عندما رفعت وجهها ورأت ذلك الرجل لم تصدق عيناها فهى لم تضع بحسبانها أنها من الممكن أن تلتقى به مرة أخرى، فهو الاخر كأنه بحلم وهو يراها تقف أمامه
فهتفت بصوت منخفض ممزوج بالدهشة:
-أمير
لم يسعه سوى أن تزداد ابتسامته اتساعاً برؤياها فهو قد ترك مصر حتى لايراها لتخدمه الصدفة فى رؤيتها وهنا وبهذا المكان
أفتر ثغره عن ابتسامة عريضة قائلا:
-ثراء معقولة أنتى بتعملى ايه هنا
عبست ملامحة لوهلة لظنه أنها أتت هنا برفقة زوجها فاستطرد قائلا :
-أنتى جاية هنا مع جوزك
حركت ثراء رأسها نفياً وهى تجاهد على ألا تفر تلك الدمعة التى أحرقت جفنها فقالت بصوت متحشرج:
-لاء أنا هنا لوحدى عن أذنك يا أمير
أرادت أن تذهب من أمامه ففرت هاربة إلى الحمام ولجت للداخل وقفت أمام تلك المرآة العريضة وهى تكتم فمها بكف يدها حتى لايعلو صوتها الباكى فماذا تفعل؟ فإن ظلت على تلك الحالة فهى ولا شك ستموت قهراً وخاصة عندما تتذكر أيسر ذلك الحبيب الخائن الذى طعن قلبها بخناجر مسمومة استندت بيدها على حافة حوض الاغتسال تحاول تنظيم أنفاسها نظرت للمرآة مرة أخرى قبل أن تفتح صنبور المياة تغرف منه بيدها ترشق وجهها للتخفيف من احمرار وجهها وعينيها من كثرة البكاء سحبت عدة محارم ورقية تجفف بها وجهها وضبطت وضع حجابها وخرجت مرة أخرى ولكن أثناء ذهابها الى تلك الطاولة التى تجلس عليها برفقة كارلا وجدت أمير ينتظرها
ترك مكانه عندما وجدها قادمة وملامحه تنم على أنه يشعر بالفضول لمعرفة ماذا تفعل هى هنا بمفردها وبدون زوجها لم يمهل نفسه دقيقة حتى بادرها بسؤاله
-ثراء هو فى ايه وبتعملى ايه هنا لوحدك ايه اللى حصل
لم تكن بوضع يخولها أن تجادل مع أحد الآن فابتسمت بوهن:
-أمير بليز بلاش أسئلة كتير اللى اقدر اقولهولك ان أنا هنا بكمل دراستى وأيوة انا هنا لوحدى تقدر تقول أن أنا وأيسر انفصلنا
وقع تلك الكلمة على مسامعها كلسعات الجمر إلا أنها تحاول ترويض قلبها على تقبل تلك الحقيقة عاودت النظر اليه قائلة:
-عن إذنك دلوقتى لازم أمشى يلا يا كارلا
نهضت كارلا عن مقعدها وهى تنقل بصرها بين ثراء تارة وأمير تارة أخرى فهى لا تفهم ماذا يحدث بينهم أو من يكون ذلك الرجل
أشارت ثراء بيدها لاحدى سيارات الأجرة فالتفتت لكارلا قائلة:
-شكرا يا كارلا على الغدا أشوفك فى الجامعة
ابتسمت لها كارلا قائلة بعفوية:
-بالهنا والشفا بس مين الرجل الوسيم ده ده حبيبك
هزت ثراء رأسها سلباً تقترب من تلك السيارة التى توقفت بجوارهن فتحت بابها وهى تلوح لها بيدها قائلة:
-باى كارلا
لوحت كارلا لها هى أيضًا فأنطلقت سيارة الأجرة ولكن تتبعها تلك السيارة التى يقودها أمير فهو يستشعر بوجود خطب ما فذلك الحزن الذى رأه على وجهها وداخل عينيها أنبأه بأن ربما حدث لها مكروه من ذلك الرجل المسمى زوجها
________
فتح أيسر باب غرفته بعد سماع عدة طرقات عالية فوجد حسام يقف على الباب فتنحى جانباً يدعوه للدخول:
-أهلا حسام أدخل
ولج حسام إلى الغرفة جلس على ذلك المقعد بالشرفة أقترب أيسر يجلس على المقعد المقابل له صامتاً
انحنى حسام قليلا للامام قائلا باهتمام:
-أنت عامل إيه دلوقتى وليه لسه قاعد فى الفندق
احنى أيسر رأسه للخلف يستند على طرف المقعد يحملق فى السماء قائلا بشرود:
-هكون عامل ايه يعنى يا حسام بعد ما أختك ضاعت منى بعد روحى ما سابتنى وأنا لسه قاعد هنا علشان ناوى أشترى أرض وهبنى عليها بيت
شعر حسام بالحزن على حال صديقه وشقيقته فكل منهم معذب بحب الآخر إلا أن أراد التخفيف من حالته قليلا فأخرج هاتفه قائلا بابتسامة:
-واللى يخليك تشوفها وتسمع صوتها
اعتدل أيسر بجلسته سريعا قائلا بلهفة:
-أزاى يا حسام أنت عرفت هى فين رد عليا
أشار اليه حسام بأن يهدأ ريثما يشرح له فهتف به قائلا:
-للأسف معرفتش هى فين بس لما كانت بتكلم ماما وبابا على التليفون فيديو طلبت اكلمها وأطمن عليها وجبت الحساب اللى بتكلمهم عليه وسجلته علشان نكلمها سوا
قفزت دقات قلبه بعد ما سمعه فحث حسام على الإسراع بمحادثتها فتح حسام الهاتف حرص على أن يظهر هو فقط حتى لا تغلق الهاتف إذا رأت زوجها
سمعت ثراء رنين ورود مكالمة فيديو فتحت الهاتف لعلها تكون والدتها أو أبيها أو صديقتها ضحى ولكن تعجبت فهذا حساب فيس بوك لا تعرفه فلم تجد ضرر من معرفة من يكون فتحت الصوت فقط لمعرفة من يكون:
-ألو ايوة مين معايا
أجابها حسام قائلا:
-أنا حسام أخوكى يا ثراء كنت بتصل أطمن عليكى عاملة إيه
ابتسمت ثراء بعد سماع صوت شقيقها قائلة:
-الحمد لله كويسة يا حسام بس أنت عرفت تتصل عليا ازاى
أجابها حسام قائلا بهدوء:
-اخدته من ماما المهم افتحى الفيديو علشان أكلمك عايز أشوفك
كل هذا وأيسر يتابع ما يحدث بترقب فهو كمن يسير على جمر حارق ولكن بعد سماع موافقتها بفتح الكاميرا اخذ الهاتف سريعاً من يد حسام فتحت ثراء الهاتف بابتسامة سرعان ما تلاشت عندما رأت تلك العينان تطالعها التقط ايسر أنفاسه بصعوبة بالغة إلا انه استطاع القول:
– ثراء حبيبتى أنتى فين يا نور عيونى ليه يا ثراء تعملى كده وتسبينى وتسافرى ردى عليا يا حبيبتى
احتدمت ملامحها وقامت بغلق الهاتف بعد رؤيته ظل أيسر يحاول الإتصال بها مجددا إلا أنها لا تجيب على أتصاله
فصرخ قائلا بصوت حاد:
-ثرااااء ردى عليا
عندما يأس من تليين قلبها قام بقذف الهاتف من يده فاصتطدم بالجدار ليتهشم إلى قطع صغيرة
نظر اليه حسام بعيون جاحظة قائلا:
-ايه اللى انت عملته ده يا أيسر منك لله كسرتلى التليفون وانا لسه شاريه دا انا ملحقتش أفرح بيه
طالعه أيسر بغضب عارم قائلاً:
-هو ده اللى هامك التليفون ومش همك قلبى اللى بيوجعنى وإن كان على التليفون الزفت بتاعك ده هجبلك غيره
رفع حسام حاجبه قائلا بضيق:
-هو ده جزائى مش كفاية ثراء مش هترضى تكلمنى تانى بسببك مش قادر تمسك نفسك شوية على ما اكلمها وأحاول افهمها يمكن كانت سمعت منى لكن أنت مش صابر على حاجة شوف بقى هعرف أوصلها تانى ازاى تلاقيها هتقول لماما وبابا على اللى حصل
لم يستمع أيسر لكلمة واحدة مما قالها حسام فهو لا يتذكر سوى وجهها الذى رآه منذ دقائق ذلك الوجه الفاتن ولكن عينيها حزينة وهو كان السبب بذلك فلو بإمكانه أن يذهب إليها الآن أن يتوسلها لمسامحته أن يطرد الحزن الذى سكن عسليتيها أن يعيد البسمة الى شفتيها أن يرأف هو بحال قلبه الذى لم يعد يحتمل جراحه وأنينه باسمها فهو يصرخ به ليلاً ونهاراً بأنه يريد عودتها يريد أن يراها أن يستمع لصوتها أن يشعر بلماساتها الحانية التى مازادته إلا عشقاً لها فهو لا يشتهى سوى عناق منها حتى وأن كان أخر شئ سيحصل عليه بحياته
__________
القت ثراء الهاتف من يدها بغضب شديد من رؤيته فهل مازال لديه الجرأة للحديث معها بعد ما فعله أغلقت عينيها بتعب وهى تشعر بتلك الهزيمة والضعف اللذان اجتاحوا قلبها بعد رؤيته زفرت بارهاق وتعب :
-يارب ساعدنى انساه بقى أنا تعبت
ولكن كيف لها بنسيانه وهو من احتل قلبها حتى وإن كان ينبض بين ضلوعها فهو مازال ساكنه ولكنها ترغب فى نزعه من داخلها ولكن كيف السبيل لذلك فهى أن ارادت فعل ذلك فهى بحاجة إلى فصل قلبها عن جسدها حتى تستطيع نسيانه
اثناء معاتبتها لنفسها عن الانجراف والانسياق خلف مشاعرها سمعت رنين هاتفها ثانية ولكن تلك المرة رقم من لندن فرجحت ثراء أن تكون كارلا فتحت الهاتف قائلة
-ايوة يا كارلا
الا انه اتاها صوت رجولى قائلا:
-انا أمير يا ثراء
فما لها تلك الليلة التى لا تريد الانقضاء الا بعد أن تشعر ثراء مرة بالغضب واخرى بالتعجب فردت قائلة:
-أيوة يا أمير خير فى حاجة
زفر أمير زفرة هواء قوية قائلا :
-ثراء لو سمحتى عايز أشوفك ونتكلم اذا سمحتى أحنا ولاد بلد واحدة وأنتى عارفة أن ممكن تعتمدى عليا لو فى حاجة مضيقاكى أنا موجود أعتبرينى أخ صديق اللى يريحك بس بجد لازم أعرف ايه اللى حصلك أنا هجيبك الكلية بكرة ونتكلم سلام
أغلق الهاتف قبل أن تتمكن من الرد بالموافقة أو الاعتراض حركت كتفيها بيأس شعرت بحاجتها للنوم فذهبت للفراش استلقت عليه وهى تفكر فيما يحدث معها ولكن عندما تتذكر أيسر ولهفة صوته وهو يناديها تغلق عينيها عبثاً كأنها تريد حجب ذكراه عن عقلها وقلبها استطاعت النوم بالاخير ، فتحت عينيها عندما ملأ نور الصباح الغرفة تثائبت وهى تضع يدها على فمها تركت الفراش وولجت للحمام وبعد الانتهاء ارتدت ثيابها وذهبت إلى الجامعة ،انتظرت وصول أمير بين الفنية والأخرى فهى تعلم تصرفات أمير فتذكرت ذلك اليوم عندما حضر معها إحدى محاضراتها الدراسية مصرحاً بأنها خطيبته فابتسمت رغما عنها عندما تذكرت ذلك،بعد انتهاء المحاضرة وخروجها برفقة كارلا وجدت أمير ينتظرها بالخارج
اقبل إليها واضعا يده بجيب معطفه قائلا بابتسامة:
-خلصتى المحاضرة ممكن نقعد نتكلم شوية
أرادت كارلا الإنصراف الا انها وجدت يد ثراء تمتد لتمنعها من الذهاب طالعتها بابتسامة:
-خليكى يا كارلا أنتى مبقتيش غريبة
جلس ثلاثتهم بأحد المقاهى قصت ثراء لهم ما حدث بينها وبين زوجها متجنبة الخوض في التفاصيل الخاصة فهى أخبرتهم بشأن خداعه لها للانتقام من عمها عزام وأن هذا هو السبب الأساسى فى تركها له
قبض أمير على فنجان القهوة بأصابعه كاد أن يحطمه قائلا بحنق:
-الندل يعمل فيكى كده يغشك ويضحك عليكى أه لو شوفته واحد واطى بجد
كسى الغضب ملامح وجه ثراء وهى تستمع لأمير فهتفت به قائلة:
-لو سمحت يا أمير متتكلمش عليه كده ولا تشتمه والا هقوم أمشى
هل مازالت تدافع عنه ؟ نعم فهى حتى الآن لا تحبذ أن تستمع لأحد يهينه بكلمة حتى وإن كانت غاضبة منه ونعتته هى بكل تلك الصفات إلا انها لا تحب أن تسمعها من أحد بحقه
وضع أمير فنجان القهوة من يده ينظر اليها بغرابة:
-لسه بعد كل اللى قولتيه واللى عمله فيكى بتدافعى عنه
أشاحت ثراء بوجهها فعلقت عيناها بالطريق فردت قائلة؛
-مش معنى ان أنا وهو حصل بينا كده هسمح لحد أن يهينه وهو مش موجود متنساش أن أنا لسه مراته وشايلة إسمه
رد أمير على حديثها قائلا :
-اتطلقى منه يا ثراء
بالرغم من أنها سبق وطلبت من زوجها الطلاق إلا أن وقع اقتراح أمير عليها جعلها تجفل تشعر بغرابة الكلمة كأنها سيف بتار سيشطر قلبها نصفين أرادت إنهاء هذا الحديث فهبت واقفة تشير لكارلا التى لم تتفوه بكلمة واحدة منذ جلوسهم
-يلا بينا يا كارلا سلام يا أمير
رحلت هى وكارلا ظل أمير جالساً مكانه وهو يراها تبتعد فهو يعلم أنها الآن ليست بحالة جيدة وأنها تشعر بالضياع لكنه أصر على أن يظل بجوارها حتى تتجاوز تلك المحنة وربما ستكون فرصة ثانية منحه إياها القدر
_______
وقف حسام أمام المرآة ينتهى من تمشيط شعره بعد أن ارتدى ثيابه الأنيقة وضع المشط من يده وخرج من الغرفة ليرى إذا كان انتهى رضوان وسميرة من ارتداء ملابسهم للذهاب لحفل زفاف عفيفى وجد ميرا تجلس واضعة يدها على وجنتها فتعجب من حالها فأقترب منها قائلا:
-مالك قاعدة حاطة ايدك على خدك ليه كده
رفعت ميرا رأسها تطالعه وجدته يرتدى ثياب أنيقة كأنه على وشك الذهاب لحفل زفافه
-مفيش أنت لابس ومتشيك كده ورايح فين اللى يشوفك كده يقول رايح فرح
وضع احدى يديه بجيب بنطاله قائلا بهدوء:
-فعلا انا رايح فرح
قطبت حاجبيها بتفكير قائلة:
-ايه ده أنت هتتجوز من ورانا ولا ايه مش كنت تعزمنا
افتر ثغره على ابتسامة ليس من حديثها فقط ولكن من تغير ملامح وجهها فهل هى تشعر بالغيرة فأراد إكمال اثارة غضبها وغيرتها:
-معلش مجاش فى بالى أقولك مش هتقوليلى مبروك
شعرت بتجمع الدموع بعينيها فهتفت وهى تترك مكانها :
-مبروك ربنا يسعدك
رد حسام قائلا:
-الله يبارك فيكى وعقبالك ايه مش هتيجى معانا تشوفى العروسة
كزت على أنيابها قائلة باستياء:
-مش عايزة أشوفها كفاية أنها عجباك عن أذنك
قبل ذهابها سمعت صوته يناديها قائلا :
-على فكرة كنت بهزر معاكى انا رايح فرح اه بس مش فرحى ده فرح واحد صاحبى وكان بيشتغل معايا فى الورشة تحبى تيجى معايا انا وجدى وتيتة
تبدلت ملامحها الحانقة لتحل الابتسامة محلها فاستدارت اليه قائلة بغيظ طفيف:
-يعنى كنت بتشتغلنى
بادلها الابتسام قائلا بنبرة صوت متهدجة:
-مش اوى يعنى المهم هتيجى معانا تغيرى جو انا ملاحظ انك مبتخرجيش من البيت بس لو هتيجى متلبسيش حاجة تخليكى حلوة بزيادة علشان عايز أحضر الفرح بسلام الواد عفيفى غلبان ومش عايز ابوظله الليلة بسبب معاكسة الناس ليكى لأن حتى وأنتى محجبة برضه حلوة
كأنه نسى أنها ما زالت واقفة تستمع لما يقوله ازدادت ابتسامتها اتساعاً وهى تسمع منه ذلك إلاطراء بحقها عندما رفع عينيه ورأها مازالت واقفة حمحم قائلا:
-أنتى لسه واقفة يلا بقى خلصينى
ركضت ميرا بحماس إلى غرفتها التى تقطنها بمنزل عمها راحت تجرب ثوب تلو الآخر لاختيار أفضلهم انتهت من ارتداء ثيابها وحجابها خرجت من الغرفة تشعر بحياء وخجل شديد عندما رأتها سميرة ابتسمت قائلة لها:
-بسم الله ماشاء الله زى القمر
خجلت ثراء من إطراء سميرة لها فخفضت بصرها قائلة:
-تسلمى يا تيتة
مالت سميرة سريعا على أذن حسام قائلة:
-دى بتقولى يا تيتة يا واد يا حسام بقولك ايه اتجوزها وهاتلى عيال افرح بيهم
اتسعت حدقتيه وهو يستمع لما أقترحته سميرة فظل يزدرد لعابه عدة مرات ولا يجد ما يقوله حتى سمع صوت رضوان قائلا:
-مش يلا بينا ولا ايه مالكم كده مسهمين أقولك يلا يا ميرا أحنا
ابتسمت له ميرا تسير بجواره نظر حسام لسميرة بابتسامة واسعة قائلا بمزاح:
-دا جدى بيعلقها منى يا مرمر الحقى الراجل قبل ما الاقيه هو اللى اتجوزها
فر حسام من جوارها عندما وجدها ترفع يدها ترغب فى ضربه على كتفه لم تستطيع منع ضحكتها وهى تراه مازال يفعل ذلك مثلما كان يفعل وهو طفل صغير
________
دلفت سوزان غرفة أمير وجدته جالساً يعزف على البيانو ترى ابتسامته الواسعة اقتربت منه تصفق بيدها قائلة باعجاب:
-برافو أمير لسه عزفك على البيانو جميل والنهاردة باين عليك مزاجك رايق أوى
أغمض أمير عينيه بانتشاء ومازالت أصابعه تعزف على البيانو عندما تذكر سر سعادته التى تمثلت فى رؤية ثراء
فتح عينيه قائلا بابتسامة عريضة:
-علشان النهاردة قابلتها تانى يا ماما
لم تفهم سوزان ما يرمى إليه فمن هى من رأها اليوم ورؤيتها جعلته سعيدا هكذا فبادرت بسؤاله:
-هى مين دى اللى قابلتها النهاردة يا أمير
رد أمير قائلا بسعادة:
-ثراء يا ماما ثراء موجودة هنا فى لندن
ارتسم الوجوم على ملامح وجه سوزان وطالعت أمير غاضبة:
-ثراء انت لسه بتفكر فيها يا أمير ثم دى خلاص اتجوزت عايز ايه منها تانى
أسرع أمير يجيبها بحماس:
-هى يا ماما خلاص سابت جوزها وجت هنا تكمل دراستها
عندما تذكر ما أخبرته به بما فعله أيسر يزداد غضبه فاستطرد قائلا بغيظ:
-الندل طلع بيخدعها ويغشها طلع إبن عمها هاشم اللى مات وكان بيعمل كل ده علشان ينتقم من عمه عزام كان واخدها وسيلة ينتقم بيها بس هى خلاص سابته
عقدت سوزان ذراعيها امام صدرها قائلة بحنق:
-واحنا مالنا بده كله موضوعك معاها خلاص خلصنا منه ولا أنت ناسى اللى عملته فينا فى المستشفى والإحراج اللى سببتهولنا ابعد عنها يا أمير
ترك أمير مكانه وقف أمام والدته ينظر اليها قائلاً برجاء:
-ماما أبوس إيدك بلاش كلامك ده انا لحد دلوقتى مش مصدق أن أنها شوفتها تانى أنتى عارفة أن حبيتها وأنا بس سبتها للى اسمه أيسر ده علشان هى بتحبه وهو كان بيقول بيحبها فضحيت علشانها لكن هى دلوقتى خلاص سابته جايز دى فرصتى أقرب منها تانى وتكون ليا
نفخت سوزان بضيق وهى تستمع لحديث أبنها ولكنها لا تعرف بماذا تجيبه ؟ فهى على علم بعناد أبنها وتصميمه على أى شئ يريده فهتفت قائلة بنفاذ صبر:
-اللى أنت عايزه اعمله يا أمير أنا مش عارفة اقولك ايه او اعمل ايه أنت دماغك ناشفة ومبتسمعش كلام لحد براحتك بس مترجعش تندم تانى زى ما ندمت المرة الأولى
خرجت سوزان من الغرفة بعد أن أسمعت ابنها ما تريد إلا أن امير صم أذنيه عن سماع ما يعكر صفو مزاجه فهو يريد أن يعيش تلك اللحظات بسعادة
إرتدى ثيابه متأنقاً كعادته أخذ سيارته يتجه صوب شقة ثراء فهو بعد مراقبته لها علم أين تسكن ظل جالساً بالسيارة يراقب نافذتها فالاضواء بالداخل مشتعلة فربما مازالت مستيقظة وجد نفسه يسحب هاتفه يريد أن يحدثها عندما جاءه رد منها هتف بهدوء:
-أيوة يا ثراء أنا موجود تحت البيت ممكن تنزلى. علشان عايز أتكلم معاكى
تعجبت ثراء من حديثه وضعت حجابها على رأسها تنظر من النافذة لمحت سيارته تقف أسفل البناية السكنية خرج هو من السيارة يضع الهاتف على أذنه يرفع يده يلوح لها بها
شعرت ثراء بالضيق من فعلته فليس معنى وجودها بمفردها هنا أنها ستجعل أى أحد يقترب منها بسهولة :
-على فكرة يا أمير ميصحش اللى أنت بتعمله ده
رفع رأسه يراها فأجابها قائلا:
-وأنا عملت إيه يا ثراء أنا كنت حابب نخرج نتعشى مع بعض ونتكلم
زفرت ثراء قائلة بهدوء:
-بص يا أمير مش علشان احنا كنا نعرف بعض وأن انا موجودة هنا لوحدى يبقى عادى اخرج معاك والكلام ده ثم متنساش أنا واحدة متجوزة شايلة اسم راجل فميصحش ان أنا اخرج مع حد غريب غير أنه حرام فهو عيب أنا عارفة انك عايز تساعدنى بس صدقنى أنا الفترة دى محتاجة نفسى وبس علشان أقدر أخرج من اللى انا فيه بس برضه لو احتاجت أى حاجة مش هتردد أن اطلبها منك بحكم أن احنا معرفة قديمة وزى ما أنت قولت ولاد بلد واحدة
لم يجد أمير ما يقوله فهى محقة بكل كلمة تفوهت بها فهو لايريدها أن تتخبط بمفردها فى معيشتها هنا فهو يرغب بمساعدتها ولا ينكر شعوره بالسعادة بأنه يريد أن يتقرب منها ولكنها أوضحت له كيف سيكون التعامل بينهم فهو كلما زادت معرفته بها زاد إعجابه لها وخاصة قيمها التى تصر على الحفاظ عليها بالرغم من إقامتها بهذا البلد الغربى المتحرر
ابتسم قائلا بهدوء:
-تمام يا ثراء وأسف لو كنت ضايقتك وأنا تحت أمرك فى أى وقت
افتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة قائلة:
-الأمر لله وشكرا يا أمير مع السلامة
أنهت مكالمتها معه عادت للداخل خلعت حجابها وجلست أمام حاسوبها الشخصى تكمل مذكراتها ظلت وقتا طويلا بالمذاكرة حتى شعرت بالتعب والإرهاق فتركت مكانها وذهبت للمطبخ لإعداد مشروب دافئ لها،جلبت الكوب ووضعت به المشروب لمحت برسغها ذلك السوار الفضى فكيف غفلت عن وجوده بمعصمها،عندما أرادت نزعه من يدها فشلت فى ذلك فكأن السوار يرفض ترك يدها
فهتفت قائلة بضيق:
-حتى أنت كمان مش عايز تسيبنى ليه كل حاجة خاصة بيه مش راضية تسيبنى زى ما تكون لعنة
بعد فشلها فى نزع السوار وجدت نفسها تتحسسه بأطراف أصابعها بحنين وشوق جارف كأنها تناست كل ماحدث وعقلها توقف على معرفتها الأولى به إلا عندما عاد إليها تعقلها وتذكرت ماحدث تغيرت ملامح وجهها فأخذت كوبها لتحتسيه قبل أن تذهب للنوم إذا صح لها ذلك
_________
وقف شهاب أمام غرفة مكتب والده متردداً حتى قرر بالاخير دق الباب سمع صوت والده من الداخل فولج وأغلق الباب خلفه تقدم من مكتب والده يضع الأوراق التى يحملها من يده أمامه
رفع عزام بصره يطالع ابنه بعدم فهم:
-ايه الأوراق دى يا شهاب
رد شهاب قائلا:
-دى أوراق الأملاك بتاعتك أيسر قسم أملاك العيلة وده ورق نصيبك
فحص عزام الأوراق الموضوعة أمامه فعاود النظر لابنه ثانية
-وأنت جبت الورق ده منين مين اللى ادهولك أيسر من ساعة اللى حصل وهو مختفى
-عمى جمال هو اللى بعتهولى
قال شهاب جملته وهو يتجه صوب الباب للخروج إلا أن والده ناداه:
-استنى يا شهاب عاوزك
استدار شهاب برأسه لأبيه فى انتظار سماع ما يريده منه فترك عزام مقعده يقترب منه
-شهاب أنت ليه مبتكلمنيش
قطب شهاب حاجبيه قائلا:
-عايزنى أقولك ايه يابابا بعد اللى سمعته وعرفته عنك أنا اتصدمت فيك
أجفل عزام مما سمعه من شهاب فمد احدى يديه يضعها على كتفه قائلا:
-انا عارف ان غلطاتى كتير وأن تسببت فى وجع ناس أكتر وأن أنا السبب فى هد بيت العيلة اللى اسسه جدك بس أنا بشر فى حسنات الناس وسيئاتهم ومفيش حد معصوم من الغلط علشان إحنا مش ملايكة
زفر شهاب بقلة حيلة قائلا:
– أنا يابابا مقدرش الومك او أحاسبك أنت فى الأول والاخر والدى وليك حق عليا بس ياريت يابابا تحاول تصلح اللى عملته حتى يبقى ضميرك مرتاح وأنا كمان كنت هبقى نسخة منك لما كنت دايما احاول أقلل من أيسر واعايره باصله الفقير بس الفترة اللى فاتت عرفتنى ان مفيش حاجة بتدوم الدوام لله يعنى فى لحظة خسرنا كل حاجة وكان بامكان أيسر انه يورينا الذل والإهانة حتى علشان ينتقم لنفسه بس بالرغم من كده طلع هو أحسن مننا اخد حقه ورجعلنا حقنا
استمع عزام لكل كلمة قالها شهاب يشعر برعونة تصرفاته السابقة والتى أفضت بالنهاية إلى خراب المنزل فالقصر أصبح خاويا من ساكنيه فحتى معظم الخدم تركوا المنزل بعد ترك جمال وزوجته وأولاده القصر فماذا يفعل حتى يصلح ما أخطأ به؟
ضغط بيده على كتف ابنه قائلا بندم:
-معاك حق فى كل كلمة قولتها يا شهاب بس مش عارف أعمل إيه أو أبتدى منين علشان أصلح غلطى
شعر شهاب بالحماسة بعد سماع ما قاله والده فاستحثه أن يبدأ بأقرب وقت:
-أبتدى من دلوقتى يا بابا حاول تصلح علاقتك بكل اللى حواليك حاول تبقى الصورة اللى أنت كنت رسمهالنا فى خيالنا الراجل الفاضل المحافظ على القيم والتقاليد
هز عزام رأسه مبتسمًا لإبنه بعد سماع حديثه المتلهف ورغبته فى أن يبدأ فى إصلاح أخطاءه فهو سيحاول أن يفعل ذلك ولا يجعله يشعر بالخزى والعار من أفعاله ثانية فلكل منا فرصة ثانية ولكن ليس كل شخص ليه الادراك والوعى الكافى ليجعلها طوق نجاته من أثامه وذنوبه
________
انتظر جمال الفرصة المناسبة لمحاسبة ثريا على جريرتها بحقه وحق إبنه وارتكابها تلك الجريمة النكراء بحقهم ولكن خدمها القدر بعد معرفتهم بشأن حسام بسفرها خارج مصر فربما كان من شدة غضبه لوصل به الأمر إلى قتلها،ولكنها عادت الآن ،أرسل إليها رسالة يخبرها بشأن شراءه منزل جديد ويريد منها المجئ لرؤيته ،أسرعت ثريا فى تلبيه دعوته أخذت سيارتها ووصلت إلى من المنزل
دلفت ثريا إلى الداخل بعد استقبال جليلة لها وأشارت إليها بالجلوس بغرفة الصالون لحين مجئ فيروز وجمال
جالت ببصرها فى أركان المنزل ولكن لمحت دلوف حسام
ضمت حاجبيها قائلة بغرابة:
-أنت مين أنت شغال هنا
طالعها حسام بتفكير:
-أنتى اللى مين وبتعملى ايه هنا حضرتك وعايزة مين
-دى تعتبر عمتك يا حسام
قالها جمال الذى دلف للتو هو وفيروز، لم تفهم ثريا ما قيل أو ربما لم يكن لديها الاستيعاب الكافى لفهم تلك الجملة التى قيلت
افتر ثغرها عن ابتسامة جانبية قائلة بعدم فهم:
-عمته ! مش فاهمة قصدك ايه يا جمال مين الشاب ده
أقتربت فيروز منه ربتت على صدر حسام قائلة بحنان:
-دا أبنى يا ثريا ده حسام أبنى
ضمت ثريا حاجبيها تطالعهم :
-ابنك ازاى يعنى هى مراتك مالها يا جمال
رده عليها كانت صفعة مدوية تلقتها على وجنتها فصرخت ثريا من شعورها بالألم فهو كاد أن يقتلع أسنانها من قوة كف يده على وجهها
حملقت به ثريا قائلة بصدمة:
-جمال أنت اتجننت بتمد ايدك عليها
حدق جمال بوجهها بعينان غاضبتان :
-أتجننت! يعنى تعملى كده فينا تتأمرى علينا وتخبى أبنى ونعيش العمر ده كله فاهمين أنه ميت وأنتى بسبب قلة ضميرك وحقدك وكرهك خليتى واحدة تبدل ابنى مع طفل ميت
اذدردت لعابها من تلك الحقائق التى تسمعها منه فكيف علم كل ذلك ؟ فهى تظن أن ابنه توفى أيضاً عندما ذهبت إلى ذلك الحى وعلمت أن أفراد المنزل توفوا اثر حادث حريق
عندما حاولت الكلام خرج كلامها بتلعثم:
-ببس إزاى وهو مات طلع عايش إزاى
اقتربت منها فيروز تنظر اليها باذدراء شديد:
-دا حكمة ربنا أن ابنى طلع عايش بعد ما عشت قلبى وجعنى السنين دى كلها عليه بس عايزة أعرف ليه تعملى كده كنتى عاملة حبيبتنا وأنتى زى الحية اللى عايشة فى وسطنا وأنتى عاملة البلاوى دى كلها
نظرت لها ثريا بكره يتأجج بعينيها:
-علشان بسببك جوزك سابنى ساب بنت الأكابر علشان خاطرك أنتى ،أخذتى الراجل اللى حبيته كان لازم أحرق قلبك زى ما قلبى اتحرق ولو الزمن رجع تانى هعمل اللى عملته تانى
علم حسام الآن أن تلك المرأة هى من كانت السبب فى إبعاده عن والديه وجد والده يقترب منها يسحبها من مرفقها قائلا بغضب:
-برا يا ثريا ومش عايز أشوف وشك تانى ومفيش علاقة هتربطنا بيكى من النهاردة برا
أوصلها لخارج المنزل وأغلق الباب بوجهها ،ظل الغضب يحتدم بصدرها يتصاعد بكره شديد ،عاد جمال للداخل وجد زوجته تجلس بجانب حسام باكية
أقترب منها قائلا بقلق:
-مالك يا فيروز بتعيطى ليه
كفكفت دموعها قائلة بصوت متهدج:
-أفتكرت اللى حصل كله وأن بسبب ثريا حسام بعد عنى سنين ودلوقتى بسبب أيسر بنتى سافرت ليه بيحصلنا كده يا جمال احنا عمرنا ما أذينا حد ولا زعلنا حد
جلس جمال بجوارها يتنهد بثقل:
-كل أمر الله خير يا فيروز كلها اختبارات من ربنا والحمد لله على كل حاجة ابننا رجعلنا وثراء أن شاء الله هترجع
مالت برأسها على كتف زوجها فتركهم حسام ربت جمال على كتف زوجته ليجعلها تكف عن البكاء وليبث بداخلها الأمل من أن كل شئ سيسير على ما يرام
____________
إنتهى اليوم الدراسى مثل سابقيه لملم أغراضه بحقيبته الجلدية خرج الطلاب من القاعة الدراسية ولكن ظلت صافى جالسة تتابع إحدى الفتيات وهى تقترب منه رغبة منها فى سؤاله عن شئ يخص شرح المحاضرة ابتسم أيسر ابتسامة خفيفة وهو يجيب تلك الفتاة عن كل اسئلتها وبعد أن إنتهى انصرفت الفتاة
رفع رأسه وجدها مازالت جالسة مكانها فقطب حاجبيه قائلا بتفكير:
-مالك قاعدة كده ليه فى حاجة مش فهماها فى المحاضرة
هزت صافى رأسها مبتسمة وهى تترك مكانها تقترب من تلك المنصة التى يقف عليها
-لاء تمام فهمت كل حاجة فى المحاضرة بس أنا كنت مستنية لما تخلص شرح للبنت اللى كانت واقفة علشان كنت عايزة أقولك أن تيتة كانت عايزة تشوفك ضرورى أنا معرفش ليه بس هى اللى طلبت منى أقولك
-تمام يلا بينا اوصلك وأشوفها وأطمن عليها
قال جملته يسبقها للخروج من القاعة خرجت خلفه بخطوات شبه راكضة فهو يسرع الخطى ولا تستطيع هى مجاراته وصل الى سيارته أشار اليها بالركوب فاتخذت مكانها بجواره وهى تشعر بالحماسة والسعادة كعادتها عندما تراه ظل أيسر صامتاً حتى وصلوا إلى المنزل
صعدوا سويا إلى الشقة
دلفت صافى تنادى جدتها:
-تيتة تيتة أنا جيت وأستاذ أيسر جه معايا
خرجت فريدة من الغرفة تبتسم بعد مناداة صافى لها رحبت بأيسر وجلست على احد المقاعد تشير اليه بالجلوس:
-أتفضل يا ابنى اقعد انا عوزاك فى موضوع مهم صافى اعملينا حاجة نشربها بسرعة
ردت صافى قائلة:
-حاضر يا تيتة وهحضر الغدا علشان أستاذ أيسر يتغدا معانا
إلا أن أيسر رفض اقتراحها قائلا بصوت رزين:
-لاء شكرا مش هقدر وكمان عندى مشوار مهم ومش عايز أتأخر
انطفأت سعادة صافى بعد سماع حديثه فأين سيذهب؟ ذهبت لغرفتها وارتدث ثيابها المنزلية ودلفت للمطبخ بدأت بإعداد المشروبات وهى فضولها يقتلها لمعرفة ذلك الأمر الذى ترغب جدتها فى محادثة أيسر بشأنه فأقتربت قليلا تسترق السمع محاولة أن تتوارى خلف الجدار فسمعت صوت جدتها تبدأ حديثها معه قائلة:
-هو الصراحة يا أبنى الموضوع اللى عيزاك فيه بخصوص صافى
استمع لها أيسر قائلا باهتمام:
-خير مالها الآنسة صافى حصل حاجة
ابتسمت فريدة قائلة :
-هو الصراحة صافى جايلها عريس فكنت عايزة أخد رأيك بما أنك دلوقتى بقيت مننا
وضعت صافى يدها على فمها فهى ليست على دراية بهذا الأمر فمتى حدث ذلك وكيف لاتخبرها جدتها بشأن ذلك العريس قبل أخبار أيسر ثم هى لا تريد الزواج الآن أو ربما لا تريد الزواج من أى شخص كان غير من تشعر تجاهه بالارتياح فاقت صافى من أفكارها وحديثها مع نفسها على صوت أيسر :
-ألف مبروك بس هو مين لو أنسان كويس يبقى على خيرة الله وربنا يتمم بخير
لم تستساغ صافى ما سمعته منه فهل هو سعيد بأنها ستتزوج وجدت نفسها تخرج مسرعة من المطبخ قائلة بضيق:
-تيتة إزاى معرفش بموضوع العريس ده ثم الموضوع مش يخصنى أنا الأول ولا العروسة أخر من يعلم
قالت كلمتها الأخيرة بسخرية فنظرت اليها جدتها قائلة بابتسامة هادئة:
-ماهو أنتى كنتى هتعرفى يا صافى بس بعد ما كنت خليت أيسر يسأل عليه يمكن يكون أنسان مش كويس مبقاش قولتلك والموضوع ميكملش
طالعتها صافى بهدوء وحولت بصرها لأيسر وهى تقول:
-ومين قالك يا تيتة أن عايزة أتجوز أى حد كده وخلاص لاء طبعا
نقل أيسر بصره بين فريدة وصافى وهن يتجادلن بشأن ذلك العريس المستقبلى رفع يده يحك جبهته مغمض العينين يشعر بالصداع ولكن عندما زار مخيلته طيف محبوبته وجد نفسه يبتسم تلقائياً فكم أشتاق إليها فالشوق والحنين عصفوا به كرياح دافئة زارته فى موسم الصقيع تذكر همسها له بكلمات الحب والعشق التى يتمنى أن يسمعها منها مرة أخرى وتلك النظرة الشغوفة بعينيها عندما كانت تنظر إليه ، فإلى متى سيظل بجحيم الهجران ؟
فانتبه على حاله وفتح عينيه حمحم قائلا:
-يعنى أنتى مش موافقة يا أنسة صافى على العريس
فركت صافى يدها بتوتر تشعر بالتعرق فبماذا تجيبه هى الآن ؟ حاولت ايجاد عذر مقبول لتخبره به إلا أنها وجدت نفسها قائلة بدون انتباه:
-هو أنا ممكن أوافق أتجوز بس لو كان العريس أنت….
يتبع…!!!!
فهتفت بصوت منخفض ممزوج بالدهشة:
-أمير
لم يسعه سوى أن تزداد ابتسامته اتساعاً برؤياها فهو قد ترك مصر حتى لايراها لتخدمه الصدفة فى رؤيتها وهنا وبهذا المكان
أفتر ثغره عن ابتسامة عريضة قائلا:
-ثراء معقولة أنتى بتعملى ايه هنا
عبست ملامحة لوهلة لظنه أنها أتت هنا برفقة زوجها فاستطرد قائلا :
-أنتى جاية هنا مع جوزك
حركت ثراء رأسها نفياً وهى تجاهد على ألا تفر تلك الدمعة التى أحرقت جفنها فقالت بصوت متحشرج:
-لاء أنا هنا لوحدى عن أذنك يا أمير
أرادت أن تذهب من أمامه ففرت هاربة إلى الحمام ولجت للداخل وقفت أمام تلك المرآة العريضة وهى تكتم فمها بكف يدها حتى لايعلو صوتها الباكى فماذا تفعل؟ فإن ظلت على تلك الحالة فهى ولا شك ستموت قهراً وخاصة عندما تتذكر أيسر ذلك الحبيب الخائن الذى طعن قلبها بخناجر مسمومة استندت بيدها على حافة حوض الاغتسال تحاول تنظيم أنفاسها نظرت للمرآة مرة أخرى قبل أن تفتح صنبور المياة تغرف منه بيدها ترشق وجهها للتخفيف من احمرار وجهها وعينيها من كثرة البكاء سحبت عدة محارم ورقية تجفف بها وجهها وضبطت وضع حجابها وخرجت مرة أخرى ولكن أثناء ذهابها الى تلك الطاولة التى تجلس عليها برفقة كارلا وجدت أمير ينتظرها
ترك مكانه عندما وجدها قادمة وملامحه تنم على أنه يشعر بالفضول لمعرفة ماذا تفعل هى هنا بمفردها وبدون زوجها لم يمهل نفسه دقيقة حتى بادرها بسؤاله
-ثراء هو فى ايه وبتعملى ايه هنا لوحدك ايه اللى حصل
لم تكن بوضع يخولها أن تجادل مع أحد الآن فابتسمت بوهن:
-أمير بليز بلاش أسئلة كتير اللى اقدر اقولهولك ان أنا هنا بكمل دراستى وأيوة انا هنا لوحدى تقدر تقول أن أنا وأيسر انفصلنا
وقع تلك الكلمة على مسامعها كلسعات الجمر إلا أنها تحاول ترويض قلبها على تقبل تلك الحقيقة عاودت النظر اليه قائلة:
-عن إذنك دلوقتى لازم أمشى يلا يا كارلا
نهضت كارلا عن مقعدها وهى تنقل بصرها بين ثراء تارة وأمير تارة أخرى فهى لا تفهم ماذا يحدث بينهم أو من يكون ذلك الرجل
أشارت ثراء بيدها لاحدى سيارات الأجرة فالتفتت لكارلا قائلة:
-شكرا يا كارلا على الغدا أشوفك فى الجامعة
ابتسمت لها كارلا قائلة بعفوية:
-بالهنا والشفا بس مين الرجل الوسيم ده ده حبيبك
هزت ثراء رأسها سلباً تقترب من تلك السيارة التى توقفت بجوارهن فتحت بابها وهى تلوح لها بيدها قائلة:
-باى كارلا
لوحت كارلا لها هى أيضًا فأنطلقت سيارة الأجرة ولكن تتبعها تلك السيارة التى يقودها أمير فهو يستشعر بوجود خطب ما فذلك الحزن الذى رأه على وجهها وداخل عينيها أنبأه بأن ربما حدث لها مكروه من ذلك الرجل المسمى زوجها
________
فتح أيسر باب غرفته بعد سماع عدة طرقات عالية فوجد حسام يقف على الباب فتنحى جانباً يدعوه للدخول:
-أهلا حسام أدخل
ولج حسام إلى الغرفة جلس على ذلك المقعد بالشرفة أقترب أيسر يجلس على المقعد المقابل له صامتاً
انحنى حسام قليلا للامام قائلا باهتمام:
-أنت عامل إيه دلوقتى وليه لسه قاعد فى الفندق
احنى أيسر رأسه للخلف يستند على طرف المقعد يحملق فى السماء قائلا بشرود:
-هكون عامل ايه يعنى يا حسام بعد ما أختك ضاعت منى بعد روحى ما سابتنى وأنا لسه قاعد هنا علشان ناوى أشترى أرض وهبنى عليها بيت
شعر حسام بالحزن على حال صديقه وشقيقته فكل منهم معذب بحب الآخر إلا أن أراد التخفيف من حالته قليلا فأخرج هاتفه قائلا بابتسامة:
-واللى يخليك تشوفها وتسمع صوتها
اعتدل أيسر بجلسته سريعا قائلا بلهفة:
-أزاى يا حسام أنت عرفت هى فين رد عليا
أشار اليه حسام بأن يهدأ ريثما يشرح له فهتف به قائلا:
-للأسف معرفتش هى فين بس لما كانت بتكلم ماما وبابا على التليفون فيديو طلبت اكلمها وأطمن عليها وجبت الحساب اللى بتكلمهم عليه وسجلته علشان نكلمها سوا
قفزت دقات قلبه بعد ما سمعه فحث حسام على الإسراع بمحادثتها فتح حسام الهاتف حرص على أن يظهر هو فقط حتى لا تغلق الهاتف إذا رأت زوجها
سمعت ثراء رنين ورود مكالمة فيديو فتحت الهاتف لعلها تكون والدتها أو أبيها أو صديقتها ضحى ولكن تعجبت فهذا حساب فيس بوك لا تعرفه فلم تجد ضرر من معرفة من يكون فتحت الصوت فقط لمعرفة من يكون:
-ألو ايوة مين معايا
أجابها حسام قائلا:
-أنا حسام أخوكى يا ثراء كنت بتصل أطمن عليكى عاملة إيه
ابتسمت ثراء بعد سماع صوت شقيقها قائلة:
-الحمد لله كويسة يا حسام بس أنت عرفت تتصل عليا ازاى
أجابها حسام قائلا بهدوء:
-اخدته من ماما المهم افتحى الفيديو علشان أكلمك عايز أشوفك
كل هذا وأيسر يتابع ما يحدث بترقب فهو كمن يسير على جمر حارق ولكن بعد سماع موافقتها بفتح الكاميرا اخذ الهاتف سريعاً من يد حسام فتحت ثراء الهاتف بابتسامة سرعان ما تلاشت عندما رأت تلك العينان تطالعها التقط ايسر أنفاسه بصعوبة بالغة إلا انه استطاع القول:
– ثراء حبيبتى أنتى فين يا نور عيونى ليه يا ثراء تعملى كده وتسبينى وتسافرى ردى عليا يا حبيبتى
احتدمت ملامحها وقامت بغلق الهاتف بعد رؤيته ظل أيسر يحاول الإتصال بها مجددا إلا أنها لا تجيب على أتصاله
فصرخ قائلا بصوت حاد:
-ثرااااء ردى عليا
عندما يأس من تليين قلبها قام بقذف الهاتف من يده فاصتطدم بالجدار ليتهشم إلى قطع صغيرة
نظر اليه حسام بعيون جاحظة قائلا:
-ايه اللى انت عملته ده يا أيسر منك لله كسرتلى التليفون وانا لسه شاريه دا انا ملحقتش أفرح بيه
طالعه أيسر بغضب عارم قائلاً:
-هو ده اللى هامك التليفون ومش همك قلبى اللى بيوجعنى وإن كان على التليفون الزفت بتاعك ده هجبلك غيره
رفع حسام حاجبه قائلا بضيق:
-هو ده جزائى مش كفاية ثراء مش هترضى تكلمنى تانى بسببك مش قادر تمسك نفسك شوية على ما اكلمها وأحاول افهمها يمكن كانت سمعت منى لكن أنت مش صابر على حاجة شوف بقى هعرف أوصلها تانى ازاى تلاقيها هتقول لماما وبابا على اللى حصل
لم يستمع أيسر لكلمة واحدة مما قالها حسام فهو لا يتذكر سوى وجهها الذى رآه منذ دقائق ذلك الوجه الفاتن ولكن عينيها حزينة وهو كان السبب بذلك فلو بإمكانه أن يذهب إليها الآن أن يتوسلها لمسامحته أن يطرد الحزن الذى سكن عسليتيها أن يعيد البسمة الى شفتيها أن يرأف هو بحال قلبه الذى لم يعد يحتمل جراحه وأنينه باسمها فهو يصرخ به ليلاً ونهاراً بأنه يريد عودتها يريد أن يراها أن يستمع لصوتها أن يشعر بلماساتها الحانية التى مازادته إلا عشقاً لها فهو لا يشتهى سوى عناق منها حتى وأن كان أخر شئ سيحصل عليه بحياته
__________
القت ثراء الهاتف من يدها بغضب شديد من رؤيته فهل مازال لديه الجرأة للحديث معها بعد ما فعله أغلقت عينيها بتعب وهى تشعر بتلك الهزيمة والضعف اللذان اجتاحوا قلبها بعد رؤيته زفرت بارهاق وتعب :
-يارب ساعدنى انساه بقى أنا تعبت
ولكن كيف لها بنسيانه وهو من احتل قلبها حتى وإن كان ينبض بين ضلوعها فهو مازال ساكنه ولكنها ترغب فى نزعه من داخلها ولكن كيف السبيل لذلك فهى أن ارادت فعل ذلك فهى بحاجة إلى فصل قلبها عن جسدها حتى تستطيع نسيانه
اثناء معاتبتها لنفسها عن الانجراف والانسياق خلف مشاعرها سمعت رنين هاتفها ثانية ولكن تلك المرة رقم من لندن فرجحت ثراء أن تكون كارلا فتحت الهاتف قائلة
-ايوة يا كارلا
الا انه اتاها صوت رجولى قائلا:
-انا أمير يا ثراء
فما لها تلك الليلة التى لا تريد الانقضاء الا بعد أن تشعر ثراء مرة بالغضب واخرى بالتعجب فردت قائلة:
-أيوة يا أمير خير فى حاجة
زفر أمير زفرة هواء قوية قائلا :
-ثراء لو سمحتى عايز أشوفك ونتكلم اذا سمحتى أحنا ولاد بلد واحدة وأنتى عارفة أن ممكن تعتمدى عليا لو فى حاجة مضيقاكى أنا موجود أعتبرينى أخ صديق اللى يريحك بس بجد لازم أعرف ايه اللى حصلك أنا هجيبك الكلية بكرة ونتكلم سلام
أغلق الهاتف قبل أن تتمكن من الرد بالموافقة أو الاعتراض حركت كتفيها بيأس شعرت بحاجتها للنوم فذهبت للفراش استلقت عليه وهى تفكر فيما يحدث معها ولكن عندما تتذكر أيسر ولهفة صوته وهو يناديها تغلق عينيها عبثاً كأنها تريد حجب ذكراه عن عقلها وقلبها استطاعت النوم بالاخير ، فتحت عينيها عندما ملأ نور الصباح الغرفة تثائبت وهى تضع يدها على فمها تركت الفراش وولجت للحمام وبعد الانتهاء ارتدت ثيابها وذهبت إلى الجامعة ،انتظرت وصول أمير بين الفنية والأخرى فهى تعلم تصرفات أمير فتذكرت ذلك اليوم عندما حضر معها إحدى محاضراتها الدراسية مصرحاً بأنها خطيبته فابتسمت رغما عنها عندما تذكرت ذلك،بعد انتهاء المحاضرة وخروجها برفقة كارلا وجدت أمير ينتظرها بالخارج
اقبل إليها واضعا يده بجيب معطفه قائلا بابتسامة:
-خلصتى المحاضرة ممكن نقعد نتكلم شوية
أرادت كارلا الإنصراف الا انها وجدت يد ثراء تمتد لتمنعها من الذهاب طالعتها بابتسامة:
-خليكى يا كارلا أنتى مبقتيش غريبة
جلس ثلاثتهم بأحد المقاهى قصت ثراء لهم ما حدث بينها وبين زوجها متجنبة الخوض في التفاصيل الخاصة فهى أخبرتهم بشأن خداعه لها للانتقام من عمها عزام وأن هذا هو السبب الأساسى فى تركها له
قبض أمير على فنجان القهوة بأصابعه كاد أن يحطمه قائلا بحنق:
-الندل يعمل فيكى كده يغشك ويضحك عليكى أه لو شوفته واحد واطى بجد
كسى الغضب ملامح وجه ثراء وهى تستمع لأمير فهتفت به قائلة:
-لو سمحت يا أمير متتكلمش عليه كده ولا تشتمه والا هقوم أمشى
هل مازالت تدافع عنه ؟ نعم فهى حتى الآن لا تحبذ أن تستمع لأحد يهينه بكلمة حتى وإن كانت غاضبة منه ونعتته هى بكل تلك الصفات إلا انها لا تحب أن تسمعها من أحد بحقه
وضع أمير فنجان القهوة من يده ينظر اليها بغرابة:
-لسه بعد كل اللى قولتيه واللى عمله فيكى بتدافعى عنه
أشاحت ثراء بوجهها فعلقت عيناها بالطريق فردت قائلة؛
-مش معنى ان أنا وهو حصل بينا كده هسمح لحد أن يهينه وهو مش موجود متنساش أن أنا لسه مراته وشايلة إسمه
رد أمير على حديثها قائلا :
-اتطلقى منه يا ثراء
بالرغم من أنها سبق وطلبت من زوجها الطلاق إلا أن وقع اقتراح أمير عليها جعلها تجفل تشعر بغرابة الكلمة كأنها سيف بتار سيشطر قلبها نصفين أرادت إنهاء هذا الحديث فهبت واقفة تشير لكارلا التى لم تتفوه بكلمة واحدة منذ جلوسهم
-يلا بينا يا كارلا سلام يا أمير
رحلت هى وكارلا ظل أمير جالساً مكانه وهو يراها تبتعد فهو يعلم أنها الآن ليست بحالة جيدة وأنها تشعر بالضياع لكنه أصر على أن يظل بجوارها حتى تتجاوز تلك المحنة وربما ستكون فرصة ثانية منحه إياها القدر
_______
وقف حسام أمام المرآة ينتهى من تمشيط شعره بعد أن ارتدى ثيابه الأنيقة وضع المشط من يده وخرج من الغرفة ليرى إذا كان انتهى رضوان وسميرة من ارتداء ملابسهم للذهاب لحفل زفاف عفيفى وجد ميرا تجلس واضعة يدها على وجنتها فتعجب من حالها فأقترب منها قائلا:
-مالك قاعدة حاطة ايدك على خدك ليه كده
رفعت ميرا رأسها تطالعه وجدته يرتدى ثياب أنيقة كأنه على وشك الذهاب لحفل زفافه
-مفيش أنت لابس ومتشيك كده ورايح فين اللى يشوفك كده يقول رايح فرح
وضع احدى يديه بجيب بنطاله قائلا بهدوء:
-فعلا انا رايح فرح
قطبت حاجبيها بتفكير قائلة:
-ايه ده أنت هتتجوز من ورانا ولا ايه مش كنت تعزمنا
افتر ثغره على ابتسامة ليس من حديثها فقط ولكن من تغير ملامح وجهها فهل هى تشعر بالغيرة فأراد إكمال اثارة غضبها وغيرتها:
-معلش مجاش فى بالى أقولك مش هتقوليلى مبروك
شعرت بتجمع الدموع بعينيها فهتفت وهى تترك مكانها :
-مبروك ربنا يسعدك
رد حسام قائلا:
-الله يبارك فيكى وعقبالك ايه مش هتيجى معانا تشوفى العروسة
كزت على أنيابها قائلة باستياء:
-مش عايزة أشوفها كفاية أنها عجباك عن أذنك
قبل ذهابها سمعت صوته يناديها قائلا :
-على فكرة كنت بهزر معاكى انا رايح فرح اه بس مش فرحى ده فرح واحد صاحبى وكان بيشتغل معايا فى الورشة تحبى تيجى معايا انا وجدى وتيتة
تبدلت ملامحها الحانقة لتحل الابتسامة محلها فاستدارت اليه قائلة بغيظ طفيف:
-يعنى كنت بتشتغلنى
بادلها الابتسام قائلا بنبرة صوت متهدجة:
-مش اوى يعنى المهم هتيجى معانا تغيرى جو انا ملاحظ انك مبتخرجيش من البيت بس لو هتيجى متلبسيش حاجة تخليكى حلوة بزيادة علشان عايز أحضر الفرح بسلام الواد عفيفى غلبان ومش عايز ابوظله الليلة بسبب معاكسة الناس ليكى لأن حتى وأنتى محجبة برضه حلوة
كأنه نسى أنها ما زالت واقفة تستمع لما يقوله ازدادت ابتسامتها اتساعاً وهى تسمع منه ذلك إلاطراء بحقها عندما رفع عينيه ورأها مازالت واقفة حمحم قائلا:
-أنتى لسه واقفة يلا بقى خلصينى
ركضت ميرا بحماس إلى غرفتها التى تقطنها بمنزل عمها راحت تجرب ثوب تلو الآخر لاختيار أفضلهم انتهت من ارتداء ثيابها وحجابها خرجت من الغرفة تشعر بحياء وخجل شديد عندما رأتها سميرة ابتسمت قائلة لها:
-بسم الله ماشاء الله زى القمر
خجلت ثراء من إطراء سميرة لها فخفضت بصرها قائلة:
-تسلمى يا تيتة
مالت سميرة سريعا على أذن حسام قائلة:
-دى بتقولى يا تيتة يا واد يا حسام بقولك ايه اتجوزها وهاتلى عيال افرح بيهم
اتسعت حدقتيه وهو يستمع لما أقترحته سميرة فظل يزدرد لعابه عدة مرات ولا يجد ما يقوله حتى سمع صوت رضوان قائلا:
-مش يلا بينا ولا ايه مالكم كده مسهمين أقولك يلا يا ميرا أحنا
ابتسمت له ميرا تسير بجواره نظر حسام لسميرة بابتسامة واسعة قائلا بمزاح:
-دا جدى بيعلقها منى يا مرمر الحقى الراجل قبل ما الاقيه هو اللى اتجوزها
فر حسام من جوارها عندما وجدها ترفع يدها ترغب فى ضربه على كتفه لم تستطيع منع ضحكتها وهى تراه مازال يفعل ذلك مثلما كان يفعل وهو طفل صغير
________
دلفت سوزان غرفة أمير وجدته جالساً يعزف على البيانو ترى ابتسامته الواسعة اقتربت منه تصفق بيدها قائلة باعجاب:
-برافو أمير لسه عزفك على البيانو جميل والنهاردة باين عليك مزاجك رايق أوى
أغمض أمير عينيه بانتشاء ومازالت أصابعه تعزف على البيانو عندما تذكر سر سعادته التى تمثلت فى رؤية ثراء
فتح عينيه قائلا بابتسامة عريضة:
-علشان النهاردة قابلتها تانى يا ماما
لم تفهم سوزان ما يرمى إليه فمن هى من رأها اليوم ورؤيتها جعلته سعيدا هكذا فبادرت بسؤاله:
-هى مين دى اللى قابلتها النهاردة يا أمير
رد أمير قائلا بسعادة:
-ثراء يا ماما ثراء موجودة هنا فى لندن
ارتسم الوجوم على ملامح وجه سوزان وطالعت أمير غاضبة:
-ثراء انت لسه بتفكر فيها يا أمير ثم دى خلاص اتجوزت عايز ايه منها تانى
أسرع أمير يجيبها بحماس:
-هى يا ماما خلاص سابت جوزها وجت هنا تكمل دراستها
عندما تذكر ما أخبرته به بما فعله أيسر يزداد غضبه فاستطرد قائلا بغيظ:
-الندل طلع بيخدعها ويغشها طلع إبن عمها هاشم اللى مات وكان بيعمل كل ده علشان ينتقم من عمه عزام كان واخدها وسيلة ينتقم بيها بس هى خلاص سابته
عقدت سوزان ذراعيها امام صدرها قائلة بحنق:
-واحنا مالنا بده كله موضوعك معاها خلاص خلصنا منه ولا أنت ناسى اللى عملته فينا فى المستشفى والإحراج اللى سببتهولنا ابعد عنها يا أمير
ترك أمير مكانه وقف أمام والدته ينظر اليها قائلاً برجاء:
-ماما أبوس إيدك بلاش كلامك ده انا لحد دلوقتى مش مصدق أن أنها شوفتها تانى أنتى عارفة أن حبيتها وأنا بس سبتها للى اسمه أيسر ده علشان هى بتحبه وهو كان بيقول بيحبها فضحيت علشانها لكن هى دلوقتى خلاص سابته جايز دى فرصتى أقرب منها تانى وتكون ليا
نفخت سوزان بضيق وهى تستمع لحديث أبنها ولكنها لا تعرف بماذا تجيبه ؟ فهى على علم بعناد أبنها وتصميمه على أى شئ يريده فهتفت قائلة بنفاذ صبر:
-اللى أنت عايزه اعمله يا أمير أنا مش عارفة اقولك ايه او اعمل ايه أنت دماغك ناشفة ومبتسمعش كلام لحد براحتك بس مترجعش تندم تانى زى ما ندمت المرة الأولى
خرجت سوزان من الغرفة بعد أن أسمعت ابنها ما تريد إلا أن امير صم أذنيه عن سماع ما يعكر صفو مزاجه فهو يريد أن يعيش تلك اللحظات بسعادة
إرتدى ثيابه متأنقاً كعادته أخذ سيارته يتجه صوب شقة ثراء فهو بعد مراقبته لها علم أين تسكن ظل جالساً بالسيارة يراقب نافذتها فالاضواء بالداخل مشتعلة فربما مازالت مستيقظة وجد نفسه يسحب هاتفه يريد أن يحدثها عندما جاءه رد منها هتف بهدوء:
-أيوة يا ثراء أنا موجود تحت البيت ممكن تنزلى. علشان عايز أتكلم معاكى
تعجبت ثراء من حديثه وضعت حجابها على رأسها تنظر من النافذة لمحت سيارته تقف أسفل البناية السكنية خرج هو من السيارة يضع الهاتف على أذنه يرفع يده يلوح لها بها
شعرت ثراء بالضيق من فعلته فليس معنى وجودها بمفردها هنا أنها ستجعل أى أحد يقترب منها بسهولة :
-على فكرة يا أمير ميصحش اللى أنت بتعمله ده
رفع رأسه يراها فأجابها قائلا:
-وأنا عملت إيه يا ثراء أنا كنت حابب نخرج نتعشى مع بعض ونتكلم
زفرت ثراء قائلة بهدوء:
-بص يا أمير مش علشان احنا كنا نعرف بعض وأن انا موجودة هنا لوحدى يبقى عادى اخرج معاك والكلام ده ثم متنساش أنا واحدة متجوزة شايلة اسم راجل فميصحش ان أنا اخرج مع حد غريب غير أنه حرام فهو عيب أنا عارفة انك عايز تساعدنى بس صدقنى أنا الفترة دى محتاجة نفسى وبس علشان أقدر أخرج من اللى انا فيه بس برضه لو احتاجت أى حاجة مش هتردد أن اطلبها منك بحكم أن احنا معرفة قديمة وزى ما أنت قولت ولاد بلد واحدة
لم يجد أمير ما يقوله فهى محقة بكل كلمة تفوهت بها فهو لايريدها أن تتخبط بمفردها فى معيشتها هنا فهو يرغب بمساعدتها ولا ينكر شعوره بالسعادة بأنه يريد أن يتقرب منها ولكنها أوضحت له كيف سيكون التعامل بينهم فهو كلما زادت معرفته بها زاد إعجابه لها وخاصة قيمها التى تصر على الحفاظ عليها بالرغم من إقامتها بهذا البلد الغربى المتحرر
ابتسم قائلا بهدوء:
-تمام يا ثراء وأسف لو كنت ضايقتك وأنا تحت أمرك فى أى وقت
افتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة قائلة:
-الأمر لله وشكرا يا أمير مع السلامة
أنهت مكالمتها معه عادت للداخل خلعت حجابها وجلست أمام حاسوبها الشخصى تكمل مذكراتها ظلت وقتا طويلا بالمذاكرة حتى شعرت بالتعب والإرهاق فتركت مكانها وذهبت للمطبخ لإعداد مشروب دافئ لها،جلبت الكوب ووضعت به المشروب لمحت برسغها ذلك السوار الفضى فكيف غفلت عن وجوده بمعصمها،عندما أرادت نزعه من يدها فشلت فى ذلك فكأن السوار يرفض ترك يدها
فهتفت قائلة بضيق:
-حتى أنت كمان مش عايز تسيبنى ليه كل حاجة خاصة بيه مش راضية تسيبنى زى ما تكون لعنة
بعد فشلها فى نزع السوار وجدت نفسها تتحسسه بأطراف أصابعها بحنين وشوق جارف كأنها تناست كل ماحدث وعقلها توقف على معرفتها الأولى به إلا عندما عاد إليها تعقلها وتذكرت ماحدث تغيرت ملامح وجهها فأخذت كوبها لتحتسيه قبل أن تذهب للنوم إذا صح لها ذلك
_________
وقف شهاب أمام غرفة مكتب والده متردداً حتى قرر بالاخير دق الباب سمع صوت والده من الداخل فولج وأغلق الباب خلفه تقدم من مكتب والده يضع الأوراق التى يحملها من يده أمامه
رفع عزام بصره يطالع ابنه بعدم فهم:
-ايه الأوراق دى يا شهاب
رد شهاب قائلا:
-دى أوراق الأملاك بتاعتك أيسر قسم أملاك العيلة وده ورق نصيبك
فحص عزام الأوراق الموضوعة أمامه فعاود النظر لابنه ثانية
-وأنت جبت الورق ده منين مين اللى ادهولك أيسر من ساعة اللى حصل وهو مختفى
-عمى جمال هو اللى بعتهولى
قال شهاب جملته وهو يتجه صوب الباب للخروج إلا أن والده ناداه:
-استنى يا شهاب عاوزك
استدار شهاب برأسه لأبيه فى انتظار سماع ما يريده منه فترك عزام مقعده يقترب منه
-شهاب أنت ليه مبتكلمنيش
قطب شهاب حاجبيه قائلا:
-عايزنى أقولك ايه يابابا بعد اللى سمعته وعرفته عنك أنا اتصدمت فيك
أجفل عزام مما سمعه من شهاب فمد احدى يديه يضعها على كتفه قائلا:
-انا عارف ان غلطاتى كتير وأن تسببت فى وجع ناس أكتر وأن أنا السبب فى هد بيت العيلة اللى اسسه جدك بس أنا بشر فى حسنات الناس وسيئاتهم ومفيش حد معصوم من الغلط علشان إحنا مش ملايكة
زفر شهاب بقلة حيلة قائلا:
– أنا يابابا مقدرش الومك او أحاسبك أنت فى الأول والاخر والدى وليك حق عليا بس ياريت يابابا تحاول تصلح اللى عملته حتى يبقى ضميرك مرتاح وأنا كمان كنت هبقى نسخة منك لما كنت دايما احاول أقلل من أيسر واعايره باصله الفقير بس الفترة اللى فاتت عرفتنى ان مفيش حاجة بتدوم الدوام لله يعنى فى لحظة خسرنا كل حاجة وكان بامكان أيسر انه يورينا الذل والإهانة حتى علشان ينتقم لنفسه بس بالرغم من كده طلع هو أحسن مننا اخد حقه ورجعلنا حقنا
استمع عزام لكل كلمة قالها شهاب يشعر برعونة تصرفاته السابقة والتى أفضت بالنهاية إلى خراب المنزل فالقصر أصبح خاويا من ساكنيه فحتى معظم الخدم تركوا المنزل بعد ترك جمال وزوجته وأولاده القصر فماذا يفعل حتى يصلح ما أخطأ به؟
ضغط بيده على كتف ابنه قائلا بندم:
-معاك حق فى كل كلمة قولتها يا شهاب بس مش عارف أعمل إيه أو أبتدى منين علشان أصلح غلطى
شعر شهاب بالحماسة بعد سماع ما قاله والده فاستحثه أن يبدأ بأقرب وقت:
-أبتدى من دلوقتى يا بابا حاول تصلح علاقتك بكل اللى حواليك حاول تبقى الصورة اللى أنت كنت رسمهالنا فى خيالنا الراجل الفاضل المحافظ على القيم والتقاليد
هز عزام رأسه مبتسمًا لإبنه بعد سماع حديثه المتلهف ورغبته فى أن يبدأ فى إصلاح أخطاءه فهو سيحاول أن يفعل ذلك ولا يجعله يشعر بالخزى والعار من أفعاله ثانية فلكل منا فرصة ثانية ولكن ليس كل شخص ليه الادراك والوعى الكافى ليجعلها طوق نجاته من أثامه وذنوبه
________
انتظر جمال الفرصة المناسبة لمحاسبة ثريا على جريرتها بحقه وحق إبنه وارتكابها تلك الجريمة النكراء بحقهم ولكن خدمها القدر بعد معرفتهم بشأن حسام بسفرها خارج مصر فربما كان من شدة غضبه لوصل به الأمر إلى قتلها،ولكنها عادت الآن ،أرسل إليها رسالة يخبرها بشأن شراءه منزل جديد ويريد منها المجئ لرؤيته ،أسرعت ثريا فى تلبيه دعوته أخذت سيارتها ووصلت إلى من المنزل
دلفت ثريا إلى الداخل بعد استقبال جليلة لها وأشارت إليها بالجلوس بغرفة الصالون لحين مجئ فيروز وجمال
جالت ببصرها فى أركان المنزل ولكن لمحت دلوف حسام
ضمت حاجبيها قائلة بغرابة:
-أنت مين أنت شغال هنا
طالعها حسام بتفكير:
-أنتى اللى مين وبتعملى ايه هنا حضرتك وعايزة مين
-دى تعتبر عمتك يا حسام
قالها جمال الذى دلف للتو هو وفيروز، لم تفهم ثريا ما قيل أو ربما لم يكن لديها الاستيعاب الكافى لفهم تلك الجملة التى قيلت
افتر ثغرها عن ابتسامة جانبية قائلة بعدم فهم:
-عمته ! مش فاهمة قصدك ايه يا جمال مين الشاب ده
أقتربت فيروز منه ربتت على صدر حسام قائلة بحنان:
-دا أبنى يا ثريا ده حسام أبنى
ضمت ثريا حاجبيها تطالعهم :
-ابنك ازاى يعنى هى مراتك مالها يا جمال
رده عليها كانت صفعة مدوية تلقتها على وجنتها فصرخت ثريا من شعورها بالألم فهو كاد أن يقتلع أسنانها من قوة كف يده على وجهها
حملقت به ثريا قائلة بصدمة:
-جمال أنت اتجننت بتمد ايدك عليها
حدق جمال بوجهها بعينان غاضبتان :
-أتجننت! يعنى تعملى كده فينا تتأمرى علينا وتخبى أبنى ونعيش العمر ده كله فاهمين أنه ميت وأنتى بسبب قلة ضميرك وحقدك وكرهك خليتى واحدة تبدل ابنى مع طفل ميت
اذدردت لعابها من تلك الحقائق التى تسمعها منه فكيف علم كل ذلك ؟ فهى تظن أن ابنه توفى أيضاً عندما ذهبت إلى ذلك الحى وعلمت أن أفراد المنزل توفوا اثر حادث حريق
عندما حاولت الكلام خرج كلامها بتلعثم:
-ببس إزاى وهو مات طلع عايش إزاى
اقتربت منها فيروز تنظر اليها باذدراء شديد:
-دا حكمة ربنا أن ابنى طلع عايش بعد ما عشت قلبى وجعنى السنين دى كلها عليه بس عايزة أعرف ليه تعملى كده كنتى عاملة حبيبتنا وأنتى زى الحية اللى عايشة فى وسطنا وأنتى عاملة البلاوى دى كلها
نظرت لها ثريا بكره يتأجج بعينيها:
-علشان بسببك جوزك سابنى ساب بنت الأكابر علشان خاطرك أنتى ،أخذتى الراجل اللى حبيته كان لازم أحرق قلبك زى ما قلبى اتحرق ولو الزمن رجع تانى هعمل اللى عملته تانى
علم حسام الآن أن تلك المرأة هى من كانت السبب فى إبعاده عن والديه وجد والده يقترب منها يسحبها من مرفقها قائلا بغضب:
-برا يا ثريا ومش عايز أشوف وشك تانى ومفيش علاقة هتربطنا بيكى من النهاردة برا
أوصلها لخارج المنزل وأغلق الباب بوجهها ،ظل الغضب يحتدم بصدرها يتصاعد بكره شديد ،عاد جمال للداخل وجد زوجته تجلس بجانب حسام باكية
أقترب منها قائلا بقلق:
-مالك يا فيروز بتعيطى ليه
كفكفت دموعها قائلة بصوت متهدج:
-أفتكرت اللى حصل كله وأن بسبب ثريا حسام بعد عنى سنين ودلوقتى بسبب أيسر بنتى سافرت ليه بيحصلنا كده يا جمال احنا عمرنا ما أذينا حد ولا زعلنا حد
جلس جمال بجوارها يتنهد بثقل:
-كل أمر الله خير يا فيروز كلها اختبارات من ربنا والحمد لله على كل حاجة ابننا رجعلنا وثراء أن شاء الله هترجع
مالت برأسها على كتف زوجها فتركهم حسام ربت جمال على كتف زوجته ليجعلها تكف عن البكاء وليبث بداخلها الأمل من أن كل شئ سيسير على ما يرام
____________
إنتهى اليوم الدراسى مثل سابقيه لملم أغراضه بحقيبته الجلدية خرج الطلاب من القاعة الدراسية ولكن ظلت صافى جالسة تتابع إحدى الفتيات وهى تقترب منه رغبة منها فى سؤاله عن شئ يخص شرح المحاضرة ابتسم أيسر ابتسامة خفيفة وهو يجيب تلك الفتاة عن كل اسئلتها وبعد أن إنتهى انصرفت الفتاة
رفع رأسه وجدها مازالت جالسة مكانها فقطب حاجبيه قائلا بتفكير:
-مالك قاعدة كده ليه فى حاجة مش فهماها فى المحاضرة
هزت صافى رأسها مبتسمة وهى تترك مكانها تقترب من تلك المنصة التى يقف عليها
-لاء تمام فهمت كل حاجة فى المحاضرة بس أنا كنت مستنية لما تخلص شرح للبنت اللى كانت واقفة علشان كنت عايزة أقولك أن تيتة كانت عايزة تشوفك ضرورى أنا معرفش ليه بس هى اللى طلبت منى أقولك
-تمام يلا بينا اوصلك وأشوفها وأطمن عليها
قال جملته يسبقها للخروج من القاعة خرجت خلفه بخطوات شبه راكضة فهو يسرع الخطى ولا تستطيع هى مجاراته وصل الى سيارته أشار اليها بالركوب فاتخذت مكانها بجواره وهى تشعر بالحماسة والسعادة كعادتها عندما تراه ظل أيسر صامتاً حتى وصلوا إلى المنزل
صعدوا سويا إلى الشقة
دلفت صافى تنادى جدتها:
-تيتة تيتة أنا جيت وأستاذ أيسر جه معايا
خرجت فريدة من الغرفة تبتسم بعد مناداة صافى لها رحبت بأيسر وجلست على احد المقاعد تشير اليه بالجلوس:
-أتفضل يا ابنى اقعد انا عوزاك فى موضوع مهم صافى اعملينا حاجة نشربها بسرعة
ردت صافى قائلة:
-حاضر يا تيتة وهحضر الغدا علشان أستاذ أيسر يتغدا معانا
إلا أن أيسر رفض اقتراحها قائلا بصوت رزين:
-لاء شكرا مش هقدر وكمان عندى مشوار مهم ومش عايز أتأخر
انطفأت سعادة صافى بعد سماع حديثه فأين سيذهب؟ ذهبت لغرفتها وارتدث ثيابها المنزلية ودلفت للمطبخ بدأت بإعداد المشروبات وهى فضولها يقتلها لمعرفة ذلك الأمر الذى ترغب جدتها فى محادثة أيسر بشأنه فأقتربت قليلا تسترق السمع محاولة أن تتوارى خلف الجدار فسمعت صوت جدتها تبدأ حديثها معه قائلة:
-هو الصراحة يا أبنى الموضوع اللى عيزاك فيه بخصوص صافى
استمع لها أيسر قائلا باهتمام:
-خير مالها الآنسة صافى حصل حاجة
ابتسمت فريدة قائلة :
-هو الصراحة صافى جايلها عريس فكنت عايزة أخد رأيك بما أنك دلوقتى بقيت مننا
وضعت صافى يدها على فمها فهى ليست على دراية بهذا الأمر فمتى حدث ذلك وكيف لاتخبرها جدتها بشأن ذلك العريس قبل أخبار أيسر ثم هى لا تريد الزواج الآن أو ربما لا تريد الزواج من أى شخص كان غير من تشعر تجاهه بالارتياح فاقت صافى من أفكارها وحديثها مع نفسها على صوت أيسر :
-ألف مبروك بس هو مين لو أنسان كويس يبقى على خيرة الله وربنا يتمم بخير
لم تستساغ صافى ما سمعته منه فهل هو سعيد بأنها ستتزوج وجدت نفسها تخرج مسرعة من المطبخ قائلة بضيق:
-تيتة إزاى معرفش بموضوع العريس ده ثم الموضوع مش يخصنى أنا الأول ولا العروسة أخر من يعلم
قالت كلمتها الأخيرة بسخرية فنظرت اليها جدتها قائلة بابتسامة هادئة:
-ماهو أنتى كنتى هتعرفى يا صافى بس بعد ما كنت خليت أيسر يسأل عليه يمكن يكون أنسان مش كويس مبقاش قولتلك والموضوع ميكملش
طالعتها صافى بهدوء وحولت بصرها لأيسر وهى تقول:
-ومين قالك يا تيتة أن عايزة أتجوز أى حد كده وخلاص لاء طبعا
نقل أيسر بصره بين فريدة وصافى وهن يتجادلن بشأن ذلك العريس المستقبلى رفع يده يحك جبهته مغمض العينين يشعر بالصداع ولكن عندما زار مخيلته طيف محبوبته وجد نفسه يبتسم تلقائياً فكم أشتاق إليها فالشوق والحنين عصفوا به كرياح دافئة زارته فى موسم الصقيع تذكر همسها له بكلمات الحب والعشق التى يتمنى أن يسمعها منها مرة أخرى وتلك النظرة الشغوفة بعينيها عندما كانت تنظر إليه ، فإلى متى سيظل بجحيم الهجران ؟
فانتبه على حاله وفتح عينيه حمحم قائلا:
-يعنى أنتى مش موافقة يا أنسة صافى على العريس
فركت صافى يدها بتوتر تشعر بالتعرق فبماذا تجيبه هى الآن ؟ حاولت ايجاد عذر مقبول لتخبره به إلا أنها وجدت نفسها قائلة بدون انتباه:
-هو أنا ممكن أوافق أتجوز بس لو كان العريس أنت….
يتبع…!!!!
تم نسخ الرابط