_الفصـل الرابـع والثلاثــون_
كان رياض يجلس برفقة كلًا من والدته و زهره التي لا تنفك تتسائل بنفس الأسئله يوميًا.
إستمعوا إلي صوت رنين جرس الباب ومن بعدها مراد الذي عاد لتوّه من الشركـه فأسرعت نحوه زهره وهي تقول مصوّبه نظراتها العاتبه تجاه والدها : شُفت يا مراميرو.. كل ما أسأل بابي إمتا آصـال هتيجي تعيش معانا يسكت و ميردش عليا.
مسح مراد علي رأسها بحنان مردفًا وهو يتقدم بها إلي الداخل وقال: مهو قاللك قبل كده يا زهره إن آصال تعبانه ولما تبقي كويسه هتيجي علي طول تعيش معانا.
نظر إليها والدها مردفًا بضيق ونفاذ صبر وقال: ياريت بقا متسأليش نفس السؤال كل شويه.
_ بالراحه يا ريـاض مش كده. هكذا همست إليه والدته وهي تشير إليه ليهدأ ويتحدث إليها بلين أكثر فحاول كبح غضبه وضيقه و مسح علي وجهه متمتمًا بإستغفار ثم نظر إلي مراد وسألهُ : ها يا مراد إيه الأخبار ؟
_تمـام يا بوص .. كله تحـت السيطـره.
تفوه حانقًا وقال: أيوة يعني عملت إيه ؟!
_كسبناها طبعًا ، قولتلك هثبت نفسي وقد كان .. الصفقه اللي لهفناها من المستثمر الأجنبي دي هتصلح كل العك اللي حاصل الفتره اللي فاتت..
= عك؟! تسائل رياض بإستنكار وأردف: قصدك تقول إن إحنا كنا بنعك يعني؟!
_لأ طبعا يا رياض مش بالظبط كده .
= مش بالظبط آه .. علي العموم وريني شطارتك، عايزك تثبت إنك أكفأ مني أنا شخصيًا.
_إن شاء الله هيحصل.
طالعهُ رياض بحاجبين متقوسين ليردف الآخر متراجعًا : إن شاء الله هيحصل و أوريك شطارتي يعني .. ههه .. أكيد مفيش حد أكفأ منك يا بوص.
هز رياض رأسه بصمت قم نهض واقفًا وهو يقول: طيب يلا غير هدومك وإتغدي و متنساش علاجك..
_ وهغسل سناني و هشرب اللبن قبل ما انام حاضـر.
باغته رياض بصفعةٍ خفيفه علي مؤخرة رأسه وهو يقول بحنق: يا أخي متعرفش تسمع الكلام وإنت ساكت ؟! لازم تعلق؟!
تعالت ضحكات مراد ليستطرد رياض حيث قال: النهارده آخر جلسه في العلاج الطبيعي..
_إيه ده !! يعني مش هشوف روچينا تاني ؟!
=روچينـا مين؟! تسائل رياض بإستغراب ليجيبه مراد ببساطه قائلًا: روچينـا .. الدكتوره بتاعة العلاج الطبيعي.
= مممم.. إنت لحقت كوّنت صداقات مع دكاترة العلاج الطبيعي كمان!!
أومأ الآخر مؤكدًا وقال: أومممال .. أصل في دراسات بتقول إن كل ما كانت العلاقه بين المريض والدكتور وطيده ده بيأثر علي إستجابة المريض للعلاج وبيخليه يعني يتحسن أسرع.
= لا والله!! .. و الدراسات دي لأنهي باحث بقا ؟!
_لأ دي دراسات أنا اللي عاملها.
أفتر ثغره مبتسمًا رغمًا عنه و هز رأسه بيأس من مزاح شقيقه الذي لا يتوقف عند حد ثم تمتم وهو يتخطاهم : ربنا يهديك يا مراد.
ظل مراد ينظر في أثره مبتسمًا وعندما إختفي عن ناظريه توجه علي الفور إلي حيث تجلس والدته و قبّل وجنتها بقوه قائلًا : وحشتيني يا فرافيرو..
إبتسمت والدته وقالت وهي تهندم خصلاته المتمرده علي جبينه بيدها الحانيه: وإنت كمان وحشتني يا حبيبي ، طمني بقا يومك كان ماشي إزاي؟!
_لـوز اللـوز .. الإجتماع اللي حضرته كان فيه أربع قـطَـع إنما إيه..
رآها تقطب جبينها متعجبه وهي تقول بإستفهام: قِطَـع إيه؟!
_ ها؟ تسائل زامًّا شفاه بنزق ثم قال: لا متشغليش بالك بالكلام الفاضي ده يا ست الكـل ، المهم كنت عاوزك في موضوع.
أومأت برأسها بإنتباه ليقول بهمس: عايزين نرجع آصـال لرياض، إنتي مش شايفه بقا عامل إزاي!
تنهدت بضيق وقلة حيله وأردفت : آااه يا حبيبي .. صعبان عليا أوي يا مراد، أخوك كاتم في نفسه بالرغم من إن جواه كتيـر يا حبيبي.
أومأ مؤيدًا وأردف: رياض وإنتي عارفه طبعه مبيحبش يشتكي لحد، بس مينفعش نحط إيدينا علي خدنا كده ونتفرج عليه .. إحنا لازم نبدأ بنفسنـا.
_ ما انا قولتله هروح لآصال وأتكلم معاها ، وأديت شفت بنفسك قاللي لأ بلاش تحس إننا بنضغط عليها.
=سيبك منه.
نظرت إليه بتعجب وقالت: يعنـي إيـه؟!
=يعنـي تروحي لآصـال وتتكلمي معاها و تحاولي تهديها كده، مش أنا اللي هقولك يعني يا أمي .. اكيد إنتوا كستات عارفين مدخل بعض يعني و هتعرفي تدخليلها منين.
تسائلت بتوجس: طيب وإفرض رياض إتضـ….
قاطعها صافعًا جبهته بقوه وهو يقول بغيظ: ومين جاب سيرة رياض بس دلوقتي..
_طيب يا حبيبـي بالراحه علي نفسك مش كده.. خلاص مش هقول لرياض متقلقش.
=أيـوه كده تمام .. ولا تعرفي زهره حتي.
أومأت بموافقه وقالت: ماشي يا حبيبي حاضر.
