مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل التاسع والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل التاسع والعشرون
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل التاسع والعشرون
“نقطة ومن أول السطر”
الحصار ليس مجرد أسوار عالية وأسلاك شائكة، بل يمكن أن يكون معنويًا، أن تكون محاط ومسجون داخل نفسك .. مقيد من مجرد كلمات عابرة كأنها أصداف نارية مكبلة قدمك ويداك، تشعرك بالإحباط الشديد حتى أن تحرر نفسك وتخرج من هذا السجن اللعين .. ولكن لا جدوى هذه المرة ولا من طريقة للفرار، أصبح كل شيء أمر واقع لابد من القبول به بإرادتنا أو بالرغم عنَا، محاولات فاشلة إذا فكرت أن نقوم بها لمجرد معرفة النتائج المترتبة منها على عكس سابقها، ولن يغفر لك ولا يعطيك عذر حتى كما فعلوا سابقًا، فقط تقبل حياتك كما هي الآن لأنه مهما فعلت ستعود لنفس النقطة، كأننا في دائرة مغلقة لا نهاية ولا بداية لها .
مرت قرابة ساعات وهي تجلس في حوض الاستحمام مغمضة العينين، في عالم آخر لا تشعر بأحد ولا أحد يشعر بها، فقط مقلتيها تبكي في صمت تام وقلبها ينحب ويتأوى في ضجيج تام لا أحد يسمعه غيرها .
لا تبالي بالعالم الخارجي التي لا تكترث له على الإطلاق، من كانت تعيش لأجلها وتحملت الحياة ومعاملة أبيها لها قد تركتها ورحلت دون أي مقدمات، دون سلام، تركتها لتعاني هي وحدها في هذه الحياة البغيضة بما بها من مرارة الأيام التي تعيشها كل ليلة .. لم تعد تحتمل العيش في منزل والدها ليوم واحد بعد اليوم .. لتحمد الله إنه يومها الأخير به لتذهب لمستقبل غامض مشوه الملامح، ولكن على الأقل أكثر رحمة مما كانت به .
ولكن لا تعرف ما مصيرها بعد ذلك، هل ستعود له يومًا ما، أم سيبتسم لها القدر بما تتمنى طيلة حياتها؟ .. لا تعرف حقًا وقد تشتت عقلها وشعرت بألم كبير من كثرة التفكير في المستقبل والحاضر، رسم سيناريوهات من الممكن عدم تحقيقها ..
غمرت وجهها في الماء ووضع الأمها جانبًا.
*******************
صعدت سميحة بعدما تأكدت من يوسف أن كل شيء يسير على ما يرام، فكرت كثيرًا أن تمر على اخيها في غرفة مكتبه عدة مرات، ولكن في كل مرة شيئًا ما كان يستوقفها عندما تتذكر كلماته الأخيرة معها وما فعله في الإجتماع، يكفي الألم والأوجاع التي تسببها لتلك المسكينة التي تمكث في الأعلى، تدعو الله من صميم قلبها أن يمر اليوم بسلام لتشعر بالراحة التي تمنتها لأكثر من عام، كل شيء يهون من أجلها اليوم .
دلفت الغرفة بعدما قرعت على الباب، لتجد نور جالسة على الفراش ممسكة هاتفها تتصفح إحدى مواقع التواصل الإجتماعي، لتقترب سميحة وتجلس قبالها وتشاهد شرودها وتصفحها بغير اهتمام وشغف، بدأ عليها الحزن الذي كانت تخفيه من أيام .. ربتت على يداها لتقول بابتسامتها الحانية:
– وحشك مش كده؟
فاقت من شرودها على صوتها ونظرت لها ببلاهة، زاغت عيناها بتوتر وابتلعت غصتها .. لتتوسع ابتسامة سميحة لتأكدها بما تشعر به لتقول بنبرة مازحة وثقة في ذات الوقت:
– يبقى وحشك
أصفر وجهها وقالت سريعًا بإرتباك، وتصنعت عدم المعرفة:
– حضرتك تقصدي مين؟
ابتسمت سميحة بخبث:
– اللي أنتِ عمالة تفرَي في صفحته
بمنتهى التوتر نظرت لهاتفها وأغلقت الشاشة وحاولت قدر الإمكان أن تزوغ من عيناها ولم تستطع، فأصطنعت اللامبالاه:
– لا طبعًا .. أنا أنا كنت بفر عادي جاه بوست له في سكتي .. إنما أنا مفيش حاجة في دماغي أصلًا
ضحكت سميحة وربتت على يدها:
– يا بت مش على طنط سميحة .. معرفش اللي حصل بينكوا ومحبتش أسألك قلت أسيبك أنتِ تحكيلي بنفسك .. بس أنا شايفة إنك مضايقة منه ومش بتعبريه
تنهدت نور بحزن وحيرة، تريد أن تصرخ وتسقط في صدرها وتقص لها ما حدث، الذي لا تعرف ماذا حدث في الأساس كي يتحول معها بهذا الشكل، حقًا لا تعرف بماذا تجيب فصمتت، لتستأنف سميحة بنبرة مزحة:
رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول
– بس تعرفي الواد يوسف ده يستاهل .. حلال فيه التربية بالطريقة دي
ضحكت نور بالرغم عنها وعيناها أمتلأت بالدموع، في أقل من دقيقة، جذبتها سميحة من يدها وضمتها لصدرها باسمة وهي تشعر بالألم والحزن الذي تحمله في داخلها دون أن تتكلم .. هوت دموعها في صمت وأردفت سميحة:
– خدي وقتك يا بنتي.. وكل حاجة هتتعدل بإذن الله.. أنا حاسة بيكِ.. ربنا يعلم بحبك أنتِ وسلمى زي بناتي إللي اتحرمت منهم وأكتر .. روقي كده وتعالي نشوف سلمى بتعمل إيه كل ده
أبتعدت عنها نور وجففت دموعها سريعًا وابتسمت، فقد شعرت بالراحة الشديدة من كلماتها اللينة واحتواءها لها، لتقول نور بحب:
– شكرًا إنك وافقتي تيجي تقعدي مع سلمى لحد يوم الفرح .. وإلا ربنا عالم كانت هتحصل مشكلة كبيرة ملهاش أول من آخر من انكل هاشم .. وحضرتك عارفة
ابتسمت سميحة بحزن وقالت بألم:
– كان لازم أجي يا نور .. مقدرش أسيبها في يوم زي ده ألا تعمل في نفسها حاجة ولا أبوها يتهور عليها.. مع إني حالفة إني مش هدخله بيت تاني بس ربنا يسامحني بقى .. سلمى محتاجالي أكتر من أي وقت تاني .. ومحتاجالك أنتِ كمان يا نور
تنهدت نور بحزن ثم ابتسمت وهي تتذكر أيامهم سويًا:
– أنا على قلبها متقلقيش .. ومش هسيبها أبدًا لحد ما أطمن عليها وهي مع طارق .. أنا واثقة إن طارق هيحبها ومش هيضايقها بس يصبر عليها شوية بس
ضحكت سميحة وهي تتذكر شيئًا ما:
– مش قادرة أنسى اليوم إللي نزلت معاه عشان تنقي اوضة النوم وعلى إللي عملته فيه .. ربنا يستر بجد لما يتقفل عليهم باب واحد
شاركتها نور الضحك وهي تتخيل:
– هتطلع عليه كل القديم والجديد .. ربنا يستر بجد
نظرت سميحة تلقائيًا على باب الحمام ثم عادت لنور:
– هي بتعمل إيه كل ده ؟.. دي بقالها ساعتين وشوية جوة
قلقت نور ونهضت متجهة إلى الحمام:
– متقلقنيش بقى يا طنط .. سترك يا رب
طرقت على الباب ولا استجابة، حاولت مجددًا نفس النتيجة.. نهضت سميحة وذهبت إليها في قلق لتقرع على الباب هي الأخرى ولكن دون جدوى … نظروا لبعضهن لبعض في توتر وأرتباك وكل منهن تدعو بأن ييسر الله الحال ولم تكن تهورت وقامت بإذاء نفسها ..
القرعة الأخيرة هي التي أيقظتها من أحلامها .. صعدت من الماء وهي تشهق وتلتقط أنفاسها بصعوبة لتنظر حولها بغرابة وتحاول استيعاب أين تكون، استمعت لصوت من الخارج ينادي بأسمها، جمعت شتات نفسها لتتنهد بقوة، أخيرًا خرج صوتها بصعوبة:
– ايوة يا عمتو .. في حاجة؟
تنهدت سميحة ونور بأن سلمى على ما يرام، وحمدن الله على سلامتها.. قامت سلمى على الفور وجففت جسدها وشعرها من الماء وأرتدت منشفتها وخرجت لهن .. نظرت لها نور بقلق:
– حمام العافية يا عروسة .. كل ده يا سلمى
ردت سلمى بابتسامة باهتة:
– معلش يا نور كنت محتاجة أصفي ذهني شوية .. أنا كويسة متقلقيش
قبلتها نور من وجنتيها لتقول لها:
– طب يلا جهزي نفسك عشان البيوتي سنتر تحت بقالها ساعة مستنياكِ تخلصي عشان تبدئي .. وجهزتلك الفستان كمان
أشارت لها نور نحو فراشها لتنظر هي لهذا الرداء الأسود وهي تتلمسه في حزن شديد .. فقد دبت مشاجرة بينها وبين طارق لحظة شراء هذا الرداء ..
وقفت سلمى أمام اللوح الزجاجي للمتجر تشاهد فساتين الزفاف إلى أن لمعت عيناها بالدموع وتماسكت ألا تزرف أمامه، لا يجب أن يشعر بضعفها وألأمها لتتنهد بشدة ووجهها خالي من المشاعر فقط تتعامل بمنتهى البرود والجفاء، اقتربت منها سميحة باسمة:
– عجبتك حاجة يا حبيبتي ؟
ردت بهدوء شديد:
– لا .. يلا
تكرر هذا السؤال منهم جميعًا عند وقوفهم عند كل متجر وتجيبهم بنفس الإجابة، تحمل طارق برودها وأسلوبها لطالما يكرهه، يكره استفزازها له وجفاءها في معاملتها له، ولا يريد أن يتصرف معها بأي تصرف أهوج أمام شقيقته وعمتها.. تربت سميحة ونور على منكبه على أن يتحمل، وهو ينتظر تلك اللحظة التي ستكون فيها زوجته لينهي تلك المهزلة.
إلى أن استقرت فستان على الرغم من سواده إلا إنه في غاية الرقة والبساطة، “منفوش” وبه تطريز خفيف باللون الفضي اللامع .. ابتسمت بخبث وألتفتت إليهم قائلة:
– هو ده
نظروا جميعًا بعضهم البعض في دهشة، مترقبين رد فعل طارق وقرروا عدم التدخل بينهم وإتاحة الفرصة لبعضهم للحديث .. ليجز طارق على أسنانه ويقول بنفاذ صبر:
– هو إيه إللي ده ؟
ردت بلامبالاة وبرود كبير:
– إيه مش شايف .. فستان هيكون إيه يعني
صاح بعصبية:
– أسوووود
ردت بكل برود:
– ماله الأسود يعني .. ما هو فيه تطريز فضي وببيرق أهو
جز على أسنانه وصاح غاضبًا:
– في واحدة تتجوز بفستان فرح أسود! .. أنا مش موافق
شعرت بالألم من كلماته لترد ساخرة ونبرة باردة:
– على أساس إنه جواز بجد وكده .. ثم تعالى هنا هلبس إللي أنا عايزاه .. مين إللي هيلبس أنا ولا أنت؟
وبعد مفاوضات وكي يمر اليوم بسلام وافق طارق على قرارها بمضض بعد محايلات سميحة ونور .. قاموا بشرائه هو وحذاء أسود يناسبه ومن داخلها تشعر بالإنتصار
ـ سلمى .. سلمى .. روحتي فين يا بنتي؟
فاقت من شرودها على صوت نور.. لتصرف نظرها عن الفستان التي طالما أي فتاة تمنت أن ترتديه في ليلة زفافها ولكن يبدو أنها لن يستحنى لها الفرصة .. اصطنعت البسمة وتنهدت بيأس:
– دماغي سرحت شوية
ربتت سميحة على منكبها برفق، فهي تشعر بحزنها وألمها الملحوظ والمحفور على قسمات وجهها الصغير، فهونت عليها قائلة:
– متفكريش كتير يا بنتي وسيبيها على ربنا .. يا عالم بكرة في إيه
تنهدت بحزن ولكن اصطنعت الصلابة:
– ونعم بالله يا عمتو …. أطمني أنا طارق زي ما قلتلك قبل ده.. أتفقنا على كل حاجة ..
لا تزال نور الشك يحوز في داخلها مكان، فقاطعتها بحزم:
– بس أنا مش داخل دماغي كل إللي بيحصل ده
أكملت بسخرية وتهكم:
– أطمني .. قولي لهاشم بيه سلمى أد كلمتها المرادي .. خلاص مفيش مجال للهروب .. كل محاولاتي فاشلة .. بس كل ما بشوف الحراسة دي قدامي بيركبني ستين عفريت ..
ابتسمت بحب لتقول وهي تصحبها على المقعد أمام المرآة:
– هانت كلها كام ساعة وتخرجي منه يا حبيبتي
ابتسمت سلمى بسخرية وتهكم ولا تعرف إنها سوف تخرج من سجن لتدخل آخر .. هو السجن ذاته ولكن السجان مختلف .. خرجت نور وعادت بعد دقائق بصحبة الفتاة من مركز التجميل، أحتل الصمت أرجاء الغرفة وظلت تنظر لنفسها في المرآة بشرود .
********************
تساؤلات كثيرة في فكرها ولابد من وجود إجابة محددة، وبالطبع لن تكون قادرة على سؤاله في ظل الظروف السانحة التي يمر بها الآن، ولكن عقلها كاد أن يقف من كثرة التفكير، تخشى أن تخسر كل شيء، كل ما وصلت إليه أن يضيع ويتلاشى مع الرياح في يوم عاصف ولن يعود مرة أخرى، ولا يوجد مجيب على كل هذه التساؤلات إلا شخص واحد فقط، ولكن بعد آخر موقف حدث بينهم والطريقة الغير مستحبة التي تحدث بها إليها تجعلها تتراجع كل مرة وتتذكر كيف إهانها بكلماته ولكن لا محال لا يوجد سواه، أيجب أن تتحامل لتصل إلى مبتغاها رغم كل شيء؟ .. حسنًا لا يوجد أختيار آخر سواه فلتتحدث معه إذا وليكن ما يكون.
تناولت هاتفها من الحقيبة على المقعد بجانبها وبسرعة أتت برقمه وقامت سريعًا بالإتصال إلى أن أتاها صوت:
– ألو.. ايوة يا إيهاب
كان متردد على أن يجيب، واندهش بأنها تتحدث إليه في هذا التوقيت فرد مسرعًا كي ينهي الأمر:
– خير يا سارة عايزة إيه
غضبت من أسلوبه البارد التي شعرت بأنه يحمل نوعًا ما الغضب أو الضيق، فصاحت به على الفور:
– إيه عايزة إيه دي .. في أسلوب أحسن من كده يا إيهاب
صبره كاد أن ينفذ، لقد تحمل كثيرًا ويبدو أن حديثه معها آخر مرة لم يجدي نفعًا ليصيح بها في حنق شديد:
– مغلطتش فيكِ عشان تطلعي عليا سخنة كده .. شكلك نسيتي أنا قلتلك إيه آخر مرة .. أخلصي يا سارة عايزة إيه انا مش فاضيلك
قررت أن تتغاضى عن أسلوبه في الوقت الحالي حين أن تصل لمرادها، فقالت بصوت شبه هادئًا:
– طارق فين ؟ بكلمه كتير ومبيردش عليا
رد إيهاب بنفاذ صبر وهو يمسح وجهه بعنف بكفه:
– طارق مش فاضي دلوقتي يا سارة
أردفت بنفس النبرة:
– بس أنا محتاجة أتكلم معاه ضروري يا إيهاب
رد إيهاب ساخرًا:
– هي حبكت تتكلمي معاه دلوقتي .. مينفعش تأجلي الموضوع ده شوية؟
زفرت بشدة لتعود نبرتها إلى الصياح:
– ايوة حبكت .. خطيبي وأتكلم معاه في أي وقت .. وراه إيه يعني أهم مني .. مش سلمى خلاص خرجت من المستشفى في إيه تاني؟
ابتسم إيهاب بتهكم ليكون ساخرًا أو متشفيًا بتصرفاتها وتفكيرها:
– في إنه بيتجوز النهارده يا سارة .. عقبالك
الصدمة حلت تعابير وجهها بدلًا من الغضب الجامح الذي كان يعتليه، لا تصدق ما سمعته لتوها من إيهاب، لهذا السبب كان يتهرب منها كلما كانت تحاول الإتصال به في الأيام السابقة ولم يخبرها قط بشأن زواجه، حقد وكره وأنتقام وغيرة بالإمتلاك .. لا تعرف ماذا تفعل لتقول بانفعال :
– إيه ده بجد .. مقليش يعني .. ماشي يا إيهاب أما وريته .. هباركله بنفسي
كاد إيهاب أن يرد ولكن أنهت المكالمة على الفور .. نظر للهاتف بغرابة محاولًا منه استيعاب رد فعلها لجملتها الأخيرة، أصابت الريبة في نفسه حقًا وظل يتسائل طوال الطريق وهو متجه بسيارته إلى طارق ما الذي تنوي على فعله اليوم؟.. فهو غير متفائل على الإطلاق .
وصل إيهاب المنزل ورن الجرس ليفتح له الخادم، قام بالسؤال أولًا عن السيدة تهاني ثم سأل عن وجود طارق، ترك الخادم وركض على درجات السلم متجهًا إلى غرفة طارق ليتفاجأ من خروج تهاني منها مرحبة به باسمة:
ـ أخبارك يا إيهاب ؟ .. عقبالك
ابتسم بالرغم عنه، فتلك الكلمة فتحت له ألم ووجع يحاول أن يتغاضاه في الفترة الماضية ليقول سريعًا:
– الحمد لله يا طنط .. إن شاء الله عقبال ما تفرحي كمان بنور
تنهدت تهاني بحب لتقول بصدق:
– اللهم آمين يا رب .. أدخل لصاحبك جوة
أشارت على الغرفة المجاورة، لينظر لها إيهاب بعدم استيعاب بعد:
– هو مش في اوضته ولا إيه؟
ابتسمت تهاني قائلة:
– لا يا حبيبي اوضته بجهزهاله هو وعروسته يقعدوا فيها .. هو بيجهز نفسه في الأوضة دي
ابتسم إيهاب بتكلم وأومأ برأسه متفهمًا:
– تمام يا طنط .. عن أذنك
بادلته تهاني الإبتسامة وغادرت ليقوم هو بقرع على باب الغرفة التي أشارت إليها تهاني منذ دقائق ودخل مهلهلًا:
– إيه يا عريس .. حمام العافية
كان طارق أثناء ذلك خارجًا من الحمام، يحيط خصره بتلك المنشفة البيضاء وجذعه بالكامل مكشوف.. تبللت الأرضية أمام الحمام قليلًا بالمياة المتساقطة من شعر رأسه، ليصيح به في خنق:
– بقولك إيه يا إيهاب أنا مش ناقصك .. بلا عريس بلا بتاع
ضحك إيهاب على حاله وجلس على الفراش يتمعن الغرفة، ليقوس شفتاه للأعلى باسمًا بأعجاب:
– لطيفة الاوضة اومال اوضتك شكلها إيه .. أمك قالتلي إنك بتجهز هنا
رد طارق وهو يجلس على مقعد أمام المرآة ويقوم بتجفيف شعره بمنشفة صغيرة:
– ايوة يا سيدي .. ما دي الأوضة إللي هتجوز فيها عقبال ما الفيلا تجهز .. ما أنت عارف استحالة تخلص في يومين
اومأ إيهاب رأسه متفهمًا، وكان على قسمات وجهه التردد ليلاحظه ويقرأه طارق:
– إيه يابني مالك مسهم ليه؟
تنهد إيهاب متسائلًا باهتمام:
– أنت آخر مرة كلمت سارة كان أمتى؟
شعر طارق بالغرابة من هذا السؤال ولكنه أجاب على الفور وملامحه متسائلة:
– أول امبارح .. اشمعنى؟
تنهد إيهاب وقرر أن يصارحه بالمحادثة التي تمت بينهم:
– أصلها كلمتني قبل ما أجيلك مفيش عشر دقايق، ومن كلامها تحس إنك بقالك كتير مكلمتهاش مش أول امبارح زي ما بتقول .. ولما عرفت إنك هتتجوز النهارده قلبت كالعادة .. بس قبل ما تقفل قالتلي هباركله بنفسي
كان طارق يسمع لما يقصه إيهاب باهتمام ويحاول تحليل موقف سارة، تنهد ليقف عن تجفيف شعره ويبدو عليه الضيق:
– ده أسلوب سارة لما تحب تستدرج حد في الكلام.. تعمل فيها عبيطة ومن بنها عشان توصل للي عايزاه.. وأنت عشان ساذج ومتعرفش دماغها وقعتك في الكلام
اندهش إيهاب مما يقول، مكنتش عايز تقولها ليه؟
زفر بحنق ليقول:
– ما أنت عارف سارة هي جديدة عليك.. هتقعد تزعق وتفتح الموشح أنت مش بتحبني عايز تسيبني أصل أنا مش فارقة معاك .. أنا بحبها بس كلامها ده بيخنقني وأنا بصراحة فيا إللي مكفيني .. كفاية سلمى والبلاوي إللي بتحصل .. وكفاية أن علاقتي بسارة بقت نوعًا ما مستقرة
تنهد إيهاب وهو يمعن به ليقول بقلق:
– على فكرة أنا مش مطمن من كلامها ده أبدًا .. حاسس أن وراه مصيبة
ابتسم طارق بتهكم ونفى ما يفكر به إيهاب:
– لا مستحيل .. سارة بتحبني وعايزاني ومعتقدش إنها هتخرب على نفسها .. هي مش مجنونة زي سلمى
ابتسم إيهاب بحزن ليقول:
– على فكرة يا طارق أنت ظالمها .. وبكرة الأيام تثبتلك
صمت طارق فكان ينوي الرد فأكتفى بالصمت.. لا يدري ماذا يقول بعدما تذكر آخر حديث دار بينهم .
*********************
منذ أن أنهت معه المكالمة وهي تشعر بالغيظ الشديد لا تعرف ماذا تفعل بعدما أخفى عنها يوم زفافه، فكرت مليًا ثم خطر على بالها خطة جديدة ماكرة، سوف تقوم بتنفيذها بذكاء ومهارة، فلن تدع طارق أن يفلت من بين يداها مهما كان السبب، ستجعله لها وليس لسلمى .. فما قاله عاصم صحيح وجاء الوقت لتقوم بتنفيذه .
ابتسمت بخبث وانحرفت بسيارتها متجهة إلى حيث بداية ما تنوي إليه من شر ..
وصلت منزل طارق ورنت الجرس ليفتح لها الخادم، أقبلت عليه باسمة:
– طارق موجود؟
أجاب الخادم بهدوء:
– ايوة يا فندم .. اتفضلي في الصالون اديله خبر
أشار لها للداخل وكاد أن يرحل ويخبر طارق صاحت به سريعًا في ارتباك بسيط:
– طيب ممكن بعد إذنك شاي
رد الخادم باحترام قبل أن يرحل:
– تحت أمرك يا فندم
ظلت عيناها تراقبه إلى أن أختفى من ناظرها، ألتفت حولها لتتأكد بخلو المكان من أي شخص يراها وهي تستعد لتنفيذ خطتها .. صعدت سريعًا على أدارج السلم إلى أن وصلت إلى غرفة طارق ..
كادت أن تدخل ولكن رأت خياله وصوته في الغرفة المجاورة من الفتحة الصغيرة، يبدو أن الباب غير محكم، فأرتسم على شفتاها بسمة خبيثة لتدلف الغرفة ويعلو صرير الباب، ليلتفت طارق ويتفاجأ بوجودها والصدمة تحتل وجهه بالكامل .. ألقى بالهاتف على فراشه وبسرعة خاطفة أغلقت الباب واقتربت نحوه بنظرات جريئة للغاية بعدما وجدته عاري الجذع لا يستر جسده إلا منشفة ملتفة حول خصره .. ليصيح بها بعدم تصديق :
– سارة!! .. أنتِ بتعملي إيه هنا ؟.. ودخلتي هنا ازاي؟
ابتسمت سارة بخبث وهي تقترب منه متصنعة الدلال، لتلتف ذراعها حول عنقه:
– بقى هي دي مقابلة تقابلني بيها بعد كل ده .. إيه موحشتكش؟
أقتربت أكثر ليبعدها هو عنه بسرعة ويصيح بها بغضب شديد وانفعال:
– إيه إللي بتعمليه ده ؟.. اتجننتي يا سارة !!
صاحت به بغضب فتلك الطريقة لم تجدي نفعًا معه:
– اتجننت عشان جيت أشوفك! عشان خطيبي وحشني وخبى عليا أن النهارده يوم فرحه مش كده؟!
زفر بقوة وهو يمسح شعره بعنف، محاولة منه تماسك أعصابه:
– ده مش مبرر إنك تجيلي هنا بالشكل ده .. مكنتش حابب أعرفك عشان إللي بتعمليه دلوقتي وأنتِ عارفة كويس إللي فيها يا سارة
صرخت به وهي تدفع للخلف:
– اومال عايزني أجيلك أمتى أن شاء الله .. لما تدخل عليها وتجيب منها عيال .. ولا لما تحبها وتمسحني من دماغك
صرخ هو الآخر في وجهها وأقترب منها:
– مش معقول يا سارة أنتِ إللي بتقولي الكلام ده !! .. حب إيه وبتاع إيه ما أنتِ عارفة إني لا بحبها ولا بطيقها وجوازنا ده مجرد فترة وهتعدي .. هطلقها وأنتِ إللي هتبقي مراتي بجد مش هي .. ليه بتصعبي عليا الموضوع أكتر ما هو صعب
شعرت سارة بأنها أطلقت العيار وأزيد بكثير.. انخفضت نبرة صوتها لتقول بدلال مصطنع لتعقد ذراعها مرة أخرى حول عنقه:
– يعني مش هتلمسها يا طارق مش كده؟ .. مفيش حد في قلبك غيري
ابتسم طارق بحب ليقول:
– عمري ما حبيت غيرك
ابتسمت بخبث وتقترب منه أكثر، رغم أن إجابته لم تكن شافية وكافية بالنسبة لها، كأنه يخفي شيئًا ما في عيناه ولا يريد البوح به .. فيكفي الآن أن أول خطوة تمت بنجاح .
******************
الوضع بالشركتان أصبح على ما يرام نوعًا ما.. وهذا بفضل إتصالات هاشم مع الطرف الآخر لهذه الصفقة اللعينة، التي تعتبر سبب رئيسي لكل المصائب والمشاكل التي حطت على رأس كل من عائلتي الإبياري والجوهري، خاصًة تلك الأخيرة وما تعانيه سلمى وتدفع ثمن تلك الصفقة بزيجة أشبه بالتجارة بروح وكيان ومستقبل فتاة في العشرينات من عمرها.. قد تخلت عن زهرة شبابها من أجل والدها .. من أجل حب شهوة المال والسلطة والجاه .. من أجل النفوذ وأشياء كثيرة لا علم لها بها ولكنها منذ وفاة والدتها وهي غير مطمئنة بالمرة على تصرفاته وقراراته في الفترة الأخيرة التي بدأت بخطبتها لعاصم جبرًا لتوسيع الشراكة بينه وبين حامد السيوفي والده .. وهي من تدفع ثمن كل الأخطاء التي تحدث ليومنا هذا، كأنها تتبع وتكمل مسيرة فريدة التي ألقت بها في نهاية المطاف إلى التهلُكة .
أرسل هاشم آخر بريد إلكتروني للشركة المقابلة ليخبرهم فيها بإتمام الزواج اليوم، أي تنفيذ الشرط الحائل في هذه الصفقة وكانت سعادته لا توصف بأنه أخيرًا قد بدأ في أولى مراحله لتنفيذ المجهول، ليزداد ربح الشركة الضعف أو أكثر .
تناول هاتفه وقام بالإتصال بمحمود، الذي زفر بشدة لمجرد رؤيته فرد بانزعاج:
– ايوة يا هاشم
رد هاشم والبهجة تنطلق من صوته:
– إيه يا راجل فينك
اندهش محمود قليلًا من نبرة صوته ليقول:
– هكون فين يعني .. في الفيلا بحضر للفرح ولا نسيت
ضحك هاشم وأردف:
– لا منستش طبعًا .. أسمع عايزك تعدي عليا دلوقتي حالًا
نظر محمود في ساعته بدهشة ليقول متعجبًا:
– دلوقتي ؟ أنت عارف الساعة كام أساسًا .. مفيش وقت
تنهد وهو يصر:
– يا سيدي مش هاخد من وقتك كتير .. بس خبر مهم جدًا
زفر محمود بحنق:
– مش وقته يا هاشم .. أنت مش شايف اللخمة إللي احنا فيه .. بعدين يا هاشم .. نعدي الليلة دي على خير
أنهى معه المكالمة وهو حانق للغاية منه ومن تصرفاته، فلن يقبل منه أي تصرف أو أي كلام بعد ذلك .. نظر حوله وهو يتأمل المكان، ساحة الفيلا الواسعة التي تشمل الجزء الخلفي من الحديقة وبها الكثير من العمال يعملون على تزينها ..
أقتربت منه تهاني مربتة على منكبه بحب لتشعر بضجره لتساله :
– مالك يا محمود ؟ مين إللي كان بيكلمك؟
أجاب محمود في حنق:
– ده هاشم يا ستي
قضبت حاجبها بدهشة لتقول:
– وده عايز إيه دلوقتي؟
اجابها منفعلاً:
– قال إيه عايزني أقابله دلوقتي حالًا عشان حاجة مهمة .. هو أنا ناقصه
انفعلت تهاني في حديثها لأول مرة :
– عايز إيه تاني مش كفاية إللي في دماغه خلاص حصل وبنجني على الولاد اللي ملهومش ذنب في أي حاجة تحصل
زفر بشدة ليقوم بحزم:
– نخلص بس من الورطة إللي وقعتنا فيها دي وأنا مش عايز أتعامل معاه في شغل تاني
لتزفر تهاني هي الأخرى بضيق ولكن تحاول بقدر الامكان تهدئة روعه:
– طيب روق كده ومتخليش أي حاجة تعكر صفوك .. ابنك هيتجوز النهارده يا محمود
أردف بحزن شديد وقد شعرت به تهاني:
– كان نفسي يتجوز في ظروف أحسن من كده .. وبإرادته .. ومكنتش عايز أفرض عليه ولا أغصب إنه يعمل حاجة مش بمزاجه
ابتسمت وفي داخلها أمل تدعو من الله أن يتحقق:
– وأنا كمان بس تعرف .. أنا بدعي ربنا يهدي سرهم ويخلق ما بينهم مودة وحب .. مش يمكن يا حبيبي ربنا عمل كده عشان يقربهم من بعض بالطريقة دي .. أكيد ربنا له حكمة في كده
شعر براحة واطمئنان من حديثها ليقول بلين:
– ونعم بالله .. عارفة يا تهاني أنا كنت بتكلم على الظروف إللي وصلتهم لكده .. سلمى بنت ممتازة وأنا مش معترض عليها بالعكس .. يلا ربنا يعمل إللي في الخير
قبلته من وجنته وقالت بدلال:
– الحمد الله على كل شيء .. هسيبك أنا بقى وأشوف طارق وصل لإيه
******************
تقابل كل من إيهاب وتهاني في ردهة المنزل، فسألت باهتمام:
– خير يا إيهاب ماشي ولا إيه؟
أجاب إيهاب سريعًا:
– لا أبدًا بس كنت نازل أشوف حد يعمل قهوة للبيه إللي فوق ده ألا دماغه مش عجباني
ردت تهاني بحزن:
– ربنا يعدي اليوم ده على خير
يخرج إحدى الخدم بصنية بها فنجال من الشاي وآخران قهوة، لتوقفه سميحة بدهشة:
– لمين كوباية الشاي دي؟
أجاب الخادم بتلقائية:
– دي الآنسة إللي لسة جاية من شوية وبتسأل على طارق بيه
قلقت تهاني وهي تنظر لإيهاب الذي تغيرت ملامحه للقلق هو الآخر، يخشى ما يفكر به أن يحدث ولكن هذا مستحيل، لتتغير نبرة تهاني للحزم :
– مين دي ؟
تركتهم تهاني وهم خلفها متجهة إلى الصالون لتجده خاليًا من أي شخص، ألتفت إلى الخادم لتقول بنفس النبرة:
– هي فين ؟
اندهش الخادم من خلو المكان ليقول بقلق:
– والله ماعرف يا ست هانم .. أنا لسة سايبها مفيش كام دقيقة .. معقول تكون مشت؟!
وقفت تهاني ساهمة، شريدة تفكر ليقطع عليها صوت إيهاب الذي لاحظ ذلك ونظر للخادم وأخذ منه صنية المشروبات قائلًا:
– هات دي .. يمكن تكون مشيت ولا حاجة .. شوف شغلك
رحل الخادم ونظر إيهاب لها يحاول أن يعيدها إلى طبيعتها مرة أخرى:
– أكيد مشيت ولا حاجة .. متقلقيش أوي كده .. تعالي نطلع لطارق
صعدا ليسمعوا صوت بالداخل، دب الشك في قلبها وبمجرد أن تهاني فتحت باب الغرفة لتنصدم بما رأته هي وإيهاب الذي لم يصدق ما رآه هو الآخر، الأثنان بهذا الوضع السخيف .. انفرجت عيني وفاه تهاني فلم تصدق ما تراه، لتصيح وتصرخ بهم:
– إيه المنظر إللي أنا شايفاه ده .. إيه ده ؟ .. ماتنطق يا أستاذ .. إيه إللي جاب دي هنا في اوضة نومك وأنت عريان بالشكل ده
نظرات والدته وصديقه الصادمة لوهلة من المشهد، فليعرف جيدًا إيهاب أن وجودها في الوقت الحالي من أخر مكالمة بينهم به سوء فهم، نظر له طارق مستنجدًا وكاد ليتحدث كل منهم لتقاطعهم موجهة الحديث لسارة:
– وأنتِ مين سمحلك إنك تطلعي من غير إذن
توترت سارة من أسلوب الهجوم التي شنت عليها تهاني لتقول مصطنعة البراءة وبكل بجاحة:
– في إيه يا طنط أنا ملقتش حد عشان أقوله .. ثم أنا كنت طالعة لخطيبي وقريب أوي هيبقى جوزي مفهاش حاجة يعني
شعرت تهاني بدماءها تحترق من لامبالاتها وكان ما فعلته أسلوب طبيعي ويجب ان تتقبله:
– أنا في حياتي عمري ما شوفت زي بجاحتك .. مش مكسوفة وأنتِ بتقولي كده ؟!.. لا بجد شايفة إنها مفهاش حاجة إنك تطلعي أوضة نوم شاب عازب وأنتِ مبقتيش حتى على ذمته.. وأديكِ قولتي هتبقى مراته يعني حدودك في الصالون تحت مش طلعليه هنا
دقائق وكان محمود معهم في الغرفة، أنصب اهتمامه على تهاني التي هي سبب صعوده في هذا الوقت، أعتقد بأن هناك خطبًا ما بينها وبين طارق:
– في إيه مالك يا تهاني .. صوتك جايب الناس إللي تحت .. إللي حصل؟
صاحت تهاني بحنق وعصبية شديدة:
– تعالى شوف المهزلة إللي بتحصل هنا ..
نظر مكان ما تشيح إليه يدها لتفاجأ بوجود سارة، ليصيح بدهشة:
– إيه ده! .. أنتِ بتعملي إيه هنا (ثم وجه حديثه لطارق) مين إللي سمحلها تطلع هنا وإيه المنظر ده
لا يصدق طارق كل ما يحدث حوله من أحداث حاليًا وما صادفه من أحداث سابقة وما سوف يقابله فيما بعد، ليصيح بهم فلم يعد الاحتمال أكثر من ذلك:
– انتوا كلكوا جايين عليا من غير ما تفهموا اللي بيحصل .. أنا زيي زيكوا معرف إيه إللي جاب سارة هنا واتفاجئت بيها ويمكن أكتر منكوا .. أرحموني بقى شوية .. ما تتكلم يا إيهاب
تدخل إيهاب لينقذ ما يمكن إنقاذه:
– طارق ملوش دخل يا عمي .. أنا من ساعتها هنا مع طارق وغفلت عنه مفيش دقايق أجيب قهوة اتفاجئنا بيها هنا .. هو ده إللي هتباركيله بنفسك ؟!
أنهى هذه الجملة بغضب موجها إلى سارة، لتخطف نظر الجميع بلوم وغضب شديد في بادئ الأمر شعرت بالخوف والقلق من نظراتهم وحاولت بقدر الإمكان تصنع اللامبالاة .. ليجذبها إيهاب ويختفي بها من أمامهم على الفور.
لتبقى أعين والديه هي من تحاصره في تلك الغرفة من قلق وخوف وعتاب وغضب، لينهي والده هذا الحصار النفسي والعصبي بحسم وغضب شديدين:
– وأنت مش عارف إنك هتتنيل وتتجوز النهارده ؟ .. مخلتهاش تطلع في الحال بمنظرك ده ليه ؟ .. وسايبها تحط أيديها عليك بالشكل ده ؟ .. عجبك منظركوا أوي يعني أفرض حد من الخدم شافك بالمنظر ده ولا اختك كنت هتعمل إيه ولا منظرك قدامهم بعد كده إيه ؟.. حسابك تقل أوي معايا يا طارق واللي حصل دلوقتي ده مش هيعدي بالساهل
خرج وبيديه تهاني التي رمقته نظرة أخيرة بلوم وعتاب ليغلق الباب خلفه بعنف شديد، جلس طارق بحنق وغضب شديدين على فراشه وهو يمسح شعره بكفيه بغضب كبير، ممسكنًا برأسه بين كفيه، ساندًا بساعديه على ساقه .. وهو لا يزال يصدق ما حدث للتو .. أخر ما يتصور رد فعل سارة وتفعل به ما فعلت .. كان أن يسير كل شيء على ما يرام مع والديه ولكن بفعلتها هذه دمرت كل شيء في ثوان معدودة بسبب تصرفها الغبي .
*****************
وصلوا إلى باب الفيلا ليجذبها أكثر ويرمي بها داخل السيارة ويقود مسرعًا، محاولة منه أن يتماسك ليعرف كيف يتصرف معها.. فمنذ تلك اللحظة وسارة تقاومه وتعنفه على رد فعله الغير متوقع بالنسبة لها .. فصاحت تصرخ به
ـ ممكن أفهم إيه الهبل اللي أنت عملته ده؟ .. تسحبني من وسطهم بالطريقة دي ؟!
لم يصدق على الإطلاق ردها، بأي منطق تتحدث هي ليصيح بها بعدم استيعاب:
– اومال اللي عمليه من شوية ده كان أسمه إيه مادام اللي بعمله هبل ها ؟ .. أنتِ أكيد جرى لعقلك حاجة .. اومال عايزاني أسيبك في وسطهم تعملي إيه أكتر من الوضع السخيف إللي عملتيه كانوا زمانهم قطعوكِ .. ومبرر ملوش أي تلاتين لازمة عشان تبرئي بيه نفسك ..
ردت سارة منفعلة لا تبالي بما كان يقول للتوه:
– وأنت مالك محموق عليا كده ليه .. واحد وخطيبته وبيحبوا بعض في إيه
حقًا لا يصدق تلك التركيبة التي يراها ويسمع كلماتها الحمقاء أذنيه لتوه .. حقًا لا يصدق ولا يستطيع أن يصدق أن تلك الفتاة التي أمامه تتحدث بهذا المنطق المتخلف ليرد بجفاء :
– تصدقي معاكِ حق .. وأنا مالي بس أنا يهمني صاحبي والمشاكل إللي ملهاش أول من آخر إللي عملتيها دي وأنتِ عارفة إللي فيها كويس .. بنحاول نلم الليلة دي بأي طريقة وسيادتك جيتي طربقتيها فوق دماغه أكتر ما هي مطربقة .. من الآخر أنتِ عايزة إيه يا سارة؟
ردت بكل وقاحة:
– طارق ده بتاعي أنا والبت إللي أسمها سلمى دي تروح وتلعب بعيد عمرها ما هتقدر تاخده مني .. مش سارة إللي يتاخد منها حاجة هي عايزاها .. عايزاه ليا أنا وبس مش بعد ده كله أطلع من المولد بلا حمص إلا وديني لو مبعدتش عن طريقه هقتلها
لا يشك على الإطلاق بأنها نزلت من نظره دون أدنى شك، لا يستطيع أن يصدق كلماتها .. أن الحقد والأنانية يمكن أن يصل بها الأمر هكذا .. دون أي مقدمات أوقف السيارة وقال بصرامة وهو ينظر أمامه دون ان يلتفت اليها :
– أنزلي يا سارة .. لازم أرجع لطارق
نظرت له بحنق وشرارة لتردف قبل أن تختفي من جانبه:
– ماشي يا إيهاب .. يا أنا يا هي وبكرة تشوف .. وديني ما هسيبه الليلة دي
********************
يسير في أرجاء الغرفة ذهابًا وإيابًا في غضب شديد، لا يصدق ما شاهده لتوه وفي ذات الوقت يصدق شهادة إيهاب، فهو على معرفة جيدة به وعلى علم بأخلاقه .. لكن المشهد لصق بعقله وهي تتشابك ذرراعها على عنقه وتقترب منه بهذا الشكل .
ّ- عجبك اللي حصل ده يا تهاني ؟.. هي دي أخرة تربيتي فيه
ضربت كف على الأخرى وعقلها مشتت لا تعرف ماذا تقول، تعرف أن طارق مخطئ بعدم طردها إلى الخارج ولكن يجب أن تلطف الجو قليلًا:
– إيهاب معاه حق يا محمود أنا مصدقاه .. بس بردو ابنك غلطان منكرش ده إنه سمحلها تفضل معاه وتلمسه بالشكل ده
قال محمود بتردد بشيء يخشى منه كثيرًا ولكن تخيله بهذا المشهد صور له هذا :
– ربنا يستر ويمكنش حصل حاجة بالوضع اللي شوفتهم فين ده
صاحت به تهاني بعدما فهمت المغزى من كلامه:
– لا يا محمود بلاش دماغك توديك لبعيد .. ابنك أنت إللي مربيه كويس وعارف أخلاقه
صاح بها والألم والحزن ينهش في عقله قبل قلبه:
– أنا عارف ده كويس يا تهاني .. بس ده شاب والوضع إللي بينهم مكنش لطيف والباب مقفول عليهم
ربتت على منكبه تحاول أن تطمئنه وهي في داخلها تحتاج من يطمئنها:
– متقلقش يا حبيبي أنا واثقة في تربية ابننا كويس .. وإن عمره ما يعمل حاجة تغضب ربنا زي دي .. خليك واثق من كده كويس
ارتسم على ثغره بسمة صغيرة وذهب ليتابع عمله، ظلت وحدها في الغرفة تفكر وهي على أكيد بأن لم يحدث شيئًا..
********************
في نفس الوقت قامت نور بالإتصال بوالدتها بعدما أطمئنت من إستعداد سلمى بوضع مساحيق التجميل بعدما إنتهت من قصة شعرها .. اغتسلت وأخذت تجفف شعرها وتستعد هي الأخرى .
– ألو .. ايوة يا ماما
ردت تهاني بصوت مهزوز:
– ايوة يا نور .. إيه الأخبار عندك؟
شعرت بها نور لتردف بدهشة:
– بخير الحمد لله .. أنتِ مال صوتك؟
تنهدت وهي تحاول أن تتماسك:
ٍِ- مفيش يا حبيبتي .. كنت عايزة إيه؟
نهضت نور فجأة وقالت بقلق ويبدو عليها الاهتمام لتلاحظ ذلك سميحة وسلمى:
– مفيش ازاي يعني هو أنا مش عارفاكِ .. بابا كويس؟ طارق بخير طيب ؟
قصت لها تهاني ما حدث ونور تسمع وهي لا تصدق، فمن قبل ارتباطه بها وهي لا تحبها وتشعر بأن لن يأتي من وراءها أي خير على الإطلاق، لتنهي المكالمة وهي تشعر بالحزن على والديها وما حدث في هذه الليلة، وتشعر بأن ما حدث لا دخل لطارق به .
اقتربت منها سميحة بحذر فقد قلقت من قسماتها أثناء المكالمة لتردف بقلق:
– خير يا نور إللي حصل ؟
زفرت نور بحنق وحزن لتقول بصوت منخفض حتى لا تسمعه سلمى :
– الزفتة إللي أسمها سارة دي جات لطارق اتسحبت وطلعت اوضته من غير ما حد يشوفها ولا ياخد باله .. وماما وبابا شافوها وهي شبه حاضنة طارق بوضع مش لطيف ببشكير حولين وسطه .. لافة دراعها على رقبته كده .. بس إيهاب كان معاه ممسبهوش ونزل يجيب قهوة طلعوا لقوا الوضع ده .. بس طارق مظلوم يا طنط أتفاجئ بوجودها وباللي عملته كان مدبر والدنيا اتقلبت في البيت وكانت مجزرة هتحصل .. منك لله يا سارة هو احنا ناقصين يا ربي .. مش عارفة خطبها على إيه دي
كل هذا ولم يدروا أن سلمى كانت مستمعة لكل حرف وكلمة دون أن يشعرون، فبمجرد سماع أسمه شعرت بقشعريرة تسري في جسدها لا تعرف سببها ولفت سمعها لتنتبه لحديثهما .
أعادت رأسها والدموع متجمعة في مقلتيها لا تدري لما شعرت بالحزن والألم لما سمعت، أنتبهت نور لتغير ملامحها في انعكاسها للمراة أمامها لتنظر لسميحة بقلق وتدرك بأنها سمعت حوارها بالكامل .. لتقترب منها بحذر واضعة يدها على منكبها محاولة تهدئة الوضع:
– طارق ملوش ذنب يا سلمى .. هي إللي طبت عليه زي ماسمعتي كده وأفاجأ بوجودها ..
قطعت حديثها بحدة بلهجة لا تحتمل النقاش:
– مش عايزة أسمع سيرة الموضوع ده من فضلك يا نور .. كفاية
نظرت نور وسميحة لبعضهم البعض بحزن وقلق .. فكل شيء كان يسير نوعًا ما على ما يرام وتهد كل شيء بلحظة ما سمعت .. سلمى تنظر للمرآة ساهمة وحزينة فوق حزنها أضعاف، فلم تتوقع ما سمعت على الإطلاق من شخص خلال بضعة ساعات سوف يصبح زوجها .
*********************
إلي هنا ينتهى الفصل التاسع والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر