رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر (عمر جاي)
عمر جاي
وقفت أمام مرآة حجرتها تعدل من هندامها في فرحة عجيبة تطرق قلبها بعد غياب طال لسنوات..
فاليوم سيحضر بصحبة اخواته البنات لخطبتها، ستصبح عروسا وزوجة وام، وهي التي كانت قد فقدت الأمل في هذه الأحلام التي نسجتها مع رجل آخر لتتحقق مع غيره، رجل حقيقي يستحق قلبها واحترامها..
طرقات على باب شقتها جعلت قلبها يقفز واثبا بين اضلعها، حاولت التحرك لكن أقدامها تيبست موضعها مما دفع امها لتنادي باسمها لعلها لم تسمع الطرقات على الباب..
تحركت في محاولة لتبدو رابطة الجأش، انفرج الباب عن محياهم، اخواته البنات وهو بينهن يحمل علب الحلوى في اضطراب..
أذنت لهم بالدخول، لتحضر امها على مهل قادمة من غرفتها لينهض علاء مندفعا لمساعدتها لكى تنير الجلسة، تحدثوا في كل شئ تقريبا ولمست محبة الفتيات لأخيهن واحترامهن له..
كان هناك تساؤل واحد يحيرها لما كل اخواته اكثر منه طولا، كانت تجلس بالقرب منه وهو يلمح كل خلجة من خلجاتها، انحنت تخبره مشاكسة لكنه لم يمهلها هامسا: – انا عارف انت عاوزة تقولي ايه!؟، عارفة لو اتريقتي مش هيحصل طيب..
أمسكت ضحكاتها ليهتف هو بأخوته: – ما ترقعوا بالصوت، اقصد ارقعوا زغرودة..
قهقه الجميع وارتفعت اخيرا بهذا البيت رايات الفرحة بعد غيبة طويلة وقد أعلنت عنها اخواته بسلسلة من الزغاريد المتعاقبة التي طارت كحائم تعلن اقتران قلبيهما..
كان سعاله يزداد حدة وقد احتقن حلقه جراء استمراره، ناداها من بين نوبات السعال لتحضر سوسن إليه هاتفة في فتور ومن مسافة ليست بالقريبة كأنها تتجنب الدنو منه: – خير يا أمجد فيه ايه!؟.
هتف ممتعضا يقاطعه السعال: – فيه ايه!؟، فيه اني عيان ومفيش حد جنبي ولا حتى اتعمل لي كباية حاجة سخنة، وجرعة المضاد الحيوي فاتت عليا لأن محدش صحاني اخدها..
هتفت سوسن في برود فطري: – انا لسه عملالك كباية ليمون من ساعتين، ومعلش نسيت اظبط الموبيل عشان يصحيني عشان ميعاد دواك..
هتف أمجد ممتعضا: – وليه نايمة فالاوضة التانية!؟.
أكدت في هدوء: – معلش اصل بخاف اتعدي، مش بحب الأدوية ولا الحقن فببعد احسن..
هتف أمجد غاضبا: – روحي اعمليلي حاجة سخنة ولا اقولك هاتي طبق شوربة من اللي طلبتها من ساعتين ومجتش..
هتفت في طاعة: – حاضر هروح اسخنها..
ابتعدت في هرولة منفذة ما طلب ليتنهد هو في وهن مسندا رأسه لظهر فراشه مغلقا عينيه لتطارده ذكراها، كانت دوما هنا عند مرضه، كان كل ما يرغب أمامه قبل أن يطلب، تنام جواره لعله يطلب شيئا مساء، تولي كل الاهتمام لمواعيد علاجه بكل دقة، كم من المرات صرخ بوجهها وهي توقظه في تودد ليتناول دوائه!؟
فتح ناظريه عندما استشعر دخولها الحجرة حاملة صينية الطعام لتضعها جواره على الطاولة القريبة من الفراش مبتعدة في سرعة..
هتفت تسأله: – مش عاوز حاجة تانية..!؟
رد في نزق معتاد: – لا، خلاص روحي يا أمل..
توقفت متسمرة للحظة ليتطلع إليها في تعجب هاتفا: – ايه!؟، قلت خلاص، روحي..
استدارت مغادرة لكن قبل أن تخطو خارج الغرفة هتفت به في هدوء: – على فكرة، انا سوسن مش أمل..
كان يرفع ملعقة الحساء لفمه لتتوقف كفه متصلبة، انزلها بحملها لداخل الصحن متطلعا لموضع رحيل زوجته في صدمة، هل ناداها باسمها حقا!؟، نعم لقد فعل، لم يتعجب!؟، اما كان يفكر بها منذ لحظات!؟، إذن فمن الطبيعي أن يهتف لسانه بما يخبئه خاطره..
أنها لعنتها، نعم، ألقت عليه لعنة قبل أن ترحل مغادرة بلا رجعة، لعنة سيظل موصوما بها حتى النهاية، عاف الحساء الذي لم يذق منه إلا ملعقة وحيدة متعللا أنه لم يكن كما يحب، أو بالأدق، لم يكن كما كانت تصنعه أمل بنكهة المحبة والتي ما أرادت في مقابلها الا بعض التقدير..
اسبوع كامل مر على اخر لقاء بينهما، ذاك اللقاء الدامي، كان يراها في خروجها ودخولها للمؤسسة وما كان يرفع ناظريه لملاقاة نظراتها، لا تعرف هل كان ذلك خزيا ام محاولة لتجاهلها!؟.
دفعت باب الشقة لتدخل متفاجئة بمنيرة أمه تحمل ولدها يوسف في شوق وما أن طالعها محياها حتى هللت في سعادة: – حبيبة قلبي..
اندفعت منيرة تحتضن نجوى في شوق هاتفة في محبة حقيقية: – ازيك يا نجوى!؟، وحشتيني..
هتفت نجوى في محبة حقيقية لهذه المرأة: – وانتِ كمان يا طنط والله وحشتيني..
جذبتها منيرة من كفها لداخل حجرة نومها هاتفة بها وهي تغلق بابها: – انا استأذنت من بابا عشان اتكلم معاكِ شوية لو مش هيضايقك!؟.
هتفت نجوى في دهشة: – يا خبر يا طنط، اضايق ازاي بس!؟، انتِ عارفة انا بعزك زي ماما وكل سري كان معاكِ، وياما جيت لك اشتكيلك من..
صمتت نجوى ولم ترغب فالاسترسال لتبتسم منيرة وهي تجلس جوارها على الفراش هاتفة: – ايوه حصل، ياما شكيتي من عمايل كمال وكنت بقولك، اصبري، وهو بيحبك ونزوة وهتعدي..
أكدت نجوى ساخرة: – وصبرت يا طنط، وادي اخرتها، ايه رأيك!؟، مفيش اجمل من كده..
هتفت منيرة متسائلة بغتة: – أنتِ لسه بتحبي كمال!؟.
اضطربت نجوى وحادت بناظريها عن منيرة التي هتفت في سعادة: – سكوتك إجابة، وهو كمان..
رفعت نجوى ناظريها في صدمة صوب حماتها هاتفة في سخرية: – بيحبني!؟، اللي يحب حد ميعملش فيه اللي عمله فيا يا طنط!؟.
أقسمت منيرة: – والله بيحبك، انت مشوفتيش كان عامل ازاي وهو جايلك يتقدم لك من تاني!؟، ولا كان ايه شكله وهو راجع من عندكم!؟، كان كل اللي على لسانه، انا السبب انا اللي ضيعتها من أيدي، اقسم لك بيحبك ومحبش غيرك..
دمعت عينى نجوى لتستطرد منيرة وهي تعدل من موضعها على الفراش متطلعة إليها بكليتها هاتفة في حماس: – طب اقولك حاجة بيني وبينك..
تنبهت نجوى متطلعة إليها لتستطرد منيرة: – لما كان بيخرج مع اللي ما تتسمى دي ويرجع كان بيقعد يقارن بينك وبينها، كان يقول لي نجوى كان يهمها انا لكن دي كل اللي يهمها هي وبس وبعد ما اتأكدت اني طلقت مراتي وخطبتها، اتحولت، والله كمال عمره ما نسيكِ ولا يقدر، ده انتِ حب العمر، ولا نسيتي!؟.
هتفت نجوى بحسرة ودمع سخين ينساب ببطء على خديها: – هو اللي نسي يا طنط..
هتفت منيرة مؤكدة: – والله عايزك وعايز يرجع، لو ليكِ رغبة قوليلي وانا هعمل المستحيل واقنع بابا..
هتفت نجوى: – ومين يطمني ويرجع لي الأمان اللي ضاع يا طنط!؟.
هتفت منيرة في صدق: – خدي عليه الضمانات اللي تعجبك، هو راضي، ها، قولتي ايه!؟.
طأطأت نجوى رأسها في خجل لتجذبها منيرة بين ذراعيها هاتفة بصوت متحشرج تأثرا: – والله لولا الملامة لأزغرد، انا هنادي الحج ونشوف ايه اللي يرضيه، بس المهم ربنا يجمع بينكم من تاني..
دخل ابوها بعد أن استدعته منيرة هاتفة: – بص يا حاج عبدالمحسن، انا سويت الأمور مع نجوى وليها كل الضمانات اللي تحب بس نرجعهم لبعض، ايه قولك!؟، هي قالت ماليش كلمة قبل الا لما بابا يقول كلمته، بنت اصول بصحيح..
ابتسم عبدالمحسن وقد استشعر أن رغبة ابنته في الرجوع جلية فهتف مؤكدا: – واحنا نقدر نقول حاجة بعد مجيتك الغالية يا حاجة، ابعتي لكمال يجي نتفق ويرجعوا لبيتهم وربنا يهدي سرهم، ومش عايز اشوف بنتي هنا الا في زيارة وبس..
هتفت منيرة في انشراح: – والله كل اللي هتطلبه احنا موافقين عليه المهم نجوى تنور بيتها من تاني، وربنا ما يجيب زعل تاني ابدا..
هتفت الجميع مؤمنين: – اللهم امين..
أنه اليوم الموعود، يوم حفلة توقيع رواياتها التي حققت نجاحا لم تكن تتوقعه ابدا، انه العوض الجميل من رب العالمين، ابتسمت في محبة عندما تناهى لمسامعها صوت ابيها هاتفا من الخارج: – ياللاه يا أمل، اتأخرنا..
كان هناك الكثير من الوقت أمامها لكن حماس ابيها المفرط اليوم لا يوصف، اتسعت ابتسامتها في محبة حقيقية لذاك الرجل الذي لا تعرف كيف كان سيكون حالها إن لم يكن هناك يقف ليدعمها ويشد من أزرها..
عاود ابوها الهتاف متعجلا اياها من جديد لتقهقه هاتفة تجيبه بدورها: – والله خلصت يا بابا، اديني جاية اهو..
اندفعت تغلق نافذتها قبل مغادرتها الغرفة لتتصلب كفاها فوق الخصاص وترتفع دقات قلبها للضعف فجأة عندما وجدت نافذة الحبيب الغائب الذي على ما يبدو قرر الرجعة على غير ميعاد..
كان النداء الأخير من والدها الذي جاء ليوقظها من تيهها لتغلق النافذة في عجالة كما كانت تفعل قديما عندما يباغتها بندائه وهي بالنافذة تترقب ظهور الحبيب بقلب فتاة صغيرة لم تكن تعرف الحب ولا خبرت ويلات العشق يوما..
اندفعت تهبط الدرج بجوار ابيها تتأبط ذراعه في فخر لكن ما أن خطت اولى خطواتها خارج البناية الا وطالعته أمام ناظريها، كان هو رامي بالتأكيد، هي لن تخطئه ولو مرت ألف عام على بعادهما، غيرته السنون بالتأكيد، ومن منا لم يصبغه الزمن بصبغته وترك أثرا لا يمح على قسمات قلبه قبل وجهه!؟.
تسمرت قدماها موضعهما عندما رفع رامي ناظريه نحوها وتقدم في ثبات نحو ابيها مادا كفه ملقيا التحية في أريحية ادهشتها، تطلع نحوها في ابتسامة ودودة حركت جزء ما كان غافلا بقلبها، ذاك الجزء الذي خلفت به حكايتهما ورائها بعد أن تخطت أزمة فراقهما..
مد كفه هاتفا في ثبات: – ازيك يا أمل!؟، عاملة ايه!؟.
مدت كفها تلقيها بأحضان كفه التي كانت يوما ملاذها، لكن ما استشعرته اليوم مختلفا تماما عن مشاعر تلك الفتاة التي كانتها منذ ما يزيد عن العشر سنوات، هزت رأسها في تحية صامتة بعد أن غاب عنها صوتها لثوان وما أن استعادته الا وبادره ابوها هاتفا في فخر: – احنا رايحين لحفل توقيع أول رواية لأمل، انت مسمعتش بيها ولا ايه!؟ دي مكسرة الدنيا..
ابتسم رامي في هدوء: – اه طبعا، أمل طول عمرها شاطرة، ربنا يوفقك..
هتف بكلماته وما أن همت بالرد الا وظهر خلفه خيالا مسرعا قادما من مدخل بنايته لقد كان ولده البكر الذي اندفع متشبثا به ليهديه رامي ابتسامة محبة ومن بعده لحقته امرأة تحمل صغيرا اخر بين ذراعيها، أنها زوجته والتي ألقت التحية على عجالة ما دفعه ليستأذن في تأدب هاتفا لها: – ألف مبروك على الرواية، معلش لو كنا نعرف من بدري كنا جينا اكيد..
هتفت اخيرا في هدوء: – ولا يهمك، كأنكم جيتوا..
ابتسم من جديد وهو يندفع نحو سيارته يجلس أمام مقودها ملقيا التحية وهو مارا بهما لتتبع هي اباها لسيارتهما، تجلس جواره وقد شرد ذهنها في أحوال القلوب، وأم كلثوم وكلمات أغانيها التي كانت رفيقها دوما يتناهى لمسامعها إحدى روائعها التي تشدو بها من مذياع السيارة اللحظة ووالدها يجاهد الزحام في بسالة: –
يا حبيبي كل شيئٍ بقضاء..
ما بأيدينا خلقنا تعساء..
ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم..
بعد ما عز اللقاء..
فإذا أنكر خل خله، وتلاقينا لقاء الغرباء، ومضى كل إلى غايته، لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء..
تعالت الزغاريد والجميع يوصلهم لبيتهما، حاولت منيرة اصطحاب يوسف حفيدها ليؤنسها تاركة مجالا للعروسين إلا أن نجوى تشبثت بطفلها متعللة أنه يستيقظ ليلا باحثا عنها ولا يهنأ الا بأحضانها..
دخلت شقتها وتنسمت ريح الخصوصية التي افتقدتها لشهور، فعلى الرغم من الدفء والتفهم الذي حظيت به في بيت أبيها إلا أن هذه الشقة تحمل مكانة غالية بقلبها..
فهي المكان الأول الذي اجتمعا فيه سويا تحت سقف واحد وكل ركن فيها شهد الكثير من ذكرياتهما الجميلة قبل أن تأخذهما الحياة لذاك المنحى الوعر..
تنبهت على صوت كمال هاتفا: – نورتي بيتك يا نجوى..
هزت رأسها مجيبة فقد تعثرت احرفها ولم تستطع لم شتات نفسها، تطلعت حولها لتجد أن كل شئ كان كما تركته، استعادت صوتها اخيرا هاتفة في اضطراب: – انا هدخل أنيم يوسف في اوضته وهنام معاه..
ما أن همت بالإندفاع نحو الغرفة الا واستوقفها كمال هاتفا: – نجوى..
استدارت تطالعه فاستطرد: – انا مش هستعجلك على حاجة، عارف ان لسه جواكِ جرح كبير، زي ما أنا متأكد ان جواكِ كمان حب كبير، انا بس عايزك تعرفي اني كفاية عليا انك بقيتي معايا..
اضطربت وتلبكت واندفعت من أمامه لداخل غرفة ولدها لتمدده بفراشه مغلقة خلفها الباب تستند عليه في تيه، بدلت ملابسها وتمددت جوار ولدها تسترق السمع لحركاته بالبيت فاستشعرت أمانا غائبا من زمن، امان دفع النعاس ليحتل جفونها المسهدة منذ أن فارقته.
دخل لحجرتها التي رغم كونه يزورها دوما إلا أنه بعد زواجه أصبحت زيارة تقليدية، كانت تعلم أنه يميل لصفية قبل أن تلقاها حتى، لكن مباله اللحظة يأتيها بوجه مخالف لوجهه الصبوح الذي يطالعها به ما أن دخلت صفية حياته!؟.
جلس على أطراف الفراش يربت على ظاهر كفها هامسا: – عاملة ايه النهاردة!؟.
أكدت في هدوء وقد ازداد حدسها صدقا: – الحمد لله، انت اللي مالك!؟، بقى ده شكل واحد جايله ولي العهد بعد كام شهر!؟.
هتف متنهدا في حسرة: – بلاها السيرة دي يا حورية، كل حاچة راحت لحالها، اعتبري اللي كان كنه ما كان، غلطة وعدت..
تطلعت إليه حورية في تعجب، ماذا يقصد!؟، وعن اي غلطة يتحدث!؟
هتفت متسائلة: – غلطة ايه!؟، وهي فين صفية صحيح!؟، مجتش معاك تطل عليا زي كل يوم!؟.
صرخ في غضب يقتله قهره: – ما جلنا بلاها سيرتها ولا سيرة اي حاچة من ناحيتها، فضيناها، اني طلجتها..
شهقت حورية في صدمة متطلعة إليه وهو يقف يهزه القهر هزا تستشعره ينتفض داخليا يحاول التظاهر بصلابة لا يملكها، يبدو أن الحدث جلل، جلس على طرف الفراش من جديد واضعا رأسه بين كفيه لتهمس به حورية مستشعرة صراعات نفسه: – حماد..
رفع رأسه متطلعا إليها بعيون يحرقها دمع الكبرياء، مدت كفها له ليضع كفه براحتها لتجذبه برفق نحوها وما أن أصبح بأحضانها حتى دفن رأسه بصدرها وبدأ في البكاء لتلف ذراعيها حوله تحكم ضمه لها محاولة تضميد جرح لا يندمل..
اندفعت تعتلي درج البناية بحماسة شابة في العشرين تطير من فرط سعادتها بنتائج الحملة التي قامت بها لصالح الجمعية الخيرية، لم تجد من تشاركه سعادتها إلاه فاندفعت نحو باب شقته تطرقها في تتابع ملهوف..
لم يجب فاستمرت في الطرق ملحة على غير عادتها، يبدو أنه ليس بالداخل، شعرت بالإحباط متجهة نحو شقتها لتتنبه لنرمين التي كانت تصعد الدرج لاهثة وهي تحمل طفلتها وبعض الأغراض..
قدمت إحسان لها يد المساعدة حاملة عنها طفلتها حتى تستطع فتح باب شقتها، ناولتها إحسان الطفلة هاتفة في تعجب: – ليه مخلتيش حاتم يجيب لك طلباتك!؟، او حتى كنتِ قولتيلي اجبهالك معايا بدل نزولك وانتِ على كتفك البنت..
هتفت نرمين متنهدة: – حاتم مش هنا، ده بايت فالمستشفى من امبارح، عمو عبدالغني تعبان و..
هتفت إحسان في صدمة: – عبدالغني ماله!؟.
تلبكت نرمين هاتفة: – هو انتِ متعرفيش ولا ايه يا طنط!؟، انا اسفة اني خضيتك بس..
هتفت إحسان في عجالة: – مستشفى ايه يا نرمين!؟، ازاي محدش ييقولي!؟.
هتفت نرمين مؤكدة: – الصراحة يا طنط بعد يعني اللي حصل وبعدك عن تقديم البرنامج معاه كلنا افتكرنا انك حابة تبعدي عشان ميحصلكيش مشاكل، غنوة نفسه قال لحاتم، محدش يضغط عليها هي مضغوط عليها كفاية، وان راحتك على أي وضع هي الأهم..
دمعت عينى إحسان في محبة لذاك الرجل الذي يفهم دواخلها أكثر من فهمها لذاتها..
أخبرتها نرمين باسم المشفى لتندفع في قلق تهبط الدرج على عجلة لتلحق به..
اندفعت داخل اول سيارة أجرة تكاد تطير إليه، قلبها يخفق في عنف وجسدها يرتجف في اضطراب وعقلها يطلق أسئلته التي تجلدها كسوط، ماذا لو تركها ورحل!؟.
سال الدمع على وجنتيها سخينا بطعم اللهفة وقلق الفراق..
اندفعت لداخل المشفى تبحث عن غرفته لتندفع مهرولة نحو حاتم الذي وجدته ينام مستندا على أحد المقاعد بزاوية ما مجاورة لحجرته..
لم تشأ أن توقظه ودارت بعينيها تتطلع خلف أحد الجدران الزجاجية لعلها تلمح طيفه..
كان هناك مسجي بين الأجهزة الطبية، تطلعت إليه وارتفع نحيبها، انتفضت عندما ربت حاتم على كتفها مهدئا ليهمس لها مطمئنا: – هو بخير، الدكتور قال لي انه تخطى مرحلة الخطر..
هتفت في لهفة: – صحيح!؟، يعني هايبقى كويس يا حاتم!؟، شهقت مستطردة: – بجد ولا بتطمني وخلاص!؟.
أكد حاتم: – لا والله بجد، حتى تعالي نشوف الدكتور واسأليه بنفسك..
هتفت في ترجي: – انا عايزة ادخل له، ينفع!؟.
همس حاتم: – هو مينفعش، بس انا هحاول اخليكِ تدخليله، أنا متأكد أن أول ما يحس انك هنا هيفوق ويبقى تمام، ده مكنش على لسانه غير اسمك..
ابتسمت من بين دموعها هامسة: – بجد!؟.
أكد حاتم بايماءة مصحوبة بابتسامة مشرقة واندفع يتدبر فرصة لدخولها إليه..
تسحبت لداخل غرفة العناية الفائقة ما أن استطاع حاتم الاتفاق مع الممرضة على منحها دقيقة تطل عليه ليطمئن قلبها..
وقفت على أطراف فراشه تتطلع إليه في شوق جارف، رغم ذاك الشحوب الذي اعترى قسمات وجهه على غير عادته الا أنها ابدا لم تستشعر فارقا، كان نفس الوجه الذي أحبت صاحبه..
نعم هي تحبه، اعترفت لنفسها بذلك وهي بطريقها للمشفى، كانت تدرك هذه الحقيقة منذ زمن لكنها كانت تغالب روحها حتى لا تعترف بها وتصبح واقعا عليها التعامل معه..
مدت بلا وعي كفها تحتضن كفه وانحنت هامسة برقة بالقرب من مسامعه: – عبدالغني، انا هنا..
لبرهة لم يتغير شئ، ظلت تتطلع لمحياه واخيرا انفرج جفناه ببطء متطلعا إليها في وهن وانشقت شفتاه عن ابتسامة جاهد ليرسمها عندما ضغط على كفها التي لم تسحبها من بين أحضان كفه ليتأكد أنها هنا بالفعل وأنه لا يهزي..
همس مشاغبا إياها: – وحشتيني..
ابتسمت وانسابت الدموع على وجنتيها سخينة بمذاق مختلف، دموع امتزج بها وجع العشق بمرار الشوق بحلاوة اللقاء وروعة الاعتراف..
همس يشاغبها من جديد: – ياللاه غنيلي..
همست معترضة بابتسامة دامعة: – مش هتبطل جنان!؟.
همس بوهن ومازالت ابتسامته تكلل شفتيه الشاحبة: – الجنان ده هو اللي خلاني عايش لحد ما قابلتك، لولا الجنان كنت مت من زمن، كانت قتلتني الغربة والوحدة، لا زوجة ولا ولد، انا محستش اني عايش الا لما شوفتك..
لم تجب بحرف لكنها تشبثت بكفه أكثر وبدأت تشدو هامسة يخالط شدوها هنات نحيب لروعة اعترافه: – يا احلى غنوة، سمعها قلبي، ولا تتنسيش..
خد عمري كله، بس النهاردة، خليني اعيش..
تطلع إليها في عشق هامسا يكمل أغنيتها: – خليتي جنبك خليني، وفي حضن قلبك، خليني..
انحنت تقبل ظاهر كفه وتعاود التطلع إليه في هيام ليبتسم وقد امن لوجودها مغلقا عينيه ليرتاح قليلا وعلى شفتيه ابتسامة رضا وانتصار، فها قد فاز اخيرا بقلبها..
رن جرس هاتفه منبها إياه أنه قد حانت صلاة الفجر نهض ليتوضأ حتى يلحق بالصلاة جماعة بالمسجد القريب، مر أمام غرفة صغيره ليجدها مشرعة، وقعت نظراته عليها، منذ متى ترتدي تلك الأردية الحريرية الجميلة!؟، لقد تغيرت كليا..
ليس تغيرا مظهريا كما كان يعتقد يوم أن رأها في المؤسسة لأول مرة بعد طلاقهما، لكنه تغير جوهري حتى في طريقة تفكيرها وتعاطيها مع الأمور، ارتفع نداء إقامة الصلاة وتململت هي بنومها مما دفعه للانصراف حتى لا يوقظها وكذا ليلحق بالصلاة على عجالة..
ابتسمت ما أن سمعت باب الشقة يُقفل فقد أصبحت اخيرا علاقته بالصلاة جيدة، لكم كان هذا الأمر يؤرقها في الماضي وكان مثار خلاف بينهما، كانت دوما ما تخبره أن علاقته بربه ستصلح ما بعلاقتهما من اعوجاج لكنه ابدا لم يصغ إليها، كان يكفيه جلسة واحدة بصحبة سالم حتى ينزع بوساوسه بذور الصلاح التي كانت تحاول غرسها بأرض قلبه..
نهضت للصلاة بدورها حتى تنهيها قبل عودته..
تطلعت حورية لابنتها في شك هاتفة: – مالك يا هناء!؟، بقالك فترة كده مش على بعضك!؟.
هتفت هناء في اضطراب: – مالي!؟، ما انا كويسة اهو يا ماما!؟.
هتفت حورية مؤكدة: – لا، فيك حاجة، انا امك واعرفك اكتر من روحك، فيك ايه!؟، وكمان بقالك فترة مش بتطلعي لعمتك ولا عندها زي العادة!؟، ده أنتِ حتى مش فرحانة لطلاق ابوكِ لصفية اللي مكنتيش طيقاها لا فسما ولا فأرض!؟.
انفجرت هناء باكية في شهقات متتابعة مما دفع حورية لتهتف مصدومة: – يا حبيبتي، تعالي فحضن امك، مالك يا بت فيه ايه!، متوجعيش قلبي عليكِ..
اندفعت هناء حتى فراش امها ملقية نفسها بين ذراعيها هاتفة في اضطراب وبأحرف متلعثمة: – انا هموت من الذنب، هموت ومش قادرة اتكلم والا عمتي هتقتلني..
رفعت حورية رأس ابنتها بعيدا عند صدرها هاتفة بها في صدمة: – انتِ بتقولي ايه!؟، عمتك مالها بيكِ!؟.
شهقت هناء هاتفة: – هحكيلك كل حاجة، اصل، اصل عماد لما اتقدم لبابا عشان يتجوزني بابا موافقش زي ما انت عارفة، قال أن عماد مش مناسب ليا، وانا كنت بحبه وعيزاه، بس بعد اللي عمله مش..
صرخت حورية في ذعر: – اللي عمله!؟، عمل ايه يا بت انطقي!؟.
هتفت مضطربة: – كان هيعمل لولا صفية..
هتفت حورية في ذهول: – صفية ايه دخلها فالموضوع ده!؟، دي راحت لحالها خلاص، ده انا حتى معرفش ايه اللي حصل!؟، ابوك مفتحش بقه بكلمة، وكل أما اسأله يقولي قفلناه الموضوع ده ومتتكلميش فيه تاني..
هتفت هناء ودموعها تنهمر في شدة جراء احساسها العميق بالذنب: – ما هو ده سبب اللي حصل لها!؟.
انتفض حماد الذي كان قد وصل لتوه وسمع كلمات ابنته فجن جنونه مندفعا لداخل الغرفة كقاطرة بلا مكابح ممسكا بعضد ابنته صارخا بها في ثورة: – أنتِ بتقولي ايه!؟، انطقي، عماد ماله بيكِ!؟، وعمل ايه لصفية!؟.
ارتعبت هناء فألتصقت بأحضان أمها التي طوقتها بذراعيها دافعة عنها حماد الذي وصلت نوبة غضبه للذروة هاتفة به: – أهدى يا حماد خلينا نسمع م البت ايه اللي حصل..
تمالك حماد أعصابه بأعجوبة رغبة في سماع باقي اعترافاتها والتي يبدو أنها ليست بالقليلة، ربتت حورية على كتف ابنتها التي ارتفع نحيبها لتحثها على إكمال ما بدأته فهتفت هناء بتردد منكسة الرأس: – ايوه، بعد ما حضرتك رفضت طلب عماد لأيدي قرر هو وعمتي يعملوا تمثيلية عليك أنه يعني..
صمتت تحاول اختيار ألفاظها لتستطرد هامسة في خجل: – أنه اتجوزني عرفي عشان تضطر انك توافق على جوازنا..
انتفض حماد ينظر لأبنته في صدمة ثم أخذ يروح ويجئ كليث نزعت أنيابه فما عاد قادرا على تمزيق فرائسه يحاول تمالك أعصابه حتى لا يفتك بابنته وشركائها ليهتف بها اخيرا: – طب وايه دخل صفية فالكلام ده!؟.
هتفت هناء وقد بدأ يخف نجيبها قليلا فأصبح كلامها أكثر وضوحا: – عمتي قالت إنها هتقولها تطلع تتشمس فوق عشان الحمل وساعتها هتشوفني مع عماد وهيقولها أن احنا متجوزين عرفي ويخليها تقنعك بجوازنا..
هتف حماد يتعجل الأحداث: – بس ده محصلش..
هتفت هناء وقد بدأت في البكاء من جديد ما أن تداعت ذكرى الموقف أمام ناظريها: – ايوه، محصلش حاجة من اللي عمتي كانت مفهمهالي، وعماد اتهجم عليا فاوضة السطح ولولا أن صفية جت فالوقت المناسب كان..
ركل حماد المقعد المقابل بقدمه في عنف مخرجا به بعض من غضبه المكبوت حتى يستمع لباقي الحقيقة، انتفضت هناء في ذعر متشبثة بأمها لكنها استطردت ما أن وجه حماد ناظريه إليها: – عمتي اتفقت مع عماد أنه يقول لصفية أنه متجوزني بورقة عرفي ولو عايزة الورقة تدفع تمنها واتفقت معاه أنها تقابله عشان تديله الفلوس وهو صمم أن المكان يبقى فبيتها فالحارة، هي وافقت عشان كانت عايزة ورقة الجواز بأي طريقة من غير ما تعرف، هي قالت له هتتصرف ففلوس وتجبهاله، وطبعا مطلبش مبلغ كبير عشان تعرف تجمعه، ولما تروح الحارة يشوفها مسعد ويطلع يعمل نفسه عليها شارب ويهلفط بكلام ملوش اساس وساعتها انت هتكون سامع كل اللي بيتقال بعد ما جات لك رسالة أن مسعد في بيت صفية وبيستغل أن مفيهوش حد وقالبه غرزة ولو حصل فالبيت حاجة هتبقى مسؤولية صفية طبعا فحضرتك تروح جري هناك وتشوف وتسمع كل حاجة، عمتي كانت عايزة تخلص من صفية بأي طريقة وخصوصا بعد خبر حملها لأنه هيضيع منها الورث بعد عمر طويل لحضرتك..
هتف حماد في ريبة: – وأنتِ عرفتي كل التفاصيل دي منين!؟.
هتفت هناء في اضطراب: – كلمت عماد..
تطلع ابوها لها في حنق لتستطرد في عجالة: – مش عشان حاجة والله، عشان كنت حاسة بالذنب ومش عارفة اعمل ايه فكلمته اعرف ايه اللي حصل لصفية وخصوصا لما عرفت أن حضرتك طلقتها، الذنب كان هيموتني وانا عارفة اني السبب، كلمت عماد أفهمه اني لسه باقية عليه عشان يقولي ايه اللي حصل واجي اقول لأمي وتتصرف..
ساد الصمت بينهم لتقطعه حورية هامسة في حسرة: – اتقي شر من احسنت اليه..
انتفض حماد من موضعه وقد أطلق مارد غضبه من عقاله مندفعا لشقة أخته طارقا بابها في عنف لتفتح سعدية التي دفعها في شدة عن مدخل الشقة مهرولا صوب حجرة عماد الذي كان مستغرقا في نوم عميق كعادته والذي انتفض مذعورا عندما أطبق خاله على رقبته صارخا في ثورة: – بجي دي اخرتها يا واطي؟!، شرفي، بتلعب انت وامك بشرف خالك فبته ومرته..!؟، انت ملكش الا انك تغور ونرتاحوا من شرك..
حاول عماد التملص من بين كفي خاله التي كانت مطبقة على رقبته لتصرخ سعدية جاذبة حماد بعيدا عن ولدها: – هتموت الواد، حرام عليك هتطلع روحه، سيبه يا حماد..
استعاد حماد بعض من تعقله مبتعدا عن عماد الذي كان يسعل في ألم شاعرا باختناق رهيب كاد أن يزهق روحه بالفعل..
هتف حماد لاهثا في تتابع: – انت وامك تخدوا بعضكم وتغوروا من هنا، اللي ميصونش الچميل يبجى خسيس، وانت مش بس خسيس..
لاه، خسيس ونچس ومأمنش اجعدك بين الحريم تاني..
هتفت سعدية مستعطفة: – هتهون عليك اختك يا حماد!؟..
تطلع إليها حماد في حنق: – زي ما اني هونت عليها، طول عمرك عينك ع المال وبس، لا همك اخوة ولا يحزنون، انت البعد عنك انت وولدك غنيمة، ملكمش بيات فبيتي ولا تعتبوه، ولجل الدم اللي بيناتنا هسيب ولدك شغال فالمصنع بس قسما بالله لو غلطة تاني يبجى هو اللي چنى على روحه..
واندفع حماد من أمامهما تاركهما يجتران الحسرة والندم بينما قاد سيارته في اتجاه الحارة يسبقه شوقه إليها، تلك التي اضناه بعادها..
كانت تتمدد على الأريكة أمام التلفاز تضع طبق من بعض المقرمشات بحضنها مسندة إياه فوق بطنها المنتفخ تتناول منه في شراهة تشاهد أحد افلام الرعب في استمتاع عجيب..
دخل من الخارج فاقدا الأمل في استقبال يليق كاستقبالات أمل التي لم يكن يلق لها بالا، مر أمام التلفاز لتصرخ فيه ليعبر سريعا قبل أن تفتها تلك اللقطة المثيرة، توقف للحظة متطلعا لولده الذي كان منكمشا يتطلع للشاشة في ذعر ليأمرها هاتفا: – أقلبي الفيلم لأن الولد مش المفروض انه يشوف الافلام دي..
امتعضت مزمجرة في اعتراض ضاغطة على زر نقل القنوات ليتحرك في اتجاه غرفته، هم بغلق الباب وهو يصرخ بها: – حطي الأكل، انا جعان..
هتفت به من الخارج: – مطبختش يا أمجد، كنت تعبانة قوي، ما انت عارف الحمل، هنجيب دليڤري..
زفر في ضيق مغلقا الباب في عنف ملقيا بجسده على الفراش، وسأل نفسه في وضوح ربما للمرة الأولي بحياته كلها وبكل شفافية، ما بالك ناقما!؟، اما كان هذا ما ترغب به!؟، طفلا لم تستطع أمل منحك إياه وأصبح بعد مرضها أمرا صعب المنال!؟، هل هذا حقا ما أردته يا أمجد، ام ما ارادته امك!؟، كانت أمل على حق، أنها صورتك التي تراها بمرآتك الداخلية عن نفسك، تلك الصورة المشوهة لطفل كان دوما مطواعا لأوامر أمه المسيطرة والتي كانت لها الكلمة النافذة ببيت أبيه حتى أن أباه نفسه لم يكن ليعص لها أمرا، تلك الصورة التي جعلت منه رجلا صلبا لا يرغب في أن يكون نسخة أخرى من والده رحمه الله، أراد أن يكون هو الطرف المسيطر في علاقة كان المفترض لها أن تكون علاقة شراكة لا علاقة فوقية، لكنه قرر منذ اللحظة الأولى أن يكون أمرا ناهيا، يأمر فيطاع، كان يريد جارية لا زوجة، لكنه حصل على زوجة حولها مع الوقت لجارية تكون فقط طوع بنانه في كل ما يرغب دون أن يكون لها الحق في الأخذ بالمقابل، فهذا المبدأ لم يكن بقاموسه الخالي من كلمات كالعطاء والإيثار..
ابتسم في وجيعة ابتسامة باهتة مشوهة تدل على مدى الوجيعة بروحه هاتفا لنفسه في سخط: –
فلتنهأ يا ضيق الأفق ومعدوم الشخصية ومشوه القرارات بصحبة تلك التي كانت اختيار امك السديد..
تنهد في حنق زافرا كل المرارات التي ترسبت منذ سنين قابعة بأعماق روحه يتآكله الندم وصوت أمل يتردد اصدائه بجنبات نفسه هاتفة: – انت صعبان عليا قوي يا أمجد..
زفر من جديد بقوة أكبر وهئ إليه أنها بالمطبخ اللحظة تعد له حلواه التي يفضلها وصوت ام كلثوم يصدح من مذياعها الصغير انيسها يوم أن افتقدته كأنيس روح ورفيق حياة حقيقي تشدو في قوة: –
تفيد بأيه يا ندم يا ندم، وتعمل ايه، ايه يا عتاب..
طالت ليالي الألم، واتفرقوا الأحباب.
وكفاية بقى، تعذيب وشقى..
ودموع ففراق ودموع فلقا..
تعتب عليا ليه!؟، انا بأيديا ايه!؟.
فات الميعاد فات، فات الميعاد..
مر ما يقرب من اسبوع وهما على حالهما، تقوم بكل ما يلزم البيت وكذا طفلها، وهو يدخل ويخرج باشا، عاد كمال الذي كانت تعرفه، كمال الذي عشقت بكل كيانها وما عاد بقلبها متسع لعشق سواه، تشاغلت بطفلها وعيونها عليه وهو منشغل بهاتفه تشعر بانقباض بصدرها، هل عاد سيرته الأولى!؟، ألم تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر!؟، تعالت أصوات التكبير بالمسجد القريب لينهض تاركا هاتفه جانبا ملقيا التحية، ما أن سمعت صوت اغلاق الباب خلفه حتى اندفعت كالمجنونة نحو الهاتف تستطلع اخر اخبار خيانته التي اعتادتها فيما مضى لكن ما أن همت بفتح الهاتف على ذاك التطبيق الذي كان دوما مستقرا لفسقه الا وجاءها هاتف داخلي يصرخ بها أن اتركيه، كانت نفسها اللوامة تخاطبها اللحظة في صرامة هاتفة بها: – ماذا دهاكِ!؟، دعِ هاتفه جانبا فلا تسألي عن أشياء أن تبدا لك تسوءكِ، لم تبحثين عن زلاته واخطائه!؟، ثم ماذا فعلت انت لتجنبيه الوقوع فيها!؟، تنأين بنفسك عنه كأنه مرض معدٍ رغم رغبتك في الاستقرار بأحضانه للأبد، أي تناقض مرضي هذا!؟، افعلي اولا ما يمليه عليك قلبكِ ومن قبله دينك، عفي زوجك عن النظر لمحرمات الله، اجعلي من ذراعيك ملاذا يقيه الشهوات وتقلبات الدنيا، كوني له سترا من النار وعونا له على الشيطان لا دافعا به لأحضانه دون أحضانك، ايتها الحمقاء، زوجك يحبك ويريدك، وها قد جاء دورك لتتشبثي بذاك الحب وتؤكدي له انك هاهنا، وانك له كل النساء ولن تنازعك أخرى مهما حدث على عرش قلبه..
استشعرت قرب قدومه فاندفعت تحمل طفلها الذي راح في سبات عميق بموضعه في انتظار قدومه على احر من جمر..
طرق على باب شقتها المتواضع لتفتح امها التي ما أن طالعت محياه حتى همت بالتهليل في سعادة إلا أنه أشار إليها لتصمت ممسكة لسانها لتبتسم مطيعة وهي تشير له أين تستلق صفية جاذبة احفادها لداخل إحدى الحجرات تتضرع لله أن يصلح الأحوال..
تسلل لداخل الغرفة لتقع عيناه على محياها ممددة على ظهرها وقد ارتفعت بطنها معلنة عن حياة جديدة تعبر عن نفسها ستظهر للنور قريبا..
استشعر شوق طاغ لتلك المرأة التي أسرت فؤاده منذ لحظة مرأها الأولى واستولت عليه كليا عندما لمس حنانها بعد أن أصبحت حلاله..
دمعت عيناه اشفاقا عليها فتقدم في هدوء وجلس على طرف الفراش لتتنبه لعطره الرجولي الذي كانت تفضل، فتحت ناظريها تتطلع نحوه في شوق ما استطاعت التعبير عنه بكلمة بل سالت دموعها على جانبي وجهها، مد كفه يمسح دمعاتها السخينة هامسا في نبرة عاتبة: – ليه مجلتيش!؟.
همست مؤكدة: – هقول ايه!؟، دي بتك يا سي حماد اللي لو حكمت هفديها بروحي، دي امانتك اللي امنتهاني يوم فرحنا، كان لازما اصونها، وعشان ارد جميل الست حورية واللي عمري ما هنساه..
مد كفه مملسا على بطنها المنتفخ قليلا هامسا في محبة: – طب وايه اللي خلاكِ تچاري النچس اللي اسميه مسعد ده فكلامه!؟.
هتفت صفية بنبرة صادقة: – انت متعرفهوش يا سي حماد لما بيكون شارب وعامل دماغ بيبقى شكله ازاي!؟، كنت خايفة على روحي وعلى اللي فبطني قبل مني، ده اللي كنت بتترجاه م الدنيا، هدية ربنا ليك بعد شوقة، أفرط فيها ازاي!؟، ده انا على طول نايمة على ضهري وامي ربنا يبارك فصحتها هي اللي بتخدمني وشايلة عيالي عشان احافظ لك عليه وافرح عينك بشوفته..
أكد حماد وهو ينحني على جبينها مقبلا: – هنفرح كلنا يا صفية، ياللاه نرجع بيتنا، حورية وهناء مستنينك، وانا كمان..
همست في دلال: – وانت ايه يا سي حماد!؟.
أكد وهو ينحني مقبلا طفله الغائب الحاضر معاودا التطلع لعيونها الدامعة: – انا عاشجك يا صفية، وربنا يعلم مجدار غلاوتك فجلبي، يا ام عوض الله، يا احلى عوض..
رفعت كفيه تقبل باطنهما تحتضنهما لصدرها في رضا وهناء لا وصف لهما..
كان قد وصل سأمه مبلغ كاد أن يزهق روحه وهو يمسك بأداة تغيير القنوات على التلفاز يضغط ازرارها في عنف كاد أن يحطمها، زفر وكاد أن يلق بأداة التحكم بعيدا إلا أنه تنبه لذاك الصوت القادم من الداخل، صوت يقترب برنين راقص مصاحب لوقع خطوات صاحبته..
شهق في صدمة مكتومة وفغر فاه في ذهول عندما طلت عليه تلك الحورية الفضية المتألقة..
انسابت نظراته على محاسنها التي أبرزها ذاك الثوب الحريري الذي قُد على قدها المياس فزاده حسنا على حسن..
ظل على صمته ولم يبرح موضعه وهو يراها تتحرك في ثقة نحوه، ثقة ظاهرية لا يعلم أن صاحبتها تموت وتحيا داخليا لإدعائها، دنت منه وانحنت في اغواء محسوب تتناول من كفه أداة التحكم في القنوات لتغلق التلفاز قبل أن تتناول هاتفه الذي كان يلقيه جانبا تبحث عن شئ ما، وجدته اخيرا لتضغط زر التشغيل وهو ما يزل على تيهه في محيا هذه المرأة التي تحولت بهذا الشكل العجيب للوحة عامرة من الفتنة والإغواء..
تنبه وهي تبتعد قليلا وأصبح أشبه بالأبله وعيونه تكاد تغادر محجريها لهفة عندما بدأت تتمايل على انغام الموسيقى المنبعثة من هاتفه..
كانت تتمايل أمامه تحاول تناسي وجوده حتى لا يغلبها حياءها فتنهار تلك الثقة المضعضعة من الأساس وتركض هاربة من أمامه..
أكدت لنفسها أنها امرأة كاملة الأنوثة قادرة على إتقان فن الغواية الذي يستهويه، أنها قادرة تماما على جعله يدرك أنها تملك الكثير مما كان يجده مع نسائه الساقطات وأنها لقادرة على سلب لبه وأسر عقله وامتاع ناظريه بحلال ربه..
تذكرت تلك الحركات التي أتقنت صنعها أمام المرآة وبدأت اول دروس الغواية الحقة وتركت لروحها العنان محلقة تتلبسها روح سالومي وقد اهتزت اوتار قلبها عشقا ورغبة في إرضاء ذكوريته لتصبح اللحظة أميرة على عرش الإغواء بلا منازع..
انتفض مندفعا نحوها وقد ألقى كل أسلحته جانبا ليسلم لها قيادته طواعية يتمايل بين أحضانها في نشوة حارة جعلته يطبق ذراعيه حول خصرها جاذبا إياها نحو صدره هامسا بصوت يقطر استسلاما وينتشي رغبة: – كونتي فين من زمان!؟.
همست بصوت انعم من حرير دمشقي مداعبا مسامعهوهي تضع كفيها على صدره وموضع فؤاده كأنما تعلن ملكيتها بلا شريك: – انا كنت هنا وهفضل هنا يا كمال..
حملها بين ذراعيه في اتجاه غرفة نومهما التي ما أن دلفاها حتى انزلها على الفراش برقة غير معتادة وما أن مد كفه لإغلاق إضاءة الغرفة كما كانت ترغب دوما حتى مدت هي كفها بالتبعية وفتحت نور الاباجورة المجاورة للفراش ليهمس ما أن اقترب منها متسائلا في شك: – هتسبيها مفتوحة!؟.
هزت رأسها إيجابا في ابتسامة واثقة هامسة برقة اذابته: – هسبها اكيد، كان لازم تتساب من زمان..
اقترب منها في نشوة غامرة لتصبح طيعة بين ذراعيه مكملة بث ما بدأته من فنون وقد قررت أن اليوم هو يومها لتحتل قلبه وعقله بلا رجعة..