نظرت اليه نظرة أخيرة قبل ان تغمض عينيها تسقط مغشياً عليها تدع الظلام يلفها يجعلها تذهب فى عالم أخر ومازالت تلك الدموع تجرى على وجنتيها،ليهرول هو راكضاً خارج الغرفة يتخطى جسدها الملقى على الأرض، ليرى ذلك المتسلل الذى لا يعلم كيف استطاع الدخول إلى حديقة القصر فالاسوار عالية يصعب على أحد تسلقها إلا انه نادى بصوت عالى لعله يربك ذلك اللص
—استنى عندك لو موقفتش هضرب بالنار
سمع ذلك الرجل ما قاله فنظر خلفه وجده يركض إليه يحمل بيده سلاح نارى وعلم أيضاً ان ربما أيضاً سيخرج سكان هذا المنزل الآن بسبب صوت ذلك الرجل العالى
لم يتبين أيسر ملامح ذلك الرجل فهو ملثم يخفى معالم وجهه خلف قناع لايظهر منه سوى عيناه فقط،أطلق أيسر رصاصة كتهديد له حتى يجعله يكف عن الركض فى تلك الحديقة الشاسعة ،أجفل الملثم من صوت الرصاص إلا إنه زاده إصرار على الهرب فلو وقع فى قبضة أحد منهم سيزج فى السجن لامحالة فتمتم بصوت هامس قائلا:
—لاء مش لازم حد فيهم يعرف أنا مين أنا لازم أهرب والا هروح فى ستين داهية
ظل يخاطب نفسه يزيد حماسها على الهرب حتى استطاع ان يجد جدار منخفض قليلاً عن تلك الجدران الشاهقة،فوثب بخفة على السور حتى وجد نفسه خارج القصر ارتسمت ابتسامة عريضة على فمه انه استطاع الفرار من بين براثن ذلك الرجل الراكض خلفه ،لمح أيسر ذلك فوثب بخفته المعهودة التى تشبه خفة الفهد حتى تسلق هو أيضاً ذلك الجدار يركض خلف ذلك اللص ولكنه لم يدركه اذا أستطاع ذلك اللص أن يقود دراجة نارية يذهب بها سريعاً يختفى من المكان بأسره، أطلق أيسر سباب من بين أسنانه المطبقة بغيظ فتذكر تلك الفتاة الفاقدة الوعى على عتبة باب غرفته فعاد سريعاً الى الداخل وجد كل أفراد العائلة قد خرجوا إلى الحديقة ليتبينوا ما حدث وأسباب أطلاق الرصاص الذى سمعه كل من فى المنزل.
أثناء ذلك مازالت ثراء فاقدة الوعى يحاول كل من أبيها وأمها افاقتها فأقترب عزام من أيسر يسأله عما حدث
—أيسر ف ايه وايه صوت ضرب النار ده وثراء مغمى عليها ليه كده فى ايه
التقط ايسر انفاثه اللاهثة من كثرة الركض ليردف:
—شكله كان حرامى شوفته فى الجنينة ضربت نار علشان اخوفه الانسة ثراء سمعت صوت الرصاص اغمى عليها
وضع شهاب يده فى جيبه يردف بنبرة تحمل بين طياتها سخرية
—وأنت يا عم الحارس الشخصى معرفتش تمسك الحرامى طب لزمتك هنا ايه
اخفض “أيسر” وجهه حتى لايرى أحد تلك الملامح المستاءة التى أعترت وجهه فلو بيده الآن ربما بدأ العراك مع هذا الشاب الذى يسخر منه فى هذا الوقت، إلا انه لم يفعل شيئا فجاء كلام “لبنى” متمماً لسخرية أبنها:
—صحيح أنت معرفتش تمسكه يا أيسر ولا تكونش متفق معاه
هذا أكثر مما تتحمله أعصابه الثائرة، عندما فتح فمه للرد عليهم ،نظر إليه “جمال” بخوف وهو يرى ابنته مازالت مغشياً عليها يحاول إن يخفف من حدة ذلك الموقف
—طب والحرامى ده دخل هنا ازاى وأسوار البيت عالية وفى بواب برا ازاى ده حصل
رد “أيسر” بحيرة:
— مش عارف يا دكتور جمال هو ده اللى حصل وانا فضلت اجرى وراه حتى خرجت الشارع بس هو ركب موتوسيكل وجرى بيه
شعرت “فيروز” بتجمع الدموع بعينيها وهى ترى ابنتها هكذا فظل ترجوها ان تفيق:
—ثراء حبيبتى فوقى يا قلبى مالك ثراء ثراء
دلف أيسر إلى الداخل يجلب قنينة عطره يناولها لفيروز لتنثر منه على وجه ثراء لعلها تفيق:
—اتفضلى يا مدام فيروز البرفان ده ممكن تفوق
تناولته منه تنثر منه على كف يدها تقربه من أنف ابنتها، تململت ثراء برأسها، ترف جفونها حتى فتحت عينيها ببطئ وجدت كل أفراد عائلتها تنظر إليها،وخاصة وجه والداتها التى ابتسمت بالرغم من غشاوة الدموع التى كست عينيها لتردف بحنان:
—بعد الشر عليكى يا حبيبة ماما ايه اللى جرالك
سمعت كلام والداتها وجدت عينيها تلتف تلقائياً إليه، إلا انه حول نظره عنها سريعاً كإنه غير راغب فى رؤيتها، فشعرت بغصة فى حلقها وخرج منها الكلام بصوت خافت:
—مفيش يا ماما انا سمعت صوت الرصاص خوفت وأغمى عليا هو كان فى إيه
سحب جمال يد أبنته لتستقيم فى وقفتها يربت بحنو بالغ على وجنتها:
—دا كان شكله حرامى بس الحمد لله الموضوع عدا على خير وأيسر أتصرف
عقدت ميرا ذراعيها امام صدرها تنظر لثراء قائلة:
—وأيسر كان هيسيب البيت ويمشى بسبب ثراء
نظر عزام إلى أيسر بعدم فهم كأنه يريد منه تفسيراً لما سمعه الآن من أبنته إلا ان أيسر بادر بالرد بصوت يغلب عليه البرود:
—ده كان سوء تفاهم واتفضلوا حضراتكم تصبحوا على خير
نظرت اليه بعينان تحمل ندماً، إلا أنها شعرت بتزايد خفقات قلبها فهو لن يرحل سيظل هنا يزيد من تسارع وجيب قلبها، أغمضت عينيها تحنى رأسها تستعيذ بداخلها فهى تعلم أنها يجب ان تغض بصرها والا تترك العنان لقلبها، فهى تعلم أن ذلك الحب نبت بقلبها كزهرة فى موسم الربيع تجذب برائحتها الفراشات التى صارت ترفرف بداخل قلبها الآن،كلما سمعت صوته او رأت وجهه او تسللت رائحة عطره إلى أنفها، فأين المفر من تلك الهوة السحيقة التى زلت بها قدميها ربما منذ ان التقت بعيناه التى ستشهد بداخلها على جحيم من الغيرة التى تدب فى أوصالها من رؤية أنثى أخرى تقترب منه.
—————
صوت ماكينة الحياكة يتردد فى سكون غرفتها وهى منكبة عليها تعمل على إنهاء حياكة ذلك الثوب الذى أوصت عليه احدى جارتها من أجل طفلتها الصغيرة فاليوم يوم عطلتها من الجامعة.. رفعت وجهها عندما وجدت باب غرفتها يفتح ويدلف منه أباها يحمل بيده كوب من الشاى لها، فسارعت فى الوقوف تقترب منه تأخذ منه الكوب مردفة :
—ليه بس يابابا تتعب نفسك انا كنت هقوم اعمل لنفسى الشاى متتعبش نفسك تانى يا حبيبي
ابتسم منير ابتسامة خفيفة، ظهرت معها تلك التجاعيد حول فمه وعينيه فرد عليها قائلا:
—مفيش تعب ولا حاجة يا حبيبتى احنا اللى تاعبينك معانا هتلاحقى على مذاكرتك ولا التفصيل سامحينى يا بنتى
اقتربت منه ضحى تمسك يده بين كفيها ترفعها الى شفتيها تقبله بحب قائلة:
—بابا متقولش كده تانى علشان خاطرى كفاية انت سنين تعبان علشان تربينى مش عايزنى دلوقتى أتعب شوية علشانك وأنا فداك يا بابا
جذبها إليه يحتضنها بحنان أبوى يربت على ظهرها بحنان، تنعم هى بدفء أحضان والدها فهى ليس لديها سواه فى هذه الحياة، دلفت تلك المرأة فتبخرت تلك السعادة التى حلت على ضحى ووالدها فوجود تلك المرأة في أى مكان يجلب لها الضيق، وقفت فايزة تضع يدها بخصرها كعادتها تردف بسخرية :
—حلو شغل الافلام والمسلسلات اللى بتعملوه ده يا منير أنت وبنتك
اندلعت نيران الغضب بعينى ضحى، فهى تتحين فرصة واحدة حتى تنفث ما بداخلها بتلك المرأة فلو بيدها تجعلها حطاماً أو مجرد ذكرى بغيضة بحياتهم، ولكنها تصمت أكراماً لأبيها، ولأن تلك المرأة تملك نصف هذه الشقة التى يقيمون بها،فبادرت ضحى بالرد:
—لو مش عجبك شغل الافلام والمسلسلات ده ممكن تخرجى وتقفلى الباب وراكى
تقدمت فايزة من أحد المقاعد بالغرفة تجلس عليه بارتياح ظاهر تردف باستخفاف:
—اه ما علينا فين حق الفستان بتاع صاحبتك الغنية
خرج منير عن صمته قائلا:
—وأنتى مالك ومال الفلوس دى يا فايزة دى تعبها هى ملكيش دعوة بيه
نهضت عن المقعد تلوح بيدها قائلة:
—أنت بتقول ايه يادالعادى معناته ايه الكلام ده لاء يا حبيبى دا ليه فيه ونص كمان اه يا روحى وانا عايزة فلوس علشان البيت هصرف منين ما أنت عارف معاشك مبيقضيش حاجة وكمان انت بقيت لا شغلة ولا مشغلة يا سى منير
شعر بوخزات فى قلبه ليس من تلك الأمراض التى ألمت به فقط وأنما من حديث تلك المرأة المسموم الذى تلقيه على مسامعه منذ ما يقارب العام والنصف منذ أن طلب إحالته على المعاش نظرا لظروفه المرضية والصحية، عندما رأت ضحى الألم الذى ارتسمت وحفرت ملامحه على وجه أبيها هتفت ضحى بغضب:
—بلاش كلامك ده بابا تعبان مش ناقص كلامك اللى زى السم ده كله شوية ارحمينا يرحمك ربنا تعال معايا يا بابا
جذبت يد والدها ضغطت عليه بأصابع حانية ومواسية له تبتسم فى وجهه قائلة:
—يلا يا حبيبى علشان تاخد دواك وترتاحلك شوية
خرج منير من غرفة أبنته برفقتها،بينما ظلت فايزة واقفة مكانها تنظر إليهم بحقد ملأ صدرها،أقتربت من ذلك الثوب الموضوع على ماكينة الحياكة جذبت ذلك المقص الصغير وعاثت فسادا بالثوب.. يرتسم على وجهها ابتسامات الانتصار والتشفى فهى أتلفت الثوب…وستتلقى ضحى عتاب ولوم من جارتها..خرجت بعد أن أدت مهمتها الشيطانية… عادت ضحى إلى الغرفة بعد اطمئنانها على والدها… جلست لتنتهى من حياكة ذلك الثوب فنظرت بأعين مصدومة فالثوب لم يعد يصلح للحياكة او للارتداء.. أغمضت عينيها لتتسلل دموعها بكثرة على وجنتيها فماذا تفعل هى الآن؟..فحتى الشجار لن يجدى نفعاً.. فهى لاتريد ان تزيد من هموم والدها..ولكنها سمعت صوت هاتفها، عرفت من يكون المتصل بها بالرغم من ان دموعها حجبت عنها الرؤية فتحت الهاتف ليأتيها صوت ثراء:
—السلام عليكم يا ضحى اخبارك ايه
تحشرج صوت ضحى فاجابت بنبرة صوت مهزوزة من أثر البكاء المرير الذي طغى على صوتها
—وعليكم السلام ايوة يا ثراء انا الحمد لله انتى اخبارك ايه
شعرت ثراء بوجود خطب ما بصديقتها فسألتها باهتمام بالغ لمعرفة ما أصابها
—مالك يا ضحى أنتى بتعيطى ولا ايه ف ايه
زادت ضحى فى بكاءها وانهمرت الدموع كفيضان يأبى الانحسار، فأستحثتها ثراء على البوح بمكنون قلبها
—قوليلى يا ضحى بالله عليكى فى إيه
ابتلعت ضحى غصة بحلقها لتبدأ فى سرد ماحدث من زوجة أبيها..فهى لم يعد لديها الصبر الذى تواجه به أفعال زوجة أبيها..فكم تمنت لو يطلقها والدها..ولكن كيف ذلك فهى تملك نصف الشقة..وهى تعلمها جيداً فهى لن تتنازل عن حقها أبدا لتختم ضحى حديثها:
—هو ده كل اللى حصل مش عارفة أعمل ايه وجارتنا عايزة الفستان بكرة شكل كده لازم اخرج اشترى قماش جديد اعمل بيه الفستان منها لله مرات ابويا اهو خسرتنى والسلام
—أستنى يا ضحى نتقابل علشان كنت عايزة أتكلم معاكِ فى موضوع مهم
قطبت ضحى جبينها بتفكير قائلة:
—خير موضوع ايه فى حاجة حصلت ولا إيه يا ثراء
زفرت ثراء زفرة هواء قوية كأنها على وشك الاختناق لتردف:
—لما نتقابل هقولك انا كمان نص ساعة هخرج من البيت جهزى نفسك وهرن عليكى تخرجيلى هستناكى بالعربية
—تمام ان شاء الله سلام
بعد انتهاء المكالمة نهضت ضحى من مكانها اتجهت الى خزانة ملابسها تنتقى منها ما ترتديه وبعد ان انتهت من ارتداء ملابسها خرجت من غرفتها متجه إلى غرفة والدها لتخبره بشأن خروجها لمقابلة صديقتها..طرقت على الباب طرقات خفيفة فسمعت صوت والدها..فتحت الباب لتدلف بابتسامة باهتة ترافقت مع عيناها الذابلتين من كثرة البكاء فحاولت ان تنهى حديثها سريعاً قبل ان يفطن والدها لما حدث لها
—بابا انا خارجة اشترى شوية حاجات علشان ماكينة الخياطة وكمان هقابل ثراء صاحبتى ان شاء الله مش هتأخر
ابتسم منير ابتسامة خفيفة..هز رأسه بالموافقة قائلا:
—ماشى بس متتأخريش يا حبيبتى وخلى بالك من نفسك
—إن شاء الله ومتنساش تاخد الدوا فى ميعاده يا بابا
أقتربت منه قبلت رأسه… خرجت من الغرفة قابلت فايزة فلم تعيرها انتباهاً فمن الأفضل ان تخرج الآن… وإلا ربما ستهجم على تلك المرأة..ولن تهدأ إلا إذا رأتها جثة هامدة
—————
أجتمع هذان الرجلان بانتظار أمر جديد من زعيمهم ..سمع متولى رنين هاتفه التقطه سريعاً قائلا:
–أيوة يا بوص احنا مستنين أوامرك من الصبح احنا على استعداد دلوقتى لتنفيذ الأوامر
جاءه رد الرجل على الطرف الاخر قائلا:
–استعدوا وجهزوا نفسكم كمان ساعة
اسرع متولى للرد بنبرة متسائلة:
–طب يا بوص هنعمل ايه مع الحارس بتاعها اللى ملازمها على طول
رد” البوص” بصوت هادئ:
—هددوه بالسلاح لو قاومكم اضربوه بالرصاص بس من غير ما تقتلوه انا كل اللى يهمنى البنت عايزها بأى تمن انتوا فاهمين مش عايز أى مشاكل ولا غلطة لأن الغلطة معايا هتبقى بموتكم وهخلص عليكم انتوا فاهمين
ابتلع الرجل تلك الغصة التى سدت عليه مجرى الهواء بسبب الخوف من تهديدات ذلك الرجل فأردف بنبرة مهزوزة:
—تتتخلص علينا يا بوص لاء احنا هنفذ كل اللى بتقول عليه أوامرك يا بوص
سمع ذلك الصوت الذى دَل على انتهاء المكالمة..لينظر الى شريكه عباس الذى ينفث دخان سيجارته ببرود..جلس على الكرسى المقابل له لم يمنع نفسه من قضم أظافره من ذلك التوتر الذى ألم به..سمع صوت عباس يردف ببرود:
–أنت مالك خايف ليه كده وعمال تأكل فى ضوافرك هو البوص قالك ايه مخوفك كده
مد متولى يده يمسح حبات العرق التى تجمعت على جبينه ليردف:
– دا قالى لو فشلنا المرة دى هيخلص علينا
انحنى عباس بجذعه إلى الأمام يبتسم ابتسامة شيطانية
–ايه رأيك نخلص عليه احنا الأول ونرتاح منه وناخد الفلوس لينا لوحدنا بدل ما انا حاسس انه فى الاخر هيرمى لينا الفتافيت وياخد هو الجمل بما حمل ويكوش على كل حاجة لوحده
نظر إليه متولى بعدم فهم وحيرة لما يقوله قائلا :
– نخلص عليه ازاى يعنى مش فاهم انت عارف انت بتقول ايه انت بتقول كده ازاى انت مش خايف يعرف
استند عباس بظهره للخلف.. يسحب دخان سيجارته ينفثه ببطئ
–هيعمل ايه يعنى فينا احنا بقالنا شهور بنجرى ورا العملية دى وكل ما نخططلها تبوظ مش فاكر لما أحنا قابلناها وكانت فاكرة ان بنعاكسها وطلعلنا واحد يدافع عنها
–ماهو ده اللى بيشتغل الحارس الشخصى بتاعها دلوقتى وملازمها فى كل مكان دا حتى فضل يجرى ورايا يوم ما دخلت البيت وفضل يضرب نار فى الجو لما دمى هرب بقولك ايه قوم يلا نجهز نفسنا ونجهز السلاح بتاعنا
هب واقفاً يرتدى سترته الجيلدية..ألقى نظرة على تلك الأسلحة النارية الموضوعة على الطاولة أمامهم..ألتقط سلاح نارى متوسط الحجم وأخر أصغر حجماً وضعهم بخصره ليغلق سحاب سترته ليوارى تلك الأسلحة التى بحوزته..نظر إلى رفيقه يتأكد من أنه هو الآخر على أهبة الاستعداد :
–خلاص كده يلا بينا وخلى بالك بلاش غباوة النهاردة لأحسن أخر النهار هنلاقى نفسنا الملايكة بتحاسبنا لأن البوص مش هيرحمنا
أشاح عباس بعدم اكتراث واستخفاف قائلا:
–متوجعش دماغنا بقى بالكلام ده كل شوية وتهددنى أنا مبخافش من حد انا بس ساكت علشان القرشين اللى هيجولنا من العملية الملبن دى والبت اللى زى القشطة اللى من ساعة ماشوفتها وأنا بس مستنى اللحظة اللى تقع تحت ايدى
امتعض زميله من حديثه..فهتف به بحدة ماثلت تلك الملامح التى تصلبت بعد سماع حديثه الذى يفوح منه رائحة الدناءة والقذارة
–بقولك ايه بلاش السكة دى احنا نخطفها ونطلب فدية ونرجعها صاغ سليم ومحدش فينا يمد ايده عليها أنت فاهم اصل لو الموضوع أتعرف هنتفرم اذا كان من أهل البنت ولا البوليس فأنت اعقل يا عباس احسنلك مش ناقصين مصايب أكتر من اللى هتحصل
ضرب بكلامه عرض الحائط.. أو ربما لم يستمع إلى أى كلمة مما قالها له..فهو لن ينتظر ان يملى عليه أحد ما يفعله او مالا يفعله..فطيف تلك الحسناء مازال راسخاً فى ذهنه..فكم يتحين هو تلك اللحظة التى تقع تلك الفتاة أسيرتهم او اذا صح القول فريستهم….
–––––
رأته يقف بجوار السيارة بعد أن أخبرته بنيتها فى الخروج
أقتربت منه تبتسم إبتسامة هادئة..قابلها هو بابتسامة اشبه بالجمود..فهى لا تراه يبتسم إلا نادراً.. كأنه يخلع تلك الابتسامة وهو كاره..فتح لها الباب الخلفى للسيارة…
طحنت أسنانها بقوة من خلف شفتيها المطبقتين..فركبت السيارة بدون أن تتفوه بكلمة واحدة..أستدار هو سريعاً يستقل السيارة يذهب بها إلى حيث دلته.. قبضت على حقيبتها الموضوعة على ساقيها بأصابع غاضبة..نظرت من نافذة السيارة وعيناها كسماء أرعدت وعلى وشك ان تنهمر أمطارها..فجاهدت على أن تحافظ على رابطة جأشها..ولكن شقت الابتسامة شفتيها عندما سمعته يناديها قائلا:
–أنسة ثراء
أصاب صوتها الخفوت عندما همت بالرد عليه لكنها اجابته بنبرة واثقة:
–أفندم فى حاجة يا أيسر
كم يلعن هو اهتزاز عرش كبرياءه من تلك البحة بصوتها عندما تناديه بإسمه فهو كان سيخبرها الآن بنيته فى ترك العمل ولكن بعد ان تنهى اختباراتها الجامعية..ليتبعثر الكلام بداخله غير قادر على تجاوز حنجرته..فحمحم لعله بذلك يلمم ما بعثرته هى.. أنفرجت شفتاه ليطبقها سريعاً..فكلما حاول أن يسعف شفتيه بالكلمات..لايجد ما يقوله كأن ليس له عهد بالكلام ..كطفل صغير يحاول أن ينطق كلماته الأولى..فينطقها بتلعثم…
–ااانا ههو يعنى أصل ….
قطبت جبينها متعجبة من صنيعه..فمنذ متى وأيسر يتحدث هكذا..فهو دائماً ما يكون كلامه حادا وسريع الإنطلاق..فهو ليس ذلك الشخص الذى يهاب أحد وهو يحدثه فأردفت:
–مالك يا أيسر فى ايه وبتتكلم كده كأنك مش لاقى حاجة تقولها قول فى إيه
أغمض “أيسر” عينيه لبرهة ليطلق تنهيدة خافتة قائلا:
– مفيش حاجة انا كنت هسألك هتتأخرى فى المشوار اللى رايحينه ده
اجابته ثراء بابتسامة قائلة:
–لاء هقعد مع ضحى شوية فى أى مطعم وهنروح على طول
–تمام
لم يزد كلمة أخرى فعاد للتركيز على الطريق متناسياً.. بذلك ما كان ينوى ان يخبرها به..وصلوا إلى ذلك الحى الذى تقطن به ضحى هاتفتها ثراء فوجدتها تقترب من السيارة تفتح الباب تجلس بجوارها ابتسمت لها وألقت عليهم التحية..ليتوجه أيسر الى احد المطاعم التى ترتادها ثراء فى الغالب برفقة أسرتها..جلس على طاولة تبعد عن طاولتهن ليتركهن يتحدثن بحرية..نظرت ضحى لثراء باهتمام بانتظار ما تريد اخبارها به فأردفت بنبرة ممازحة بالرغم مما يعتمل بصدرها من ضيق وحزن:
–ها فى ايه بقى يا ثراء انا سمعاكى اهو بس ياريت بلاش حاجة فيها نكد علشان ورحمة امى اللى فيا مكفينى
ابتسمت “ثراء” على ما تفوهت به ضحى..فوجدت نفسها تنظر لذلك الجالس على تلك الطاولة يحتسى كوب قهوته ينظر للمارة لتهتف بتلك الجملة التى اخترقت مسامع ضحى:
–أنا بحب أيسر يا ضحى
بصقت ضحى المشروب من فمها بعد سماع تصريح ثراء… فظلت تسعل عدة ثوان وكأنها على وشك الاختناق..ربتت ثراء على ظهرها لعلها تتخلص من تلك الحالة التى أصابتها فنظرت اليها بقلق قائلة:
–ضحى مالك فى ايه انتى هتموتى ولا ايه
هدأت ضحى لتستعيد أنفاسها المضطربة تردف بصوت منخفض:
–انا كويسة..هو أنتى قولتى ايه دلوقتى يا ثراء.. هو اللى سمعته ده بجد
هزت ثراء رأسها بيقين وتوكيد لما قالته للتو …فهى حقاً مغرمة به ولم تبوح لأحد بذلك سوى لصديقتها المقربة
–أيوة يا ضحى بجد انا فعلا بحبه ومش عارفة اعمل إيه هو شكله مش فى دماغه أصلا دايما يتصرف بجمود وجدية كأنه مبيحسش..عامل زى لوح التلج..حتى بيبتسم بالعافية..
مدت ضحى يدها تربت على يد ثراء الموضوعة على الطاولة كأنها لاتجد ما تقوله..فنظرت اليها ثراء بوجوم أعترى وجهها… وهى ترى احدى النادلات تقترب منه بابتسامة عريضة…عندما حاولت النهوض للذهاب اليه لمعرفة ماذا تريد منه تلك الفتاة..وجدت ضحى تشد على يدها تجلسها مكانها مرة اخرى
–ثراء اقعدى راحة فين بلاش فضايح.. اهدى بالله عليكى
حاولت ثراء جذب يدها من يد ضحى فابت ان تتركها
–بلاش تعقدى الدنيا يا ثراء انتى لو اهلك عرفوا بالى بتقوليه مش هيسكتوا
تذكرت ثراء إصرار عمها عزام..على الحفاظ على وضعهم الاجتماعى..واعتداده بصيت العائلة.. كأنهم خلقوا من طينة اخرى …غير طينة كل البشر .. إلا أنها حاولت ان تحيى الأمل بداخل قلبها فأردفت معللة:
–وفيها ايه ما بابا وماما اتجوزوا بعد قصة حب وماما مكنتش غنية زى بابا بس اتحدوا كل الظروف واتجوزوا وعايشين مبسوطين
–بس كمان انتى قولتيلى ان جدك الله يرحمه طرد باباكى لما عمل كده ودلوقتى لو الموضوع اتكرر مظنش ان عمك عزام هيسكت يا ثراء وممكن يحصل خلاف بينه وبين باباكى وعمك مصر يحافظ على التقاليد والشكليات وكمان انتى متعرفيش ايه ممكن يكون رد أيسر عليكى..يعنى ممكن يفرح ان ممكن يرتبط بواحدة غنية وهيتنقل مستوى تانى وده يبقى انسان استغلالى ..يأما يرفض وميقبلش على كرامته ان مراته تبقى اغنى منه وهى اللى تصرف عليه
وضعت ثراء يدها على وجنتها تخرج تنهيدة حارة من صدرها تردف بنبرة حالمة:
– الله حلوة كلمة مراته دى يا ضحى ابقى مدام أيسر خطاب
رفعت ضحى حاجبيها قائلة:
–والله أنتى مسمعتيش كلمة من اللى قولتها غير كلمة مراته
هزت ثراء رأسها… وهى مازالت هائمة وسابحة فى بحر خيالها… التى باتت تنسجه من أمنية واحدة وهى أن تصبح حقا…زوجة أيسر خطاب
–––––
فى مثل هذا اليوم من كل عام..تنتابها تلك الحالة من الحزن فتعتكف فى غرفتها..غير راغبة فى رؤية أحد..تضم إلى صدرها تلك القطعة من الملابس..التى تخص الأطفال حديثى الولادة..لم تمنع نفسها من ذرف الدموع التى انهمرت على وجنتيها بغزارة.. كأنها تأبى ان يندمل ذلك الجرح بقلبها..لمحت دلوف زوجها إلى الغرفة..فكفكفت دموعها سريعا حتى لا يراها.. ابتسمت ابتسامة خفيفة قائلة:
–حمد الله على السلامة يا حبيبي رجعت النهاردة من المستشفى بدرى فى حاجة ولا ايه يا جمال
أقترب جمال من زوجته وجلس بجوارها مد يده يزيل اثار البكاء من على وجنتها يردف بحنان:
–حبيت أرجع اقعد معاكى شوية انتى وثراء علشان عارف ان النهاردة هتفضلى تعيطى وتفتكرى اللى حصل زمان يا فيروز وهتفضلى حابسة نفسك فى الأوضة طول اليوم أنتى مش عايزة تنسى ليه يا حبيبتى..
جذبها إليه يربت عليها بحنان فهو يشعر بما يعتمل بصدرها من حزن فهو أيضاً حزين على ماحدث ولكن تلك هى أرادة الله ليستأنف حديثه قائلاً:
–ثم أن الحمد لله ربنا عوضنا ورزقنا بثراء وهى مالية علينا حياتنا
هزت رأسها موافقة على كلامه :
–عارفة يا جمال كل الكلام اللى بتقوله ده بس كل ما أفتكر ان ملحقتش افرح بابنى وأول فرحتى قلبى بيوجعنى وكمان أنت عارف من بعد ما ولدت ثراء انا حصلى ايه ومنعنى من الخلفة تانى هو أنت مفكرتش تتجوز عليا علشان تخلف تانى يا جمال وتجيب ولد
ابتسم جمال فى وجهها يداعب وجنتها:
–ايه ده يا فيروز بقى كنتى عيزانى اتجوز عليكى.. ان فى واحدة غيرك تبقى مراتى.. ان اصحى الصبح على صوت واحدة تانية.. انك متكونيش أنتى اول حاجة اشوفها اما افتح عينى.. يبقى بلاها خلفة وعيال ثم الحمد لله ثراء عندى بالدنيا كلها..وأنتى يافيروز أنتى حبيبتى اللى مفيش غيرها خدت قلبى من أول طبق شوربة دلقته عليا
ابتسمت رغما عنها..وضعت يدها على كفه العريض تضغط عليه بحب..فهو مازال يجعلها تشعر أنها تلك الفتاة الصغيرة التى وقعت فى عشقه منذ أن رأته صدفة فى مطعم والدها الراحل
–هههه أنت لسه فاكر طبق الشوربة يا جمال
هز جمال رأسه بابتسامة قائلاً:
–أه طبعا ودى حاجة تتنسى ولما بابا طردنى علشان اتجوزنا وكنت أدخل اساعدك فى المطعم باباكى الله يرحمه كان يشوفنى أغسل الاطباق يقولى وليه تعمل فى نفسك كده يا ابن الأكابر
نظرت فيروز إليه بعشق قائلة:
–كنت تقوله علشان خاطر بنتك انا مستعد أمسح البلاط كمان..وعلشانها انا أضحى بكل حاجة حتى لو بعز وجاه أهلى
تحدثوا طويلاً يستعيدون ذكرياتهم سوياً..فالحب كضوء ينير دروب الحياة..حتى وإن كانت تلك الدروب كالانفاق المظلمة..
–––––
تكاد الكلمات تحرق جوفها..تريد ان تفلت من عقالها، تململت فى جلستها.. تحاول ان تلهى نفسها بشئ آخر..فنظرت من نافذة السيارة.. فهى فى طريقها للعودة إلى المنزل الآن بعد أن أوصلت ضحى إلى منزلها..ولكنها لم تسيطر على تلك الكلمات التى خرجت تنساب من بين شفتيها بسرعة
–أيسر هى البنت الجرسونة كانت عايزة منك ايه وواقفة تتكلم معاك ليه كانت بتقولك ايه ها أنت تعرفها منين ولا هى تعرفك منين
قَطب جبينه بتعجب من كم تلك التساؤلات التى تطرحها عليه الآن إلا انه أجابها قائلا:
–عادى كانت بتسألنى القهوة كويسة ولا لاء ثم حضرتك بتسألى الاسئلة الكتير دى ليه
حاولت ايجاد عذر مقبول تخبره به إلا انها تلعثمت قائلة:
–ممفيش حاجة
ضيق ما بين حاجبيه عندما نظر فى مرآة السيارة الجانبية ووجد سيارة تسير خلفهم فتنحى جانباً ليجعلها تتجاوزه إلا ان سائق السيارة ظل يلازمه من الخلف..شعر بريبة فكأن سائق السيارة مصر ان يتبعه..سحب سلاحه الخاص به وبيده الاخرى يحاول ان يقود السيارة بسرعة..تعجبت ثراء من قيادته المتهورة قليلاً فهتفت به:
– أيسر فى ايه سوق براحة شوية أنت شوية وممكن تموتنا كده
ظل يتبع حركة السيارة التى أصبحت تطاردهم الآن من خلال المرآة محاولا أيضاً التركيز على القيادة حتى لا يحدث لهم مكروه وخاصة تلك الفتاة التى تجلس بالخلف فصرخ بها قائلاً:
–أنسة ثراء وطى وانزلى فى العربية من تحت ومترفعيش رأسك ماشى يلااااا
تعجبت ثراء من حديثه الا انها نفذت ما اخبرها به عندما صرخ بها ثانية شعرت بخوف يحتل جسدها ظلت ترتجف وهى قابعة فى أرضية السيارة فشرعت فى البكاء:
–أيسر فى ايه
حاول طمأنتها قليلاً بالرغم من خوفه هو أيضاً:
–متخافيش يا أنسة ثراء
ظلت السيارة تطاردهم حتى سمع أيسر صوت طلقة نارية مدوية اصتطدمت بزجاج السيارة الخلفى ….!!!!
يتبع