روايات رومانسيه

رواية في هواها متيم الفصل الثالث عشر

رواية في هواها متيم الفصل الثالث عشر ، من أشهر أقوال أبو بكر الصديق أصلح نفسك يصلح لك الناس. لا يكوننّ قولك لغواً في عفو ولا عقوبة. إذا فاتك خير فأدركه، وإن أدركك فأسبقه. أصدق الصّدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة.

١٣– ” يروقه شراستها “

لم يغمض له جفن فى تلك الليلة ، فبعد مرور يومان فقط ، ستبدأ أيامه السعيدة ، ظل يتقلب بالفراش يريد بزوع فجر اليوم الجديد الآن ، لعله يراها على نور الصباح

فشعرت به زوجته فأستدارت إليه قائلة :
–:” مالك يا فاروق عمال تتقلب ليه كده مش عارف تنام ولا إيه”

أدعى فاروق الكذب وهو يقول:
–:” لاء مفيش بس شربت قهوة فى العزا ومش عارف أنام أنا هخرج اتمشى برا فى الجنينة نامى أنتى يا حبيبتى”

داهم النعاس جفنيها ، فتثائبت وهى تقول:
–:” ماشى يا حبيبى تصبح على خير اليوم النهاردة كان متعب أوى”

عادت إلهام ثانية الى نومها ، فخرج ذلك الرجل الخبيث ، ولكن عوضاً عن الذهاب الى الحديقة ، كان يتسلل قاصداً غرفة ليان ، ظل يلتفت يميناً ويساراً يتأكد من عدم مجئ أحد ، فهو يريد رؤيتها ،لذلك مد يده على مقبض الباب يديره ببطئ ، ولكنه وجد الباب موصد بإحكام من الداخل
فسمعت ليان صوت أمام باب غرفتها ، ورأت تحرك مقبض الباب فابتلعت ريقها بخوف ، فمن يفعل ذلك ؟

تركت الفراش بحرص ، واقتربت من الباب بخطوات لا تسمع ، فنظرت من ثقب الباب ، لمحت أقدام شخص يقف أمام الغرفة ، ثوانى و ابتعد ذلك الشخص ، فأستطاعت ليان رؤية زوج والدتها ، فشعرت بالخوف يسرى فى أوصالها ، فماذا كان يريد منها؟

فتمتمت بخوف:
–:” وده كان عايز منى ايه هو كمان فى وقت زى ده خليك معايا يارب “

بعد أن فشل فى اقتحام غرفتها ، عاد الى زوجته مرة اخرى تلك المرأة الغارقة فى سبات عميق ، لا تنتبه الى ذلك الجالس بجوارها يكاد يموت غيظا مما حدث

فهمس فاروق بغيظ :
–:” هانت يا ليان بكرة تبقى تحت ايدى”

إبتسم ابتسامة ماكرة غادرة ، يهىء له شيطانه طرق الحصول على مبتغاه من تلك الفتاة ، فبعقله الخبيث لم يقتصر الأمر فقط على أنه يريدها وسيلة للثراء ، بل تملكت منه الدناءة ، بأنه أصبح يمنى نفسه بها ، وأن يظفر بجمالها ، قبل أن يفعل أحد آخر
______________
بأحد المنازل التى تشبه القلاع ، رجال متفرقون بكل مكان ، يراقبون كل صغيرة وكبيرة ، وأصوات كلاب ضخمة تنبح بحديقة المنزل ، فذلك المنزل ملكاً لأحد رجال الأعمال المشهورين ويدعى عامر الرفاعى

تجلس شهيرة برفقة والدها ، ذلك الرجل الذى يجلس بكل غرور و كبرياء ، ينفث دخان سيجاره الغالى ببرود، فهو رجل معروف عنه القوة والجبروت فى سوق رجال الأعمال ، و هى ابنته الوحيدة التى قام بتربيتها بدلال زائد عن الحد المطلوب والمعقول

لاحظ حركتها المتململة وفرك يديها منذ جلوسها ، فهتف بها متسائلاً:
–:” مالك يا روح بابى متعصبة ليه كده من ساعة ما جيتى حاسس أن فى حاجة مخبياها عليا”

حكت شهيرة جبهتها ، فسرعان ما نظرت لوالدها بتبرم :
–:” أكمل يا بابى اليومين دول مش مريحنى خالص حاسة كده كأنه مش أكمل اللى أعرفه”

قطب عامر حاجبيه قائلاً:
–:” ليه عملك ايه يا حبيبتى قوليلى “

تركت شهيرة مقعدها ، وظلت تروح ذهاباً وإياباً أمامه وهى تقول بغيظ مفرط :
–:” أحواله كده مش عجبانى وكمان من كام يوم رجع هو وكنزى متأخر لما سألته قالى ملكيش دعوة وزعقلى يا بابى”

نهض عامر عن مقعده الوثير وصاح غاضباً:
–:” إيه زعقلك ! هو نسى نفسه ولا ايه ده كمان هو مش عارف انتى مين وبنت مين ولا ايه لو نسى احنا نقرصله ودنه قرصة صغيرة كده علشان يفتكر وميعملهاش تانى”

أقتربت منه شهيرة وهى تقول ببرود :
–:” مش للدرجة دى يا بابى ثم انا اعرف اتصرف معاه كويس وأعرف أخليه يرجع يحترمنى إزاى تربية الحوارى ده كمان”

وضع عامر سيجاره بفمه ، وأخذ نفساً عميقاً ، سرعان ما نفثه ببرود وهو يقول:
– مش أنتى اللى صممتى تتجوزيه ، وسيبتى أحسن شباب من أكبر العائلات ، وطلبتى تتجوزيه

وضعت شعرها خلف أذنها وقالت :
– أنا كنت عايزة واحد يبقى خاتم فى صباعى وميقدرش يرفض ليا طلب

مد عامر يده وداعب وجنتها بلطافة :
– وهو زى الخاتم فى صباعك ولو حاول يتنمرد أنا أعرف أتصرف معاه كويس ، لأن مش أى حد يقدر يزعل وحيدتى وأنا أسكتله ، أنا أندمه على اليوم اللى أتولد فيه

إبتسمت شهيرة على قول والدها ، وقبلته على وجنته وهى تقول:
– ربنا ما يحرمنى منك يا بابى أنا لازم أمشى دلوقتى سلام

لم ينسى عامر تقبيل جبين إبنته قبل رحيلها وقال :
–:” مع ألف سلامة يا حبيبتى ولو فى أى حاجة بلغينى ماشى يا شهيرة”

إبتسمت شهيرة له قائلة :
–:” ان شاء الله يا بابى وتسلملى يارب على الدلع ده كله”

–:” أنا معنديش غيرك يا شهيرة وتدلعى براحتك يا حبيبتى “
قالها عامر بحب لإبنته الوحيدة

فتذكرت شهيرة إخباره بأمر سفرها ، فنظرت إليه قائلة:
–:” أه أفتكرت كنت عايزة أسافر اليونان يابابى”

نظر لها عامر وتساءل :
–:” تعملى ايه هناك يا حبيبتى”

قالت شهيرة بحماس :
– :” أصحابى يابابى مسافرين وعايزة اسافر اتفسح معاهم بقالى فترة مسفرتش أى مكان”

أشار عامر لعينيه بالتوالى قائلاً :
–:” بس كده من العين دى قبل العين دى”

أبتهجت بقول أبيها فقالت :
–:” ميرسى أوى أوى يا بابى أنت أجمل أب فى الدنيا دى كلها”

أقتربت منه تحتضنه بسعادة غامرة ، متناسية أمر زوجها وطفلتها ، فكل ما يهمها هى سعادتها هى فقط ، فهى إبنة أنانية لأب افسدها بدلاله الزائد لها

لوحت له بيدها وهى تقول:
–:” عايز منى حاجة يا بابى قبل ما أمشى”

رد عامر قائلاً :
–:” سلامتك يا روح بابى بوسيلى كنزى”

–:” يوصل ومتنساش بقى حجز التذاكر لليونان”
قالتها شهيرة وأقتربت من باب المنزل

ولكنها سمعت صوت والدها وهو يقول:
–:” أنتى هتاخدى كنزى معاكى اليونان يا شهيرة”

إستدارت إليه وقالت بنفى :
–:” لاء هسيبها هنا مع باباها لأن لو أخدتها مش هعرف أستمتع بالرحلة هبقى متقيدة بوجدها”

لم يستحب والدها قولها ، فقال بصوت مستاءاً قليلاً:
–:” بس دى بنتك يا شهيرة إزاى تسيبيها هنا يعنى وتسافرى”

نفخت شهيرة بضيق وقالت :
–:” بليز يا بابى متعمليش زى أكمل لما يقعد يقولى دى بنتك خدى بالك منها ، هى كنزى فيها إيه عايزة اعرف هى بتلبس احسن لبس بتروح احسن الحضانات عايشة فى مستوى عالى ايه ناقصها تانى”

حاول عامر التخفيف من وطأة ضيقها ، فهتف بها قائلاً :
–:” اهدى يا حبيبتى مش معنى انك خلفتيها ضد رغبتك أنك تهمليها دى برضه بنتك فى الأول والآخر”

اشاحت بيدها وهى تقول:
–:” أنا مأهملتهاش أنا بس مش عايزة ابقى زى الستات اللى يبقى كل همها تاكل وتشرب وتنيم واهمل نفسى وجمالى واتحول لحاجة كده شبيه بست”

لم يجد طائل من الجدال بينهما ، فهتف بها قائلاً :
–:” خلاص يا شهيرة يلا روحى وبكرة التذاكر هتبقى عندك”

ردت شهيرة قائلة :
–:” اوك يا بابى سلام”

فتحت الباب وخرجت ، تشعر بعصبية طفيفة من حديث والدها حول علاقتها بابنتها ، ففكرت لماذا يظن الجميع أنها تكره طفلتها ؟ فهى تريد ان تعيش حياتها فقط ، قبل فوات الأوان ، وتتحول من إمرأة جميلة ، إلى امرأة فاقدة الحياة وتُضيع حياتها وشبابها وجمالها ، فى أمور المنزل المملة من وجهة نظرها ، فهى رأت العديد من صديقاتها يشكين من تربية أولادهن ، ورأتهنج كيف تحولن من الأناقة والجمال إلى مجرد نساء يفتقرن للحياة ، ويطلق عليهن نعت “نساء بائسات”
_______________
فى الصباح الباكر ،ومع تسلل أول خيوط النهار ، من خلف السحابة السوداء ، التى كان الليل يخيم بها على السماء ، كانت ليان تاركة فراشها ، فأغتسلت وتوضأت وأدت فرضها ، وفكرت أن تخرج لحديقة المنزل ، لإستنشاق بعض الهواء النقى ، قبل إستيقاظ من بالمنزل ، فهى ربما على وشك أن تحرم من كل هذا ،فخرجت لحديقة المنزل بحرص ، فهى تنتعل حذاء خفيف لايصدر صوتاً بسيرها ،

أسفل تلك الشجيرة المفضلة لديها ، كانت تجلس بإرتياح ، فعقدت ذراعيها وجلست بصمت تراقب المنزل ، كأنها تريد حفر تفاصيل ذلك المشهد الذي تراه بعقلها ، وبخضم أفكارها ، لم تنتبه لخطوات ذلك الذى يقترب منها وعيناه تتأمل وجهها البرئ على ضوء النهار ، ولكن حدسها أنبأها بأن أحد قادماً بإتجاهها

فألتفتت ليان جانبها ، فرأت رفيق يقترب منها ، ولكن عوضاً عن نهوضها لتعود للمنزل ، ظلت ساكنة مكانها ، كأن قدميها لن تستجيب لأمرها ، أو ربما لا يعنيها أمر وجوده أو لا

– صباح الخير عاملة إيه دلوقتى
قالها رفيق وهو يقف بالقرب منها عاقدًا ذراعيه

فتحاشت النظر إليه وردت بإقتضاب :
– صباح النور ، الحمد لله نحمد ربنا خير كنت عايز حاجة

ألتوى ثغره بإبتسامة قائلاً:
– عايز سلامتك يا ليان هعوز منك أنتى ايه يعنى

نظرت إليه بسرعة ولمحت فى عينيه هذا البريق من السخرية غير المتناغمة ، وهذا ما جعلها تجفل إذ أن وجهه لم يكن ينم عن شئ ، بل كان أشبه بالبريق المضئ بليلة معتمة ، كان ذلك البريق علامة للهيمنة ، فتذكرت ليان أن رفيق كان منذ أن رأته لم يكن سوى رجل فظ غليظ القلب

فزفرت بخفوت وهى تشعر بالإستياء :
– أحسن برضه أنك مش عاوز منى حاجة ، ريحتنى والله

ضم ذراعيه أمام صدره وقال :
– مش بالظبط كده يا ليان ، أنا بس كنت حابب أعرف خططك إيه لأيامك اللى جاية ، لأن لازم أعرف ناوية على إيه

– ده شئ ميخصكش
قالتها ونظرت إلى ملامحه الجانبية ، وخاصه شعره الكثيف ، وأثر تلك الندبة بوجهه ، كان مزيج من القوة والنضوج والرهبة ، وهذا ما أزعجها كثيراً

نظر إليها عن عمد وقال :
– ميخصنيش إزاى وأنتى وأخوكى جدتك سابتكم أمانة فى رقبتى ، وأنتى بقيتى أمر واقع فى حياتى

كزت ليان على أسنانها وقالت بغيظ :
– ممكن أوى تتخلى عننا ويكون أفضل للكل ، لأن أنا الصراحة لا طيقاك ولا طايقة أشوف وشك ولا حتى أسمع صوتك

قال رفيق بهدوء :
– أنا بس هعذرك علشان الظروف اللى أنتى فيها وبعد كده هيبقى ليا كلام وتصرف تانى معاكى يا ليان لأن مش من طبعى أستغل حد فى ظروف ضعفه

قالت ليان وهى تتبسم بسخرية :
– شهم أوى أنت الصراحة يا أستاذ رفيق ، هتخلينى أعيط من فرط شهامتك

عمقت إبتسامة صغيرة خطوط السخرية المحيطة بفمه وهو يقول :
– المشكلة يا ليان أن عقلك لسه بيفكر بمنطق الأطفال بس معذورة أنتى لسه برضه مراهقة ومتعرفيش توزنى كلامك أو أمورك كويس لازم حد يوجهك وجايز الحاجة الوحيدة اللى كنت بعتب على الحاجة علية الله يرحمها فيها ، أنها دلعتك بزيادة ومخلتكيش تعرفى تحطى حدود لكلامك مع حد سواء كنتى بتحبيه أو بتكرهيه ، ودى الصراحة تبقى إسمها قلة أدب ودلع فارغ وتفاهة

ألتقطت ليان أنفاسها المتتابعة ، ومازالت كلماته يدوى صداها بعقلها ، فذلك الرجل الطويل غير المبتسم ، والذى يقف أمامها كالمارد ، ليس بشاب يمكن أن ينمق حديثه من أجل إرضاء أحد سواء صغيراً أو كبيراً ، لقد أخافها بوجهه الجامد وملامحه البارزة وعينيه الحادتين وسخريته اللاذعة

فأنسابت دموعها رغماً عنها ، ولكن عملت على إزالتها ، وهبت واقفة أمامه وهى تصرخ بوجهه :
– أنت واحد قليل الذوق ومعندكش دم كمان

أنهت عبارتها ورفعت يدها لتصفعه على وجهه ، فأنتهى بها الأمر ، وكفه العريض قابضاً على أصابعها ، تشعر بسحقه لعظام يدها

بيأس حاولت تخليص يدها من بين أصابعه القابضة عليها كقضبان من الحديد ، تحركت بعصبية وهى ترى نفسها تكاد تشعر بأنفاسه تحرق وجهها ، وفجأة كفت عن التحرك ، فنظرت بعيناه تحاول سبر أغوارها ، لمعرفة لما يظل يزعجها إلى هذا الحد

رأى هدوءها ، ففضل ترك يدها ، ربما هى تأذت من فعلته ، فنظر إليها ، فتحاشت هى النظر إلى أعماق عينيه ، فسألها :
– أنتى ليه بتعملى كده يا ليان ماهو مش معقول كرهك ليا ده كله بسبب أن أشتريت أرض باباكى أنا حاسس كده زى ما يكون فى سبب تانى

أحنت رأسها وهى تدلك يدها ، لتخفف شعورها بالألم ، فأجابته بتبرم :
– لا تانى ولا تالت هو مش فى ناس أول ما تقابلها تكرهها من غير سبب أهو أنا كده كرهتك من غير سبب

رجفة صوتها أنباته بأنها تكذب بهذا الشأن ، ولكن لا يعلم علام هى تكذب ، فتطلع إلى وجهها وقد بدا شاحباً فى ضوء النهار ، وفى عينيها تعبير مبهم ، لا يعلم هل هو تعبير الخجل أم ماذا ، لأن بتلك اللحظة لم يقرأ بها نظرة الكره ، التى أعتاد أن يراها منها

فانحنى إلى الأمام ، وأمسك معصمها بأصابعه الطويلة ، فأنفعلت لرد الفعل المباغت ، والرعشة التى تغلغلت فى عظامها وقال :
– مش عارف ليه مش مصدقك يا ليان ، المشكلة أنك الواحد يقدر يقرأ اللى جواكى بسهولة ، أينعم فى الأول كان باين فى عينيكى الكره ، لكن فى اللحظة دى لاء ، وأنا زى ما قولتلك أنتى بقيتى أمر واقع فى حياتى ، زى ما أنا كمان بقيت أمر واقع فى حياتك

أطلقت زفرة مهزوزة وقالت :
– أنت مفكر نفسك دكتور روحانى وهتقعد تحلل شخصيتى وردود أفعالى

إبتسم على نحو غريب عندما قالت ذلك فرد قائلاً:
– مش دكتور روحانى ولا حاجة بس جايز علشان عارف البنات فى المرحلة دى تقريبا بيفكروا إزاى تقدرى تقولى أن أنا بقول كده من واقع خبرتى

صمت لهنيهة فما لبث أن قال بإهتمام بعد شعوره بإرتجافها يدها بين كفه :
– أنتى مالك بترتعشى ليه كده ، أنتى بردانة ولا حاسة أنك تعبانة قوليلى

لم يكتفى بقوله ، بل رفع يده اليمنى ووضعها على جبينها يخشى أن تكون أصيبت بحمى مفاجئة ، ولكن لم يجد بها شيئاً فإبتسم بدهاء :
– حرارتك مش مرتفعة ولا حاجة ، أمم تكونيش مكسوفة علشان ماسك إيدك ، عمر ما فى حد مسك إيدك قبل كده ؟

جفلت ليان ، لأن ثقته الزائدة بأقواله ، أوحت لها بأنه ربما عارك الحياة بالجيد والسىء ، فهل هو رجل خبير بالنفس البشرية وخاصة النسائية ، ليستطيع قول هذا أم ماذا ؟

فأرادت إنهاء هذا الجدل بينهما ، وسحبت معصمها من بين يده وقالت :
– الظاهر كده أنك حبيت دور الواصى عليا ، بس أحب أقولهالك مش أنا اللى ممكن أسمع كلام لحد وخصوصاً لو الكلام ده مش عاجبنى زى كلامك كده وفره لنفسك عن إذنك

تركته وعادت للمنزل ، فهو يعلم أنها مهمة ليست سهلة أن يستطيع كبح جماح تلك الفتاة ، فهل كان محقاً بقبول رعايتها هى وشقيقها ، أم كان هذا حماقة من جانبه ، أن تعيش بكنفه فتاة ، كالهرة الشرسة ، التى لا تستطيع إخفاء مخالبها ، فتمزق كل من يقترب منها ، ولكنه ظل يسأل نفسه لما يروقه شراستها ؟ صاحبة تلك العينان المُسكرة ، فإن أراد التوبة عن خمر عينيها ، فل ينال توبته أبدًا ، وهذا ما أيقن منه الآن
______________
زرع ماجد غرفته ذهاباً وإياباً ، يكاد يموت قهراً ، كلما تذكر ذلك المشهد ، الذى رأه بالمشفى ، وكيف كان هذا الرجل يحتويها بين أحضانه واضعاً ذراعيه حولها
فظل يضرب بقبضة يده بغضب عارم على مكتبه ، حتى شعر بألم شديد فى يده ، ولم يكتفى بهذا بل قام بنثر الاوراق والكتب التى كانت أمامه محدثة جلبة فى الغرفة ، دخلت على إثرها والدته تنظر اليه بتعجب

فأنحنت تلملم الكتب وهى تقول بغرابة :
–:” فى ايه يا ماجد انت رامى كتبك كده ليه على الأرض ايه اللى حصل”

أطلق ماجد زفرة قوية وهو يرتمى على مقعده مغمغماً:
–:” مفيش يا ماما بس هم وقعوا منى غصب عنى”

وضعت صابرة الكتب من يدها على سطح المكتب ، فرمقته بتساؤل قائلة :
–:” هو فى ايه اللى حصل فى العزا يا ماجد من أمبارح ومن ساعة ما رجعنا وانت مش طايق نفسك حتى انت وابوك فضلتوا لاخر العزا ورجعت انا لوحدى من عزا الستات”

مسح ماجد وجهه بيده وهو يقول :
–:” علشان بابا كان عايز يطمن على ليان وباسم هيعملوا ايه بعد موت جدتهم”

تساءلت صابرة بشئ من الفضول :
–:” اه وهيعملوا ايه بقى يا ماجد”

شعر ماجد بنبرة الفضول بصوت والدته ، ولكنه يعلم أنه فضول من أجل رغبتها فى إبعاد ليان عنه ، فرد بضيق وقال :
–:” معرفش يا ماما محدش قال حاجة بس أمها وجوزها شكلهم هيخدوهم معاهم على القاهرة هيروحوا فين يعنى ما هو مش معقول هيعيشوا هنا لوحدهم”

قالت صابرة بعدم إكتراث :
–:” طيب ربنا يوفقهم اعمل حسابك احنا هنسافر و هنرجع بيتنا بكرة”

إعتدل ماجد قائلاً:
:” بس بس يا ماما مينفعش نمشى دلوقتى ونسيبهم فى الظروف دى قبل ما نطمن عليهم”

عقدت صابرة ذراعيها أمام صدرها وقالت بتبرم :
–:” بس ايه وبتاع إيه ما خلاص عزينا وعملنا الواجب نفضل هنا تانى ليه عايزين نشوف مصالحنا أنت ناسى أن الترم التانى فى الدراسة خلاص مبقاش عليه كتير وأنت وأخواتك هترجعوا دراستكم مش عايزة حجج فارغة”

أزدرد ماجد لعابه قائلاً برجاء :
–:” خلينا بس ياماما اليومين دول و هنرجع البيت بعد ما بابا يطمن ان ليان وباسم هيروحوا مع أمهم وكمان تكون أيام العزا خلصت”

مصمصت صابرة شفتيها وهى تقول :
–:” أبوك برضه اللى يطمن ولا أنت اللى تطمن على ليان أنا قولتلك سيبك من الموضوع ده خالص اللى فى دماغك لو انطبقت السما على الأرض مش هيحصل يا دكتور”

أنتفض ماجد من مكانه وهو يقول بحدة :
– :” ماما كفاية كلام بقى فى الموضوع ده كل شوية حرام كده”

ردت صابرة قائلة ببرود :
–:” انا بس بعرفك اللى فيها يا ابن بطنى “

خرجت صابرة من الغرفة ، فجلس ماجد تلك المرة على الفراش، ممتعضاً من حديث والدته ، التى لديها الاصرار التام على التفريق بينه وبين ليان ، ألا يكفى ذلك الخوف الذى زرع بقلبه منذ رؤيته ذلك الرجل المدعو …رفيق
_________________
لم يكن والد زوجته بالعادة يستدعيه هكذا بوقت باكر ، فأثناء خروجه من المنزل ، متجه إلى مقر عمله ، جاءه إتصال مُلح منه بضرورة رؤيته على وجه السرعة ، فقاد أكمل سيارته ،وهو يفكر بأى شأن هو يريده ، فربما زوجته المصون ، ذهبت إليه شاكية ، ولا يعلم تلك القدرة العجيبة التى تملكها بأن تخرج من الأمور بصورة المجنية عليها

فزفر أكمل وهو يقود السيارة ، مدمدماً بغيظ :
– ياترى يا شهيرة هانم عملتى إيه المرة دى بسلامتك وأبوكى عايز منى إيه ، يارب خلصنى من الناس دى بقى هو انا هفضل اتعاقب على غبائى ده كتير

ظل يحدث نفسه طوال الطريق ، حتى وجد نفسه أمام منزل ” عامر الرفاعى ” فأطلق بوق السيارة ، ففتح الحارس له الباب ، فهو يعلم أنه قائد السيارة هو صهر رب عمله

ولج أكمل بسيارته للداخل ، وترجل منها ، إصطحبه رجلاً حتى وصل للمكان المتواجد به عامر ، فهو يبدو عليه أنه يتناول إفطاره

فتقدم أكمل قائلاً:
– صباح الخير يا عامر باشا

رفع عامر يده بترفع يشير إليه بالجلوس:
– صباح النور ، تعال أقعد أفطر

– جلس أكمل على أحد المقاعد وهو يقول:
– شكراً يا باشا أنا فطرت ، أنا جيت علشان حضرتك طلبتنى خير

وضع عامر قطعة من الجبن الأبيض بفمه ، وهو يحدق بوجه أكمل ، ولكن سرعان ما قال :
– أنا جبتك علشان أعرف أنت مزعل بنتى شهيرة ليه

أنتفخت أوداج أكمل فعلا صوته قليلاً :
– أنا يا باشا اللى مزعلها أنت مش عارف بتعمل ايه فيا أنا وبنتها كأننا مش عايشين معاها فى البيت

رفع عامر يده قائلاً:
– وطى صوتك يا أكمل وأنت بتتكلم مفهوم

كم يشعر أكمل بالكره تجاهه وتجاه إبنته المدللة بذلك الوقت ، بل يشعر بالمقت الشديد لنفسه ، أنه وقع بالمنتصف بينهما ، ولكن إذا حاول الخروج ، ربما سيتسبب ذلك بخسارة فادحة ، ستتمثل بصغيرته ” كنزى “

إستند أكمل بمرفقه على المائدة الطويلة وزفر بإرهاق :
– أنت عايز منى إيه دلوقتى يا باشا

مسح عامر فمه بمحرمة قطنية بيضاء وهو يقول بشبه أمر :
– عايز بنتى متضايقش من أى حاجة وتعاملها كويس ومتزعلهاش وإلا أنا كده اللى هزعل وأنت عارف زعلى وحش يا أكمل ولا إيه أظن أنت مش حابب تتأذى ومش هتبقى أنت لوحدك لا وصاحبك رفيق كمان متنساش أنكم انتوا الاتنين شغالين فى السوق بأمرى أنا وممكن أمر واحد كمان وتلاقى نفسكم بقيتوا على الحديدة

لم ينبث أكمل ببنت شفة ، بل ظل صامتاً يتطلع بوجه والد زوجته بهدوء ، فطالت النظرات بينهما ، إحداهما فحواها تهديداً صريحاً ، وأخرى مزينة بكراهية مبطنة

نهض أكمل عن مقعده وهو يقول بهدوء :
– أى أوامر تانية يا باشا علشان أتأخرت على شغلى بس ياريت يا باشا تفكر بنتك أن أنا جوزها وعندنا بنت أحسن تكون ناسية ولا حاجة عن إذنك

خرج أكمل من المنزل ،بينما ظل عامر جالساً مكانه ، فهو لا ينكر أن أكمل محق بما قاله ، ولكن حبه الزائد لإبنته ، يجعله يتغاضى عن رؤية الأمور بمنظور أخر غير ماتراه هى ، فهى منذ وفاة والدتها ، وهو يحرص على رعايتها وتدليلها ، لايريدها أن تشعر بالحزن أو الضيق ، حتى وإن كان ذلك على حساب أقرب الناس إليها ، فهو حقاً أب أنانى ، وهو يقر بتلك الحقيقة بداخله
_________________
ما يحدث أشبه بالكابوس ، الذى لا طاقة لها على الخلاص منه ، فكان رأسها يمتلئ بضجيج الأفكار ، التى ما فتأت تعود إليها ، مذكرة إياها بمصيرها المحتوم ، فهى تجلس الأن بالصالة الفسيحة ، وتوافدت النسوة ثانية ، لتقديم المواساة لها بثانى أيام العزاء ، كما تجرى العادة بالقرى الريفية ، من أن العزاء يقام ثلاث أيام

وضعت يديها على جانبى رأسها وأنحنت للأمام ، تشعر بألم يكاد يفتك برأسها ، فربتت والدتها على ظهرها بقلق :
– ليان مالك فى إيه

لم تفه ليان بكلمة ، بل غامت عينيها وسقطت من على مقعدها مغشياً عليها ، فصرخت إلهام بفزع وهى تركع بجانبها :
– ليان ليان مالك فى إيه ردى عليا

تجمع النسوة الجالسات حولها ، تحاول كل منهن إفاقتها ، فصار الهواء ساخناً من تجمع أنفاسهن ، فأشارت لهن إلهام بالإبتعاد وهى تقول :
– معلش إبعدوا شوية علشان النفس كده هتتخنق أكتر

حرج طفيف ألم بوجوههن ، فأسرعن بتقديم عبارات المواساة ، وأنصرفن سريعاً ، حاولت إلهام إفاقتها ولكنها لا تستجيب لها ، فجسدها أصبح بارداً كالموتى

فلم يتبقى أحد معها لمساعدتها ، فجلبت كوب من الماء ترشق وجهها به ، ولكن لم تأتى فعلتها بفائدة ،فهرولت خارج المنزل للحديقة ، التى يجلس بها الرجال

فصاحت منادية :
– فاروق باسم ألحقوا ليان مغمى عليها إلحقونى

أنتفض باسم من جوار رفيق ، فركض للمنزل يتبعه رفيق وفاروق ، أقترب باسم منها وهو يربت على وجهها ،وطفرت عيناه بالدموع وهو يقول:
– ليان ليان فوقى متسبينيش يا ليان

لم ينتظر رفيق سماع كلمة أخرى من أحد ، بل أنحنى حاملاً إياها ، وخرج سريعاً إلى سيارته المصفوفة أمام المنزل ، وضعها بالمقعد الخلفى وهو يقول :
– باسم أركب بسرعة

جلس باسم على المقعد المجاور له ، فانطلق رفيق بالسيارة ، ومازال فاروق وإلهام ينظران لبعضهما البعض ، فهو لم يكلف نفسه عناء إخبارهما للمجئ برفقتهم

فنظر فاروق لإلهام وشرار يتطاير من عيناه :
– هو إيه اللى عمله البنى أدم ده هو مين اللى أداله الحق يعمل كده هو مجنون ده ولا ايه وخد ولادك وطار حتى مقالش تعالوا معانا

حاولت إلهام تهدئة زوجها فقالت :
– جايز علشان الناس اللى بتعزى برا سابك هنا وانا كمان فى ستات بتيجى كل شوية

وضع فاروق يده بخصره وهو يقول:
– لا يا شيخة وهو مين أصلا وقاعد هنا ليه لحد دلوقتى مش خلاص عمل الواجب إمبارح مروحش على بيتهم ليه

جلست إلهام على الأريكة خلفها وهى تمسح جبهتها :
– معرفش يا فاروق ثم يعنى هنطرد الراجل من البيت ونقوله أمشى ثم خلاص هانت بكرة والموال يتفض وكل واحد هيروح لحاله يلا أخرج أنت برا على ما يرجعوا من المستشفى

بجهد لا يذكر ، كان رفيق يضع ليان على سرير الفحص الطبى ، من أجل معاينة الطبيب لها ، فبعد معاينتها ،جلس الطبيب خلف مكتبه ودون أسماء عقاقير طبية وهو يقول بمهنية :
– هى شكلها أغمى عليها بسبب عدم أكلها ، فحصلها هبوط لازم تاخدوا بالكم منها أكتر من كده ، هى جسمها ضعيف خالص ولازم تتغذا كويس ، أتفضل دى روشتة بأسماء الأدوية اللى لازم تاخدها الفترة دى

أخذ رفيق من يده الورقة ، فسمع صوت تأوهات خافتة تأتى من خلفه ، فإستدار إليها وجدها بدأت بإستعادة وعيها المفقود

فهمست ليان بضعف :
– باسم

أقترب منها باسم ، إثر سماعه لها تناديه ، فأخذ يدها بين كفيه وهو يمنع نفسه بصعوبة من البكاء قائلاً :
– ألف سلامة عليكى يا ليان كده تخوفينى عليكى يا ليان دا أنا دلوقتى مليش غير ربنا ثم أنتى يا حبيبتى

أنزلقت دموعها من بين أهدابها وهى تحاول طمأنته :
– متخافش يا حبيبى أنا معاك أهو يلا نروح

حاولت الجلوس ، فأسرع باسم بمساعدتها ، فأستندت على كتفى شقيقها ، وهى تترك مكانها ، فهى تشعر بأن قدميها رخوتين ، ولن تستطيع حملها ، كادت تسقط أرضاً لولا ذلك الذراع القوي ، الذى أمتد إليها ليحول بين سقوطها

سحبت يدها سريعاً كأن ماس كهربائى أصابها ، فأتخذت من ذراع شقيقها متكًأ ، فعلى الرغم من علمها بأن بنية باسم الجسدية ليست بقوة بنيته ، ولكنها لن تفكر مطلقاً بأن تسمح له بالإقتراب ، حتى وإن كان له الحق بذلك
__________________
جلست بالشرفة تراقب النجوم التى ألتمعت بالسماء ، فحبها يشبه تلك النجوم ، فهو لامعاً براقاً ولكنه أيضاً بعيد ومستحيل المنال ، وضعت وجنتها على يدها وهى تتنهد من وقت لإخر ، فإلى متى ستظل هكذا

لم تشعر بمجئ بسمة ، إلا بعدما رأتها تفرقع بأصابعها أمام وجهها :
– هااااا يا بنتى روحتى فين

أرتعشت نسرين فجأة فقال بصوت كاد يذوب من الخوف :
– الله يسامحك يا بسمة رعبتينى يا شيخة وقطعتى خلفى

قهقهت بسمة وهى تجلس بجانبها ، فوكزتها بكتفها وهى تقول:
– اللى واخد عقلك يا حبيبتى يتهنى بيه

عادت نسرين ثانية لتأمل النجوم وهى تقول :
– هو واخد عقلى بس عقله هو وخداه واحدة تانية شكلى هفضل طول عمرى مليش حظ فى حاجة أبداً يا بسمة

ربتت بسمة على ساقها بإشفقاق :
– يبقى خلاص سيبك منه بقى وشوفى حالك يا بنتى ، أنتى هتفضلى عمرك كله كده ، دا حتى ميرضيش ربنا

– عيزانى أعمل إيه يعنى يا بسمة
قالتها نسرين وهى تستدير برأسها لها

فتبسمت بسمة قائلة :
– عيزاكى تشوفى حالك بقى وبطلى ترفضى العرسان دا انا حتى خطيبى جايبلك حتة عريس لقطة زميله فى الشغل وهو وحيد أبوه وأمه وعنده شقة وعربية وحالته متيسرة

تبسمت نسرين رغماً عنها وهى تقول :
– هو أنتى وخطيبك بقيتوا فاتحين مكتب جواز وبتوفقوا راسين فى الحلال يا بسمة

وكزتها بسمة بضيق وهى تقول :
– ده جزائى يا بت أن جيبالك عريس قيمة وسيما دا انا استخسرت أوديه لحد تانى قولت أنتى أولى بيه وفكك بقى من الباشمهندس مالك ده اللى مش هيجيلك من وراه إلا وجع القلب

كممت نسرين فم بسمة ، حتى لا يستمع أحد لقولها ، خاصة أن صوتها عالياً ، فهتفت بها قائلة:
– أكتمى يا بسمة بصوت ده هتفضحينى منك لله

أزاحت بسمة يد نسرين من على فمها وقالت :
– ما أنتى تغيظى يا نسرين فوقى بقى من أوهامك دى خليكى عملية شوية بلاش رومانسية المسلسلات التركية دى اللى هتوديكى فى داهية ، هو يا حبيبتى غرقان لشوشته فى حب أنثى اليربوع اللى إسمها ماهيتاب الشريف دى ، يبقى أنتى بقى شليه من دماغك وشوفى العريس ده مش جايز يعجبك وتستلطفيه

صمتت نسرين فهى لا تجد ما تقوله ، فربما بسمة محقة بكل كلمة تفوهت بها ، عندما رأى بسمة أنها أستكانت لحديثها

مسدت على ذراعها وقالت بلطف :
– صدقينى أنا عايزة مصلحتك يا نسرين وأنتى عارفة أنا بحبك قد إيه فعلشان كده بقولك أدى نفسك فرصة وقابلى العريس ده ارتاحتى للموضوع كان بها ما أرتاحتيش يا دار ما دخلك شر وربنا يبعتلك نصيبك اللى يريح قلبك

وضعت نسرين رأسها بين يديها وهى تفكر بما أقترحته بسمة ، فحديثها يحمل جزءًا كبيرًا من الحقيقة ، التى ترفض هى أن تراها ، عازمة على أن تظل غارقة ببحر أوهامها من أنه سيأتى اليوم ويشعر مالك بحبها له ، ولكن ربما ستظل منتظرة لأبد الدهر ، فكم هى تشعر بالنقم على قلبها ، الذى لا ينصاع لحديث العقل أبداً ، ولكن يجب عليها أن تروضه على إطاعتها
__________________
سمع صوت طرقات خفيفة على الباب ، فنهض من على فراشه ليرى من الطارق ، فى هذا الوقت المتأخر من الليل ، فتح الباب فشعر بالدهشة من رؤيتها واقفة على عتبة الباب بعينان ساحرة وشعر مسدول على كتفها وحول وجهها ، تضع يديها حول جسدها تتلمس الدفء فى هذا الليل الشديد البرودة

برودة تغزو الاوصال وترتجف لها الأبدان ، تنظر اليه بعينان حزينتان ، عالق بهم آثار البكاء المرير الذي لم تكف عنه منذ ماحدث لها

فلم يمنع دهشته وهو يقول :
–:” ليان”

خفضت وجهها أرضاً وهى تقول بتلعثم :
–:” رفيق أنا أنا……..

شعر رفيق بالقلق فقال :
–:” فى ايه يا ليان مالك”

نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها قائلة :
–:” أنا خايفة أوى يا رفيق”

قطب رفيق حاجبيه قائلاً بغرابة:
–:” خايفة من ايه وايه اللى مخوفك اوى كده”

مسحت الدموع بظاهر يدها وهى تقول :
–:” خايفة من الدنيا واللى ممكن يجرالى منها بعد ما تيتة راحت وسابتنى”

حاول بث الإطمئنان بها فقال :
–:” متخافيش يا ليان انا معاكى ومش هسيبك مش عايزك تخافى”

مد يده يمسح دموعها بابهامه ، يريدها أن تكف عن البكاء ، فتلك العينان لايحق لها سوى السعادة والفرح ، وجدها تندفع نحوه تضع يديها حوله تخفى وجهها بصدره ، ربما كان اختل توازنه من قوة اندفاعها ، فى الارتماء بين يديه

إلا انه ظل ثابتاً ، لا يصدق ما فعلته لتوها ، فرفع يده ببطئ يقبض ويبسط اصابعه فى حركة مترددة ، أيحتويها ام يدفعها عنه ، وجد نفسه يحاوطها بقوة مغمض العينين يستند بذقنه على رأسها ، صار قلبه تقفز دقاته محدثة جلبة بين ضلوعه

فمن أين ظهرت له تلك الساحرة ، التي هدمت عالمه الهادئ الخاوى من المشاعر الانسانية فى بضعة أيام قليلة قابلها فيها

فسمعها تقول بما يشبه الرجاء :
–:” أنا مش عيزاك تسيبنى ابدا أنا مليش غيرك دلوقتى يا رفيق”

وقع اسمه منها بتلك النبرة الآسرة على مسامعه ، كنغمة عذبة لاقت هوى بنفسه من سماعها ، فهو يستمع لاسمه يومياً مئات المرات ، لماذا يشعر باختلاف تلك المرة؟ لأن من تتفوه به ليست كمثل أى أحد

ماذا فعلتى بى أيتها الصغيرة ؟ كيف غزوتى قلبى وأسرتيه ؟ كيف هدمتى راحتى واستقرار قلبى؟ جعلتيه صاخبا رافضاً الانصياع ، اشعلتى به ناراً ، لا تكفى انهار لاطفاءها ، فكيف السبيل الى العودة الى عالمى القديم ؟
فأنا لا اريد مزيد من الجراح ، فجراحى مازالت تنزف بداخلى فأدمت قلبى ، حتى بدأت أصدق ان ليس لدى قلب بين ضلوعى ، فماذا افعل أنا الآن وانتى قريبة تهدمى ما تبقى من عالمى بعينيكى الآسرة وبكاءك الذى يمزق نياط القلوب ؟

تساؤلات عدة طرحها عقله عليه ، يريد منه إجابة عن كل تلك الاسئلة ، التى لا يعلم كيف سيجيبه عليها ، فهو قد عاد قلبه ينبض من جديد ، تلك النبضات التى حطمت قلبه سابقاً ، تاركة إياه ممزق الفؤاد وبروح فاقدة الحياة ، ولكن بأيام ليست بالطوال عاد قلبه ثانية إلى الخفقان ذلك الخفقان المؤلم وكل هذا بسبب تلك الساحرة الصغيرة

فرد قائلاً بعزم وإصرار :
–:” أنا مستحيل اسيبك ياليان بعد ما لقيتك عمرى ما هخليكى تبعدى عنى أو اتحرم فى يوم إن اشوفك فيه”

يجيبها بإصرار أنه لن يجعلها تبتعد عنه حاسماً أمره ، فهو اولاً وأخيرا آدم الذى لا يستطيع ان يعيش بدون حواء خاصته رفعت اليه وجهها ، فأحاطه بين كفيه و أغمض عينيه ، وظل يقترب منها بدقات قلب عالية صاخبة جنونية ، فكلما اقترب تزداد ضربات قلبه جنوناً

فتح عينيه مرة واحدة ، بعد سماعه صوت منبه هاتفه، يعلن عن بداية يوم جديد ، فانتفض من فراشه ومسح وجهه بيده فكل ما حدث ، كان حلم هيأه له عقله اثناء نومه، وقف بجوار الفراش بأنفاس لاهثة ، كأن لايوجد هواء فى رئتيه ، كأنها سلبته حتى انفاسه ، من مجرد حلم
وجد نور الصباح يملأ الغرفة ، فاليوم قد فاتته صلاة الفجر التى يحرص على ان يؤديها فى وقتها

فدمدم مأنباً لذاته:
–:” استغفر الله العظيم هو ايه اللى بيحصل ده أنت أتجننت يا رفيق استغفر الله العظيم”

ظل يردد أدعية الاستغفار ، فدلف إلى المرحاض و توضأ وخرج بدأ صلاته ، وهو يحاول تهدئة نفسه ، فهو يحمد الله ان كل هذا مجرد حلم وليس حقيقة ، فهو يجب عليه أن يكف عن الركض خلف تلك الاحلام ، التى كانت السبب بدمار قلبه فى الماضى
____________
يتبع…..!!!!!!!!

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى