روايات شيقهرواية سيدة الأوجاع السبعة

رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر (فرصة)

فرصة

تمدد على فراشه لاهيا بهاتفه في محاولة لإيجاد طريقة يستطيع بها اصلاح الأمر مع نجوى، هو يعلم أن أخطائه لا تغتفر في حقها، يكفي منها أنه تخلى عنها ملقيا بها بطول ذراعه في سبيل الحصول على امرأة أخرى، اية امرأة تغفر له ذلك!؟ واية امرأة تستطيع نسيان جرح بهذا العمق في صميم كبريائها كأنثى!؟.

تنهد في ضيق ممررا كفه بخصلات شعره السبط وتذكر كيف كان يلق برأسه على فخذ نجوى البض لتظل تلاعب خصلاته حتى يذهب في نوم هانئ على موضعه ذاك وكانت لا تتحرك حتى لا توقظه او حتى تزعجه، كانت تفعل الكثير بكل محبة وإيثار وهو الذي كان يتصيد لها الأخطاء دون أن يكون لديه الرغبة الحقيقة في الإصلاح، كأنما كان غير راغب في نصحها بحق حتى لا تغير من نفسها ويصبح قادرا على تفريعها واشعارها بالتقصير، لما كان يفعل ذلك!؟، حتى أنه ما كان يتبع طريقة لينة إذا ما أراد النصح بل طريقة فظة منفرة تجبرها على عدم الإذعان لشكواه التي يجدها تستمع اليها احيانا رغم كل ذلك في محاولة منها للتغير بحق، لكنه لم يكن خلفها ليدعمها وصبر عليها حتى يصل لمبتغاه، أنه زوج احمق لا يستحق امرأة مثلها، أضاعها مفلتا إياها من بين يديه وهي التي تشبثت بكل قوتها..

تطلع لشاشة الهاتف وأخرج رقم هاتفها متطلعا إليه في حسرة، دخل على أحد التطبيقات ولم يع إلا وهو يرسل لها اغنية ما، وانتظر الرد..

كانت ضحكاتها تتعالى وهي تشاهد فيلما كوميديا مع ابيها، ضحكات صاخبة اصمت أذنيها عن سماع اشعار تلك الرسالة التي وصلتها للتو، مرت ساعة كاملة حتى انتهى الفيلم وعادت لغرفتها تتفحص هاتفها قبل الخلود للنوم، انتفضت موضعها عندما طالعها اسمه مرسلا رسالة ما، انتظرت قليلا حتى تهدأ نبضات ذاك الثائر بين جنباتها والذي هلل كطفل لمرأى اسمه فقط على شاشة هاتفها تنيره من جديد..

استعادت رباطة جأشها وأخذت نفس عميق وفتحت الرسالة فإذا بها تسجيل صوتي، ضغطت زر الاستماع، كانت اغنية، أنتِ لسه زي ما أنتِ قمر في عيني، احلى عمر ده اللي كان بينك وبيني، وأما تيجي فالكلام سيرتك بقول، دي حبيبتي الغالية، دي بنت الأصول..
شهقت وهي تستمع للكلمات التي زلزلت جبل القسوة تجاهه للحظة ووجدت نفسها تبعث له بملصق مستحسنة، طار فرحا عندما وصله مستشعرا أنه ثمة أمل ما يزل موصولا بينهما..

مسحت دموعها وابتسمت براحة وتمددت على الفراش تفكر في الخطوة القادمة..

مرت الساعات بطيئة وهما على مقعديهما لم يبرحاه الا ليحضر لها بعض من طعام أو شراب يعينهما على قضاء الوقت القاتل في ذاك المكان البارد أمام حجرة العناية الفائقة..
هتفت شيرين وهي تتناول منه كوب القهوة الذي تتصاعد منه الأبخرة: – كفاية كده يا دكتور، عطلت نفسك قوي..
هتف وهو يجلس جوارها يحمل كوبه يضمه بين كفيه يستمد منه بعض دفء: – مفيش اي عطلة، انا اعتذرت عن كل الجلسات لحد ما نطمن على والدتك..

هتفت شيرين متأملة: – كلها شوية والدكتور يجي يقولنا ايه الاخبار، يا رب حالتها تستقر وتتنقل بقى لأوضة عادية..
هتف علاء: – باذن الله، تفاءلي خير..
همست شيرين في حرج: – بجد مش عارفة اشكرك ازاي!؟، لولا وجودك مكنتش عارفة كان ممكن يحصل ايه!؟.
هتف علاء مؤكدا في هدوء: – كان هيحصل اللي ربنا عايزه، وبعدين أنا كنت مبسوط اني اول حد جه فبالك وطلبتيه..

تنبهت أن هذا ما حدث فعلا، لم تفكر لحظة بمن تتصل فقط ضغطت على رقمه بلا تفكير، اطرقت صامتة وقد علا وجنتيها حمرة خجلة..
اندفعت تحاول الخروج من نوبة حرجها الغير معتادة تلك فهتفت متسائلة: – بس انت ازاي قدرت تشيل ماما وهي بالحجم ده!؟.
ساد الصمت لتستشعر مدي حمق سؤالها إلا أنه أجاب باسم الثغر بأريحية: – ربنا لما بيدي الحمل بيدي القدرة عليه..
زمت ما بين حاجبيها لا تفهم ما يعنيه هامسة: – مش فاهمة!؟.

هتف مؤكدا بتنهيدة شجية متطلعا للامام في شرود: – يعني تقدري تقولي كنت متعود..

تطلعت إليه وزادت حيرتها ليدير رأسه نحوها هامسا: – امي الله يرحمها كانت أد والدتك فالحجم مرتين، في أواخر أيامها ربنا ابتلاها بفشل كلوي، كانت لازم تغسل كلية تلات مرات في الأسبوع واحنا كنا ساكنين في الثالث، ولك أن تتخيلي الباقي، كنت بطلع وبنزل مرتين فاليوم وانا شايلها على ضهري عشان انزل بيها الجلسة، كنت ابنها الوحيد على بناتها التلاتة، سندها وضهرها زي ما كانت بتقول، تفتكري كان ينفع أن ضهرها ينحني وهي محتاجاه..

ساد الصمت بينهما لبرهة وهي ما تزال على تطلعها نحوه بهذه النظرة الجديدة نحو دواخله لا مظهره..

استطرد قاطعا الصمت في نبرة هادئة: – عارفة، كنت بسمع همس دعواتها جنب ودني وانا شايلها فتدب القوة في جسمي بشكل انا نفسي كنت بستعجبه، وافتكرت الأية اللي بتقول لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، عمر ما ربنا هيديك حمل ما انتش أده، ولما شلت والدتك وحسيتها خفيفة على ضهري ابتسمت في نفسي وانا بقول، ضهري كان على أد حمل تقل امي، سبحان الله..

أنهى كلماته ولم تحد ناظريها عن محياه ليبتسم هاتفا في تعجب: – مالك بتبصيلي كده ليه!؟.
تنبهت هاتفة: – هااا، لا ابدا مفيش، سرحت شوية، هو الدكتور مش أتأخر!؟.
ابتسم علاء من جديد ولم يعقب لينهض متسائلا في نبرة مرحة: – تشربي قهوة!؟.
ردت باضطراب مجيبة: – اه، ماشي..

ابتعد في طريقه ليحضر لها كوبا من قهوة لا تريده فقط طلبته حتى يرحل عنها لتستعيد ثباتها في غيابه وقد أدركت أن هناك شئ ما يحدث لا تعرف كنهه، شئ لا تريد له الحدوث، لكن هل يمكن لنا تغيير المكتوب!؟..
ظلت عيناها معلقة به حتى غاب وتنهدت وداخلها يخبرها أن هناك ما يلوح بأفق الأقدار…

وقف على باب السطح في انتظارها، كان عليه أن ينفذ ما خططت له أمه حتى يجبر خاله ليوافق على زواجه من هناء، كانت هناء على علم بالخطة الموضوعة وها هو يسمع خطواتها على الدرج صاعدة..
وصلت لموضعه مضطربة هاتفة في نبرة مرتعشة: – هو لازم اللي هنعمله ده يا عماد!؟، انا خايفة قووي..
هتف يشجعها وهو يجذبها لداخل حجرة السطح هاتفا: – متخافيش، مفيش حل الا ده اللي هيخلي خالي يوافق على جوازنا..

واقترب منها ما أن أصبحا داخل الحجرة مغلقا بابها خلفه مستطردا في همس وبنبرة تشع رغبة: – ولا انتِ مش بتحبي عماد!؟.
همست وهي تحاول التملص من اسره: – لا بحبك طبعا بس انا..
جذبها بقوة وقد بلغت منه الرغبة مبلغ خطر هاتفا بصوت كالفحيح: – يبقى تسمعي كلام عماد..

