_الفصـل الثانـي عشر_
منذ أن غادرت مكتبه وهي شارده..
عادت إلي مكتبها علي الفور وأغلقت الباب خلفها ثم أسندت ظهرها إلي الباب وسحبت شهيقًا طويلًا ملأت بهِ رأتيها علّه يهدأ من حدة توترها.
طُرِق بابها فجأه ؛ ففتحت مسرعه لتجدها “رقيه” التي قالت ضاحكه: انتي كنتي واقفه ورا الباب ولا إيه؟
_آآ.. أنا كنت خارجه، في حاجه ؟
مدت إليها يدها ببعض المجلدات وقالت بتوسل طفيف: معلش يا آصال لو مش هتقل عليكي تكملي انتي الملفات دي وتوديها لمستر رياض بعد ما تخلصيها لأن ماما تعبانه ولازم أرجع البيت فورا.
أومأت بموافقه وقالت وهي تتناول الملفات من بين يديها: ألف سلامه عليها.
قبّلتها رقيه بغتةً بإمتنان وهي تقول: أنا متشكره جدًا يا آصال، انتي طيبه أوي بجد.
إبتسمت الأخري برحابة صدر وقالت: متقوليش كده يا رقيه احنا اخوات ، يلا اتفضلي إنتي وإبقي طمنيني عليها.
أخذت آصال الملفات وعلي الفور بدأت بمراجعتهم كما طلبت منها.
رنّ هاتف مكتبها فأجابت مسرعه: أيوة يا مستر رياض؟
_أنا معتز يا آصال!
تنحنحت بحرج وقالت: سوري يا مستر معتز..
قاطعها قائلاً: ايه الأخبار؟ خلصتي شغل؟
_لسه شويه، وكمان هكمل شغل رقيه لأن مامتها تعبانه وراحت لها.
=تمام ماشي ربنا معاكي، أنا قولت أطمن عليكي بس وأسألك لو حاجه واقفه معاكي..
_ميرسي يا مستر معتز، مع السلامه.
أنهت الإتصال وبدأت تطالع تلك الأوراق الموجودة أمامها بتركيز جاهدت كثيرًا أن تتحلي به.
نفضت ما برأسها من فوضي مراتٍ ومرات ولكنه عاد يقتحم مخيّلتها من جديد..
تنهدت بيأسٍ تملّكها ثم نهضت وخرجت من المكتب وذهبت إلى المغسل ، أنعشت وجهها بقليل من الماء البارد ثم خرجت لتعود إلى مكتبها قبل أن تصطدم بالمدعو “رضا” والذي كان يحمل فنجالًا من القهوة لينسكب فوق ملابسها فشهقت بصدمه وحسره في آنٍ واحد
إبتعد رضاا خطوات بتأثر وحزن وهو يبسط يديه أمامه معتذرًا ويقول: أنا آسف مخدتش بالي، معلش يا بنتي متأخذنيش.
تمتمت بضيق وهي تنظر إلي ملابسها وقالت: هعمل إيه أنا دلوقتي؟
_لا مؤاخذه يا بنتي أنا محرج منك جدا والله..
أومأت بإحباط وقالت: وإنت ذنبك إيه بس يا عم رضا، أنا عارفه انك مخدتش بالك، إتفضل إنت وأنا هتصرف.
رجعت إلي مكتبها وهي لا تزال تنظر إلي حالتها بضيق فقامت بجمع الملفات المطلوب مراجعتها ثم قامت بالإتصال علي مكتب رياض الذي أجاب بإنشغال: أيوة؟
تمتمت هي بحرج: أيوة يا مستر رياض، كنت عايزة أستأذن من حضرتك أكمل شغل في البيـ….
ليقاطعها قائلًا بصرامه: مينفعش طبعا دلوقتي، أنا لسه هحتاج منك شغل لما تخلصي اللي في ايديكي..
_ماهو….
=من غير جدال لو سمحتي.
تحدث بإقتضاب ثم أنهي المكالمه لتتحدث في نفسها قائله بحنق: والله إنك قليل الذوق!
نهضت عن مقعدها بعنادٍ تُجيده ثم إلتقطت حقيبتها وغادرت المكتب و منهُ إلى الشركه لتستقل سيارة أجره أعادتها إلي المنزل..
دخلت لتجد المنزل خـاويًا ، علي الأغلب لم يستمع والدها إلي حديثها وعاد ليباشر عمله من جديد.
قامت بتبديل ملابسها علي عجالةٍ ثم غادرت المنزل مره أخري وعادت إلى الشركه مجددًا.
…..
قام بالإتصال بهاتف مكتبها مراتٍ ومرات ولكنها لم تُجِب حتي أنهُ نهض وذهب إليها بنفسه و تفاجأ عندما رأي المكتب فارغًا..
عاد إلي مكتبهُ وجلس يستأنف عمله حتي إستمع إلي طرقات الباب فأذن بالدخول ظنًا منه بأنها من جاءت.
دلف رضا يحمل فنجالًا آخر من القهوة غير الذي إنسكب فتناولهُ ريـاض بحده وهو يقول: كل ده بتعمل فنجال قهوه!! لو حاسس انك كبرت ومبقيتش قادر تشتغل يبقا تقعد في البيت أحسن!
نظر إليهِ رضا بحزن بالغ وتمتم بأسف وغادر المكتب بصمت.
إحتسي قهوتهُ سريعًا وهو لا يزال يحاول الوصول إليها دون جدوي.
إستشاط غضبًا وثارت ثائرته فنهض ليقف مقابل نافذة مكتبهُ الزجاجيه وراح يدخن بشراهةٍ سيجارة تلو الأخرى.
رنّ هاتفهُ فأجابهُ: أيوة يا معتز؟ خلصت ولا لسه؟
_ خلصت إيه يا رياض هو في حاجه بتخلص!. بقوللك إيه أنا خلاص تعبت و جبت أخري ودماغي قفلت، أنا هروح وبكره نكمل..
قاطعه صائحًا بغضب أهوج: هو في ايه النهارده! كلكوا تعبانين وانا اللي هشتغل لوحدي!
رد معتز بغضب مماثل حيث قال: جرا ايه يا رياض وهو أنا كنت بلعب! منا من الصبح من الاجتماع ده للإجتماع ده وبعدها روحت الموقع، اهدي علي نفسك بقا!
رآها وقد ترجلت من سيارة أجره ثم دلفت إلي مبني الشركه فتحدث إلي معتز وقال: طيب اقفل دلوقتي.
جلس علي مقعدهُ وراح يطرق بيديه علي المكتب بعصبيه وتوتر بالغ ، إنتظر لحظات ثم قام بالإتصال بمكتبها مجددًا فأجابت: أيوة يا مستر رياض؟
_ هاتي الملفات وتعالي علي مكتبي فورًا.
أنهي المكالمه سريعًا فإزدردت ريقها بوجل ثم إتجهت إلي مكتبهُ وطرقت الباب ثم دخلت.
رفع ناظريه إليها بحده وثبات واضعًا مرفقيه فوق بعضهما وهو يقول: خلصتي مراجعة الملفات؟
تبيّنت حدته ليتفاقم توترها فقالت: لسه، كنت بــ….
قاطعها قائلًا بعصبيه: كنتي إيه؟ بقالك ساعه بتراجعي شوية ملفات!! إحنا مش بنلعب هنا يا أستاذه!! أظن المفروض تكوني عندك همه شويه عن كده، أنا كنت مقرر أخليكي تساهمي في تصميم المشروع الجديد بس الظاهر إنك مش هتقدري!
أثارت كلماته حفيظتها فنظرت إليه بضيق وقالت: حضرتك أنا رجعت البيت ولسـ….
قال وقد إنتفخت أوداجهُ وإحمرّت عينيه وإنتابتهُ عاصفةَ من الإنفعال: يعني إيه رجعتي البيت! هو أنا سمحتلك؟
_حضرتـ….
=إنتي مش في سويقه هنا يا أستاذه عشان تخرجي وتدخلي علي كيفك، إنتي في شركه وليها تعليمات وأصول واجب عليكي تتبعيها، وأظن إنك قولتيلي وأنا قولتلك لا..
_ مستر رياض أنا إضطريت أرجع البيت عشان هدومي اتدلق عليها القهوة بتاعة حضرتك، وكلمتك عشان أستأذن منك وحضرتك حتي مدتنيش فرصه أتكلم! كنت عايزني أعمل إيه؟ أفضل بهدومي كده؟!
أدار ظهرهُ إليها قائلاً بعدم إكتراث: اتفضلي علي مكتبك دلوقتي يا آصال..
إنفجرت الدماء في وجهها من شدة الغضب وخرجت عن صمتها فقالت بحده مماثله: آنسه آصال، لو سمحت مترفعش الألقاب.
عاد لينظر إليها بتمهل و بطء ونظر إليها مليًّا قبل أن يتفوه ببرود: اتفضلي علي مكتبك يا آنسه آصال..
غادرت مكتبهُ سريعًا وما إن دلفت مكتبها حتي إنفجرت باكيه وقد أحست بالإهانة لحديثهُ الحاد معها..
علي الفور إلتقطت قلمها وسحبت إحدي الأوراق وخطت بها إستقالتها وذهبت إلي مكتبهُ مرةً أخري ودلفت بعد أن طرقت الباب ثم وضعت أمامهُ الورقه..
كان منكفئًا يتابع عملهُ بتركيز فسألها دون أن ينظر إليها: ايه ده ؟
_إستقالتي!
حينها نظر إليها بأعين حاده كالصقر الذي يخطط للإنقضاض علي فريسته وقال وهو يضغط أسنانه بغيظٍ بالغ: للأسف مش هينفع أقبلها حاليا لأن زي منتي شايفه، عندنا ضغط شغل وعجز موظفين ،لكن أوعدك أول ما الدنيا تتظبط هقبلها من عنيا ،ودلوقتي اتفضلي علي مكتبك كملي شغلك..
حبست دمعاتها بصعوبه وإستدارت لتنصرف فإستوقفها قائلاً: إستني..
نظرت إليه مجددًا وقد ظنت بأنهُ سيعتذر عن أسلوبه المتعجرف ولكنهُ أزاد من غضبها عندما قال: التصميم ده محتاج مراجعه..
إلتقطته من بين يديه بصمت وغادرت المكتب بين ظل هو ينظر في أثرها شاردًا..
…
كلما حاولت أن تعمل بجديه وتنهي عملها سريعًا يمنعها بكاؤها الفيّاض..
إستمعت إلي طرقات علي الباب فإلتقطت محرمةَ جففت بها وجهها سريعًا وهندمت مظهرها وقالت: إتفضل!
دلف معتز بإبتسامتهُ المعهوده التي أجبرتها علي الإبتسام فقال: ممكن أدخل؟
إتسعت إبتسامتها أكثر وقالت: إتفضل..
جلس علي المقعد المقابل لها وقال وهو ينظر إليها بتفحص: إيه ده إنتي معيطه ليه؟
عادت نوبة البكاء لتهاجمها من جديد وقالت بحزنٍ شديد: أنا عايزة أقدم إستقالتي.
نظر إليها متعجبًا وقال: نعم؟! ليه حصل إيه؟! مين اللي ضايقك؟
أخفضت رأسها أرضًا فهز رأسه متفهمًا وقال: اممم.. يبقا أكيد أبو طويله.
إبتسمت رغمًا عنها فقال مستطردًا: أصل الحاله جاتله النهارده وطايح في الكل..
تسائلت بإستفهام: حالة إيه؟
إنحني بجزعه قليلاً مقتربًا منها وهو يهمس: أصل رياض وهو صغير كنا بنعالجه في العباسيه وكل مره يهرب..
ضيقت عينيها بشك فقال: اوعي تقولي إنك مش مصدقاني..
_لا طبعا مصدقه حضرتك..
زفر بملل وقال: بقوللك ايه ما بلاش حضرتك وأستاذ والكلام بتاع الناس المثقفه ده.. قوليلي يا معزوزي..
ضحكت ملء فمها وقالت بإستهجان: مين؟!
ظل هو ينظر إليها بثبات مبتسمًا وقال: تعرفي إن ضحكتك جميله!
تخضبت وجنتيها بدماء الخجل وقالت وهي تعيد خصلتها الشارده خلف أذنها: شكرا.
_لا بجد مش بحاملك والله ،ضحكتك كده تخلي الواحد نفسه تتفتح علي الحياه والشغل، تنسيني قرف الشركه والمشاريع ورياض والبلا الازرق..
ضحكت فضحك بدوره وقال: المهم….لحظه واحده..
قاطعهُ رنين هاتفه فأخرجه وقال: دي زهره، أكيد كلمت رياض وهو متعصب ونابها من الحب جانب.. استني أرد عليها.
_أيوة يا زوزي.. معلش يا روحي هو متعصب النهارده جامد، حتي أنا اتعصب عليا.. متزعليش نفسك هو دلوقتي يروق ويصالحك.. لا لا بلاش تكلميه دلوقتى خالص لانه عنده شغل كتير.. ماشي يا حبيبتي مع السلامه.
أنهي المكالمه لينظر إلي آصال والتي كانت تنظر إليه بذهول فهز رأسه بإستفهام لتقول بحرج: دي مرات مستر رياض؟
ضحك عاليًا وقال: تفتكري لو مراته هجرؤ أكلمها كده؟! ده كان يشفيني.. دي زهره بنته.
تقوّس حاجبيها بتعجب وقالت: بنته!!
أومأ مؤكدًا وقال: عندها ١١ سنه ،نسخه مصغره من رياض، بس الحمد لله وشها سِمِح شويه عن أبوها..
تسائلت بفضول: طيب ومامتها؟
_مامتها متوفيه..
نهض واقفًا وقال: هروح أنا أشوف إيه الأخبار وإنتي كملي شغلك وشيلي فكرة الاستقاله دي من دماغك، وخليكي عارفه إن رياض مبيستغناش بسهوله عن أي حد من الموظفين ،يعني متتكلميش في الموضوع ده تاني.
….
بعد أن أنهت عملها غادرت الشركه وإستقلّت سيارة أجره تقلها إلي بيتها..
الأفكار تعصف بها، علي الأغلب أن تلك المشاعر ستظلّ تعتريها على الدوام..
أغمضت عينيها وهي تسترجع ما حدث في الآونه الأخيرة ثم فتحت عينيها كمن لدغها عقرب وقالت: علي جمب لو سمحت.
توقفت السيارة وترجلت منها ثم قصدت سيارة أخري تقلها إلي وجهتها المنشوده..
….
توقفت أمام تلك المشفي تطالعهُ بريبه ،قدماها تتأرجح ولا تدري أتتراجع أم تتحلي بالشجاعه وتمضي قُدُمًا!
تقدمت وقد قررت أن تتظاهر بالثبات قليلًا ودلفت إلي الداخل..
_لو سمحت عاوزه أزور تميم كامل..
تسائلت موظفة الاستقبال وقالت: مين حضرتك؟
أخرجت بطاقتها الشخصيه وهي تقول: أنا بنت عمه.
إصطحبتها الموظفه إلي الغرفه الخاصه بهِ وتحدثت إليها بلطف وقالت: بعد اذنك الزياره متزيدش عن نص ساعه.
أومأت آصال بموافقه وطرقت الباب ثم دلفت…
رأتهُ يجلس ساكنا، ضامًا إليه رُكبتيه ودافنًا رأسهُ بينهما…
ما إن إستمع إلي صوت الباب حتي نظر بإتجاهه منتبهًا فرآها..
إبتسم إليها إبتسامةً صافيه وقال: كنت مستنيكي يا آصال..
ونهض فورًا راكضًا نحوها وإحتضنها بقوه وهو يقول: كنت عارف إنك الوحيده اللي هتسألي عني..
سالت دمعاتها شفقةً علي حالتهُ وتملصت برفق من بين يديه وقالت: عامل إيه يا تميم؟
أمسك بيدها وسحبها لتجلس إلي جواره وقال: إتأخرتـي ليه؟
حاولت التماسك وقالت: منا جيت أهو.. إنت عامل إيه؟
هز رأسه بقلة حيله وقال: كويس!.. قاعد لوحدي زي اللي مستني حكم الاعدا.م
_بعد الشرعنك..
هز رأسه بإقتضاب فنظرت إليه بترقب وقالت: بابا بيسلم عليك.
نظر إليها ويكادُ الشرر أن يتطاير من عينيه وقال بحده: هو عايز مني إيه تاني؟ مش كفايه فرقنا عن بعض!
قطبت جبينها بإستغراب جاهدت أن تُخفيه فأمسك بمرفقيها بقوة وقال: وإنتي!.. إنتي وقفتي تتفرجي مهانش عليكي تدافعي عن حبنا.. استسلمتي لرغبته.. إنتي متستاهليش الحب اللي حبيتهولك أصلاً
حاولت سحب يداها من بين قبضتيه العسيرتين ولكنه أحكم قبضته حولهما وقال: جايه ليه يا آصال؟! جايه تفرحي غيت وتعرفيني إنك مكمله حياتك عادي وأنا اللي مرمي بين أربع حيطان هنا؟!
_تميم أنا….
قاطعها وهو يقول مهتاج النفس: إنتي إيه؟ إنتي من النهارده ولا حاجه في حياتي.. امشي يا آصال، امشي ومترجعيش هنا تاني..
حاولت تهدأته فقالت بنبره أكثر لطفًا: تميم إهدي لو سمحت..
_متقوليش اهدااااا.. أنا هادي أهو وكويس.. إنتي ليه مش عايزه تفهمي إني بكرهك..أنا خلاص بقيت بكرهك ومش طايق أشوفك قدامي ، لو سمحتي امشي..
إنفرج باب الغرفه وظهرت من خلفه الممرضه التي نظرت إليها وقالت بحرج: لو سمحتي الزياره انتهت، اتفضلي بعد اذنك.
إلتقطت آصال حقيبتها وغادرت الغرفه والمشفي سريعًا.
…..
عادت إلي المنزل ودلفت غرفتها علي الفور وأجهشت في البكاء..
لم تكن تتوقع يومًا أنها ستراه بتلك الحال!
أنّبت نفسها كثيرًا علي ذنبٍ لم تقترفه ولا يد لها بهِ وفور أن توقفت عن البكاء أخرجت دفترها و قلمها و بدأت تكتب..
” أشعر بأني سيئه للغايه!
لم أكن يومًا أنوي أن أكتب تلك الكلمات ولكن علي الأغلب قد جاء حينها..
تلك ليست أجمل أيامي، ولا أسوأها!
أحلامي كلها كابوسيه..
أشعر وكأن العالم بأكملهُ قد سقط فوق كفي ولكني لم أكترث إلا عندما سمعت أصداء الإنهيار.
لم أجد حينها أحدًا إلي جانبي ، ولن أنكر أن الجميع مرّ من جانبي ولكنه… مـرّ.”
وضعت القلم من بين يديها وهي تنظر إلي تلك المشاعر المبعثره التي كتبتها و شردت بين الأحرف والكلمات إلي أن رن هاتفها فأجابت بإقتضاب وضيق: أيوة يا مستر رياض..
_مساء الخير يا آنسه آصال..
=مساء الخير،اتفضل حضرتك في حاجه؟
_آآآ.. الحقيقه أنا كنت عايز أعتذرلك عن الأسلوب اللي اتكلمت بيه معاكي النهارده ،لكن أنا كنت مضغوط ومتوتر جدا وقتها وموضوع الاستقاله بتاعتك ده كمان ضايقني جداا، وبكرر اعتذاري مره تانيه انتي عارفه انك ليكي معزّه عندي وأنا مكنتش أحب أتكلم معاكي باللهجه دي..
إنتابها الصمت ولم تعرف بماذا عليها أن تُعقّب علي حديثه فقال: معايا؟
_مع حضرتك.. علي العموم حصل خير.
=تمام ،يريت أول ما توصلي الشركه تشتغلي علي التصاميم اللي راجعتيها عشان نبدأ تنفيذ علي طول..
_بإذن الله.. مع السلامه.
أنهت المكالمه وألقت الهاتف علي الفراش بإهمال ثم أغلقت دفترها ونهضت لتضعه بخزانتها كالعاده لتستوقفها صورة والدتها ، أخرجتها ووقفت تنظر إليها حتي زحفت الإبتسامه إلي شفتيها..
رفعت الصوره إلي شفتيها و قبّلتها ثم ضمتها إلي صدرها وقالت بإحتياج شديد: وحشتيني يا ماما…أنا محتا…
بترت حديثها عندما إنفرج الباب بغتةً ودلف والدها مذعورًا يقول: آصال، تميم إنتحر!