مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الرابع والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل الرابع والعشرون
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل الرابع والعشرون
“وجدتها”
أعتدل جلسته في لهفة وإهتمام شديد ثم صاح في دهشة كأن فكرة خطرت على باله :
– إيه ! طنط فريدة !! .. ازاي الفكرة دي تاهت عن بالي .. أكيد قضى اليوم كله في المقابر .. أنا قايم أروحله
قال الأخيرة وهو ينهض، فأنتفضت سمحية لتقول بخوف :
– أجي معاك؟
صاح بها بإنزعاج :
– مينفعش يا أمي تيجي فين .. هروح أنا أطمن عليه .. ده من امبارح على الحال ده
صاحت بنفس النبرة:
– خد بالك من نفسك يابني
أردف مسرعًا :
– حاضر يا حبيبتي .. يلا سلام دلوقتي
خرج مسرعاً وجلس هي على الأريكة تدعو بقلق :
– ربنا يحفظكوا يابني من كل سوء .. وترجعولي محفوظين إن شاء الله
أستقل سيارته وقاد مسرعًا نحو المقابر .. قرابة عشر دقائق كان هناك، فمقابر العائلة بالقرب منهم .
وصل إلى المقابر .. مساحة كبيرة وهائلة جدًا، مكونة من ثلاث بوابات كبيرة، ركن السيارة أمام البوابة الثانية التي تؤدي إلى مقابر عائلته .
الشارع ساكن تماماً لا صوت فيه ولا حراك .. دخل البوابة مسلطًا نور كشاف هاتفه وسار به مدة خمس دقائق .. سكون تام وضلمة موحشة للغاية، صوت صرصور الليل يصدر صداه من شدة السكون .. الرياح تهفهف الزرع المنبت حول الشواهد بصوت يقشعر الأبدان .. بالإضافة إلى شكل الشواهد ليلًا كان مرعبًا حقًا، ولا نخيب الظن فكان أمير يرتجف من داخله فهو يكره هذا المكان بشدة .
إلى أن وصل لقبر السيدة فريدة .. ذُهل من المشهد الذي رأه أمامه .. يوسف يجلس أمام الشاهد أو بمعنى أصح نائم عليه ووجه مخفي تمامًا .
إقترب نحوه وبدأ يوقظه بهدوء شديد :
– يوسف .. يوسف .. فوق يابني إللي جابك هنا ؟ .. يوسف فوق
قام برجه وهز رأسه حتى يفيق إلى أن أستيقظ ولم يكن قد أكتمل وعيه بشكل كامل، فلا يرى من أمامه .. ألا نور الكشاف مسلط على عيناه بقوة شدية جعلته يغلقها بسرعة وهو يقول :
– مين .. أنت مين ؟
صاح به أمير بصوت هامس :
– أنا أمير .. قوم معايا
أستسلم يوسف له وبالفعل نهض معه وقام بأسناده إلى أن خرجوا تمامًا من المقابر .. وضعه في الأريكة الخلفية للسيارة فتمدد بتعب شديد .. فأدرك حينها أن ما مر به ليس بهين ورأ الكثير .. ركب أمير مسرعًا وقاد السيارة بسرعة جنونية وبين الحين والآخر كان ينظر للخلف للإطمئنان عليه .
وصلوا أخيرا للمنزل فنزل من مقعده وأنتشل يوسف من الخلف وهو يسانده إلى أن صعدا إلى باب الشقة .
رن الجرس بسرعة كبيرة الأمر الذي قلق سميحة بشكل مخيف فأنتفضت مسرعة بفتح باب الشقة لترى المنظر المزري ليوسف أمامها .. فشهقت وهي تضع يداها على صدرها :
– يا ضنايا يابني .. إللي حصله ؟!
صاح بها أمير متلهفاً وهو يدخل متجهًا إلى الغرفة :
– بسرعة يا ماما كوباية لمون
رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول
ركضت سميحة بخوف وهي تقول :
– حاضر حاضر .. يا ستار يا رب
جلس أمير بجواره وهو يضرب جبينه برفق، عيناه تفتح وتغلق بسرعة وتلقائية .. غير واع بعد ما حوله أو أين هو الآن .
قام بوضع العطر حول أنفه كي يستعيد وعيه وبالفعل بعد المحاولة أكثر من مرة بدأ يستجيب .
دخلت سميحة راكضة تحمل كوب العصير أخذه منها أمير وهو يسقى يوسف .. رشف عده رشفات ثم تنهد بألم وأنين :
– آآآآآه
بكت على حاله التي لا يرثي له وهي تتمتم :
– الله يسامحك يا هاشم في كل إللي بتعمله في عيالك ده .. قوم وديه للدكتور يا أمير ..
قاطعها يوسف بتعب :
– لا لا مفيش داعي يا عمتو .. أنا هبقى كويس
صاحت به بخوف وقلق :
– كويس ازاي يابني .. أنت مش حاسس بنفسك ؟!
أردف بتعب شديد :
– سيبيني على راحتي يا عمتو .. أنا تعبان محتاج أستريح شوية بس
بكت سميحة فنهض أمير من جانبه وأخذ والدته للخارج كي يستريح قليلًا وهو يقول :
– سيبيه يستريح دلوقتي يا ماما .. محتاج للراحة أهم حاجة يلا
خرجت سميحة وهي كل حين تخطف نظرها له وتدمع عيناها .. أغلق أمير الباب وذهبوا إلى الصالة .. جلست على الأريكة تبكي فربت عليها برفق :
– كفاية عياط يا أمي .. هيفوق ويبقى كويس أن شاء الله
ردت سميحة بقلب أم :
– صعبان عليا أوي يابني الحالة إللي وصللها دي .. الله يرحمك يا فريدة روحتي وعيالك غرقوا بأيد أبوهم
أردف أمير سريعًا بفضول وإهتمام :
– ألا صحيح يا ماما .. أنا لحد دلوقتي معرفش ماتت ليه
مسحت دموعها بهدوء وردت بحزن :
– ده موضوع طويل يابني .. نعدي بس الفترة دي على خير وأنا هحكيلك
شعر أمير بأن هناك شيء تخفيه عنه أمه له علاقة بسلمى .. فسر موت السيدة فريدة يحوم حول تفكيره ولم يجد له أجابة بعد ..
******************
في صباح اليوم التالي أستيقظت سميحة مبكرًا للإطمئنان على يوسف .. دخلت غرفته برفق وجدته في سبات عميق كأنه لم ينم منذ سنوات طوال .. كسرت عليها نفسه على حالته المرهقة .
أغلقت الباب وخرجت لتجد أمير يخرج من الحمام بعدما أستحم .. بعد تحية الصباح تركها وذهب لغرفته يرتدي ملابسه فدخلت خلفه
– أحضرلك الفطار يا حبيبي ؟
رد دون الإتفات إليها وهو يكمل أرتداء ملابسه :
– شوية بس لما يوسف يصحى ونفطر سوا
خرجت سميحة وعادت ليوسف .. جلست على الفراش تنظر له بحزن إلى أن أستيقظ بعد عدة دقائق .. فتح عيناه برفق وتعب شديد يحاول أن يتذكر أين هو كيف آتى به إلى هنا .. وجد أمامه سميحة باسمة :
– حمد لله على سلامتك يا حبيبي
رد بدهشة :
– عمتو !! أنا إللي جابني هنا ؟!
عقدت جبينها لتقول :
– أنت مش فاكر إللي حصل امبارح ؟
أعتدل قليلًا في جلسته وهو يقول بلهفة وإهتمام :
– لا في إيه ؟!
نادت على أمير الذي آتى مسرعًا .. أبتسم وهو يقترب منه :
– إيه يابني حمد لله على السلامة
رد يوسف سريعًا :
– الله يسلمك .. أنا جيت هنا ازاي ؟
أبتسم أمير وأردف :
– أنا إللي جبتك هنا امبارح بليل وعرفت مكانك ازاي مش وقته الكلام ده .. المهم أنك كويس الحمد لله دلوقتي .. ثم تعالى هنا قولي بتعمل إيه في المقابر يومين وليلة ؟ ضاقت بيك الدنيا وجاي تقعدلي هناك !! .. إللي حصل ؟
تنهد بقوة وعمق وقال وهو يتوسد بظهره إلى الخلف :
– من ناحية ضاقت بيا فهي ضاقت فعلًا .. بعدما شديت مع أبويا في الكلام اتخنقت وملقتش حد أشكيله همي من بعد أمي غير سلمى .. وأهي هي كمان سابتني ومشت .. وحشتني أوي كنت محتاج أتكلم معاها روحتلها .. عارف إنها مش هتسمعني بس متأكد إنها هتحس بيا وباللي جوايا .. لقيت نفسي بلف بالعربية ورايحلها .. بس تصدق أرتحت أوي لما أتكلمت معاها
تنهدت سميحة بحزن وهي تشفق عليه .. ربت أمير على منكبه وهو يقول بحب :
– الحمد لله وهو ده المطلوب .. بس متكررهاش تاني
تنهد بحزن وقال بألم :
– مكنش فيه مكان تاني أروحله .. رجلي جابتني على هناك كأني عارف مصيري كويس
نكزته سميحة بإستياء على ذراعه وهي تقول بإعتراض :
– اخص عليك يا يوسف والله هزعل منك .. بيت عمتك مفتوح يا حبيبي تنور في أي وقت
شعر بأن حديثه تسبب في ضيقها نوعًا ما دون أن تشعر .. فبرر سريعًا :
– أبدًا والله يا عمتو .. بس ده أول حاجة جات على بالي
تدخل أمير في الحديث ليقول بجدية :
-المهم كويس أني لقيتك .. لازم نبتدي ندور على سلمى وأنا متأكد أنك هتساعدني في الموضوع ده
عقد حاجبيه وقال ساخرًا نوعًا ما :
– متهيئلي أنك ظابط يا أمير مش كده ؟!
زفر أميرة بقوة وقال بنفاذ صبر :
– يابني أفهم البوليس مش هيدور منه لنفسه كده قلبت الدنيا عليها مستشفيات وأقسام وحتى الأوتيلات .. بس بيكون فيه مساعدة خارجية زي حضرتك .. تقولي بتحب تروح فين أي معلومة عنها توصلنا بيها .. فهمت
أومأ برأسه ثم أردف بهدوء :
– أنت عارف سلمى مش أجتماعية أد كده وملهاش في الأختلاط وبقت منطوية أكتر بعد وفاة ماما .. فمعتقدش إنها راحت لحد من قرايبنا حتى لما جيت وسألت عمتو توقعت إنها جت على هنا قالت مجدتش
توترت سميحة ونظرت إلى أمير بنظرة أستغاثة لا تعرف ماذا تقول له .. هل الحقيقة أم كتمان ما حدث .
لاحظ يوسف نظراتهم فشعر بشيء خفي عنه تعرفه عمته، فقطع الصمت صائحًا بعدم فهم وشك :
– هو في إيه ؟
تنهدت سمحية وقالت وهي تفرك بيداها بعدما حسمت أمرها وهي تقول بتردد :
– بصراحة .. سلمى كانت هنا يا يوسف
أنتفض يوسف عند سماع تلك الجملة .. أتسعت عيناه صدمة وأعتدل في جلسته بصعوبة وصاح بغضب وعدم تصديق :
إيه!! .. بتقولي إيه يا عمتو!!! .. يعني إيه كانت هنا ؟!!
توترت سميحة وحزنت على أخفاء الحقيقة عليه وهي تعلم بأن ما تراه حاليًا هو رد فعله .. فصاحت سريعًا مبرر والألم يكسو قسمات وجهها :
– غصب عني يابني .. سلمى أول ما سابت البيت أول حاجة فكرت فيها إنها تجيلي وحلفتني برحمة أمك الغالية إني مجبش سيرة لأي مخلوق وأن كان أنت حتى أمير ..
قاطعها يوسف وهو ينظر بغضب شديد لأمير والشرر يطلق من عيناه سهامًا ليصرخ به :
– بقى كدة يا أمير .. عارف ومخبي عليا كل ده !!
كاد أن يرد فردت سميحة بسرعة مبررة :
– أمير ملوش ذنب يابني .. أمير عرف مني لما شافها في البيت وكان ناوي يبلغك .. سلمى حلفتني بالغالية منجبش سيرة لأي حد عن مكانها وكان قلبي بيوجعني وأنت بتحكي كام نفسي أقولك أدخلها هتلاقيها جوة بس مقدرتش .. كانت خايفة منكوا جدًا خاصًة من أبوك الله يسامحه .. خافت ألا يرجعها تاني وتخليها تتجوز غصب عنها .. سامحنا يابني
كان يسمع هذا الحكي وقلبه يعتصر ألمًا وحزنًا .. لقد شعرت شقيقته بالخوف منه ألا أن يقوم باﻹبلاغ عنها، كان بينه وبينها بضعة خطوات ماكان سيبلغ عنها بل كان يحتضنها بقوة في صدره ويقف لأول مرة أمام والده .. لكنها خافت؛ بعد مدة من التفكير رفع رأسه بهدوء وقال بجمود :
– وإيه إللي خلاها تهرب وتسيب البيت تاني
نظرت إلى أمير بعتاب، فألتفت إلى يوسف وقال :
– أنا السبب
نظر له يوسف بغرابة وقال :
– ازاي يعني مش فاهم !
تنهد بعمق ثم أستئنف حديثه :
– سمعتني وأنا بقول لماما إني لازم أبلغك بوجودها .. مسافة ما دخلت اريح شوية وأمي تحضرلي لقمة مكنش ليها أثر في البيت .. هربت في ثواني خافت ألا أبلغ عنها .. مكنتش أعرف إنها سمعاني
نظرت سميحة إلى يوسف وهي تقول :
– والعمل يابني .. هتكون راحت فين دلوقتي ؟! .. لا الفنادق موجودة فيها ولا راحت عند حد من قرايبنا .. هتكون راحت فين بس
تنهد يوسف بقوة كأن ثقل كبير على قلبه وهو يقول بتفكير عميق :
– والله مش عارف .. هتجنن يا عمتو .. مفيش غير الشاليه بتاعنا إللي في مطروح
نظروا لبعضهم البعض ثم أنتفض يوسف فجأة بحماس وإندفاع وقال :
– ايوة صح .. ازاي مجاش في بالي حاجة زي كده .. أنا قايم رايحلها أكيد هناك
قال هذه الجملة الأخيرة وهو يقفز من الفراش .. فأمسكه أمير بلهفة وقال :
– استنى يا يوسف أنا جي معاك
تدخلت سميحة سريعًا وقالت :
– وأنا كمان مش هقدر أقعد على أعصابي أكتر من كده
رد يوسف مسرعًا :
– متقلقيش يا عمتو المسافة طويلة هنجيبها ونرجع على طول
تركهم يوسف ودخل الحمام ليغتسل وبدل ملابسه بملابس نظيفة من أمير .. ثم غادرا معًا بسيارة الأخير والأمل يملئ قلوبهم من جديد وعادت الحياة في صدورهم بمجرد هذه الفكرة خطرت على بال يوسف، وهم في حالة من اليقين لا تقبل الشك بأنها هناك بكل تأكيد .
***************
مما لا شك فيه لم يذهب طارق إلى الشركة .. فأنطلق بسيارته إلى حيث مجلسه المفضل ألا هو النادي .. وبكل تأكيد لم يتحدث إلى كل من إيهاب وسارة الليلة الماضية .
كان يحتاج بشدة إلى من يستمع إليه .. فقط الإستماع لا يريد أكثر من ذلك، فلم يتبقى له أحد سوى صديقه، فالكل أصبح ضده .. أمه وأباه وحتى شقيقته بعد ذلة اللسان التي قام بفعلها وبكل تأكيد يشعر بقليل من الندم عليها ولا يعرف ماذا يفعل لهم حتى تعود المياة لمجاريها، ولكن ليس بالساهل ليفعل ذلك .. حتى سارة لا يريد التحدث إليها الآن فلن تشعر به وبألآمه، لم يابقى سواه من يستمع إليه ويفكر معه للخروج من أي مشكلة .
الجميع يلومه ويقذف عليه أتهامات بكل ما حدث هو السبب الرئيسي فيه، جميعهم يهتمون بألآم سلمى ولا أحد يهتم بألآمه وكسرة قلبه وحزنه ووحدته .. لا أحدا منهم يشعر بما داخله ماذا يريد وما يتمنى … يرونه كأنه صلب، جبل من حديد لا يتأثر بما حوله، فقد أكتفى بالفعل أكتفى .
مر قرابة عشر دقائق على وصوله، لا يفعل شيء سوى يجلس على أحدى الطاولات شريد في أفكاره ووجدانه المنكسر .. فكر كثيرًا بالإتصال بإيهاب ولكن سرعان ما هو قام باﻹتصال به بالفعل، رد طارق سريعا بفتور :
– ألو .. أيوة يا إيهاب .. لا أنا في النادي مش رايح الشغل النهارده .. بقولك إيه أنا فيا إللي مكفيني كنت لسة هتصل بيك عشان أفك شوية هتقطمني بكلام ملوش لازمة يبقى تقفل أحسن .. هييييح طيب مستنيك قدام البيسين .. سلام
نصف ساعة ووصل إيهاب باسمًا، جلس أمامه على الطاولة وقال بمرح :
– إيه يا عم مختفي فين من أمبارح ؟
رد بنفس الفتور :
– مليش نفس أتكلم مع حد خالص ولا أشوف حد
تغيرت نبرة إيهاب إلى القلق :
– إللي حصل طيب .. شديت مع حد في البيت
قال دون الألتفات إليه :
– ايوة .. نور .. هلفطت بكلام ملوش لازمة مش عارف قولته أزاي
تنهد بقوة وهو يربت على ظهره ليقول برفق :
– طيب روق كده .. سارة كلمتني امبارح
رنا إليه وقال بإهتمام :
– وده ليه ؟!
قال :
– بتسأل عليك .. قافل فونك ومبتردش على حد .. قلقت فقامت متصلة بيا
رد بضيق :
– مليش طاقة إني أكلمها دلوقتي .. مش ناقص عكننة وأنت مش مهتم وفينك ومش عارف إيه .. ومهما حكيت لها على إللي تاعبني مش هتحس بيا
نظر له إيهاب ليقول بعتاب :
– بس من حقها عليك إنك تهتم بيها شوية وتسأل عليها
أشتعلت بشدة النار في صدرة ليقول في صياح شديد :
– وأنا مين إللي يهتم ويحس بيا .. كلكوا مش شايفين غير الطرف التاني وبس .. لمجرد أن الطرف الأول مش مبين حاجة يبقى هو سليم وزي الفل .. أنا تعبت وأكتفيت ومش ناقص كلمة من حد .. حتى سلمى جات وزودتها عليا وكل إللي بيحصللي بسببها .. غضب أبويا وأمي واختي .. هي السبب في كل إللي بيحصل .. هي السبب مش أنا
أشفق عليه وعلى حالته كثيرًا، فهو متعب للغاية ولا أحد يشعر به حتى أقرب الناس إليه .. حاول أن يهدء من روعه قليلًا ليقول بصوت حاني :
– طيب أهدى أهدى وصلي على النبي كده .. إيه رأيك لو نسافر الساحل نغير جو ونرجع على بليل .. فاكر أخر مرة
غمز له في هذه الأخيرة وضحك، ليبتسم طارق وهو يتذكر ما فعله ﻷجل الهروب من الحفل ونظرة سلمى له عندما تقابل عيناهم أمام السيارة .. شرد بعيدًا عنه إلى عيناها واللهفة التي كان يراها في حينها بداخلها .. شعر فجأة بالحنين وقلبي بدأ يخفق بالتدريج .. إلى أن تلاشى كل هذا عندما لكزه إيهاب في ذراعه وهو يقول :
– إيه يابني روحت فين ؟
أفاق من هذا الحلم الجميل وعادت مشاعره جامدة وباردة كما كانت، وتلاشت تلك البسمة الرقيقة التي زينت محياه ليقول بجمود :
– يلا
قاموا وكل منهم أتجه على سيارته وقادوا سويًا على وجهتهم، لعله يستعيد ذكرياته أكثر قبل هذه المشكلات والتراكمات التي حلت عليهم فجأة .
*******************
حاولت نور الإتصال به لأكثر من مرة لا يجيب ولا تعرف ماذا تفعل لتطمئن على سلمى، بعد محاولات كثيرة قررت أن تذهب إلى الفيلا .
وصلت إليها والتردد يملئ قلبها عن هذه المحاولة بعد الإتهامات الموجهة إليها من قبل اخيها، فلا تريد ثبات ما قال بمجيئها للسؤال عنه وهذا هو الوضع الظاهر .. أنما يكمن في داخل الموضوع الإطمئنان على سلمى .
لم تهتم لكل هذه الحروب التي تحدث في رأسها وقررت أن تفعل الشئ الصحيح ولا يهم ماذا يقال .
رنت جرس الباب ليفتح لها الخادم وسألت عن يوسف .. فأخبرها بأنه ليس موجود في المنزل منذ يومان .
أندهشت قليلاً ودب القلق في صدرها وقررت بعدها أن تذهب إلى الشركة .. وصلت ودخلت إلى هاشم الذي لم يكن مرحبًا بوجودها نوعًا، هذا ما شعرت به نور ولكن تغاضت عنه في الوقت الحالي وقررت أن تكمن تركيزها في أن تجد سلمى في أسرع وقت ..
جلست قباله وبدأ الحوار :
– مفيش أي أخبار عن سلمى ؟
رد بأقتضاب وهو ينظر إليها :
– لا مفيش .. سابت كل حاجة وراها وريحت دماغها .. مجاليش من وراها غير وقف المصالح والمشاكل والفضيحة وبس
أتسعت عيناها دهشة لا تصدق ما سمعته لتوها .. كيف لأب أن يكون بهذا الشكل ويتكلم عنها بهذا السوء .. لم تستطع كبت إنفعالها فقالت بضيق شديد :
– إيه إللي بتقوله ده .. أنا مش مع إللي عملته بالعكس .. بس أظن حضرتك عارف السبب الرئيسي كويس أوي
غضبه أزداد عما قبل، فلم يستطع الرد عليها فإنفعل قائلاً :
– كله منها ومن نشفان دماغها وعندها على الحكاية من الأول .. مش عارف راحت في أي داهية هي واخوها ..
قاطعته بدهشة :
– يوسف !!
استرد قائلًا :
– من امبارح سايب البيت ومرجعش لحد دلوقتي وتليفونه مقفول … ماهي كملت بقى .. أسمعي يا نور عرفي أبوكِ أن الشركة بعتت فاكس ولو عرفت أن الفرح اتكنسل هنروح كلنا في داهية .. بتصل بيه مبيردش هو كمان
ردت نور بإقتضاب وهي ساهمة :
– حاضر يا أنكل .. عن أذنك
قامت سريعًا دون أن تنتظر رده وخرجت، حاولت أن تستعب وهي في الردهة ما حدث .. إنه ليس بأب أبداً على ما تظن وتراه منذ معرفتها بسلمى، لما يفعل كل هذا ؟ أمن أجل المال و النفوذ أم من شيئًا أخر لا يعلمه سواه ؟ .. أي كان يجب أن تتصل بوالدها للتو وأخباره بما حدث .
*****************
على مائدة الطعام يجلس محمود يتناول فطوره، لتأتي تهاني تجلس بجواره في صمت .. بعد دقائق قطعه هو ليقول
– أخبار نور إيه النهارده ؟
ردت دون الإتفات إليه :
– معرفش
ترك قطعة الخبز بين يديه ونظر لها بعدم فهم :
– يعني إيه متعرفيش ؟
تنهدت تهاني لتسترد بهدوء :
– دخلت أصحيها ملقتهاش في اوضتها .. خرجت من بدري .. حتى طارق مش موجود هو كمان
زفر محمود بشدة وهو يقول بضيق شديد :
– أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .. مش عارف إللي حصلنا ده .. لعنة وحلت علينا كلنا .. يا رب عدينا منها على خير يا رب
تهاني رغم ما يحدث حولها تريد من يحنو عليها ويضمها إلى صدره، ولكن هي القوة في هذه العائلة من يستمدوا منها لمواجهة الصعاب، يجب أن تتحمل قليلا حتى يسير القارب بأعتدال كما كان .
فتنهدت بحزن ولكن أطلقت بسمة صغيرة حانية من بين ثغرها وهي تربت على ذراعه :
– سيبها على الله يا محمود .. ما ضاقت إلا ما فرجت عن قريب بإذن الله .. أنت قدها ولازم تتحمل عشان نطلع كلنا من إللي احنا فيه ده .. يلا كمل فطارك وأنا هكلم الولاد أطمن عليك
نظر لها وإبتسم ثم أمسك يداها وقبل باطنها وهو يقول :
– يخليكِ ليا يا شريكة عمري ودنيتي
قطع هذه اللحظة الرومانسية رنين هاتفه .. تناوله من جيب حلته السوداء ليجد المتصل نور، فأجاب بلهفة وإهتمام شديد شديدين :
– ايوة يا نور .. أنتِ كويسة يا حبيبتي ؟
زفرت نور وهي تقود سيارتها وردت بهدوء :
– بخير يا بابا متقلقش عليا .. لازم تكلم أنكل هاشم ضروري بس الأفضل تروحله .. جد جديد في موضوع الصفقة وبيسألوا الجواز تم ولا لا .. ولو عرفوا إللي حصل هتحصل كارثة واحنا مش ناقصين
رد مستفهمًا :
– حصل أمتى الكلام ده ؟
ردت سريعًا :
– يعني من شوية كده .. لسة خارجة من شركة مفيش عشر دقايق
زفر بضيق وهو يقول :
– ماشي يا نور أنا هتصرف
أغلق المكالمة ويبدو عليه الحيرة والشرود .. هزت تهاني يداه لتقول له :
— إللي حصل يا محمود ؟ .. طمني
رد بنفس الحال :
– الشركة بتسال .. الظاهر بعتوا فاكس امبارح بليل
ردت بصدمة :
– طب والعمل ؟
نظر لها وقال بعد تفكير ليس بطويل :
– لازم نلاقي سلمى بأي طريقة
******************
تتسكع بسيارتها لا تعرف إلى أين تذهب وكيف تصل إلى سلمى ويوسف، كل شيء أصبح معقد وكلما تحاول أن تصل إلى بر تكتشف عقدة جديدة .
فلم تستطع التفكير في أي شيء، لا عمل ولا دراسة حتى .. أين يمكن أن يذهب الآن ؟ .. إلى أن خطر في بالها شيئًا ما فأنحرفت بسيارتها متجهة إلى مكانها المنشود .
وصلت إلى منزل سميحة، كثيرًا ما كانت تأتي مع سلمى هنا .. وقفت أمام الشقة وهي مترددة للغاية من ضرب الجرس ومقابلتها، فماذا تقول وماذا تفعل .. بالتأكيد لها علم بما حدث .. حسمت أمرها ضربت جرس الباب، دقائق وفتحت لها سميحة فإبتسمت تلقائيًا عند رؤيتها، رحبت بها ودخلت .
لاحظت نور التوتر والقلق منحوت على وجه سميحة فأقبلت عليها قائلة :
– مفيش أخبار عن سلمى أو يوسف ؟
ردت سميحة بتلقائية :
– يوسف وأمير راحوا يجيبوها
تشعر بأنها سمعت خطأ ما تقول، هل حقًا يوسف موجود وعلى ما يرام ؟ هل حقًا وجد سلمى بالفعل ؟ كيف ومتى ؟ شعرت بخفقات قلبها يضرب بقوة شديدة وحرارة جسدها بدأت بالأرتفاع .. فإبتسمت تلقائيا وهي تصيح بها بلهفة شديد :
– إيه يوسف !! بتتكلمي جد ؟! .. لقى سلمى ؟ فين وأمتى وازاي ؟ .. أرجوكِ ردي عليا متسبنيش على أعصابي كده
قلقت سميحة وتفاجأت بصياح نور المفاجئ من أثر كلامها الذي وقع عليها وقالت سريعًا كي تهدأ من روعها :
– أهدي أهدي يا نور .. يوسف شك إنها ممكن تكون في شاليه مطروح وراح يشوفها هو وأمير .. مفيش مكان دوروا فيه يا رب يعتروا عليها هناك
ردت نور سريعًا بحماس وكأنها تذكرت شيئًا ما وهي تضرب جبهتها بيداها :
– اخ .. ازاي تاهت عن بالي طول الفترة دي .. فعلًا مفيش مفيش غبر المكان ده إللى ممكن نلاقيها فيه .. يسمع منك ربنا يا رب .. بس يوسف كان فين من يومين ؟ بتصل بيه فونه مقفول .. حتى روحت الفيلا عرفت إنه مروحش
تنهدت بحزن لتقول :
– يلا ربنا يسامح هاشم بقى
عقدت حاجبها وقالت بتساؤل :
– إللي حصل وراح فين ؟
قصت لها كا حدث وكيف وجده أمير .. هي تسمع بتركيز وأهتمام ولا تصدق ما حدث كأنه حلم .. نعم لقد تحمل الكثير بالفعل ولم يجد مهرب غير ذلك .
تنهدت بحزن وألم على ما بدر له من أسى وما تحمل في الأيام السابقة فقالت :
– لا حول ولا قوة إلا بالله .. ربنا يصبرهم على إللي هما فيه ويفك كربهم .. عشان كده مكنش بيرد عليا
إبتسمت فأردفت:
– كان قلبي حاسس إني هلاقي الإجابة عندك
إبتسمت سميحة وقالت بخبث :
– وأنا مبسوطة إني شوفتك النهارده .. لدرجة دي بتحبيها
غمزت لها بنظرة فهمتها نور سريعًا فشعرت بالخجل الشديد من تلميحها وأخذت تفرك في يداها .. فنهضت سريعًا وهي تقول بإرتباك :
– طيب أنا هستأذن أنا بقى .. كويس إني أطمنت عليهم وهحاول أتصل بيهم تاني
نهضت سميحة هي الأخرى لتمسك بذراعها :
– لا رايحة فين أنت هتتغدي معايا .. عايزة تهربي
غمزت لها وهي تبتسم … إبتسمت نور خجلًا وخفضت رأسها فلم تستطع بالرد السريع، ولكنها رفعته لتقول بنحنحة :
– احم لا خالص بس عشان في البيت وكده يعني
تفهمت سميحة بأنها أحرجت من كلامها .. فقررت أن تتركها لراحتها على الأقل عرفت مشاعر نور ناحية يوسف من أول كلمة، لم يتبقى سوى يوسف سوف تكشف عن مشاعره فيما بعد .
أستأذنت نور وخرجت سريعًا، أستقلت سيارتها وقادت مسرعة فرحة وقلبها يرتجف من شدة سعادتها وخجلها من تلميحات سميحة .. لهذه الدرجة كانت مشاعرها فاضحة لدرجة ملاحظة سميحة لها ؟ .. أي كان ما حدث فهو شعور لا يوصف ومن الجيد أنها استطاعت الفرار في وقت قياسي .
قررت الإتصال مرة أخرى بيوسف لعله يجيب هذه المرة وهي بتلك الشعلة من الحماس والفرحة .
******************
اثناء الطريق لا يفكر يوسف بشيء سوى لقاءه بشقيقته بعد غياب عدة أيام يعتقد بأنها سنوات طوال .. لم يكن يعرف بأن فراقها سيكون بهذا الشكل الأليم لهذه الدرجة يحبها ..
بعد قرابة ثلاثة ساعات وصل أمير ويوسف إلى مرسى مطروح متجهين إلى الشاليه الخاص لعائلة الجوهري .. عبارة عن بيت متوسط مكون من دورين يطل على البحر مباشرة وحوله حديقة صغيرة بها طاولة صغيرة محيطة بأربع مقاعد صغيرة خشبية .. محيطة بسور متوسط .
بمجرد ما دخلو عبر البوابة الخشبية المؤدية للشاليه صوت غناء شجن حزين للغاية .. تتبعوا الصوت ليجدوا سلمى تجلس على أحد المقاعد رافعة قدماها على المقعد المقابل لها وهي تغني ودموعها تنساب بحرية شديدة على وجنتيها :
“لما حاجات كتير في حياتنا اتسببت في حيرتنا .. وادينا عايشين راضيين جايين ورايحين ..
هعتعمل إيه لو نمت يوم وصحيت ولقيت أقرب ما ليك في الدنيا مش حواليك .. هو أنت مين إللي عمل كده فيك .. مش أنت ولا في حد غمى عينيك ..”
واقف يوسف مذهول مما رأه ودموعه هي الأخرى عرفت طريقها إلى وجنتيه .. فصاح بصوت عال :
– سلمممممى
توقفت عن الغناء بمجرد سماع صوته يناديها .. تخشبت مكانها تحاول أن تقنع نفسها بأن ما قد تم سماعه ليس إلا وهم أو تهيؤ منها لا أكثر .. ألتفتت لمصدر الصوت كي تتأكد وجدته يوسف أمامها ..
فتحت فمها أثر الصدمة ونهضت ببطئ شديد محاولة منها إستيعاب ما تراه أمام عيناها .. لا تصدق أنه يقف أمامها الآن في هذه اللحظة … لم تفكر قط بأنه وجدها وسوف يعيدها لما كانت أو يبلغ عن مكانها .. لم تفكر في هذه الحالة التي تبدو عليها إلا إنه جاء لحمايتها، كأنه يشعر بها فهي تحتاج إلى ضمته أكثر من أي شيء ..
ركضت بسرعة نحوه وأرتمت في صدره وهي ممسكة به بشدة خوفا من أن يتركها مرة أخرى .. تفاجيء يوسف كثيراً من رد فعلها، ظن بأنها ستخاف عند رؤيته وتحاول الهرب لكنه تفاجئ بعكس ذلك .. وجد في ضمتها الخوف والقلق والأرتجاف .. وجد بأنها كانت تبحث عن الأمان ووجدته عندما قامت بضمه .. ضمها هو الآخر بقوة أكبر فإنهارت من البكاء بشدة ولم يستطع إيقافها، فلم يفعل سوى التربيت على ظهرها بحنان وعطف .
يقف أمير مذهول من هذل المشهد المؤثر الذي أمامه، فلم يشعر بالدموع التي تنسال على وجنتيه هو الأخر .. فأرتسمت بسمة عريضة على ثغره بحب وتنهد فرحا بأنها تبدو على ما يرام .
بعد قرابة ثلاثة دقائق أبتعدت سلمى عن صدره ببطئ وهي تخشى أن تنظر في عينيه، رفعت رأسها وعيناها لا تزال تدمع .. فقط تنظر في عينيه دون كلام إلى أن قطعت الصمت لتقول بعدم تصديق بعد أنه أمامها :
– أنت عرفت مكاني أزاي ؟!
إبتسم يوسف وقال بنبرة عتاب :
– دورت عليكِ أنا ونور في كل مكان ملكيش أي أثر .. لحد ما جاه في بالي إنك هنا، أخر مكان ممكن أتصور إنك تفكري تروحيله .. ليه كده يا سلمى .. ليه تعملي فيا كده وتتعبي قلبي معاك .. أنتِ مش عارفة بعدك عني اليومين إللي فاته عملوا فيا إيه !! أنا مليش غيرك في الدنيا دي ببساطة كده تتخلي عني وتسيبيني !!
صاحت فيه باكية :
– غصب عني يا يوسف .. صدقني غصب عني .. مكنش ينفع أفضل أكتر من كده .. مكنش ينفع أضحي أكتر من كده .. طول عمري بدي ومباخدش حاجة، عمري ضاع في سبيل أغراض شخصية ﻹنسان مبيفكرش غير في نفسه وبس الأسم أبويا .. هههههه اها أبويا يا يوسف .. أبويا إللي بيتاجر بيا عشان رصيده في البنوك يكبر ويعلى ويبقى صاحب أشهر شركة أدوية في مصر كلها .. وعلى حساب مين ؟ بنته الوحيدة .. مش خايف يخسرني أنا كمان زي ما خسر مراته إللي راحت ضحية لنفوذه وحبه للفلوس .. مش خايف .. رد علياااا .. رد ساكت ليه .. هتقولي مش مبرر لهروبك ؟ .. لا يا أستاذ مبرر ومبرر قوي كمان .. لما أبقى مجرد سلعة ملهاش تمن وزيي زي أي حاجة في البيت يبقى لا .. لما أدفن نفسي مع أنسان لا بيطيقني ولا بطيقه يبقى لا .. لما تتلغي شخصيتي وتتهان كرامتي يبقى لا ومليون لا
لجم يوسف لسانه ولم يستطع نطق أي كلمة .. فكل حرف تفوهت به لتوها صحيح مئة في المئة لا غبار عليه، يحاول وضع عذرا لها لما فعلته .. يشعر بألامها التي تكوي روحها قبل قلبها .. حمرة وجهها أثر الصراخ كأنها بركان ثار وأنتشرت حممه على أرض زراعية أحرقت وأفسدت كل ما حولها من خضرة .. صدرها يعلو ويهبط بسرعة كبيرة لا تستطع ألتقاط أنفاسها .
أقترب منها وضمها إلى صدره في هدوء ثم قال بصوت حنون :
– أنا آسف .. حقك عليا يا بنت قلبي .. بتقطع نساير وأنا شايفك من غير إرادة بتموتي البطيء وأنا عاجز مش عارف أعمل أي حاجة .. مفيش حد هيغصبك على أي حاجة تانية بعد النهارده .. سامحيني يا سلمى
بكت سلمى بشدة إلى أن هدأت تمامًا وأبتعدت عنه لتتلفت حولها ورأت أمير .. اندهشت من وجوده وأسئلة كثيرة في عقلها تحتاج إلى أجابات .
فهم يوسف ما تفكر فيه فنظر إليها قائلًا :
– ايوة .. عرفت إنك عند عمتو لما جيتلها وخبت عليا وجودك .. معرفتش بس غير امبارح
تنهدت سلمى براحة ليقول أمير :
– أنا مفتنتش عليك يا سلمى زي ما كنت متصورة .. أمي قالتله بعدما لاقيناه ودورنا عليكِ في كل مكان
عقدت جبينها بعدم فهم لتقول :
– لاقيتوه !! مش فاهمة حاجة
يوسف رد سريعًا ليقول بجدية :
– مش وقته يا سلمى .. بعدين أبقى أحكيلك .. المهم لازم نرجع إسكندرية دلوقتي حالًا .. الدنيا مقلوبة عليك وعمتك هتموت من خوفها عايزة تطمن
تغيرت معالم وجهها إلى الغضب والخوف وهي تعود للوراء لتقول برفض :
– لا .. يستحيل أرجع معاك .. أنا مصدقت أني هربت عايز ترجعني للموت برجليا !! على جثتي
أردف أمير بهدوء يحاول طمئنتها :
– متخافيش يا سلمى بس لازم ترجعي .. بعادك متوقف عليه حاجات كتير .. أرجوك
تنقلت بصرها بينهم وهي تفكر بعمق على ما يجب فعله، والحيرة ملئت قلبها وعقلها .. تخشى المستقبل وما ينتظرها عندما تعود، خاصًة من والدها .. فرنت إليهم طويلًا ثم قالت :
– بس بشرط .. مفيش جواز
نظرا يوسف وأمير بعضهم بعض في مأزق .. إنها تطلب المستحيل في الوقت الحالي، قطع الصمت يوسف ليقول :
– أنتِ عارفة خطورة إللي بتطلبيه ده إيه ؟! .. أعقلي يا سلمى وعدي الفترة دي على خير
نظرت له بشراسة لتقول بحدة :
– خدت إيه من العقل غير الدمار .. مفيش عقل بعد النهارده
تدخل أمير ليقول بجدية :
– الكلام ده سابق لأوانه .. دلوقتي الوضع أتأزم على الآخر .. حاولي على الأقل تعدي اليومين دول وبعد كده محدش هيجبرك على حاجة أبدًا
صاحت به بقوة وغضب :
– يعني عايزني أدفن نفسي مع واحد ولا بيحبني ولا بيطيقني ولا بطيقه !!
عقد يوسف جبينه في تساؤل :
– الله مش أنتِ وطارق متفقين على كل حاجة في أخر إجتماع وقولتي أقنعك ؟! .. إللي حصل وخلاكِ تهربي وترفضي ترجعيله ؟!
توترت سلمى وشعرت بعلو ضربات قلبها، لا تعرف ماذا تقول له بأن ما حدث أمامهم مجرد صفقة أخرى بينهم ليس إلا .. فقطعت الصمت لتقول بإرتباك :
– أنا لما فكرت في الموضوع يوم الفرح أكتشفت أني كنت غلطانة
نظر لها بشك كبير فلم يصدق ما تقوله، أحساس يراوضه بأنه تخفي عنه الكثير … فقرر مضي النقاش في هذا الحديث إلى وقتا آخر، فقال بحزم :
– الكلام ده مملوش فايدة دلوقتي لازم ترجعي معانا وهناك هنبقى نتكلم في الموضوع ده، وإلا هتحصل مجزرة وأنتِ عارفة كده كويس
رنت إليه وهي تفكر فيما يحدث وما سوف يحدث، شعرت من نبرته بأنه لم يصدفها وجد في حديثه .. فما بدر منها كان خطأ منذ البداية وهي تعترف بذلك .
عادت سلمى معهم إلى الإسكندرية وطول الطريق تفكر فيما سوف يحدث لها، وأول ما جاء على خاطرها هي نور، لقد أشتاقت إليها حقًا وضمة صدرها إليها عندما تكون متعبة أو تشعر بالضيق .. كانت تتمنى أن تخبرها بمكانها منذ البداية وتقص عليها ما يشغل خاطرها حينها ولكنها كانت تخشى أن توقفها فيما أرادت فعله .. إبتسمت تلقائيًا عندما تذكرتها فلاحظ يوسف تلك البسمة وقال متسائلًا :
– خير ؟!
ردت ولا تزال البسمة مرسومة على ثغرها :
– أبداً .. أصلي أفتكرت نور .. وحشتني أوي
تغيرت معالم مجهه إلى الضيق والشرود ولم يرد، فلاحظه أمير وقطب حاجبيه بعدم فهم لينظر إلى سلمى في المرآه، نظرت إلى يوسف لتتأكد من نظرات أمير لها وجدته عبوث الوجه صامتًا لا يتحدث بعد تلك الجملة التي كسرت بها صمتها طول الطريق .. فقالت باسمة :
– بتيجي على السيرة على الفكرة
أنتهت من هذه الجملة وبعدها مباشرة جاء ليوسف أتصال .. نظر لهاتفه وجد المتصل نور .. تردد كثيرًا على الإجابة عليها وتذكر المحادثة الأخيرة مع طارق ومنذ ذلك الوقت قرر أن يتجنبها ولا يتحدث معها، وإذا تحدث يكون بشكل سطحي ليس إلا ..
كررت نور الإتصال وكل مرة تطيل النغمة ولا يرد .. نظرت سلمى ﻷمير بغرابة وتساؤل ثم قالت :
– هي مش كده ؟
رد يوسف بضيق وبرود :
– ايوة
صاحت به :
– مترد يابني مستني إيه ؟!
لم يكن يريد الرد على الإطلاق ولا أن يحتك بها .. تردد كثيرًا ثم حسم أمره وأجاب بأقتضاب :
– ألو .. ايوة يا آنسة نور
تفاجئت نور برسمية في الحديث، فقد عادت كما هي فأرتسم على وجهها الدهشة .. فكانت سوف ترد عليه بلهفة ولكن رد فعله أوقفها على فعل ذلك .. فكسرها تمام .. فقالت بهدوء :
– أنت فين وقافل فونك من ساعة ما سيبتك ليه ؟
رد ببرود :
– كنت مخنوق شوية .. راجعين على إسكندرية خلاص ساعتين كده ولا حاجة .. لقيت سلمى
ردت بأحباط وفر الحماس من كلامها وروحها :
– إيه ده بجد ؟ .. الحمد الله لقيتها فين ؟!
أجاب يوسف بنفس النبرة :
– في الشاليه بتاعنا في مطروح .. عايزة حاجة تاني
شعرت بالضيق الشديد وكسرت نفسها من تلك الجملة الأخيرة التي جعلت دمعها متحجر في عيناها لتقول بضيق شديد ونبرة حادة :
– لا شكرًا
وجد بدون مقدمات إنهت المكالمة .. زفر بشدة وقوة بإرتياح نوعاً ما ممزوج بندم .
نظرت سلمى لأمير بصدمة وإندهاش من طريقة حدثه إلى نور .. وتعجبت كثيرًا من الأسلوب الذي لم تراه في أخيها إليها من قبل .. فصاحت به معاتبة :
– ممكن أفهم إللي عملته ده دلوقتي ؟
رد ببرود وضيق :
– عملت إيه يعني !!
صاحت سلمى بضيق وقالت :
– والله! مش حاسس بنفسك قلت إيه ؟! .. ده أنت كأنك بتطردها .. في إيه يا يوسف من أمتى وأنت بتعامل نور وبتكلمها بالجفاء والأسلوب البارد ده ؟
صاح بها بعنف فلم يستطع كبح ما بداخله أكثر من ذلك :
– مفيش يا سلمى .. من هنا ورايح هعاملها بالأسلوب ده وملهاش معايا كلام من أصله بعد كده .. خلاص ؟!
شعرت بالدم يغلي في عروقها وهي تنظر إليه بضيق وشراسة على أسلوبه معها وعن نور .. لا تعرف سر التحول العجيب الذي أصابه .. لم يكن كذلك ليلة زفافها فما حدث بينهم في فترة غيابها ؟ ..
شعرت بالخوف الشديد أكثر من رجوعها وفي أعماق قلبها تشعر بأن القادم سيكون أصعب بكثير مما تظن .. فمن تعتقد الذي سوف يقف معها تحول عليها وأصبح ضدها في ثواني معدودة .. صاحت في أمير الذي يستمع إليهم في صمت وما يدور حوله وما فاته من أحداث لعله يفهم وقالت :
– زود السرعة شوية يا أمير عشان نوصل بسرعة .. واضح أن ابن خالك اتجنن ومش داري هو بيقول إيه ولا بيتكلم أزاي
صمت يوسف لأنه شعر بأنه مخطأ التحدث هكذا مع سلمى وفي نفس الوقت يرى أنه من المفترض أن لا تتعدى علاقتهم بهذا الشكل وهذه أفضل معاملة .. وصمت تماماً طوال الطريق .
****************
منذ أن أغلقت الإتصال سريعًا وهي تفرك في يداها بعنف محاولة منها أن تكبح دموعها .. لم تتحمل أكثر من ذلك فنظرت لسميحة وقالت وهي تنهض
في الطريق معاه سلمى ساعتين وهيكونوا هنا .. بعد أذنك
سارت بخطوات سريعة أشبه بالركض إلى أن خرجت من باب الشقة ووقفت سميحة مذهولة مما رأته أمام عيناها فلم تفهم ما حدث، حتى لم تعطي لها فرصة واحدة للرد عليها أو تفهم سر تحولها أثناء المكالمة وهي تتحدث إلى يوسف للضيق الشديد .. والدمع المتحجر في عيناها يلمع كاللآلى الصغيرة .. مؤكد حدوث شيئًا ما .
تتجول بسيارتها وهي تزرف الدمع بغزارة، لم تستطع أستيعاب ما سمعته وتكذب نفسها بأنه لم يقصد .. لم تفوه بذلك .. أو أنها سمعت خطأ، ولكن لا، فأي محاولة منها لتبرير ما فعله لن تشفع له .. فأذناها صادقة ونبرته الباردة تترد فيهما كثيرًا من شدة الصدمة .
والسؤال الذي يلح عليها الآن لما ؟ لما تغير نحوها بهذا الأسلوب البارد الغليظ ؟ ماذا فعلت له لتكون رد فعله بهذا الشكل ؟ أي يكن ما حدث فكرامتها أعلى وأغلى من كل شيء، سوف تعامله نفس المعاملة وذات الأسلوب ولن تغيره أي أهتمام بعد اليوم ولا يوجد رابط بينهم بعد الآن، فسلمى قد عادت بحمد الله ولا داعي للأحتكاك ببعضهم البعض مرة أخرى .
مسحت دموعها بعزيمة وقوة إرادة وألتزم وجهها الجدية وقادت بأعلى سرعة متوجهة إلى منزلها .
******************
وصلوا الإسكندرية وهنا شعرت سلمى بالإضطراب والقلق الشديدين، كان الأمر بسيطة عليها نوعًا ما وهي هناك ولكن لا مجال للهروب بعد الآن، ما يشغلها لتوها كيف تواجه والدها ..
فمنذ آخر مشاحنة بينها وبين يوسف ساد الصمت على الجميع.. ولكن كسرتها وهي تقول بجدية وأصرار :
– أنا مش هروح البيت يا يوسف
ألتفت إليها وقال بضيق :
– لازم ترجعي البيت يا سلمى .. لازم تواجهي
ردت بحسم :
– مش وقته خالص دلوقتي .. لو روحت بالحالة دي هنفجر فيه وأنا مش ضامنة النتيجة إللي ممكن تحصل بيني وبينه
زفر بقوة ليقول بنفاذ صبر :
– لازم يشوفك بعينه ويطمن أنك رجعتي عشان يسكت
صرخت به بإنفعال شديد جعله يخاف عليها هو وأمير :
– عارف لو مريحتنيش يا يوسف هنزل هنا ومش هتشوفوا وشي بعد النهارده .. سامع ولا لا
صاح أمير بقلق في يوسف .. يخشى بالفعل فقدانها هذه المرة، ورغم طبيعة سلمى الهادئة ألا أنها مجنونة بالفعل في أي قرار تصدره .. فيجب مسايستها على الأقل الآن :
– خلاص بقى يا يوسف سيبها براحتها .. الحمد لله إنها رضيت ترجع معانا أصلًا .. ما أنت عارف سلمى لما تصمم على حاجة دماغة صرمة قديمة
نظرت له سلمى بحدة وعيناها تطلق شررا عليه لتقول بصرامة :
– امييييييييير
تنهد أمير وقال سريعًا :
– مش دي الحقيقة .. خلاص أسمع الكلام بقى يا يوسف
زفر بضجر ليقول :
– اومال هتروحي فين يعني ؟
نظرت له في المرآه لتقول بقوة وثبات :
– عند عمتو
*****************
وصلت نور الفيلا والضجر والتحدي يملئان وجهها، صعدت إلى غرفتها سريعًا قبل أن تراها تهاني .
بدلت ملابسها ودخلت لتستمتع بحمام دافئ بعد طيلة هذه الأيام المجهدة، فحمداً لله على عودتها .. تذكرت عودة سلمى فأمسكت بهاتفها وحاولت الإتصال بوالدها مغلق أو غير متاح .. فنهضت من فراشها ونزلت تركض على السلم إلى أن وصلت غرفة مكتب والدها .. قرعت سريعًا ثم أدلفت إلى الداخل لتتفاجئ بعدم وجوده في الغرفة .. خرجت ونظرت في ساعة يداها وجدتها الثانية عشر وموعود رجوعه ساعتان من الآن .
زفرت بضيق فقد نسيت تمامًا أن تمر عليه قبل ذهابها إلى المنزل .. وقفت تفكر مليًا إلى أن صعدت لغرفتها وأحضرت حقيبتها وهاتفها ونزلت سريعًا .. خرجت وأستقلت سيارتها وقادت مسرعة متجهة إلى شركة الجوهري مؤكد إنه هناك .
وصلت نور وصعدت إلى مكتبه ودخلت على الفور .. تفاجئ محمود بها كثيرًا فرحب بها .. لتجلس نور قباله وهي تقول
بدون أي مقدمات ودون الإلتفات لهاشم :
– بابا سلمى رجعت
سقط القلم من بين يداه وهو ينظر لها متفاجأ ليقول بجدية :
– بجد يا نور ؟ كانت فين ومين إللي لقاها ؟
ردت بهدوء :
– يوسف وأمير ابن عمتهم .. اتاريها كل الفترة دي قاعدة في الشالية بمطروح عشان كده مكناش لاقينها هنا
زفر براحة وقوة وهو يحمد الله على عودتها، دخل هاشم في الحوار بعد صمته طيلة محادثتهم ليفول بإنفعال :
– وأنتِ عرفتي منين ؟.. كلمتي يوسف ؟
أرتسمت بسمة مصطنعة لتقول :
– عرفت من طنط سميحة .. لسة جاية من عندها من شوية .. كنت عايزة أطمن على سلمى وأي أخبار عنها بعد مقابلة حضرتك السمجة
نظر لها هاشم بضيق ثم نظر محمود إليها ليقول وهو يعقد جبينه بضيق :
– عملك حاجة ؟!
ردت نور سريعًا حتى لا يفهم خطأ ولكن بإنفعال :
– لا بس أسلوبه معايا معجبنيش على الإطلاق .. تصور بيدعي عليهم !! أد كده مش طايقهم قال إيه معطلين مصالحه .. ده أنا أدعي على ابني وأكره إللي يقول آمين .. هو فيه كده ؟!
صاح بها محمود مدافعًا :
– يعني شايفة عمايل صاحبتك دي تصح ولا متصحش لما تهرب وتسيب بيت أبوها يوم فرحها .. الناس يقولوا علينا إيه ؟
صاحت نور هي الأخرى :
– لا ميعجبنيش وأنا قولت لحضرتك قبل كده .. بس بردو أنت السبب الرئيسي مش هي .. مش كفاية شبكتها السودة بعاصم إللي فضل يخونها ويطلع عينها سنة بحالها لما كنت في غيبوبة .. تقوم عشان صفقة تجوزها لاخويا غصب
نهض وطرق بشدة وعنف على سطح المكتب ليقول :
– مصلحة الشركات تحتم الجوازة دي تحصل
رمقته نظرة غاضبة لتقول بجدية وصرامة :
– لا يا هاشم بيه بل مصلحتك أنت مش مصلحة الشركات .. بابا عمره ما فرض علينا أي حاجة غصب عننا ومكناش نتصور في يوم أننا نتحط في موقف زي ده .. الصفقة دي بوظت حياتنا وعلاقتنا ببعض كلنا وكل ده عشان إيه ! شوية فلوس !
صرخ بوجهها بعصبية شديدة فلم يحتمل على مواجهتها .. فما تقوله هو الحقيقة التي يتفاداها دوما ولا يريد الأعتراف بها :
– نور أنتِ ذوتيها أوي .. وأنا ساكتلك عشان أبوكِ .. ما تشوف بنتك يا محمود مهماش كبير ولا صغير
رمقها نظرة تحذيرية وهو يقول بضيق :
– ميصحش كده يا نور .. متنسيش أنه زي والدك وأبو صاحبتك .. عيب كده
صاحت والدمع متحجر في عيناها :
– لا يا بابا مش زيك .. حضرتك عمرك ما غصبتنا على حاجة مش عايزينها .. ثم مش دي الحقيقة ها .. مش قادرة أشوف اختي وصاحبتي بتتعذب أكتر من كده وأقعد ساكتة مبعملش حاجة أنا تعبتلها حرام بجد .. كفاية هنسكت لحد أمتى !!
أردف محمود باسماً ليهدأ من روعها قليلًا :
– هدي أعصابك يا بنتي دي عادة هاشم ولا هيشتريها .. ربنا يهديه ويصلح حاله وربنا يستر على سلمى لما ترجعله
تنهدت نور بحزن وقالت وهي تشرد عيناها في الفراغ :
– عندك حق يا بابا ده إللي راعبني في الموضوع كله، من طريقة كلامه عنهم حسيت إنه ممكن يستبيعهم في ثواني
نظر إليها هاشم بضيق وعنف :
– مش هتعلميني يا بشمهندسة ازاي أحافظ على مصلحة ولادي .. يكونش أذتهم وأنا مش واخد بالي
نظرت له بإستنكار شديد وهي ترفع أحد حاجبيها .. كادت أن ترد ألا قاطعها محمود ورد في إهتمام شديد وقال :
– إن شاء الله خير .. ثم أنا مش هسمحلك تأذيها ولا تيجي جنبها أصلًا .. هما فين دلوقتي ؟
تنهدت وأجابت :
– زمانهم جايين في السكة .. ركبوا من زمان
صمت قليلاً ثم قال :
– قولتي لأخوكِ ؟
نظرت له بضيق شديد فهم ما تود قوله، وتذكر ما حدث بينهم .. فقالت ببرود وضيق شديد :
– لا ومش هقوله
******************
بعد مدة من الزمن وصلوا الثلاثة إلى الإسكندرية متجهين حسب الإتفاق إلى سميحة ..
هرولت سميحة على الباب بعد سماع الجرس .. فتحت ووجدت سلمى أمامها والدموع متحجرة في عيناها، تحتاج أن تضمها إلى صدرها بحب الأمومة التي حرمت منه ..
شعرت بها سميحة ونزلت دمعة من مقلتيها فكسرت عليها نفسها .. جذبتها إليها بقوة إلى أن أرتمت في صدرها وبكت، أخذت تربت على ظهرها بعطف وحب وهي حزينة للغاية على الحالة التي تبدو عليها والشعور الذي يقطن فؤادها .
تأثر أمير بهذا المشهد فإبتسم وقال مازحًا :
– طيب ننقل المشهد الرومانسي ده جوة عشان الجيران
إبتسمت سلمى وخرجت من أحضانها وجلسوا جميعًا في الصالون والصمت عم على الجو بشكل كبير والعيون رنت إلى سلمى مما أدى شعورها بالتوتر والإرتباك .. لا تعرف ماذا تقول، فهي معترفة منذ البداية ما قامت فعله كان خطأ منذ البداية ولكن لم يكن لديها خيار آخر تلجأ إليه .
قطعت سميحة الصمت موجهة حديثها لسلمى قائلة :
– ناوية على إيه يا سلمى
تنهدت بقوة ثم قالت بحيرة كبيرة :
– مش عارفة .. خايفة من المواجهة .. خايفة من إللي جاي .. مش مطمنة خالص مش عارفة ليه
ربتت على ظهرها لتقول بهدوء وحب :
– لازم المواجهة يا حبيبتي .. هتفضلي هربانة لحد أمتى ؟ مصيرك في يوم ولازم تواجهي الواقع .. الحقيقة عمرها ما هتتنكر
ردت بحزن وشرود :
– ما هو ده إللي أنا خايفة منه .. بس مش هقدر أرجع البيت دلوقتي
إبتسمت سميحة وقالت :
– خلاص أنتِ كده كده قاعدة معايا مونساني ولو أبوكِ نطق بكلمة ساعتها أنا إللي هقفله
ارتسم على محياها بسمة عريضة ودلفت إلى صدرها وقالت بحب :
– ربنا يباركلي فيكِ يا عمتو وميحرمنيش منك أبدًا
ضحكت سميحة وقالت :
– ولا منك يا بنت الغالية
ضحك أمير وقال مازحًا :
– مين أدك يا عم .. سوسو بنفسها في صفك أهو
نظرت سميحة إلى يوسف الذي لاحظت منذ قدومهم بسكوته وضيقه .. فقالت متسائلة :
– مالك يا يوسف في إيه .. من ساعة ما جيت ولا حس ولا خبر
نظر أمير إليه موجها الحديث لأمه بعتاب :
– قوليله يا ماما .. من واحنا في العربية وقفل مع نور السكة وهو بوزه شبرين
ألتفتت إليه بغرابة لتقول :
– ليه بس يابني إللي حصل ؟ أنت شديت مع نور ولا حاجة ؟ حتى نزلت وشها مخطوف ومضايق أوي قولت أكيد حصل حاجة
وجهت سلمى الحديث ليوسف وهي تنظر لسميحة بعتاب هي الأخرى :
– مهما عملتي يوسف مش هيتكلم يا عمتو .. واضح أن اليومين إللي فاتوا غيروه أوي .. كان هو ونور زي السمن على العسل
صاح بهم بإنفعال وشدة وهو ينهض :
– يوووووه وبعدين معاكوا أنتوا الاتنين هو أنا ناقص
أمسكت ذراعه وقالت :
– أهدى بس يا يوسف .. إللي جرالك يابني
رد بنفس الحالة والنبرة :
– مفيش بس ياريت محدش يفتح معايا الموضوع ده تاني
ربتت على ظهره لتقول :
– ماشي يا حبيبي هدي نفسك بس
سار بضعة خطوات ثم قال :
– أنا رايح الشركة أبلغ بابا برجوعك
نظرت له سلمى بشك وعتاب وهي أكيدة على أنه يخفي عنها شيء، شيئًا ما حدث بينه وبين نور ولا يريد البوح به .. فلم ترد عليه فقط رنت له .. بإنفعال من نظراتها خرج سريعًا وأرطدم الباب بشدة أفزع الجميع .. لتقول سميحة بفزع :
– لا حول ولا قوة إلا بالله .. ماله الولا ده جراله إيه
ردت سلمى بثقة وجدية :
– متأكدة أن في حاجة حصلت بينه وبين نور ومش عايز يقولها .. بس أنا وهو والزمن طويل
*****************
وصل يوسف الشركة وهو مضطر ولا يريد لقاء والده حتى ولكن يجب أن يخبره بعودة ابنته .. قرع على الباب ودخل
تفاجئ بوجود نور التي رمقته بغضب وأدارت وجهها للناحية الأخرى في برود ولا مبالاه .
رحب بمحمود وجلس بجانبه قبال نور التي لم تعيره أي إهتمام على الإطلاق والذي لاحظ توتر علاقتهما ويتابعها في صمت محمود .. فقال بهدوء وهو ينظر إلى نور :
– أظن الآنسة نور بلغت حضراتكوا بوصول سلمى ؟
نظر له هاشم وقال بغضب :
– وهي فين دلوقتي ؟
رد بهدوء :
– عند عمتو .. رافضة ترجع البيت دلوقتي
قرع بشدة وعنف على سطح المكتب ليقول :
– يعني إيه رافضة .. هتستعبط دي ولا إيه
صاح به يوسف :
– بابا .. بركة أننا لاقيناها أصلًا .. محتاجة تريح أعصابها وبعدين نتكلم ونتفاهم
صاح بغضب ليقول بصوت أعلى :
– نتفاهم إيه وزفت إيه والشركة لسة بعتالنا الميل الفجر بتسأل .. لو الجواز متمش في ظرف يومين هنروح في داهية واختك هتتجوز برضاها أو غصب عنها
صاحت بعنف :
– كفاية بقى
لم تتحمل أكثر من ذلك، نهضت نور وغادرت الغرفة والشركة بأكملها .. اندهش يوسف من مغادرتها فجأة ثم قال :
– مفيش حاجة بالغصب بعد كده .. لازم نتفاهم وأنا مش هسمح إللي حصل ده يحصل تاني .. عن أذنك
غادر يوسف على الفور والدم يغلي في عروقه، لا فائدة من الكلام أو الحوار على الإطلاق .
أستقلت سيارتها وظلت تتسكع بها قرابة دقائق لا تعرف إلى أين تذهب في هذا الوقت .. قررت أن تعود لمنزل سميحة .
****************
تجلس سلمى في غرفتها تفكر ماذا فعل يوسف وما رد فعل والدها عندما علم بعودتها، وقرار المكوث مع سميحة هذه الفترة ؟ .. لا تعرف ماذا تفعل إذا أجبرها والدها على الزواج رغم عنها مرة أخرى، فلم تتوقع أبدًا أن يعثر عليها يوسف في الشاليه .
سمعت جرس الباب فأنتفضت من مكانها ذعرًا، حسبت القادم يوسف يخبرها بآخر الأخبار .. لكن لم تسمع صوته بالخارج، دقائق وسمعت قرع على الباب لتدخل نور على الفور .
تفاجئت سلمى وفرحت لرؤيتها وكذلك الأمر نور فقد أشتاقت إليها كثيرًا بالرغم من المتاعب التي حصلت عليها بغيابها .. قفزت سلمى وركضت نور وتبادلا الأحضان والقبلات بشدة وقوة ونور شرعت بالبكاء .. ربتت على ظهرها وأرتسمت على ثغرها بسمة صغيرة .
أبتعدت عنها وقامت بضربها بخفة على منكبيها لتصيح بها معاتبة بعنف شديد:
– عجبك إللي عملتيه ده يا سلمى ؟.. بسببك دخلنا في مشاكل ملهاش أول من آخر .. أياكِ تعملي كده تاني يا حيوانة أنتِ
جذبتها إليها مرة أخرى إلى صدرها وبكت بشدة .. ربت سلمى على ظهرها وهي تشعر بأشتياقها وحبها لها :
– خلاص .. أنا هنا يا نور
ردت ببكاء وعتاب :
– وحشتيني .. وحشتيني أوي يا سلمي .. متعرفيش اليومين دول من غيرك مروا ازاي
أبتعدت عنها لتقول وهي تمسح وجهها :
– إللي حصل .. إللي خلاكِ تفكري بالطريقة المجنونة دي يا هطلة أنتِ
إبتسمت سلمى بحزن ومسكت يداها لتجذبها بجوارها على الفراش وبدأت بالردف :
– عقلي مكنش مطاوعني أبدًا .. كنت حاسة أني برمي نفسي في النار .. مش قادرة أستوعب لحظة اني ممكن في مسافة شهور هبقى مطلقة وأنتِ عارفة كويس نظرة المجتمع المتخلف للمطلقات عاملة ازاي .. مش هترحم من كلام الناس ولا عيونهم .. وأنا يا نور مكنتش هقبل على نفسي أعيش مع واحد ولا بحبه ولا بيحبني ولا طايق يبص في وشي أصلاً .. زيي زيه مغصوب على الجوازة دي والسلام .. مكنش قدامي حل إلا كده وكنت عارفة العواقب إللي هتحصل بعد إللي هعمله .. بس قلت مش هاجي على نفسي أكتر من كده
تسمعها نور ولا تدري ماذا تقول، تشعر بالشفقة على حديثها وما مرت به .. تخيلت ولو للحظة بأنها مكانها .. لم يتثنى لها التخيل من شدة ما وقع بها .. تنهدت وقالت :
– المهم هنعمل إيه دلوقتي ؟
زفرت سلمى بشدة لتقول بحيرة :
– مبقتش عارفة حاجة يا سلمى .. خلاص مبقتش فارقة
إعتدلت جلستها وقالت بلهفة :
– يعني هتتجوزي طارق؟
رمقتها سلمى نظرة غاضبة لتقول
– نعم .. لا طبعًا بس أكيد في حل بعيد عن اخوكِ
تنهدت نور وقالت بحزن :
– طارق مش وحش أوي كده يا سلمى .. هطلع أتصل بماما أطمنها
*****************
بمجرد خروجها إلى الطالة لتجري الإتصال وجدته أمامها .. تقابلت عيناهم دون أبداء أي كلمة .. فقط عيناهم من كانت تتكلم .. حزن، خيبة أمل، ضيق .. آسف، عتاب ..
*********************
إلي هنا ينتهى الفصل الرابع والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر