الحلقة الخامسة
حين وصلت عبير لباب القاعة وجدت سمير في انتظارها لتظلل الراحة ملامحها فوراً، استأجرت سهام مصورا لعمل جلسة تصوير خاصة للعروسين في قاعة ملحقة بالفندق حيث سيتم الاحتفال بالزفاف فلم يكن هناك دقيقة واحدة خاصة تجمع العروسين بل كان وجود سهام مسيطرا وصمت سمير مستمرا لكنه قريب منها بشكل يسرى الدفء بين دمائها.
انتقلا إلى قاعة الزفاف لتبدأ الفقرات وأمام صمته لم تجد إلا أن تبادله صمته رغم أن صدرها يحمل الكثير من الفوضى وعقلها يضم الكثير من التساؤلات لكن يمنعها الخجل من المباردة فتكتفى بهذا القرب وتتمنى أن تنهار الحواجز بينهما قريباً.
بدأت رقصة العروسين الخاصة التى يفترض أن تكون ختاما للحفل ليضمها سمير فتشعر بتوتر متبادل ارجعته لعدم الألفة بينهما فهما يجتمعا لأول مرة بحفل الزفاف وكم بدى لها الأمر مضحكا وطريفا.
لم تبتعد عنهما سهام لحظة واحدة بينما لزمت سمر الحفاظ على مسافة بينها وبينهما ولا تنكر عبير أن نظرات سمر غير مريحة بالمرة.
اجتمع الحضور فى نهاية الحفل واغلبهم لا يعلم عن سمير سوى المعلومات التى كانت سهام تعلنها عنه فقط، تتابعت عبارات التهنئة من الأفواه وسمير ينظر لهم بإرتباك واضح فتقف سهام أمامه مرة أخرى بلا تردد وتجيب الجميع وهى تفسح له ولعروسه المجال للمرور.
قادت السيارة بنفسها ليظل الخجل معلنا سيطرته على عبير بينما سمير يحصل على فرصة ممتازة لتفحصها بنهم لم يكن يدركه مسبقاً.
تبعهم بعض السيارات لتتأفف سهام فهى لا تريد المزيد من المجاملات هى تريد أن يحصل سمير على فرصة كاملة دون أن يكتشف أي شخص حقيقة وضعه حتى العروس نفسها، لقد خططت طويلا ولقنته ما عليه القيام به كثيرا ورغم ذلك تخشى أن تسيطر طفولته العقلية فيخسر وتخسر هى أيضاً.
صفت السيارة وهى تنظر لهما عبر المرآة
_ حمد الله على السلامة، نورتى بيتك يا عبير، يلا حبيبي خد عروستك واطلعوا علطول وانا هقف مع الناس شوية وبعدين اطلع .
لم يجب سوى بعدة حركات من رأسه وهو يغادر السيارة متمسكاً بكف عبير التى رأت فعلته لياقة رجولية مهذبة.
كان البواب ينتظر حسب أوامر سهام ليسرع نحو المصعد ويساعد سمير دون أن تشعر عبير بذلك .
اتجها نحو الشقة خلف البواب أيضا والذى أخرج المفتاح لتنظر له عبير بدهشة ثم يفتح الباب قبل أن يقدمه لسمير
_ المفتاح يا بيه
تناوله منه سمير وهو يفسح المجال وينظر إليها لتتقدم ويغلق الباب دون كلمة واحدة. تقدمت عدة خطوات ليتبعها محيطا خصرها بذراعه
_ انت حلوة اوى
ابتسمت بخجل لكنه تحرك ليدور حولها دون أن يفلتها فتتعلق عينيها بملامحه الوسيمة وهو مذهول تماماً بهذا القرب مع ما ادركه مؤخرا من تبعاته، تحرك كفه ليحيط وجهها وعينيه تحصى المزيد منها بلهفة واضحة وعقله يعجز عن إيجاد الكلمات التى استمع إليها في المقاطع التى مدته بها أمه ليتبع ما يشاهده فيها مع عروسه لكن بدنه استجاب لكل الانفعالات التى زادت مع تدفق المشاهد أمام عينيه ليتبع فطرته فقط ما إن انفرجت شفتيها لتعلن الشهوة عن تحكمها فيه ولم تفهم هى ما يدور بشكل كامل، تمنت أن يتحدث إليها فيبثها بعض السكينة أولا لكنه تابع نهمه ولهفته دون التوقف لالتقاط الأنفاس.
وقفت سهام بالأسفل ليقترب منها رياض ودرية التى تنظر في أثر ابنتها
_ هم طلعوا علطول ليه؟
_ خلاص بقا يا درية خليهم براحتهم
_ مدام سهام عندها حق واحنا كمان يلا نروح
نظرت إليه درية برجاء
_ شوية يا رياض نطمن على عبير
نهرها بحدة غير ملائمة لنهاية ليلة سعيدة
_ تطمنى عليها من إيه هو جوزها هياكلها، يلا يا درية انا تعبان وعاوز انام
أحست سهام بالراحة لقرب خلاصها منهم فحاولت حث درية مبدية المودة
_ خلاص يا درية ابقى تعالى بكرة إن شاء الله وماتخافيش عبير فى عنيا الاتنين
_ ده العشم يا سهام، ابقى بصى عليها
_ من عنيا ماتقلقيش مع السلامة العربية هتروحكم
تحركوا جميعا ليظل حسن الذى لم تهدأ انفعالاته بسبب الموقف الذي عرضته له سهام أثناء الجولة الشرائية لكنه يتابع التظاهر رغم أن حدته تظهر رغما عنه وهو يقول
_ مش كنا وصينا سمير على عروسته هو مستعجل على ايه؟؟
نظرت له وعينيها تخبرانه أنها تفهمه جيداً
_ عادى عريس وعاوز يبقى مع عروسته ده انت لسه عريس بردو ولا ايه!
_ ايوه يا طنط بس كنا سلمنا عليهم دول ما وقفوش ثانية
_ معلش ابقوا تعالوا سلموا عليهم بكرة ولا تحبوا تباتوا عندى؟
_ لا مش عاملين حسابنا مرة تانية، يلا يا سمر
تحركت سمر خلفه دون أن تودع أمها التى لم تهتم لصمتها طيلة الليلة فهى تعلم أن وقت التظاهر أوشك على النفاذ وستكشف الوجوه الحقيقية للجميع.
تحركت هى لتلتقى بالبواب الذى عاد وجلس مكانه ليقف لها احتراماً
_ وصلتهم للباب يا ست هانم
دست بكفه مبلغا ماليا
_ دى حلاوة فرح سمير خد بالك من البوابة
تقدمت نحو المصعد لتتجه إلى شقتها وهى تتمنى أن تمر الليلة بسلام ويتمكن سمير من إتمام الزواج لتضع كل إنسان فى مكانه الطبيعي الذى يستحقه.
……………….
بالكاد التقطت أنفاسها بعد امواج لهفته التى تلاعبت بها وطمرتها بين لطمات لا تعلم عنها سوى اليسير ، كان مراعيا رغم صمته ورغم تزايد لهفته إلا أنها كانت قادرة على امتصاص كل لهفته بعفوية .
استلقى هو أيضاً يلتقط أنفاسه لتقترب بتردد تتوسد صدره فلم يمانع ، سمعت ضربات قلبه تهدأ ثم تنتظم وهى لازالت تتعجب استمرار هذا الصمت.
_ سمير
تغلبت على خجلها لكنه لم يرد لترفع رأسها فتجده قد استسلم للنوم سريعا.
ابتسمت فهى تظن أنه منهك كليا فمن المفترض أنه عاد اليوم من السفر، رفعت رأسها تتفقد الغرفة فلم تجد أي حقائب لكنها لم تفكر كثيرا فربما ترك حقائبه بشقة والدته لذا أغمضت هى أيضاً عينيها ولم تشعر بعدها سوى بمزيد من الدفء فكلما ابتعدت عنه أثناء نومها أعادها لصدره بقوة تتسبب في ايقاظها لكنها تعود للنوم أيضا.
استيقظ سمير وهو يشعر بالدفء لقربها منه ليبتسم بسعادة فها هي العروس كما وعدته أمه، لم يكن يعلم أن كل هذا سيحدث بينهما حين طلبها لكنه مستمتع بكل ما يحدث.
كانت نائمة لينظر نحوها فهى بالفعل جميلة للغاية، اجمل من سمر وأجمل من والدته أيضاً هى تشبه الأميرة النائمة فى الفيلم الكرتوني الذى يشاهده .
بدأ بدنه يعود للتفاعل مع قربها الذى يثير داخله ما يجهله لكنه يستمتع به، اقترب ينثر المزيد من لهفته بلا تردد أو تفكير أو مراعاة لنومها لتفتح عينيها بعد لحظات بتأفف
_ سمير عاوزة انام
حاولت دفعه لكنه لم يتراجع ولم يحتد عليها أو يغضب على غير عادته بل ابتسم لكونه يرى عينيها ليقترب مقبلا اجفانها فترجف خجلا وسرعان ما نجحت قبلاته في إذابة الرفض الذى يراه هو ممتعا فهى تضم شفتيها بعبوس يماثل عبوس الأميرة التى يرى أنها تشبهها كثيرا.
عادت لهفته تسيطر مع صمته أيضاً لكنه رغم ذلك يحسن معاملتها ويعلم جيدا كيف يرضى أنوثتها التى عانت كثيرا من الحرمان.
………………….
لم يغمض لها جفن طيلة الليل وكلما مر الوقت زاد الأمل في نجاح سمير ونجاح زواجه الذى تراه متوقفا على الليلة، الليلة فقط ثم لن تملك عبير سوى الاستسلام لقدرها ، سوف ترعاها كثيرا وتحنو عليها بمجرد أن تتأقلم مع وضع سمير وترضا به وإن لم تفعل سترغمها على الرضوخ والرضا.
بدأ تراجع جيوش الظلام معلنة استسلام أمام زحف الضوء الذى يعلن سيطرته على الحياة وهى تقاوم أن تتجه لشقته لتتأكد أن خطتها سارت كما أرادت هى .
وضعت كوب القهوة الذى انهته للتو بجوار العديد من الاكواب التى ساعدتها على تخطى الليلة، عادت تتفقد الساعة وكانت تشير إلى الثامنة صباحاً لتنتفض رافضة متابعة الصبر وتغادر لتتجه إلى شقة سمير، طرقت الباب عدة مرات بإلحاح وانتظرت فهى اعتادت الانتظار.
…………………….
استيقظت عبير على صوت الجرس لتحاول ايقاظه
_ سمير قوم الباب بيخبط
_ اووف سمير نايم بقا
ابتسمت لتذمره الطفولى دون أن تفهمه وتحركت ببطء تبحث عما ترتديه فربما كانت أمها بالباب .
أسرعت قدر الاستطاعة وغادرت الغرفة مغلقة الباب دون أن يستيقظ سمير
_ ايوه حاضر مين برة؟
_ انا يا عبير
تعجبت لتبكير سهام لكنها فتحت الباب مرحبة
_ اهلا يا طنط اتفضلى
دارت عينا سهام تحصيان الهدوء المسيطر على المكان والترتيب الذى لم يتغير لأي التفاصيل لتشعر بالراحة فمن المؤكد أن سمير لم يمنحها وقتا ومارس حقوقه كما ينبغى أن يفعل
_ عاملين ايه يا حبيبتي؟ سمير فين؟
_ الحمدلله يا طنط بخير هو لسه نايم. تحبى اصحيه؟
_ لا خليه يرتاح تعالى يا عبير اقعدى جمبى
اقتربت عبير وجلست فوراً وهى تبتسم بحرج لتزداد الراحة بقلب سهام وهى تربت فوق كتفها بمودة
_ مبسوطة يا عبير؟ سمير كويس معاكى ؟
_ الحمدلله يا طنط سمير طيب خالص
_ اه والله يا عبير اطيب قلب ممكن تقابليه في حياتك
_ اكيد طالع لحضرتك انت كمان طيبة معايا اوى حياتى كلها اتغيرت من يوم ما دخلتيها انت وسمير
_ ويا ترى التغير ده يستاهل منك تتحملى شوية حاجات من سمير؟
_ قصد حضرتك علشان السفر يعنى!
_ لا خالص سمير مش هيسافر
شعرت عبير بالتوتر لكنها ككل فتاة تتزوج حديثا وتتمنى أن يظل زوجها بقربها دائما لذا رحبت بالفكرة فوراً
_ بجد! طيب الحمدلله، بس هو لقى شغل هنا ولا عقده خلص ولا إيه؟
_ لا هو ماكانش مسافر من أصله
تبددت السعادة عن ملامح عبير وبدأت تتجهم مع انقباض صدرها بقلق وحيرة ويسيطر عليها الخوف
_ انا مش فاهمة حاجة، مش حضرتك قولتى لنا
_ انسى كل اللى انا قولته قبل كده، انا كنت مضطرة اقول كده علشان الجوازة تتم ، سمير من حقه يبقى سعيد ويبقى ليه زوجة وأولاد وانت شوفتى بنفسك قد ايه هو طيب وحنين .
_ طنط من فضلك اتكلمى علطول انا مش فاهمة حاجة
_ سمير معاه بكالوريوس التجارة فعلا بس عنده ظروف تمنعه من الشغل وعموما هو مش محتاج يشتغل انا عاملة مشاريع ووديعة باسمه ليهم دخل شهرى ممتاز
_ مش موضوع دخل بس ايه اللى يمنع سمير يشتغل؟ انا مش شايفة عنده ظروف ولا حاجة هو معاه شهادة جامعية ووسيم وصحته تمام فين الظرف اللى مانعه؟
_ عقله
نزلت الكلمة كالصاعقة على مسامع عبير التى التقطت نفسا بصعوبة وهى تتساءل بفزع
_ ماله عقله؟
_ سمير عمره العقلى خمس سنين
انتفضت عبير واقفة لكن لم تصدم سهام من رد فعلها الذى تراه طبيعياً للغاية
_ حضرتك بتقولى ايه؟ إيه الهزار السخيف ده!!
وقفت سهام دون أن يبدو عليها أي انفعال
_ ده مش هزار دى الحقيقة
_ الحقيقة ازاى؟ يعنى انت ضحكت علينا كلنا؟ يعنى انا اتجوزت واحد عبيط؟
صفعة مؤلمة ألقت بوجهها بعيدا تراها سهام رد فعل مناسب لتلك الكلمة التى وصفت بها ابنها للتو وهى تنهرها بحدة
_ ماتقوليش على ابنى كده، ابنى بقا جوزك وجوزاكم تم برضاك ورضا اهلك
_ انا هطلب الطلاق، الخلع، هفسخ العقد هعمل أي حاجة ومش هعيش معاه
_ انت ولا هتعملى حاجة وهتعيشى تحت رجلين جوزك تشوفى طلباته . قانونا سمير سليم وانا مش هسمح لك ولا لأي حد إنه يفضحه انا عشت عمرى احمى سمير وهحميه لحد ما اموت
_ حرام عليك ليه تعملى فيا كده!
_ عملت فيكى إيه! جوزتك لراجل اول كلمة قولتيها عنه إنه طيب اوى يبقى ليه تكسرى قلبه وانت البنت الوحيدة اللى شافها
ارتمت عبير فوق المقعد تضم جانبى رأسها بين كفيها وهى تشعر بدوار شديد
هل هذه مزحة؟
هل هى خدعة؟؟
ام أن سهام بالفعل خدعت الجميع؟
كيف لم تلحظ عليه ما تخبرها به؟
لقد كان يهاتفها بشكل يومى .. مهلاً لحظة بل لاحظت ولم تهتم
ابتساماته.. كلماته العفوية.. الأفلام الكرتونية فى الخلفية دائما
كيف أغفلت كل هذا؟
اقتربت سهام وجلست بجوارها وهى تحاول أن تسحبها فى موجة من حنان تعلم حاجتها إليها في هذه اللحظة
_ عبير انا مش بطلب منك المستحيل، سمير فعلا طيب وحنين وهتبقى معاه سعيدة جدا وانا اوعدك احقق كل احلامك بس تفضلى معاه.
رفعت عبير رأسها تنظر إليها بتشوش زاد مع طنين مزعج ورغبة شديدة من جفنيها بالتعانق ليزحف السواد مغلفا إدراكها .