الحلقة الثالثة
وصلت سهام في اليوم التالي على الموعد المحدد مسبقاً وكان الجميع في انتظار وصولها، عبير تتمنى أن تكذب شكوكها وتخيب، درية تتمنى أن يتم الزواج لتحظى ابنتها بالاستقرار الذي حرمت منه ورياض يتمنى أن يحصل على المزيد من المكاسب التي لم يخطط لها بل أتته قدريا ليشعر لأول مرة بحياته أن زواجه من درية أثمر عن نفع يرجى .
استقبلها رياض كما حدث بالأمس ليحمل عنها ما تحمله محاولا إظهار رقيه ومراعاته ، جلست لتخرج لها درية تصحب ابنتها العروس فتطالعها سهام بدقة؛ الفتاة أجمل مما توقعت، من الطبيعي أن يفتن بها سمير هى تتعجب عدم زواجها من الأساس.
اجلستها بجوارها بعد الترحيب المتبادل والمفرط
_ ما شاء الله، ماكنتش فاكرة عبير حلوة اوى كده
صمت درية ابنتها بفخر وكأنها صاحبة الفضل في جمالها الطبيعي
_ عبير بنتى احلى بنت في العيلة وفى الحتة.
_ انت كام سنة يا عبير؟
_ ستة وعشرين
ارتفع حاجبا سهام بدهشة واضحة
_ انت اكبر من سمير بسنة ! مش باين عليك خالص
توتر رياض ودرية خوفاً من رفض سهام لها بسبب فارق العمر لتزيح هى تلك الوساوس بسرعة فالأمر لا يعنيها بالفعل
_ عموما الفرق مش مستاهل ده سمير ابنى من يوم فرح أخته وهو مابطلش زن عليا علشان اخطبهاله
_ ده إحنا نتشرف يا ست الناس
تجاهلت سهام تملق رياض وفتحت حقيبة احتفظت بها معها وهى تبتسم لعبير
_ خدى يا عبير ده ايفون علشان تكلمى سمير عليه على اى تطبيق تحبيه انا جبت خط وشغلته وعملت له باقة نت كل ما تخلص هجددها لك ولما اروح هطلب سمير واخليه يكلمك علشان تتفاهموا ، ولا إيه يا أستاذ رياض؟
_ اه طبعا مفيش مانع بس ولا مكالمات فيديو اللى بنسمع عليها دى ولا أي حاجة من دى لحد بعد الفرح
شعرت بالراحة فهذا ما تريده فعليا لذا ايدته سريعاً
_ اه طبعا، بمناسبة كتب الكتاب سمير هيعمل توكيل جواز للمحامى هو من امبارح بيحاول أنه ينزل بس في شغله مش موافقين أبدا علشان كده زى ما اتفقنا امبارح هينزل على الفرح وانا قلت له يخلى معاد نزوله أقرب وقت للفرح علشان كل الإجازة يبقى مع عبير، ده ناوى ياخدها شهر العسل في أوروبا
لمعت الأعين بالمطامع بوضوح وظلت سهام تسيطر على الجلسة بما تقدمه من وعود وما تطرحه من شروط يراها رياض تافهة بالمقارنة بما سيحصل عليه من هذا الزواج.
انتهت الزيارة ولم تشعر عبير بالارتياح بل شعرت بمزيد من التوتر فتلك المرأة المسيطرة لن تتوانى عن السيطرة على كل حياتها المقبلة خاصة في غياب هذا الزوج الذى لا يقدر لها التعرف عليه أو رؤيته.
وصلت سهام للمنزل وكان سمير بغرفته المغلقة لتركض نحوه تحمل له هذه الأخبار الجيدة ففى خلال شهرين من اليوم ستصبح عبير زوجته وقد أقسمت على تحقيق هذا مهما كلفها الأمر.
_ سمير حبيبي تعالى كلم عروستك
ركض سمير نحو الباب الذي عبرته أمه للتو لتستوقفه
_ استنى رايح فين هتكلمها فى الموبايل.
تجهمت ملامح سمير الذي ظن أنها أتت إليه برفقة أمه، لم تستغرق أمه مطلقاً هذا الوقت لتحقيق أحد مطالبه.
_ بتكشر ليه دلوقتي! مش انا وعدتك اجوزهالك؟ يبقى تسمع الكلام علشان اقدر اعملك اللى انت عاوزه
_ ما أنا عاوز العروسة بقا
_ تعالى بس نتفق هتقول لها إيه واوعى تغلط بعدين ماترضاش تيجى ولو طلعت شاطر النهاردة لما اروح المرة الجاية هخليها تكلمك فيديو وتشوفها
_ مش هروح معاكى؟
_ لا انت مش هتروح غير يوم الفرح بس ترقص وتنبسط وتاخدها وتيجى شقتك .
_ تيجى هنا!!
_ لا شقتك فى الدور اللى فوق يلا بقا ولا مش عاوز تكلمها ؟
جلس بإنصات شديد يحاول استيعاب كل ما تلقنه له أمه والتى تبدو حريصة للغاية مما زاد من محاولته عدم تخيب ظنها وبالفعل طلبت له الرقم وجلست بجواره خوفاً من عفويته التى قد يخسر بسببها كثيرا.
ادهشها سمير بحسن إتقان ما لقنته له والتحاور مع عبير بعفوية اشعرتها بالراحة فيبدو أن هذه الفتاة تحمل معها الحياة الطبيعية التى تتمناها له.
مر يومين كما اتفقت معهم حيث ستزورهم مجدداً وتصحبهم لشراء شبكة العروس وخلال اليومين دربت سمير كثيرا على التحدث إلى عبير عبر الكاميرا فهى حين يفعل ستكون على الطرف الآخر وقد لا تتمكن من تدارك أخطاءه.
رحب بها رياض ككل مرة بينما أسرعت إلى غايتها
_ ممكن ادخل لعبير ؟
_ طبعا ده نتشرف بوجودك يا ست الكل
تلفتت ليفهم رياض أنها تريد الانفراد به فيحث زوجته
_ ادخلى يا درية أدى لعبير خبر وخلى اخواتها يسيبوا الأوضة دلوقتى علشان تبقى براحتها هى وحماتها
تحركت درية مبتعدة لتخرج فورا مبلغاً مالياً تقدمه له
_ سمير بيعتذر أنه مش موجود مع عبير فى الشبكة وطبعا البركة فيك تجيب لها هدية تليق بيها فوق الشبكة .
دس المال بجيب سترته
_ مالوش داعى التكاليف هى تنقى الشبكة والفلوس هتنفعها طبعا
_ خلاص اللى تشوفه يا استاذ رياض
غادرت درية الغرفة بصحبتها أربعة فتيات لتشعر سهام بالصدمة فهى لم تتعرف إلى اخوات عبير ، لهذا هرع رياض لقبول الزواج كما سيكون وجود هذا العدد من الشقيقات رادعا أمام أي محاولة من عبير للانفصال لاحقا وهذا يزيد من راحتها فصغيرها سيحصل على كل ما يتمناه ً.
دخلت الغرفة تحمل عدداً من الحقائب وضعتهم جميعا فوق الفراش
_ حبيبتي دول شوية حاجات لجهازك ولسه ده انا هجيب لك احسن لبس عرايس فى البلد كلها .
وقفت عبير تستقبلها بحرج لبساطة الغرفة التى تتشاركها واخواتها
_ متشكرة جدا يا طنط بس حضرتك كده بتكلفى نفسك كتير اوى أنا عارفة المحلات دى وعارفة اسعارها
_ اكلف نفسى إيه بس ده انا لو أطول اجيبلك حتة من السما ده انت عروسة سمير نور عيني.. بقولك ايه تعالى نكلمه فيديو بسرعة احسن نفسه يشوفك
تراجعت عبير خطوة بقلق وتوتر
_ لا انا اتكسف وبابا هيزعق
_ وبابا هيعرف منين بس؟ وبعدين انا معاكى اهو ماتخافيش
أخرجت هاتفها فورا واسرعت تطلب سمير الذى كان بالمنزل يراجع ما ظلت تلقنه له على مدار اليومين الماضيين.
_ سمير حبيبي عبير هتكلمك اهيه.
نقلت الكاميرا إلى عبير التى تخضب وجهها خجلاً وزادت خفقات قلبها بشدة وهى تراه ينظر لها بهذه اللهفة وكأنها من عالم اخر ، رأت الانبهار فى عينيه ولم يكن غريبا عليها رؤية الانبهار بجمالها لكن أن تحمل عينيه هذا الكم من البراءة رغم افتتانه الواضح فهذا ما تراه لأول مرة بعينى رجل.
_ انت حلوة اوى
ضحكت خجلا وشاركتها سهام بينما ظل هو مدهوشا بما يراه ولا يفهم ما يحدث معه ولا يمكنه التعامل مع ما يعتريه من انفعالات
_ انا مبسوط اوى
_ ليه؟
_ علشان انت عروستى.
_ انا كمان مبسوطة، انت كريم اوى وطيب
أجاب بعفويته دون أن يفكر
_ لا انا سمير
ضحكت وهى ترفع كفها لتمنع صوت ضحكاتها تظنها مزحة منه بينما فهمت سهام فورا أنه أخطأ لتعيد الكاميرا نحوها
_ خلاص بقا يا سمير بعدين باباهم يزعل ، سلام يا حبيبي هكلمك لما اروح
وانهت الإتصال قبل أن يسرف فى أخطاءه ولا يمكنها تداركه ، نظرت نحو عبير التى يطمرها الخجل بالفعل ليزداد شعورها بالسكينة فقد كان هذا الخجل حاجزاً أمام رؤية طبيعة سمير .
_ يلا يا حبيبتي علشان نلحق معادنا مع الجواهرجى .
_ حاضر يا طنط انا جاهزة هشيل بس الحاجة دى
أسرعت نحو الحقائب دون أن تتفحصها لتحملها لخزانة الملابس قبل أن تغلقها وتسحب المفتاح فتبتسم سهام وتتقدم للخارج.
اشترت لها العديد من القطع الذهبية تحت أنظار رياض التى يزداد لمعان المعدن الأصفر بها ودرية التى تطل من نظراتها الحرمان الصريح ، قلتهم للمنزل مرة أخرى ورفضت صحبتهم للأعلى متعذرة ببعض الشئون الهامة قبل أن تغادر تاركة خلفها المزيد من الأحلام على أن تنتظر زيارتهم لشقة العروس فى الموعد المناسب لهم.
مر اسبوعين انتظم خلالهما سمير على مهاتفة عبير يومياً وكما لقنته أمه تماماً طلب منها التوقف عن العمل مع وعد بمصروف يغنيها عنه تبدأ في تلقيه فور عقد القران الذى ستتفق سهام على موعده فى الزيارة القادمة .
توجهت سهام لمنزل رياض عازمة على إنهاء الأمر فقد أصبح إلحاح سمير لا يتوقف ولم تعد قادرة على التحكم في مكالماته الهاتفية لها فهو يريد أن يتحدث إليها طيلة الوقت وهذا أمر مستحيل لن تسمح به كما أن المحامى قد تمكن من عمل التوكيل الذى سيعقد به القران فلم يعد هناك سبب للتأجيل .
وضعت درية أمامها طبق من الحلوى لتبتسم فقد بدأت أحوال الأسرة في التحسن بفضل ما تقدمه هى من أموال وهدايا .
_ إيه رأيك يا استاذ رياض؟ وانت يا عروسة ؟
_ طبعا مفيش مانع بس مش كنا نشوف الشقة الأول!
_ تعالوا شوفوها بكرة يناسبكم الساعة كام؟
_ أربعة كويس اكون رجعت من الشغل
_ خلاص استناكم بكرة عندى تشوفوا الشقة وكمان درية تزورنى في شقتى هى فى نفس العمارة ونحدد كتب الكتاب كمان بكرة.
حين غادرت منزلهم أسرعت تعد للغد فيجب ألا يكون سمير بالمنزل وهى لا تأمن سوى لابنتها لذا اتصلت بها دون تردد لتطلب منها استضافة سمير غدا من الثالثة عصراً ولمدة ثلاث ساعات ولم ترفض سمر رغم أنها تتعجب فأمها لا تتخلى عن صحبة سمير مطلقاً.
كان عليها أيضا التشديد على سمير نفسه كى لا يفصح لشقيقته عما يدور وما يخططان له ولم يكن أمامها الوقت الكافي لتفعل لذا عزمت على اللجوء للبديل وهى ألا تسمح له بالتحدث إلى شقيقته من الأساس فكيف سيتحدث إن كان نائما طيلة الوقت؟
فى اليوم التالى أقلت سمير لشقة شقيقته وقبل أن يصعد طلبت منه شرب العصير الذى حضرته له والذى سيساعدها على تنويمه وبالطبع استجاب لها فوراً.
………
جلس سمير الذى تركته أمه وغادرت فورا صامتا كما طلبت منه أمه بينما نظر حسن نحو سمر بدهشة وبدأ محاولة التحدث إليه
_ منور يا سمير
نظر له سمير وتثاءب وكأنه لا يحدثه
_ سمير عاوز ينام
_ تعالى يا حبيبي نام في الأوضة جوه
_ ماشى
سار مع أخته تحت أنظار حسن المتشككة لهذه الزيارة فهو على دراية تامة بحالة سمير فقد اطلعته سمر على تفاصيلها منذ بداية علاقتهما وكانت حالته حافز لحسن على استمرار علاقته بسمر فهى في نهاية المطاف ستكون الوحيدة ذات الأهلية لأرث أموال محمود وسهام التى تكدست بالبنوك وتتزايد فوالدة زوجته ذات عقلية عملية لا تقل شئنا عن زوجها فعمل هو بالغربة وعملت هى على تنمية ما يرسله في عدة مشاريع أدرت المزيد من المال ولولا رعايتها لهذا المعتوه لكانت الآن من أصحاب الملايين.
………………..
وصلوا جميعاً واستقبلتهم سهام بعد أن صرفت الخادمة فهى لن تغامر بأي خطأ، صحبتهم للدور العلوى حيث شقة سمير التى أثارت انبهار أعينهم فقد تم تأثيث الشقة بكافة الكماليات والأثاث نفسه تم إنتقاءه بعناية وذوق رفيع يختلف تماماً عن المستخدم في شقة سهام
_ الشقة جنان يا طنط
_ كلها ذوق سمير بيختار كل حاجة بنفسه
_ ما شاء الله مصروف عليها جامد
_ المهم أنها عجبت عروستنا، تحبى اغير لك أى حاجة يا عبير؟
_ لا يا طنط فعلا كل حاجة جميلة اوى وكلها لسه مغلفة
_ إن شاء الله قبل الفرح بأسبوع هنفتح كل حاجة ونلمع العفش ونفرش بقا السجاد والستاير وكل حاجة.
_ ساكتة ليه يا درية؟
انتبهت درية مع سؤال سهام الذى أخرجها من تأثير الروعة التى غمرتها فور دخول هذا المكان، ما كان خيالها ليصل في أجمل أحلامها أن تتزوج ابنتها بشقة مماثلة، يمكنها أيضاً استغلال هذا الزواج للحصول على ازواج مناسبين لبقية الفتيات فتنتهى معاناة الجميع.
_ أبدا يا سهام، الشقة جميلة جدا ربنا يجعلها عتبة خير عليهم
_ يارب
كان تضرع سهام هو الصدق الوحيد الذى يخرج من بين شفتيها منذ دخلت إلى حياة هذه الأسرة.
عادوا لشقة سهام حيث ظهر الحزم منها في تحديد موعد عقد القران والزفاف أيضا متعللة بأن سمير بحاجة لمواعيد محددة ليتمكن من الحصول على إجازة مناسبة ولم يعترض أي منهم على المواعيد التى تقترح فهم تحت تأثير ما تعرضه عليهم من فخامة ورفاهية وهى تحسن استغلال هذا.