رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الخامس
~~الرساله الخامسه~~كان ذلك أصعب نهار يمرّ عليّ، و أنا في قاعة الإنتظار .. كل من في المشفى تتربع على رأسه علامة الاحتيار .. تلك العجوز الجالسة بقربي تدلك أقدامها والمرض ينهشها ..
آه من صورتها لا تزال بين عيناي وهي على وشك الانهيار ..
رضيع في الجهة الأخرى تحيطه والدته بعناية فوقها عناية.. وقُبلات والده تنهال عليه بلا نهاية..
هذا قادم نحو حياة .. والآخر يودع بلا مبالاة!
كم كانت تلك الغرفة ملبدة بغيضة .. تستلقي أنت على أحد أسرتها يا أبي.. لقد تبدلت ملامح وجهك البهيجة بأخري منكمشه متعبه.. كل هذا التعب قد أخفي ابتسامتك العريضة..
إبتسامتك التي تلاشت عن مَبسمِك يا أبـي!
بِفعـلي.
قد كُنتُ دومًا سببًا في شقائِك ، منذ إفتعالي المشاكل مع الأطفال في الصِغر و حتي رشدتُ ما زلتُ أضع قدماي بالمشكلات عمدًا.
و لكني دومًا كنتُ ألجأ إليك لحلّها ، كنت أصيبُ يداي عنوةً لتدللني و تضعني فوق قدماك الحانية و تطيّب لي جُرحي!
كنت أغترُّ أمام أصدقائي بوجودك يا أبي..
أتصنع الحزن فتدللني و أتصنع المرض فتحتضنني و تبكي لأجلي مرات..
أنت كنت الجميع و الكلّ يا أبي.. و ما زلت.
أنت الوحيد الذي لا يليق بهِ التخلي.
أكتب لك تلك الرسالـة و أنا علي يقينٍ تام بأنك ستقرأها ، أعلمُ أنك الآن تجاهد كي تعود إليّ..
لن تتركني وحيدة في وسط الظلام ، أعلم بأنك حتمًا ستنهض و تنتشلني..
أنتظرك يا عزيز قلبـي ”
طوت الورقه سريعًا عندما تقدمت منها الممرضه و وضعتها في حقيبتها ثم نهضت و سألتها: بابا فاق؟
أجابت الأخري بعملية شديدة: إدعي له.
تحدثت بعصبيه مفرطه وقالت: هو أنا مستنياكي تقوليلي أدعي له!! بسألك فاق ولا لأ؟
أجابت الممرضه ببرود: لسه مفاقش، إدعي له.
و تركتها و غادرت إلي غرفة مريض آخر لتبقي شارده تفكر فيما آل إليه حال والدها لينتشلها من شرودها صوت رنين هاتفها فأجابت : ألو.. أيوة يا عمي متولي.
تسائل متولي بقلق: أيوة يا آصال يا بنتي أومال المهدي فين؟ منزلش علي القهوة زي ما بينزل كل يوم و برن عليه بيديني جرس ومحدش بيرد..
تنهدت آصال بثقل: إحنا في المستشفي يا عمي..
قاطعها الآخر متسائلًا بلهفه: مستشفي؟! ليه؟! المهدي تعبان صح؟ أنا قلبي حاسس والله..
حاولت التماسك قليلًا فقالت: تعب فجأه و جينا عالمستشفي بس مش عارفه أطمن عليه، كل ما أسأل حد يقوللي مفاقش!
_طيب أنا جاي حالا أنا وأحمد.. سلام دلوقتي.
إنتظرت لدقائق عدة مرت كأنها الدهر ، تتخيل أن والدها سيخرج من تلك الغرفه الكئيبه التي يختبأ بها و يفتح ذراعيه لتركض هي مسرعةً و تحتضنه ..
و لكنّ الدقائق مرت تتبعها ساعات وهو لا يزال رابضًا هناك..
إنتبهت إلي صديق والدها “متولـي” و ولدهُ “أحمد” يركضان بإتجاهها فنهضت عن مقعدها تستقبلهما..
توقف أمامها متولي متسائلًا بلهفه: ماله المهدي يا آصال؟
لا إراديًا إنهالت دمعاتها كسيلٍ جـارف وأجابت: مش عارفه يا عمي ، محدش هنا بيفهمني حاجه ..أنا خايفه علي بابا أوي..
ربت فوق رأسها بحنوٍ و أردف: متقلقيش يا بنتي إن شاء الله خير.
و نظر إلي إبنهِ وقال: خليك مع آصال علي ما آجي يا أحمد.
إنصرف و تركهما سويًا …
كان “أحمد” يودّ المبادرة بالحديث و لكنّ بكاؤها منعهُ ، ظل ينظر إليها وهي تنتحب بقهرٍ لا يعلم كيف لهُ أن يمنعها ففضّل الصمت.
كانا يقفان إلي جوار بعضهما البعض فأسندت رأسها قليلًا علي كَتِفه و قالت: حتي بابا هيسيبني يا أحمد!
و تابعت بيأس: طيب لو سابني أنا هكمل إزاي لوحدي؟!
نظر إليها مبتسمًا بود وقال: متقلقيش يا آصال، عمي هيبقا كويس وهيقوم بالسلامه إن شاء الله.
قالت بنياطِ قلبٍ متمزقه : كويس إزاي ومحدش راضي يفهمني حاجه، من إمبارح وكل حاجه مُبهمه ومش واضحه وكل ما أسأل يقولولي إدعي له.
ربت علي ظهرها وقال: متقلقيش ،دلوقتي بابا ييجي و يفهمنا كل حاجه.
رأتهُ يدنو منهما و وجهه مهموم ، يأبي النظر إليها لتتبيّن أن والدها قد أصابهُ مكروه..
قطعت المسافه بينهما و ذهبت إليه قبل أن يصلها وتسائلت بوچل: بابا ماله يا عمي..
أجابها وهو يخفي دمعاته : الحمد لله يا بنتي ، الحمد لله الذي لا يُحمد علي مكروه سواه..
مكروه!.. و هل أصاب والدها مكروه حقًا ؟!!
تسائلت و الخوف قد أكل داخلها: بابا جراله إيه يا عمي..
و امسكت بكلتا يديه تتوسلهُ: أرجوك متخبيش عليا، أنا أعصابي تعبت..
_ المهدي حصل له جلطه على المخ دخلته في غيبوبه..
أجابها في تأثر و حزن ثم إنخرط في بكاءٍ مرير و إنحدرت الدموع علي وجهه لتنظر إليه ثم تنظر إلي صديقها و قد رجت الصدمه كيانها فأطبقت عيناها لكي تسترد أنفاسها وقالت : يعني إيه؟! يعني هيفوق إمتا؟
أشار بسبّابته للأعلي وأجابها : ربك وحده أعلم يا بنتي..
أنهكها الحزن و نال منها الإعياء فخارت قواها و سقطت أرضًا..
أسرع “أحمد” يمسك بها و يساعدها على الوقوف مجددًا فـ راحت تنظر إليه و كأنها تستغيث به..
هو يشعُر بها الآن.. تحتاجهُ، تحتاج للإطمئنان بوجوده ، تودُ أن تخبره أن يبقي إلي جوارها لكي تتجاوز ما أصابها..
يعلم حبيبتهُ لا تقوي علي التجاوز بمفردها..
منحها نظرةً مُطَمئِنه وقال: هيبقي كويس يا آصال ، صدقيني والله هيبقي كويس.
أسندها لتقف و ساعدها علي الجلوس علي أحد مقاعد الإنتظار ثم قال لوالدهُ : أنا هخرج أجيب حاجه يا بابا وراجع..
أومأ لهُ بالموافقه فخرج مسرعًا و ذهب ليشتري بعض زجاجات المياه و القليل من الأطعمه المغلفه ثم توقف و إستل هاتفه من جيبه و قام بالإتصال بأحدهم..
…..
كانت تجلس وجهها مصفرٌ ، متلبدًّ ، تكسوه عِتمة اليأس و إلي جوارها صديق والدها الوفي يمسح علي رأسها ببعضٍ من آيات القرآن الكريـم.
إهتز هاتفها مسفرًا عن وصول مكالمه فأجابت : ألوو ، مين معايا؟
ها هو صوتهُ المُنفِر يتغلغل إلي أذنها إذ قال: وبعدين معاكي ؟! مش قولتلك مبحبش حد يتجاهلني؟ مصممه تخليني أزعل منك و أنا زعلي وحش.
إرتبكت و نهضت ثم خرجت من المشفي لتتحدث إليه وقالت: إنت إيه يا بني آدم؟! عايز مني إيه تاني ؟ إنت دمرتلي حياتي و أبويا بين الحياه والموت بسببك…
قاطعها قائلًا: لا بطلت أصدق الشويتين دول خلاص ، طلبي لو متنفذش أنا هنشر الصور ، تقوليلي بقا أبويا تعبان ، أمي بتموت مليش فيه، إنتي سمعاني؟.. ألو.. ألو..
كانت أنظارها مسلطه عليه هو فقط !
تراقب حديثه و حركات يده و إنفعاله وهو يتحدث في الهاتف..
حركات شفتاه وهو يتكلم تشبه حديث ذلك الشيطان الخفيّ..
و بمجرد ما إن رآها تحملق بهِ حتي أخفض الهاتف و أنهي المكالمه وهي لا تزال تتطلع نحوه بصدمه..
دنا منها مبتسمًا وقال: خارجه ليه يا آصال، محتاجه حاجه ؟
ظلت ترمقهُ بشك وقالت: كنت بتكلم مين يا أحمد؟
تنهد بإستياء وقال: ده جمال صاحبي، كنت بقولله يمضي مكاني في الشغل بس مش راضي..
نظرت إليه بعدم تصديق ليقول: مالك بتبصي لي كده ليه؟!
هزت رأسها بعدم إهتمام وقالت: لا مفيش..
_إنتي اللي كنتي بتكلمي مين ؟!
تسائل بعفويه فقالت بحدة: وإنت مالك كنت بكلم مين!
قطب جبينه متعجبًا حدتها المفاجئة وقال: طيب خلاص مش مهم أعرف، تعالي أنا جايبلك أكل و ميا..
نظراته لا توحي بأنه هو أبدًا ، دائمًا تري الصدق بعينيه ، حدسها يخبرها بأنه أنقي مما تظن و حدسها لا يخطئ أبدًا.
تنهدت بـ حيرةٍ تملكتها و سارت معهُ إلي أن عادا لمقاعد الإنتظار مجددًا و جلسا بجوار بعضهما البعض و بدأا يتقاسمان الطعام كعادتهما منذ الصغر..
كان يقسم الشطيرةِ إلي نصفين و يعطيها نصفها أولًا ثم يأخذ النصف الآخر ، تناولتها منهُ بإبتسامة حنين مخلوطه بالدموع …
تلك الدموع التي جففتها كفهُ الصغير يومًا ما.. و الآن يُعاد نفس المشهد لكنّ الحال قد إختلف..
….
في نهاية اليوم..
تحدث “متولي” إلي إبنه بهمس وقال: كلم تميم يا أحمد و بلّغه..
_أبلغه بإيه يا بابا؟! تميم لسه مسافر إمبارح..
=إنشالله يكون لسه مسافر النهارده ، ده عمه يبني و دي بنت عمه ولازم يكون جمبهم محدش ضامن إيه اللي هيحصل..
ذهب أحمد لمهاتفة “تميم” عبر الإنترنت فأجابه قائلاً: أيوة يا أحمد ؟
_ايوة يا تميم، أخبارك إيه؟
=أنا تمام، مال صوتك كده!
تنهد الآخر بثقل مردفًا : عمك المهدي..
تسائل تميم بلهفه مشوبه بالقلق: ماله عمي؟ تعبان؟
أجاب أحمد قائلًا بتأثر و شفقه: عمي المهدي جاله جلطه على المخ و دخل في غيبوبه بقاله ٢٤ ساعه!
_بتتكلم بجد؟! طب و إزاي محدش بلغني من وقت ما حصل ده، كان زماني دلوقتي في مصر!
=مين هيبلغك يا تميم ؟! آصال مش مركزه مع حاجه و إحنا أصلا لسه عارفين دلوقتي..
تنهد الآخر بحزن وقال: طيب خلاص، أنا هحجز علي أول طياره نازله مصر وفي أقرب وقت هكون عندكوا..
_ماشي يا صاحبي ربنا يقدم اللي فيه الخير ، تيجي بالسلامه.
=إن شاء الله ، آصال فينها دلوقتي ؟
أطلق أحمد تنهيدةٍ حارة وقال: هتكون فين !.. واقفه قدام الاوضه اللي فيها عمي..
برز صوت الآخر حزينًا مشفقًا وقال: ربنا يكون في عونها ، هروح أنا أحجز و أكلمك و لو حصل أي جديد عرفني..
أنهي أحمد المكالمه و عاد إلي حيث تجلس آصال فقال والده : روح يبني إرتاح شويه وإبقي تعالي ..
ربت أحمد علي كتف والده قائلا: لا يا بابا أنا مش هسيب آصال،إتفضل إنت..
كانت تنظر إليهم بأعين مشتته ،لم تنتبه إلا عند سماع قوله : كلمت تميم؟
أومأ أحمد موافقًا و همَّ بالحديث لتستوقفه آصال عندما هبت واقفه بحدة وقالت: إيه؟! تميم؟! مين طلب منكم تكلموه؟! مين قال لكوا إني محتاجاه؟
أصابهم الحيرة من أمرها و قال “متولي” : يا بنتي ده إبن عمك…
قاطعته وقالت: كان.. كان إبن عمي و كان أخويا وصاحبي.. دلوقتي هو مش أي حاجه.. هو مجرد بني آدم إسمي و إسمه بينتهوا بنفس اللقب بس!
أومأ أحمد لوالده بِـ نظرةٍ فهمها علي الفور و لم يجادلها وقال: خليك معاها يا أحمد ، أنا هوصل لحد البيت أظبط كم حاجه و أرجع علي طول بإذن الله.
غادر المشفي و عاد أحمد ليجلس إلي جوارها ملتزمًا الصمت كعادتهُ..
يعلم إنها لو ودّت الحديث ستبادر من تلقاء نفسها و إن لم تُرِد لن تفعل..
_ تميم ده خلاص أنا مسحته من حياتي بأستيكه.. مش عايزة أعرفه تاني و لا أشوفه نهائي..
إبتسم لصدق حدسه ، و تابعت: لو مكانش سافر يمكن مكانش حصل اللي حصل لبابا..
قطب جبينه بإستفهام وقال: مش فاهـ…..
_أحمد أرجوك متسألش.
هكذا قاطعته فأومأ موافقًا فقالت تستأنف ما بدأت : عمري ما حسيت نفس الإحساس اللي حساه دلوقتي..
إحتقنت عيناها بالدموع و تحرك ساكنها و بكت.. بكت حالها و فقدها و خوفها..
بكت و كأن دمعاتها باتت بلا ثمنٍ أو قيمه.
_أنا حاسه إن قلبي مكسور يا احمد..
قالتها وهي تنظر إليه فزفر بإختناق و أخرج سيجارةٍ قام بتدخينها علي مقربةّ منها..
رنّ هاتفها فأخرجتهُ و أجابت علي الفور: أيوة يا مستر معتز ؟
_أيوة يا آصال إنتي فين يا بنتي؟! هو اللي يغيب من الشغل ميستأذنش ؟!
حمحمت تجلي حلقها وقالت: أنا آسفه يا مستر معتز ، بس عندي ظروف ونسيت أستأذن من حضرتك أو علي الأقل أبلغ رقية..
_ظروف إيه خير؟! تعبانه ولا حاجه ؟
=لأ أنا كويسه ، بابا تعبان شويه..
_ لأ الف سلامه عليه ، إن شاء الله يبقي كويس.. طيب هتقدري تيجي بكره؟
تنهدت بثقل وأجابت بحرج: الحقيقه أنا مش عارفه هقدر أرجع الشغل إمتا!.. بس مش قبل ما بابا يبقا كويس..
أدرك مدي صعوبة الأمر فقال: طيب يا آصال إبعتيلي لوكيشن المستشفي..
_لا حضرتك ملوش لزوم تتعب روحك..
=لا تعب إيه.. مفيش تعب خالص.. إبعتي اللوكيشن وأنا نص ساعه وأكون عندك..
…
إلتقط سترتهُ و أغراضه من علي سطح المكتب و غادر مكتبهُ ليراه ” رياض” وهو يعبر الردهه مسرعًا فقام بالإتصال به..
_أيوة يا معتز، طاير علي فين كده؟!
=مفيش.. مشوار عالسريع وراجع..
_معتز قولتلك متمشيش قبل ما نخلص شغل، عايزين نخلص مراجعة الملفات قبل الإجتماع بقا الخميس..
=يا رياض ماشي فهمنا، قولتلك مشوار عالسريع وراجع..
فرك الآخر عينيه بإنهاك وقال: طيب، علي ما تخلص مشوارك بقا أكون روحت البيت و خدت شاور و شربت قهوتي و هات إنت الورق و تعالي نكمل شغل هناك..
_طيب ماشي تمام، سلام دلوقتي.
أدار محرك سيارتهُ و ذهب مسرعًا إلي المشفي بالاستعانه بذلك العنوان الذي أرسلته له.
وصل أمام المشفي و صف سيارتهُ و ترجل منها دالفًا إلي المشفي يبحث عنها بين الطرقات..
وجدها تجلس متكومة علي أحد المقاعد و ما إن أبصرها حتي دبت الشفقه في قلبه ..
دنا منها حتي توقف أمامها فنهضت لتصافحه بأعين شارده فصافحها و صافح ذاك الواقف إلي جوارها و الشرر يتطاير من عيناه..
_ ألف سلامه علي والدك يا آصال، شده و تزول إن شاء الله.
أجابت بتعب وحزن: شكرًا يا مستر معتز مكانلوش لزوم تعطل نفسك..
_لا أبدًا متقوليش كده.. و ياريت لو محتاجين أي حاجه قولولي وأنا أساعدكوا..
تمتم أحمد قائلًا من بين نزقٍ و ضيق: شكرًا ليك يا بشمهندس.
أومأ ببساطه وقال: أنا إتكلمت مع الدكتور قبل ما أطلع و فهمت منه وضع أستاذ مهدي و سألته كمان لو في ضروره يسافر يتعالج بره بس قاللي إن الحاله مش بالخطورة دي الحمد لله و إن كلها مسألة وقت ومفيش علينا غير إننا ننتظر..
أومأت آصال بتوكيد وقالت: شكرًا لإهتمامك يا مستر معتز ، كلك واجب.
أومأ مردفًا : الشكر لله أنا معملتش حاجه ، هستأذن أنا دلوقتي و بكرة بإذن الله همرّ عليكوا أشوف الأخبار..
تفوّه أحمد حانقًا : لأ ملوش لزوم..
نظر إليه كلاً من معتز و آصال بغرابة فقال: ملوش لزوم تتعب نفسك يعني..
تشدق معتز بلطف: لا ابدا مفيش تعب ولا حاجه ،عن إذنكوا..
….
إنقضت ليلتهما وهما ينتظران أمام الغرفه التي يرقد بها “المهدي” ، لقد كان ليلًا أطول من الدهر كله..
عنّفها ” أحمد” قائلا: كفايه سهر الليل كله عليكي يا آصال ، علي الأقل ترجعي البيت ترتاحي شويه وبعدين تعالي تاني!
أومأت برأسها أن لا وقالت: مش هتحرك لمكان قبل ما بابا يكون معايا ، إنت اللي لازم ترتاح و تاخد شاور و بعدين تعالي..
_وأنا مش هسيبك لوحدك.. لما بابا ييجي أبقا أروح..
إنتبه لدخول ” معتز ” فأدار وجهه بضيق وقال: إيه اللي جايبه ده!
تقدم منهم معتز و بيده أكياسًا بها أطعمه و مشروبات و قال: صباح الخير..
_صباح النور..
=إيه الاخبار ؟!
_زي ما هو!
زمّ معتز شفتيه بحزن وقال: طيب يلا افطروا، أنا قولت نفطر سوا قبل ما أروح الشركه..
أضاف أحمد بملل: تعبت نفسك ليه أنا كنت حالا هخرج أجيب أكل..
_لا أبدًا مفيش تعب قولتلك ، ومفيش فرق كمان..
هز الآخر رأسه و بدأوا جميعهم بتناول طعام الإفطار سويًا
…..
مع حلول المساء و بينما كانوا ينتظرون بقاعة الإنتظار دلف “تميم” إلي المشفي يركض بقلق و فزع و توقف أمامهم و سأل و عيناه مثبتتان علي ” آصال”..
_عمي عامل إيه دلوقتي؟!
أجاب “متولي” بعد أن أطلق تنهيدةٍ متعبه :حمدلله علي سلامتك يبني، إرتاح الأول ، الحمد لله علي كل حال!
أدارت “آصال” ظهرها وهي تبتلغ تلك الغصه التي توقفت بحلقها و إمتنعت عن النظر إليه..
_إيه اللي حصل؟! أنا ماشي وهو كويس!!
إستفزها سماع ذلك و نظرت إليه بنظرة إتهامٍ صِرف و لكنها لم تتحدث فقال “متولي” : محدش عارف إيه اللي حصل فجأه كده؟! أكيد زعل من حاجه..
و نظر إلي ” آصال” و سألها : في حاجه كانت مضايقاه يا بنتي؟!
أغمضت عينيها بألم و فجأه تنبهت حواسّها علي صوت رساله جديده ، رساله أخري من الهجين الشيطاني ، تهديد آخر سيدمي قلبها و يجعلها تتمني الموت في كل لحظة!
أخرجت هاتفها و فتحت تلك الرساله و قرأتها ” مع إني متعودتش أمشي علي مزاج حد بس إنتي تهون عشانك كل حاجه ، حبًا فيكي و مراعاةّ لظروف تعب باباكي أنا هصبر عليكي كمان أسبوع ، بس بعدها أنا مش هحن تاني ولا هلتمس أعذار ، هنفذ و ظي فرصتك الأخيره “.
شعرت بأن الهواء قد نفذ من حولها و قدماها لم تعد تحملها فترنحت بضعف ليسرع ” تميم ” ممسكًا بها وهو يقول بفزع : آصال مالك؟
نظرةٍ مقهورة كانت كل ما حصل عليه منها قبل أن تسقط أرضًا غائبةً عن الوعي…
…….
_ وبعدين ؟! حصللها إيه؟!
تنهد “معتز” بضيقٍ شديد وقال: فوقوها و كانت بتبكي بطريقه هيستيريه! عطوها مهدأ ونامت تاني..
زمّ ” رياض” شفتيه بتعجب وقال: أكيد اللي حصللها بسبب الضغط النفسي اللي هي فيه ، رأيي إن مش بس تعب باباها هو اللي مضايقها، أكيد البنت دي في حياتها تراكمات كتير ضغطاها و هي اللي وصلتها لحالة البكا الهيستيري اللي إنت بتوصفها دي.. الإنسان إستحاله ينهار من أول مشكله ، الموضوع بيبقا تراكمات..
أومأ ” معتز” مؤكدًا وقال: ده رأيي بردو.. مش عارف بقاا هيحصل إيه..
_هيحصل اللي ربنا عايزه.. المهم.. فوّقلي كده وراجع الملفات دي تاني عشان مش عايزين غلطه.. الملف ده بتاع التعديلات اللي عملناها علي…..
قاطعهُ رنين هاتف ” معتز ” فقال : مهو مش أسلوب شغل ده.. اقفل الزفت و ركز معايا..
نظر ‘ معتز ‘ بهاتفه وقال : دي ” زهره “!!
إلتقط “ريـاض” منه الهاتف و أجاب بحدة : أيوة يا زهره.. قولتلك مليون مره بلاش تتصلي علي معتز في وقت شغل..
ثم تنهد عندما إستمع إلي بكاؤها وقال: خلاص يا زهره متعيطيش، أوعدك يوم الأجازة هاجي لحد عندك و أخدكزو نقضي اليوم كله بره!
و إبتسم مردفًا بحنو : وأنا كمان بحبك يا حبيبة بابا.
……………………..