فركت صافى يدها بتوتر تشعر بالتعرق فبماذا تجيبه هى الآن ؟ حاولت ايجاد عذر مقبول لتخبره به إلا أنها وجدت نفسها قائلة بدون انتباه:
–هو أنا ممكن أوافق أتجوز بس لو كان العريس أنت..
قطب حاجبيه بعد ما سمعه منها إلا أنه انفرجت أساريره بعد أن استطردت حديثها قائلة:
–قصدى لو كان العريس أنت موافق عليه ساعتها ممكن أوافق
شقت ابتسامة خفيفة شفتيه :
–أكيد طبعا مش هوافق على أى حد أنتى بقيتى دلوقتى مسئولة منى
ضمت يديها وهى تشعر بتلك الحرارة التى غزت وجنتيها من فرط خجلها الممزوج بسعادتها فكم أحبت هى تصريحه بأنها أصبحت مسئولة منه وستشغل ولو حيز ضئيل من حياته التى لا تعرف عنها سوى القليل عادت مرة أخرى إلى المطبخ لتكمل اعداد المشروبات وبعد أن انتهت خرجت تحملها بين يديها ووضعتها على تلك المنضدة الصغيرة ولكن عندما رفعت رأسها وجدته يحملق بها فعيناه لاترف كأن جمدتاً فجأة فكانت تلك هى المرة الأولى التى ترى بها لون عينيه بوضوح تلك العينان الخضراوتين برموشها السوداء الكثيفة خفضت بصرها سريعاً
رفعت يديها بفنجان القهوة خاصته:
–أتفضل يا أستاذ أيسر قهوتك
لم يجيبها فعلمت أنه يحملق فى الفراغ كأنه يرى اشباحاً أمامه فعاودت النداء مرة أخرى:
–أستاذ أيسر أستاذ أيسر
رفرفت عيناه عدة مرات قبل ان يجيبها:
–أيوة يا صافى فى ايه
كانت تلك هى المرة الأولى يناديها بأسمها فرفعت الفنجان حتى وصل مستوى بصره قائلة:
–قهوتك يا أستاذ أيسر
تناول من يدها الفنجان قائلا بابتسامة:
–ملوش لازمة تقوليلى أستاذ أيسر قوليلى أيسر عادى من غير ألقاب يا صافى
هزت رأسها وهى تشعر بنبض فى أذنيها من شدة دقات قلبها قائلة بصوت منخفض:
–ماشى يا أيسر
تناول أيسر فنجان قهوته وكل رشفة منها يتذكر تلك التى رحلت عنه فهى كانت تحب احتساء القهوة بالحليب
تنهد شوقاً هامسا بداخله:
–وحشتينى يا نور عيونى معقولة أكون مش واحشك وقدرتى تكرهينى بالسرعة دى قلبك مش مشتاق ليها زى قلبى ما خلاص قرب يموت من اشتياقه ليكى
بعد أن فرغ من احتساء فنجانه هب واقفا يريد المغادرة فهو يريد العودة إلى غرفته التى يدفن بين جدرانها لوعة الفراق التى كادت أن تقضى على ما تبقى من قلبه فلو الجدران قادرة على الحديث كانت أخبرت الجميع عما يعانيه عندما يكون بمفرده يظل يلوم نفسه حتى انهكها من كثرة اللوم والعتاب ولكن هو من فعل كل هذا بنفسه من البداية عندما قرر الانتقام ولكن أتى انتقامه بثماره فهو الآن خسر كل غالى لديه وتمثل كل غالى ونفيس لديه فى فتاة نظرة واحدة من عسليتها قادرة على اغراقه فى بحور الشوق والهوى شعر بحاجته للصراخ فلم يمنع نفسه
فركع على ركبتيه صارخا:
–أااااااااااااااااااه
كم تؤلمه تلك الكلمة أكثر من كتمانها فإلى متى سيظل يعانى هل كتب عليه أن لاتزوره السعادة أبدا هل ألقى عليه تعويذة الحزن فستظل تلازمه حتى يفارق الحياة هل أيامه السعيدة لن ينالها فى دنياه تكاثرت الاسئلة برأسه ولكن ليس لديه إجابة واحدة على أى منها
_________
–وأنتى عاملة ايه دلوقتى يا حبيبة قلب ماما
قالتها فيروز وهى تتطلع لوجه ابنتها عبر شاشة الهاتف بشوق ودموع انسكبت على وجنتيها كالعادة عندما تسمع صوتها
رد ثراء قائلة بابتسامة واهنة:
–الحمد لله يا ماما انتوا عاملين إيه كويسين
تلمست فيروز شاشة الهاتف قائلة بحب:
–الحمد لله يا قلب ماما ثراء ارجعى يا حبيبتى بلاش تبعدى عنى انا بموت من غيرك يا بنتى ارجعى واوعدك أن جوزك مش هيعرف يقرب منك بس ارجعى أنا بقيت عين فى الجنة وعين فى النار من ناحية أنتى ومن ناحية تانية باباكى واخوكى حسام
حاولت ثراء أن تطمئن والداتها فهتف بهدوء:
–ماما أنا كويسة وانا اللى طلبت منكم محدش يسافر معايا فبلاش تزعلى انا كويسة وبروح الكلية وان شاء الله اخلص دراسة واعمل الماجستير والدكتوراه كمان
حملقت فيروز بالهاتف قائلة :
–هو أنتى ناوية تقعدى ده كله يا ثراء دا أنا قولت لو شهر شهرين وهترجعى عايزة تبعدى سنين لاء طبعا أنتى ترجعى حالا وكملى دراستك هنا زى الأول وخدى الدكتوراه براحتك لكن متبعديش ده كله
تنهدت ثراء قائلة بهدوء:
–ما أكيد يا ماما هتيجى تزورينى أنتى وبابا وتشوفونى بس من غير حسام ما يعرف يا ماما
تعجبت فيروز قليلا من إصرار ثراء على عدم حضور شقيقها برفقتهم
–ليه يا حبيبتى مش عايزة اخوكى ييجى معانا يشوفك ويطمن عليكى
حاولت ثراء حبس دموعها التى باتت تهدد بسقوطها :
–علشان أكيد هيقول لأيسر يا ماما أنتى متعرفيش اخر مرة كلمنى فيها كان معاه وكان بيكلمنى ولقيت أيسر طلع فى وشى فى التليفون فعلشان حسام مش هيقدر يخبى عليه
فهمت فيروز مقصد ابنتها فحاولت التخفيف عنها قائلة بابتسامة:
–شكل كده حسام اخوكى عينيه من ميرا بنت عمك
–بجد يا ماما
قالتها ثراء بابتسامة واسعة وهى لا تصدق ما تسمعه
هزت فيروز رأسها بتأكيد:
–أيوة هو عامل نفسه حويط بس انا قفشته وهى كمان باين عليها حبته
تمنت ثراء بداخلها التوفيق لشقيقها وابنة عمها فمن يصدق أن ميرا أصبحت الآن فتاة أخرى غير تلك الفتاة التى اعتاد الجميع أن يراها متعجرفة وتسئ معاملة من أدنى منها شأناً فربما الحب قادر على فعل المعجزات إلا أنها فقدت تصديقها بتلك المقولة فربما الحب موجود ولكن للأخرين وليس لها فهى فشلت بأول قصة حب لها وأنتهى بها المطاف تاركة اهلها وذويها تعيش بمفردها فى بلد غريب وكل هذا بسبب إيمانها بالحب
_________
تردى صوت ماكينة الحياكة داخل الغرفة فهى تعمل على إنهاء ذلك الثوب منذ قرابة الساعتين إلا أنها لا تستطيع التركيز فمنذ سفر ثراء وهى تشعر بحالة من التيه والوحدة حتى أنها تذهب لحضور محاضراتها وتعود سريعاً إلى المنزل فحتى روحها المرحة قد فقدتها وحل مكانها الوجوم والحزن، رأت والدها يولج للغرفة فابتسمت له وعادت وانكبت على إنهاء ذلك الثوب قائلة:
–أيوة يا بابا خير فى حاجة
جلس منير على حافة الفراش :
–جيت أتكلم معاكى شوية علشان أنتى اليومين دول حاسس ان أنتى حزينة كأنك مش بنتى ضحى اللى اعرفها.
اغلقت زر الماكينة تضع الثوب جانباً وضعت رأسها بين يديها قائلة بخفوت:
–هو أنا بس زعلانة علشان ثراء سابتنى وسافرت وكانت هى صحبتى الوحيدة
ترك منير مكانه فأقترب منها يربت على كتفها مواسيا ً فتنهد قائلاً:
–عارف يا بنتى بس هى الدنيا كده لقاء وفراق ودايما الحزن بيبقى كبير على ناس غاليين
رفعت ضحى رأسها قائلة بهدوء:
–عارفة يا بابا بس أن الاقى نفسى بقيت وحيدة بعد ما كنا على طول سوا دلوقتى حتى الكلية مبقاش ليا نفس اروحها بس لازم اخلص دراستى
ابتسم لها والدها فأخرج من جيبة دفتر صغير وضعه أمامها قائلا بحنان:
–ضحى ده دفتر توفير كنت عاملهولك من زمان من غير ما تعرفى ولا حتى فايزة الله يرحمها كانت تعرف كنت بحوشلك فيه فلوس على ما تكبرى وهو فيه مبلغ كويس ايه رأيك لو تشوفى محل وتفتحيه تفصيل وتعملى ليكى شغل وأظن دلوقتى بقيتى تعرفى ناس وهيبقى ليكى زباين
تناولت ضحى الدفتر من يد والدها وهى لاتصدق فهذا ما كانت تحلم به أن تنشأ لها عمل خاص ولكن كانت تخشى ذلك نظرا لضيق ذات اليد فتهللت أساريرها وملأت الفرحة وجهها بشرا وسرورا
فهتفت قائلة بفرحة عارمة:
–بجد يا بابا أنا من زمان وده حلمى أن أفتح محل تفصيل بس كنت عارفة أن الظروف متسمحش دلوقتى أقدر أحقق حلمى يابابا
شعر منير بالسعادة لتلك الفرحة التى رآها على وجه ابنته فهتف قائلا بحماس:
–احنا ان شاء الله من بكرة ننزل ندور على محل فى حتة كويسة وأنتى ان شاء الله كام شهر وتخلصى دراستك يكون المحل بقى جاهز وتشتغلى على طول
تركت ضحى مكانها تقفز من سعادتها كطفلة صغيرة حصلت على حلواها فأقتربت من والدها تحتضنه قائلة بسعادة:
–شكرا يا بابا انت أحسن أب فى الدنيا دى كلها
كأنها بتلك الكلمات أزاحت عبأ كبير عن كاهله فهو كان يخشى أن تظل تتذكر ما فعله بوالداتها وتظل تتجنبه وتحترس فى معاملتها معه لكن عاد كل شئ كسابقيه وعادت له ابنته الحبيبة فهو يعلم انه لايستطيع أن يعيد الزمن للوراء ويصلح أخطاءه ولكنه سيحرص على جعل مستقبل أبنته أكتر سعادة وأماناً
________
حرص أمير على أن ينهى أعماله اليوم باكراً ويعود للمنزل فهو أراد أن يذهب لرؤية ثراء ولكنه تذكر أنها لن تسمح له بالاقتراب فلم يجد احد يساعده سوى والدته بعد أن انتهى من تبديل ثيابه هبط للطابق السفلى وجد والدته تجلس تتصفح مجلة بيدها فجلس بجوارها
رفعت سوزان رأسها عن المجلة تنظر لابنها المبتسم المحيا :
–مالك عايز تقول إيه قول يا أمير
كيف علمت أنه يريد منها شيئا فابتسمت سوزان كأنها تعلم ما يدور بخلد أبنها الآن
–أكيد بتفكر أنا عرفت ازاى انك عايز منى حاجة
هز أمير رأسه قائلا بفضول:
–أيوة عايز أعرف أنتى بقيتى تقرى الأفكار يا ماما
ألقت سوزان المجلة من يدها على المنضدة أمامها تستدير بجسدها حتى جلست مقابل له وضعت يدها أسفل ذقنه قائلة بمزاح:
–علشان أنت ابنى وأنا عرفاك ودى عادتك من زمان لما تكون عايز منى حاجة وعارف ان ممكن ارفض كنت تيجى تقعد جمبى وتبتسم كده على أساس يعنى أنك تصعب عليا وأوافق علشان كده بقولك عايز أيه يا أمير
حمحم أمير قائلا :
–عايزك تيجى معايا نزور ثراء
عبست ملامح وجه سوزان فهبت واقفة تعقد ذراعيها امام صدرها تنظر اليه بغضب:
–أنت كمان عايزنى أروح معاك أزورها أنت جرا ايه لعقلك يا أمير أنت ليه مصر تقرب منها تانى
اقترب أمير من والدته بعد أن ترك مكانه هو الآخر يناشدها بصوت أقرب للتوسل:
–ماما علشان خاطرى توافقى وحاولى تنسى اللى حصل من ثراء. تعالى معايا هى مش سمحالى أصلا أقرب منها ولا اكلمها لكن لو أنتى معايا جايز متبقاش محرجة انا بجد عايز اساعدها أنتى مشوفتهاش بقت عاملة ازاى فاكرة ثراء اللى كانت زى الوردة المفتحة دبلت يا ماما
تهدج صوته بجملته الأخيرة وهو بتذكر ملامح وجهها الحزينة لم تستطيع سوزان مجادلة أبنها بهذا الأمر فهى رأت تلك اللهفة بعينيه التى لم تراها منه سوى عندما يتحدث عن ثراء فقط
تنهدت سوزان بقلة حيلة قائلة:
–حاضر يا أمير هاجى معاك بس خليك فاكر أن تفكيرك ده والطريق اللى انت ناوى تمشى فيه آخرته مسدود
لم تزد كلمة أخرى وصعدت إلى غرفتها لترتدى ملابسها لم يشأ أمير التفكير في مغزى حديث والدته فهو لايريد التفكير بأى شئ سوى أنه يريد عودة ثراء إلى إشراقها وبهاءها مرة أخرى
أوقف أمير محرك السيارة أمام تلك البناية السكنية ذات الطابع الراقى اخرج هاتفه ليعلم ثراء بقدومه هو ووالدته
فتحت ثراء الهاتف تجيبه بهدوء:
–أيوة يا أمير
رد عليها أمير قائلا بحماس:
–ثراء أنا وماما تحت البيت ماما جاية حابة تشوفك لما عرفت انك هنا ممكن نطلع
اجابته ثراء قائلة على الفور:
–أه اتفضلوا تنوروا
بعد عدة دقائق فتحت ثراء الباب بابتسامة وهى ترى أمير ووالدته فهتفت قائلة:
–أهلا وسهلا اتفضلوا اتفضلى يا طنط سوزان
حملقت سوزان بوجه ثراء فهى كانت تظن أن ابنها يبالغ فى وصف حزنها ولكنها رأت الآن بعينيها ملامحها الذابلة وعلامات الحزن والارهاق التى اخذت منها كل مأخذ وجدت سوزان نفسها تقترب منها تحتضنها قائلة بابتسامة خفيفة:
–أزيك يا ثراء اخبارك ايه انا مصدقتش لما أمير قالى أنك هنا فى لندن عاملة ايه دلوقتى
بادلتها ثراء الابتسام تتنحى جانباً تشير إليهم بالدخول:
–الحمد لله اتفضلوا
دلفت سوزان برفقة أمير الذى ظل صامتا ً منذ صعوده إلى الشقة ذهبت ثراء لاعداد بعض المشروبات المرطبة فنظرت سوزان لابنها قائلة:
–يا خبر معقولة دى ثراء ايه اللى جرالها انا افتكرتك بتبالغ يا أمير ومجاش فى دماغى أنها ممكن تكون بالحالة دى
–صدقتينى دلوقتى يا ماما وكل ده كان بسبب جوزها اه لو بس أشوفه مش هسيبه إلا لو طلعت روحه فى ايدى الندل الجبان..
عادت إليهم ثراء تحمل بيدها المشروبات فبتر أمير بقية حديثه مدت يدها تناولهم أكواب العصير قائلة بابتسامة:
–اتفضلوا العصير
اخذت منها سوزان الكوب ووضعته ثانية على المنضدة فنظرت اليها مبتسمة ومدت يدها تتناول يد ثراء بين كفيها قائلة:
–ثراء أنا تقريبا عرفت أنتى هنا ليه وطبعا كل حاجة باينه على وشك وباين عليكى الحزن فأنا موجودة وأمير موجود واعتبرينا زى عيلتك اللى موجودة فى مصر واسمحيلنا ان احنا نقف جمبك فى محنتك علشان تتجاوزيها مفيش حاجة بتدوم على طول لا فرح ولا حزن فأعتبرينى حتى زى مامتك أنا منكرش ان اضايقت منك ومن تصرفك اللى حصل فى المستشفى وبرضه مكدبش عليكى مكنتش حابة أمير يرجع يفتح الموضوع ده تانى بس لما جيت وشوفت الحالة اللى أنتى فيها بجد مقدرتش أفتكر اى حاجة غير ان حابة أساعدك
برغم استياء ثراء من أمير لبوحه لوالدته بما حدث لها إلا إنها لم تنكر شعورها بالارتياح الذى عاودها ثانية من سماع حديث سوزان معها :
–شكرا يا طنط سوزان على ذوقك
ظلت سوزان تربت على يديها بحنو فظلوا وقتاً طويلا يتحدثت ويمزحن وكأنهن تناسين وجود أمير معهن إلا أنه لم يشعربالضيق فهو سعيد وهو يراها تبتسم وتضحك فربما تلك هى خطوة أولى لاعادتها مثل ما كانت عليه سابقاً
________
ركضت ميرا باسمة تقترب من شقيقها شهاب الذى حضر للتو لرؤيتها فهى منذ انتقالها مع أسرة عمها وهو يأتى دوماً للاطمئنان عليها فعلاقتهم أخذت فى طور التحسن عن ذى قبل
قبلته على وجنتيه قائلة بسعادة:
– اهلا يا شهاب عامل ايه
ربت شهاب على ظهرها قائلا :
–تمام يا حبيبتى أنتى عاملة ايه كويسة بابا بيسلم عليكى
لم تنكر حزنها لفراق أبيها فبالنهاية هو والدها فسألت شقيقها بلهفة:
–هو عامل ايه دلوقتى يا شهاب كويس
رد شهاب قائلا:
–الحمد لله هو تمام حتى بعتنى ليكى فى موضوع مهم
جلست ميرا برفقة شقيقها بحديقة المنزل فأرادت معرفة ماهية هذا الأمر الهام الذى يريد شقيقها اخبارها به
–خير يا شهاب فى إيه
ابتسم شهاب قائلا بابتسامة واسعة:
–الموضوع يا ستى أن فى عريس متقدملك هو شاب كويس أوى وأبن ناس فبابا بعتنى ليكى علشان أقولك على الموضوع وأعرف رأيك ولو وافقتى نتمم الموضوع
–بس أنا مش موافق
التفتت ميرا وشهاب خلفهم وجدوا حسام يبدو عليه أنه خرج للتو وضع يده بجيب بنطاله يطالعهم بهدوء
تعجب شهاب من قوله فهتف متسائلا:
–ومش موافق ليه يا حسام
أقترب حسام يرتاح بجلسته قائلاً بطيف ابتسامة:
–علشان يعنى مينفعش أوافق أن حد ييجى يطلب ويتجوز مراتى
صعقت ميرا قبل شقيقها من ذلك التصريح الذى أدلى به حسام لتوه فبما يهذى هو الآن فهذا ليس وقت المزاح
نظر شهاب لشقيقته قائلا بغضب:
–ميرا أنتى اتجوزتى من غير انا وبابا نعرف
حركت ميرا رأسها نفياً وهى تشعر بجفاف حلقها ولا تجد ما تقوله إلا انها أستطاعت تجاوز صدمة حديث حسام
–ابدا والله يا شهاب دا تلاقى حسام بيهزر مش أنت بتهزر يا حسام وربنا ما اتجوزنا يا شهاب
مال حسام بجسده قليلا للامام قائلا بضيق:
–نعم يا أختى ومالك بتتكلمى بقلب جامد كده أنتى موافقة على العريس اللى متقدملك طب دا انا كنت طلبتك فى بيت الطاعة حلوة أوى دى والله وأنت يا شهاب قول للعريس ده معندناش عرايس أختى خلاص هتتجوز ابن عمى وده اخر كلام واعملوا حسابكم الفرح بعد أسبوعين وأنتى انجزى وشوفى فستان الفرح على ما أشوف قاعة نعمل فيها الفرح ولا أقولك انا هعمله هنا فى الجنينة اذا ما اتجننتش وروحت اتجوزتك فى الحارة اللى اتربيت فيها وأنت يا شهاب قول لعمى عزام ان احنا جايين النهاردة نخطبها ونكتب الكتاب بالمرة أنا بفهم برضه فى الاصول وهسمحلك تاخدها معاك لحد يوم الفرح بس حسك عينك تخرجى هنا ولا هنا من غير ما أعرف ولا تأخدى أذنى عن اذنكم بقى هدخل أعرف الناس اللى جوا دول بقرراتى المصيرية وعلشان كمان كتر الكلام جوعنى
فغرت ميرا فاها وهى تستمع لكل ما قاله حسام ولم يكن شهاب بأقل صدمة منها فربما هذا الشاب مجنون فهو أملى عليهم قراراته بدون ان بتفوه احد منهم بكلمة
استطاع شهاب تجاوز دهشته قائلا بعدم فهم :
–هو حسام اتجنن ولا ايه حكايته هو على طول كده
افتر ثغرها عن ابتسامة وضاءة قائلة بسعادة:
–دا أحلى حاجة فيه جنانه
انتبهت على حالها فزاغت بنظراتها من شقيقها إلا إنه لم يمنع ابتسامته هو الآخر فهتف قائلا:
–دا أنتى باين عليكى موافقة بقى ماشى على العموم لو بيتكلم جد قومى يلا تعالى معايا على ما ييجى بسلامته يخطبك
تركت ميرا مكانها تركض إلى غرفتها تلملم اغراضها الضرورية فقط فهى ستعود إلى هنا ثانية ولكن ستعود زوجة حسام خرجت من الغرفة تحمل حقيبة صغيرة قابلها حسام قبل ان تهبط الدرج
–مش هقول تانى على موضوع الخروج من غير أذن ماشى يا ميرا
ارادت مشاكسته قليلا فهتفت بضيق مصطنع :
–أنا حرة يا حسام ثم أنا مش أمينة ياسى السيد
رفع احدى حاجبيه قائلا:
–بقى كده ماشى هنشوف يا ميرا صبرك عليا لما نكتب الكتاب ونتجوز
هربت ميرا من أمامه وخاصة وهو يتحداها بعينيه ان تخالف له أمرا فكم هى تحب إصراره على أن لايرى احد جمالها كأنه يريد أن يجعل جمالها هذا حكرا عليه هو فقط ولا يجعل أحد أخر يراها ،خرجت سميرة من الغرفة تسرع الخطى تكاد تحلق من شدة سعادتها فاليوم سيتقدم حسام لخطبة إبنة عمه ميرا فهى كانت بانتظار تلك اللحظة منذ سنوات وجدت زوجها والجميع بانتظارها
فهتفت قائلة بسعادة:
–يلا بينا أنا خلصت أهو ألف مبروك يا حبيبى وجه اليوم اللى استنيته من زمان يا واد يا حسام هتتجوز وتخلفلى عيال
ولكن غشى عينيها الحزن عندما تذكرت أن حسام لم يربطهم به سوى رابط الحب والمودة فرابط الدم لم يعد ضمن تلك الروابط التى تربطهم سويا
اغرورقت عيناها بالدموع تهتف بصوت متحشرج:
–معلش نسيت أن الفرحة دى من حق مامتك دلوقتى
نهضت فيروز عن مقعدها تقترب منها تحتصنها تمسح دموعها بحنو قائلة:
–متقوليش كده يا حاجة سميرة حسام هيفضل طول عمره حفيدكم مش شرط رابط الدم اللى يربط بين الناس ياما ناس رابطهم الدم وهم زى الأغراب لكن انتوا لو قعدت عمرى كله أشكركم مش هوفيكم حقكم واللى عملتوه مع أبنى والحب اللى حبتهوله ورعايتكم ليه ثم إن شاء الله حسام يتجوز ويخلف ونربيهم أنا وأنتى
ابتسمت سميرة من بين دموعها على ما تفوهت به فيروز فوجدت جمال يقترب من رضوان يربت على كتفه قائلا بابتسامة:
–حتى الحاج رضوان أن شاء الله هو اللى هيطلب ميرا بنت أخويا لحسام لانه جده وكبيرنا
بادله رضوان الابتسام :
–تسلموا على ذوقكم يا أبنى
دمعت عين حسام فمسحها قبل أن يلاحظ أحد يهتف بمزاح كعادته:
–ما يلا بينا بقى أحسن نروح نلاقى العروسة زهقت ونامت
تعالت ضحكات الجميع فذهبوا جميعاً إلى قصر عائلة الرافعى ،ولج جمال المنزل ينظر بعينيه يميناً ويساراً فهذا المنزل ولد به وقضى سنوات طفولته وشبابه حتى عندما تركه بعد زواجه من فيروز فعاد اليه بالاخير ولكن الآن يرى الحزن سكن كل أرجاء المنزل فلم يعد أحد يقيم به سوى عزام شقيقه وشهاب الذى رفض ترك والده بمفرده خاصة بعد سفر لبنى إلى الخارج
جلسوا بالصالون، دقائق وولج عزام برفقة شهاب طالعه جمال بنظرات مطولة فأين ذهبت هالة القوة التى كانت تحيط بشقيقه فهو يبدو على وجه التعب والإرهاق كمن لم ينم أو ينال راحته منذ سنوات غابرة
وجد نفسه يترك مكانه يقترب منه قائلا باهتمام:
–عزام مالك كده وشك باين عليه التعب والارهاق
ربت عزام على يد شقيقه الموضوعة على ذراعه يبتسم له فجمال مازال قلبه حانى حتى على من أساء التصرف معه
–أنا كويس يا جمال بس هو شوية إرهاق لسه زى ما أنت قلبك طيب وبتنسى الزعل بسرعة
زفر جمال بثقل قائلا:
–أعمل ايه بس يا عزام فى الأول والاخر انت اخويا الكبير
جلس عزام بجواره جمال فأشار لرضوان بأن يبدأ الحديث
حمحم رضوان قائلاً بهدوء:
–أحنا طبعا يشرفنا نطلب ايد بنتك لحسام حفيدنا هو طبعا اللى ليه الحق فى طلب أيدها دكتور جمال بس محبش يكسر بخاطرنا أنا ومراتى الصراحة عمرى ما شوفت كرم أخلاق وطيبة كده
حدق عزام بشقيقه بفخر فحقاً جمال مثال الطيبة والشهامة ،فتذكر طباعه الدنيئة شعر بوخز بقلبه على أفعاله السابقة لم يخرجه من أفكاره سوى ولوج أبنته ترتدى الحجاب فحتى شقيقه استطاع إصلاح ابنته فهل كان غافلاً لتلك الدرجة؟
أشارت إليها سميرة بالتقدم منها فاقتربت منها ميرا تجلس بينها وبين فيروز التى ربتت على يدها التى تفركها بتوتر وخجل ففيروز لم تفه بكلمة منذ دلوفها المنزل
بعد إعلان عزام موافقته لم تمنع سميرة نفسها من إطلاق الزغاريد بصوت رنان فلم تعرف من أين أتتها تلك القوة وهى أصبحت بمثل هذا العمر ولكن هذه هى الفرحة التى تنتظرها
اقترب شهاب من شقيقته قبلها على مقدمة رأسها قائلاً بسعادة:
–مبروك يا ميرا ربنا يتمم بخير
ردت ميرا قائلة بصوت خافت:
–الله يبارك فيك يا شهاب وعقبالك إن شاء الله
تم الإتفاق على عقد القران بالغد على أن يكون حفل الزفاف بعد أسبوعين فقط بسبب تلهف وإصرار حسام
ذهبت سميرة إلى ذلك الحى لدعوة معارفها لحضور حفل الزفاف أثناء صعودها الى شقتهم القديمة لمحت فتاة أمام الشقة الخاصة بأيسر فتذكرت إخبار حسام لهم بشأن ما فعله أيسر مع فتاة وجدتها كن بحاجة للمساعدة
هتفت بها سميرة بابتسامة:
–ازيك يا بنتى هو أنتوا اللى ساكنين فى شقة أيسر مش كده
هزت صافى رأسها بالايجاب :
–أيوة حضرتك أنا صافى وجدتى اسمها فريدة أتفضلى حضرتك أشربى حاجة
أقتربت منها سميرة :
–تشرفنا يابنتى تسلمى يارب أنا كنت بدعى سكان العمارة علشان فرح حفيدى ابقوا شرفونا خلوا أيسر يجيلكم الفرح هو يبقى صاحب حفيدى الروح بالروح وأكتر من الأخوات
أومأت صافى رأسها بالموافقة بعد اعطاء سميرة وعداً بالحضور فهى لا تجد ضررا فى الحضور طالما سيكون أيسر برفقتهن
_________
وقف أيسر يتابع تشييد المنزل الذى كانت تريده صغيرته فهو مازال متذكرا ذلك البيت الرملى الذى شيدته هى على الرمال فاراد أن يصبح حقيقة مثلما تمنت اقترب منه المهندس المختص بالبناء يصافحه بحرارة:
–اهلا يا دكتور أيسر
شد أيسر على يد المهندس يبادله المصافحة قائلا:
–اهلا بيك يا باشمهندس كده كل حاجة تمام التصميم كويس جدا زى ما كنت عاوز
رفع المهندس نظارته الشمسية الى منتصف رأسه قائلا بمهنية:
– إن شاء الله هتستلم البيت زى ما حضرتك طلبت وعلى أعلى مستوى كمان
حك أيسر مؤخرة عنقه وعيناه تتأمل كل زاوية من زوايا المنزل فحتى ألوانها المفضلة سيتم طلاء الجدران بها وكأنه بانتظارها أن تسكن ذلك المنزل برفقته بعد انتهاء جولته بالمنزل سمع بوق سيارة بالخارج فأقترب من البوابة الرئيسية وجد حسام فتح الباب فدلف بسيارته وقف بالقرب منه فترجل منها
أقترب منه قائلا بابتسامة:
–أنت فين يابنى عمال ادور عليك وبرن على تليفونك محدش بيرد
تحسس أيسر جيبه فأخرج هاتفه فنظر لحسام معتذرا:
–معلش التليفون عاملة على الصامت بس خير بدور عليها ليه عرفت ثراء فين يا حسام
شعر حسام بالأسف عليه فعيناه متلهفة تسبق لسانه فى السؤال عنها ولكن لا يوجد لديه جواب يرضيه ويبرد تلك النيران المشتعلة بقلبه منذ غيابها عنه
هتف حسام قائلا
–للأسف لاء بس جيت علشان اقولك أن فرحى الأسبوع الجاى
تهللت اسارير أيسر فاقترب من حسام يحتضنه يربت على ظهره بحبور:
–ألف مبروك يا حسام ربنا يتمم بخير بس مين العروسة
وثراء هتحضر الفرح يا حسام
رد حسام قائلا بمكر طفيف:
–حزر فزر مين العروسة
ازدادت ابتسامة أيسر قائلاً بثقة :
–أكيد ميرا بنت عمنا
رفع حسام حاجبه بتفكير:
–هو أنا كنت مفقوس أوى كده ما علينا المهم أكيد هتحضر الفرح احنا هنعمله فى قاعة…. ولا زم تيجى وإلا والله هزعل وللأسف ثراء مش هتحضر الفرح رافضة
فكر أيسر قليلا قبل أن يجيبه:
–وباباك ومامتك يا حسام أنت عارف هم زعلانين ومضايقين منى ومش عايز أضايقهم أكتر
وضع حسام يده على ذراع أيسر ليجعله ينصت لما يقوله:
–أيسر أنت صاحبى الوحيد وأكتر من اخويا وعارف أن برضه أختى مضايقة منك بس برضه عارف أنت بتحبها قد إيه وهو ده اللى مخلينى أدافع عنك وعايزك ترجعها وقولتلك لو مجتش الفرح هتبقى بزعل العمر كله أنا بقولك أهو وانا عملت الفرح فى القاعة مخصوص علشان تتجنب أى حرج ماشى وسلام بقى علشان عندى مشوار مع المهلبية بالمكسرات بتاعتى
فتح باب السيارة يتخذ مقعده خلف المقود وأخرج يده من النافذة يلوح لأيسر حتى قبل أن يتمكن أيسر من الرد عليه فهو ليس لديه عذر مقبول ليتجنب حضور حفل زفاف صديقه الوحيد فهو كان يمنى نفسه بحضور ثراء حفل زفاف شقيقها وربما يستطيع إصلاح ما أخطأ به ولكن حتى تلك الفرصة لن ينالها
_______
فكرت ثراء كثيراً بشأن حضورها حفل زفاف شقيقها وعندما تقنع ذاتها بحضوره تعدل عن قرارها سريعاً لاحتمال رؤية زوجها فبالأخير أيسر صديقه الوحيد زرعت غرفتها ذهاباً وأيابا وهى مازالت تفكر حتى يأست من التفكير وارتمت على المقعد المجاور لها وضعت رأسها بين يديها سمعت صوت جرس الباب فتركت مكانها لترى من أتى إليها فى هذا الوقت المتأخر
فتحت الباب قائلة بتعجب وغرابة:
–كارلا فى ايه مالك
ولجت كارلا تجر حقيبة ثيابها خلفها قائلة:
–اتخانقت مع أهلى وجاية أقعد عندك يومين ممكن
ابتسمت لها ثراء تشير إليها بالجلوس:
–تنورى يا كارلا بس خير اتخانقتى معاهم ليه
جلست كارلا حيث أشارت لها ثراء تخلع حذاءها:
–فى شاب والدى يعرفه والشاب ده سمج كده ورخم ودمه تقيل وعايز يتجوزنى فرفضت
تعجبت ثراء قليلا من حديثها فهتفت بها قائلة :
–غريبة هو أنتوا عندكم العادات دى أنتوا بلد متحرر يعنى واظن هنا كل واحد عايش براحته ومحدش بيغصب على حد فى موضوع الجواز ده حاجة غريبة فعلا
افتر ثغر كارلا عن ابتسامة واسعة قائلة بمزاح:
–أصل شكل بابا من القاعدة فى مصر بقى كده تخيلى كده بابا يجبلى عريس ويقولى أتجوزى ده وأنا أساساً لسه مخلصتش دراسة بذمتك شوفتى أنتى كده
ابتسمت ثراء ابتسامة واهنة قائلة :
–أه شوفت أنا برضه اتجوزت بالطريقة دى بس مختلفة شوية بابا مش هو اللى جابلى العريس لاء ودانى أنا له وجوزنى ليه وطلع مخادع وبيضحك عليا وواخدى وسيلة ينتقم بيها من عمنا بابا فكر أنه كده هيسعدنى ويسعده بس طلعت أن أنا اللى عايشة فى الوهم لوحدى جوزى فرح بجوازنا علشان لقانى كوبرى يعدى عليه ويوصل للى هو عاوزه
بعد أن ختمت حديثها وضعت وجهها بين كفيها فهى ما تفتئ تتذكر جراح قلبها تحاول أن تخفف من وطأة العذاب الذى تشعر به بنعتها له بتلك الصفات ولكن ما زادتها كلماتها سوى حزناً وألماً
اقتربت منها كارلا تربت على ذراعها قائلة :
–اهدى ثراء كل شئ هيبقى كويس مفيش حاجة بتفضل زى ماهى وهييجى عليكى يوم وتنسيه خالص
كم تأمل هى الآن أن يصبح نسيانه سهل المنال،بعد مكوث كارلا برفقتها أكتشفت أنها فتاة طيبة المعشر تتمتع بحس الفكاهة والدعابة ولديها أيضاً شخصية قوية
مرت الأيام سريعاً وحل يوم زفاف شقيقها حسام جلست ثراء وكارلا يشاهدون الهاتف ففيروز فتحت كاميرا الهاتف الخاص بها تنقل لها مراسم الزفاف حتى أقتربت من حسام وميرا قائلة بابتسامة:
–مبروك يا حبايبى وربنا يتمم بخير ثراء عايزة تقولكم مبروك
أخذ حسام الهاتف من والدته ينظر بشوق لشقيقته التى لم تسنح له الظروف بأن يحيا برفقتها وقت أطول فنظر اليها معاتباً
–كده يا ثراء متحضريش فرحى
جاهدت ثراء على أن يخرج صوتها طبيعياً بدون تلك الغصة التى علقت بحلقها :
–معلش يا حسام متزعلش منى ومبروك ليك أنت وميرا
اخذت ميرا الهاتف من حسام تطالعها بابتسامة:
–ثراء وحشتينا أوى مش ناوية ترجعى بقى
حملقت ثراء بميرا عبر الهاتف فكم كانت فاتنة وهى ترتدى ثوب زفافها وحجابها فابتسمت لها ابتسامة واسعة قائلة بسعادة لم تستشعرها منذ أن تركت المنزل:
–ألف مبروك يا ميرا بجد أنا فرحنالكم أوى ربنا يتمم بخير ويسعدكم
ظلت بعض الوقت تحدث حسام وميرا أخذت والداتها الهاتف تتنقل بين الحضور لنقل تلك الأجواء التى زخر بها حفل الزفاف اثناء تنقل فيروز وحديثها مع إحدى النساء لمحت ثراء وجهاً مألوفاً يقف بأحدى الزوايا كأنه يتوارى عن الحضور ظلت تطيل النظر بوجهه تحملق به كأنها تناست كل شئ إلا أنها تنظر إليه شعرت كارلا بغرابة من تحديق ثراء بالهاتف بدون أن يرف جفنيها
وكزتها بخفة فى كتفها قائلة بتساؤل:
–مالك يا ثراء بتبصى على ايه كده وساكتة وكأنك مش هنا
ألتفت ثراء إليها قائلة :
–ها بتقولى حاجة يا كارلا
أعادت عليها كارلا سؤالها :
–بقولك مالك ومين ده اللى بتبصى عليه وعينك هتطلع من مكانها كمان شوية كده
ردت عليها ثراء قائلة بهدوء:
–ده يبقى أيسر جوزى
نظرت كارلا الى الهاتف بتمعن لمعرفة أوصاف من أخبرتها ثراء بأنه زوجها فهتفت بعد دقيقتين من التحديق به قائلة:
–واوووو دا وسيم أوى يا ثراء
ابتسمت ثراء بألم فهى خُدعت بتلك الوسامة فلم ترد جواباً على ما قالته كارلا فعاودت النظر إلى الهاتف مرة أخرى فعلا صوت أنين قلبها تعاتب كل نبضة من نبضاته الأخرى كأنها تلومها على ذلك الخفقان الذى عاودها من جديد بعد رؤيته ،ولكن بلمحة واحدة تغيرت ملامح وجهها وكست ملامحها الغضب والوجوم والعبوس وهى ترى تلك الفتاة تقترب منه تناوله كأس من المشروبات المرطبة فهى لم تنسى وجه تلك الفتاة فهى سبقت ورأتها معه بشقته ذلك اليوم الذى أكتشفت به حقيقته رأته ياخذ منها الكوب بابتسامة فهل نسيها بهذة السرعة؟ هل هذا من أملت أن يجوب الأرض بحثاً عنها ؟ هل هذا الذى مازال قلبها يضع له أعذار ؟ فإلى متى ستظل حمقاء؟
فهذا ما سأله إياها عقلها
يتبع……..!!!!!!
–هو أنا ممكن أوافق أتجوز بس لو كان العريس أنت..
قطب حاجبيه بعد ما سمعه منها إلا أنه انفرجت أساريره بعد أن استطردت حديثها قائلة:
–قصدى لو كان العريس أنت موافق عليه ساعتها ممكن أوافق
شقت ابتسامة خفيفة شفتيه :
–أكيد طبعا مش هوافق على أى حد أنتى بقيتى دلوقتى مسئولة منى
ضمت يديها وهى تشعر بتلك الحرارة التى غزت وجنتيها من فرط خجلها الممزوج بسعادتها فكم أحبت هى تصريحه بأنها أصبحت مسئولة منه وستشغل ولو حيز ضئيل من حياته التى لا تعرف عنها سوى القليل عادت مرة أخرى إلى المطبخ لتكمل اعداد المشروبات وبعد أن انتهت خرجت تحملها بين يديها ووضعتها على تلك المنضدة الصغيرة ولكن عندما رفعت رأسها وجدته يحملق بها فعيناه لاترف كأن جمدتاً فجأة فكانت تلك هى المرة الأولى التى ترى بها لون عينيه بوضوح تلك العينان الخضراوتين برموشها السوداء الكثيفة خفضت بصرها سريعاً
رفعت يديها بفنجان القهوة خاصته:
–أتفضل يا أستاذ أيسر قهوتك
لم يجيبها فعلمت أنه يحملق فى الفراغ كأنه يرى اشباحاً أمامه فعاودت النداء مرة أخرى:
–أستاذ أيسر أستاذ أيسر
رفرفت عيناه عدة مرات قبل ان يجيبها:
–أيوة يا صافى فى ايه
كانت تلك هى المرة الأولى يناديها بأسمها فرفعت الفنجان حتى وصل مستوى بصره قائلة:
–قهوتك يا أستاذ أيسر
تناول من يدها الفنجان قائلا بابتسامة:
–ملوش لازمة تقوليلى أستاذ أيسر قوليلى أيسر عادى من غير ألقاب يا صافى
هزت رأسها وهى تشعر بنبض فى أذنيها من شدة دقات قلبها قائلة بصوت منخفض:
–ماشى يا أيسر
تناول أيسر فنجان قهوته وكل رشفة منها يتذكر تلك التى رحلت عنه فهى كانت تحب احتساء القهوة بالحليب
تنهد شوقاً هامسا بداخله:
–وحشتينى يا نور عيونى معقولة أكون مش واحشك وقدرتى تكرهينى بالسرعة دى قلبك مش مشتاق ليها زى قلبى ما خلاص قرب يموت من اشتياقه ليكى
بعد أن فرغ من احتساء فنجانه هب واقفا يريد المغادرة فهو يريد العودة إلى غرفته التى يدفن بين جدرانها لوعة الفراق التى كادت أن تقضى على ما تبقى من قلبه فلو الجدران قادرة على الحديث كانت أخبرت الجميع عما يعانيه عندما يكون بمفرده يظل يلوم نفسه حتى انهكها من كثرة اللوم والعتاب ولكن هو من فعل كل هذا بنفسه من البداية عندما قرر الانتقام ولكن أتى انتقامه بثماره فهو الآن خسر كل غالى لديه وتمثل كل غالى ونفيس لديه فى فتاة نظرة واحدة من عسليتها قادرة على اغراقه فى بحور الشوق والهوى شعر بحاجته للصراخ فلم يمنع نفسه
فركع على ركبتيه صارخا:
–أااااااااااااااااااه
كم تؤلمه تلك الكلمة أكثر من كتمانها فإلى متى سيظل يعانى هل كتب عليه أن لاتزوره السعادة أبدا هل ألقى عليه تعويذة الحزن فستظل تلازمه حتى يفارق الحياة هل أيامه السعيدة لن ينالها فى دنياه تكاثرت الاسئلة برأسه ولكن ليس لديه إجابة واحدة على أى منها
_________
–وأنتى عاملة ايه دلوقتى يا حبيبة قلب ماما
قالتها فيروز وهى تتطلع لوجه ابنتها عبر شاشة الهاتف بشوق ودموع انسكبت على وجنتيها كالعادة عندما تسمع صوتها
رد ثراء قائلة بابتسامة واهنة:
–الحمد لله يا ماما انتوا عاملين إيه كويسين
تلمست فيروز شاشة الهاتف قائلة بحب:
–الحمد لله يا قلب ماما ثراء ارجعى يا حبيبتى بلاش تبعدى عنى انا بموت من غيرك يا بنتى ارجعى واوعدك أن جوزك مش هيعرف يقرب منك بس ارجعى أنا بقيت عين فى الجنة وعين فى النار من ناحية أنتى ومن ناحية تانية باباكى واخوكى حسام
حاولت ثراء أن تطمئن والداتها فهتف بهدوء:
–ماما أنا كويسة وانا اللى طلبت منكم محدش يسافر معايا فبلاش تزعلى انا كويسة وبروح الكلية وان شاء الله اخلص دراسة واعمل الماجستير والدكتوراه كمان
حملقت فيروز بالهاتف قائلة :
–هو أنتى ناوية تقعدى ده كله يا ثراء دا أنا قولت لو شهر شهرين وهترجعى عايزة تبعدى سنين لاء طبعا أنتى ترجعى حالا وكملى دراستك هنا زى الأول وخدى الدكتوراه براحتك لكن متبعديش ده كله
تنهدت ثراء قائلة بهدوء:
–ما أكيد يا ماما هتيجى تزورينى أنتى وبابا وتشوفونى بس من غير حسام ما يعرف يا ماما
تعجبت فيروز قليلا من إصرار ثراء على عدم حضور شقيقها برفقتهم
–ليه يا حبيبتى مش عايزة اخوكى ييجى معانا يشوفك ويطمن عليكى
حاولت ثراء حبس دموعها التى باتت تهدد بسقوطها :
–علشان أكيد هيقول لأيسر يا ماما أنتى متعرفيش اخر مرة كلمنى فيها كان معاه وكان بيكلمنى ولقيت أيسر طلع فى وشى فى التليفون فعلشان حسام مش هيقدر يخبى عليه
فهمت فيروز مقصد ابنتها فحاولت التخفيف عنها قائلة بابتسامة:
–شكل كده حسام اخوكى عينيه من ميرا بنت عمك
–بجد يا ماما
قالتها ثراء بابتسامة واسعة وهى لا تصدق ما تسمعه
هزت فيروز رأسها بتأكيد:
–أيوة هو عامل نفسه حويط بس انا قفشته وهى كمان باين عليها حبته
تمنت ثراء بداخلها التوفيق لشقيقها وابنة عمها فمن يصدق أن ميرا أصبحت الآن فتاة أخرى غير تلك الفتاة التى اعتاد الجميع أن يراها متعجرفة وتسئ معاملة من أدنى منها شأناً فربما الحب قادر على فعل المعجزات إلا أنها فقدت تصديقها بتلك المقولة فربما الحب موجود ولكن للأخرين وليس لها فهى فشلت بأول قصة حب لها وأنتهى بها المطاف تاركة اهلها وذويها تعيش بمفردها فى بلد غريب وكل هذا بسبب إيمانها بالحب
_________
تردى صوت ماكينة الحياكة داخل الغرفة فهى تعمل على إنهاء ذلك الثوب منذ قرابة الساعتين إلا أنها لا تستطيع التركيز فمنذ سفر ثراء وهى تشعر بحالة من التيه والوحدة حتى أنها تذهب لحضور محاضراتها وتعود سريعاً إلى المنزل فحتى روحها المرحة قد فقدتها وحل مكانها الوجوم والحزن، رأت والدها يولج للغرفة فابتسمت له وعادت وانكبت على إنهاء ذلك الثوب قائلة:
–أيوة يا بابا خير فى حاجة
جلس منير على حافة الفراش :
–جيت أتكلم معاكى شوية علشان أنتى اليومين دول حاسس ان أنتى حزينة كأنك مش بنتى ضحى اللى اعرفها.
اغلقت زر الماكينة تضع الثوب جانباً وضعت رأسها بين يديها قائلة بخفوت:
–هو أنا بس زعلانة علشان ثراء سابتنى وسافرت وكانت هى صحبتى الوحيدة
ترك منير مكانه فأقترب منها يربت على كتفها مواسيا ً فتنهد قائلاً:
–عارف يا بنتى بس هى الدنيا كده لقاء وفراق ودايما الحزن بيبقى كبير على ناس غاليين
رفعت ضحى رأسها قائلة بهدوء:
–عارفة يا بابا بس أن الاقى نفسى بقيت وحيدة بعد ما كنا على طول سوا دلوقتى حتى الكلية مبقاش ليا نفس اروحها بس لازم اخلص دراستى
ابتسم لها والدها فأخرج من جيبة دفتر صغير وضعه أمامها قائلا بحنان:
–ضحى ده دفتر توفير كنت عاملهولك من زمان من غير ما تعرفى ولا حتى فايزة الله يرحمها كانت تعرف كنت بحوشلك فيه فلوس على ما تكبرى وهو فيه مبلغ كويس ايه رأيك لو تشوفى محل وتفتحيه تفصيل وتعملى ليكى شغل وأظن دلوقتى بقيتى تعرفى ناس وهيبقى ليكى زباين
تناولت ضحى الدفتر من يد والدها وهى لاتصدق فهذا ما كانت تحلم به أن تنشأ لها عمل خاص ولكن كانت تخشى ذلك نظرا لضيق ذات اليد فتهللت أساريرها وملأت الفرحة وجهها بشرا وسرورا
فهتفت قائلة بفرحة عارمة:
–بجد يا بابا أنا من زمان وده حلمى أن أفتح محل تفصيل بس كنت عارفة أن الظروف متسمحش دلوقتى أقدر أحقق حلمى يابابا
شعر منير بالسعادة لتلك الفرحة التى رآها على وجه ابنته فهتف قائلا بحماس:
–احنا ان شاء الله من بكرة ننزل ندور على محل فى حتة كويسة وأنتى ان شاء الله كام شهر وتخلصى دراستك يكون المحل بقى جاهز وتشتغلى على طول
تركت ضحى مكانها تقفز من سعادتها كطفلة صغيرة حصلت على حلواها فأقتربت من والدها تحتضنه قائلة بسعادة:
–شكرا يا بابا انت أحسن أب فى الدنيا دى كلها
كأنها بتلك الكلمات أزاحت عبأ كبير عن كاهله فهو كان يخشى أن تظل تتذكر ما فعله بوالداتها وتظل تتجنبه وتحترس فى معاملتها معه لكن عاد كل شئ كسابقيه وعادت له ابنته الحبيبة فهو يعلم انه لايستطيع أن يعيد الزمن للوراء ويصلح أخطاءه ولكنه سيحرص على جعل مستقبل أبنته أكتر سعادة وأماناً
________
حرص أمير على أن ينهى أعماله اليوم باكراً ويعود للمنزل فهو أراد أن يذهب لرؤية ثراء ولكنه تذكر أنها لن تسمح له بالاقتراب فلم يجد احد يساعده سوى والدته بعد أن انتهى من تبديل ثيابه هبط للطابق السفلى وجد والدته تجلس تتصفح مجلة بيدها فجلس بجوارها
رفعت سوزان رأسها عن المجلة تنظر لابنها المبتسم المحيا :
–مالك عايز تقول إيه قول يا أمير
كيف علمت أنه يريد منها شيئا فابتسمت سوزان كأنها تعلم ما يدور بخلد أبنها الآن
–أكيد بتفكر أنا عرفت ازاى انك عايز منى حاجة
هز أمير رأسه قائلا بفضول:
–أيوة عايز أعرف أنتى بقيتى تقرى الأفكار يا ماما
ألقت سوزان المجلة من يدها على المنضدة أمامها تستدير بجسدها حتى جلست مقابل له وضعت يدها أسفل ذقنه قائلة بمزاح:
–علشان أنت ابنى وأنا عرفاك ودى عادتك من زمان لما تكون عايز منى حاجة وعارف ان ممكن ارفض كنت تيجى تقعد جمبى وتبتسم كده على أساس يعنى أنك تصعب عليا وأوافق علشان كده بقولك عايز أيه يا أمير
حمحم أمير قائلا :
–عايزك تيجى معايا نزور ثراء
عبست ملامح وجه سوزان فهبت واقفة تعقد ذراعيها امام صدرها تنظر اليه بغضب:
–أنت كمان عايزنى أروح معاك أزورها أنت جرا ايه لعقلك يا أمير أنت ليه مصر تقرب منها تانى
اقترب أمير من والدته بعد أن ترك مكانه هو الآخر يناشدها بصوت أقرب للتوسل:
–ماما علشان خاطرى توافقى وحاولى تنسى اللى حصل من ثراء. تعالى معايا هى مش سمحالى أصلا أقرب منها ولا اكلمها لكن لو أنتى معايا جايز متبقاش محرجة انا بجد عايز اساعدها أنتى مشوفتهاش بقت عاملة ازاى فاكرة ثراء اللى كانت زى الوردة المفتحة دبلت يا ماما
تهدج صوته بجملته الأخيرة وهو بتذكر ملامح وجهها الحزينة لم تستطيع سوزان مجادلة أبنها بهذا الأمر فهى رأت تلك اللهفة بعينيه التى لم تراها منه سوى عندما يتحدث عن ثراء فقط
تنهدت سوزان بقلة حيلة قائلة:
–حاضر يا أمير هاجى معاك بس خليك فاكر أن تفكيرك ده والطريق اللى انت ناوى تمشى فيه آخرته مسدود
لم تزد كلمة أخرى وصعدت إلى غرفتها لترتدى ملابسها لم يشأ أمير التفكير في مغزى حديث والدته فهو لايريد التفكير بأى شئ سوى أنه يريد عودة ثراء إلى إشراقها وبهاءها مرة أخرى
أوقف أمير محرك السيارة أمام تلك البناية السكنية ذات الطابع الراقى اخرج هاتفه ليعلم ثراء بقدومه هو ووالدته
فتحت ثراء الهاتف تجيبه بهدوء:
–أيوة يا أمير
رد عليها أمير قائلا بحماس:
–ثراء أنا وماما تحت البيت ماما جاية حابة تشوفك لما عرفت انك هنا ممكن نطلع
اجابته ثراء قائلة على الفور:
–أه اتفضلوا تنوروا
بعد عدة دقائق فتحت ثراء الباب بابتسامة وهى ترى أمير ووالدته فهتفت قائلة:
–أهلا وسهلا اتفضلوا اتفضلى يا طنط سوزان
حملقت سوزان بوجه ثراء فهى كانت تظن أن ابنها يبالغ فى وصف حزنها ولكنها رأت الآن بعينيها ملامحها الذابلة وعلامات الحزن والارهاق التى اخذت منها كل مأخذ وجدت سوزان نفسها تقترب منها تحتضنها قائلة بابتسامة خفيفة:
–أزيك يا ثراء اخبارك ايه انا مصدقتش لما أمير قالى أنك هنا فى لندن عاملة ايه دلوقتى
بادلتها ثراء الابتسام تتنحى جانباً تشير إليهم بالدخول:
–الحمد لله اتفضلوا
دلفت سوزان برفقة أمير الذى ظل صامتا ً منذ صعوده إلى الشقة ذهبت ثراء لاعداد بعض المشروبات المرطبة فنظرت سوزان لابنها قائلة:
–يا خبر معقولة دى ثراء ايه اللى جرالها انا افتكرتك بتبالغ يا أمير ومجاش فى دماغى أنها ممكن تكون بالحالة دى
–صدقتينى دلوقتى يا ماما وكل ده كان بسبب جوزها اه لو بس أشوفه مش هسيبه إلا لو طلعت روحه فى ايدى الندل الجبان..
عادت إليهم ثراء تحمل بيدها المشروبات فبتر أمير بقية حديثه مدت يدها تناولهم أكواب العصير قائلة بابتسامة:
–اتفضلوا العصير
اخذت منها سوزان الكوب ووضعته ثانية على المنضدة فنظرت اليها مبتسمة ومدت يدها تتناول يد ثراء بين كفيها قائلة:
–ثراء أنا تقريبا عرفت أنتى هنا ليه وطبعا كل حاجة باينه على وشك وباين عليكى الحزن فأنا موجودة وأمير موجود واعتبرينا زى عيلتك اللى موجودة فى مصر واسمحيلنا ان احنا نقف جمبك فى محنتك علشان تتجاوزيها مفيش حاجة بتدوم على طول لا فرح ولا حزن فأعتبرينى حتى زى مامتك أنا منكرش ان اضايقت منك ومن تصرفك اللى حصل فى المستشفى وبرضه مكدبش عليكى مكنتش حابة أمير يرجع يفتح الموضوع ده تانى بس لما جيت وشوفت الحالة اللى أنتى فيها بجد مقدرتش أفتكر اى حاجة غير ان حابة أساعدك
برغم استياء ثراء من أمير لبوحه لوالدته بما حدث لها إلا إنها لم تنكر شعورها بالارتياح الذى عاودها ثانية من سماع حديث سوزان معها :
–شكرا يا طنط سوزان على ذوقك
ظلت سوزان تربت على يديها بحنو فظلوا وقتاً طويلا يتحدثت ويمزحن وكأنهن تناسين وجود أمير معهن إلا أنه لم يشعربالضيق فهو سعيد وهو يراها تبتسم وتضحك فربما تلك هى خطوة أولى لاعادتها مثل ما كانت عليه سابقاً
________
ركضت ميرا باسمة تقترب من شقيقها شهاب الذى حضر للتو لرؤيتها فهى منذ انتقالها مع أسرة عمها وهو يأتى دوماً للاطمئنان عليها فعلاقتهم أخذت فى طور التحسن عن ذى قبل
قبلته على وجنتيه قائلة بسعادة:
– اهلا يا شهاب عامل ايه
ربت شهاب على ظهرها قائلا :
–تمام يا حبيبتى أنتى عاملة ايه كويسة بابا بيسلم عليكى
لم تنكر حزنها لفراق أبيها فبالنهاية هو والدها فسألت شقيقها بلهفة:
–هو عامل ايه دلوقتى يا شهاب كويس
رد شهاب قائلا:
–الحمد لله هو تمام حتى بعتنى ليكى فى موضوع مهم
جلست ميرا برفقة شقيقها بحديقة المنزل فأرادت معرفة ماهية هذا الأمر الهام الذى يريد شقيقها اخبارها به
–خير يا شهاب فى إيه
ابتسم شهاب قائلا بابتسامة واسعة:
–الموضوع يا ستى أن فى عريس متقدملك هو شاب كويس أوى وأبن ناس فبابا بعتنى ليكى علشان أقولك على الموضوع وأعرف رأيك ولو وافقتى نتمم الموضوع
–بس أنا مش موافق
التفتت ميرا وشهاب خلفهم وجدوا حسام يبدو عليه أنه خرج للتو وضع يده بجيب بنطاله يطالعهم بهدوء
تعجب شهاب من قوله فهتف متسائلا:
–ومش موافق ليه يا حسام
أقترب حسام يرتاح بجلسته قائلاً بطيف ابتسامة:
–علشان يعنى مينفعش أوافق أن حد ييجى يطلب ويتجوز مراتى
صعقت ميرا قبل شقيقها من ذلك التصريح الذى أدلى به حسام لتوه فبما يهذى هو الآن فهذا ليس وقت المزاح
نظر شهاب لشقيقته قائلا بغضب:
–ميرا أنتى اتجوزتى من غير انا وبابا نعرف
حركت ميرا رأسها نفياً وهى تشعر بجفاف حلقها ولا تجد ما تقوله إلا انها أستطاعت تجاوز صدمة حديث حسام
–ابدا والله يا شهاب دا تلاقى حسام بيهزر مش أنت بتهزر يا حسام وربنا ما اتجوزنا يا شهاب
مال حسام بجسده قليلا للامام قائلا بضيق:
–نعم يا أختى ومالك بتتكلمى بقلب جامد كده أنتى موافقة على العريس اللى متقدملك طب دا انا كنت طلبتك فى بيت الطاعة حلوة أوى دى والله وأنت يا شهاب قول للعريس ده معندناش عرايس أختى خلاص هتتجوز ابن عمى وده اخر كلام واعملوا حسابكم الفرح بعد أسبوعين وأنتى انجزى وشوفى فستان الفرح على ما أشوف قاعة نعمل فيها الفرح ولا أقولك انا هعمله هنا فى الجنينة اذا ما اتجننتش وروحت اتجوزتك فى الحارة اللى اتربيت فيها وأنت يا شهاب قول لعمى عزام ان احنا جايين النهاردة نخطبها ونكتب الكتاب بالمرة أنا بفهم برضه فى الاصول وهسمحلك تاخدها معاك لحد يوم الفرح بس حسك عينك تخرجى هنا ولا هنا من غير ما أعرف ولا تأخدى أذنى عن اذنكم بقى هدخل أعرف الناس اللى جوا دول بقرراتى المصيرية وعلشان كمان كتر الكلام جوعنى
فغرت ميرا فاها وهى تستمع لكل ما قاله حسام ولم يكن شهاب بأقل صدمة منها فربما هذا الشاب مجنون فهو أملى عليهم قراراته بدون ان بتفوه احد منهم بكلمة
استطاع شهاب تجاوز دهشته قائلا بعدم فهم :
–هو حسام اتجنن ولا ايه حكايته هو على طول كده
افتر ثغرها عن ابتسامة وضاءة قائلة بسعادة:
–دا أحلى حاجة فيه جنانه
انتبهت على حالها فزاغت بنظراتها من شقيقها إلا إنه لم يمنع ابتسامته هو الآخر فهتف قائلا:
–دا أنتى باين عليكى موافقة بقى ماشى على العموم لو بيتكلم جد قومى يلا تعالى معايا على ما ييجى بسلامته يخطبك
تركت ميرا مكانها تركض إلى غرفتها تلملم اغراضها الضرورية فقط فهى ستعود إلى هنا ثانية ولكن ستعود زوجة حسام خرجت من الغرفة تحمل حقيبة صغيرة قابلها حسام قبل ان تهبط الدرج
–مش هقول تانى على موضوع الخروج من غير أذن ماشى يا ميرا
ارادت مشاكسته قليلا فهتفت بضيق مصطنع :
–أنا حرة يا حسام ثم أنا مش أمينة ياسى السيد
رفع احدى حاجبيه قائلا:
–بقى كده ماشى هنشوف يا ميرا صبرك عليا لما نكتب الكتاب ونتجوز
هربت ميرا من أمامه وخاصة وهو يتحداها بعينيه ان تخالف له أمرا فكم هى تحب إصراره على أن لايرى احد جمالها كأنه يريد أن يجعل جمالها هذا حكرا عليه هو فقط ولا يجعل أحد أخر يراها ،خرجت سميرة من الغرفة تسرع الخطى تكاد تحلق من شدة سعادتها فاليوم سيتقدم حسام لخطبة إبنة عمه ميرا فهى كانت بانتظار تلك اللحظة منذ سنوات وجدت زوجها والجميع بانتظارها
فهتفت قائلة بسعادة:
–يلا بينا أنا خلصت أهو ألف مبروك يا حبيبى وجه اليوم اللى استنيته من زمان يا واد يا حسام هتتجوز وتخلفلى عيال
ولكن غشى عينيها الحزن عندما تذكرت أن حسام لم يربطهم به سوى رابط الحب والمودة فرابط الدم لم يعد ضمن تلك الروابط التى تربطهم سويا
اغرورقت عيناها بالدموع تهتف بصوت متحشرج:
–معلش نسيت أن الفرحة دى من حق مامتك دلوقتى
نهضت فيروز عن مقعدها تقترب منها تحتصنها تمسح دموعها بحنو قائلة:
–متقوليش كده يا حاجة سميرة حسام هيفضل طول عمره حفيدكم مش شرط رابط الدم اللى يربط بين الناس ياما ناس رابطهم الدم وهم زى الأغراب لكن انتوا لو قعدت عمرى كله أشكركم مش هوفيكم حقكم واللى عملتوه مع أبنى والحب اللى حبتهوله ورعايتكم ليه ثم إن شاء الله حسام يتجوز ويخلف ونربيهم أنا وأنتى
ابتسمت سميرة من بين دموعها على ما تفوهت به فيروز فوجدت جمال يقترب من رضوان يربت على كتفه قائلا بابتسامة:
–حتى الحاج رضوان أن شاء الله هو اللى هيطلب ميرا بنت أخويا لحسام لانه جده وكبيرنا
بادله رضوان الابتسام :
–تسلموا على ذوقكم يا أبنى
دمعت عين حسام فمسحها قبل أن يلاحظ أحد يهتف بمزاح كعادته:
–ما يلا بينا بقى أحسن نروح نلاقى العروسة زهقت ونامت
تعالت ضحكات الجميع فذهبوا جميعاً إلى قصر عائلة الرافعى ،ولج جمال المنزل ينظر بعينيه يميناً ويساراً فهذا المنزل ولد به وقضى سنوات طفولته وشبابه حتى عندما تركه بعد زواجه من فيروز فعاد اليه بالاخير ولكن الآن يرى الحزن سكن كل أرجاء المنزل فلم يعد أحد يقيم به سوى عزام شقيقه وشهاب الذى رفض ترك والده بمفرده خاصة بعد سفر لبنى إلى الخارج
جلسوا بالصالون، دقائق وولج عزام برفقة شهاب طالعه جمال بنظرات مطولة فأين ذهبت هالة القوة التى كانت تحيط بشقيقه فهو يبدو على وجه التعب والإرهاق كمن لم ينم أو ينال راحته منذ سنوات غابرة
وجد نفسه يترك مكانه يقترب منه قائلا باهتمام:
–عزام مالك كده وشك باين عليه التعب والارهاق
ربت عزام على يد شقيقه الموضوعة على ذراعه يبتسم له فجمال مازال قلبه حانى حتى على من أساء التصرف معه
–أنا كويس يا جمال بس هو شوية إرهاق لسه زى ما أنت قلبك طيب وبتنسى الزعل بسرعة
زفر جمال بثقل قائلا:
–أعمل ايه بس يا عزام فى الأول والاخر انت اخويا الكبير
جلس عزام بجواره جمال فأشار لرضوان بأن يبدأ الحديث
حمحم رضوان قائلاً بهدوء:
–أحنا طبعا يشرفنا نطلب ايد بنتك لحسام حفيدنا هو طبعا اللى ليه الحق فى طلب أيدها دكتور جمال بس محبش يكسر بخاطرنا أنا ومراتى الصراحة عمرى ما شوفت كرم أخلاق وطيبة كده
حدق عزام بشقيقه بفخر فحقاً جمال مثال الطيبة والشهامة ،فتذكر طباعه الدنيئة شعر بوخز بقلبه على أفعاله السابقة لم يخرجه من أفكاره سوى ولوج أبنته ترتدى الحجاب فحتى شقيقه استطاع إصلاح ابنته فهل كان غافلاً لتلك الدرجة؟
أشارت إليها سميرة بالتقدم منها فاقتربت منها ميرا تجلس بينها وبين فيروز التى ربتت على يدها التى تفركها بتوتر وخجل ففيروز لم تفه بكلمة منذ دلوفها المنزل
بعد إعلان عزام موافقته لم تمنع سميرة نفسها من إطلاق الزغاريد بصوت رنان فلم تعرف من أين أتتها تلك القوة وهى أصبحت بمثل هذا العمر ولكن هذه هى الفرحة التى تنتظرها
اقترب شهاب من شقيقته قبلها على مقدمة رأسها قائلاً بسعادة:
–مبروك يا ميرا ربنا يتمم بخير
ردت ميرا قائلة بصوت خافت:
–الله يبارك فيك يا شهاب وعقبالك إن شاء الله
تم الإتفاق على عقد القران بالغد على أن يكون حفل الزفاف بعد أسبوعين فقط بسبب تلهف وإصرار حسام
ذهبت سميرة إلى ذلك الحى لدعوة معارفها لحضور حفل الزفاف أثناء صعودها الى شقتهم القديمة لمحت فتاة أمام الشقة الخاصة بأيسر فتذكرت إخبار حسام لهم بشأن ما فعله أيسر مع فتاة وجدتها كن بحاجة للمساعدة
هتفت بها سميرة بابتسامة:
–ازيك يا بنتى هو أنتوا اللى ساكنين فى شقة أيسر مش كده
هزت صافى رأسها بالايجاب :
–أيوة حضرتك أنا صافى وجدتى اسمها فريدة أتفضلى حضرتك أشربى حاجة
أقتربت منها سميرة :
–تشرفنا يابنتى تسلمى يارب أنا كنت بدعى سكان العمارة علشان فرح حفيدى ابقوا شرفونا خلوا أيسر يجيلكم الفرح هو يبقى صاحب حفيدى الروح بالروح وأكتر من الأخوات
أومأت صافى رأسها بالموافقة بعد اعطاء سميرة وعداً بالحضور فهى لا تجد ضررا فى الحضور طالما سيكون أيسر برفقتهن
_________
وقف أيسر يتابع تشييد المنزل الذى كانت تريده صغيرته فهو مازال متذكرا ذلك البيت الرملى الذى شيدته هى على الرمال فاراد أن يصبح حقيقة مثلما تمنت اقترب منه المهندس المختص بالبناء يصافحه بحرارة:
–اهلا يا دكتور أيسر
شد أيسر على يد المهندس يبادله المصافحة قائلا:
–اهلا بيك يا باشمهندس كده كل حاجة تمام التصميم كويس جدا زى ما كنت عاوز
رفع المهندس نظارته الشمسية الى منتصف رأسه قائلا بمهنية:
– إن شاء الله هتستلم البيت زى ما حضرتك طلبت وعلى أعلى مستوى كمان
حك أيسر مؤخرة عنقه وعيناه تتأمل كل زاوية من زوايا المنزل فحتى ألوانها المفضلة سيتم طلاء الجدران بها وكأنه بانتظارها أن تسكن ذلك المنزل برفقته بعد انتهاء جولته بالمنزل سمع بوق سيارة بالخارج فأقترب من البوابة الرئيسية وجد حسام فتح الباب فدلف بسيارته وقف بالقرب منه فترجل منها
أقترب منه قائلا بابتسامة:
–أنت فين يابنى عمال ادور عليك وبرن على تليفونك محدش بيرد
تحسس أيسر جيبه فأخرج هاتفه فنظر لحسام معتذرا:
–معلش التليفون عاملة على الصامت بس خير بدور عليها ليه عرفت ثراء فين يا حسام
شعر حسام بالأسف عليه فعيناه متلهفة تسبق لسانه فى السؤال عنها ولكن لا يوجد لديه جواب يرضيه ويبرد تلك النيران المشتعلة بقلبه منذ غيابها عنه
هتف حسام قائلا
–للأسف لاء بس جيت علشان اقولك أن فرحى الأسبوع الجاى
تهللت اسارير أيسر فاقترب من حسام يحتضنه يربت على ظهره بحبور:
–ألف مبروك يا حسام ربنا يتمم بخير بس مين العروسة
وثراء هتحضر الفرح يا حسام
رد حسام قائلا بمكر طفيف:
–حزر فزر مين العروسة
ازدادت ابتسامة أيسر قائلاً بثقة :
–أكيد ميرا بنت عمنا
رفع حسام حاجبه بتفكير:
–هو أنا كنت مفقوس أوى كده ما علينا المهم أكيد هتحضر الفرح احنا هنعمله فى قاعة…. ولا زم تيجى وإلا والله هزعل وللأسف ثراء مش هتحضر الفرح رافضة
فكر أيسر قليلا قبل أن يجيبه:
–وباباك ومامتك يا حسام أنت عارف هم زعلانين ومضايقين منى ومش عايز أضايقهم أكتر
وضع حسام يده على ذراع أيسر ليجعله ينصت لما يقوله:
–أيسر أنت صاحبى الوحيد وأكتر من اخويا وعارف أن برضه أختى مضايقة منك بس برضه عارف أنت بتحبها قد إيه وهو ده اللى مخلينى أدافع عنك وعايزك ترجعها وقولتلك لو مجتش الفرح هتبقى بزعل العمر كله أنا بقولك أهو وانا عملت الفرح فى القاعة مخصوص علشان تتجنب أى حرج ماشى وسلام بقى علشان عندى مشوار مع المهلبية بالمكسرات بتاعتى
فتح باب السيارة يتخذ مقعده خلف المقود وأخرج يده من النافذة يلوح لأيسر حتى قبل أن يتمكن أيسر من الرد عليه فهو ليس لديه عذر مقبول ليتجنب حضور حفل زفاف صديقه الوحيد فهو كان يمنى نفسه بحضور ثراء حفل زفاف شقيقها وربما يستطيع إصلاح ما أخطأ به ولكن حتى تلك الفرصة لن ينالها
_______
فكرت ثراء كثيراً بشأن حضورها حفل زفاف شقيقها وعندما تقنع ذاتها بحضوره تعدل عن قرارها سريعاً لاحتمال رؤية زوجها فبالأخير أيسر صديقه الوحيد زرعت غرفتها ذهاباً وأيابا وهى مازالت تفكر حتى يأست من التفكير وارتمت على المقعد المجاور لها وضعت رأسها بين يديها سمعت صوت جرس الباب فتركت مكانها لترى من أتى إليها فى هذا الوقت المتأخر
فتحت الباب قائلة بتعجب وغرابة:
–كارلا فى ايه مالك
ولجت كارلا تجر حقيبة ثيابها خلفها قائلة:
–اتخانقت مع أهلى وجاية أقعد عندك يومين ممكن
ابتسمت لها ثراء تشير إليها بالجلوس:
–تنورى يا كارلا بس خير اتخانقتى معاهم ليه
جلست كارلا حيث أشارت لها ثراء تخلع حذاءها:
–فى شاب والدى يعرفه والشاب ده سمج كده ورخم ودمه تقيل وعايز يتجوزنى فرفضت
تعجبت ثراء قليلا من حديثها فهتفت بها قائلة :
–غريبة هو أنتوا عندكم العادات دى أنتوا بلد متحرر يعنى واظن هنا كل واحد عايش براحته ومحدش بيغصب على حد فى موضوع الجواز ده حاجة غريبة فعلا
افتر ثغر كارلا عن ابتسامة واسعة قائلة بمزاح:
–أصل شكل بابا من القاعدة فى مصر بقى كده تخيلى كده بابا يجبلى عريس ويقولى أتجوزى ده وأنا أساساً لسه مخلصتش دراسة بذمتك شوفتى أنتى كده
ابتسمت ثراء ابتسامة واهنة قائلة :
–أه شوفت أنا برضه اتجوزت بالطريقة دى بس مختلفة شوية بابا مش هو اللى جابلى العريس لاء ودانى أنا له وجوزنى ليه وطلع مخادع وبيضحك عليا وواخدى وسيلة ينتقم بيها من عمنا بابا فكر أنه كده هيسعدنى ويسعده بس طلعت أن أنا اللى عايشة فى الوهم لوحدى جوزى فرح بجوازنا علشان لقانى كوبرى يعدى عليه ويوصل للى هو عاوزه
بعد أن ختمت حديثها وضعت وجهها بين كفيها فهى ما تفتئ تتذكر جراح قلبها تحاول أن تخفف من وطأة العذاب الذى تشعر به بنعتها له بتلك الصفات ولكن ما زادتها كلماتها سوى حزناً وألماً
اقتربت منها كارلا تربت على ذراعها قائلة :
–اهدى ثراء كل شئ هيبقى كويس مفيش حاجة بتفضل زى ماهى وهييجى عليكى يوم وتنسيه خالص
كم تأمل هى الآن أن يصبح نسيانه سهل المنال،بعد مكوث كارلا برفقتها أكتشفت أنها فتاة طيبة المعشر تتمتع بحس الفكاهة والدعابة ولديها أيضاً شخصية قوية
مرت الأيام سريعاً وحل يوم زفاف شقيقها حسام جلست ثراء وكارلا يشاهدون الهاتف ففيروز فتحت كاميرا الهاتف الخاص بها تنقل لها مراسم الزفاف حتى أقتربت من حسام وميرا قائلة بابتسامة:
–مبروك يا حبايبى وربنا يتمم بخير ثراء عايزة تقولكم مبروك
أخذ حسام الهاتف من والدته ينظر بشوق لشقيقته التى لم تسنح له الظروف بأن يحيا برفقتها وقت أطول فنظر اليها معاتباً
–كده يا ثراء متحضريش فرحى
جاهدت ثراء على أن يخرج صوتها طبيعياً بدون تلك الغصة التى علقت بحلقها :
–معلش يا حسام متزعلش منى ومبروك ليك أنت وميرا
اخذت ميرا الهاتف من حسام تطالعها بابتسامة:
–ثراء وحشتينا أوى مش ناوية ترجعى بقى
حملقت ثراء بميرا عبر الهاتف فكم كانت فاتنة وهى ترتدى ثوب زفافها وحجابها فابتسمت لها ابتسامة واسعة قائلة بسعادة لم تستشعرها منذ أن تركت المنزل:
–ألف مبروك يا ميرا بجد أنا فرحنالكم أوى ربنا يتمم بخير ويسعدكم
ظلت بعض الوقت تحدث حسام وميرا أخذت والداتها الهاتف تتنقل بين الحضور لنقل تلك الأجواء التى زخر بها حفل الزفاف اثناء تنقل فيروز وحديثها مع إحدى النساء لمحت ثراء وجهاً مألوفاً يقف بأحدى الزوايا كأنه يتوارى عن الحضور ظلت تطيل النظر بوجهه تحملق به كأنها تناست كل شئ إلا أنها تنظر إليه شعرت كارلا بغرابة من تحديق ثراء بالهاتف بدون أن يرف جفنيها
وكزتها بخفة فى كتفها قائلة بتساؤل:
–مالك يا ثراء بتبصى على ايه كده وساكتة وكأنك مش هنا
ألتفت ثراء إليها قائلة :
–ها بتقولى حاجة يا كارلا
أعادت عليها كارلا سؤالها :
–بقولك مالك ومين ده اللى بتبصى عليه وعينك هتطلع من مكانها كمان شوية كده
ردت عليها ثراء قائلة بهدوء:
–ده يبقى أيسر جوزى
نظرت كارلا الى الهاتف بتمعن لمعرفة أوصاف من أخبرتها ثراء بأنه زوجها فهتفت بعد دقيقتين من التحديق به قائلة:
–واوووو دا وسيم أوى يا ثراء
ابتسمت ثراء بألم فهى خُدعت بتلك الوسامة فلم ترد جواباً على ما قالته كارلا فعاودت النظر إلى الهاتف مرة أخرى فعلا صوت أنين قلبها تعاتب كل نبضة من نبضاته الأخرى كأنها تلومها على ذلك الخفقان الذى عاودها من جديد بعد رؤيته ،ولكن بلمحة واحدة تغيرت ملامح وجهها وكست ملامحها الغضب والوجوم والعبوس وهى ترى تلك الفتاة تقترب منه تناوله كأس من المشروبات المرطبة فهى لم تنسى وجه تلك الفتاة فهى سبقت ورأتها معه بشقته ذلك اليوم الذى أكتشفت به حقيقته رأته ياخذ منها الكوب بابتسامة فهل نسيها بهذة السرعة؟ هل هذا من أملت أن يجوب الأرض بحثاً عنها ؟ هل هذا الذى مازال قلبها يضع له أعذار ؟ فإلى متى ستظل حمقاء؟
فهذا ما سأله إياها عقلها
يتبع……..!!!!!!
تم نسخ الرابط