إعتصر جفنيه بقوة لتتسلل تلك العبرات من بين أهدابه المغلقة تأوه بصوت مسموع يريد التخلص من جراحه الا انه سمع طرق عنيف على باب غرفته فترك مكانه ليرى من الطارق،فتح الباب فوجد احدى الخادمات بالمنزل
–أيوة فى ايه خير
ردت عليه الخادمة قائلة:
–عزام بيه كان عايزك فى مكتبه دلوقتى
هز رأسه مجيبا بهدوء:
–حاضر قوليله جاى حالا
انصرفت الخادمة،فعاد هو الى الداخل ابدل ملابسه البيتية بملابس مناسبة،ولكن قبل خروجه اعاد تلك الصورة الى مكانها أسفل وسادته،خرج من غرفته قاصدا المنزل ولكن قبل دلوفه تقابل مع ثراء وهى فى طريقها الى حديقة المنزل،ابتسم لها ابتسامة خفيفة ،قابلتها هى بجمود ونظرة عابرة فتجاوزته لتكمل طريقها بدون ان تتفوه بكلمة واحدة، فعقد حاجبيه من تصرفها،فظل واقفاً مكانه حتى تذكر ذلك الرجل الذى ينتظره الآن فأكمل طريقه الى الداخل حتى وصل امام باب غرفة المكتب الخاص بعزام الرافعى،طرق الباب عدة طرقات خفيفة حتى سمع صوت يأذن له بالدخول، فدلف أيسر وقف فى منتصف الغرفة
–تعال يا أيسر اقعد
اشار اليه عزام بالجلوس على احد المقاعد الموجودة فى الغرفة
–خير حضرتك كنت عاوزنى
أردف أيسر بهذا الكلام وهو يجلس فى المكان المشار إليه،يتطلع الى وجه عزام فى انتظار سماع ما سيقوله
نفث عزام دخان سيجاره الموضوع بين أصابعه يردف بصوت رخيم:
–انا عرفت من ميرا انها عيزاك تبقى الحارس الشخصى ليها هى كمان زى ثراء بنت اخويا
هز أيسر رأسه قليلاً دليلاً على معرفته المسبقة بشأن ذلك الأمر
–ايوة حضرتك هى طلبت منى وقولتلها لو الدكتور جمال والانسة ثراء وافقوا معنديش مانع
نظر اليه عزام نظرة لم يفهم أيسر مغزاها فأردف عزام بهدوء:
–بص يا أيسر انا ميرا بنتى مليش غيرها هى واخوها شهاب هم أغلى ماعندى ولو بقيت حارس ميرا وحصلها أى حاجة صدقنى مش هرحمك انا عايز عينيك تبقى فى وسط رأسك وأنت بتحرسها
هب أيسر واقفاً مكانه قائلا:
–حضرتك كنتى بعتلى علشان كده ولا فى حاجة تانية
ترك عزام مقعده وقف أمام أيسر ينفث دخان سيجاره فى وجهه بتحدى سافر فأردف:
–انا بس حبيت أعرفك يا أيسر وكمان علشان عايز كل تحركات ميرا توصلنى مفهوم ولا مش مفهوم
يُملى عليه أوامره ينتظر خضوعه كما اعتاد ان يرى الخنوع من العاملين لديه إلا ان ذلك الشاب دائما ما يحيره بثباته وهدوءه،ولا يعرف لماذا يشعر بأن هناك شئ يخفيه فهو لايستطيع سبر اغواره فأردف بتعالى وكبرياء:
–أتفضل انت دلوقتى ومتنساش اللى قولتلك عليه يلا
اشار عزام بيده يريد صرفه الآن بعد سماع رنين هاتفه وعلم هوية المتصل
ابتسم أيسر بمكر قائلا:
–حاضر ياعزام باشا انا خارج علشان التليفون مبطلش رن
أحتلت الدهشة ملامح وجه عزام من كلام أيسر المبطن فهو كأنه على دراية تامة بهوية المتصل
–أنت قصدك ايه بكلامك ده
وضع أيسر يديه فى جيبه ومازالت تلك الابتسامة الماكرة تزين ثغره الرجولى
–ولا حاجة يا عزام باشا عن اذنك
خرج أيسر من الغرفة، جلس عزام على احد الارائك الموجودة ومازال رنين الهاتف يتردد صداه فى الغرفة ،فنظر اليه يتأمل ذلك الاسم الذى ينير الشاشة فرفع الهاتف إلى أذنه مجيبا:
–أيوة يا سيرين
جاءه على الطرف الآخر ذلك الصوت الناعم:
–أيوة يا حبيبي وحشتنى أوى
مسح وجهه بكف يده مغمغما بخفوت:
–وأنتِ كمان وحشانى اوى بس النهاردة مش هعرف اجيلك مش فاضى
اجابته بصوت لم تخفى حدته:
–براحتك يا عزام على العموم انا مش فى البيت عندى شغل انا كمان
اغلقت هى الهاتف قبل ان يتمكن من الرد عليها زفر بحنق ملقياَ هاتفه بجواره واضعاً رأسه بين يديه ومازالت عبارة أيسر المبهمة عالقة في ذهنه..!!
________
فى أحد المطاعم الفاخرة..دلفت تتبختر بفستانها الأسود الذى يصف جسدها بجرأة،جاعلة ذلك الشاب الذى ينتظرها يزدرى ريقه بتوتر بالغ،اقتربت من تلك الطاولة التى يجلس عليها فهب واقفاً يمد يده يصافحها بابتسامة عريضة شقت شفتيه باتساع قائلا:
–أهلا يا أنسة سيرين شكرا على قبول دعوتى على العشا
سحبت يدها من كف يده تردف:
–ميرسى يا شهاب بيه كلك ذوق
سحب مقعد لتجلس عليه قائلا بابتسامة:
–أتفضلى اقعدى يا أنسة سيرين
جلست سيرين ووضعت حقيبتها أمامها على الطاولة ومازالت تلك الابتسامة الهادئة مرسومة على محياها الفاتن،تقدم نادل منهم يحمل بيده كأسين من شراب فاخر تناولاه منه ،ثم أنصرف مغادرا ،بدأت سيرين الحديث لمعرفة سبب تلك الدعوة من جانبه:
–أنت كنت حضرتك طلبتنى وقلت فى موضوع شغل مهم خير أتفضل قول سمعاك
وضع شهاب الكأس من يده مردفاً:
–طبعا حضرتك عارفة ان احنا بنتاجر فى الدهب والالماس فسنويا بنعمل دعاية وإعلان لمنتجاتنا فكنت حابة حضرتك تعملى الاعلانات دى وتمثلى ماركة الشركة بتاعتنا
استمعت لحديثه بتفكير،فهى تعلم أن عزام اذا علم بشأن هذا الأمر لن يوافق فهو دائماً يريد ان يجعلها زوجة فى الظل ولا يجعلها تقترب من أفراد عائلته،عند تذكرها ذلك زادت لديها روح التحدى فوجدت نفسها تردف بثقة:
–طبعا دا عرض ما يترفضش يا شهاب بيه وخصوصاً ان شركتكم مش بس معروفة محليا بس لاء دى دوليا كمان وانا اكيد هبقى سعيدة جدا وانا بمثل ماركة شركتكم تحب نبدأ من أمتى
ربما تلك الأمسية هى ليلة الحظ له ، فهو حصل على مايريد فأجابها بحبور:
–ان شاء الله ممكن نبدأ التصوير بعد بكرة يناسبك الميعاد ده
هزت رأسها موافقة قائلة:
– تمام يا شهاب بيه اتفقنا
مد يده كنوع من المصافحة والاتفاق ، ولم يكن ذلك سوى رغبة منه فى لمس تلك اليد الناعمة التى خلبت صاحبتها لبه منذ ان رأها،فتلامست أطراف أصابعها بيده
– اتفاق خير ان شاء الله يا أنسة سيرين
فضغط بيده على أصابعها بقوة شعرت هى بغرابتها فسحبت يدها بحرج،الا أنه لم يبد عليه شئ سوى الاستمتاع بالجلوس مع تلك الفاتنة،ظلوا يثرثرون طويلاً اثناء تناولهم العشاء،ربما شهاب لم يسمع نصف ما تفوهت به فهو منشغلا بالتدقيق فى ملامح وجهها،وحركة يدها وهى تضع شعرها الحريرى خلف أُذنها،فهو أصبح يتمنى ان لا تنتهى تلك الأمسية الهادئة أبدا..!!!
________
فى حديقة المنزل..مازالت على تلك الوضعية المترقبة منذ جلوسها على تلك الأرجوحة..يزداد فضولها لمعرفة ماذا يريد عمها من أيسر فى هذا الوقت،ففكرت أنه ربما يوصيه الآن بضرورة الحفاظ على سلامة ميرا اثناء حراسته لها،اغمضت عينيها بتعب تريح رأسها على طرف الارجوحة،فظلت تتمايل بها حتى شعرت أن ربما النعاس سيغلبها الآن،ففضلت الذهاب إلى غرفتها فلا طائل من جلوسها هكذا،ولكن عندما فتحت عيناها ،انتفضت اضطراباً عندما وجدت أيسر يقف على مقربة منها فهتفت باضطراب:
–بسم الله الرحمن الرحيم خضتنى يا أيسر أنت واقف هنا من أمتى
حك أيسر مؤخرة رأسه بحرج قائلاً:
–لسه جاى دلوقتى كنت هنادى عليكى لقيتك صحيتى
هبت واقفة سريعاً تريد الذهاب ،ولم تكد تخطى خطوتين مبتعدة حتى سمعت صوته يناديها
–أنسة ثراء ممكن أسألك سؤال
جاشت بصدرها مشاعر شبيهة برياح عاصفة عاثت فى قلبها اضطراباً ،فماذا يريد منها؟ ولماذا يناديها ؟،وعن ماذا يريد سؤالها؟ فأجابته بدون ان تلتفت اليه
–خير سؤال ايه ده
تعجب من صنيعها فهى تحدثه وهى توليه ظهرها فأقترب هو يقف أمامها،تطلعت إليه بلفتة سريعة لتخفض عينيها مرة أخرى،فتحدث هو قائلا:
–هو ده اللى عايز اسألك عليه ليه حاسس انك اليومين دول بتتجنبينى أو أن فى حاجة انا مش فاهمها او عارفها حضرتك مكنتيش بتتعاملى معايا كده ،هو انا مثلا عملت حاجة ضايقتك او عملت حاجة غلط
كانت تخشى سؤاله هذا بقدر ان تخشى ان تفضحها تصرفاتها الرعناء،ولكن عن ماذا تجيبه فهى الأحق ان تسأله لماذا هو أصبح يتحكم بقلبها اللعين، لماذا أحتل نبضاته،معلنا انتصاره بهدم حصون قلبها الهشة،فبماذا تجيبه؟،هل تخبره انها تكن له مشاعر لاتمت بصلة الخادم والمخدوم بشئ، أنها الآن باتت تحلم بذلك اليوم الذى تتهدم به كل المعايير والمقاييس التى تحكم عائلتها وتصبح هى زوجته،ولكن لا لن تخبره بكل هذا فهو بالأساس لا يبالى،لذلك يجب ان تقتل ذلك الحب بمهده فربما قلبه مشغول بأخرى فبالاخير هى لا تعلم شئ عن حياته سوى اليسير
– مفيش حاجة يا أيسر انا بس اليومين دول مشغولة بسبب الدراسة وبفكر كتير فى موضوع سفرى علشان أكمل دراستى برا مصر
فربما هذا أفضل حل ان تهرب منه ومن حبها البائس فتلك الفكرة لمعت بعقلها كحل لكل ما تعانيه فبسفرها سيتسنى لها ان تعيد ترتيب أفكارها وربما تبرأ من ذلك الهاجس الذى يطاردها
غمغم أيسر بدهشة ممزوجة ربما بصدمته من سماع كلامها:
–تسافرى تكملى دراستك برا ! هو حضرتك هتسافرى وتسيبى مصر ليه مش جامعتك هنا كويسة وهتقدرى تبعدى عن هنا وعن أهلك
ابتلع ريقه فى انتظار سماع ردها الآن عليه فأجابته بهدوء:
–يمكن كده أحسن لمستقبلى يا أيسر فى أوقات بيبقى البعد أنسب حل تصبح على خير
تركته مبتعدة ومازال هو واقفاً مكانه يتبع أثرها بعينيه التى مازالت على اتساعها منذ سماعه حديثها بشأن رحيلها عن مصر من أجل اتمام دراستها بالخارج،كور قبضة يده يعتصرها وهو يستشعر بأن هناك شئ مبهم بحديثها فهو يعلم مدى تعلقها بوالديها وأنها لا تستطيع الابتعاد عنهم فلماذا تفكر فى ذلك الآن؟، عاد الى غرفته لم يستطع النوم فما سمعه أصبح يؤرق مضجعه جاعلاً النوم يفر هارباً من جفونه، وبشىء يجثم على صدره يمنعه حتى من إلتقاط أنفاسه براحة..!!!
_______
ترفع قدمها اليسرى تريحها قليلاً لتعاود الكرة بقدمها اليمنى فقدمها ربما سيصيبها التقرح من كثرة الانتظار لإحدى العربات المستخدمة فى تلك المنطقة لتقيلها إلى جامعتها زفرت بضيق لتنظر إلى ساعة معصمها لتعلم انه لن يتبقى سوى ساعة على بدأ أول محاضرة فهتفت ضحى بضيق:
–ياربى مفيش ولا عربية عدت اعمل ايه المحاضرة كده هتفوتنى
رأت ضحى سيارة تقترب منها ولكنها تجاهلتها فهى تعلم من يكون سائقها فلم يكن سوى شقيق زوجة أبيها ذلك الشخص السمج المدعو أشرف،فأردفت بصوت خافت:
–لاء كده كتير وربنا مفيش عربيات وأشرف كمان الرحمة يارب
أطل أشرف برأسه من نافذة السيارة يبتسم ابتسامة عريضة ظهرت من خلالها أسنانه الصفراء قائلاً:
–صباح الخير يا أنسة ضحى صباح الورد والياسمين
نفخت ضحى بضيق قائلة:
–صباح النور يا أستاذ أشرف
رأت ضحى سيارة قادمة فرفعت يدها تشير لها بالتوقف الا انها تجاوزتها مسرعة فهمهمت بضيق:
– اه يا ابن اللذين الله يسامحك
ترجل أشرف من سيارته يقترب منها فارتدت هى بخطواتها قليلا الى الخلف،فأسرع أشرف قائلا:
–أتفضلى يا أنسة ضحى أوصلك انتى فى طريقى اتفضلى متخافيش
رفعت ضحى احدى حاجبيها بامتعاض فردت قائلة:
–واخاف منك ليه ان شاء الله انا مبخافش الا من ربنا ويلا بقى شوفك رايح فين مش نقصاك على الصبح مش هتبقى انت ووسائل النقل العام كمان
ظل يعبث بمفتاح سيارته على طرف إصبعه ،ينظر اليها نظرات شملت هيئتها كاملة فأردف بنبرة متكاسلة:
–انا مش عارف انتى تاعبة نفسك ليه ما العربية قدامك اهى وانا مش غريب دا احنا قرايب ويمكن نبقى حبايب
كان هذا أكثر ما تستطيع تحمله فهتفت به بنبرة حادة:
–دا بعينك وبعيد عن شنبك ان وافقت عليك يا أشرف مش اخرتها اوافق على واحد لا مؤاخذة يعنى معرفش بيجيب فلوسه منين
هذا تلميح واضح منها بمصدر عمله المشبوه الذى اصبح لا يخفى على أحد فهى أيقنت الآن ان كل ما لديه لم يكتسبه من طريق مشروع وانما بطرق ملتوية وهى لن تقترن برجل حياته محفوفة بالشك والشبهات
فأجابها أشرف قائلا:
–مالها بقى فلوسى انا بشتغل فى السياحة
اجابته بنبرة هازئة قائلة:
–السياحة! طيب الله يكون فى عون السياحة يا أشرف
تركت ضحى مكانها بعد رؤيتها احدى عربات النقل العام فصعدت إليها تجلس على احد المقاعد بجوار النافذة نظرت لأشرف باشمئزاز وهو مازال يقف مستنداً على سيارته..!!!
______
وضع ذلك الرجل المدعو “عباس” يده على وجنته يتحسس أثر تلك الصفعة التى تلقاها الآن من كف يد ذلك الرجل الذى ينظر اليه بشرار يتطاير من عيناه،فغضب من الجحيم أطل من عيناه التى ترمق الرجلين الماكثين أمامه بخوف تبادر إلى وجوههم،فهتف بهم بصوت جهورى غاضب:
– هو كل مرة الخطة تفشل بسبب غبائكم يعنى مش عارفين تعملوا حاجة صح خالص
ابتلع” عباس” ريقه بخوف قائلا:
–والله يابوص عملنا اللى نقدر عليه بس الحارس هرب بالعربية ومنعرفش زاغ مننا فين
انحنى ” البوص” اليه يقبض على ياقة قميصه ينظر اليه نظرات غاضبة من خلف زجاج نظارته القاتم يردف بصوت اشبه بفحيح الافاعى:
–كل مرة نفس الرد بتاعكم ده كل مرة تقولولى معرفناش نجيبها هفضل لحد أمتى اسمع الكلام ده ها رد عليا
انتفض الرجل من حدة صوته وممازاد فى خوفه رؤيته له يسحب سلاحه يضغط به أسفل فكه قائلا:
– أنت عارف اللى يفشل فى مهمة بيبقى جزاءه إيه عارف ولا مش عارف تحب اضربك دلوقتى رصاصة واريحك من الدنيا دى وارتاح انا من غبائك
انحنى ” البوص ” بجسده جانباً بعد رؤيته متولى خلفه وهو يهم بالانقضاض عليه من خلال تلك المرأة المثبتة فى الحائط المقابل له
سقط متولى على الأرض فأرتطم وجهه بالأرض ،فأقترب منه ” البوص” يعيق جسده عن الحركة يقبض على فكه بين اصابعه يضغط عليه بحقد قائلاً:
– أنت فاكر نفسك ناصح وفالح يا متولى وعايز تضربنى لسه متخلقش اللى يقدر يمد ايده عليا بس علشان خاطر ولادك انا هسيبك بس مش عايز اشوف وشك تانى لأن المرة الجاية هسلمك لعزرائيل يلا قوم غور من وشى يلاااااا
فر متولى هارباً من ذلك المكان، بعد سماع تهديده الصريح له،فنظر ” البوص” إلى الرجل عباس:
– ايه مش عايز تقتلنى انت كمان يا عباس مهربتش زيه ليه
لم يتفوه عباس بكلمة فستأنف البوص حديثه قائلا:
–يلا انت كمان انا مش عايز أشوف وشك تانى ماشى مش عايز رجالة مالهاش لازمة تشتغل معايا انا عايز رجالة مش عيال
حاول عباس ثنيه عن قراره بحقه فأردف:
–سامحنى المرة دى كمان يا بوص واوعدك المرة الجاية هنفذ اللى قولت عليه بالملى ومش هغلط
وضع البوص سلاحه على طاولة خشبية ووضع احدى يديه بجيب بنطاله والأخرى رفعها يعدل من وضعية نظارته الشمسية الموضوعة على وجهه والتى تخفى خلفها معالم وجهه التى لا يستطيع أحد معرفة اذا كانت متجهمة أم لا،ففضول عباس يزداد يوماً عن الآخر لمعرفة هوية هذا الرجل الغامض الذى لايعلم عنه شيئ منذ ان تعرف عليه فى أحد المناطق الخاصة بالعصابات
–خلاص انت خدت فرصتك كاملة يا عباس مفيش فرص تانية ويلا مش عايز اشوف وشك انت كمان
اصاب عباس الضيق من صرفه له بهذه الطريقة فسحب ذلك السلاح الملقى والذى يخصه بالأساس يشهره فى وجهه
–اه انت عايز تمشينى انا كمان علشان تأكل الاكلة كلها لوحدك وتكوش على الفلوس لوحدك بس ده مش هيحصل علشان انا هقتلك دلوقتى
ارتسمت ابتسامة هازئة على وجه ” البوص” فأقترب منه حتى لامس السلاح عضلات صدره الصلب قائلا:
–يلا اضرب مستنى ايه يا عباس يلا ورينى شطارتك بس مش هتقدر تضرب علشان انت اصلا جبان
تعجب عباس من ثباته فهو لا يخشى حتى الموت فحاول تهديده مرة أخرى:
– انت مش خايف حتى من الموت بس يلا اتشاهد على روحك
سحب زناد السلاح محاولا إطلاق الرصاص إلا انه تفاجئ بخلو المسدس من الطلقات، فحاول عدة مرات إلا انه ايقن بالاخير ان السلاح فارغاً، فتعالت صوت ضحكة البوص
–لاء شاطر يا عباس طلعت شجاع والله تصدق خوفتنى فكرنى عبيط علشان اسيبلك المسدس فيه رصاص واسيبه قدامك كمان انت شكلك لسه متعرفش انت بتتعامل مع مين
تراجع عباس عدة خطوات للخلف وهو يراه يقترب منه بخطوات ثابتة، يبحث بعينيه عن مفر او مهرب من ذلك الرجل، إلا ان البوص توقف عن التقدم قائلا:
–الباب قدامك هناك اهو يا عباس حتى غبى فى دى كمان مش عارف تهرب
لم يمهل عباس نفسه فرصة ففر هارباً مثلما فعل متولى، يهرب من ذلك الجحيم الذى ربما على وشك ابتلاعه على يد ذلك الرجل،جلس البوص على أحد المقاعد وهو ينقر بأصابعه على حافة الطاولة الموضوعة أمامه يتأكله الغضب
–يعنى وبعدين بس خلاص محدش هينفذ العملية دى غيرى ويا انا يا العملية دى لو حتى اخر يوم فى عمرى برضه مش هسيبها الا لما اخد اللى انا عاوزه
إصرار يتملكه على إتمام تلك الخطة التى فشل فى تحقيقها عدة مرات، فترك ذلك المكان الذي كان يجلس به يبحث عن حلول أخرى لتنفيذها فكلمة الفشل لابد ان يمحيها تلك المرة وبأى وسيلة كانت..!!!
_____
أنصرف الطلاب بعد انتهاء المحاضرة ومازالت ثراء تجلس شاردة ، تعبث بقلمها فى دفترها حتى امتلئت الصفحة البيضاء بخطوط ودوائر لامعنى لها ،الا انها تشعر بداخلها ان حياتها أصبحت أكثر تعقيداً من تلك الخطوط المتداخلة ببعضها البعض،لم تكف عن فعلتها إلا عندما مدت ضحى يدها تسحب القلم من بين أصابعها القابضة عليه بقوةكانت على وشك كسره فهتف ضحى ممازحة:
–ايه يا حاجة خليتى الورقة شوارع وهتكسرى القلم كده خسارة
انتبهت ثراء عليها فردت بابتسامة واهنة:
–صعبان عليكى القلم انه يتكسر يا ضحى خليه يتكسر ما فى الاغلى منه واتكسر
طالعتها ضحى بتعجب من حديثها قائلة:
–تقصدى ايه يا ثراء ومالك بتتكلمى ليه كده فى حاجة حصلت قوليلى
تنهدت ثراء بخفوت فهبت واقفة تلملم كتبها مردفة:
–تعالى بينا يلا نخرج مبقاش فى غيرنا فى المدرج
لملمت ضحى أيضا كتبها واخذت حقيبتها، وصلوا إلى الخارج رأت ثراء أيسر يقترب منها الا انها استوقفته باشارة من يدها فعاد أدراجه ثانية يقف بجوار السيارة اختارت ثراء مكانا هادئاً لتجلس به هى وضحى ليتسنى لها الكلام بحرية وحتى تكون بعيدة عن مرمى بصر ذلك الواقف بجوار السيارة
وضعت ضحى يدها على وجنتها فى انتظار بدء ثراء بالحديث فاستحثتها على الحديث قائلة:
– ها قوليلى بقى مالك وليه بقيتى تتكلمى الكلام العميق الغريب المريب ده
لم تمنع ثراء تلك الابتسامة التي تسللت الى شفتيها من مزاح صديقتها
–هو انتى متعرفيش يا ضحى تتكلمى جد ابدا
اردفت ضحى بتفاخر مصطنع:
–طبعا طبعا يا ابنتى انا من غيرى الدنيا تتهد وميبقاش ليها طعم زى الاكل البايت كده
تنهدث ثراء بتعب قائلة:
– ضحى قومى روحى مش نقصاكى انتى كمان والله
مدت ضحى يدها تربت على يد ثراء فهتفت بجدية تلك المرة:
– انا كده ابتديت اقلق فى ايه بقى مزعلك اوى كده هو حد من اهلك عرف بموضوع حبك لأيسر وزعلك ولا ايه
هزت ثراء رأسها نفياً قائلة:
–لاء محدش عرف بس انا يا ضحى اللى حاسة ان الموضوع ملغبط وان ممكن أيسر يكون فى واحدة فى حياته انا اللى حبيته من غير ما افكر هل هو قلبه خالى ولا حياته كانت قبل ما يشتغل عندنا كانت عاملة ازاى، ثم كمان حاسة ان ميرا بنت عمى هى كمان بتحبه
نظرت اليها ضحى بدهشة قائلة:
– ميرا ! انتى بتقولى ايه اللى اعرفه منك ان ميرا بنت عمك مغرورة ومتكبرة وانها بتبص للناس من فوق معقولة تحب ايسر هى كمان لا مظنش اللى انتى بتقوليه ده
أكملت ثراء حديثها:
–طب ليه طلبت انه يبقى حارسها هى كمان وان بقت معظم الوقت عايزة تلفت انتباهه انتى مشفتيش فرحتها لما بابا وافق على ان أيسر يبقى يروح معاها النادى لما أكون انا فى البيت كان ناقص ترقص من فرحتها
نقرت ضحى بأصبعها على شفتيها كأنها تفكر فأردفت:
– يا سلام هو أيسر عملكم ايه كده علشان انتى وبنت عمك تقعوا فى غرامه
إجابتها ثراء ممازحة:
– شكله عملنا عمل يا ضحى
قبل ان تجيبها ضحى لمحوا أيسر يتقدم منهم قائلا:
– أنسة ثراء لو حضرتك خلصتى محاضرات ممكن نمشى علشان الآنسة ميرا كلمتنى و منتظرانى فى البيت
سمعت ثراء ذلك أجابته بصوت حاد وضيق:
– أبقى قولها تستنى شوية انت مش هتطير يعنى يا أيسر ثم انا حرة اروح فى الوقت اللى يعجبنى انت شغال عندى انا ولا عندها لازم متنساش انك فى الأساس شغال عندى أنا مفهوم ولا مش مفهوم
انتبه على صوتها جميع الطلاب الجالسين بالقرب من المكان الذي تجلس به، رأته يرحل من أمامها بعد أن شعر بالحرج من أسلوبها المهين فى الحديث معه، فنظرت اليها ضحى بعتاب فهى تعلم ان ثراء ليست تلك الفتاة التى تهين احد حتى وان كان عامل لديها
–ليه كده يا ثراء حرام عليكى احرجتيه قدام الطلبة الموجودين وكمان زمانه زعل من طريقتك دى معاه فى الكلام انا عارفة انك قولتى كده بسبب الغيرة بس مش لدرجة تكسفيه كده هو ذنبه إيه هو شغال عندكم بينفذ أوامر وبس وميقدرش يقول لحد فيكم لاء
غطت وجهها بكفيها تعنف نفسها على تصرفها الأرعن،فهو حقاً ليس مذنباً فالمذنب أولا وأخيرا قلبها، نهضت من مكانها هى وصديقتها فذهبت ضحى بطريقها وذهبت هى الى سيارتها وجدته يفتح لها باب السيارة كعادته ولكن قبل ان تتخذ مقعدها وقفت أمامه تبدى أسفها على ما تفوهت به
–أيسر اانا مقصدش حاجة من اللى قولتلها ولا قصدى اهينك ولا اقلل منك
لم يجيبها ظل صامتاً فهو حتى لا ينظر اليها، فأردفت ثراء:
–أيسر انت مبتردش عليا ليه
أجابها قائلا:
– أتفضلى يا ثراء هانم علشان اروحك البيت علشان متاخرش على ميرا هانم هى كمان واسمع منها كلمتين ملهمش لازمة علشان اتأخرت عليها
نبرة صوته جليدية ،فعلمت انه لن يغفر لها زلتها تلك المرة مثل سابقيها
–انا مسميش ثراء هانم يا أيسر
هز رأسه مجيباً:
– لاء من النهاردة حضرتك ثراء هانم وانا السواق والحارس بتاعك وبس يعنى انتى ولية نعمتى اللى بتأكلنى لقمة عيشى فلازم أعرف حدودى وكويس ان حضرتك عرفتهالى
اتخذت مقعدها فى السيارة فظلت على صمتها المريع الا انها كسرت حاجز الصمت بذلك السؤال الغير متوقع
– أيسر هو انت متجوزتش ليه لحد دلوقتى
تعجب من سؤالها إلا انه أجابها قائلا:
– لأن الجواز رفاهية مش للفقرا اللى زينا
ردت عليه بعدم فهم قائلة:
– يعنى ايه هم الفقرا مش من حقهم يتجوزوا هم كمان
ضغط على مقود السيارة مجيباً :
– لما تكون اللى بتمناها فى فرق بينى وبينها زى اللى بين السما والأرض يبقى مش من حقى يا أنسة ثراء ان أتجوز ولما يبقى فى الاحسن والافضل منى بيتمنى قربها أكيد هى مش هترفض دول كلهم علشان واحد زيى أنا
ماذا يقصد بحديثه هذا ؟هل فى ذلك اشارة واضحة الى ميرا ؟فهى تعلم عدد الشبان الذين يتوددون اليها راجين خطب ودها وكل واحد منهم يمنى نفسه بأن تصبح زوجته، فربما صحت الآن ظنونها بأن هناك شئ خفى بين أيسر وميرا فربما هو يشعر نحوها بالحب ولكنه لا يظهر ذلك خشية من رد فعلها، هل يريد قلبها السخيف الآن دليل على أنه يجب ان يُقلع عن ذلك الحب، فتلهفه للعودة الى المنزل بعد مهاتفتها له خير دليل وجاء حديثه متمماً لصحة ظنونها، فالأن غزت جيوش اليأس روحها تصيب قلبها بسهام مسمومة فأصبح قلبها معتل نازفا بين جدرانه ينشد الخلاص فربما أصبح فى نزعه الأخير قبل إعلانه سحقه بين شقى رحى العذاب الذى سيصبح حليفه فى تلك الفترة القادمة…!!!
________
فى ذلك القبو الذى يتسرب اليه ضوء شحيح من تلك النافذة الصغيرة فى أعلى الحائط ،رمشت تلك المرأة بعينيها عدة مرات قبل ان تفتحها على أتساعها بعد رؤية تلك المرأة الأخرى الواقفة أمامها،فابتسمت بوهن ،نهضت من ذلك الفراش الرث الذى لايخلو من بعض الحشرات المزعجة قائلة:
–ايه سبب الزيارة السعيدة دى انتى لسه كنتى عندى امبارح مش عوايدك تجيلى كل يوم من ساعة ما حبستينى هنا
جلست المرأة الأخرى على أحد المقاعد الموجودة والتى كساها الغبار ،فوضعت ساق على الاخرى تردف بسخرية:
– أصلك وحشتينى أوى يا عنايات قولت اجى اشوفك بلاش يعنى ولا ايه انتى عارفة اصلك بتوحشينى بسرعة ومش بطيق فراقك فبجيلك على طول
مدت عنايات التى وهنت عظامها بفعل سوءالمعاملة تأخذ كوب الماء الموضوع على تلك المنضدة المتهالكة بجوار الفراش،رفعته إلى فمها ترتشف منه ومازالت عيناها ترصد وجه تلك المرأة الجالسة أمامها فهمت قائلة:
–هاتى من الآخر عايزة منى إيه دلوقتى وجاية تزعجينى وتوجعى دماغى
نظرت إليها المرأة الأخرى بأعين تحمل غضباً عارماً فأنحنت إلى الأمام تبتسم ابتسامة شيطانية قائلة:
– أنتى عارفة انا ممكن اعمل فيكى ايه يا عنايات انا ممكن اخلص عليكى دلوقتى والدبان الأزرق مش هيعرفلك طريق وأصلا مفيش حد هيسأل عليكى
أضجعت عنايات على فراشها تنظر اليها بلامبالاة واستخفاف قائلة:
–تصدقى ضحكتينى انتى عارفة كويس انك متقدريش تعملى كده علشان انا فى ايدى حبل مشنقتك
استاءت من حديثها فنهضت من مكانها تقترب منها تقبض على تلابيب ملابسها تفح أنفاسها كفحيح الأفاعى قائلة:
–أنتى أحسنلك تقوليلى هو فين بدل ما أقتلك دلوقتى أنا فضلت أدور عليكى لحد ما لقيتك بعد ما كنتى هربانة منى وفى الآخر لقيتك برضه فالأحسن تقوليلى هو فين بالظبط قولى يا عنايات انطقى
نفضت عنايات يد تلك المرأة عنها تشير بأصبعها فى وجهها :
–نجوم السما أقربلك من أقولك هو فين بس أكيد هييجى وقت وكل حاجة هتبان وساعتها أنتى عارفة هيجرالك إيه هتنزلى من سابع سما لسابع أرض
لم تتحمل تلك المرأة حديث عنايات عن تهديد مستقبلها وما ستؤل إليها معيشتهاالرغيدة فرفعت يدها تهوى بها على وجهها …!!!!!
يتبع
اترك رد