روايات شيقهرواية خداع

رواية خداع الحلقه الاولي

الحلقة الأولى

فى قاعة كبيرة للزفاف تجمع حشد كبير من الحضور يشهدون زفافا فخما تم تجهيزه بعناية ومن مظاهر البذخ الواضحة تتضح المكانة الاجتماعية لوالد العروس حيث يعلم الجميع أنه من تكفل بكل المصروفات لظروف العريس المتعثرة والتى لم تقف حائلا أمام حبه للفتاة بل رحب به أهلها فهى أيضا تعشقه بشدة منذ دراستهما الجامعية رغم أنه يكبرها بثلاث سنوات لكنه استمر في زيارة الجامعة فقط للفوز برؤيتها.

تقف على مقربة من العروس سيدة في عقدها الخامس توحى ملابسها وحليها بالغنى الفاحش مع حسن استخدام المال في اختيار المناسب للعمر فبدت سيدة راقية في كل تفاصيلها ووقف بجوارها منذ بداية الحفل شاب وسيم ملامحه تشبهها بشكل كبير يرتدى بدلة فاخرة وظهرت وسامته بشكل ملفت خاصة أنه غير معروف لدى أغلب الحضور، حافظ على ابتسامة هادئة ولم يشارك في أي حوار جانبى .
اقترب منهما والد العروس
_ ها يا سهام مش كفاية كده والولاد يروحوا؟
_ لسه بدرى يا حج محمود
_ بدرى إيه يا أم العروسة الساعة داخلة على اتنين !
_ خلاص اللى تشوفه
ابتعد قليلا لتنظر نحو الشاب متسائلة
_ ها يا قلب ماما مبسوط؟
تكدرت ملامح الشاب بشكل غريب لتمسك ذراعه وتبتعد به لأحد الأركان
_ مالك يا حبيبي؟
ضرب الأرض بقدمه برفق خوفا من غضب أمه التى شددت عليه لكنه قال
_ انا عاوز عروسة
تهلل وجهها وتغاضت عن غضبه الذى حذرته منه
_ عروسة! عاوز تجوز يعنى؟
تبدلت ملامحه ونظراته لتسيطر عليها طفولة واضحة وهو يشير إلى القاعة راجياً
_ ايوه عاوز تجوز يعنى . فى واحدة هنا هاتيلها فستان يا ماما علشان اخدها معايا. اشمعنا جبتى لسمر فستان
وكزته سهام برفق فقد بدأ البعض يلتفت إليهما وهى لا تريد لفت نظر الحضور ولا يجب رؤيتهم إلا للصورة التي رسمتها هى فتهمس وهى تجذبه نحوها
_ طب اسكت دلوقتى يا سمير وانا هتصرف
زاد سمير من عناده لكنه لم يبتعد أو يحاول رفع صوته رغبة منه أن تلبى أمه رغبته كما إعتاد
_ لا انا عاوز اخدها معايا ماليش دعوة
_ مش يا حبيبي اختك سمر لما جه حسن خطبها مننا الاول وبعدين عملنا الفرح
_ صح
_ طيب إحنا كمان هنعمل كده هنروح نخطبها وبعدين نعمل الفرح وتاخدها البيت بعدها
_ ماشى بس مش تضحكى عليا !
_ وانا اقدر ازعلك ده انت نور عينى يا سمير، يلا اضحك بقا زى ما علمتك ولما حد يسلم عليك قوله اهلا وسهلا وبس
_ حاضر وهتجيبى لى العروسة؟
_ ايوه طبعا ده انت تأمر وبكرة كمان هجيب لك صورتها
ربتت فوق كتفه ليبتسم بنفس الهدوء ويعودا لنفس المكان وسرعان ما طلب محمود إنهاء فقرات الحفل لترحل العروس بصحبة زوجها تصحبهما الأمنيات بالسعادة .

لم يطل وقت بقاء سهام وولدها بل تبعا سيارة العروس بسيارة تقودها سهام نفسها لتتجه بعدها إلى منزلهم دون أن تفكر فى عودة زوجها أو عدمها فهى لا تتخلى عن صحبة سمير أما زوجها فيمكنه تدبر أمره.

……………….

في عصر اليوم التالي جلست سهام بجوار ابنها سمير كالعادة تعرض عليه صور كل الفتيات اللائى حضرن احتفال الأمس فقد استأجرت من قام بالتصوير دون أن ينتبه له الحضور، رفض سمير العديد من الصور وقد اكتست ملامحه بحزن طفولى يثير الشفقة مع ملامحه الرجولية، اخيرا التقط إحدى الصور وقد لمعت عينيه وتهلل وجهه
_ هى دى يا ماما، انا عاوز العروسة دى، هتجيبيها أمته؟
_ بالراحة يا سمير اصبر يا حبيبي مش قولنا لما نعوز حاجة لازم نصبر علشان نعرف نفكر وناخدها
هز رأسه عدة هزات متتالية وهو يؤكد لها أنه سيلتزم بكل قواعدها .
نظرت للصورة بتركيز إنها تعرف هذه الفتاة فهى ابنة أحد المعارف الذين تحرص على التواصل معهم من حين لآخر باستمرار فقط لتشعر كم هى أفضل منهم .
لمعت عينيها هى الأخرى بخبث
_ إحنا لازم نفكر كويس اوى
لم تشعر باقتراب زوجها محمود الذي تعجب لطول جلستهما اليوم
_ قاعدين لوحدكم وسايبنى ليه ؟ ده كلها اسبوع وهسافر، إيه يا سمير مش هوحشك ولا عاوز تلعب معايا؟
_ عاوز ألعب معاك شوية بس بعد كده هلعب مع العروسة
نظر نحو زوجته وقد ظهرت الحدة فوق ملامح وجهه دون أن يدرك أن هذه الحدة تزيد من بعد سمير عنه وتعمل على توسيع الفجوة التى لم يعد قادراً على تخطيها
_ عروسة إيه؟ انت جبتى له عرايس تانى يا سهام؟
_ لا هتجيب لى عروسة زى سمر
أجاب سمير بتوتر لتزداد حدة ملامح محمود وقطب جبينه بإنكار لما سمع وهو ينظر نحو زوجته التى ابتسمت وكأنه شئ روتيني تقوم به وتقدم له الصورة
_ اسمها مروة هنخطبها لسمير
التقط الصورة بحدة وهو ينهر زوجته
_ تخطبى إيه انت اتجننتى؟ هو سمير ينفع له جواز ولا حبك لابنك خلا مخك فوت خلاص؟
انتفضت سهام تعبر عن رفضها ما تفوه به زوجها بينما سمير يبدل نظراته بينهما بفم مفتوح دون أن يفهم ما يحدث فقط ثورة من ثورات أبيه التى لا تنتهى
_ ماينفعلوش جواز ليه هو سمير مش راجل زى بقية الرجالة؟
وقف سمير وهو يضرب الأرض بقدمه مؤكداً
_ ايوه هو سمير راجل والراجل عاوز عروسة تلعب معاه
نظر له محمود وقبل أن يصرخ عليه رأى حالته التى ألجمت لسانه ليشير له
_ استغفر الله العظيم، ادخل اوضتك يا سمير
تبدلت ملامح سمير لعدائية غير مبررة وهو يصيح غاضبا
_ لا سمير مش هيدخل اوضته، سمير مش هيحبك تانى محمود انت مش عاوز سمير يبقى عنده عروسة

بدأت دموع سمير التى ترفضها سهام بشدة وسرعان ما علا نحيبه كطفل دون الخامسة من عمره لتربت سهام فوق وجنته وتكفف دموعه بكفيها معا
_ بس يا حبيبي بلاش عياط ماما هتعمل كل اللى انت عاوزه بس انت ماتزعلش
_ انا عاوز العروسة بتاعتى
_ حاضر يا قلب ماما هجيب لك العروسة اللى انت اخترتها
تهلل وجهه ليكن مظهره الباكى المبتسم شديد البراءة وهى تحثه أن ينتظرها في غرفته حتى تأتيه بحلواه المفضلة، قفز يصفق بسعادة وهو يركض نحو الغرفة حتى اختفى عن ناظريهما ليعود محمود للحدة
_ انت جرى لك إيه؟ انت عارفة أن ابنك عمره العقلى خمس سنين وده بعد ما دوخنا علاج هتجوزيه ازاى؟ مين هترضا بحالته دى ؟
عادت سهام للجلوس بكبر واضح
_ عادى مش لازم تعرف حالته ولما تجوزه خلاص تبقى الفاس وقعت في الرأس
ضرب محمود كفيه وهو لا يصدق أن زوجته وصلت لهذه الحالة
_ لاااا انت اتجننتي رسمى، ده اسمه تدليس يا هانم والبنت من حقها تطالب بفسخ العقد تانى يوم وبعدين تعالى هنا هتخبى حالته ازاى ده لو اتكلم معاها بس هتعرف كل حاجة
_ انا عاملة حسابى على كل حاجة، هقولهم أنه مسافر برة وهخليه يعمل توكيل لواحد محامى يكتب عليها بيه ومش هتشوفه غير قبل الفرح وكل كلامهم فى الخطوبة هيبقى تحت عينى
ارتفع حاجبيه مستنكرا ومعبرا عن دهشته لسرعة تخطيطها لكل هذا
_ ده انت مخططة لكل حاجة اهو
أكدت وكأنها تتحدث عن أمر طبيعي
_ ده يوم المنى لما اشوف سمير عريس في الكوشة
_ وبعد الكوشة ؟
تساءل و رأت الغضب مكتسحا ملامحه لكنها أظهرت له حدة مماثلة
_ مالاكش دعوة انا هتصرف
وقف محمود معترضا ومعلنا رفضه لهذا الجنون الذى تتفوه به زوجته
_ سهام انا اللى مااقبلش بيه لبنتى مش هقبل بيه لبنت الناس، انا مش هشترك في الجريمة دى ومش بس كده انت لو فكرتى بس تنفذيها انا اللى هكلم أهل البنت واعرفهم الحقيقة وابعت لهم تقارير الدكاترة كمان
انتفضت سهام أمامه وكأنه يحاول انتزاع حق ابنها الطبيعى
_ إيه يا محمود هو مش ابنك يا اخى؟ طول عمرك قاسى عليه ليه هو مالوش ذنب أنه اتولد كده؟
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، طبعا مالوش ذنب بس بردو ماينفعش نجوزه وأحنا عارفين أنه ماينفعش يتجوز ولا ينفع نظلم واحدة معاه، اتقى الله فى بنات الناس يا سهام علشان ربنا يسترها مع بنتك .
_ مفيش فايدة فيك ولا هتسمع كلام حد

جمعت الصور جميعا ودست بينهم صورة الفتاة التي لم يتبين محمود ملامحها أو يتعرف عليها بشكل كاف واتجهت من فورها بنفس الحدة إلى غرفة سمير حيث تقضى اغلب أوقاتها معه متغاضية عن وجوده بالمنزل رغم قصر فترة وجوده التى تتقلص مع مرور الزمن لشعوره بعدم رغبتها فيه.

…………………..

فى اليوم التالى تركت سهام ابنها بصحبة والده وتوجهت لزيارة ابنتها العروس واستغرق منها الذهاب والعودة ما زاد عن الساعتين لكنها حين عادت وجدت محمود يقف بباب سمير يطرقه بإلحاح بينما يصل إليها صوت بكاء سمير لتسرع نحوه توبخه بحدة
_في إيه عملت ايه في الولد؟
_ هعمل فيه إيه يعنى يا سهام انا كنت بحاول أفهمه أنه ماينفعش يتجوز ولا نجيب له عروسة لأنها مش لعبة هيلعب بيها شوية ويرميها ولا يكسرها، دى إنسانة ومن حقها تتجوز واحد عاقل
شهقت سهام وضربت صدرها وهى تستنكر ما قاله وكأنه وصمة لا تعبر عن صغيرها الغالى وهى تتساءل
_ وهو انا ابنى مجنون؟
بينما اتسعت عينا محمود لإنكار الواقع الذى تعيش فيه وتحيى ابنها معها
_ سهام بلاش اوهام ابنك عمره العقلى أصغر من الطبيعى عشرين سنة.. انت ازاى واهمة نفسك أنه عاقل وطبيعى وعاوزاه يعيش حياة طبيعية؟
دفعته بصدره تبعده عن باب الغرفة وهى تتابع صراخها
_ كفاية بقا حرام عليك انت ايه ماعندكش إحساس! ما ياما رجالة حالتهم اوحش من كده ومتجوزين وعايشين
تحرك محمود تبعا لدفعها له لكنه تابع
_ فين اللى بتقوليه ده؟ انت بتأذى ابنك لما بترفضى تقبليه زى ما ربنا خلقه
_ انا قبلاه وبحبه الدور والباقي عليك انت، تعرف ايه انت عنه ولا عن سمر ولا عنى انا، انت طول عمرك بتيجى ضيف يومين وتسافر تانى خليك بقا ضيف خفيف احسن لينا كلنا .

دفعته مرة أخرى عن الباب مستغلة الصدمة التى تملكت منه وبدأت طرقه وهى تتحدث إلى سمير بصوت مختلف تماماً عن الصراخ الذى كانت تنقد بها زوجها .
لحظات وبدأ صوت البكاء يخبت قليلا بينما محمود يراقب ما يحدث بدهشة ويتعجب أن سمير بالفعل يستجيب لمحاولة أمه بينما ظل هو يحاول لنصف ساعة خلت دون فائدة أو دون أن يستمع له سمير .
فتح الباب جزئيا وعبرته سهام ليغلق مرة أخرى بسرعة فيقترب محمود منه عله يستمع لما يحدث بالداخل ويفهم ما يدور، هو يقدر أن سمير يفكر بطريقة طفل في الخامسة من عمره لذا يتمكن بسهولة أن يستغل أمه عاطفيا بنوبات البكاء والعناد فتسارع هى إلى تنفيذ كل أحلامه فيزداد هو أنانية وتطلبا.
كيف لا ترى زوجته هذه الحقيقة؟
وكيف تراه هو بهذه الصورة؟
هل أخطأ حين تحمل الغربة والوحدة ليؤمن لهم حياة مرفهة ؟
لم يجد نافعا من وقوفه قرب الباب فيبدو أنها تحتاط لوجوده ولا يسمع سوى هسيس لا يمكن تفسيره ، ابتعد عائدا لغرفته فالوقت المتاح لديه لن يصلح هذه الأخطاء.

مرت الأيام التالية بهدوء لم يكن يتوقعه، تجنبه سمير تماماً ورفض مشاركته الطعام أو اللعب أو مشاهدة برامجه الكرتونية ، ظل طيلة فترة وجوده في المنزل بغرفته ولا يشعر محمود بالحزن لذلك فقد جهزت له سهام غرفته بكل وسائل الأمان المناسبة له وكل وسائل الترفيه أيضاً فهو يبقى بغرفته حال غيابها عن المنزل في العادة.

تأهب محمود واعدت له زوجته حقائبه للسفر وطلبت له سيارة معتذرة عن صحبته للمطار هذه المرة ولم يحاول إثارة ضجة فهو مرتاح لهذا الهدوء الذى مرت به الأيام رغم بعد سمير عنه.
خرجت من غرفة سمير تمسك كفه وتجذبه خلفها فيبدو له بوضوح أنها بذلت جهدا لتقنعه بتوديعه فيتساءل
_ مش عاوز تسلم عليا يا سمير؟
تجهمت ملامح سمير وهز رأسه نفيا
_ مش عاوز يسلم سمير محمود وحش
_ خلاص يا سمير
صمت مرغما مع نظرة تحذيرية من سهام ابتسم لها محمود ظنا أنها بدأت تفكر بعقلانية وتتبع نظاماً حازما يحتاجه ابنه بالفعل.
_ بس انا عاوز اسلم عليك علشان هتوحشنى، هتبقى تكلمنى مع ماما؟
_ مع ماما بس
ضحك محمود فتعلق سمير بوالدته منطقى من وجهة نظره، فتح ذراعيه لتدفع هى سمير ليقترب فيضمه بحنان .
مرت دقائق قليلة وغادر محمود متوجها للمطار ولا يعلم هو نفسه متى سيعود مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى