رد عليه «محمد» بضيق:
“تصدق بالله أنا لو كنت موافق…وليد سبب كافي علشان أرجع في كلامي، وبعدين أنا بنتي لسه صغيرة و لسه وراها ثانوية عامة”
اقترب «أحمد» منه يقول بأدب و بنبرةٍ هادئة:
“أنا عارف والله…بس أنا عاوز سلمى تكون مراتي و عارف كمان إن لسه بدري على جوازي دا…بس أنا مبحبش أخدع حد و طارق نفسه عارف أني عاوز اتجوز سلمى”
تدخل «طه» يقول بفخرٍ:
“جدع ياض يا أحمد… تصدق بالله لو مكنتش ابني كنت جوزتك بنتي”
اقترب منه «أحمد» يقبل كتفه وهو يقول بمرحٍ:
“حبيبي يا حج طه… ربنا يكرمك”
رد «محمد» بحكمة و هدوء:
“بص يابني أنا عارف إنك راجل و عارف إن المحظوظ اللي أنتَ تكون من نصيب بنته، بس سلمى لسه ثانوية عامة يعني لازم تأمن مستقبلها زي أخواتها…بعد الثانوية العامة تتقدم ليها، بس بشرط سلمى تجيب مجموع و تدخل صيدلة زي ما هي عاوزة، غير كدا مشوفش وشك عندنا، ودا حقي كـ أب، ولا كلامي غلط”
سأله «أحمد» بحماس و ووجهٍ مبتهج:
“قول والله إنك موافق يا عمي، بالله عليك موافق؟”
نظر «محمد» في أوجه الجميع فوجدهم يحاولون كتم ضحكته، فقال هو بهدوء:
“موافق بس بشروط، سلمى تجيب مجموع عالي و تدخل الكلية اللي نفسها فيها، ومفيش كلام ولا أي حاجة بينكم، تمام كدا؟”
تدخلت «جميلة» تقول بهدوء:
“و برضه المفروض ميتقابلوش و لازم كل واحد فيهم تكون نيته خير يعني الجواز علشان يكونوا أسرة صالحة، يعني يعتبروا نفسهم لسه ميعرفوش حاجة عن بعض لحد ما تبقى مراته، مش بس خطيبته، علشان الخطوبة دي مجرد وعد بالزواج في الإسلام، وربنا يكرمكم و يجمعكم على خير”
نظر لها الجميع بفخرٍ بينما «وليد» كعادته قال بسخرية:
“أنا دلوقتي عرفت إنك مش شبه مشيرة، ماشاء الله رصيتي خطبة الجمعة في وشنا كدا”
ضحك الجميع عليه أما هي فأخفضت رأسها تحاول وأد ضحكتها التي تحارب للظهور أمام الجميع، فقال «وليد» بعدما نظر في ساعة يده:
“معلش يا جماعة شوفوا وراكم إيه بقى، علشان أنا عاوز طارق ضروري هنا”
أومأ له الجميع ثم انسحبوا من الشقة تباعًا واحدًا تلو الآخر، نظر «طارق» في أثرهم بتعجب ثم قال بهدوء:
“خير يا وليد؟ فيه إيه”
أشار له «وليد» بيده وهو يقول:
“اصبر و هتفهم كل حاجة دلوقتي، بس فيه حد جاي ضروري”
جلس «طارق» و بعدها «وليد» جلس أمامه، بعد مرور دقائق مرت في صمت، طُرق باب البيت بواسطة شخصٌ ما، ابتسم «وليد» بخبثٍ ثم قام بفتح الباب ، وجد «صباح» أمامه تلك الفتاة التي تقوم بتنظيف البيت و ترتيبه و تحديدًا شقة «مشيرة»، سألته هي بلهفة:
“هي الست مشيرة موجودة يا أستاذ وليد؟”
أومأ لها ثم قال بمرحٍ خبيث:
“طبعًا و مستنياكِ من الصبح كمان، اتفضلي بس يا صباح”
دخلت هي الشقة و بمجرد رؤيتها لـ «طارق» ابتهج وجهها وهي تقول له بحب:
“إزيك يا أستاذ طارق عامل إيه؟ ليك وحشة والله…قـ…قصدي كلكم ليكم وَحشة والله”
رد عليها «طارق» بهدوء و بنبرة غير مبالية:
“كويس يا صباح…أنتِ إيه اخبارك؟”
تدخل «وليد» يقول بخبثٍ:
“طارق كويس أوي يا صباح باركيله بقى، طارق اتجوز جميلة”
ابتسم «طارق» بهدوء، بينما هي ارتسمت تعبيرات الحزن على وجهها، فاسترسل «وليد» في حديثه قائلًا:
“للأسف بقى يا صباح المياه اللي كنتِ بترشيها كل جمعة على السلم علشان طارق يحبك، للأسف طلعت على الفاضي، عارفة ليه علشان طارق بينزل متوضي من بيته، يعني يفسد اي حاجة بتعمليها”
اتسعت مقلتي «صباح» تزامنًا مع حركة فمها وهي تحاول التحكم في لُعابها، أما «طارق» فقال بنبرةٍ منفعلة:
“أنتَ بتقول إيه يا وليد؟ مياة إيه ورش إيه؟ أنا مش فاهم حاجة؟”
رد عليه «وليد» بهدوء:
“الاستاذة صباح بترش مياه في البيت على عتبة شقتكم علشان تخليك تحبها، متعرفش إن دا كفر بالله، ومش بس كدا لأ، دي كمان عمالة تزن على مشيرة علشان تعمل عمل لخديجة و لـ زينب، بس حظها الأسود إن تليفون مشيرة وقع في إيدي، وبصراحة مشيرة لحد أخر لحظة كان عندها ثبات انفعالي جامد، وكل مرة كانت بتهزق فيها، ودي حاجة خلتني اقدر مشيرة و أعرف إنها لسه طيبة، ها يا صباح أنا بكدب ولا بقول الحقيقة”
اقترب منها «طارق» يقف مقابلًا لها وهو يقول بنبرة منفعلة:
“انطقي بدل ما أنطقك أنا، أنتِ عملتي كدا فعلًا؟”
تحدث «وليد» يرد عليه بلامبالاة:
“متتعبش نفسك يا طارق، أنا بكلمها بقالي ٣ أيام على أني مشيرة، وهي قالت كل حاجة، وقالتلي كمان إنها كانت بترمي المياه علشان تخليك تعجب بيها وقالت كمان إنه بدأ يشتغل، بس هي متعرفش إنها كانت بتتكلم معايا”
نظر لها «طارق» بإشمئزاز وهو يقول بضيق ممزوج بالانفعال:
“ليه كدا يا بنتي؟ ليه تكفري بربك علشان خاطر عبد زيك؟ ليه تشركي بالله و تكفري بنعمه عليكِ؟ ليه تستعيني بعبد ضعيف زيك علشان تخالفي إرادة ربنا؟ اللي عملتيه دا كُفر بربك اللي خلقك، ليه كدا يا بنت الحلال؟”
بكت وهي تسمع حديثه، فتدخل «وليد» يقول بنبرة حانقة:
“دا غير لعبها في دماغ الناس علشان تجرهم الشيخ بركة بتاعها دا، يعني شايلة ذنوب ناس دا غير ذنبها هي، علشان كدا الشيخ مبروك دا أنا بلغت عنه لما هي قالتلي على العنوان، على أساس أني مشيرة”
نظرت «صباح» إلى «وليد» باندهاش، فوجدته يقول بخبثٍ:
“هو أنتِ فكراني بتاع بليلة؟ أنا كلمتك من تليفون مشيرة و قولتلك أني موافق على العمل علشان تيجي هنا، حرام عليكِ يا شيخة هي خديجة كانت ناقصة عمل منك أنتِ كمان؟ يعني البيت بقى فعليًا كان مليان بالخبث و الخبائث، روحي يا بنتي الله يهدك أنتِ و أختك، على فكرة اللي أنتِ بتعمليه دا من الكبائر، يعني كفر صريح، الله يعينك بقى على الذنوب دي”
ذهب «طارق» يفتح باب الشقة على مصراعيه وهو يقول بنبرة منفعلة:
“اطلعي برة يا صباح، بدل ما و رب الكعبة أطلعك أنا بس أسلمك للبوليس و أقولهم إنك نصابة، بـــرة”
صرخ بكلمته الأخيرة مما جعل جسدها يجفل بقوة، أما «وليد» فقال بتشفٍ:
“أيـــوا…أسمعي كلام طاروق بقى وبرة البيت علشان عيشك اتقطع من عندنا، وعلى فكرة كل الناس اللي اشتغلتي عندهم عرفوا عملتك السودا دي”
اقتربت منه تقول بنبرة مترجية:
“علشان خاطر ربنا يا استاذ وليد بلاش والله ورايا كوم لحم، والله مش هعمل حاجة تاني، بس بلاش”
رد عليها هو بنبرةٍ متهكمة:
“دلوقتي علشان خاطر ربنا؟ مفكرتيش في ربنا وأنتِ بتعملي سحر و أعمال للناس؟ مفكرتيش في ربنا و أنتِ عاوزة تأذي واحدة مأذتكيش؟ علشان خاطري سي زفت بتاعك يديكي الحلاوة؟ الله لا يسامحك و لا يرضى عنك، غوري بقى من هنا علشان قسمًا بالله هخلي ستات العيلة كلهم يعملوا معاكِ الواجب و زيادة”
أومأت له في هدوء وهي منكسة رأسها للأسفل، ثم مسحت دموعها، بعدها نظرت لهما في انكسار، فوجدت «طارق» يقول بنبرة قوية:
“شوفي حل علشان تتوبي و ترجعي لربنا، أظن عملتك السودا دي ملهاش حل غير إنك تلحقي نفسك قبل ما ربنا ياخدك و أنتِ كلك معاصي و ذنوب كدا”
أومأت له ثم رحلت من أمامهما، نفخ «وليد» وجنتيه بضيق ثم قال:
“داهية تاخدك أنتِ و أختك و ضرتها كمان”
سأله «طارق» بتعجب رغم عبوس ملامحه:
“طب و ضرة أختها مالها هي كمان؟”
رد عليه «وليد» بسخرية:
“علشان وافقت تتجوز سباعي، فيه واحدة تتجوز واحد اسمه سباعي؟ أكيد تستاهل اللي حصل فيها”
ضحك «طارق» رغمًا عنه ثم فتح ذراعيه لـ «وليد» حتى يرتمي بداخلهما، حرك «وليد» رأسه بيأس ثم ارتمى بين ذراعيه وهو يقول بحب:
“ادخل في حضن أخوك يا طاروق، وحشتني يا جدع”
ربت «طارق» على ذراعيه وهو يقول بفخرٍ:
“وأنتَ كمان وحشتني أوي يا وليد، ربنا يديمك ليا يا رب من غيرك أنا هضيع”
بنفس النبرة التي يتحدث بها «طارق» تحدث «وليد» بمثيلتها وهو يقول:
“أنا بقى من غيرك أنتَ و أبوك هعرف أحضن عبلة براحتي، يا أخي تعبتوني عاوز اتجوزها بقى”
ضحك «طارق» عليه ثم ابتعد عنه وهو يقول بمرحٍ:
“بعد فرح خديجة إن شاء الله نعمل فرحك أنتَ و عبلة و فرحي أنا و جميلة”
______________
انقضت الأيام التالية بسرعة كبيرة، دون أي تغير يُذكر، كانت «خديجة» تذهب إلى شقتها في الأيام الأخيرة برفقة زوجات الشباب و بنات عائلتها حتى تقوم بتجهيز الشقة، حتى «جميلة» تعرفت عليهن جميعًا و شعرت معهن بالألفة، كانت «هدير» لازالت على وضعها مع شقيقتها، و كانت «فاطمة» والدتهن تحاول التواصل معهن لكن دون جدوى، كانت محاولاتها جميعها هباءًا منثورًا، مرت الأيام سريعًا حتى أتى اليوم المنتظر وهو يوم عرس «خديجة» على فارس أحلامها «ياسين»، ذلك الملاك كما لقبته هي، ففي خلال الأيام الماضية كانت تتحدث معه يوميًا عن حياتها المقبلة معه و عن حماسها في مشاركته في ادق تفاصيل حياته، كان هو سعيدًا للغاية بها و بحديثها الذي كان يتمناه هو.
في صباح يوم العُرس استيقظ «ياسين» بحماس شديد، وجد والديه يجلسان في الخارج ينتظراه، اقترب هو منهما وهو يقول بمرحٍ:
“صباح الخير على أحلى ناس في الدنيا، اليوم حلو أوي النهاردة كدا ليه”
ربتت «زهرة» على وجنته بحب وهي تقول بنبرة متأثرة شبه باكية:
“اليوم حلو علشان ابني كبر و بقى أحلى عريس في الدنيا كلها، اليوم اللي عيشت عمري كله بتمناه يا ياسين، دلوقتي قلبي فرحان و حاسس إن الدنيا مش سيعاه”
تأثر هو من حديثها فـفرت دموعه رغمًا عنه ثم مال على كفها وهو يقبله بحب ثم قال:
“أنتِ اللي أحسن أم في الدنيا كلها، تعبك و تربيتك و سهرك كله طلع بفايدة، ربنا رزقني بيكم يا ماما”
أتى «رياض» يقف مجاورًا له وهو يقول بحب هو الأخر:
“طول عمري عايش متحاوط بنعم ربنا عليا، ربنا كرمني في تعليمي و في شغلي و لما زهرة بقت مراتي، و كرمني أكتر لما أنتَ بقيت أبني، و النهاردة ابني كبر و بيتجوز علشان يعمل عيلة جميلة زيه، و برضه الحمد لله ربنا كرمنا بخديجة، اللي كل جمال الدنيا في قلبها، تفتكر بقى اليوم بعد كل دا المفروض ميكونش حلو؟”
احتضنه «ياسين» بقوة ثم قال ببكاء نابع من رقة قلبه اللين:
“أنا بحبك أوي، طول عمرك أخ و صاحب في ضهري، أنا شرف ليا بس أني أقف و أقول إنك أبويا، صدقني أنتَ كتير عليا”
ابتعد عنه «رياض» نسبيًا ثم قال بمرحٍ:
“طبعًا ياض شرف ليك أنتَ تطول؟ دا كفاية اسم رياض الشيخ اللي منور جنب اسمك دا”
ضحك «ياسين» بقوة ثم أيد حديثه قائلًا:
“طب والله معاك حق، كفاية إسم رياض الشيخ جنب أسمي، المهم أنا همشي علشان متأخرش، العيال مستنين من الصبح عند ميمي، و خديجة مشيت من الصبح”
تدخلت «زهرة» تقول بحب:
“ربنا يفرح قلبك و يكمل ليلتك دي على خير، روح يلا علشان متتأخرش على فرحك”
أومأ لهما ثم تركهما حتى يذهب إلى أصدقائه، نظرت «زُهرة» في اثره بأعين دامعة ثم قالت لزوجها:
“البيت هيبقى وحش أوي من غيره يا رياض، هو كل حياتي، صعبان عليا فراقه أوي”
احتضنها «رياض» وهو يقول مواسيًا لها:
“يا زهرة هو بنت؟ دا راجل ملو هدومه، و بعدين شقته كلها نص ساعة من هنا، متزعليش نفسك بس علشان هو كمان ميزعلش”
أومأت له ثم قالت ببكاء:
“هيوحشني أوي، يارتني ما كنت خليته يتجوز”
وكزها هو برفق وهو يقول بمرحٍ:
“يا ست أنتِ بطلي نكد بقى، وبعدين البيت هيفضى علينا أفضل أعاكس فيكِ براحتي، و أغني لكِ بصوتي الحلو دا، بدل ما موهبتي ادفنت كدا”
ضحكت هي ثم قالت بحب:
“ربنا يباركلي في وجودك يا رياض، أنتَ كل حاجة ليا والله”
رد عليها هو بخبثٍ:
“طب ما أنتِ حلوة أهوه، ياريت ياسين كان مشي من بدري.
وصل «ياسين» إلى شقة «ميمي» و كالمعتاد كان «عامر» يرقص فَرِحًا على الأغاني الشعبية، دخل «ياسين» بهدوء وجد فوجد «خالد» يقترب منه يجذبه من ذراعه حتى يرقص معه و بالفعل اندمج معهم «ياسين» و رقص وسطهم، تحدثت «ميمي» تقول بفرحٍ:
“أخر واحد في عيالي بيتجوز، دا أنا لو مت دلوقتي خلاص مش عاوزة حاجة تاني”
اقترب منها «عامر» يقول بضيق زائف:
“هو في إيه يا ست ميمي؟ أنتِ عاوزة تموتي في فرح أي حد فينا وخلاص؟ ما تهدي شوية، وبعدين متموتيش دلوقتي معيش فلوس أعمل عزا”
وكزته في معدته وهي تقول بحنقٍ زائف:
“امشي يا ولا من هنا، عيل معفن صحيح”
أتى «ياسر» يقول بسخرية:
“أنا شوفت اسبوع رعب والله العظيم مع عامر، لأ دا مكانش شهر عسل، الواد كان عامل نفسه عمدة المصريين”
سأله «ياسين» بعدما أغلق الموسيقى:
“هو عمل إيه بالظبط هناك؟ ريحني”
نظر «ياسر» إلى «عامر» بتشفٍ ثم قال بعدما أعاد بصره للجميع:
“البيه كان كل يوم بيجمع السياح و يقعد يغني و يرقص عند حمام السباحة اللي فـ الفندق، البيه كان مخلي دهب كلها تدور عليه علشان يقعدوا بس معاه، كان مخلي كل جنسيات العالم تدور عليه هناك…قال إيه عامل جو سياحي جديد، مش دي المشكلة إنه كان معاه دُف، أموت و أعرف جابه منين”
ضحك «عامر» بصخبٍ ثم قال بفخرٍ:
“هما ٥٠ جنيه لواد شغال في الفندق و جابلي الدُف لحد عندي، دي حاجات كبيرة عليك يا ياسر، لما تكبر زيي كدا هبقى أعلمك”
تحدث «خالد» يقول بضيق:
“أنا مرعوب والله، عامر من ساعة فرحه و هو مخوفني، و يارب الليلة دي تعدي على خير”
تحدث «ياسين» بذعر وهو يقول:
“لأ أبوس رجلك يا عامر، أنا عاوز أفرح و أدخل دنيا، علشان خاطري لم نفسك”
تحدثت «ميمي» تقول متدخلة في الحديث:
“واد يا عامر أنتَ في فرحك دخلت بموتوسيكل، المرة دي بقى عاوزينك تدخل بمركبة فضائية”
أشار على عيناه وهو يقول بمرحٍ:
“من عيني، بس أنا بقى محضر دخلة حلوة علشان ياسين النهاردة”
رد عليه «ياسين» بخوف زائف:
“علشان خاطري كفاية، أنا مرعوب لوحدي من غير أي حاجة”
ضحك الجميع عليه أما «عامر» راقص حاجبيه وهو يقول:
“دا أنتَ هتنبهر، صبرك عليا بس”
____________
عند «خديجة» كانت الغرفة ممتلئة بالفتيات، كان معها صديقاتها، و فتيات عائلتها دون «هدير» و «هدى»، تحدثت «جميلة» تقول بحب:
“شكلك زي القمر يا خديجة، ملامحك هادية أوي”
تحدثت «إيمان» تقول بمرحٍ:
“بتفكرني بعرايس الكارتون، عاملة زيهم أوي”
ردت عليها «خديجة» باندهاش:
“كارتون؟ أخرتها بقيت كارتون يا إيمان؟ حرام عليكِ”
تدخلت «عبلة» تقول هي الأخرى بمزاح:
“تصدقي أنتِ بتفهمي يا إيمان؟ هي علطول بحسها عيلة صغيرة”
تحدثت «خلود» بضيق زائف:
“بالراحة على نفسك يا كتكوتة أنتِ و هي، مالكم و مال أختي”
تدخلت «ريهام» تقول بمرحٍ:
“محدش جه جنبها يا ستي، أنتِ مالك متعصبة ليه؟”
تحدثت الفتاة المختصة بتزيين «خديجة» وهي تقول بهدوء:
“طب يلا علشان نكمل، و حضراتكم هتكونوا في الأوضة التانية”
أومأ لها الجميع ثم خرجوا من الغرفة، أما هي اقتربت من «خديجة» وهي تقول بحب:
“على فكرة كلهم بيحبوكي أوي، كل واحدة فيهم فضلت ساعة توصيني عليكِ، أنتِ محظوظة مش كل البنات بيكون معاها ناس بتحبها كدا في يوم زي دا”
أومأت لها «خديجة» ثم قالت:
“بصراحة عمري ما كنت اتخيل إن اليوم دا يكون فيه حد معايا زيهم كدا، بس الحمد لله، ربنا كتبلي أفرح من قلبي اليوم دا”
أومأت لها الفتاة ثم قالت:
“ربنا يفرح قلبك دايمًا، يلا بقى علشان نكمل”
______________
في شقة «ميمي» تجهز الشباب جميعهم، ارتدوا أصدقائه نفس الحِلة السوداء، و اسفلها قميص من نفس اللون، كان كلًا منهم يتمتع بوسامته التي تميزه، ارتدى «ياسين» حِلة سوداء أسفلها قميص لونه أبيض ، مع رابطة عنق صغيرة ( ببيونة) سوداء، و كان «يونس» يرتدي نفس حِلة «ياسين»، خرجوا جميعًا من الغرفة، نظرت لهم «ميمي» بحب وهي تقول:
“ربنا يبارك فيكم و يحرسكم من العين، و يبعد عنكم كل عين تشوفكم ولا تصليش على النبي”
دخل «عمار» الشقة في تلك اللحظة وكان يرتدي نفس حِلة الشباب وهو يقول بمرحٍ:
“استني ادعيلي أنا كمان معاكِ، دا أنا دخلت صيدلة و بقيت بتاع كيميا قد الدنيا”
ردت عليه هي بحب:
“بدعيلك يا عمار، وبكرة تبقى دكتور قد الدنيا كلها، و تفتح الصيدلية بتاعتك”
تدخل «عامر» يقول بمرحٍ:
“سيبك بقى من كل دا وركز معايا، عاوزك في أول سنة في الكلية تعرفلي طريقة صنع المخدرات، الفقر اللي إحنا فيه دا مش نافع”
ضحك الجميع عليه، فقال «ياسر» بضيق:
“سيبك منه دا صايع ملناش دعوة بيه، ركز وذاكر علطول علشان الكليات اللي زي طب و صيدلة دي محتاجة مذاكرة إلى أن يرث الله الأرض بمن عليها”
رد عليه «خالد» هو الأخر:
“والله يابني كل حاجة عاوزة مذاكرة، طالما قررت تكمل تعليمك في مصر، يبقى تموت و إيدك على الكتاب”
رد هو عليهم بلامبالاة تزامنًا مع ذراعه وهو يلوح لهم:
“على الله بقى، مش دخلت الكلية اللي كنت عاوزها؟ نبقى نشوف بقى هنذاكر إمتى”
قال جملته ثم اقترب من «ياسين» وهو يقول:
“بقولك إيه يا غالي هي جماعتك جاية الفرح؟”
ضحك الجميع عليه بشدة، فتحدث «خالد» يقول بحنقٍ:
“غبي نفس غباء أخوه بالظبط، رايحين الفرح علشان العروسة متجيش”
رفع «ياسين» حاجبه ينظر له بشررٍ يتطاير من عيناه وهو يقول:
“جاية يا عمار، خير؟”
رد عليه «عمار» بحماس:
“يعني اختها جاية، يبقى نطلبها في نص القاعة بقى”
أمسكه «ياسين» مت تلابيبه وهو يقول بصياح:
“أعملها كدا علشان أولع في عيلتك كلها يا عمار، هو أنتَ و أخوك حالفين تفضحوني في فرحي ليه؟”
رد عليه «عامر» بنبرةٍ متعالية:
“عيب يا جدع إحنا هنشرفك، سلملنا نفسك بس”
رد عليه «ياسين» بخوف حقيقي:
“ربنا يسترها إن شاء الله”
بعدها ارتفع صوت السيارات أسفل شقة «ميمي» فقال «عمار» و كأنه انتبه لتوه:
“يا نهار مش فايت؟ أنا جاي علشان اقولكم إن العربيات جهزت و وصلت، يلا بينا”
أومأ له الجميع، فقال «ياسين» بهدوء:
“أنا طبعًا هركب العربية المتزوقة، و أنتو بقى معاكم ربنا، و بابا هيجي ياخد ميمي من هنا”
أومأ له الجميع فودعهم هو بعدما احتضن الجميع، بعدها مال على رأس «ميمي» يقبل قمة رأسها بحب ثم قال:
“ابنك الصغير بيتجوز، ربنا كرمه و قلبه اتفتح للي هتملى عليه دنيته كلها، أنا كنت علطول أقولك مشوفتش فيهم اللي تحرك قلبي، بس الحقيقة بقى إن هي اللي علشانها اتخلق قلبي دا، خديجة النهاردة هتبقى ليا علطول، بسبب كلامك ليا اني أمشي ورا قلبي و أسمعه، شكرًا لكِ”
ربتت هي على وجنته ثم قالت بنبرة متأثرة:
“أنتَ طيب و هي طيبة، يعني تستاهلوا بعض، روح علشان تلحقها ربنا يسعدكم”
أومأ لها ثم رحل من الشقة، نزل هو أولًا فوجد «عامر» يتبعه وهو يلقي عليه ملح الطعام وهو يقول بطريقة تشبه طريقة النساء:
“عين الحسود فيها عود، خمسة و خميسة الله أكبر”
التفت «ياسين» ينظر له بتعجب وهو يقول بنبرة مذهولة:
“أنتَ بتعمل إيه ياض أنتَ؟ فاكر نفسك أمي؟”
رد عليه «عامر» بخوف:
“والله العظيم أمك هي السبب، قالتلي أبخرك و أرش ملح علشان عين عم لطفي”
ضحك «ياسين» بيأس ثم تركه و رحل من البيت.
في القاعة انتهت «خديجة» من وضع اللمسات الأخيرة على وجهها، ثم جلست في انتظار الجميع، دخل عليها والدها وهو يقول بهدوء:
“قالولي برة إنك خلصتي، قولت أدخل أشوفك”
التفتت هي له، فرآها هو و رآى جمالها بفستانها الأبيض الذي صنعته له «سارة»، كانت جميلة به حيث كان لونه ناصع البياض، و كأنها تنافس نجوم السماء في سطوعها، لم يستطع «طه» التحكم في دموعه، فقال بنبرةٍ باكية:
“كنت عمال اتخيل فيكِ و أنتِ عروسة، بس طلعتي أحلى من كل مرة تخيلتك فيها، الواد ياسين دا محظوظ بيكِ أوي يا خديجة”
ضحكت هي باتساع بعد حديث والدها فوجدته يقترب ثم طبع قبلة على قمة رأسها، بعدها نظر في وجهها، فوجدها تبكِ، مد أنامله يكفكف دموعها وهو يقول بحب:
“أنا أخر حاجة عاوز أشوفها هي دموعك يا خديجة، و بالذات لو بسببي، كفاية عياط بسببي بقى”
ردت عليه هي من بين دموعها:
“بس المرة دي بعيط عياط حلو”
ضحك هو عليها ثم قال بنبرة ضاحكة:
“أنتِ طيبة أوي يا خديجة، فيه حاجة اسمها عياط حلو؟”
ردت عليه هي بسرعة:
“أيوا فيه، العياط الحلو دا بنعيطه لما تحصل حاجة حلوة نفسنا فيها، زي النهاردة كدا”
أومأ لها ثم ربت على رأسها وهو يقول بحب:
“ربنا يرزقك بكل اللي نفسك فيه يا رب”
دخلت «زينب» الغرفة وهي تقول:
“يلا يا خديجة ياسين زمانه على وصول، مامته كلمتني و قالتلي إنهم نزلوا”
أومأت لها «خديجة» ثم قالت بهدوء:
“أنا جاهزة خلاص يا ماما”
رد عليها «طه» بحزن يخيم على نبرته:
“هي خلاص كدا…ماشية صح؟”
أتى «وليد» و «أحمد» من خلفه فقال الأول بمرحٍ:
“آه ماشية يا طه، سيبها بقى تشوف حياتها، ولا أنتَ عاوزها تعنس جنبك”
رد عليه «طه» بنفس النبرة الحزينة:
“عاوزها تبقى فرحانة يا وليد، وهي فرحتها مع ياسين مش معايا”
أخفضت رأسها في خجل، أما «أحمد» فقال بهدوء:
“طب يلا علشان ياسين وصل، هاتها و تعالى يا بابا”
أومأ له «طه» ثم مد لها ذراعه حتى تتمسك به، أما «زينب» فأجهشت في بكاء مرير، سألها «أحمد» باندهاش:
“أنتِ بتعيطي ليه؟ هي راحة تتجوز مش راحة سوق العبيد، و بعدين اللي تتجوز زي ياسين دي المفروض يعملولها فرح أسبوع كامل”
ردت عليه «زينب» ببكاء:
“محدش فيكم هيفهمني، خديجة دي مش بنتي، دي صحبتي و أختي وكل حاجة ليا، حزننا و فرحنا كان مع بعض، أقرب الناس لقلبي و أول فرحة عرفها القلب و شافتها العين”
اقتربت منها «خديجة» تمسح دموعها وهي تقول بهدوء:
“وأنتِ كل حاجة حلوة في حياتي، طول عمرك مستحملة علشاني كتير، اللي زيك يستاهل تمثال، بس علشان خاطري كفاية عياط بقى”
احتضنتها «زينب» بحب وهي تقول ببكاء:
“هتوحشي قلبي و عيني يا خديجة، ربنا يديم فرحة قلبك و يسعد أيامك”
تحدث «وليد» بضيق زائف:
“يلا يا جماعة، الواد هيفتكرنا بنتقل عليه”
قال جملته ثم اقترب منها يقف مقابلًا لـها وهو يقول بحب:
“الواد ياسين دا خد مني نور عيني، توأم روحي زي ما بيقولوا، بصراحة عاوز أخدك معايا البيت تاني، بس برضه ياسين يستاهلك ، هنسامحه علشان طيب بس”
احتضنته هي بقوة وهي تقول بحب:
“أنتَ اللي هتوحشني أوي، طول عمري معاك في كل حاجة، و كان نفسي فرحنا يكون في نفس اليوم ، بس مش مشكلة علشان أفوق لك”
رد عليها هو بفخرٍ بعدما ابتعد عنها نسبيًا:
“مانا جاهز قدامك أهوه، ولابس بدلة بيج محدش لبسها قبل كدا”
ابتسمت هي بسخرية، فقال هو باحراج:
“محدش لبسها غيري أنا وأحمد و طارق و وئام و حسن”
اتسعت ضحكتها أكثر فوجدته يقول بضيق زائف:
“الله يسامحه عامر بقى، قال رجالة العريس يلبسوا بدل كلها سودا، و رجالة العروسة يلبسوا بدل بيج وقمصان سودا، فاكرنا شاي بلبن”
رد عليه «أحمد» بتعجب:
“مش دي المشكلة، المشكلة إننا بنسمع كلامه، مسيطر بصراحة”
أومأت لهما «خديجة» ثم قالت مبتسمة:
“هو ما شاء الله عليه، يقدر يقنع أي حد بأي حاجة، حتى ياسين”
بعد قليل كانت «خديجة» تنزل الدرجات مع والدها، و جميع النساء خلفها، يطلقن الزغاريد، كان «ياسين» واقفًا في نهاية تلك الدرجات و بجانبه والده و خلفه جميع الرجال، نزل «طه» وقبل أن يقترب أكثر من «ياسين» وقف فجأة، نظر له الجميع بتعجب، فتنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“أنا مش هقدر انزل أكتر من كدا، هما كلمتين هقولهم من مكاني، خديجة دي بنتي و نور عيني، يمكن أنا عرفت دا متأخر بس الحمد لله أني عرفت، بس فيه حد تاني أحق مني يسلمها ليك، وهو وليد، اللي طول عمره شايل خديجة و واقف في ضهرها، علشان كدا وليد هو اللي هيسلمهالك مش أنا…هو أحق مني”
أتى «وليد» في تلك اللحظة ينظر له بأعين دامعة،فوجد «طه» يربت عليه بفخرٍ وهو يقول:
“أنتَ تستاهل إن خديجة تحبك، خديجة بتحبك حب غريب يا وليد، طول عمرها في زعلها و فرحها بتجري عليك، سلمها لجوزها زي ما جمعت طرقهم سوا”
أومأ له «وليد» ثم قبل قمة رأسها، بعدها مد ذراعه لها حتى تتمسك به، أخذها ثم نزل بها الدرجات المتبقية، وقف «أمام» ياسين الذي كانت أعينه تضج بالفرحة، و زادت فرحته أكثر حينما اقتربت منه، نظر لهما «وليد» ثم قال بحب:
“بغض النظر عن إنك حبيبي، بس أنا كدا مش بسلمك خديجة، لأ، أنا بخرج روحي من جسمي و أسلمهالك، خديجة دي بنتي اللي الأيام هدتني بيها، ممكن تبان صغيفة، بس اللي يتسند عليها كأنه مسنود على بيت كامل، خديجة دي دليل إن فيه حاجات حلوة كاملة إحنا مش واخدين بالنا منها، صدقني والله أنا بسلمك عمري كله بين إيديك، حافظ على عمري دا يا ياسين، علشان كسرتي اللي بجد من كسرة خديجة”
تنهد «ياسين» بعمق ثم اقترب منهما أكثر، مد انامله يمسح دموعها وهو يقول بنبرة حنونة هادئة:
“صدقني أنا مش عاوز غير إنها تكون فرحانة بس، وزي ما بتقول إن خديجة هي روحك، هي بقت كل دنيتي يا وليد، حتى النفس فيا بقى بيطلع علشانها، الدقة اللي القلب بيدقها بقت علشانها و علشان وجودها، خديجة دي النجمة اللي طلعت ليا علشان تونس حياتي، و طلتها عليا بالفستان الابيض دا خلتني أحس أني ماسك نجوم السما في إيدي، اطمن يا وليد، خديجة مع قلب مش بس حبها، دا قلب بيدق باسمها”
صفق الجميع تصفيقًا حارًا بعد حديث «ياسين» أما هو اقترب منها يطبع قبلة هادئة على قمة رأسها وهو يقول بحب:
“هَــا قَــد سَــطَـعَ نَــجْــمّي الــصَـغِــير…حَــتـى يُــضِـيف لِــحـياتـي وَهــجٌ كَــبْيـر”
نظرت له بحب فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ كعادته:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
بعد قليل دخل الجميع القاعة أما «خديجة» فدخلت برفقته وهي ممسكة بذراعه، وقفا سويًا في وسط القاعة، بعدها بدأت الأغنية التي أختارها هو حتى يرقصا عليها سويًا وهي:
“يا كل حياتي و أمالي و يا أجمل سنين فاتت…ويا حبي و كل أشواقي و كل لحظة معاك كانت، أنا منك و كلي ليك…حياتي ليك و رهن إيديك…بشوف العمر فيك أنتَ و أشوف الدنيا دي بعنيك…
تصحي فيا أنا الاحساس..و على جناح الخيار أطير.. واشوفك أنتَ كل الناس…ومن نفسي عليك أغير…بتسرق كل أوقاتي و تشغل ياما تفكيري…وخلتني أعيش الحب في دنيا ما عاشها يوم غيري”
كانت تنظر له بحب وهو أيضًا و هما يتحركا على كلمات الأغنية التي تعبر عنهما معًا، انتهت رقصتهما سويًا، فسألته هي بهدوء:
“برضه عمرو دياب يا ياسين؟”
غمز لها بطرف عينه وهو يقول بنبرة مرحة:
“عيب عليكِ دا الهضبة حبيبي”
بعدها ارتفع صوت الموسيقى الصاخبة و اجتمع الفرح بأكمله يلتفون حول العروسين، عدا «جميلة» التي جلست بمفردها على طاولة منزوية عن الانظار، أتى «طارق» لها وهو يقول بهدوء:
“أنتِ قاعدة لوحدك ليه؟ على فكرة هما محضروش الفرح علشان متزعليش”
ردت عليه هي بهدوء:
“أنا مش واخدة على الأفراح بصراحة، أول مرة أحضر فرح بالطريقة دي…حاسة نفسي مستغربة الجو، أومأ هو لها ثم قال بهدوء:
“طب تحبي تخرجي برة شوية؟ بس أنا بقول خليكِ هنا خدي على الجو علشان فرحنا إن شاء الله”
نظرت له باندهاش فوجدته يضيف هامسًا بثقة:
“عيونك الحلوة دي قالوا كل حاجة، و عرفت انك بتحبيني، كفاية لمعتهم ليا و أنا داخل الشقة، بس برضه زيك زي كل البنات…يتعملك فرح…ولا إيه يا جميلة”
أخفضت رأسها في خجلٍ منه، فوجدته يقول بمرحٍ:
“السكوت علامة الرضا إن شاء الله”
_”مش شرط على فكرة، أنا لما بسكت بشتم في سري”
قالها «وليد» بمرحٍ خبيث من خلفهما بعدما سمع حديث «طارق»، التفت «طارق» ينظر له بشررٍ يتطاير من عيناه وهو يقول:
“خير يا وليد نعم؟ وبعدين أنتَ بيفرق معاك حد علشان تشتم في سرك؟”
رد عليه «وليد» بنبرةٍ متهكمة:
“دا علشان مشاعر اللي قدامي بس، ويلا علشان عامر عاوزنا جوة”
أومأ له «طارق» ثم أمسك يد زوجته وهو يقول:
“تعالي اقعدي مع هدى و هدير هما هناك اهوه”
أومأت له بهدوء ثم سارت معه،وصلوا عند طاولة «هدى» و «هدير»، كان «وئام» جالسًا معهن، نظرت له زوجته بضيق وهي تقول:
“مش عارفة ليه يا وئام شكلك معصبني، حاسة أني عاوزة أقوم أخنقك”
نظر هو لها باندهاش، بينما «هدير» قالت بنبرة شبه باكية:
“حرام عليكِ يا هدى، أنتِ ملبوسة؟ كل شوية تشتمي حد فينا”
رد عليها «وليد» بسخرية:
“دي هرمونات الحمل يا ختي، خليها كدا لحد ما أخليه يتجوز عليها”
ردت عليه «هدى» بحنقٍ:
“غور من وشي علشان مش طايقاك، و ريحتك معصباني، أمشي بقى”
رد عليه «وليد» بنبرة حانقة:
“هو فرح أهلك؟ دا فرح أختي، وبعدين مالها ريحتي يعني هو أنا علبة تونة قصادك؟”
رد عليه «وئام» بضيق:
“يا عم الله يرضى عليك اسكت، دي مطلعة عين أمي، بس أنا هقوم علشان هي مش طيقاني”
وقف «وئام» حتى يرحل، فأمسكته هي من ذراعه وهي تقول ببكاء:
“خليك معايا متمشيش علشان خاطري”
ضحك عليهما الجميع، فمال هو عليها يقبل قمة رأسها ثم قال:
“هروح أشوف عامر عاوزنا ليه، و هرجعلك تاني”
أومأت له ثم وضعت كفها على بطنها المنتفخة، أما «جميلة» فقالت لها بهدوء:
“ربنا يبارك فيكم، شكلكم بتحبوا بعض أوي”
إبتسمت لها «هدى» بحب ثم تحولت ملامحها إلى الضيق وهي تقول بنبرةٍ حانقة:
“ولا بطيقه… كويس إنه مشي”
نظرت لها «جميلة» بتعجبٍ و لم تعقب، أما «هدير» فركضت خلف «وليد» ثم أوقفته وهي تقول بهدوء:
“عملت إيه يا وليد في موضوع هناء..
عاوزة أورح علشان أفوق لنفسي، حياتي كلها واقفة و مش عارفة أحركها”
أومأ لها هو بهدوء ثم قال:
“متخافيش كلمتها والله، وبعد فرح خديجة هنروح ليها أنا مش ناسي”
أومأت له في هدوء، فأتى «حسن» في تلك اللحظة وهو يقول بنبرة حماسية:
“يلا يا وليد، عامر قال نكون جوة كلنا، لحد ما يجي”
أومأ له «وليد» ثم قال:
“طارق و أحمد و وئام دخلوا، يلا بينا إحنا كمان”
نظر «حسن» لها ثم قال بهدوء:
“إزيك يا آنسة هدير عاملة إيه؟”
ابتسمت هي له بتوتر ثم قالت بهدوء:
“كويسة يا أستاذ حسن حضرتك عامل إيه؟”
أومأ لها ثم قال بهدوء:
“أنا كويس الحمد لله، و كويس أني شوفتك”
تدخل «وليد» يقول بهدوء:
“روحي يا هدير عند البنات يلا، وأنتَ يا حسن تعالى معايا علشان عامر مستني، ولا نسيت؟”
أومأ له «حسن» بهدوء ثم رحل معه بعدما تركتهما هي.
على مقاعد العروسين، نظر «ياسين» يتفحص المكان و فجأة قال بخوف:
“خديجة أنا خايف…عامر اختفى ولم الرجالة كلها معاه…ربنا يستر”
ردت عليه بنبرةٍ خائفة هي الأخرى:
“وأنا كمان خايفة أوي، بس إن شاء الله خير و….”
قبل ان تكمل جملتها، انقطع النور عن القاعة بأكملها فرد هو عليها بنبرةٍ ساخرة:
“لا ما هو واضح إنه خير فعلًا”
فجأة تم تشغيل اضاءة خافتة في القاعة تزامنًا مع فتح الباب الخلفي و دخول الرجال منه ولكن بهيئة مختلفة، فقد كان كل رجل منهم يرتدي جلباب صعيدي معه عماءة بيضاء و في يده عصا خشبية كبيرة الحجم، عند وصولهم منتصف القاعة تم تشغيل اغينة من أختيار «عامر» وهي:
“اللي أبوه صعيدي ميخافش… إحنا الصعايدة أهم… حضروا….وصلوا”
عند استكمال باقي كلمات الأغنية، ذهب «عمار» ثم أخذ «ياسين» من جانب العروس، وضع عليه جلباب صعيدي و شارب صغير ثم أخذه حتى يرقص مع الشباب، كان المنظر غريب للبعض، و متوقع للآخرين، بعدها اندمج «ياسين» وسط الجميع وهم يرقصون على كلمات الأغنية بالعصا، كان «ياسين» في المنتصف، و جميع الرجال حوله يلتفون في تناغم، بعدها قام المسئول بتشغيل أغينة
“صاحبي اللي كتفه في كتفي بيخليني مطمن”
تلك المرة كانت الدائرة اكبر، حيث دخلها رجال عائلة الرشيد، مع «ياسين» و أصدقائه، كان المنظر مبهج و محبب للقلب.
_____________
بعد انتهاء الفرح و توديع العروسين من قبل عائلتهما، وصل «ياسين» شقته معها، دخل هو اولًا وهي خلفه، اغلق باب الشقة ثم قال بنبرةٍ ساخرة:
“دي شقتنا يا خديجة خلي بالك، لا تكوني نسيتي ولا حاجة”
ردت هي عليه بنبرةٍ حانقة:
“خلاص يا ياسين بقى، هتفضل ماسكهالي كتير؟ قلبك أبيض”
ضحك عليها ثم قال بهدوء:
“طب يلا غير هدومك علشان نصلي مع بعض، خلينا نبدأ حياتنا صح”
اومأت له وهي تبتسم بهدوء، ثم تركته و دخلت الغرفة، أما هو فنظر في أثرها بارتياح ثم قال:
“الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه”
بعد قليل كان هو يتلو القرآن الكريم بصوته العذب الذي اسار القشعريرة في بدنها فبكت رفمًا عنها وهي تسمع صوته، أما انهى صلاته ثم رفع ذراعيه يتضرع بقلبه قبل لسانه إلى الله أن يبارك له في زواجه منها، و يجعلها خير الزوجة الصالحة، انهى تضرعه، ثم التفت ينظر لها وجدها كعادتها تبكِ، فمد انامله يمسح دموعها، بعدها امسك كفها، وهو يقوم بخِتم الصلاة عليه، حتى يقتسما الاجر سويًا، بعدها قال بهدوء و بنبرةٍ حنونة:
“الحمد لله يا خديجة…أنتِ بقيتي معايا في بيتي ودا من كرم ربنا عليا…عاوزك تعرفي إنك هنا مع نصك التاني يا خديجة، يعني مهما كانت الحياة برة…معايا هنا حياة تانية…ربنا يعلم أني هبذل كل طاقتي علشان املا البيت دا حنان ليكِ، أنتِ رزق ليا وأنا كراجل عاقل لازم أحافظ على الرزق دا”
أومأت هي له بهدوء ثم مدت يدها تجلب شيء صغير من على الطاولة الموضوعة بجانبهما، ثم أعطتها له وهي تقول بهدوء:
“أنا كنت بعمل الحاجات دي من زمان…بس جت فترة عليا و بطلت…بس أنتَ الوحيد اللي تستاهل أني أعمل اي حاجة علشانه”
قطب جبينه ينظر لها بحيرة تزامنًا مع فتحه الطارة التي قدمتها هي له، فاتسعت مقلتاه باندهاش حينما وقع بصره على تفاصيلها، فوجد اسمه مزخرف بالخط العربي بكامل تشكيل حروفه، و أسفل منها قامت بتدوين عبارة غزل تشبه كلماته لها وهي:
“فـي حِــدودْ ذِراعَــاكْ تَــكْمُـن مَــدائِنُ طَــمأنِـينـةُ قَـلّـبي…يَـا مَــن وَجَــدتُ فِــيكَ الــراحَـة عِــندَ تَـعَـبي.”
وأسفل تلك الكلمات وجد زهور صغيرة تشبه زهور دوار الشمس، و أسفل تلك الظهور أسميهما سويًا.
رفع رأسه ينظر لها بحبٍ فوجدها تقول بهدوء:
“كل تفصيلة فيها معمولة علشانك… محدش غيرك يستاهل أعمل اي حاجة علشانه يا ياسين”
قبل هو وجنتيها بحب ثم نظر في عينيها وهو يقول بنبرة حنونة هادئة:
ظننتُ أن قلبي هذا لم يخلق له الحب، و ظننتُ أنني لم أملكُ يومًا قلب، إلا أن وقعت عيناي على عيناكِ ففرح قلبي برؤية محياكِ، فوقفت أمام العالم صامدًا أقول:
“أحببتُ جميلةٌ وجهها صَبوحًا”
كُلما تبسمت زاد جمالها وضوحًا”
احتضنته هي بحبٍ ثم قالت:
“ربنا يباركلي فيك يا ياسين، أنتَ من ساعة ما ظهرت في حياتي وأنا اتعافيت بيك”
تَــــمـــتْ بـــحمد الله.