قبّل وجنتها مجددًا ثم نعض وقال: أطلع أنا بقا أغير هدومي قبل ما تيجي” روچي “.
وراح يتحدث إلي نفسه وهو يصعد طبقات الدرج: هتوحشيني والله يا روچي، يا خساره !! الأيام الحلوه بتعدي بسرعه
…………
في المساء ، حيث كانت آصـال تتمدد على فراشها بشرود شاخصةً ببصرها بسقف الغرفه في حديث رقيه و طلبها منها حضور حفل زفافها.
لماذا لا يتفهمونها و ردركون مدي صعوبة ما تشعر به؟!
أنّي لها بالتجلد والصبر عندما تراه وكيف لها ألا تنهزم وتنهار قواها المزعومه!
هل يطلبون منها حقًا أن تتواجد معه في نفس المكان بعد أن حدث ما حدث ؟! غاضّين الطرف عن قلبها المكلوم وروحها الممزقه بفِعله!
كيف ستراه ؟! تستمع صوته ؟! تشتم رائحته وبعد ذلك يأمرونها بالثبات!
بالطبع لن تحضر ؛ كان ذلك آخر قرار قد توصلت إليه ومن بعدها نفضت رأسها من كل تلك الفوضي مما سمح لها أن تستمع إلي صوت والدها وهو يتحدث إلي أحدهم بالخارج فخرجت بخطيً حثيث لتستشف هوية القادم ولكنها تسمرت عندما رأتها.
جمدت مكانها بلا حراك إلي أن تحدث والدها قائلًا: تعالي يا بنتي سلمي علي الست فريده ..
نظرت إليها فريده بشفقه وتأثر عندما رأت هيئتها الشاحبه الذابله ثم قطعت هي الطريق إليها وإحتضنتها بحنوٍ بالغ وهي تقول: عامله إيه يا آصـال؟ .. طمنيني عليكي يا بنتي.
وجمت آصال وبقت ساكنه للحظات إلي أن أشار إليها والدها أن تجيب سُؤُلها فخرج صوتها مهزوزًا وهي تقول: الـ .. الحمد لله كويسه.
ربتت فريده علي ظهرها وهي تقول: وحشـاني والله يا آصـال..
حينها برز صوت مهدي وهو يقـول: خدي يا آصال الست فريده وإدخلي اقعدوا في الصالـون علي ما أعمل القهوه.
أومأت بموافقه وهي لا تزال علي نفس جمودها ثم تقدمت من غرفة الإستقبال وأشارت إليها قائله: إتفضلـي.
ولجت فريده إلي الداخل وجلست فجلست آصال علي مقعدٍ بمقابلها لتشير الأخري إلي المقعد المجاور لها وتحدثت إلي آصال قائله: تعالي يا بنتي اقعدي جمبي هنا.
علي مضض، أومأت آصال ونهضت ثم جلست إلي جوارها لمسك فريده بكفها وتحتضنه بين كفيها وهي تقول: عامله إيه يا حبيبتي..
_كويسه الحمدلله . أجابتها آصال بإقتضاب لتقول: كنت عايزه أجيلك من وقت اللي حصل واطمن عليكي لكن خُفت ترفضي تقابليني أو تفهمي مقابلتي غلط،عشان كده قولت أستني الجو يهدي والقلوب تصفي شويه وبعدين آجي.
ضحكت آصال ضحكتها الساخره المقتضبه تعقيبًا علي إحدي كلماتها بينما أردفت الأخري وقد إستشفت ضيقها و حنَقَها وقالت: أنا عارفه إن اللي حصل ده محدش يتهاون فيه، لكن إنتوا غير أي حد يا حبيبتي.. إنتوا الاتنين بتحبوا بعض ولازم تحافظوا علي حبكوا قدر الإمكان..
نظرت إليها آصال بهدوء وقالت: ريـاض اللي فرط في حبنا من الأول، ليه مقالليش الحقيقه من الأول وسابلي القرار إذا كنت أكمل ولا لا!! كان هيفضل مكمل في كدبته لحد إمتا؟! كان مستني إيه عشان يصارحني ؟!
_كان هيقوللك، والله كان مستني الفرصه المناسبه عشان يحكيلك كل حاجه حصلت.. صدقيني يا آصال .. رياض مش طبعه الكدب والملاوعه أبداا وإنتي عارفه كده كويس، كل اللي حصل إنه خاف من ماضيه يفرقكوا عن بعض وهو ما صدق لقاكي.. إنتي مش متخيله رياض بيحبك إزاي! إنتي العوض من ربنا بعد كل سنين الشقا اللي عاشها يا بنتي.
إحتقنت عيناها بالدموع أكثر ولم تقوَ علي الحديث لتربت الأخيره علي فخذيها وهي تقول: أنا مش جايه أضغط عليكي بكلامي ، أنا جيت لأنك تهميني ولأن إبني حاله متبدل من وقت ما بعدتوا ومبقاش هو رياض اللي نعرفه.. وعارفه إن حالكوا واحد.
تنهدت آصال بتعب لتردف الأخري : علي العموم يا بنتي ربنا يهدي الحال و يصلح ذات بينكم يارب.
نهضت وإحتضنت آصال التي بادلتها العناق بفتور ثم إستأذنت لتنصرف ليدلف مهدي وبيديه فنجالين من القهوه ليقول: علي فين يا ست فريده؟
_أستأذن أنا يا أستاذ مهدي..
=طيب اشربي القهوه قبلَ..
_معلش مره تانيه، بالإذن.
………….
حلّ الصباح المنتظر وجاء اليوم المنشـود الذي يترقبه الجميـع علي أحر من الجمر.
إستيقظ معتـز من نومه علي رنين هاتفه الذي دوّي عاليًا فأجاب الإتصال وهو لا يزال مغمضًا عينيه وقال: ألو..
_ كل دي رنات عشان ترد سيادتك ؟! وكمان لسه نايـم!!
تحدثت رقيه بصوتٍ حاد وعصبيه مفرطه ليجابـه عصبيتها بفتور وهو يقول: مالك بس يا رقوش متعصبه ليه يا روحي؟
صرت أسنانها بغيظ وقالت: هو إيه اللي متعصبه يا معتز ؟! شوف كده في ساعتك الساعه بقت كام!!
فرّق بين جفنيه بصعوبه وهو يطالع ساعة حائطه وقال ببرود: الساعه ٣ .
_ بس كده! مش شايف إننا متأخرين ولا حاجه؟!
=يا رقيه متشغليش بالك بالتفاهات دي.. هيحصل إيه لما نتأخر ساعه ولا إتنين!!
همّت بالصياح مجددًا ليقاطع ثورتها وقال: عالعموم أنا فُقت خلاص وكلها نص ساعه وأكون عندك..
_نص ساعه نص ساعه ؟! ولا النص ساعه بتاعتك دي هتمتد لبعد المغرب زي كل مره ؟!
=أهو إنتي اللي بتعطليني أهو، قولتلك نص ساعه وأكون عندك.. يلا سلام دلوقتي.
أنهي المكالمه وجلس فوق الفراش وهو يتمتم حانقًا: مستعجله دايماا كده! حتي يوم الفرح مستعجله .. فيها إيه يعني لو إتأخرنا ساعه ولا إتنين؟ هيجري إيه؟
ثم نهض بتباطؤ ومن ثم وقف يتطلع إلي هيئته المشعثه في المرآه وهندمَ شعره بيديه وهو يقول: عريـس أُبهـه!!
ثم توجه إلي المغسل ومن ثم إستعد سريعًا ليقوم بتوصيل رقيه إلي الفندق المقام به حفل زفافهما..
………..
في فندق gardenia 7 stars…
بعد مرور حوالي ساعتين كانت الفتاه المسئوله عن التجميل قد إنتهت من عملها ثم نظرت إلي رقيه وتسائلت بإبتسامه: إيه رأيك يا عروسه؟
نظرت رقيه إلي صورتها في المرآه وتوسعت إبتسامتها وهي تتفحص وجهها بإعجاب و رضي وقالت: تسلم إيديكي.. حلو جدا.
وعادت بناظريها إلي المرآه من جديد تنظر إلي زينتها التي أضفت إليها لمسةً ساحره و شردت وهي تتذكر آصال يوم كانت بمحلها وكانت تطالع نفسها بإعجاب وإنبهار.
أفاقت رقيه من شرودها عندما إستمعت إلي طرقات علي باب الغرفه فنظرت إلي والدتها بأمل وقالت بنبره متحمسه: دي أكيد آصال يا ماما.
علي الفور إتجهت والدتها لتفتح باب الغرفه ليصيبها الضيق و تنحّت جانبا حتي يتسني لإبنتها رؤية من يقف علي الباب لتنتقل عدوي الإحباط إلي رقيه بدورها عندما رأت ذلك الشاب يحمل فستان زفافها..
أخذتهُ منه والدتها ثم دلفت مجددًا لتقول رقيه وهي تنظر إلي إنعكاس صورتها بالمرآه من أمامها : معقول يا ماما مش هتيجي؟!
نهضت فاطمـه من مكانها ثم وقفت خلف رقيه تمسد رأسها وهي تقول بإبتسامه هادئه: متزعليش منها يا حبيبتي ، آصال مجروحه يا بنتي ولازم كلنا نعذرها.. أكيد خافت تيجي تتقابل هي ورياض جروحها تتفتح من جديد.
_بس دي وعدتنـي!!
=أكيد مرضيتش تزعلك ولا تمشيكي من عندها زعلانه عشان كده إضطرت تقوللك إنها هتيجي.
تهدّلت أكتافها بإحباط لتقول والدتها وهي تمسح على ذراعيها: لأ مش عايزين النظره دي.. متفكريش في أي حاجه دلوقتي يا حبيبتي عايزين اليوم يعدي وإحنا فرحانين كدا وكلنا حماس.. دي ليلة العمر يا بنتي.
…………
كانت آصال تجلس فوق فراشها وهي تضم ركبتيها إليها وتحيط جسدها بيداها شاردةً في اللاشئ..
طرق والدها باب غرفتها فقالت بصوتٍ ساكن: إتفضـل يا بابا.
أدار مهدي مقبض الباب بهدوء وإشرأب برأسه من خلف زاوية الباب المنفرج وقال: إيه ده! إنتي لسه ملبستيش يا آصال؟
_مش رايحه يا بابا. قالتها بإقتضاب أزعجه ليقلّب كفيه متعجبًا ودلف ليجلس إلي جوارها وقال: مش رايحه إزاي؟! مش رقيه جتلك لحد هنا ووعدتيها إنك هتروحي وتكوني جمبها من أول اليوم!
إلتزمت الصمت ولم تُجِبهُ ليقول بحده طفيفه: اما إنت مش ناويه تروحي وتقفي جمبها بتوعديها ليه؟!
_لأني كنت ناويه أروح يا بابا، بس طلع الكلام سهـل.. إنما لما فكرت فيها لقِتني مش هقدر..
ازالت تلك العَبرات العالقةِ بأهدابها الكثيفه ومن ثَمّ أردفت: مش هقدر أكون جمبها وأضحك في وشها واساعدها وأنا مجبوره.. معنديش طاقه ولا شغف لأي شئ.. مش عايزه أتحرك من مكاني.
و صاحت بحنقٍ وقهر قائله: هو ليه محدش قادر يفهمني؟!
تنهد بيأس وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله .. والله يا بنتي أنا ما بقيت عارف أقوللك إيه!! طيب حتي كلميها و إعتذري لها وهي هتعذرك.. قوليلها إنك مرهقه.. مش عارف اقوللك قوليلها إيه بصراحه.. قوليلها أي حاجه.
أومأت وأمسكت بهاتفها علي الفور ثم قامت بالإتصال بها لتجيبها الأخري علي الفور وقالت: أيوة يا آصال ليه مجيتيش؟
حمحمت آصال بهدوء وقالت بحرج: معلش يا رقيه متزعليش مني ، أنا بس مش قادره أخرج ولا أروح في مكان.. أرجوكي متزعليش مني.
برز صوت الأخيره متحشرجًا يرتجف وهي تسألها وتقول: طيب حتي مش هتحضري الفـرح؟!
آثرت آصال الصمت لتتسائل رقيه مجددًا بإستعتاب: مش هتحضري فرحي يا آصـال وتشاركيني فرحتي؟!! ده أنا مليش غيرك وإنتي عارفه..
_رقيـه إنتي عارفـ….
=عشان خاطري يا آصال.. لو لسه باقي ليا عندك خاطر تحضري الفرح وتخليكي جمبي. هكذا قاطعتها رقيه بإستجداء فلم يكن منها إلا أن أذعنت لمطلِبها وقالت: حاضر يا رقيه، هحضر الفرح أنا وبابا إن شاء الله.
تهللت أسارير رقيه فرحًا وسألتها بغير تصديق: بجد هتيجي؟!
_آه واللـه هاجـي، وإقفلي بقا عشان ألحق أجهز وأشوف هلبـس إيه.
=تمـام ماشـي .. وأنا هبعتلك صوره ليا بعد ما خلصت الميكب وقوليلي رأيك.
_لاا طبعاا متعمليش كده! .. إنتي مسمعتيش عن حاجه إسمها firest look ولا إيه؟!
ضحكت رقيه بأعلي صوتها بينما أردفت آصال قائله: أنا هبقاا أشوف بنفسي ، مع السلامه دلوقتي.
أنهت الإتصال وهي تزفر ذلك الهواء الذي إنحبس بصدرها طيلة المكالمه ثم حانت منها إلتفاته إلي والدها الذي يتطلع إليها بغير تصديق قائلًا: هتـروحـي الفــرح فعــلا !؟
أومأت بتأكيـد مردفـه: رقيــه محتاجانـي جمبهـا ومش قادره أزعلهـا في يـوم زي ده.
مسّـد رأسها مبتسمًا بحنــان ثم قـال: ربنـا يخليكـوا لبعـض يا بنتــي ويصلـح لك الحـال.
ثم نهض مستطردًا: يادوب تجهــزي نفسـك ، وأشوف أنا كمـان هلبـس إيه.
غــادر غرفتـها مبتسمًا بينما كانت هي تنظر في أثرهِ شارده، تفكر في الساعـات المقبله كيف ستمر!.
……….
توقفت رقيه أمام المرآه مأخوذةٍ بهيئتها الملائكيـه وهي ترتدي فستانها الأبيض ثم أفتر ثغرها عن إبتسامةٍ هادئه ما لبثت أن إتسعت أكثر وأكثر حتي تحولت إلي ضحكاتٍ عاليه إلتفتت من بعدها إلي أمها التي ضحكت بدورها وهي ترمقها بحبٍ وسعاده يمتزجان بالحزن والتأثر ثم تمتمت: بسم الله ما شاء الله.
_شكلي حلو يا ماما؟ .. هكذا تسائلت وهي لا زالت تنظر إلي نفسها وإلي فستانها بفرحه لتقول والدتها: زي القمـر يا حبيبتي.
لحظاتٍ و طُرِق باب الغرفه لتقول رقيه بحماس: ده أكيد معتـز.
إنفرج الباب و دلف خال رقيه متأنقًا بحلّتهُ السوداء الفخمه وعلي وجهه إبتسامةً واسعه ثم دنا من رقيه متمتمًا بصوتهُ الأجش وقال: بسم الله ماشاء الله ، كِبرتي وبقيتي عروسه زي القمـر يا روئه .. ألف مبروك يا حبيبتي.
إبتسمت رقيه إليه وتقدمت نحوه ثم إحتضنتهُ وهي تقول بإمتنان: الله يبارك فيك يا خالـي.
قبّل جبينها قائلًا: يلا بقاا أسلمك لعريسك اللي مستني علي نار تحت ده، كان عايز يطلع ياخدك من هنا بس أنا قولتله أبدّا.. لازم أنا اللي أسلمها ليك.
تأبطت رقيه ذراع خالها وسارت إلي جواره قبل أن تباغتهـا والدتها بزغرودةٍ صاخبه أجفلت علي إثرها ثم نظرت إلي والدتها التي تسير إلي جوارها وإبتسمت وهي تقول: يا ماما حرام عليكي إرحمي وداني ..
_فرحانـه بيكي يا رقيه. تحدثت إليها والدتها ببساطه لتقول رقيه حانقه: يا ماما ماتفرحي مع الناس يا مامــاا.. لازم يعني تفرحي جوه صرصور ودني..
لكزتها والدتها بكتفها بخفه وهي تقول: طيب مشّي يلاا .. مشّي وإنتي حلوه كده.
خرجت رقيه من الغرفه برفقة خالتها و دقات قلبها تتراقص فرحًا وحماسًا ثم هبطت الدَرَج وعيناها مثبتتان علي فارس أحلامها الذي ينتظر عند آخر درجات السلم يطالعها بحب وفرحه.
توقف خال رقيه أمام معتز وهو لا يزال ممسكًا بيد رقيه ثم صافح معتز محتضنًا إياه بحراره ومن ثمّ ترك يد رقيه التي إلتقطها معتز علي الفور وهو ينظر إليها بسرور وقد أشرقت عيناه بومضاتٍ عاشقه بينما هي كانت تنظر إليه بإعجابٍ شديد.
رَجُلَها يبدو وسيمًـا للغايـه تلك الليلـه، حلّتهُ السوداء تلك أضفت إليه وقارًا و جاذبيةً تليقان بهِ كثيرًا.
لمح معتز الإعجاب باديًا بعيناها ليعـدّل لِياقــة قميصـه بغرور وقال: شكلي حلو؟!
_حلـو جــ… إيـه ده!! .. المفروض أنا اللي أسأل السؤال ده علي فكره!.
رمقها بحب وهو يرفع يدها ليقبّلها ثم قال بصدق: شكلك زي القمـر يا روحـي .. إنتي في عنيا أحلي واحده في الكون كله .
إبتسمت وقد أكسبتها كلماتهُ دلالً و ثقه ثم سـارا سويًا بإتجاه داخل القـاعـه وقد صدح صوت الموسيقي الترحيبية لدخول العروسيـن مما جعل داخلها يرتجف من شدة الحماس..
إرتقـي صوت منسق الحفـل وهو يعلن قدوم المأذون فإتجهوا نحو الطاوله التي سيجلس عليها ثم جلس إلي جواره كلًا من معتـز و “محمود” خال رقيه.
وضع معتز قبضته بقبضة محمـود و أسند المأذون قبضته عليهما ثم تحدث في الميكروفون بصوتٍ حازم وألقي إلي الجميع أن : السلام عليكم ورحمة الله.
ردد الجميع خلفهُ السلام ثم تحدث مرةً أخري وقال: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له..
وتابع وهو ينقّل بصره بين معتز والحضور ويقول: يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:- ” يا أيُّها الذينَ آمنوا اتّقُوا الله حقَ تُقاته ولا تَموتُنّ إلا وأنتم مسلمون ° يا أيُها الذينَ آمنوا اتّقوا ربّكُم الذي خَلَقَكُم مِن نفسٍ واحده وخَلَقَ مِنها زوْجَها وَبَثَّ مِنهُمَا رِجاَلا كَثِيرا ونساء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.
وإستطرد وهو يخاطب الحاضرين ويقول: گما تعلمون أيها السادة لقد شرّع الله الزواج وجعلهُ شعيره من شعائر دينه الحنيف لما فيهِ مِن إعفافٍ وطهاره للمسلمين والمسلمات وحفظٍ من الوقوع في المحرّمات والفواحـ ـش ورعايتهما من الإستمتاع المحرّم .. و بالزواج تكون ذروة سنام التكامل بين الزوجين الذي يري كلا منهما في الآخر دنياه وأخراه.. لذا .. وبفضل الله وتوفيقه نعقد اليوم قران إثنين من أبنائنا ونسأل الله لهما التوفيق..
ثم نظر إلي معتز وقال: ردد ورايا يا بشمهندس.
أومأ معتـز بإيماءةٍ متحمسه وهو يراقب بعينيه عروسهُ الحسناء بشغف ليصدح صوت الشيخ الوقور يقول : أنا معتـز فؤاد كراويـه قد إستخرتُ الله و أطلب منك أن تزوجني موكلتك الآنسه رقيّـه سلطان عبدالمنعم البِكـر الرشيـد علي كتاب الله وسنة رسوله وعلى الصداق المسمي بيننا..
إبتسم معتز وإمتلأ فؤادهُ بهجةً وهو يردد ما أملاهُ عليه الشيخ وعيناه لا تحولان عن عروسهِ التي تبادله الفرحه بصمت لينظر بعدها الشيـخ إلي خال رقيه وقال: ردد ورائي لو سمحت .. وأنا محمود زكريـا المنشاوي قد إستخرتُ الله و زوجتك موكلتي الآنسه رقيّـه سلطان عبدالمنعم البِكـر الرشيـد علي كتاب الله وسنة رسوله وعلى الصداق المسمي بيننا.
حينها نزع المأذون قبضته من فوق قبضتيهما مرددًا: علي بركة الله..
…….
إشتعلت الأجواء حماسًا عندما بدأت الموسيقي الصاخبه تكتسح المكان وتنتصر علي الهدوء عندما أعلن منسـق الحفـل عن وصول المغني المشهور ” محمد حماقـي ” ليستقبلهُ الجميـع بترديد كلمات أغنيته التي بدأت تعلو في الخلفيـه..
صافح العروسين و توسط ثلاثتهم المسرح حيث بدأا معتز ورقيه يتراقصان علي أنغام الأغنيه..
حلوة وبتحلي أي مكان وتنوره
والله ما تلاقوا زيها ، لفوا الدنيا ودوروا
دي جمالها معدي واللي يشوفه بيقدره
والله ما تلاقوا زيها ، زيها مين بتهزروا
كان معتز يمسك بيد رقيه اليسري بيده اليمني وبيده الأخري يحيط خصرها بقوه نظرًا لقربهما الشديد ويردد كلمات الأغنيه وهو ينظر إليها بهيام بينما تتغنج هي وهي تحيط رقبتهُ بيدها اليمني..
تؤمر تتأمر ماهي دي اللي عليها منمر
طبعا حقها تدلع تتبغدد أوي تتمنع
قصاد الغمزة إحنا تلامذة
قصاد المشية إحنا الحاشية
ودي السلطانة وتتسلطن
نغني معاها ونتسلطن
……..
بينما بالداخل تصدح أصوات الموسيقي العاليه كان رياض يقف بالقرب من باب الدخول حيث يستقبل مجموعه من كبار رجال الأعمال والشخصيات العامة المعروفه الذين أتوْا تلبيةً لدعوته و دعوة معتـز إلي أن خفق قلبهُ بقوه فجأه فنظر علي مرمي بصرهُ ليجدها وقد ترجّلت لتوّها من سيارة الأجره و ها هي تسير إلي جوار والدها بإتجاه داخل القـاعـه..
حاول تنظيم أنفاسهُ المتسارعه وهو لا يزال شاخصًا ببصرهُ نحوها وكأنما لا يوجد بالمكان بأكمله سواها.
شملها بنظرةٍ متفحصه متحققه ليشتعل فتيل غضبهُ عندما وجدها ترتدي فستانًا غير الذي أرسلهُ إليها ولكنه لم يُطِل التدقيق بشأن الفستان كثيرًا ثم إستعد لإستقبالهما حيث كانا علي بُعد خطوتين منهُ أو أدني.
هيّأ نفسه بالكامل، جسدهُ، جوارحهُ، صوتهُ، حتي يديه لإستقبال كفّها الحاني وقد تأججت مشاعرهُ بالكامل شوقًـا إليها ولكن تحطمت آمالهُ و خبتت عزيمتهُ وإنهزمت أشواقهُ أمام قسوتها عندما مرّت بجوارهِ وكأنها لم تَرَه ، متجاهله إيّاه ببساطه وهي تسير بشموخ و إنفـه ليزدرد ريقه كابحًا لجام غضبه و توترهُ و حزنه ثم نظر بإنتباه إلي والدها الذي توقف أمامه مبتسمًا بلطف و مدّ يده ليصافحه فصافحه رياض وإحتضنهُ بودّ فقال الآخر: مبروك لمعتز يابني ، ربنا يصلح لكوا الحال جميعًـا.
ربت رياض فوق كتفهِ وهو يقول: اللهم آمين ، متشكر يا عمي ، إتفضـل..
…………
الورد اتنقى بالواحدة عشان خدها
يا جماعة مش ممكن لأ
دي لا قبلها ولا بعدها
ما بتدلعشي ماهي دلوعة لوحدها
الرقة يا ناس رباني ، رباني يا ناس بُعدها
كان معتز يحتضن رقيه بكلتا يديه ، غامرًا إيّاها بسعاده وقد تناسي الكون جميعهُ بينما هي تحتضن وجهه بكفّيها وعيناهما مثبتتان ببعضهما البعض وهما ينسجمان مع كلمات الأغنيه تاره و تارةً أخري يتوقف هو عن التحرك سامحًا لها التدلل بين يديه..
أنا مش حتكلم أنا رافع إيدي مسلم
القد يا ناس يتدرس منه الغزلان تتعلم
قصاد الغمزة إحنا تلامذة
قصاد المشية إحنا الحاشية
ودي السلطانة وتتسلطن
نغني معاها ونتسلطن
إنتهت الأغنيه حيث توقفت الموسيقي ليعلو تصفيق الجميع ومن بينهم كانت آصـال التي إنتظرت ريثما تنتهي الأغنيه حتي يتسنّي لها مصافحة العروس.
كانت تطالعهما بفرحه و تأثر في آنٍ واحد ، تجاهد كي لا تتذكر تلك اللحظات المشابهه التي عاشتها من قبل ، إتسعـت إبتسامتها عندما رأت معتز وقد حمَلَ رقيّه و دارَ بها وسعدت كثيرًا برؤية الفرحه تحفهما والسعاده تغمرهما.
إتجهت نحو رقيه لرؤيتها عن قرب لتتسع حدقتي الأخري ورددت بغير تصديق: آصــال!.
نَظَر معتز إلي حيث تشير بعيناها فـزمّ شفتيه بأسف وحزن وهو يراها تدنو منهما وقد إنطفأت ملامحها و تبدلت لأخري منهزمه.
إحتضنت آصال رقيه بقوه وهي تغمغم بفرحه: ألف مبروك يا حبيبتي..
ثم إبتعدت عنها قليلًا وهي تطالعها عن قرب وتقول: جميله أوي يا رقيه ، ربنا يتمم لك بخير يا روحـي.
_إزيك يا آصـال؟ برز صوت معتز مترقبًا فإلتفتت نحوه وصافحته بإبتسامه صادقه وقالت: الله يسلمك يا بشمهندس معتز، ربنا يتمم لكوا بخيـر إن شاء الله.
إنتبهت علي مجئ والدها الذي صدح صوتهُ من خلفها وهو يقول: ألف مبروك يا بشمهندس..
صافحهُ معتـز بحراره وإحتضنه بتقدير وهو يقول: متشكر يا أستاذ مهدي ، ربنا يبارك في حضرتك.
صافح مهدي رقيه بدورها ثم قال: مبروك يا رقية يا بنتي، ربنا يجعلها جوازة العمر إن شاء الله.
صافحتهُ رقيه بفرحه وإمتنان وقالت: ربنا يخليك يا عمي متشكره جدا، عقبال آصال إن شاء الله..
أرخي شفتيه بإبتسامةٍ لطيفه ثم نظر إلي آصال قائلًا: تعالي يا لـولـو نقعد إحنا.
_ رقيـه يُستحسن متتكلميش إنتي ، كلامك هيعمل مشاكل..
صاح معتز خانقة لتقول رقيه متعجبه: ليه هو أنا قولت إيه؟!
_ومش عارفه كمان قولتي إيه؟! هو إيه اللي عقبال آصـال؟!
و أشار إلي حيث يقف رياض وقال: و دراكولا اللي واقف هناك ده مش مالي عينك ؟! ده كويس إنه مسمعكيش كان قفللنا الليله بدري..
_أنا أقصد يعنـ..
=ولا تقصدي ولا متقصديش، متتكلميش خاالص النهارده ، إرقصي وإنتي ساكته.
حينها تحدث منسق الحفـل في الميكروفون داعيًا العروسين ليتشاركا رقصةً هادئه علي ألحان إحدي الأغاني الأجنبيه..
………
كان يراقبها بعينين ثاقبتين لا يحول ببصرهِ عنها وهي تجلس إلي جوار والدها تراقب تراقص العروسين وتناغمهما سويًا بأعين شارده لينقبض قلبه وإهتز داخله عندما عَلِمَ ما مرّ بخاطرها.
لقد تذكرت ليلتهما عندما كانا يتعانقان وكأن لا شئ بإمكانه تفرقتهما عن بعضهما البعض مهما حدث و لكن تأتي الرياح بما لا تهوي السفن دائمًا.
إشرأب برأسه قليلًا عندما لمَحَ زهـره وهي تدنو منها بفرحه ثم إحتضنتها بقوه فبادلتها الأخري العناق بحراره و لَكَم حقَدَ علي إبنته التي حظت بعناقها الدافئ فضلًا عنهُ.
…..
_ وحشتينـي خاالص يا آصال.
تحدثت زهره بعينان مملوئتان بالحنين وقد إحتضنتها بإشتياق فشددت آصال من ضمها إليها وهي تقول بصدق: وإنتي كمان وحشتيني جداا يا زهره، أخبارك إيه؟
_ I am fine ، إنتي بقيتي كويسه؟
أومأت آصال بإبتسامه وهي تعيد خصلات شعر زهره إلي خلف أذنها وقالت: الحمد لله بقيت كويسه..
تهللت أسارير زهره و صفقت بحماس وهي تقول: يعني هتيجي تعيشي مع بابي؟
إبتلعت زهره لعابها بتوتر وهي تحاول التملص من الإجابه ولكن الأخري دفعتها إلي الزاويه أكثر عندما قالت: بابي قال إنك تعبتي يوم الفـرح عشان كده الفـرح باظ، وقال إنك لما تبقي كويسه هتيجي تعيشي معانا.
_إيه الحلاوه دي يا زوزو؟! برز صوت مهدي مقاطعًا حديثهما فزفرت آصال بإرتياح بينما دارت زهره حول نفسها بدلال مبتسمه لإطراء الجد وقالت بسعاده: إيه رأيك يا جدو مهدي ؟!
_زي القمـر يا روح جدو مهدي ، قرّبي..
أشار إليها بالإقتراب ففعلت ليهمس بجوار أذنها قائلًا : أحلي من آصـال .. ومن العروسـه نفسها.
إبتسمت بجبورٍ شديد لما أطرب أذنيها بهِ ثم نظرت إلي آصال وقالت: آصال كمان زي القمـر.
إبتسمت آصال بهدوء وإنتبهت إلي أصوات تصفيق الحضور مجددًا عندما إنتهت رقصة العروسين لتصفق إليهما بإبتسامه ثم عادت مجددًا إلي شرودها.
……..
مرّ بعض الوقت بين رقصات العروسين وتنقلهما من فقرةٍ إلي أخري و توديعهم لمطربٍ وإستقبال آخر لتنظر آصـال إلي والدها وقد زحف الضجر إلي معالمها وقالت: كفايه كده يا بابا، يلا نمشـ…
بترت حديثها عندما إستمعت إلي صوت طنين خافت ينبعث من الميكروفون ثم خفتت الأضواء و بدأت تلك الموسيقي التي إستطاعت تمييزها بقلبها أن تسود الأجواء من حولها قبل أن تسري فيها تلك الرعشه لمّا رأتهُ يجلس خلف البيانـو وقد تسلطت عليه بقعةٍ دائريه من الضوء.
أغمض عينيه وبدأ يضرب بأصابعه فوق مفاتيح البيانـو وهو يتغنّي بإحساس ..
Stay here one more time
Remind me what it’s like, oh
And let’s fall in love one more time
I need you now by my side
It tears me up when you turn me down
I’m begging please, just stick around
I’m sorry, don’t leave me, I want you here with me
I know that your love is gone
I can’t breathe, I’m so weak, I know this isn’t easy
Don’t tell me that your love is gone
That your love is gone
I’m sorry, don’t leave me, I want you here with me
I know that your love is gone
I can’t breathe, I’m so weak, I know this isn’t easy
Don’t tell me that your love is gone
That your love is gone
لا تذهب الليلة
ابق هنا مرة أخري
ذكرني كيف يبدو الأمر ، أوه
ودعنا نقع في الحب مرة أخرى
أحتاجك الآن بجانبي
إنه يمزقني عندما ترفضني
أنا أتوسل من فضلك ، فقط استمر
أنا آسف ، لا تتركني ، أريدك هنا معي
أعلم أن حبك قد ذهب
لا أستطيع التنفس ، أنا ضعيف للغاية ، أعلم أن هذا ليس سهلاً
لا تقل لي أن حبك قد ذهب
أن حبك ذهب
………………….
حاولت تهدأة نُسق أنفاسها المتسارعه وقد إنسكبت الدموع من عيناها تسير على جانب خديها فنهضت وإلتقطت حقيبة يدها ثم تحدثت إلي أبيها بإقتضاب: أنا رايحه التواليت..
أسرعت إلي مكان الخلاء بأقصـي القاعه و بمجرد ما إن دلفت حتي إنفجرت بالبكاء المريـر لدقائق لم تعلم عددها لتفزع فجأه عندما شعرت بإقتراب أحدهم منها لتستدير بقوه بينما وضع هو كلتا يديه أمامها وهو يقول: متخافيــش.. ده أنا.
حملقت بهِ بعينيها الغائرتين وعلي الفور صاحت بغضب: إنت إيه اللي جايبك ورايا؟
_آصـال إحنا لازم نتكلم.
زمجرت بهِ بغضب وقد جن جنونها وبرز صوتها حدًا كما لم يعهدها من قبل وقالت: مفيش ولا حرف ممكن نقوله ، إتفضل إمشي..
وتابعت وهي تلتقط حقيبتها وتتحرك من أمامه بفوضي وعشوائيه وقالت: ولا خليك ، أنا اللي همشـي.
أمسك بخصرها بإحكام وهو ينظر إليها بقوه ويقول بصوتٍ صارم: آصـال إحنا لازم نتكلم ، ولازم تسمعينـي!
أحكم قبضته حول خصرها ليتفاقم غضبها وهي تحاول الفرار من بين قبضتيه دون جدوي فنظرت إليه وقالت بعصبيه: ريـاض سيبني..
تقابلت عيناهما ليغوص هو بهما هائمًا و تنقلت عيناه علي وجهها كاملًا ثم إستقرت علي عيناها مجددًا وأردف بلوعةٍ: وحشتينـي.
غصّ قلبها وإرتجفت بين يديه إثر نبرتهُ المقهوره ونظراتهُ التي تتغلغل بأعماقها فإزدردت وأشاحت بوجهها لتكف عن تفحصه كالبلهاء وعادت لتدفعه بصدرهِ من جديد وأردفت بغيظ مكتوم: ريـاض سيبني، بلاش حد يدخل ويشوفك ماسكني كده..
_ اللي يشوف يشوف .. إنتي مراتـي يا آصال. أردف بحده وصرامه فنظرت إليه بإستنكار وتفوهت بغضب: هتطلقنـي غصب عنك.
تجهم وجههُ وإفترسهُ الغضب وهو يردد كلماتها بعقله ثم قال : أطلقك؟!! ده أنا أموّتك وأموّت نفسي بعدها أرحم من إني أفرط فيكي.
_هه . ضحكت بسخريه مقتضبه وأردفت وهي تنظر إليه بإستهزاء بيّن وقالت: مش مستبعده إنك تعملها ، مانت متعـود.
أغمض عينيه يعتصرهما بندم وأردف بإنكسار: أنا آسـف.
إمتلأت عيناها بالدموع وشخصت ببصرها تجاهه وقالت بحزن شديد: آسـف علي إيه بالظبط؟! إنك خدعتني و كدبت عليا و داريت عني حقيقتـك ؟! ولا علي يوم فرحي اللي إتحول لأتعس يوم في حياتي ؟! ولا علي كسرتي قدام الناس ؟! آسـف علي إيه بالظبط؟!
أجابها بعد أن إزدرد ريقه بحسره ومراره وقال وهو يحكم قبضتيه حول خصرها أكثر دون وعي : آسـف علي كل حاجه حصلتلك بسببي ، مفكرتش في يوم إني هتسببلك في كل الأذي ده. سامحينـي يا آصـال..
كانت تنظر إليه بتفحص وقد سمحت لنفسها أخيرًا بالتجول حول قسمات وجهه التي إشتاقتها كثيرًا وما إن إستمعت إلي كلماته الأخيره حتي أردفت بإستهجان: أسامحـك؟!
حرَرَت أخيرًا دمعةً عالقه بأهدابها وقالت وقد سالت دمعاتها فوق وجنتيها بقهر: أنا عمري ما هسامحك ولا هنسي اللي حصل لي بسببك .. يا ريتني ما عرفتك يا ريـاض.
أردفت الأخيره بقهرٍ ليقول بحزن وهو يزيل دمعاتها بأنامله : هعوضك عن كل حاجه حصلت بس سامحيني و إرجعيلي..
هزت رأسها بالسلب وهي تطالعه بعينين باكيتين وقالت من بين نهنهاتها ونشيجها المكتوم: مش هقدر يا ريـاض، إنت كسرتني وكسرت كل حاجه حلوه جوايا ليك، مش هقدر أسامحك وأنسي اللي حصل..
_هتقدري. .. أردف وهو يحيط وجهها بكفيه ويقول بلهفه وقد فاض الألم من عيناه: أنا هخليكي تنسي كل حاجه حصلت ، هتنسي اللي عشناه كله ومش هتفتكري غير الحلو وبس.. صدقيني.
= يا ريت ينفع أصدقك ، بس أنا خلاص مش قادره أصدق حد.. إنت ظهرت في حياتي وأنا مكسوره ، قلبي كان مكسور و بإيديك إنت رممت كل كسر جوايا ورجعتني أحب الحياه والناس من تاني..
وأردفت ببكاءٍ حار وقد تعالت شهقاتها من بين بكاءها : و باللي عملتهُ رجعتني لنقطة الصفر من تانـي ، كسرتني أكتر من الأول .. إستحاله هتقدر تصلح اللي إتكسر جوايا من تاني يا ريـاض.
_آصـال صدقـ…
بترت كلماته وهي تقول بحده وقد عادت إلي عنفوانها من جديد: رياض لو سمحت…
ولانت نبرتها وهي تستطرد: متخلنيش أكره الحته اللي لسه باقيه فيا.
تراخت قبضته من حول خصرها قليلًا لتتململ بين يديه بقوه عندما إستمعت إلي صوت حذاء أنثوي يطرق الأرض بإتجاههما فحررها من بين يديه لتتوجه إلي الخارج علي الفور.
تَبِعَها وهو لا يزال واجمًا ثم إبتعـد قليلًا وأخرج سيجارةٍ وبدأ بتدخينها وهو يسترجع حديثها و كأنه يستمع إليه للوهلة الأولي ، يتذكر كيف كانت تفاصيلها.. وجهها الشاحـب، ملامحها الذابله، عيناها الغائرتين بحزن.
لقد تبدلت حبيبته وأصبحت أنثي مكسوره لا يرممها ولا يجبرها ألف إعتذار.
……………..
كان الحفــل قد وصَلَ إلي ختامه وبدأ المتوافدون بإلتقاط الصور التذكاريه مع العروسين قبل أن يودعوهم منصرفين.
وصلت آصـال إلي الطاوله التي كان يجلس حولها والدها والذي وقف بإنتباه فور أن رآها وقال وهو يرمقها بتفحص: مـالك يا آصـال؟
هزت رأسها بالسلب وهي تقول: مفيش حاجه يا بابا.
بالطبع لم تقنعه إجابتها الواهيه ولكنه لم يكرر سؤاله فلقد حصل علي إجابته عندما لَمَح ريـاض وهو يتبعها بعيناه الحزينتان وينظر إليها بإنكسار وهزيمه.
_أنا هسلم علي رقيـه عشان نمشي. .. هكذا أخبرت والدها ثم توجهت علي الفور إلي رقيه وهي ترسم على وجهها إبتسامةٍ هادئه أجادتها قدر الإستطاعه ثم إحتضنتها وهي تقول: ألف ألف مبروك يا رقيـه.. ربنا يتمم فرحتك علي خير.
عانقتها رقيه بقوه مردفه بحب وإمتنان وقالت: الله يبارك فيكي يا لولو، متشكره جداااا إنك جيتي يا آصال بجد متحرمش منك..
_متشكره علي إيه يا عبيطه إنتي، هو أنا معقول مكنتش هحضر فرحك!
إحتضنتها رقيـه بسعاده وإعتدلتا بجانب بعضهما البعض ثم إلتقطا صورةٍ تذكاريه ومن ثمّ غادرت آصال برفقة والدها.
…………
صافـح معتـز الجميـع قبل مغادرة القـاعه وصولًا برياض الذي طالعهُ مبتسمًـا بفرحه وحب ثم إحتضنه وقال: ألف مبروك يا معتـز، ربنا يتمم لك بخير إن شاء الله.
_حبيبـي يا ريـاض الله يبارك فيك. قالها بينما يعانقه بسرور ومن ثمّ إستقـلّ سيارته وإلي جانبه عروسهُ الحسناء وإنطلقا إلي عش زوجيتهما.
توقفت السياره أمام الڤيـلا الخاصـه بمعتز ورقيه ثم ترجلا من السياره و دلفا إلي الداخل و الفرحه تعم الأجواء و بمجرد ما إن توقفا أمام الباب حتي صاح معتز قائلًا: إستنـي.
بترت رقيه خطوتها وهي تطالعهُ بتعجب ليميل بجزعه قليلًا ثم وضع يده خلف ظهرها والأخري أسفل ركبتيها ثم إنحني وحَمَلها بين يديه وهو يقول مبتسمًا: شوية حركات من اللي البنات بتحبهاا وكده عشان متقوليش إني مقصّر معاكي .
إرتفعت ضحكاتها ليقول ممازحًا: علي الباب كدهو ؟! طيب اصبري ندخل جوه.
دلف وهو يحملها ثم صفقَ الباب بقدمه ونظر إليها بإبتسامه مشاكسه وقال وهو يغمزها : تحبي تنزلي هنا ولا فوق؟!
_ فـوق. جاوبته بإبتسامه ليقول بتسليه: يا غـدار إنتَ.
تعالت ضحكاتها بينما صعد للطابق العلوي وهو حاملًا إياها بين يديه ثم دلف إلي غرفتهما و مال للجانب قليلًا و أوقفها أرضًا فراحت تتطلع نحوه بإبتسامه عذبه وهي تقول: أنا فرحانه أوي يا معتز ، مش مصدقه إننا أخيرًا إتجوزنا!.
مد يده إلي وجهها وأحاط وجنتيها بكفيه العريضين ثم إقترب منها أكثر ليلتصقا ببعضهما البعض ثم مال عليها و إقتنص من شفتيها قُبلــةً بطعم الرحيق الخالـص ثم إبتعـد عنها مبتسمًا وأردف يتساءل: كده صدقتـي؟
إبتسمت بسعاده و هزت رأسها بنفي ليقول: بردو ؟! لأ ده الموضوع كده ميتسكتش عليه.
أحاط خصرها بيديه بقوه و ومال يقبّلهـا بتعمق أكثر و يمنحها من فيضان عشقهِ زخاتٍ و زخات و ساد الصمـت بالكون أجمع سامحًا لهما بأن يسعدا بلحظاتٍ دافئه لم يُسمع فيها إلا صوت نبضات قلبيهما معًـا.
………