حركت صافى رأسها بالموافقة فتركها مبتعداً للذهاب لاحد المقاهى بالمطار لجلب المشروبات واثناء عودته لم ينتبه فاصطتدم باحدهم فبادر بالاعتذار
-أنا أس
لم يستطيع إكمال كلمة الاعتذاز عندما تبين هوية من اصطتدم به لتوه
طالع أيسر حسام بغرابة فهتف به قائلا:
-حسام أنت بتعمل ايه هنا فى المطار
ازدرد حسام لعابه ونظر من خلف كتف أيسر وجد عائلته غير منتبه لما يجرى ولكن يخشى أن يلتفت أيسر ويراهم وسيقع بمأزق من كلا الطرفين فكلاهما سيظن به الظنون فشقيقته ستظن أنه اخبر أيسر بموعد وصولها ونحث بوعده لها وسيظن أيسر أنه أخفى عنه مكان وجود شقيقته وتصنع الجهل به طوال تلك السنوات
أبتسم حسام بتوتر فسحب أيسر من مرفقه يبتعد عن مرمى بصر عائلته قائلا :
-لاء دا أنا كنت جاى اسأل على حاجة فى المطار
مط أيسر شفتيه قائلا بعدم اقتناع:
-بتسأل على إيه فى المطار يا حسام أنت شكلك كده بتكذب
حاول حسام أن يوارى قلقه خلف ابتسامته الواسعة فهتف به بمزاح:
_عيب عليك انا اكدب عليك يا صاحبى بس قولى أنت بتعمل ايه هنا
رد أيسر عليه قائلا:
-الحاجة فريدة جدة صافى كانت فى السعودية ورجعة النهاردة وكنت جاى اخدها انا وصافى
انزعجت ملامح حسام فهتف به بضيق:
-أيسر وبعدين معاك فى حكاية البنت دى معقولة تكون خلاص يأست من رجوع ثراء ليك
بمجرد ذكر اسمها ملأ الحنين خضراوتيه فهتف بصوت متهدج:
-أنا عمرى ما أقدر أنسى ثراء ولا أن فى واحدة تانية تاخد قلبى منى غيرها بس صافى دى مساعدة منى مش أكتر علشان هى وجدتها ملهمش حد فى الدنيا هى دى كل الحكاية يا حسام
اطمأن حسام قليلاً بعدما استشعر بنبرة الحب الصادقة بصوته وجد صافى مقبلة عليهم قائلة:
-أيسر تيتة وصلت يلا بينا
طالعها حسام بحاجبين معقودين فهو لاينكر أنها فتاة جميلة الملامح وربما تستطيع جذب ايسر لها فعاود النظر لأيسر قائلا قبل ان يغادر:
-خليك فاكر كلامى يا أيسر سلام
غادر حسام وظل أيسر يفكر فى مغزى حديثه هذا انتبه على نداء صافى ليه فتوجها حيث تنتظرهم فريدة
ركضت صافى الى احضان جدتها تهتف باشتياق:
-تيتة حبيبتى وحشتينى حمد الله على السلامة
ربتت فريدة على ظهر حفيدتها تقبلها على وجنتيها قائلة بحب:
-الله يسلمك يا حبيبة تيتة
اقترب منها أيسر مصافحاً لها بحرارة قائلا:
-الف الحمد لله على سلامتك
ربتت فريدة على يده بحنو قائلة:
-تسلم يابنى انا مش عارفة اشكرك على ايه ولا ايه أنت من يوم ما عرفناك وانت شايلنا على كفوف الراحة انا دعيتلك فى الحرم أن ربنا يريح قلبك ويسعدك يارب
هو لايتمنى سوى راحة قلبه فأبتهل ان يجيب الله دعاءها له اخذ خقائبها ووضعها بسيارته وانطلق بها بعد أن اتخذت كل من فريدة وصافى مكانهن بالسيارة
_________
فى خضم انهماكها فى اخذ مقاسات الثوب الذى تريده تلك المرأة الواقفة أمامها سمعت ضحى صوت رنين هاتفها نظرت للهاتف بدهشة فهذا هو رقم ثراء الذى كانت تحدثها منه اثناء وجودها بمصر
فتحت الهاتف تجيب بلهفة:
-ثراء معقولة أنتى رجعتى مصر
ردت ثراء قائلة بابتسامة:
-أيوة يا ضحى رجعت وكنت مشتاقة أشوفك وحشتينى أوى
ابتسمت ضحى ولمعت عينيها بدموع الفرح:
-وأنتى يا حبيبتى وحشتينى أوى أنتى فين دلوقتى وهجيلك حالا أنتى فى القصر بتاعكم
ردت ثراء قائلة بهدوء:
-لاء احنا مبقناش قاعدين فى القصر قاعدين فى مكان تانى هبعتلك العنوان
أرسلت ثراء العنوان إليها عبر الهاتف نادت ضحى على تلك الفتاة التى تعمل معها قائلة :
-بصى خدى بقية مقاسات المدام على ما ارجع عندى مشوار مهم ومش هتأخر
اومأت الفتاة برأسها بالموافقة التقطت ضحى حقيبتها وهاتفها وصلت إلى تلك السيارة الصغيرة التى استطاعت شراؤها بعد أن ادخرت بعض المال مما تربحه من عملها فهى الآن نالت شهرة لا بأس بها بين نساء الطبقة المخملية بسبب ايجادها حياكة الأثواب،قادت السيارة بشوق للذهاب لرؤية صديقتها المقربة فبالرغم من حديثهن الدائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا انها فى شدة شوقها لرؤيتها ورؤية طفلتها الصغيرة ،وصلت ضحى إلى العنوان المرسل إليها اوقفت السيارة ودلفت للمنزل أوصلتها جليلة إلى الغرفة التى تستريح بها ثراء بعد عودتها
صرخت ضحى بفرح وهى تهتف قائلة:
-ااااه ثراء وحشتينى
تلاقيا بالأحضان فظلت كل منهن متمسكة بالاخرى حتى فرت دموعهن من سعادة اللقاء
نظرت إليها ثراء قائلة :
-الله الله دا أحنا بقيتا قمرات بزيادة يا ضحى
ابتسمت ضحى على حديث صديقتها:
-مش هييجى حاجة فى جمالك يا بنت الأكابر
أحييت تلك الكلمة فى نفسها العديد من الذكريات إلا انها حاولت نفضها عن ذهنها الآن سحبت ضحى من يدها يجلسن سويا على احد الارائك فهن لديهن الكثير من الحديث والثرثرة ،أثناء حديثهن ولجت مليكة تفرك عينيها بنعاس تحمل دميتها على احدى ذراعها قائلة بصوت ناعس:
-مامى أنا جعانة
ابتسمت ثراء لطفلتها فنهضت من مكانها تحملها بين ذراعيها وعادت وجلست ثانية بجوار ضحى
-حاضر يا روح مامى أنتى لسه صاحية من النوم
نظرت لضحى لتستطرد بابتسامة عريضة:
-من ساعة ما رجعنا وهى عمالة تنام وتقوم فرق التوقيت عامل شغله معاها
ابتسمت ضحى على ما تفوهت به ثراء فمدت يدها تأخذ الصغيرة منها وضعتها على ركبتيها تقبلها من وجنتها قائلة:
-بسم الله ما شاء الله ربنا يباركلك فيها يا حبيبتى قوليلى بقى يا قمر اسمك ايه
ردت مليكة بطفولية :
-اسمى مليكة ومامى بتقولى يا كوكى هى وبابى
تعجبت ضحى قليلا فنظرت لثراء التى نهضت من مكانها وأخذت صغيرتها ونادت على إحدى الخادمات لتأخذها لتتناول طعامها عادت ثانية الى ضحى
بادرت ضحى بالحديث قائلة:
-أنتى لما رجعتى مشوفتيش أيسر
ردت ثراء قائلة بهدوء:
-لاء ومش عايزة أشوفه
ربتت ضحى على يدها بابتسامة مهزوزة:
-طب مفكرتيش أنك تشوفيه يا ثراء مش واحشك
احتدمت ملامح وجه ثراء بعد سماع اسمه فهتفت بغضب:
-واشوفه ليه هو مش خلاص مبقاش شايف غير الحلوة اللى كانت معاه يبقى خلاص مش مهم اشوفه او لاء هو أساسا زمانه مش فاكرنى ونسينى وأنا كمان مش عايزة أرجع اشوفه تانى او يظهر في حياتى مرة تانية انا كنت شايلة هم انه يبقى موجود فى مجموعة الشركات لما اروح أنا ادير الجزء الخاص بيا بس كلهم اكدولى انه مبيروحش هناك خالص من يوم اللى حصل وكده أحسن مش عايزة اشوفه قدام عينى مرة تانية
حاولت اخذ انفاسها بقوة بعد انفعالها فشعرت بها ضحى انها ربما ستبكى فعينيها التمعت بها الدموع فجذبتها ضحى تربت عليها بحنان:
-خلاص يا ثراء اهدى المصيبة انك لسه بتحبيه
ابتعدت ثراء عنها تطالعها بإصرار:
-لاء يا ضحى مبقتش أحبه أنا بقيت بكرهه بكرهه ولو سمحت ليا الفرصة كان ممكن أن أنا…
كزت على أنيابها لتكافح تلك الدموع التى بدأت تلح بإصرار على أن تطفر من عينيها فهى لا تستطيع إكمال حديثها فمسحت وجهها بيدها بارهاق فحاولت تغيير دفة الحديث فابتسمت لها قائلة:
-بس قوليلى عاملة ايه فى شغلك
ردت ضحى قائلة بابتسامة:
-الحمد لله تمام ودلوقتى ابتديت اتعرف عند ستات وزوجات رجال اعمال مشهورين مش قولتلك ايدى تتلف فى حراير والاميظ
ارتدت ثراء برأسها ضاحكة على مزاح صديقتها :
_طبعا المهم عيزاكى تعمليلى أنا وكوكى فستانين زى بعض علشان حفلة عيد ميلادى قربت والسنة دى عايزة احتفل بيه مع اهلى
أشارت ضحى لعينيها قائلة:
-من العين دى قبل العين دى انا تحت امر كوكى وبنت الأكابر كمان يا سلام أحلى فستان لاحلى بنت أكابر فى الدنيا
ظلن يثرثرن طويلاً يستعدن ذكرياتهن سوياً تتجنب ثراء ذكر تلك الذكريات الخاصة بمعذبها فهى لا تريد المزيد من الجراح التى حتى الآن لم تبرأ منها بصورة فعلية رغم قناع شجاعتها الواهية التى ترتديه أمام الجميع
________
اثناء جلوسها للحديث مع صديقتها عبر الهاتف لمحت دلوف زوجها إلى الغرفة فابتسمت ميرا لصديقتها معتذرة
-معلش يا أيتن مضطرة اقفل معاكى دلوقتى علشان حسام رجع من الشغل
ابتسمت أيتن لها عبر كاميرا الهاتف قائلة:
-اوك ميرا بس عاوزين نشوفك أنتى بقالك كتير مختفية ولا خلاص بقيتى شبه ستات البيوت اللى مبعملوش حاجة غير أنهم يشوفوا إجوازهم ويخلفوا وبس
سمع حسام كل هذا فلم يستساغ ما يسمعه إلا انه فضل الصمت بدأ بفك ازرار قميصه لتبديل ثيابه العملية بثياب بيتية أكثر راحة أثناء مروره من جوار زوجته لمحته تلك الفتاة المدعوة أيتن فهو ليس له دراية بأن زوجته تحدث صديقتها عبر الفيديو فانحنى إليها يقبلها من وجنتها يحاوط كتفيها بحميمية ولكن عندما وجد عين تلك الفتاة تطالعه بفضول قائلة بابتسامة جانبية:
-هاى يا باشمهندس حسام
حمحم يجلى صوته من احراجه مما حدث وابتعد سريعاً عن زوجته أو ربما عن مرمى بصر تلك الفتاة ،أنهت ميرا معها المكالمة
فنظر إليها حسام قائلا:
-مش تقولى انك بتتكلمى معاها فيديو انا افتكرت انك فاتحة مكبر الصوت
ابتسمت له ميرا والقت الهاتف من يدها وأقتربت منه قائلة :
-ما أنت اللى داخل تحضن على طول اعملك ايه يعنى ملحقتش اقولك
جذبها إليه قائلا بابتسامة مشاغبة:
-بلاش يعنى طول النهار فى الشغل والمهلبية بتاعتى وحشانى اعمل ايه بس
كم تحب هى اطراءه لها الخاص به فهمست بأذنه:
-وأنت وحشت المهلبية أوى والله
ماكاد يرفعها بين ذراعيه حتى سمع صوت طرقات على الباب ضيق ما بين عينيه هاتفا بغيظ:
-الخبطة دى خبطة ريان هو استاذ افساد كل لحظاتى السعيدة الواد ده
ضحكت ميرا على جملته فأنزلها من بين يديه فتح الباب وجد صغيره ومليكة فالتفت لزوجته قائلا:
-لاء ومش جاى لوحده جايب مليكة معاه
انحنى حسام إليهم قائلا بحنان:
-عايزين ايه يا عساسيل أنتم
ردت مليكة قائلة :
-عايزين نلعب معاك آنا سميرة قالتلنا روحوا العبوا مع الواد حسام
اتسعت حدقتيه بدهشة من براءة مليكة فى الحديث فعلم ان تلك مزحة تمزحها معه جدته فاخذهم وخرج من الغرفة هبط للطابق السفلى وجد سميرة تخفى ابتسامتها
فأقترب منها يصطنع الغضب:
-بقى كده يا مرمر بتقوليلهم الواد حسام طب حافظى على هيبتى شوية قدام العيال
رفع رضوان رأسه يغلق المصحف يبتسم هو الآخر:
-هى عملتها فيك
أقترب حسام من رضوان يقبل يده قبل أن يجلس بالقرب منه :
-عجبك كده يا جدى يعنى مرمر بتقطع عليا
ردت سميرة قائلة بعدم أكتراث:
-فى إيه يا واد أنت انا عملتلك حاجة انت جاى تتبل عليا
ترك حسام مكانه يجلس تلك المرة بجوارها فقبلها على وجنتها قائلا بمزاح:
-متحاوليش الإنكار يا تيتة هم اعترفوا عليكى خلاص الإنكار مش هيفيدك
عاد جمال من مشفاه وجد عائلته مجتمعة فاستقبلته زوجته كعادتها عندما يعود إلى المنزل بعد يوم شاق بعمله
ابتسمت فى وجهه قائلة:
-حمد الله على السلامة يلا غير هدومك علشان نتعشى وانت نازل هات ثراء معاك كانت فى أوضتها
رد ابتسامتها قائلا :
-الله يسلمك هى قاعدة فى اوضتها ليه فى حاجة ولا ايه
-لاء مفيش حاجة بس قالت عايزة تظبط شوية حاجات قبل ما تنزل الشغل بكرة
قالتها فيروز وهى تتجه صوب المطبخ لاخبار جليلة بإحضار طعام العشاء
صعد جمال الى غرفته وبعد انتهاءه من روتينه اليومى بعد عودته من المشفى طرق باب غرفة ابنته وأدار المقبض ولج وجدها منكبة على حاسوبها الشخصى فاقترب منها:
-حبيبتى خلصتى ولا لسه علشان نتعشى سوا
خلعت ثراء نظارتها الطبية قائلة بابتسامة عريضة:
-لاء خلاص خلصت يا بابا يلا بينا
بدأو جميعاً بتناول الطعام ران الصمت عليهم بضع دقائق حتى استطاع جمال القول:
-خلاص هنعمل الاحتفال بعيد ميلادك وادارتك للشركة بكرة
اتسعت ابتسامة ثراء قائلة:
-ان شاء الله بس مش هتكون حفلة كبيرة ولا حاجة نحتفل كلنا مع بعضنا بس من غير حد غريب
هى تريد أن تشعر بدفء عائلتها بعد تلك السنوات من الحرمان من الجو الأسرى فعائلتها هى كل ما تعنيها فى وقتها الحالى
__________
أضاء أيسر الشمعة التى تتوسط قالب الحلوى واغلق الأنوار كافة فى تلك الغرفة التى زينت كأنه يقام بها حفل عيد ميلاد صاخب
ظل يهتف بصوت منخفض ومتناغم:
-سنة حلوة يا جميل سنة حلوة يا ثراء سنة حلوة سنة حلوة يا جميل
أطفأ الشمعة فابتسم ابتسامة عريضة أشعل الضوء ثانية وعاد مكانه ينظر لصورتها التى كانت تزين جدران غرفته
تحسس الصورة بأصابعه قائلا بعشق:
– كل سنة وانتى طيبة يا نور عيونى
فهو لم ينسى أن يحضر هدية مثلما اعتاد أن يفعل كل عام فى ذكرى مولدها فأخرج ثوب طويل باللون النيلى يضيق قليلاً عند الصدر ويتسع بداية من الخصر إلى القدمين ،فرفعه بين يديه يحدث الصورة:
-أنا جبتلك الفستان ده علشان عارف أنك بتحبى اللون ده وهو هيبقى جميل اوى عليكى يا حبيبتى
وضع الثوب على الفراش ظل يتحسسه بيده وهو مضطجع على شقه الأيمن واضعا يده أسفل رأسه يهتف بصوت ملتاع:
-أمتى هترجعى بقى يا ثراء مش كفاية عذاب فيا لحد كده
استلقى على ظهره أخذاً الثوب بين ذراعيه يغمض عينيه يتذكر تلك الأوقات الحالمة التى جمعتهم سوياً فتذكر تصريح عينيها له برغبتها فى أن تصبح ملكه وهو من أضاع تلك الفرصة ولكنه كان يخشى أن بعد اكتشافها حقيقته بأنها ستوافق مرغمة على أن تظل معه وذلك ما لم يكن يريده أن تصبح زوجة له بالاجبار
ترك الثوب جانباً ونهض من الفراش تاركاً الغرفة حتى وصل إلى حديقة المنزل فوصل إلى حظيرة الخيول سمع صهيل ذلك الجواد الذى كان أول جواد يبتاعة ليتوالى بشراء المزيد حتى أصبح لديه عدد لا بأس به من الخيول وذلك تنفيذاً لرغبة معشوقته
فأقترب منه باسماً يداعب رأسه قائلا:
-انت عارف ان النهاردة عيد ميلاد ثراء مراتى وأنا اشتريتك علشان كانت عايزة يبقى عندنا أسطبل خيل أنت كمان مستنيها زيى بس تفتكر هترجع ليا تانى ولا قلبها خلاص قسى عليا
وضع قطع من السكر بكف يده ليلتهمها الجواد بسرعة ليبدأ بحك رأسه بصدر أيسر مداعباً فابتسم على فعلته فهم نشأ بينهم ألفة من نوع خاص فعندما يضيق صدره يأتى إليه شاكياً كأنه على علم ودراية بما يقوله أو يشعر به، بعد أن انتهى من بث شكواه اليه تركه ذاهباً إلى حمام السباحة لم يتردد ثانية فى أخذ جولة من السباحة فظل يسبح وقتا طويلا فهذا من أساسيات روتينه اليومى قبل النوم لعل النوم الذى جفاه ينصفه تلك المرة ويجعله ينام وقت أطول عن تلك الساعات القليلة التى لاتخلو من أحلام مزعجة وعويل قلب احترق بنيران الفراق والانتظار
_________
اجتمعت العائلة بحديقة المنزل للاحتفال بتولى ثراء إدارة شركاتها وأيضاً ذكرى يوم مولدها خرجت ثراء إليهم وهى تحتضن كف صغيرتها التى تسير بجوارها بثوب مماثل لثوبها فضحى أتمت حياكة الثوبين على أكمل وجه اقتربت ثراء منهم وجلست بجانب والدايها أخرجت جليلة قالب الحلوى الكبير الذى اوصى جمال به من أجل ابنتها يحمل صورتها
فابتسمت ثراء قائلة بحب:
-شكرا يا بابا تسلملى
ربما منذ مغادرتها لم تشعر بالسعادة مثلما تشعر بها اليوم من عودتها إلى أحضان والدايها
اغمضت عينيها وتمنت أمنية ثم اطفأت الشموع بقالب الحلوى قامت بتقطيعه وأطعمت والديها ومليكة واخيها وكل من كان حاضراً
اقتربت مليكة من ثراء تبتسم بطفولية:
-مامى هلعب مع ريان
اومأت لها ثراء بالموافقة فركضت بسرعة لتبدأ باللهو مع ريان قامت ثراء من مكانها تتجول بحديقة المنزل وقفت أمام ورودها المفضلة قطفت إحداهما تقربها من أنفها تستنشق رائحتها العطرة
سمعت صوت شقيقها من خلفها قائلا بابتسامة:
-كل سنة وانتى طيبة يا حبيبتى
ابتسمت ثراء :
-وأنت طيب يا حسام مقولتليش بقى اخبارك ايه مع ميرا مبسوطين مع بعض
تأبط حسام ذراعها يكملوا تجولهم بالحديقة قائلا بمزاح:
-أه المهلبية بتاعتى حلوة بس ساعات بيبقى سكرها زيادة توجع الأسنان من حلاوتها
أرتد رأس ثراء للخلف تتعالى صوت ضحكتها سمع والديها ذلك ابتسموا تلقائياً فربما ابنتهم بدأت فى عودتها إلى طبيعتها
نظرت لشقيقها قائلة بمكر:
-هى الصراحة ميرا حلاوتها زايدة وده باين على عينيك اللى راحة جاية وراها فى كل حتة
أدار حسام رأسه يميناً ويساراً ينظر حوله :
-هو انا مفضوح أوى كده حتى أيسر بيقولى نفس الكلام
اختفت الابتسامة من على وجهها وحل مكانها العبوس والوجوم فهتفت بضيق:
-أنت لسه بتشوفه يا حسام أنت وعدتنى انك مش هتقوله أن انا رجعت
اومأ لها حسام يتنهد بثقل قائلا:
-متخافيش يا ثراء مش هقوله بس صدقينى أيسر بيحبك وكل اللى حصل غصب عنه هو برضه بنى ادم مش ملاك واحد عاش حياته مقهور ومظلوم أنتى لو شوفتى حالته دلوقتى هيصعب عليكى أى ينعم بقى رجل أعمال مشهور وبقى ليه اسمه بس لما بيكون لوحده بيكلم نفسه يا ثراء
هتفت ثراء مسرعة:
-يستاهل كل اللى يجراله وانا مصعبتش عليك يا حسام لما هو ضحك عليا وخدعنى أنا لما كنت فى لندن كنت بتعالج نفسى بسبب الصدمة اللى هو جبهالى بقى يخلينى أشك فى اللى حواليا لما يبقى جوزى ومستأمناه وهو بيغشنى وبيضحك عليا لاء وكمان يعرف واحدة تانية ومقعدها فى شقته وبيروحلها
أمسكها حسام من كتفيها يهزها برفق قائلا:
-البنت دى بيساعدها مش اكتر علشان ملهاش حد بس هى دى الحكاية هو مفيش فى قلبه غيرك أنتى مشفتيش البيت اللى بناه مخصوص ليكى وقالى ان ثراء كانت عايزة البيت بالشكل ده وزرعلك ورد الجورى اللى بتحبيه وجابلك كمان خيل
تذكرت أحلامها بمنزلهم سوياً وتذكرت أيضاً كل ما أخبرته بشأنه لوهلة عادت إليها ذكريات الماضي عندما كان قريباً منها يهمس بأذنيها أشواقه إليها يسمعها كلمات ليست كأى كلمات تشبه حبات المطر التى تروى ظمأ ورود قد جفت سيقانها ،لم تشأ أن تنساق خلف تلك الذكريات ثانية فعادت إلى رشدها
ولت شقيقها ظهرها قائلة بعدم أكتراث:
-ميهمنيش أى حاجة هو عملها مبقاش يخصنى يا حسام أنا دلوقتى عايزة أعيش لمليكة وشغلى وبس وبليز بلاش تفتح الموضوع ده تانى
تركت شقيقها مكانه فعادت وجلست حيث كانت جالسة بين والدايها فمالت برأسها على كتف والدتها رفعت فيروز يدها تربت على وجنتها بحب فأغمضت عينيها تعنف قلبها على الخضوع ولو لثانية واحدة لحديث شقيقها عنه فهى حتى لو حاولت الإنكار لن تستطيع خداع قلبها الذى ما يأتى ذكر إسمه فقط حتى تتعالى دقاته تكاد تصم أذنيها من ذلك النبض العنيف الذى يتردى صداه بين جدران قلبها لمحت ركوض مليكة إليها فإبتسمت لها ابتسامة واسعة
وقفت الصغيرة أمامها تحمل بيدها عصى تشبه العصى السحرية قائلة :
-مامى أنا بقيت العرابة الساحرة يلا علشان تتمنى أمنية وأحققها بالعصاية السحرية
تصنعت ثراء الجدية وهى تنقر باصبعها على ذقنها كأنها تبحث عن أمنية فطالعت الصغيرة قائلة :
-أمممم مش عارفة أتمنى إيه يا كوكى
قفزت الصغيرة بمكانها تحثها على الإسراع:
-يلا يا مامى قبل الساعة ما تبقى ١٢ والسحر يروح ومش هعرف أحققلك أمنيتك
أغمضت ثراء عينيها قائلة بابتسامة:
-خلاص هتمنى أمنية يلا قولى التعويذة السحرية
وضعت مليكة العصى على رأس ثراء بخفة قائلة بصوتها الطفولى العذب:
-هبرا كادابرا بووو
وضعت ثراء يدها على فمها تكتم صوت ضحكتها تدمدم بصوت خافت:
-دا أفلام ديزنى أكلت دماغك يا كوكى
هتفت بها مليكة قائلة:
-خلاص يا مامى أمنيتك هتتحقق افتحى عينيكى بقى
فتحت ثراء عينيها تحدق بوجه الصغيرة بحنان فطوقتها بذراعيها بحب:
-حبيبة قلبى يلا روحى كملى لعبك مع ريان
ذهبت الصغيرة فظلت ثراء تبتسم على ماحدث ولكن تذكرت تلك الأمنية التى راودتها وهى مغلقة عينيها فلم ترى سوى وجه أيسر كأن قلبها يحرضها أن تتمنى رؤياه لعل القدر يجمعها به ولكن ذلك لن يحدث فهى ستفعل كل ما يجنبها لقياه فهى لا تريد المزيد من الجراح خرجت من أفكارها على صوت نقرات عصا على الأرض رفعت رأسها رأت عمها عزام يولج مستندا على عكاز برفقة شهاب
أقترب منه جمال مرحباً به:
-أهلا عزام أتفضل
اقترب ميرا هى الأخرى من والدها تقبله على وجنتيه مبتسمة:
-أهلا بابا أهلا شهاب أتفضلوا
أستراح عزام فى جلسته ظل ينظر مطولا لثراء التى لم تفه بكلمة واحدة فابتسم لها قائلا:
-أزيك يا ثراء حمد الله على السلامة
ابتسمت ثراء ابتسامة خفيفة قائلة:
-الله يسلمك يا عمو الحمد لله أنا كويسة
هربت بعينيها من مطالعته لها وتحديقه بوجهها كأنه يريد أن يقول شيئاً ولكن لا يجد الكلمات المناسبة ليعبر بها عن مكنون صدره فهو يعلم أنه من تسبب فى جراح ابنة شقيقه منذ البداية فأيسر لم يفعل ما فعل إلا رغبة فى إلانتقام منه ولكن ثراء هى من دفعت ثمن ذلك بهدم أحلامها
ظلت ثراء تتجنب الحديث مع عمها طوال الوقت فعندما شعرت بأنه ربما سيبدأ معها الحديث عما حدث سالفا ً هبت واقفة متعللة باصابتها بالصداع وأنها تريد النوم باكرا
– عن أذنكم لازم أنام بدرى بكرة أول يوم شغل وعايزة أكون فايقة تصبحوا على خير
أخذت ثراء مليكة لتضعها بالفراش قبل نومها وبعد ذلك ذهبت لغرفتها أبدلت ثيابها وذهبت إلى السرير ظلت مسهدة وقتاً طويلاً تغلق جفنيها عبثاً عندما سأمت من جلب النوم لعينيها تركت الفراش ولجت إلى الشرفة حدقت بالنجوم اللامعة فخفضت رأسها تنظر للحديقة كأنها ستراه يقف بأحد أركانها كما اعتادت أن تراه ولكن هى الآن ليست بالقصر وهو لم يعد ذلك الحبيب الذى وقعت بشرك غرامه فهى تذكرت ذلك الحلم الذى كان يراودها فتلك الأصفاد التى تكبلها كانت عشقه، وعصبة عينيها كانت غفلتها عن رؤية حقيقته وذلك الشخص الذى كان يسجنها لم يكن سواه وتلك اليد التى قبضت على عنقها رغبة فى زهق أنفاسها كانت أفعاله التى قضت على حلمها الوردى فهى لم تجد تفسيرا لذلك الحلم سابقا ولكن الآن علمت ماهو مدلوله
فى الصباح….خرجت ثراء من غرفتها بعد أن أرتدت ثيابها الأنيقة التى أضفت عليها لمسة عملية فاليوم أول يوم لها بالشركة تقابلت مع والداتها التى يبدو عليها أنها كانت بطريقها لغرفتها
هتفت فيروز بابتسامة جميلة:
-صباح الخير يا قلب ماما أنا كنت طالعة أصحيكى أفتكرتك لسه نايمة
هبطت ثراء الدرج تتأبط ذراع والداتها قائلة بتوتر:
-لاء صحيت من بدرى أو تقريباً معرفتش أنام أنا خايفة يا ماما
احتضنت فيروز وجه ابنتها بين كفيها قائلة بحنو:
-حبيبة قلبى اهدى خالص ومتتوتريش وأن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة ثم أنتى يعنى اخدتى الدكتوراة وبدرجة أمتياز يعنى مش هيبقى صعب تديرى شغلك
انكمشت ملامحها الخائفة بتوتر:
-الحاجة العلمية حاجة والعملية حاجة تانية خالص وخايفة أفشل يا ماما
حاولت فيروز طمأنة ابنتها فأهدت لها مصحف صغير :
-خلى كتاب ربنا دايما معاكى وهو هيحفظك وأن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة
شعرت بالراحة من حديثها مع والداتها ولكنها لم توافق على تناول إفطارها قبل الذهاب ذهبت إلى المرآب وأخدت سيارتها تنطلق بها حتى وصلت إلى مقر الشركة
_________
إجتمع العاملين بالشركة على رأسهم شهاب للترحيب بثراء لتوليها إدارة شركاتها فتقدم منها شهاب قائلا بابتسامة:
-نورتى الشركة يا ثراء وحمد الله على سلامتك
ناولها باقة من الزهور أخذتها منه قائلة بابتسامة:
-شكرا يا شهاب على ذوقك
ولجت إلى غرفة مكتبها تبعها شهاب وفتاة فى أواخر العشرينات أشار اليها شهاب قائلا:
-دى تبقى نور يا ثراء هتبقى المساعدة الشخصية وسكرتيرتك هى كفاءة جدا فى الشغل
مدت ثراء يدها تصافحها فصافحتها نور بحرارة فليس من اليسير العمل فى مجموعة شركات الرافعى
فابتسمت لها ثراء:
-اهلا بيكى يا نور وأتمنى تكونى مبسوطة بالشغل معايا انا الحمد لله مش دكتاتورية انا غلبانة خالص
ابتسم شهاب ونور على مزحة ثراء فردت نور بصوت خافت:
-أنا يشرفنى أن اشتغل فى شركة كبيرة زى ومع حضرتك واتمنى اكون عند حسن ظنك
بدأت ثراء العمل حاولت دفن يأسها وآلامها به أن تشغل أوقاتها وأن تحقق ذاتها،ظل أمير يعتنى بمليكة فهو يصر على اخذها يوميا لقضاء بعض الوقت برفقته فتذكرت ثراء أن مليكة بحاجة إلى حارس لها عندما تكون هى بأوقات عملها اخبرت نور بالبحث عن أفضل شركة للحراسات الشخصية لاختيار أحدهم للعناية بمليكة ومراقبتها أيضاً لمنع أي شيء ربما يحدث لها وهى ليست بجانبها
رفعت رأسها عن تلك الأوراق الموضوعة أمامها بعد ان تناهى إلى سمعها صوت طرقات على باب غرفة مكتبها فنزعت نظاراتها الطبية تردف بصوت هادئ
-ايوة أدخل
دلفت المساعدة الشخصية تحمل بيدها اوراقاً ربما خاصة بالعمل فزفرت ثراء بخفوت فهى اليوم قد أرهقها كثرة العمل ولن تحتمل ان تراجع اوراق أخرى فاستطردت قائلة:
-أيوة يا نور خير ورق ايه ده تانى الصراحة النهاردة تعبت من كتر الشغل
تبعت حديثها بابتسامة ممازحة كما اعتادت أن تفعل مع موظفيها فابتسمت نور ابتسامة خفيفة تضع الورق أمامها قائلة:
-لاء حضرتك ده مش ورق شغل ده عنوان شركة حراسة اللى حضرتك طلبتيها علشان عايزة حارس شخصى للأمورة الصغيرة مليكة
زادت ابتسامة ثراء اتساعا بعد سماع اسم صغيرتها فنظرت الى نور وهى تنهض عن مقعدها قائلة:
-اه فكرتينى هى مليكة وأمير لسه مرجعوش أتاخروا النهاردة أوى
عقدت نور يديها باحترام جم قائلة:
-لاء لسه أمير بيه موصلش وانتى عارفة تصميمه ان مليكة متفارقوش
التقطت ثراء الورقة من على مكتبها تنظر اليها فعاودت النظر إلى نور :
-طب قولى للسواق بتاع الشركة يجهز علشان انا خارجة هروح شركة الحراسة على ما أمير ومليكة يرجعوا
اومأت نور برأسها احتراماً وانصرفت مغادرة لتفيذ ما طلبته منها ثراء ،نظرت ثراء للمرآة الموضوعة باحد جوانب مكتبها تتأكد من وضع حجابها والتقطت حقيبتها لتغادر من الشركة وجدت السائق ينتظرها فأبلغته بالعنوان المفترض به ايصالها اليه ،جلست بالسيارة تنظر لصور ابنتها وأمير وهى مازالت مبتسمة حتى أعلن السائق عن وصولهم الى وجهتهم
-وصلنا يا ثراء هانم
اغلقت ثراء هاتفها وترجلت من السيارة نظرت إلى ذلك المبنى الذى تقع به شركة الحراسة ولجت إلى الداخل تقابلت مع السكرتيرة التى تجلس خلف مكتب منكبة على اوراق أمامها
فهتفت ثراء بهدوء:
-لو سمحتى ممكن اقابل صاحب الشركة عيزاه ضرورى
رفعت السكرتيرة رأسها بابتسامة تشير اليها بالجلوس قائلة:
-اتفضلى حضرتك وعيزاه بخصوص إيه
ابتسمت ثراء ابتسامة هادئة مردفة:
-علشان عايزة حارس شخصى لبنتى الصغيرة بس عايزة حارس كفء ويأخد باله منها كويس وخصوصا لما تكون فى النادى أو التدريبات بتاعتها
هزت السكرتيرة رأسها بتفهم لتنهض من مكانها تدلف للداخل وبعد دقيقتين خرجت وأشارت لثراء بالدخول:
-اتفضلى حضرتك ادخلى أنا بلغته ومستنى حضرتك
نهضت ثراء من مكانها تاخذ حقيبتها مرت بجانب السكرتيرة وهى ترمقها بابتسامة قائلة:
-شكرا ليكى يا أنسة
ولجت ثراء للداخل لا تعرف سر ذلك الشعور المبهم الذى طغى على قلبها الا انها حاولت نفض رأسها من تلك الوساوس فليس كل حارس شخصى فى العالم سيكون هو نظرت لذلك الذى يوليها ظهره ينظر للخارج عبر تلك الواجهة الزجاجية.
فحمحت قليلا قبل ان تقول:
-انا كنت جاية بخصوص ان عايزة حارس شخصى زى ما السكرتيرة قالتلك
قطب حاجبيه بعد سماع ذلك الصوت الانثوى،ذلك الصوت الذى لم تستطيع الأيام محوه من ذاكرته او محوه من قلبه فكم يخشى ان يلتفت ويراها أن يرى ذلك الطيف الذى سكن بين ثنايا قلبه يجلده بسوط الهجران فالتفت الى مصدر الصوت لا يعرف كم مر من الوقت وهو مازال محدقا بوجهها فهو حتى يخشى ان ترف جفونه وتختفى من أمامه أما هى فقد نالت قسطها من الصدمة فأى صدفة لعينة جمعتها به ثانية ولكن لماذا خفق ذلك الذى حاولت اسكاته منذ سنوات فهى حتى غير قادرة على ان تحملها قدميها لتفر هاربة من هنا فنظرت اليه تتفرس فى ملامحه هل نقص وزنه هل ازداد شعره طولا هل كثفت لحيته فكل ما تراه الآن لا يتطابق مع هيئته سابقا
فهتفت ثراء قائلة:
-أيسر
فخرج اسمه من بين شفتيها كماء عذب تمنى لو يروى ظمأه الذى أنهك روحه من كثرة الانتظار والفراق لم يمهل نفسه وقتا للتفكير تسابقت قدميه فى الاقتراب منها أراد أن يضمها إليه أن تبعث به الدفء الذى هجر قلبه وجعل الصقيع يكتنفه منذ اختفاءها فياله من أشتياق عصف بكيانه كأوراق الخريف التى تساقطت من أغصان الفراق ولكن إشارة واحدة من يدها جعلته يتسمر فى وقفته ناظرا اليها بشوق وحنين فكم يود هو الآن الاقتراب أن تجعله يشعر بقلبه ينبض مرة أخرى فهى قد ذهبت وسلبته نبضاته
خرجت كلماته متهدجة:
-ثثراء معقولة أنتى موجودة هنا قدامى دلوقتى يا حبيبتى أنتى وحشتينى أوى يا ثراء بعدتى عنى ليه سبتينى ليه يا ثراء
زفرت بضيق ليس من حديثه فقط ولكن مما اعتراها بعد سماع اسمها منه فهو مازال قادرا على سلب أنفاسها فهى تشعر بالدموع التى احرقت جفنيها راغبة فى السقوط معلنة عن تداعى صروحها الواهية ولكن هى لم تعد كما كانت فالسنوات الماضية قد ابدلت ما بداخلها
فحاولت اضفاء نبرة عملية على صوتها
-انا لو أعرف ان دى شركتك مكنتش جيت بس طالما جيت فأنا عايزة حارس شخصى لبنتى
طنت كلمة “بنتى” فى أذنيه فأتسع بؤبؤ عينيه واعترته ملامح الصدمة والدهشة هل أصبح لديها طفلة ولكن كيف حدث ذلك ؟
-بنتك! أنتى عندك بنت بس ازاى
زمت شفتيها قائلة بحنق شديد:
-غريبة يعنى يكون عندى بنت ايه الغريب فى كده
تجلى بصوتها الارتجاف ليس من صوته الهادر بدهشة فقط ولكن من رؤيته مقبلا عليها بطوله الفارع الذى طالما كانت تشعر بأنها أسيرة ذراعيه التى لم تنسى هى حتى الآن دفئها
احتدمت ملامحه نظر اليها بعينان قاتمتان مما سمعه منها الآن فعلا صوته مستنكراً صارخاً بها:
-انتى عندك بنت ازاى وانتى أساسا لسه مراتى وعلى ذمتى ومينفعش تتجوزى وحتى انا ملمستكيش يبقى عندك بنت ازااااى فهمينى
يتبع