بدأت ذراعاه تشتد حولها مكبلا إياها يحاول أن ينل منها ما يطاله رغم تمنعها معترضة بصوت مكتوم إثر حصاره: – متفقناش على كده يا عماد، لا، حرام عليك سبني..
همس وهو يدفع بها لأحد الأركان الذي كان معد مسبقا: – اسيب مين! يا انا يا انتِ، وهاخد اللي انا عاوزه منك وهتيجي انتِ وابوك مذلولة لحد عندي تبوسوا رجلي عشان ارضى اتجوزك..

انقض عليها عندما حاولت التملص منه للحظة هاتفا في حنق وبلهجة ساخرة: – هتروحي فين!؟، هو دخول الحمام زي خروجه..

كانت تصعد الدرج في هوادة تحاول اتباع تعليمات الطبيب بالراحة خاصة فترة الحمل الأولى، لكن دعوة سعدية للجلوس في دفء شمس الظهيرة في مثل هذا الجو البارد فيه فائدة كبيرة للحمل وكذا كان بها رغبة لإذابة الجليد القائم بينها وبين اخت زوجها حتى تستشعر أنها أضحت متقبل وجودها داخل هذا البيت وقد نالت رضا كل أفراده..

تطلعت حولها في تعجب، أين ذهبت سعدية!؟، تراها لم تصعد بعد!؟، توجهت لتلك الأريكة الجانبية ترتاح قليلا في انتظارها، لكن تلك الهمهمات والصرخات المكتومة جعلتها تنتفض مندفعة في اتجاه الحجرة التي كانت تصدر منها..
دفعت الباب لتجد عماد يحاول النيل من هناء التي اعيتها المقاومة فاستسلم جسدها أمام سطوة جسده..

اندفعت صفية تدفع بعماد بعيدا عن هناء، تزود عنها بجسدها صارخة في غضب: – حرام عليك، عرض خالك يا نجس، اتقي ربنا..
صرخاتها جذبت سعدية التي وصلت للسطح اخيرا وهرولت نحو الحجرة بدورها لتجد صفية تطوق هناء بذراعيها وعماد مدفوعا لركن آخر وقد شعث شعره وتمزق قميصه..
ضربت سعدية على صدرها في صدمة صارخة في لوعة: – ايه اللي عملته!؟، عملت ايه فبت خالك يا واد!؟، انطج..

وعندما لم يحر جوابا بدأت في اللطم والضرب على صدرها هاتفة في حسرة: – هنعمل ايه دلوجت، هنعملوا ايه!؟، لو خالك عرف فيها موتك وموتها، يا مراري، كان متخبيلنا فين ده!؟.
هتفت صفية في محاولة لإنهاء
الأمر: – الحمد لله، قدر ولطف، جينا فالوقت المناسب..
هتف عماد صارخا: – على فكرة دي مراتي، يعني انا حر فيها ومحدش ليه عندي حاجة..
صرخت سعدية: – مرتك ازاي!؟، وميتا!؟.

هتف عماد في حنق: – من اسبوع بعد ما خالي رفض جوازنا كتبنا ورقة عرفي، وهخليهاله بقى زي البيت الوقف، يا انا، يا مفيش راجل هيقرب لها..
ضربت سعدية من جديد على صدرها في حسرة: – يا مرارك يا سعدية، هروح من حماد اخويا فين!؟، هجول له ايه!؟.
هتفت صفية في محاولة لإصلاح الوضع دون علم حماد الذي لا تأمن رد فعله ساعتها: – تاخد كام وتجيب ورقة الجواز العرفي دي!؟.

هتف بها عماد مستهزئا: – واديهالك ليه من اساسه!؟، عشان اخد ملاليم؟!، لما اتجوز هناء رسمي بالورقة دي هاخد ورثها كله..
هتفت صفية في محاولة لإقناعه: – لو خالك حماد عرف هاتبفى مصيبة ويمكن يقتلك ويشرب من دمك كمان وساعتها لا هطول اللي هديهولك ولا اللي عينك عليه من ورث خالك بعد عمر طويل، ها قلت ايه!؟.
هتف عماد متصنعا الحيرة: – طب هفكر واقولك، بس أنتِ هتجبيلي الفلوس منين!؟، هو انتِ حيلتك ايه!؟.

هتفت به صفية في حنق: – هو انت ليك اكل ولا بحلقة، قول يكفيك كام وتجيب الورقة وهيكون عندك ونخلص من الموضوع ده..
هتف عماد بمبلغ توقعت أن يطلب اضعافه فوافقت على الفور هاتفة: – انزل هات الورقة وانا هجيب لك الفلوس..
أكد عماد: – الورقة مش هنا، شايلها فالحفظ والصون عند واحد صاحبي، ماما هتبلغك نتقابل فين، اديهالك وتسلميني الفلوس ويا دار ما دخلك شر..

هتفت صفية وقد بدأت هناء تستفيق بين ذراعيها متململة: – تمام اتفقنا، بس أنجز وقوم روح شوف حالك، البت بتفوق ومش عيزاها تشوفك قصادها لحد ما نهديها..
خرج من الغرفة تتبعه أمه لتفتح هناء عيونها في تيه واخيرا استفاقت دفعة واحدة منتفصة تتطلع حولها وكأنها كانت تعيش كابوسا حيا، ربتت صفية على كتفها هامسة: – متقلقيش، كل حاجة تمام، ربنا سترها يا هناء رحمة بأبوكِ الغلبان اللي ما بيستحملش عليكِ الهوى الطاير..

ربتت من جديد على كتف هناء التي انفجرت في بكاء مرير: – قومي معايا وانزلي اوضتك، وانسي اللي حصل وحقك هايرجع لك..
كانت هناء في حالة يرثى لها من التيه والشرود لا تصدق انها نجت من براثن ابن عمتها الذي أحبته أكثر من روحها وكاد أن يكلل مفرقها بالعار لولا تدخل صفية في الوقت المناسب والتي لمحت طيفها المدافع عنها قبل أن تفقد القدرة على مقاومة عماد كليا غارقة في إغماءة لا تعرف ما حدث بعدها..

نهضت صفية وساندت هناء لتنهض بدورها في سبيلهما للأسفل لتتلقفهما سعدية أمام باب شقتها مندفعة نحو هناء تضمها لصدرها هاتفة في نبرة حانية تشع افكا: – بت اخوي، الحمد لله انك بخير يا غالية..
وما أن اقتربت من مسامع هناء حتى همست بها في صرامة: – عارفة تفتحي بجك بكلمة، مش هيحصل لك طيب..
ابتعدت عن هناء متصنعة التعاطف واندفعت تعود لشقتها وكأنها لا تحتمل فكرة أن ولدها كاد أن يعتدي على ابنة خالة..

ربتت صفية على كتف هناء التي تسمرت موضعها من جراء تهديد عمتها تحثها على الاستمرار في طريقهما نحو الأسفل حتى ما أن وصلت امام شقة امها حتى هتفت بها صفية: – ادخلي يا هناء، ولو احتجتي حاجة، انا موجودة..
هزت هناء رأسها المشتت في إيجاب قبل أن تندفع لداخل الشقة لتحذو صفية حذوها..

دخلت شيرين لحجرة أمل لتبادرها الأخيرة هاتفة في قلق: – فيه ايه يا شيرين!؟، مال وشك مقلوب كده ليه؟!، طنط كويسة!؟، ولايكون سليم حصل له حاجة!؟.
هتفت شيرين تهدئها: – لا مفيش حاجة يا أمل اطمني، بس انا اصلا مقدرتش اشوفه لا امبارح ولا النهاردة، عشان، اصل أمجد وداه لجدته يقعد معاها كام يوم..

هتفت أمل متنهدة في راحة: – وقعتي قلبي يا شيخة، مع اني مبحبش سليم يروح عند الست دي لكنها جدته برضو والصراحة هي بتحبه..
هتفت شيرين في عجالة: – أمجد هيتجوز يا أمل..
هتفت أمل في هدوء: – حقه يا شيرين، خلاص لا بقى يخصني ولا اي حاجة من ناحيته يهمني اعرفها، هو أبو ابني وبس..
هتفت شيرين مؤكدة: – انت صح، بس حبيت اقولك، عشان تعرفي ازاي هتشوفي سليم بعد كده..

همست أمل في وجع: – سليم هيرجع لي، متقلقيش، ده انا مش عايزة أخف الا عشان يرجع لحضني واقدر اربيه يبقى راجل بجد..
ربتت شيرين على كتفها متعاطفة ولم تنطق بحرف..

طرقت باب الغرفة التي نقل إليها توفيق بعد أن تخطى مرحلة الخطر محاولة تناسي الحوار الذي دار بينها وبين عبدالغني منذ دقائق حتى تستطع التركيز على لقائها مع طليقها والذي جاء على غير انتظار، وصلها صوت عامر بالداخل سامحا للطارق بالدخول، دفعت الباب ليطالعها وجه توفيق الشاحب على غير عادته، ظهر على محياه اثار العمر الذي كان يحاول اخفاؤه دوما، نظر لعامر نظرة ذات مغزي يبدو أنها باتفاق مسبق بينهما اندفع عامر على أثرها لخارج الغرفة تاركا أمه لأول مرة منذ رحيلها من بيتها تحت سقف واحد مع أبيه الذي أشار اللحظة بوهن لها لتقترب..

اقتربت في ثقة تدنو من فراشه تتطلع إليه كأنه شخص غريب عنها تماما، كانت تتوقع أنها يوم أن تراه بعد بعاد سيرتج قلبها بصدرها، أنه الرجل الأول بحياتها، من تعرفت على يديه وهي ابنة التاسعة عشرة كيف تكون امرأة وزوجة، وببيته أصبحت أما لأبنائه، لم يصن هو كل هذا لكنها صانت وصبرت واحتسبت، لكن القلب قد تقلب وما كانت تعتقد لوهلة أنها ستبكي عند قدميه ما أن تراه أصبحت روحها لا تتعرف على ملامحه التي احتلت مخيلتها لسنوات وسنوات..

ابتسمت في أريحية هامسة: – ازيك يا توفيق، يا رب تكون احسن النهاردة!؟.
أكد بايماءة من رأسه أنه بخير وهمس بابتسامة واهنة على شفتيه: – اتغيرتي قوي يا إحسان..
ابتسمت هامسة: – اتغيرت للأحسن اكيد..
هز رأسه مؤكدا: – احسن كتير..
هتفت إحسان تسأله: – كنت عايزني فأيه يا توفيق!؟.
همس توفيق: – كنت عايزك تسامحيني يا إحسان، سامحي على كل اللي عملته فيكِ..

دمعت عيناها ولم تعلق بحرف فها هو حقها يعود لها وجاء معتذرا بعد أن أدرك خطيئته، لكن ويا للعجب، لم لا تستشعر ما كانت تتوقع أنه سيتملكها في لحظة كهذه!؟، كان احساسها الان لا شعورا بانتصار صاحب حق عاد له حقه بل شعورا بالشفقة على حاله لا اكثر..

ابتسمت في راحة هامسة: – انا نسيت يا توفيق كل اللي فات، نسيت بجد، لأن ربنا عوضه كان كبير وخلاني احسن أن اللي حصل ده كان خير مهواش شر زي ما كنت فاكرة، انا حقي اشكرك مش اسامحك..

تطلع إليها توفيق في تعجب، لم تعد هي إحسان الخاضعة الخانعة التي رباها كفرخ داجن بحظيرة بيته، أن من تجلس أمامه اللحظة إحسان أخرى تماما لم تكن تختلف شكلا وهيئة فقط بل مضمون وروحا أيضا، تطلع إليها محاولا إيجاد اي لمحة من إحسانه القديمة فلم يجد ورغم ذلك استمر فيما كان ينتويه هامسا: – انا ندمان على كل حاجة حصلت ما بينا، ندمان اني استبدلت الرخيص بالغالي، وعايز أصلح الغلطة دي يا إحسان، انا عايز اتجوزك يا إحسان ونرجع نتلم من تاني زي زمان..

هتفت إحسان بنبرة متحشرجة: – ليه!؟، ليه دلوقت بالذات يا توفيق!؟
هتف مؤكدا: – مش من دلوقت يا إحسان، من بدري كان نفسي ارجعك، من ساعة ما حسيت بغلطتي وأتأكدت اني ظلمتك بالقوي، انتِ مكنتيش تستاهلي اللي جرالك، انا كنت بقارن بيني وبين نفسي بينك وبينها، وكانت دايما كفتك الكسبانة..

ابتسمت إحسان ساخرة: – يعني برضو حاسبها بمنطق التاجر يا توفيق، منطق المكسب والخسارة، بس للاسف حسبتها غلط، لو كنت جيت لي من كام شهر وقلت لي الكلام ده كان جايز قوي اطير من الفرحة واقول ندم وعرف غلطته فحقي وعرف قيمتي وهيصوني، لكن دلوقت..
قاطعها توفيق محتدا رغم مرضه: – لكن دلوقت ايه!؟، طبعا خدتي راحتك وعشتي حياتك وبقيتي معروفة ودنيتك اختلفت..

هتفت إحسان في ثبات: – احسبها زي ما تحب يا توفيق، إحسان خلاص اتحررت من قيدك ومعنديش استعداد ارجع للأسر تاني بعد ما دوقت الحرية..
ونهضت في هدوء تاركة إياه يصرخ خلفها لاعنا إياها ناعتها بناكرة الخير وخائنة العشرة التي تتخلى عنه في أزمته انتقاما منه على خطئه في حقها والذي اعتذر عنه..

دخل عامر محاولا تهدئة أبيه الثائر لا علم له بما حدث بينهما، لتغادر إحسان المشفى الذي ما أن خطت خارجه حتى استنشقت في عمق نسمات المساء تعبئ بها صدرها وقد استشعرت لتوها معنى أن يكون الإنسان حرا قادرا على اتخاذ قرار مصيري يغير مجرى حياته بالكلية..

كانت في سبيلها للخروج من بوابة المؤسسة مسرعة حتى تلحق بأية حافلة، تشعر بارهاق كبير لأنها لم تنم بشكل جيد بعد رسالته المغناة بالأمس وأخذها تفكيرها بعيدا لذكريات خلت أضاعت ساعات نومها لتستيقظ شاعرة بالإعياء..

صوت مميز لفؤادها ومحبب لمسامعها ناداها لتوه لتتوقف وقد شعرت بأن الأرض تميد بها، تبا، عاد لها خجلها القديم من التحدث للرجال وحياءها الجم منه في فترة خطبتهما وكأن الزمن عاد بكل تفاصيله مجددا الذكري التي لم تمت ومزكيا نار العشق التي ما تزل قابعة تحت رماد خذلانه..

توقفت تولي وجهها له تتصنع ثباتا هشا في حضرته ليتوقف قبالتها هاتفا في لهفة رأتها جلية بناظريه: – ازيك يا نجوى!؟ اخبارك ايه!؟، واخبار يوسف ايه!؟، وحشني قوي..

ابتعلت غصة بحلقها عند ذكره لولدهما الذي ما سأل عليه من يوم انفصالهما الا مرتين لا اكثر على استحياء، ولم يكن هو بنفسه من سأل بل كانت أمه التي اتصلت لرغبتها في الاطمئنان على حفيدها ومبلغة سلامه ومحبته لطفله الذي لم يره منذ عدة أشهر تخطت الست بقليل..
هزت رأسها في ثقة هاتفة: – احنا كويسين الحمد لله، خير!؟.
تردد قليلا وشعرت باضطرابه وهو يهمس بأحرف متلعثمة: – ممكن تبلغي والدك اني عايز أقابله..

اضطربت بدورها ورقص قلبها فرحا وارتسمت على محياها ابتسامة جعلته يكاد يهلل في سعادة فقد كانت مؤشر على أن الامور تسير على ما يرام، أجابت بايماءة من رأسها هامسة في حياء وقد اشعرته أنها وعت الرسالة لتتسع ابتسامتها وهي تستأذن راحلة شاكرة الله أن سالم كان في مأمورية خارج المدينة وما رأى هذا المشهد الذي تعمدت اطالته حتى يبصرهما كل موظفي المؤسسة تقريبا..

صعدت إلى الحافلة ونظراتها تحيد نحوه في خفية لتتأكد أنه ما زال يقف موضعه يتبعها بناظريه والحافلة مغادرة، انتشت في سعادة مراهقة صغيرة استشعرت اخيرا اهتماما من ذاك الذي يهواه قلبها وتاهت في خضم مشاعرها ومذياع الحافلة يشدو بصوت نجاة العذب: –
حبيبتي! هل أنا حقا حبيبته؟
وهل أصدق بعد الهجر دعواه؟.

كانت قد أقسمت الا تدخل هذه الشقة ابدا لكنها حنثت بقسمها من أجله، تطلعت نحو كل ركن بها متشبثة بذاك الكيس الورقي الذي تحمل..
كان به تقريبا كل ما تملك، تشعر باختناق عجيب داخل موضع لم يكن لحماد، شقتها القديمة..

اضطربت مستشعرة قلقا مبهما في انتظار عماد كما اتفقا، لا تعرف لما اختار هذا المكان بالتحديد لكنها لم تعقب أو تعترض رغبة في إنهاء ذاك الأمر الشائك دون علم حماد، لقد كان التفكير في مجرد تخيل معرفته وكذا رد فعله كان يضج مضجعها..
طرقات متتابعة على الباب جعلتها تنتفض في عجالة لتفتح دون أن تتحقق من شخصية الطارق..

انفرج الباب ما أن اندفع بفعل مسعد الذي ظهر بمجال رؤيتها، حاولت الضغط على الباب لإغلاقه بوجهه لكنه كان الأسرع دافعا إياه لتتقهقر للداخل ليتبعها داخل الشقة مواربا الباب خلفه قليلا دون أن يغلقه..
هتف بها في نبرة ماجنة: – والله وليك وحشة يا صفية، فينك يا بت!؟، رحتي كده وقولتي عدولي..

هتفت صفية وقد أيقنت أن مسعد مغيب تماما عن وعيه بفعل تلك الحبوب التي يتعاطاها فقررت مجاراته حتى تستطيع الإفلات بنفسها وجنينها الذي حذرتها الطبيبة من مغبة القيام بأي مجهود غير محسوب قد يؤدي بها لخسارته: – معلش بقى يا مسعد، مكنتش بعرف أخرج، بس اديني جيت اهو، سبني امشي بقى احسن اتأخرت ع العيال..

همت بالاندفاع نحو الباب إلا أنه امسك معصمها مستوقفا وهو يقترب منها لتتراجع هي في رهبة تحاول أن تظل على ثباتها حتى تحسن التصرف ليهتف مسعد في نبرة مغيبة: – واللي فبطنك أخباره ايه!؟، لسه المغفل فاكر أنه ابنه!؟.
شهقت مما تسمع لكنها استدركت هاتفة وهي تحاول أن تجذب معصمها من براثن كفه القابضة عليه بخشونة: – ايوه يا مسعد، سبني بقى اروح، بقولك سايبة العيال لوحدهم.

هتف بها دون أن يفلت رسغها: – طب فين الفلوس اللي طلبتها منك، ما هو جايب لك دهب بالكوم، اهو ينوبني منه نصيب، مش كفاية سبتك له على عيني..
اومأت صفية تهز رأسها عدة مرات في ذعر: – ايوه جبت الفلوس يا مسعد والله، اهي..

تطلع للكيس البلاستيكي الذي كانت قد تركته جانبا وبه كل ما استطاعت التحصل عليه من بيع مصاغها وهدايا حماد الذهبية واندفع يفتحه في لهفة متطلعا للنقود في شهوة هاتفا: – جدعة يا بت يا صفية، عفارم عليكِ، روحي ياللاه للعيال ومتبقيش تعوقي عليا تاني، بتوحشيني..
همت صفية بالاندفاع مبتعدة إلا أنه استوقفها هاتفا: – ابقي خلي بالك من نفسك واللي فبطنك، ده اللي هيقش اليغمة كلها..

لم تعره صفية بالا لترد على ترهاته التي عذتها لغياب عقله جراء المكيفات التي يتعاطاها وما أن همت بالاندفاع للخارج شاعرة بالخلاص إلا أنها تسمرت موضعها، عيونها قد انفرجت على اتساعمها، شهقت في صدمة تتقهقر للخلف عائدة للداخل عندما رأت حماد يقف على أعتاب الشقة دافعا بابها الموارب بعد أن سمع كل حوارها الملفق مع مسعد وبدأت تستشعر الخديعة فهتفت تحاول أن تفهمه الأمر: – بص يا سي حماد، انا هفهمك كل حاجة، اصل..

تقدم منها حماد لا يكاد يصدق ما سمعته اذناه وما يره الان بناظريه، انتفض مسعد بدوره محاولا اخفاء المال الذي يحمل مندفعا للخارج إلا أن حماد اندفع نحوه ممسكا بذاك الكيس البلاستيكي جاذبه صارخا فيه: – مالي، تعبي وشجايا ميبجاش بيد خسيس زيك..
استطاع مسعد التملص من بين يديه مسرعا في الهرب للخارج..
تطلع حماد نحو صفية في وجيعة صارخا: – وأنتِ، ايه عذرك فاللي عملتيه!؟، ده اني كنت چايب لك الدنيا تحت رچلك..

هتفت صفية وقد بدأت عيناها في سكب الدموع سكبا: – يا سي حماد والله الموضوع مش زي ما انت فاهم، وعهد الله انا..
صرخ بها حماد: – اخرسي، هتجولي ايه واني سامعك بوداني، واللي فيدي فلوس دهبك اللي چايبهولك، و..
وتحشرج صوته وهو يهتف في نبرة احتوت وجع الكون: – واللي فبطنك، مش ولدي..
واندفع مطبقا على ساعديها يهزها في صراخ هستيري: – ليه!؟، عملتي ليه كده!؟.
صرخت بدورها متألمة: – والله ما عملت حاجة، اصل..

هتف حماد وهو مازال يهزها في جنون: – اصل ايه!؟، انطجي..
همت باخباره، لكن بماذا تخبره!؟، تخبره بخيانة ابنته لصونها عرضه بموافقتها على زواج عرفي لا يحفظ له كرامته أو هيبته!؟، ام تخبره أن ابن أخته الذي احتضنه رضيعا ورباه كولده قد خان أمانته وكاد أن يستبيح عرضه لولا ستر من الله ووصولها في الوقت المناسب!؟.

ماذا عليها أن تقول، كيف سيتحمل كل هذه الصدمات!؟، وهل سيصدق من الأساس ما تدعه أن هي أخبرته؟! لم تكن تملك دليلا واحدا على صدق قولها ولن يشهد اي من ابطال الواقعة بصفها بل سيكذبها الجميع اتقاءا لنوبة غضبه وثورته التي قد تحرق الأخضر واليابس، وستظل هي الكاذبة، هي الخائنة، هي الظالم والمظلوم..
هزها من جديد أمرا: – انطجي، كنتِ عايزة تجولي ايه!؟.

هزت رأسها هاتفة في قلة حيلة: – مش عايزة اقول حاجة يا سي حماد..
تطلع حماد إلى عمق عينيها الباكية، كان يتمنى لو انها تخبره لما هي هنا!؟، ولما تقابل مسعد هذا!؟، وما مدى صحة ما سمعه من حديث بينهما!؟، كان يتمنى لو تخبره اي شئ مبررة ما يحدث حتى تهدأ ناره، لكن لم يكن هناك إلا صمتها وابتلاعها اعترافا كان على طرف لسانها، لكن لما!؟.
دفع بها حماد في قسوة هاتفا في نبرة جافة: – أنتِ طالج..

شهقت صفية في صدمة بينما اندفع حماد للخارج يحاول التماسك وألا تتعثر خطاه حتى يصل لعربته.

التي ما أن ركبها ورحل مسرعا الا وظهر مسعد الذي كان قد فر من حصار حماد وهو يستجوب صفية مختبأ في موضع ما خارج الشقة لكي يستمع لكل ما قيل بينهما ضاغطا على أحد أزرار هاتفه مؤكدا للطرف الآخر: – ايوه يا عماد بيه، اه كله تمام وحصل المراد، اه طلقها وهو فاكر أنها كانت بتجيلي هنا والفلوس اللي كانت جيبهالي دي تمن بيع دهبها عشان خاطري، وان الواد اللي هي حامل فيه ده يبقى ابني، ده حتى خد الفلوس، حقي هخده ازاي كده يا عماد بيه!؟، احنا متفقناش على كده!؟.

هتف به عماد في سعادة: – حقك فالحفظ والصون يا مسعد، كفاية انك عملت اللي عليك وزيادة، هقولك نتقابل ازاي واديك اللي انت عاوزه، سلام..
اغلق عماد الهاتف لتهتف أمه مهللة في ترقب: – ايه حصل!؟.
أبتسم عماد: – ما انتِ سمعاني وانا بكلم مسعد، الليلة خلصت وطلق الهانم..
هتفت سعدية في سعادة غامرة: – والله لولا الملامة لكنت زغردت، هم وانزاح، تبقى تورينا هي وابنها هيورثوا ايه وحماد مش هيعترف بيه من الأساس..

هتف عماد في حماسة: – يا أفكارك يا سعدية، ده ايه الدماغ العالية دي!
هتفت به سعدية في غضب: – انت تتخرس، كنت هتودينا فداهية باللي كنت هتعمله فبت خالك، اهي المچحومة دي طلع لها فايدة ولحجت الموضوع، احنا مش كنا جايلين تمثلوا ساعة ما توعولها طالعة..
هتف عماد مقهقها في مجون: – معلش بقى، اصل اندمجت..

تطلعت إليه سعدية في حنق ولم تعقب لكن لم تترك ذلك يؤثر على سعادتها وانتشاءها لانتصارها في التخلص من صفية وتطلعت من النافذة شامتة وهي ترى ام صفية وأطفالها وهم خارجين من البيت في اتجاه العربة ليأمر حماد سائقه بتوصيلهم لبيت صفية بالحارة حيث تركها تجتر مرارات الظلم والقهر وحيدة الا من طفلهما الذي تحاول بكل الطرق الاحتفاظ به فهو كل ما تملكه اليوم من ذكراه وغابر أيامه..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى