روايات شيقه

رواية سر غائب الفصل الثاني و العشرين



فرأى طيف تلك الراحلة التى تركته يعانى وما كان له سلوى غير صورتها التى كانت دائما بحوزته وكانت الشاهدة على ما يعانيه فهتف بصوت منخفض وابتسامة ألم وأنين:
-أمى سامحينى معرفتش اخد حقك ولا حقى من اللى ظلمنا

لم تفهم ثراء ما يهمهم به لنفسه الا أنها صرخت صرخة مدوية عندما وجدته ساكناً لايأتى أى حركة:
–أاااااايسر

فغامت عينيها هى الأخرى تريد أن يبتلعها الظلام الذى عبره الآن من صرخت باسمه ومن سمعت منه أيضا تلك الكلمة التى كانت تهفو الى سماعها ولكن تفوه هو بها فى وقت ليس بالتوقيت المناسب فهل يريد أن تكون تلك الكلمة ذكرى تعذب قلبها إذا حدث له مكروه،أقترب جمال من أبنته التى سقطت مغشياً عليها بجوار جسد أيسر المضرج بدماءه فهذا اليوم سيظل ذكرى لن ينساها احد من هؤلاء الحاضرين الذين شهدوا على دفاع محب عن محبوبته وأيضاً نحيب قلب عاشقة لم تقوى على رؤية من سلبها قلبها بعشقه وهو ينازع الحياة متمسكاً بخيط دقيق فاصل بين حياته وموته
_______
تسابقت قدميه وعكازه ينقر الأرض يوسع الخطى هو وزوجته فى الوصول الى موظف الاستقبال بالمشفى نظر اليه رضوان بعينان زائغتان كأنه يخشى ان يتفوه بتلك الكلمات ولكنه لن يفلح فى عدم قولها فاذدرد لعابه قائلا:
–لو سمحت فى شاب جه فى حادثة واتصلوا علينا انا جده هو اسمه حسام عاطف رضوان

رفع موظف الاستقبال رأسه ينظر لمن يحدثه فرد عليه بنبرة هادئة فهو يومياً يرى لهفة العديد من الأشخاص للاطمئنان على ذويهم:
–هو دلوقتى فى أوضة العمليات فى الدور الثانى

كان حديثه كفتيل أشعل النار بقلب سميرة التى نزلت دموعها وهى تدب بيدها على صدرها تنتحب قائلة:
–يا حبيبى يا حسام ايه اللى جرالك يا نور عيني وصلك لكده

سحبها زوجها من يدها ليجعلها تكف عن الندب والنحيب فنظر اليها غاضبا ربما للمرة الأولى منذه اقترانه بها فصاح بها قائلا:
–سميرة وبعدين معاكى ايه اللى بتعمليه ده مش وقته انتى بتفولى على الواد اسكتى بقى

صرخ بكلمته الأخيرة حتى انتبه عليه الأشخاص الجالسين فعاود النظر الى زوجته يسحبها معه للوصول الى حيث دلهم موظف الاستقبال وصلوا أمام غرفة العمليات جلس رضوان وزوجته على احد المقاعد ظل يردد الدعاء لله بأن ينجى حفيده من ذلك الحادث فإن حدث له مكروه فهو وزوجته لن يستطيعوا تحمل ذلك بعد عدة ساعات خرج الطبيب يسحب قناعه الطبى من على وجهه أقترب منه رضوان ينظر اليه برجاء وأمل أن يخبره أن كل شئ على ما يرام وأن حفيده بخير
–حفيدى عامل ايه دلوقتى يا دكتور طمنى الله يخليك

ربت الطبيب على ذراع رضوان يطمأنه فهو يدرك حالة الفزع التى تبدو أثارها جليه على تجاعيد وجهه:
–أطمن ان شاء الله هيكون كويس الحمد لله ان ربنا انقذه من حادث زى ده والا كانت حياته هتبقى التمن بس هو حصله كسور فى جسمه بس ان شاء الله هيبقى كويس ألف سلامة عليه عن اذنكم

ذهب الطبيب فعاد رضوان للجلوس بجانب زوجته التى لم تفه بكلمة لم تفعل شئ سوى ذرف الدموع بصمت بعد عدة دقائق خرج حسام متسطحاً على سرير المشفى يدفعه أحد الممرضين رأت سميرة رأسه الملفوف بالضماد وذراعه الأيسر وقدمه أيضاً موضوعان بجبيرة من الجبس فأقتربت منه قائلة:
–يا حبيب قلبى بعد الشر عليك ان شاء الله كنت أنا وأنت لاء يا حسام

سارت هى وزوجها خلف الممرض حتى وصلوا الى أحد غرف المشفى التى سيقيم بها حسام خلال تواجده بها
جلس رضوان وزوجته بجانب الفراش إلا ان حسام لم يكن استعاد وعيه بعد فكم يهفو هم الآن لأن يفتح عينيه ويخبرهم أنه بخير وان ما حدث لم يكن سوى حلم وأنه لم يحدث له مكروه..!!
________
تجمعت حبات العرق على جبينه بكثرة نبع ذلك من خوفه فقدانه ذلك الشاب الذى وضع إنقاذ حياته بين يديه الآن ظل جمال ينظر الى ذلك الجهاز الذى يوضح له معدل نبضات القلب اذدرد ريقه للمرة التى لا يعلمها فتلك الرصاصة أستقرت بمكان دقيق قريب من القلب فحياة أيسر على المحك ولا يعرف كيف سيواجه أبنته اذا حدث له مكروه فاليوم فقط علم كم تحب أبنته أيسر وهو أيضاً طوال الطريق المؤدى إلى المشفى كان يهذى بحبه لثراء

فى إحدى غرف المشفى..صدرت صيحة عالية من تلك التى تستلقى على الفراش غير واعية لما يجرى :
–لاااااااااااااااء

كلمة رافضة ترافقت مع صراخ مدوى أطلقته ثراء بعد ان استعادت وعيها بالمشفى التى تم نقلها اليها هى وأيسر فهى رأت بحلمها كل ماحدث ولكن ما جعلها تصرخ بالنهاية هو رؤيتها أيسر يتركها ويرحل فقدته فى زحام شديد من الناس الذين حاولوا إبعادها عنه فصرخت بتلك الكلمة الرافضة لمنعهم من ذلك ولكن أدركت أن ذلك لم يكن سوى حلم أو إذا صح القول كابوس جثم على قلبها فطفقت تردد قائلة:
أيسر لاء أيسر راح فين أيسر أيسر

تركت فراشها تبحث عنه كالمجذوبة أو من أصابها مس من الجن ولا تدرى ماذا تفعل ولجت فيروز الغرفة بعد سماع صوت ابنتها فأقتربت منها بعينان دامعتان قائلة
–ثراء حبيبتى انتى فوقتى ألف سلامة عليكى يا قلب ماما

أحتضنت فيروز ابنتها تربت عليها بحنان فنظرت اليها ثراء قائلة:
–ماما فين أيسر أيسر كان هنا راح فين اخدوه فين يا ماما انا عايزة أيسر هو فين رااااااح فين

حاولت فيروز تهدئة ابنتها فحقنة المهدأ التى حقنها بها الطبيب ربما إنتهى مفعولها الآن لذلك عادت لصراخها وهذيانها ثانية فدمعت عينا فيروز قائلة:
–اهدى يا حبيبتى اهدى يا قلب ماما هو هيبقى إن شاء الله كويس وبابا معاه دلوقتى وهيبقى كويس يا ثراء بس بلاش عصبية وأهدى يا قلبى ليجرالك حاجة

تأوهت ثراء بصوت متألم تدفن وجهها بصدر والداتها قائلة بنحيب:
–ماما أيسر لو جراله حاجة انا هموت انا بحبه ومقدرش أعيش من غيره يا ماما وهو كمان بيحبنى هو قالى كده

تصلب جسد فيروز بعد سماع حديث إبنتها وليس هذا فحسب فهى رأت والد ووالدة أمير يقفون على الباب وربما استمعوا لما تفوهت به ثراء الآن فتلك النظرات التى تبادلتها سوزان مع زوجها خير دليل على أنهم استمعوا لما قيل فحاولت فيروز رفع ذلك الحرج الذى وقع على عاتقها قبل ان يقع على عاتق ابنتها فهتفت قائلة بحرج:
–أصل أصل أيسر انقذها كذا مرة فهى حاسة بامتنان ناحيته ومتعلقة بيه

رفعت ثراء رأسها تبتعد قليلا عن والداتها فنظرت إليهم قائلة بتأكيد:
–لاء اللى حساه ناحية أيسر مش امتنان ده حب وعشق كمان ايوة انا بحبه بحبه وعمرى ما حبيت حد غيره ولا حتى ابنكم

وصل أمير أثناء حديثها فاستمع لما قالته فتظاهر بعدم الاكتراث لما تفوهت به ثراء فهتف بوالديه قائلاً:
–لو سمحتوا يا بابا انت وماما انتوا اكيد تعبتوا اتفضلوا انتوا علشان ترتاحوا ثراء اعصابها تعبانة من اللى شافته وصدمتها لما شافت الحارس بتاعها مضروب بالرصاص

احتدمت ملامح ثراء بغضب عارم فاشارت اليه قائلة:
–أمير اللى انت سمعته صح انا مش اعصابى تعبانة او بخرف هى دى الحقيقة اللى الكل لازم يسمعها لازم كلكم تعرفوا ده ان علاقتى بأيسر مش علاقة واحد بيشتغل عندى لاء انا فعلا بحبه ومش شايفة راجل غيره فهمتوا كلكم وعرفتوا بحبه بحبه افهموا بقى

أصبح الوضع أكثر تعقيدا وخاصة بعد دلوف عزام وزوجته وابناءه وصديقتها ضحى الى الغرفة أيضا فنظر اليها عزام بغضب فابنة شقيقه وضعته بمأزق مع صديقه فجز على أنيابه قائلا بسخط شديد:
–ثراء اسكتى ايه اللى بتقوليه ده ها انتى مش فى وعيك يا ثراء انتى ازاى تقولى كده او عقلك يصورلك ان حاجة زى دى ممكن اعديها بس علشان انتى تعبانة انا هعديهالك بس مسمعش منك الكلام ده تانى مرة يا ثراء مفهوم

انتفضت ثراء فى أحضان والدتها بعد صراخ عمها بوجهها فانكمشت فى احضانها تبكى حتى رأت والداها يلج الغرفة بعد خروجه من غرفة العمليات فركضت ثراء اليه تسأله بلهفة
–بابا قولى أيسر عامل ايه هو هيبقى كويس مش كده ها يا بابا رد عليا

قبل ان يجيبها والدها سحبها عزام من ذراعها يهز جسدها الواهن يحذرها من مغبة الاستمرار فى هذا التلهف الذى ملأ صوتها:
–ثراء بطلى اللى بتعمليه ده ها وان كان على أيسر احنا هنتكفل بعلاجه وبعد ما يخف هصرفله مكافأة على اللى عمله وهخليه يسيب البيت مستحيل يشتغل عندنا تانى او يكون ليه بنا أى صلة هو مش من مستوانا ولا يحق ليه انه يفكر بس مجرد تفكير ان يكون له صلة بينا

أصاب جمال الاستياء من تصرف شقيقه فسحب ابنته إلى أحضانه مطمئنا لها ينظر اليها بحنان:
–حبيبتى اهدى أيسر الحمد لله بقى كويس وخرجتله الرصاصة وهيخف وهيبقى ان شاء الله زى الفل وانا اللى هحضر لفرحكم بنفسى هو كمان طلع بيحبك أوى وانا مش هقف فى طريق سعادتك ولا إن انا أتعسك يا حبيبتى
بس ليه مقولتليش أو قولتى لماما

غمغمت ثراء بصوت منخفض وهى تريح رأسها على صدر والدها قائلة:
–خوفت يا بابا وكمان مكنتش أعرف أن أيسر بيحبنى معرفتش الا بعد ما المجرم اللى خطفنى ضربه بالرصاصة

ظل الحاضرين ينظرون إليهم فهم كأنهم تناسوا وجود خطيبها وعائلته وليس هذا فحسب فالنظرات باتت تحمل استياءا عارماً رفع جمال رأسه فوقع بصره على فهمى والد أمير فحمحم معتذرا:
–فهمى بيه أنا متأسف بنتى مش هتقدر تكمل مع ابنك واقبل اعتذارى

سحب فهمى يد زوجته سوزان يريد المغادرة الا انه استوقفه عزام وهو يحول بينه وبين وصول الى الباب:
–فهمى أرجوك الليلة دى كانت صعبة على الكل فكلنا اعصابنا تعبانة فلازم تقعد ونتكلم بعدين

أقترب أمير منهم يربت على ذراع عزام قائلا:
–عزام باشا اظن مفيش كلام تانى يتقال دكتور جمال وثراء قالوا كل حاجة عن أذنك

خرج أمير يتبعه والديه فنظر عزام لشقيقه شزراً قائلا بنبرة غاضبة وبصوت ربما سمعه العاملين بالمشفى:
–حلو كده يا جمال عملت اللى فى دماغك انت وبنتك وطلعتنا عيال قدام الناس وده كله علشان بنتك ودلعك الفارغ ليها

أبعد جمال ثراء عنه قليلا قائلا بنبرة هادئة:
–لو سمحتوا كلكم اخرجوا برا وسيبونى انا وعزام لوحدنا شوية عايز اتكلم مع اخويا كلمتين على إنفراد

خرج جميع من كان بالغرفة وظل جمال وجها لوجه مع شقيقه ذو الوجه المتجهم والقسمات الغاضبة والمحيا العابس جلس جمال على احد المقاعد قائلا:
–أقعد يا عزام خلينا نتكلم ونتفاهم لأن مينفعش ان نتكلم واحنا متعصبين ولا ان نغلط فى بعض انت برضه اخويا الكبير

أقترب منه عزام عاقدا حاجبيه قائلا بنبرة مستنكرة :
–اخوك الكبير انت خليت فيها انت وبنتك كبير يا جمال بتكسروا كلمتى وبتمشوا اللى فى دماغكم لاء وكمان بتشجع بنتك على الغلط بس هقول ايه ما انت زمان غلطت نفس الغلطة لما سبت ثريا بنت عمنا وروحت اتجوز فيروز التاريخ بيعيد نفسه يا جمال

نبرة السخرية التى طغت على صوت عزام جعلته يهب واقفاً مكانه يزفر بضيق فهتف بنبرة حادة بعض الشئ:
–والله يا عزام لو بنتى هتغلط نفس غلطتى وتعيش مبسوطة أحسن ما تغلط غلطتك انت وتتجوز واحد مبتحبوش وتعيش تعيسة انت حصل معاك كده تنكر انك مش مبسوط فى جوازك وكل شوية تعرف واحدة على مراتك وساعات تتجوز عرفى كمان اه صحيح ايه اخبار سيرين نصار ولا أقول مرات اخويا

لايصدق عزام ما سمعه للتو من شقيقه فكيف علم بشأن تلك الزيجة فهو يحيط تلك العلاقات بالسرية التامة عندما حاول خرج كلامه متلعثما:
–هههو ايه اللى بتقوله ده يا جمال مفيش حاجة من اللى بتقولها دى

عاد جمال يجلس على مقعده ينظر اليه بنظرات شابها الحزن قائلا:
–متكدبش عليا يا عزام انا عرفت وشوفتك كمان وانت خارج من أوضتها لما نزلت فى نفس الفندق اللى كنا نازلين فيه بس ليه يا عزام تربط نفسك بواحدة زى دى لو مراتك ولا ولادك عرفوا هيبقى شكلك ايه قدامهم ودلوقتى بتلوم عليا ان عايز اجوز بنتى لأيسر على الاقل ده شاب كويس ومحترم وفداها بنفسه وكان بيحميها وأنا اسيب بنتى معاه وأنا مطمن انه هيحميها وده قرارى النهائى يا عزام ومش هرجع فيه واللى انت حابب تعمله اعمله يا كبيرنا

فكيف عساه أن ينطق بكلمة وكل شئ أصبح ضده حتى شقيقه فهو على دراية بما يفعله وهو من كان يظن أن لا احد يستطيع كشف علاقاته السرية ولكن تذكر الآن فهناك من يعلم أيضاً بشأن زواجه بسيرين وأرسل له مقاطع الفيديو خاصتهم

وقفت ثراء أمام تلك الغرفة التى يمكث بها أيسر تنظر اليه عبر الفاصل الزجاجى ودموعها تبلل وجنتيها بغزارة وهى تراه ممدداً على السرير متصل بجسده العديد من الاجهزة الطبية وأيضاً رأت ذلك الضماد الملفوف على كتفه مكان إصابته
فظلت تبتهل إلى الله بالدعاء قائلة:
–يارب اشفيه وعافيه شفاء لا يغادر سقما يارب يارب

وجدت من يربت على كتفها فنظرت خلفها فوجدت ميرا أصاب ثراء التعجب وهى ترى ميرا تمد يدها لها بمحرمة ورقية قائلة:
–خدى يا ثراء امسحى دموعك وإن شاء الله أيسر هيبقى كويس هيبقى كويس علشانك يا ثراء وأيسر فعلا يستاهل حبك

عقدت ثراء حاجبيها بغرابة من هدوء ميرا فى حديثها معها فهى تعلم كيف كانت ميرا تحاول جذب انتباه أيسر حتى ثراء كانت موقنة ان ميرا ربما وقعت فى غرام أيسر هى الأخرى ولكن ذلك الهدوء الذى تتحدث به خالف كل توقعاتها
–غريبة يا ميرا انك بتقولى كده وانا كنت حاسة انك …

لم تكمل ثراء جملتها فهزت ميرا رأسها فهى علمت ماذا كانت تريد أن تقول فابتسمت بخفوت قائلة:
–قصدك تقولى انك كنتى حاسة ان بحب أيسر انا كمان مش كده بس مش هتصدقينى لو قولتلك اللى حبيته فى أيسر غير اللى حبتيه أنتى يا ثراء انا حبيت سلطة الأخ اللى كنت بحسها منه لما يرفض ليا طلب انا عوزاه وهيضرنى حبيت انه قايم بالدور اللى المفروض اللى كان يقوم بيه بابا أو شهاب فهمتينى يا ثراء انا حبيته حب الإخوة واحدة عايزة تحس أنها مهمة عند حد وخايف عليها مش مجرد ينفذولها طلبات وبس أنا عارفة ان ضايقتك كتير بس ده كله كان من غيرتى يا ثراء أنتى عايشة وسط باباكى ومامتك ومهتمين بيكى وحواليكى لكن انا بالرغم من الرفاهية اللى عيشاها عايشة لوحدى زى ما أكون يتيمة مع أن اهلى لسه على قيد الحياة

خانتها دموعها فبكت ميرا بكت كأنها لم تبكى من قبل حتى وجدت من تسحبها لأحضانها ولم تكن سوى فيروز فظلت تربت عليها قائلة:
–اهدى يا ميرا أنا وعمك برضه موجودين وثراء بس أنتى اللى كنتى بتبعدى يا ميرا ماشية ورا أمك دى اللى عايشة فى روتانا كلاسيك

لم تفلح ميرا فى كبت تلك الضحكة من مزاح فيروز فهى تحاول التخفيف عنها فمدت يدها تسحب ثراء لاحضانها هى الاخرى فظلت محتضنة الفتاتان تربت عليهم وربما تلك المرة الأولى التى تشعر بها ميرا بالسكينة والراحة ..!!!
________
عادت روحية الى المنزل فقابلت زوجها على الباب فنظر إليها وإلى ملامح وجهها المرهقة فسألها قائلا:
–مالك يا روحية فى ايه وكنتى فين بقالك كام يوم بتخرجى وترجعى بالشكل ده انتى بتروحى فين

تجاوزته لتجلس على الاريكة الخشبية تلتقط أنفاسها التى انهكها صعودها درجات السلم قائلة:
–هكون بروح فين بس يا عزت

اقترب عزت يجلس على المقعد المجاور لها ناظرا اليها بتفحص فحاولت الهرب من عينيه المتسائلتين فاذدردت لعابها بتوتر قائلة:
–فى ايه يا عزت مالك بتبصلى كده ليه

–شوفى بقى لو منطقتيش وقولتى كنتى فين مش هيحصل طيب يا روحية فقولى أحسن ليكى انا مفيش دماغ ليكى وكمان عايز انزل اروح المستشفى اشوف الباشمهندس حسام علشان عرفت من عفيفى انه عمل حادثة وعايز اروح ازوره

دبت روحية على صدرها وشهقت قائلة:
–يا مصيبتى عمل حادثة ازاى ان شاء الله العدوين طب يلا بينا نروح نشوفه يلا يا عزت انا لابسة أهو وفين مايسة اقولها تاخد بالها من اخواتها على ما نرجع

عندما حاولت روحية ترك مكانها وجدت يد زوجها تشد على ذراعها تجلسها فى مكانها مرة أخرى فجز على أنيابه قائلا:
–قوليلى الأول كنتى فين يا روحية وبتخرجى من ورايا تروحى فين أحسن وربنا ما يطلع عليكى يوم تانى فى البيت ده انطقى احسن ليكى

لم تجد روحية مفر من البوح بمكان ذهابها فنظرت اليه قبل ان تلقى تلك الكلمات التى تعلم انها ستصبب زوجها بالغضب:
–ككنت بروح ازور عنايات اختى فى المستشفى

تبدلت ملامح وجه عزت بعد سماع اسم شقيقة زوجته فهم على خلاف دائم ويرجع ذلك الى رفض عنايات زواجه من شقيقتها إلا أن روحية اصرت على موافقتها وتزوجته رغما عن رفض شقيقتها فظلت العلاقات بينهم بين مد وجذر ولا تخلو لقاءات عزت بعنايات من بعض الشجارات حتى بعد كل تلك السنون فعقد حاجبيه قائلا:
–بس اختك بقالها فترة محدش بيشوفها ولا يعرفلها طريق وايه حكاية المستشفى دى كمان

هزت روحية كتفيها بجهل فهى حتى الآن لا تعلم سبب مكوث شقيقتها بالمشفى ولا تعلم أيضاً ما سبب اختفاءها الفترة الماضية فهتفت بقلة حيلة:
–والله ما اعرف يا عزت ولا فاهمة حاجة ولا فاهمة منها اى حاجة بس دى برضه اختى وملهاش غيرى وهى ولا جوز ولا عيل ولا ليها حد

نفخ عزت بضيق إلا انه هز رأسه بتفهم فأردف وهو يترك مكانه:
–ماشى يا روحية وانا مش همنعك عن اختك يلا بينا نروح المستشفى

ذهبت روحية مع زوجها الى المشفى التى يمكث بها حسام وصلا الى الغرفة التى يقيم بها ولكن قبل دلوفهم شاهدوا عفيفى يقف أمام الغرفة يمد محرمة ورقية يمسح بها عينيه التى لم تكف عن ذرف الدموع منذ علمه بشأن ذلك الحادث الذى ألم بحسام فأقترب منه عزت يشعر بقلق فربت على كتفه:
–عفيفى فى ايه الباشمهندس حسام حصله حاجة بعد الشر

كفكف عفيقى دموعه ينظر اليهم بابتسامة واهنة قائلا:
–لاء هو الحمد لله بقى أحسن دلوقتى بس مقدرتش اشوفه وهو كده دا الاسطى حسام افضاله عليا كتير

أقتربت منه روحية تواسيه قليلا تشيد بأخلاق زوج ابنتها المستقبلى قائلة:
–أصيل يا عفيفى ربنا يطمنك عليه يارب

دلف ثلاثتهم الى الغرفة فحسام كان يضطجع وذراعه معلقة على حامل معدنى ورأسه ملفوف بضماد وساقه أيضاً فأقترب منه عزت يربت على كتفة السليمة قائلا:
–حمد الله على السلامة يا باشمهندس حسام ألف سلامة عليك الف سلامة عليه يا عم رضوان

رمش حسام بعينيه قائلا بصوت واهن بالكاد يسمعه من حوله:
–تسلم يا عم عزت

اقتربت روحية من سميرة التى حاولت أن تتماسك فى ذلك الموقف العصيب فهى منذ سماعها بشأن هذا الحادث وهى كأنها بمعزل عما يحدث حولها رفعت رأسها عندما سمعت روحية قائلة:
–الف سلامة عليه وربنا يطمنك عليه يارب ومتشفيش فيه حاجة وحشة

ربتت سميرة على يد روحية قائلا:
–تسلمى يا روحية وتسلم مجيتكم لحد هنا

ظل حسام يجيل ببصره فى الجالسين ليعاود النظر إلى جسده المصاب فالقدر كان رحيماً به وانجاه الله من حادث كان ولا شك سيقضى على حياته ولكن الله أراد له أن يحيا بهذه الدنيا ولكن تلك الفرصة الممنوحة له سيحاول أن يصلح ما اخطأ به ولكن سيعمل جاهدا أيضاً على اخذ حقه ممن أوصله الى تلك الحالة التى أصبح عليها فمجدى لابد وان يدفع ثمن ما حدث له فهمهم بصوت بهامس:
– أنا وأنت والزمن طويل يا مجدى الكلب وحياة الراقدة اللى انا فيها دى لأوريك بس أصبر عليا أخف من اللى انا فيه هتاخد نصيبك انت والحلوة بنت الرافعى كمان

لايعلم لماذا تذكرها فهو كأنه يحمل بصدره غضباً وحقداً على ذوات الطبقة المخملية فهو لم يرى منهم غير كل سوء ألم به وبمعيشته كأنها يريد الانتقام من كل ما أساء اليه سواء بقول او بفعل..!!!
_________
بعد مرور ثلاثة أيام ..رمش أيسر بخضراوتيه عدة مرات كأن ذلك الضوء المنبعث من المصباح الكهربائى وميض عالى يؤذى عينيه ففتح عينيه ببطئ عندما شعر بملمس يد ناعمة تحتضن كف يده ولكنه ايقن أن ذلك الكف الناعم الملمس من المحال أن يكون لثراء فهو يعلم أنها لن تستطيع لمسه بتلك الحميمية التى يشعر بها فتبين من تكون صاحبة تلك اليد فهتف بصوت منخفض:
–جيسكا هو أنتى

اتسعت ابتسامة جيسكا وهى تسمعه يهتف باسمها بعد أن استعاد وعيه فأقتربت بوجهها قليلا منه قائلة:
–حمد الله على السلامة يا حبيبى خوفتنى عليك يا أيسر انت كويس انادى للدكتور

حرك أيسر رأسه بضعف فحاول ان يعتدل فى جلسته فأقتربت منه جيسكا تضع وسادة خلفه ليستطيع الجلوس براحة فأقتربت منه حتى كاد عطرها يتسلل إلى رئتيه فنظر اليها بتوتر بالغ فاتسعت ابتسامتها لعلمها بما يشعر هو به الآن فهمست بنبرة ناعمة:
–كده كويس مرتاح كده ولا اعدلهالك تانى

هز رأسه نفياً وحول بصره ناحية باب الغرفة فوجد ثراء تقف على الباب تتابع ما يحدث ولكن ملامح وجهها المرهقة تحمل إتهاماً صريحاً فهو يعلم تلك النظرة التى دائما ما يراها منها عندما تكون غاضبة منه أو أصابها الاستياء من فعل هو مرتكبه بدون قصد منه الا إنه قال بهدوء:
–أنسة ثراء اتفضلى

لم تنظر ثراء اليه فنظرها منصب على وجه جيسكا ذو النظرات المتحدية فجيسكا لم تنسى ما فعلته بها ثراء عندما حاولت الاقتراب من أيسر لتحول هى بينها وبينه معللة بذلك أنه يحبها وهى ليس لها حق بلمسه فخرجت ثراء عن صمتها قائلة:
–أنتى بتعملى إيه هنا انا مش قولتلك متقربيش منه يا جيسكا

جلست جيسكا على حافة الفراش فكانت ملاصقة له تهتف بعدم أكتراث:
–شاكلك ناسية يا ثراء أن أنا أبقى خطيبته وليا الحق أشوفه واطمئن عليه مش كده يا حبيبى

لم يفه أيسر بكلمة ولكنه متعجباً من أسلوب ثراء فى الحديث إلا انه حاول ان يتذكر ما تفوه به بعد تلقيه تلك الرصاصة فأتسعت حدقتيه عندما تذكر أنه أخبرها بشأن حبه لها فكيف عساه أن يخرج من ذلك المأزق الآن الذى وضع به فحاول أن يجد ما يبرر به قوله الا انه نظر الى جيسكا قائلا:
–جيسكا ممكن تسبينى اتكلم مع الآنسة ثراء شوية

نهضت جيسكا من مكانها فانحنت قليلاً تقبله على وجنته تحت انظاره وانظار ثراء المصدومة قائلة بنبرة مثيرة:
–اوك يا حبيبى انا هرجع الفندق أرتاح شوية وهجيلك تانى

أخذت جيسكا حقيبتها وخرجت من الغرفة وهى ترمق ثراء بنظرات مبهمة فعاودت ثراء النظر لأيسر الذى حمحم يحاول استعادة رزانته ولكن قبل أن يبدأ هو الحديث سبقته ثراء القول بنبرة حادة:
–هو إيه ده بقى انت ازاى بتسمحلها تقرب منك كده لاء وكمان بتبوسك قدامى إيه قلة الأدب دى وأنت شكلك مبسوط باللى بيحصل صحيح هتلاقى واحدة فين تبوس وتحضن كده من غير حياء غيرها مكنتش أعرف انك كده

لايعرف علام يبتسم على غيرتها الواضحة للعيان أم على ملامحها الغاضبة التى انكمشت بطرافة تشبه ملامح طفلة صغيرة أخذت منها فتاة أخرى دميتها المفضلة
–هو أنتى جاية تطمنى عليا ولا جاية علشان تعاتبينى وتحاسبينى على تصرفات جيسكا

أدركت فداحة فعلتها فهى بالأساس لم تأتى إلى الغرفة سوى للاطمئنان عليه ولكن بسبب رؤيتها ما فعلته جيسكا تناست ذلك وملأت الغيرة قلبها فلم تعرف ماذا تقول؟ ولكن قبل أن تجيبه لمحت دلوف والدها الغرفة برفقة ثلاث رجال لا تعرفهم وتتبعهم والداتها وصديقتها ضحى فأقترب جمال من أيسر يفحصه جيداً فنظر اليه مبتسما:
–تمام الحمد لله أنت دلوقتى كويس يا أيسر حمد الله على السلامة

بادله أيسر الابتسام قائلا بنبرة ممتنة:
–شكرا يا دكتور جمال بس مين دول اللى مع حضرتك

ابتعد جمال من جوار فراش أيسر يقترب من ابنته يحاوط كتفيها بحنان قائلاً:
–ده المأذون والشهود علشان تكتب كتابك على ثراء بنتى

دقيقتان كاملتان حتى استطاع أيسر وثراء استيعاب ما قاله جمال فوجده يشير للمأذون بأن يبدأ باتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد قران أبنته الوحيدة من أيسر فطلب منهم المأذون هويتهم الشخصية قائلا بابتسامة:
–بطاقتك يا عروسة وانت كمان يا عريس وبطاقتك يا أبو العروسة وكمان الشهود
تحركت عضلة قرب فم أيسر بتوتر بالغ فكيف يخرج من ذلك المأزق الآن إلا أنه رأى محفظته موضوعة على الكومود بجوار الفراش فاخذها و نظر بداخلها وصراع يشتد بداخله فأى من تلك الهويتين سيعقد بها قرانه على ثراء ظل مترددا عدة دقائق حتى وجد المأذون يهتف به ثانية:
–ايه يا عريس فين بطاقتك هى ضايعة منك ولا ايه
حسم أمره واخرج تلك الهوية المتوارية خلف بعض النقود تلك الهوية التى لا يعلم أى منهم بشأنها اخذها منه المأذون ليبدأ فى ملأ قسيمة الزواج بالبيانات اللازمة ظل أيسر يبتهل بداخله على الا تنكشف حقيقته فكل شئ على المحك الآن طلب المأذون بأن يضع جمال يده بيد أيسر فبدأ بعقد القران ظل أيسر يدعو الله الا ينتبه احد لأسمه الذى خطه المأذون على قسيمة الزواج ولكنه علم أيضاً أن المأذون وبلا شك سيهتف باسمه اثناء عقد القران وعندما بدأ المأذون بنطق أسم أيسر كاملا ظل أيسر يسعل بشدة حتى يجذب اليه انتباه الحاضرين فلم يسمع احد سوى صوت السعال فنظر اليه المأذون بقلق فأشار اليه أيسر بأن يتابع وبعد ان تجاوز قول إسمه كف أيسر عما يفعل وزفر بخفوت يشعر بالراحة من الخروج من هذا المأزق ولو مؤقتاً
مازالت ثراء واقفة مكانها لم تتحرك قيد أنملة لم تفيق مما هى به الا على يد ضحى تهز كتفها قائلة:
–ايه يا ثراء مالك متنحة ليه كده ألف مبروك يا حبيبتى

فهى تخشى ان يكون هذا حلم ويأتى الآن من يوقظها من نومها ولكن هذا ليس حلما فهى بعد دقائق ستصبح زوجة أيسر لم تخرج من صدمتها إلا عندما أعلن المأذون عن انتهاء عقد القران قائلاً:
–بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير امضتك يا عريس وانتى يا عروسة وفين الشهود كمان

–ممكن أكون انا الشاهد التانى على قسيمة الجواز
انبعثت تلك الكلمات من ذلك الذى يقف على الباب جاعلا كل من بالغرفة ينظرون اليه نظرة لا تخلو من الصدمة التى امتزجت بالدهشة أيضاً..!!!
يتبع…..!!!!!!!!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى